المؤسِّس

معالي الشيخ أحمد زكي يماني (رحمه الله تعالى)

ولد الشيخ أحمد زكي يماني في مكّة المكرّمة، بالمملكة العربية السعودية، يوم 30/06/1930. وعاش حياة حافلة... مؤثرًا وصانعًا لتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية كبرى في زمنه. 

وعلى خطى أبيه وجدّه، الشخصيتين المرموقتين بمكانتهما في العلوم الشرعية والقضاء، حثّ الشيخ الخطى نحو طموحه الأول بأن يصبح مدرسًا. ورغم ذلك، انتهى به المطاف في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، حيث حصل على درجة الليسانس في الحقوق، عام 1951.  

بعد إتمام دراسته، باشر وظيفة في وزارة المالية في مكّة، وفي الوقت ذاته كان يعلّم الفقه. ولم يلبث الشيخ طويلاً حتى ابتعث من قبل الحكومة السعودية لدراسة القانون المقارن للمحامين غير الأمريكيين، في كلية الحقوق بجامعة نيويورك في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الماجستير في فلسفة القانون المقارن، عام 1955. 

قضى الشيخ أحمد السنة التالية في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، حيث حصل على درجة الماجستير الثانية عام 1956.

ثم عاد إلى وزارة المالية في المملكة، لينضم إلى قسم الزكاة وضريبة الدخل، حديثِ النشأة وقتها. 

أسس الشيخ، في السنة ذاتها، أول شركة محاماة في جدة، تحمل اسمه؛ حيث توسع نشاط الشركة بشكل متلاحق، ليشمل مكاتب جديدة في الرياض وفي البحرين.

تقلّد معالي الشيخ أحمد زكي يماني، سنة 1960، منصب وزير الدولة، وأصبح عضوا في مجلس الوزراء. ثم تمّ تكليفه بمنصب وزير البترول والثروة المعدنية (1962-1968).  

ويعتبر الشيخ هو المهندس الحقيقي للعديد من التشريعات القانونية العصرية في المملكة، ناهيك عن دوره البارز في التمثيل الدبلوماسي لبلاده في المحافل الدولية.  

كانت إحدى مساهماته المبكرة هي المساعدة في إنشاء جامعة رائدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للمساعدة في دعم قطاع النفط المتنامي بالموارد والخبرات البشرية اللازمة، فكانت "كلية البترول والمعادن"، التي أسست عام 1963، بموجب قرار الإرادة الملكية؛ والتي مُنحت لاحقًا اسمًا جديدًا، فأصبحت "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن".

كما كان معاليه، رحمه الله، العقل المدبّر وراء قرار سَعوَدة أرامكو، وسحب ملكيتها من الشركات الأجنبية، وهي شركة النفط الوطنية، وأكبر مُنتج للنفط في العالم.  وفي عام 1973 استحوذت الحكومة السعودية على 25% من أسهم أرامكو، ثم زادت الحكومة حصتها إلى 60 % عام 1974؛ وأخيرًا سيطرت بالكامل على أرامكو عام 1980.

وفي عام 1990، أسّس معالي الشيخ "مركز دراسات الطاقة العالمية CGES"، وهو مركز غير ربحي متخصص في تحليل سوق النفط، وبناء التوقعات المستقبلية للطلب والأسعار، وفي دراسة الجوانب الاقتصادية والسياسية للطاقة. 

كان أحد نشاطات معاليه في بداية مسيرته المهنية، كتابة المقالات في الصحف السعودية، الأمر الذي لفت إليه اهتمام الكثيرين في دوائر مختلفة. وقد تضمنت كتاباته لاحقًا العديد من الأوراق البحثية والمشاركات في المؤتمرات المتنوعة، التي غطت العديد من المجالات، من بينها النفط، والقضايا الجيوسياسية، والشريعة الإسلامية والتاريخ. 

ونظرًا لشغفه الكبير بالتراث الإسلامي المخطوط، فقد أسّس الشيخ في عام 1988 "مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي"، وذلك، من خلال "مؤسسة يماني الثقافية والخيرية".

وتمثّلت الغاية الرئيسية من إنشاء المؤسسة في توثيق التراث الإسلامي المخطوط وحفظه من الضياع والتلف، من خلال المسح والتصوير الرقمي والفهرسة والتحقيق والدراسة ونشر التراث الإسلامي. لكن، مع مرور الزمن، اتسع نطاق نشاطها، فأصبحت مؤسسةً أمّاً، تتألف من ثلاثة مراكز: مركز دراسات المخطوطات الإسلامية، ومركز موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية.

إلى جانب دوره كمؤسّس، شغل الشيخ أيضًا منصب رئاسة مجلس إدارة مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي - بمراكزها الثلاثة - لأكثر من ثلاثة عقود. 

نُشرت لمعالي الشيخ عدّة كتب ودراسات، منها: "دار السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في مكة المكرمة: دراسة تاريخية للدار وموقعها وعمارتها" (باللغتين العربية والإنجليزية)، وكتاب "الإسلام والمرأة"، والذي تُرجم إلى عدة لغات.  كما نشر، رحمه الله، العشرات من المقالات بالعربية والإنجليزية في مجالات مختلفة.  

مُنح معالي الشيخ، خلال مسيرة حياته، شهادات الدكتوراة الفخرية من جامعات متعدّدة حول العالم، ومثلها العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية.

أحبّ الموسيقى وكان مولعًا بالشعر، ممّا دفعه لتأسيس جائرة سنوية للشعر في مصر، استمرت فعالياتها سنوات عديدة، تحت اسم الراحل محمد حسن فقيه. كما ألف معاليه عددا من الأغاني، إلا أن شيئًا منها لم يُنشر.  

وكان رحمه الله ذا حسّ راقٍ وصاحب ذوق خاص في مجال الطيب والعطور، يصنع منها بنفسه ويستخلص، ويهدي نفائس ما صنع لأهله وخِلّانه. 

تُوُفي الشيخ أحمد زكي يماني في لندن يوم الإثنين، الثاني والعشرين من شهر فبراير، سنة 2021، عن تسعين سنة قضاها في السعي في الخيرات والعلوم النافعة، تقبل الله منه؛ ووري جثمانه الطيب في مقبرة جنة المعلاة في مكّة المكرّمة، بالمملكة العربية السعودية، بجوار من سبقوه من أفراد العائلة.

تغمّد الله روحه بسابغ رحماته.

خمسة وعشرون عاماً في خدمة التراث الإسلامي المخطوط


“تراث أمة في رجل"

Back to Top