محمد سعيد حنشي
يعتبر علم المخطوط، أو ما يعرف (بالكوديكولوجيا) من العلوم الفتية التي تستحق أكثر من غيرها مزيدا من الاهتمام في عالمنا العربي، إذ ما زال أغلب باحثيه ودارسيه؛ رغم قلتهم؛ يكتفون بالوفاء النظري له، والإشادة العاطفية به من خلال بحوث ودراسات تفتقر إلى العمق، على هامش دورات، ومؤتمرات، وندوات معدودة، وغير متخصصة، تنظم هنا وهناك. في حين يحتاج لكي يستوي على سوقه، ويُنتَفَع به على الوجه الأمثل، تأصيل مصطلحه، وتقويم منهج عمله، وتعميق بحوثه وتنويعها لتشمل دراسة كل المكونات المادية للكتاب المخطوط، كالورق وأنواعه، والتسفير وأشكاله، والزخرفة ومدارسها، والكراسات وطرق ترتيبها، وأشكال ترقيمها، والأمدة والأحبار ومعرفة مكوناتها، وكيفية إعدادها، وتتعداه كذلك لتشمل دراسة التملكات، والوقفيات، والأختام، والإجازات، والسماعات، وتقاييد المطالعة والمقابلة، والإعارة، والطرر والحواشي، وتقييد الختام، والتقاييد والفوائد المتنوعة المكتوبة على هامش متون النسخ الخطية، لأن خوارج النص هي مادة هذا العلم، ولا غنى للمفهرس، والمحقق، والدارس عنها، لأنها مرجع أساس في دراسة الكتاب المخطوط والتأريخ له، وهي قمينة بتوفير المادة العلمية اللازمة للمشاريع العلمية الكبرى التي ينبغي أن تنجز في الوطن العربي، ككتابة تاريخ للكتاب العربي، وتاريخ لخزائن الكتب بمختلف الأقطار والأمصار، وفهرس شامل للكتب العربية المخطوطة، ومعجم للنساخ، وموسوعة لمالكي الكتب وتوقيعاتهم، وأشكال أختامهم، ومعجم لمصطلحات الكتاب العربي المخطوط.
وسنحاول في هذا البحث بيان أهمية التملكات في الكتاب العربي المخطوط، والدور الذي يمكن أن تسهم به في تطوير بحوثه، وخدمة المشاريع العلمية الكبرى المرتبطة به.
2 ـ التعريف بخوارج النص في الكتاب العربي المخطوط وبيان أهميتها:
خوارج النص: هي كل مكونات الكتاب المخطوط ما خلا المتن العلمي لهذا الكتاب، وتتألف من خمسة عناصر أساس:
أ ـ الحوامل المادية للكتاب المخطوط: وتشمل كل ما كتب عليه المخطوط من لخائف، وعسب، وكرانيف، ولحاء، وبردي، ورق، وورق، وطرق إعدادها وطيها؛
ب ـ الأمدة والأحبار وأنواعها وطرق إعدادها؛
ج ـ التسفير بأنواعه وأشكاله؛
د ـ الزخرفة باختلاف مدارسها؛
ر ـ التقاييد والفوائد المتنوعة المكتوبة على هامش متون النسخ الخطية، أو في فاتحتها أو غاشيتها كالإجازات، والسماعات، والتملكات، والوقفياتت، والتوقيعات، والأختام، وتقاييد التصحيح، والمقابلة، والمطالعة، والإعارة، وتقييد الختام. وهي من البيانات والمباحث المهمة التي لا غنى عنها بالنسبة للمحققين والدارسين، لأنها تمكنهم من الرجوع إلى الأصول لدراستها دون الاعتماد على وسائط مضللة كالفهارس غير المفصلة، والنقول غير الدقيقة، ومن أهم فوائد خوارج النص المساعدة في تأريخ النسخ الخطية غير المؤرخة، وتوثيق غير الموثق منها، ومعرفة قيمتها التاريخية والفنية، واستنباط جملة من الفوائد العلمية، والحقائق التاريخية المرتبطة بها.
وسنقتصر في هذا البحث على بيان الأهمية الكبيرة التي تكتسيها دراسة التملكات المكتوبة على طرة الكتاب المخطوط وحاشيته، أو في فاتحته وغاشيته، أو على صدره وخاتمته، وكثير من المفهرسين، وزمرة مهمة من المحققين، لا يلتفتون إليها أصلا أثناء عملهم، أو لا يولونها ما تستحق من العناية والاهتمام، في حين أننا إذا تتبعناها بصبر الراسخين، وأناة المحققين، وتؤدة الموثقين، نستطيع أن نجني من ورائها من الفرائد، والنكت والفوائد، ما يجل عن الحصر، ويمكن إجمال بعضها في ما يلي:
- توثيق الكتب غير الموثقة النسبة؛
- معرفة أنواع التملكات وصيغها؛
- إبراز قيمة النسخ الخطية تبعا لمن تملكها؛
- معرفة محاور هجرة المخطوطات وانتقالها بين الأمصار أو داخل البلد الواحد بين الأفراد؛
- تحديد مراكز وأسواق بيعها؛
- الوقوف على خطوط الملوك والأمراء والعلماء والأعيان من خلالها؛
- معرفة مشتريها، وبائعيها، والوسطاء في عملية البيع؛
- معرفة الكتب التي كان يقبل الناس على اقتنائها؛
- معرفة أنواع النقود والمسكوكات التي كان يتعامل بها عبر العصور؛
- دراسة تطور طرق صياغتها وأشكال كتابتها؛
- الكشف عن بعض التقاليد الراسخة في ثقافتنا، كالتصحيح والمقابلة بعد التملك، والتطرير والتحشية بعد القراءة؛
- الوقوف على المرجعية العلمية لمالكيها من العلماء؛
- تصحيح بعض الأحكام والأوهام التاريخية الشائعة؛
3 ـ التملكات: وأشكالها وصيغها وأنواعها وبيان أهميتها:
لا تخفى أهمية التملكات في دراسة الكتاب المخطوط، فمن خلالها يمكن معرفة قيمته التاريخية، وهجرته زمانا ومكانا، وطرق حيازته، وتحديد تاريخه التقريبي إن كان غير مؤرخ، والمساعدة في توثيقه إن كان غير موثق، وغير ذلك من الفوائد التي يمكن أن تتيحها دراسة التملكات للباحثين والدارسيين. فبعض النسخ الخطية تزيد قيمتها ونفاستها بفضل من تملكها، مثل المخطوطات الخزائنية التي تتميز عن غيرها بجودة ورقها، وفخامة تسفيرها، وأناقة نسخها، ودقة تصحيحها، ومقابلتها، وجمال زخرفتها، كذلك الشأن بالنسبة للنسخ المكتوبة بخطوط العلماء، أو دخلت في ملكهم، والتي غالبا ما توشح بطررهم، وتعليقاتهم، وبعض ملحوظاتهم.
ويكون التملك خطيا مجملا أو مفصلا، كما يكون على شكل توقيع أو ختم، وله مجموعة من الصيغ تختلف باختلاف الأمصار، وتقاليد توثيق العقود، وقد وقفنا على أكثر من عشرين صيغة مختلفة من صيغ التملك في المخطوطات العربية، نذكر منها:
ـ ملك لله تعالى بيد مملوكه فلان...
ـ من فضل الله تعالى على عبده...
ـ من نعم الله على عبيده فلان...
ـ بيد مالكه...
ـ تملكه فلان من طريق...
ـ دخل هذا الكتاب في ملك عبيد ربه...
ـ تشرف بتملك هذا الكتاب عبد الله فلان...
ـ انتقل إلى ملك راجي رحمة مولاه...
ـ في نوبة العبد الفقير...
ـ من منة الله تعالى على عبيد ربه...
ـ من منن الله تعالى على عبده...
ـ لعبد الله فلان...
ـ آل إلي بالشراء من...
ـ صار إلي بالإرث من...
ـ من كتب الفقير إلى رحمة ربه...
ـ شرفت بتملك هذا السفر...
ـ حاز هذا المجلد فلان...
ـ من كتب خزانة فلان...
ـ كتب برسم خزانة فلان ...
هذه بعض الصيغ التي وجدناها في النسخ الخطية التي اطلعنا عليها.
وقد وقفنا على أنواع عدة من طرق تملك الكتب المخطوطة وحيازتها وهي:
أ ـ التملك بالشراء الشرعي الصحيح الصريح:
وهو أشهر أنواع التملك في الكتاب العربي المخطوط وأَسْيَرُهَا وأَهَمُّهَا من حيث المعلومات المبثوثة فيه، ويكون إما ببيانات مفصلة عن البائع والمشتري، أو من ينوب عنهما، والشيء المشترى؛ وثيقة كان أو كتابا، أو مجموعة كتب؛ وذكر عناوينها مفصلة، أو مجملة، وبيان قيمتها التاريخية أو الفنية، مع تحديد مكان البيع وتاريخه، والوسيط فيه ذلك إن كان، وذكر أسماء الشهود إن حضروا، والتصريح بالرضى بالبيع، والإبراء عند الحيازة والقبض. وقد يكون ببيانات مجملة، لا تتعدى أحيانا السطر والسطرين يُذكَر فيه اسم المشتري، وتاريخ الشراء، ولا داعي للتمثيل لهما هنا لأن صيغتهما معروفة ومتداولة في المخطوطات.
وقد استوقفتنا مجموعة من الظواهر في بعض عقود الشراء، التي وجدناها في نسخ خطية بعينها، نذكر منها ظاهرتين اثنتين:
ـ الأولى ظاهرة الإنابة في شراء الكتب، وكان يلجأ إليها، بشكل خاص، السلاطين، والأمراء، والوجهاء، لكي يتفادوا مغالاة أصحاب الكتب، أو السماسرة، في أثمانها، ونكتفي هنا بإيراد نموذج واحد من هذه الطريقة في الشراء ورد في النسخة رقم: 953 من حاشية على الاكتفا لسليمان بن أبي سلهام الحصيني (ت1178هـ) نقتطف منه ما يلي: «اشترى بحول الله وقوته الطالب... أحمد بن الغزواني الفرجي العماري، نائبا في الشراء عن الفقيه أحمد بن الحاج العباس الزموري، ولا حق له في ثمن ولا مثمون، من البائع...علي بن أحمد الدكالي المراكشي، جميع هذا المجلد المحتوي على الجزء الأول من حاشية سيدي سليمان بن أبي سلهام الحصيني على الكلاعي في سيرة المصطفى ×، شراء تاما صحيحا، جائزا منجزا، دون شرط يفسده ... بثمن قدره ونهايته جميع خمسة وعشرين أوقية فضة دراهم سكة تاريخه. قبض البائع المذكور جميع الثمن المذكور قبضا وافيا معاينة، وبرئت ذمة المشتري المذكور من درك القبض أتم إبراء وأكمله، وحاز النائب المذكور لمن ناب عنه جميع المشتري المذكور حوزا تاما معاينة، وذلك بعد اعترافه بالنظر والتقليب والرضى كما يجب، وعلى السنة في ذلك...»([2]).
ـ والثانية ظاهرة السمسرة أو الوساطة في بيع الكتب أو شرائها، وهي ظاهرة قديمة، كانت منتشرة على وجه الخصوص في الحواضر الإسلامية الكبرى، كفاس، ومراكش، وغيرها. ويكون السمسار (أو الدلال) إما بائعا، وسيطا في البيع أو في الشراء، ونكتفي هنا بذكر نموذج واحد، ورد في عقد شراء نسخة من كتاب الشفا للقاضي عياض عياض (ت 544هـ) تحمل رقم: 2079، اشتراها «محمد بن امحمد زروق الزلماطي من السمسار الحاج محمد الشرتي بفاس العتيق حرسها الله في جمادى الثانية عام 1120 من هجرة النبي ×»([3]).
ب ـ النوع الثاني التملك من طريق الإرث:
وهو من أنواع التملك المعروفة في النسخ الخطية، وقد وقفنا على كثير من نماذجها، لكن الصنف الأكثر اطرادا فيها هو انتقال الكتب من الأب الهالك إلى ولد يخصصه من إخوته، أو إلى أولاده جميعا توزع بينهم كما توزع سائر التركة، ويمكن أن يستمر هذا الإرث من الأصل إلى الفرع لفترة طويلة من الزمن، نمثل لهذه الحالة بنسخة نفيسة من سيرة اليعمري (ت 734هـ) تحمل رقم 2147، فقد تملكها بالشراء الصحيح سيدي محمد صالح بن محمد الملقب بالمعطى (ت 1139هـ) بالشراء من السيد بلعباس بن مروان في فاتح صفر سنة 1120هـ، ثم انتقلت بالإرث إلى ولده المعطى بن صالح صاحب كتاب ذخيرة المحتاج، ثم انتقلت بالإرث لولده سيدي رضوان بن المعطى، ثم انتقل إرثها إلى أخيه عبد السلام([4]). كذلك الحال بالنسبة للنسخة رقم 2819 من كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، فقد تملكها عبيد الله بن محمود بن عطاء الله بالشراء من بلدة تنبكتو، ثم صارت لمحمد بن سعيد بالشراء الصحيح، ثم آلت لابنه محمد بن محمد بن سعيد بالإرث من والده([5]).
ج ـ التملك من طريق الاستكتاب أو الاستنساخ:
وهو من أنواع التملك المعروفة في الكتب المخطوطة، ويصرح به في تقييد ختامها بذكر الاسم الكامل لمن كتبت برسمه النسخة، ويعزز في الغالب بذكر تاريخ الفراغ من النسخ، ويُذكر أحيانا مكان النسخ، والأجرة المتفق عليها لإنجاز هذه العملية، وهذا النوع كثير الاطراد في المخطوطات، نكتفي بالتمثيل له بنموذجين اثنين:
ـ الأول: وجدناه في النسخة رقم 11719 من كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (ت911هـ) التي نسخت وقوبلت بنسـخة مؤلفها في الثالث من صفـر سنة 960هـ، على يد أحمد بن محمد بن أحمد الأبطح الهيتمي، كتبها للعلامة تاج الدين الأبشيهي الشافعي([6]) .
ـ والثاني: وقفنا عليه في النسخة رقم: 5588 من كتاب غيث النفع في القراءات السبع لعلي بن محمد النوري الصفاقسي (ت1117هـ) ، فقد نسخها محمد بن العربي بن أبي القاسم بن الصالح السجلماسي يوم الأربعاء 28 جمادى الثانية عام 1206هـ للفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن البوعصامي بأجرة محددة وهي عشرون أوقية دراهم فضة سكة تاريخه([7]).
وقد يصرح بتملكها من طريق الاستنساخ في صدرها أو في خاصتها وهو قليل، نمثل لذلك بالنسخة رقم: 576 من كتاب في الطب لأبي عبد الله محمد بن حنين العجمي حيث ذكر في أولها أن أحد متملكيها المشطوب اسمه «تملكها بالاستنساخ في مدينة فاس بثمن قدره مثقال وربع سكة تاريخه، عام ثلاثة عشر ومائة وألف»([8]) .
د ـ التملك من طريق الصدقة:
وهو من صيغ التملك القليلة الاطراد في الكتب المخطوطة مقارنة مع الصيغ الأخرى السالفة الذكر، وقد وقفنا على نماذج قليلة منه، فقد ورد مثلا في المجموع رقم: 12122 الذي يضم بعض الرسائل في علم القراءات، أنه «تملكه على وجه الصدقة امحمد بن امحمد خمليش من ابن عمه محمد الفاسي في العاشر من ذي الحجة عام 1297هـ»([9]) .
ر ـ التملك من طريق المعاوضة:
وهو أيضا نوع قليل الاطراد في الكتب المخطوطة، وقفنا على شاهد منه في النسخة الخطية رقم 3805 من كتاب الشمائل للترمذي (ت 279هـ) ، التي جاء في أولها: «الحمد لله لشيخنا الفقيه العلامة، قاضي الجماعة في وقته، أبي عبيد الله سيدي عبد الكريم، نجل شيخنا ... محمد بن أحمد التملي الروداني، ملك كاتبه سامحه الله هذا المجلد المشتمل على نسخة الشمائل النبوية ... بوجه المعاوضة معه بنسخة أخرى مثلها تصنيفا مقبوضة منه تمليكا تاما. شهد به على نفسه، وأشهد من سيقف عليه بذلك في متم رمضان المعظم عام 1293هـ. عبيد ربه تعالى العباس بن محمد الطبستي»([10]).
س ـ التملك من طريق الهبة الطوعية:
وهي هبة لا يشوبها إكراه، ولا تؤدى قيمتها أو تقايض بسلعة أخرى، لأنه يقصد بها وجه الله تعالى، وطلب جزيل ثوابه، وتكون تعبيرا عن محبة شخص، أو تبجيله وتكريمه، أو طمعا في قربه، ونمثل لهذا الصنف من التملك بشاهدين اثنين:
ـ الأول ورد على خاتمة نسخة الشفا التي تحمل رقم: 2264، فقد وهبها «مالكها محمد ابن الطيب بن عبد الرحمن جبور على وجه الرضى والمحبة للفقيه البركة السيد محمد المهدي، نجل البركة السيد محمد الماحي، يبقى في خزانته من جملة غيره، قاصدا بذلك وجه الله العظيم، وثوابه الجسيم»([11]).
ـ والثاني في النسخة رقم: 2716 من كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، فقد تملكها أحمد بن محمد بن عبد السلام الحسني العلمي الشفشاوني بالشراء، ثم سلمها على سبيل الهبة لشيخه محمد بن محمد بن عبد الواحد الحراق الحسني العلمي عام 1248هـ([12]) .
ص ـ الحيازة على سبيل الرهن لقاء دين أو غيره
فقد كانت المخطوطات إلى عهد قريب ترهن لقاء دَيْنٍ أو غيره كما ترهن الأشياء النفيسة، وهذا عقد معروف متداول في الكتب المخطوطة في المغرب نمثل له بالنسخة رقم 3396 من كتاب أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (ت 734هـ) التي ورد في أولها ما يلي: «الحمد لله أشهد كاتبه، عفا الله عنه، أنه رهن هذا المجلد لحامله سيدي عبد الله بن أحمد الهلالي المسرري بثمان أواق دراهم فضة بسكة تاريخه، قبضه منه، وبقي هذا المجلد مرتهنا عنده، في الثالث والعشرين من جمادى الأولى عام اثنين وسبعين ومئة وألف. عبد ربه المحجوب بن أحمد التمناوي»([13]) .
وقد وجدنا صيغة أخرى في بعض النسخ الخطية يظهر فيها لفظ التملك مع الرهن غير مشوب بلَبْسٍ، مثل النسخة رقم: 1786 من سيرة اليعمري (ت 734هـ) جاء في أولها ما يلي: «الحمد لله، ملك لله بيد مملوكه محمد بن حسين بخمسة وثلاثين أوقية فضة بالرهن من سيدي يحيى بن شعيب الجراري في أوائل ربيع النبوي 1133هـ»([14]) .
ط ـ الحيازة على سبيل العارية:
هناك بعض طرق حيازة الكتب المخطوطة التي ليست تملكا صحيحا صريحا، لكنها كانت وسيلة سانحة لتملكها، منها العارية، وهي أنواع:
ـ عارية مطلقة غير مقيدة بشرط، تخص شخصا بعينه، أو جماعة من الناس، ويكون المعير إما شخصا، أو مؤسسة كخزانة كتب مثلا، ويكتب نص الإعارة لإقامة الشهادة، أو خوفا من الموت، أو من ضياع العارية، أو غير ذلك من الآفات، نمثل لهذا النوع بشاهد وجدناه في رسالة محفوظة بالخزانة الحسنية تحت رقم: 14056 في شمائل المصطفى ×، لمحمد بن علي بن أبي السداد الأموي (كان حيا سنة 704هـ) ، جاء فيها : «الحمد لله، هذا الكتاب بيدنا على وجه العارية للفقيه السيد الحاج محمد بن أحمد الخطابي، وقيد في 13 صفر الخير عام 1271هـ، ... وقيدتُ هذا خوفا من فجأة الموت الذي لا بد منه، ولا محيد لمخلوق عنه، أماتنا الله مسلمين. آمين»([15]).
ـ أما النوع الثاني من العارية فتُقَيد بشرط أو أكثر، لضمان سرعة استرجاعها، فالمجموع رقم 878 الذي يوجد ضمنه رسالة في وفاة النبي × استعير من أجل نسخه فقط ثم يرد إلى صاحبه، وذلك ما يدل عليه التقييد الذي ورد في أوله: «أحمد الله وحده، هذا المجلد المبارك عارية بيدي من يد العبد محمد بن عبد الرحمن على نية النسخ إن شاء الله، ونرده له. وكتب الحروف ... أبو جماعة بن أحمد الهنفيف، تاب الله عليه آمين»([16]).
ـ والنوع الثالث من العارية، العارية الجارية، التي لا يؤمل ردها، ولا يرتجى استرجاعها، وتسبل ابتغاء مرضاة الله تعالى، واستجلابا لثوابه العميم، وقد وجدنا لها شواهد منها نسخة الشمائل للترمذي (ت 279هـ) المحفوظة بالخزانة الملكية تحت رقم 3183 جاء فيها: «الحمد لله، يشهد الواضع شكله إثر تاريخه، أن في يده هذه النسخة من شمائل النبي × على وجه العارية الجارية بين المسلمين، من عند ربها الفقيه البشير العامري التزامري، يشهد به على نفسه، وأدى شهادته لمن يشهد عليه في الرابع عشر من محرم الحرام فاتح خمسة وثلاثين ومائتين وألف»([17]).
هذه أهم أنواع تملك المخطوطات وطرق حيازتها التي وقفنا عليها، ومن خلال تتبعنا لبيانات عقود توثيقها تمكنا من استنتاج عدد كبير من الملاحظات المفيدة عن الكتاب المخطوط منها:
* تحديد أسماء مالكيها والوقوف على نماذج من خطوطهم وعلمهم: وهم إما أفراد من عامة الناس ظلوا أوفياء لتقاليد راسخة ورثوها أَباً عن جد، تجعل حب الكتاب والحرص على اقتنائه مقدما على غيره من المتاع، وإما أشخاص مميزون لهم شهرة وجاه، كالملوك، والأمراء، والعلماء، والوزراء، والوجهاء، والولاة، والقضاة، والنسَخ الخطية التي تدخل في ملكهم يغلب عليها الندرة، والنفاسة، والضبط، وأما التي تُكتب برسم خزائن كتبهم، وتُعرف بالمخطوطات الخزائنية، فتتميز عن غيرها بجودة ورقها، ونفاسة تسفيرها، وبراعة نسخها، وجمال زخرفتها وتذهيبها، ودقة تصحيحها ومقابلتها، وغالبا ما تُوَشّح بطرر وحواش في شرح الغريب من لغتها، والتعريف بالمجهول من أعلامها، وتحقيق وتوثيق أخبارها وأشعارها، والتنبيه على مواضع الوهم والزلل فيها، وتعد هذه الطرر مثالا يحتذى في التحقيق، ونموذجا يقتدى في الضبط والتوثيق، وتعكس المستويات العلمية، والاهتمامات المعرفية لأصحابها.
وبفضل هذه الطرر والتملكات أيضا يمكن الوقوف على خطوط العديد من الملوك والعلماء والوجهاء، وتَبَيُّنِ أشكال أختامهم، ومعرفة نوع الكتب التي كانوا يقبلون على شرائها وقراءتها، وقيمة ما بذلوه في سبيل اقتنائها، كما يمكننا إحصاء عددها، ومعرفة أسماء خزانات الكتب التي كانت محفوظة فيها، وأماكن وجودها، وأسماء خازنيها والقيمين عليها.
* رصد محاور هجرة المخطوطات وتحديد مراكز بيعها: يفيد تتبع بيانات التملكات أيضا في رصد محاور هجرة المخطوطات، ويمكن تقسيم هذه الهجرة إلى قسمين:
ـ هجرة صغرى، ويمكن أن نرصد فيها تنقل المخطوطات بين مجموعة من متملكيها داخل بلد معين، أو حاضرة بعينها، أو أسرة علمية مشهورة، في حقبة زمنية محددة، قد تطول وقد تقصر.
ـ وهجرة كبرى يمكن أن نرصد من خلالها تنقل المخطوطات بين الأقطار والأمصار في حقب زمنية مختلفة، وذلك من خلال محاور معروفة أهمها:
ـ المحور الأول: وهو محور المشرق والمغرب، والعكس، وهو الأكثر شهرة ونشاطا، وانتقلت عبره العديد من الكتب، وكان سبب النشاط الذي عرفه هذا المحور الرحلات العلمية والتجارية المزدهرة بين الطرفين، ورحلات الحج الموسمية، والمهمات السفارية، والهدايا المتبادلة بين سلاطين وأعيان الدول التي تعاقبت على الحكم، فقد نجد نسخا خطية كتبت في بغداد، وبيعت في مصر، ثم أعيد بيعها في الأندلس والمغرب، أو كتبت في قرطبة أو مراكش وبيعت في القاهرة أو بغداد، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ـ المحور الثاني: وهو محور الأندلس والمغرب، وقد عرف حركة تجارية وعلمية نشيطة عرفت أوج ازدهارها إبان حقبة حكم الموحدين، والمرينيين، وتوجد في المغرب الأقصى بشكل خاص مجموعة كبيرة من النسخ الخطية التي عليها تملكات أندلسية وهي بحاجة ماسة لفهرسة دقيقة، ودراسة عميقة.
ـ المحور الثالث: هو محور المغرب والصحراء الممتدة إلى نهر النيجر؛ وهو الأقل شهرة؛ وقد عرف هذا المحور ذروة نشاطه في العصر السعدي، فقد كانت بين تنبكتو مثلا ومجموعة من الحواضر المغربية علاقة تجارية متينة من بين أهم بضائعها أحمال الكتب، وقد وقفنا على نسخ خطية مهمة مشتراة من تنبكتو، محفوظة في بعض خزائن الكتب المغربية، فالنسخة المحفوظة في الخزانة الملكية تحت رقم: 4028 من كتاب «كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب» للسيوطي مثلا نسخت في المشرق بيد أحمد بن زين الدين الخطيب الشريفي الشافعي يوم الأربعاء 23 شعبان سنة 982هـ، وانتقلت إلى تنبكتو على وجه ما، ثم اشتراها خالد بن حسين من أحد أسواق هذا البلد من الدلال المؤذن الخياري، ووهبها لأحمد بن أبي سالم إبراهيم، ومنه انتقلت إلى الخزانة الملكية.
كذلك النسخة 3091 من كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي تملكها محمد بن عبد الرفيع بن صالح بالشراء من بلدة تنبكتو عام 1082هـ، وعليها تملكات أخرى، ثم قر قرارها في الخزانة الملكية بالرباط.
ويمكننا من خلال هذه التملكات أيضا معرفة الحواضر والقرى والمداشر التي كانت تضم أسواقا نافقة لبيع الكتب، منها من احتفظ بإشعاعه الحضاري، ورواجه التجاري، صامدا في وجه حوادث الأيام، وتعاقب الدهور والأزمان، كحاضرة فاس، والقاهرة، وبغداد، وتلمسان، وقرطبة، وغرناطة، ومراكش، ومكناسة، وبرقة، وتنبكتو، وغيرها من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي، ومنها من خمل ذكرها وطواها الإهمال والنسيان وأغلبها قرى نائية، ومداشر قاصية كانت في يوم ما شاهدة على حضارة مزدهرة، أو مراكز لحركة علمية أو صوفية نشيطة، ومنها من أفل نجمها، فصارت أثرا بعد عين لا ذكر لها ولا خبر.
* دراسة المسكوكات على اختلاف أنواعها وأشكالها: تمكننا دراسة التملكات ذات البيانات المفصلة الموجودة في النسخ الخطية من الوقوف على أنواع كثيرة من أسماء القطع النقدية والمسكوكات التي بيعت بها هذه الكتب، ومعرفة حقبة تداولها، وتحديد قيمتها، وهذه البيانات ينبغي أن تكون مرجعا وعمدة للدراسات والبحوث التي تنجز في هذا المجال.
* دراسة تطور صيغ التملكات وأشكالها: يتيح لنا تتبع أنواع التملكات في الكتاب العربي المخطوط ملاحظة تطور صيغها وأشكالها، فكثير من التملكات القديمة صيغت ببيانات موجزة في جملة أو جملتين على الأكثر، يضم أغلبها اسم المالك، وتاريخ التملك، ثم تطورت بمرور الزمن إلى صيغ ببيانات مفصلة تحوي جملة من الأخبار والفوائد أشرنا إليها آنفا، كذلك الشأن بالنسبة للأختام التي عرفت في عصر حكم المماليك في المشرق، وحقبة حكم الموحدين والمرينيين في المغرب تطورا كبيرا في صيغها وأشكالها.
* تصحيح بعض الأحكام والأوهام التاريخية المتداولة: تمكننا دراسة المعطيات الكوديكولوجية في المخطوطات العربية من تصويب بعض الأحكام التي أطلقت دون استقصاء وَتَبَيُّنٍ في قضايا محددة، أو حوادث تاريخية معينة، كتصحيح نسبة كتاب لمؤلفه، أو تصويب تاريخ وفاة مؤلفه، أو ناسخه، أو مالكه، أو إثبات تداول كتاب أو مجموعة كتب في حقبة زمنية معينة تكاد تجمع المصادر التاريخية على عدم تداولها، لسبب من الأسباب الدينية أو السياسية، أو إثبات وجود خزائن كتب في أماكن معينة، أو عند أشخاص بعينهم، لا ذكر لها في المصادر، أو تبين خطوط وتوقيعات بعض الأعيان، ونبهاء الزمان، طوى التاريخ ذكرَهم، وعَفَّى خبرَهم. لكن أخطر الأوهام التي يمكن أن تصححها دراسة خوارج النص في الكتاب العربي المخطوط ذلكم الذي يتعلق بتاريخ هذا الكتاب، وتطور الفنون المرتبطة به، وبشكل أخص في منطقة الغرب الإسلامي، كالتسفير وأنواعه ومدارسه، والزخرفة وتطور أشكالها، والورق العربي وأنواعه، والرق وطرق إعداده، وامتداد استعماله في الكتابة، والأحبار وكيفية صنعها، لأن الكثير من النسخ الخطية تكشف عن جوانب منسية، أو غير معروفة من تاريخ هذه الفنون.
هذه إذن بعض الفوائد والفرائد التي يمكن نجنيها من دراسة جانب واحد من خوارج النص في المخطوط العربي، وهي التملكات، وكل ما نأمله أن يكون لهذه القبسات الخاطفة، والومضات العابرة، أثر في توجيه عناية أساتذتنا، وهمم طلبتنا إلى مثل هذه البحوث والدراسات التي ما تزال أبكارا أترابا في خدورها لم ترقب، ودررا في أصدافها لم تثقب، فيخوضون غمارها بقوة الراسخين، وعزم الراشدين، عسى الله أن يفتح عليهم ما استغلق علينا بسبب تقصيرنا، وسقيم فهمنا.
والحمد لله الذي تتم به الصالحات.
فهرس المصادر والمراجع
1- الإتقان في علوم القرآن لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، النسخ الخطية رقم: 2716، 2819، 11719، 3091 محفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط.
2- أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، نسخة خطية رقم: 3396 محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
3- حاشية على الاكتفا لسليمان بن أبي سلهام الحصيني، نسخة خطية رقم: 953 محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
4- الشفا في تعريف حقوق المصطفى، لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي، النسخ الخطية رقم: 2079 و 2264 محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
5- الشمائل المحمدية، لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي، النسخ الخطية رقم: و 3183 و 3805، محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
6- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لمحمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري، نسخة خطية رقم: 1786 و 2147، محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
7- غيث النفع في القراءات السبع، لعلي بن محمد النووي الصفاقسي، نسخة خطية رقم: 5588، محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
8- كتاب في الطب، لأبي عبد الله محمد بن حنين العجمي، نسخة خطية رقم: 14156.
9- مجموع يضم رسائل في علم القراءات، لمجموعة من المؤلفين، محفوظ في الخزانة الحسنية بالرباط رقم: 12122 .
10- مجموع يضم رسالة في شمائل المصطفى ×، لمحمد بن علي بن أبي السداد الأموي، محفوظ في الخزانة الحسنية بالرباط رقم: 14056 .
11- مجموع يضم تقييدا في وفاة النبي ×، مؤلفه غير مذكور، محفوظ في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم: 878.
[1] توطئة :
لقد أصبح الحديث عن أهمية التراث العربي وتنوعه وغناه، وإسهامه الكبير في بناء صرح الحضارة الإنسانية، من الحقائق التي لا يماري فيها إلا جاحد، أو صلف معاند، لكن هذه الحقيقة التي سلم لنا بها الأصدقاء والأعداء من الغرباء، تترتب عليها مسؤوليات جسام ينبغي النهوض بأعبائها بما يلزم من القوة والكفاءة، والوسائل والإمكانات، لتوفير أماكن لائقة بحفظ هذا التراث، وكفاءات بشرية جديرة بفهرسته، وتصنيفه، وتصويره، وتحقيقه، ودراسته، ونشره، وتعميم النفع به، وهذه المسؤوليات تتجاوز في تقديرنا طاقة الأفراد مهما كانت مؤهلاتهم العلمية، وكفاءتهم المهنية، لذلك ينبغي على المؤسسات العلمية والأكاديمية أن تنخرط بشكل فعال للنهوض بعبء هذه المشروع الكبير، وذلك بتطوير مناهج عملها، وتشجيع البحوث العلمية في رحابها، وتأهيل الموارد البشرية العاملة بها، لكن جهود بعض العلماء الأفذاذ من هذه الأمة كان له عظيم الأثر في خدمة هذا التراث العظيم، فهرسة، وتحقيقا، ودراسة، ومن خيرة هؤلاء الأفذاذ الدكتور إيراج أفشار الذي يسعدني أن أهدي إلى روحه الطاهرة هذا البحث، وإن كنت أعلم أن حقه علينا لا يقضيه بحث يهدى، ولا شكر أو شكر أو ثناء يقدم.
[2] حاشية على الاكتفا في مغازي المصطفي، لسليمان بن أبي سلهام الحصيني، فاتحة نسخة رقم: 953
[3] الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، للقاضي عياض، فاتحة نسخة رقم: 2079
[4] عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لمحمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري، فاتحة نسخة رقم: 2147
[5] الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، فاتحة النسخة رقم: 2819
[6] الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي تقييد ختام النسخة رقم: 11719
[7] غيث النفع في القراءات السبع، للصفاقسي، تقييد ختام النسخة رقم: 5588
[8] كتاب في الطب لأبي عبد الله محمد بن حنين العجمي، فاتحة نسخة خطية رقم: 576
[9] مجموع في القراءات، فاتحة نسخة خطية رقم: 12122
[10] كتاب الشمائل النبوية، للترمذي، فاتحة نسخة خطية رقم: 3805
[11] الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، للقاضي عياض، فاتحة نسخة رقم: 2264
[12] الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي فاتحة نسخة رقم: 2716
[13] أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل فاتحة نسخة رقم: 3396
[14] عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لمحمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري، فاتحة نسخة رقم: 1786
[15] رسالة في شمائل المصطفى ×، لمحمد بن علي بن أبي السداد الأموي، مجموع رقم: 14056
[16] رسالة في وفاة النبي ×، مجموع رقم: 878
[17] كتاب الشمائل النبوية، للترمذي، فاتحة نسخة خطية رقم: 3183
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: بحوث ودراسات مهداة إلى إيْرج أفْشَارْ، 2018، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، 207-224. |