إياد خالد الطباع
يهدف البحث إلى تقديم صورة عن تقنيات صناعة المخطوط في بلاد الشام،مشتملًا على صناعةالوِرَاقة الشَّاميّة وتطوّرها، والتعرّف على دور النَّاسخ، والوَرّاق، والخطّاط، والمجلّد، في بلاد الشَّام، وتحديد أدوات الكتابة وصناعتها المستخدمة في المخطوطات الشَّاميّة، وحوامل الكتابة ما يُكتب فيه، وطريقة تجليد المخطوطات، والزخرفة والتذهيب والتصوير.
وأمّا المنهج المتّبع فقد سلك الباحث المنهج التاريخي الاستردادي للاعتماد في تكوين حقائق جديدة، والمنهج الوصفي التحليلي، في عرض المادّة وتحليلها. وشملت الفترة الزمنيّة للبحث العصور الإسلاميّة المبكّرة، منذ دخول الإسلام إليها حتّى نهاية الوجود العثماني في بلاد الشام، وذلك في بدايات القرن الرابع عشر الهجري.
الفصل الأول
في
صناعة الوِرَاقة في بلاد الشَّام وتطورها
مِنَ المرجّح أنّ دمشق تعدّ أوّل حاضرة إسلامية بدأ فيها نسخ الكتب، إذ أرسل عثمان بن عفان (ت 35هـ) ÷ إليها إحدى نسخ المصاحف التي وزعها على الأمصار. الأمر الذي أدّى إلى أن يقوم الدمشقيّون بالنَّسخ عن مصحفه. ولعلّ هذه أول خطوة على طريق صناعة المخطوط في بلاد الشَّام.وكان ذلك يرافق اهتمام معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأمويّ الأوّل بالكتابة والنّسخ وجمع الكتب. فقد رُوي أنّه كان ينام ثلث الليل ثمّ يقوم ويقعد، ويحضر الدفاتر التي فيها سير الملوك وأخبارهم والحروب والمكايد فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتّبون، قد وكلوا بحفظها وقراءتها1 ؛ لذلك فقد قطعت الوِرَاقة في زمنه مرحلة يمكن أن نعدها متقدّمة؛ فضلًا عن استحضاره من اليمن عبيد بن شريه2 الذي قيل فيه إنّه: أوّل من صنّف الكتب من العرب، فسأله معاوية عن الأخبار المتقدّمة وملوك العرب والعجم وسبب تبلبل الألسنة وأمر افتراق النّاس في البلاد وأجابه. فأمر معاوية أن يدوّن ذلك ويُنسب إلى عُبيد3.
وتقدّم تاريخ الكتاب مع خالد بن يزيد بن معاوية، بعدما آلت إليه خِزانة جدّه من جهة ونمّاها هو من جهة أخرى4. ويعدّ أول من أنشأ خِزانة عامة للكتب في الإسلام5. وبذلك خطا المخطوط في بلاد الشَّام خطوة مهمة. وعاصر خالد بن يزيد الخليفة مروان بن الحكم (ت 65هـ) الذي قيل إن الكتب كثرت في أيامه وجعلت لها خزائن خاصة بها.
ولما كان زمن الوليد بن عبد الملك اتّسعت الفتوحات وكثر النُّسَّاخ. إذ كان مهتمًا بالكتب واستجلاب النسخ، وكان له نسّاخ في مكتبته6.
وما جاءت نهاية العصر الأموي حتى كان للكتاب ترتيب معين إذ إن مكتبة الخلفاء توضحت وصار بها نسّاخ وتراجمة وهذا يقتضي وجود مجلدين أيضًا7، مما يدفعنا للقول إنّ نواة المخطوط الشَّاميّ بشكل شبه متكامل من نسخ وتجليد وسوى ذلك من أعمال الوِرَاقة، بل نواة المكتبة العربية بدأت مع قيام الدولة الأموية.
إلا أنّ دمشق الشَّام أخذت سمات خاصة عندما بدأ فيها تأسيس المدارس منذ أواخر القرن الرابع الهجري على يدي السَّلاجقة، ثمّ الدولة النُّوريّة والأيوبيين والمماليك.وهيأ للجهود الفردية الآتية من الحكّام والوُلاة والتجار والعلماء ولاسيما المقادسة منهم الذين استقروا في الصالحية ونشروا الفقه الحنبلي والحديث الشريف8.
وأكثر المخطوطات المتبقية في المكتبات الشَّاميّة يرجع تاريخها إلى بداية القرن السادس الهجريّ فما بعد، ومنذ ذلك تميّز المخطوط الشَّاميّ بصفات مميّزة.
إنّ شيوع التأليف والترجمة، وانتشار الورق، والإقبال على طلب العلم ومجالسه، وازدهار علم الحديث، والاهتمام بتدوين الأدب، وانتشار العلوم وتوسّعها، أدّى إلى دخول المخطوط العربيّ في مرحلة الازدهار فقامت مهنة صناعة المخطوط التي كانت تستلزم ــ إضافة إلى المادّة العلميّة ــ وجود عدد من الصّناعات والمهن؛ وهي:
- صناعة الورق وتجارته.
- مهنة النَّسخ.
- مهنة الزَّخرفة.
- صناعة التَّجليد.
- تجارة بيع الكتب.
الفصل الثاني
في النَّاسخ والورَّاق والخَطَّاط والمُجَلّد في بلاد الشَّام
يُمكن التفريق بين الناسخ والورّاق بأنّ الناسخ هو مَن يتعاطى نسخ الكتب بالأجرة، وربّما يكون مُجيدًا، عارفًا بقواعد النسخ، واصطلاحات النُّسَّاخ، وقواعد العلم الذي ينسخه؛ وقد اقتصر استعمال هذا المصطلح على من كانوا يعملون في نسخ الكتب بالأجرة9، وكان منهم الجاهل، والعالم، وطالب العلم، والمتوسّط بينهم؛ لذلك اختلفت نفاسة النُّسخ وقيمتها وضبطها باختلاف ناسخها. وقد جرت عادة النُّسَّاخ على ذكر أسمائهم وتدوينها في آخر المخطوط، فيقولون: «نسخه (أو رقمه) فلان ابن فلان بخطّه». وهم كما تتبّعناهم عند ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» محدودو العدد، لكنّ هذا العدد كان حتى القرن السادس تاريخ وفاته، غير أنّ عددهم يفوق ذلك بكثير، إذ إنّ تاريخه يضمّ أعلامهم ممّن كان له روايةٌ أو اشتهارٌ بالعلم.
وأمّا الورّاق فهو مَن يبيع الكتب, وقد يتعاطى النَّساخة. وقد عرفت الشَّام عددًا كبيرًا من الورّاقين نظرًا لازدهار العلم والمعرفة فيها؛ فقد ذكر ابن عساكر عددًا كبيرًا منهم حتى القرن السادس الهجريّ، منهم من كان بدمشق، ومنهم من كان حولها من المدن التابعة لها والمحيطة بها؛ وقد كان منهم المؤدّب، والعالِم، والمحدّث، والرَّاوية، والرَّحَّالة، والنَّسَّابة؛ واعتنى كثير منهم بالتلقّي والسّماع والرواية. ومن10 تتبّع أخبار الوراقين نستطيع أن نصنّفهم في ثلاثة أنواع11 :
النوع الأول: ينسخ بالأجرة ويتقاضى حسب كمية المنسوخ، ومن هؤلاء مالك بن دينار.
النوع الثاني: يشتغل عند الأثرياء والعلماء والحكام لقاء أجر شهري أو سنوي. ويمثّل هذا النوع خالد بن أبي الهياج. نَسّاخ الأمويين الذي يعدّ من أوائل الورّاقين.
النوع الثالث: يمثّله طبقة العبيد الذين ينسخون لأسيادهم دون مقابل.
وكان الورّاق الجيّد يهتم بعمله ويتقنه فينتخب الورق، وينسخ الكتاب هو، أو يتمّ نسخه بإشرافه، ثمّ يصحح النسخ، حتّى إذا استوثق من الكتاب جَلَّده وباعه. ومنهم من يزوّق الكتاب ويزخرفه12.
وأثرى هؤلاء الورّاقون المكتبات بدأبهم، وقد كان لأغلب دُور الكتب والمدارس ورّاقون ماهرون فقد كان في مكتبة بني عمّار بطرابلس الشَّام 180 وراقًا، يشتغلون الليل والنهار، يتناوبون على العمل13، كما ألحق بأغلب المكتبات غرف لجلوس النُّسَّاخ وأعمالهم؛ زوّدت بما يلزمهم من أثاث ومحابر وأقلام وورق14.
وأمّا الخطّاطون فقد كثر كُتّاب الخطّ المنسوب؛ وعن البدايات في خطّ النُّسَّاخ15 نجد أنّ الخطّ في الشَّامتعلَّمه جماعة؛ فانتهت الكتابة إلى رجلين من أهل الشَّام يقال لهما: الضَّحاك16، وإسحاق بن حمّاد. وكانا يخُطان الجليل.فأخذ إبراهيم بن السّجزيِّ17 الخط الجليل عن إسحاق بن حماد، واخترع منه خطًّا أخفَّ منه فسماه الثُّلثين. وكان أخطّ أهل دهره بقلم الثُّلثين. ثمّ اخترع قلمًا أخفّ من الثُّلثين، وسماه الثُّلث. وخطُّ أهل الشَّام الجليل؛ يكتبون به المصاحف والسِّجلات.
كما عرفت البلاد الشَّاميّة عددًا من المجلّدين، ومنهم مَن كان معدودًا من الأعلام، اشتهروا بفضلهم وعلمهم، حتّى ترجم لهم علماء الرجال في كتبهم، وذكروهم بالذّكر الجميل، مثل ابن الزاغوني18، وخوروست أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلّد19، ومحمد بن عبيد الله المجلّد20، والمجلّد المطرزيّ النحويّ الخوارزميّ21.
الفصل الثالث
في
أدوات الكتابة وصناعتها في المخطوطات الشَّاميّة
تعدّدت أدوات الكتابة وأسلوب صناعتها، في مخطوطات بلاد الشَّام؛ وقد اعتنى الكُتّاب ومؤرِّخو الدواوين بذكر أسمائها واشتقاقها ووصفها22. وأدوات الكتابة وملحقاتها هي:
1 - المِقصّ.
2 - الدَّواة: والآلات التي تشتمل عليها الدَّواة، وهي سبع عشرة آلة:
3 - المِزْبَرُ، وهو القلم.
4 - المِقلمة: وهي المكان الذي يوضع فيه الأقلام. سواء كان من نفس الدَّواة أو أجنبيًا عنها. وقد لا تعدّ من الآلات لكونها من جملة أجزاء الدَّواة غالبًا.
5 - المُديةُ، أو السّكيـن.
6 - المِقَطُّ: ما يُقط عليه، ويكون من عود صلب كالأبنوس والعاج.
7 - المحبرة: وهي المقصود من الدَّواة. وتشتمل على: الجُونة: وهي الظّرف الذي فيه الليقة والحبر. والليقة: وتسميها العرب الكُرسُفَ، تسمية لها باسم القُطن الذي تتّخذ منه في بعض الأحوال.
8 - المِلْواق: وهو ما تلاق به الدَّواة أي تحرّك به الليقة. وأحسن ما يكون من الآبنوس لئلا يغيّره لونُ المداد. ويكون مستديرًا مخروطًا، عريض الرأس ثخينه.
9 - المِرملة: واسمها القديم المتربة؛ إذ كان هو الذي يُترّب به الكتب؛ وتشتمل على شيئين:
الأوّل: الظرف الذي يجعل فيه الرمل؛ ويكون من جنس الدَّواة إن كانت الدَّواة نُحاسًا. أو من النحاس ونحوه إن كانت خشبًا، على حسب ما يختاره ربُّ الدَّواة. ومحلّها من الدَّواة ما يلي الكاتب، مما بين المِحبرة وباطن الدَّواة مما يقابل المنشأة.
الثاني: الرمل؛ وقد اختار الكُتَّاب لذلك الرمل الأحمرّ دون غيره. لأنه يكسو الخطّ الأسود من البهجة ما لا يكسوه غيره من أصناف الرمل؛ وخيرُه ما كان دقيقًا.
10 - المِنْشاة: وتشتمل على شيئين أيضًا:
الأوّل: الظرف؛ وحاله كحال المِرملة في الهيئة والمحلِّ من الدَّواة من جهة الغِطاء إلا أنه لا شُبَّاكَ في فَمِه ليتوصَّل إلى اللصاق.
الثاني: اللِّصاقّ؛ وهو على نوعَين:
أحدهما: النَّشا المتخذ من البُرّ. وطريقه أن يطبخ على النار كما يطبّخ للقُماش.
والثاني: المتخذ في الكَثِيراء23؛ وهو أن تُبلَّ الكثيراءُ بالماء حتى تصير في قوام اللَّصاق. ثمّ تجعل في المِنشأة.
11 - المِنفذُ. وهي آلة المِخرز؛ تتخذ لخرم الورق.
12 - المِلزمة؛ المِلزم بالكسر خشبتان تشدّ أوساطهما بحديدة تكون من الصَّياقلة24 والأبّارين25، وهي آلة تتخذ من النُّحاس ونحوه، ذات دَفَّتين يلتقيان على رأس الدَّرج حال الكتابة ليمنع الدَّرج من الرجوع على الكاتب، ويُحبس بمحبس على الدفتين.
13 - المفرشة؛ تتخذ من خرق كتّان: بطانةً وظِهارة، أو من صوف ونحوه، تُفرش تحت الأقلام وما في معناها مما يكون في بطن الدَّواة.
14 - المِمسحة؛ وتسمّى الدَّفتر أيضًا، يُمسح القلم بباطنها عند الفراغ من الكتابة لئلّا يجفّ عليه الحبر فيفسد، ويكون مقدارها على قدر سَعة الدَّواة.
15 - المِسقاة؛ تتخذ لصبّ الماء.
16 - المِسطرة؛ من خشب مستقيمة الجنبين يسطر عليها ما يُحتاج إلى تسطيره من الكتابة ومتعلَّقاتها.
17 - المِصقلة: يُصقلُ بها الذهب بعد الكتابة.
18 - المُهرَقُ: القِرطاس الذي يكتب فيه.
19 - المِسنَّ: يتخذ لإحداد السكين.
20 - المداد والحبر وما ضاهاهما: يقال في المداد: أسودُ قاتم، وهو أوّل درجة السواد. وأمّا (الحبر) فأصلُه اللون؛ يقال فلان ناصع الحِبًر، يُراد به اللون الخالص الصافي من كلّ شيء.
- صناعة الحبر:
فصَّل صاحب (عُمدة الكُتّاب وعدّة ذوي الألباب) عمل أجناس الِمداد وأنواعها: الكوفيّة، والفارسيّة، والعراقيّة، والمصريّة، والصٍّينيّة، وما يُكتب منها في المصاحف، وذَكر عشرات من الأنواع من الأحبار السُّود، والملوّنة، وطرائق صناعتها، وما يُصنع من النباتات، وما يُكتب بالذهب والفضّة والنحاس26.
وقد ذكر القلقشنديّ صنفين منها:
الصنف الأوّل: ما يناسب الكاغد (الورق) : وهو حبر الدُّخان. وإحدى وصفاته عند القلقشندي أن يؤخذ من العفص الشَّاميّ قدر رطلٍ يُدَقّ جريشًا ويُنقع في ستة أرطال ماء مع قليل من الآس: (وهو المرسين) أسبوعًا، ثمّ يغلى على النار حتى يصير على النصف أو الثُّلثين، ثمّ يصفّى ثانيًا، ثمّ يضاف لكلّ رطل من هذا الماء أوقية من الصَّمغ العربي، ومن الزاج القُبرسي كذلك، ثمّ يضاف إليه من الدخان المتقدم ذكره ما يكفيه من الحلاكة. ولابدّ له من الصَّبر والعسل ليمتنع بالصَّبرِ وقوعُ الذباب فيه، ويُحفظ بالعسل على طول الزمن؛ ويجعل من الدخان لكل رطل من الحبر ثلث أوقية بعد أن تسحق الدخان بكلوة كفك بالسكر النبات والزعفران الشعر والزنجار إلى أن تجيد سحقه، ولا تصحنه في صلاية ولا هاوُن فيفسُد عليك.
والصنف الثاني: ما يناسب الرَّق. ويسمى الحِبر الرأس. ولا دخان فيه. ولذلك يجيء بَصَّاصًا بَرَّاقًا. وبه إضرار للبصر في النظر إليه من جهة بريقه، ويفسدُ الكاغد على طول؛ ونحن نذكر منه. ومن وصفاته عند القلقشندي: أن يؤخذ من العفص الشَّامي رِطل واحد فيُجرش، ويلقى عليه من الماء العذب ثلاثة أرطال، ويجعل في طنجيرٍ، ويوضع على النار ويوقَد تحته بنار لَيِّنة حتى ينضج، وعلامة نضجه أن تكتب به فتكون الكتابة حمراء بَصَّاصة، ثمّ يلقى عليه من الصّمغ ثلاث أواقٍ، ومن الزاج أوقيَّة ثمّ يصفى ويودع في إناء جديد، ويستعمل عند الحاجة.
الفصل الرابع
في لِيَق الافتتاحات
هي ما يكتب به فواتح الكلام: من الأبواب، والفصول، والابتداءات ونحوها، نذكر منه ما كان الغالب استعماله؛وهو أصناف:
أ - الذهب. وطريق الكتابة به أن يُحلَّ ورقُ الذهب؛، ويكتب به، فإذا جفَّ صقل بمصقلة من جزعٍ حتى يأخذ حدّه، ثمّ يزمك بالحبر من جوانب الحرف.
ب - الزُّنجُفرُ27، وطريق الكتابة به أن يسحق بالماء حتى ينعم، ثمّ يضاف عليه ماء الصمغ، ثمّ يُلاقى بليقة كما يُلاقى الحبر، ويجعل في دواة ويكتب به.
ج - المغرة العراقية؛ وهي مما يكتب به في نفائس الكتب، وطريقه في الكتابة كما في الزنجفر.
وذكر صاحب «عمدة الكتّاب وعدّة ذوي الألباب» أكثر من ثلاثين نوعًا من أنواع صنع الليق؛ أذكر منها: ليقة حمراء، ليقة مجْهَريّة حَسَنَة، ليقة خلوقية، ليقة جُلنّاريّة، ليقة فُستُقيّة، ليقة خضراء حسنة، ليقة صفراء شديدةُ الصُفرة، ليقة زرقاء حسنة، ليقة صفراء مُشمُشِيَّة، ليقة خضراء مثل الزمرد، ليقة خضراء، ليقة مِشْمِشيّة أُخْرى، ليقة بيضاء رخامية، ليقة لازورديّة، ليقة صفراء ذهبية، ليقة أُخرى ذهبية، ليقة فِضيّة، ليقة خلوقية، ماء الصَّمْغ الذي تخرج به هذه الألوان وغيرها، ليقة ذهبية من الشقائق، ليقة وردية، ليقة بنفسجية، ليقة أخرى، ليقة بيضاء مليحة، ليقة سوداء، ليقة ذهب، ليقة أُخرى جيّدة، ليقة أخرى، لون آخرأحمر، ليقة زنجارية ريحانية، ليقة لازوردية28.
الفصل الخامس
في حوامل الكتابة = ما يُكتب فيه
عرف العرب الكتابة على: الرَّق، والبرديّ، والكاغِد، وهو أحد أركان الكتابة الأربعة إضافة إلى المداد، والخطّ، والقلم:
الأول: الرَّق: هو ما يرقّق من الجلود ليُكتب فيه، وهو نادر في المخطوطات الشَّامية المتوافرة الآن.
الثاني: البردي: وهو «القرطاس المصري»، وقد كتب أهل الشَّام على أوراق البرديّ في خلافة معاوية ومن بعده كما بيّنت الكشوفات الأثرية، حيث كان يأتي البردي من الإسكندرية29.
الثالث: الورق، والقِرطاس، والصحيفة، والكاغِدوالطِّرس، (ويجمع على طُروس) ، ومُهرقُ (ويجمع على مهارق) ، كلّها بمعنى واحد.
- صناعة الورق في بلاد الشَّام
إنّ بناء المعرفة وزيادة قدرة الإنسان على فهم العالم المحيط به لم يأتِ وليد المصادفة؛ ولكنّه احتاج منذ النشأة الأولى إلى عمل دائب لكشف الحقائق العلميّة وخبايا المواد وكنهها والعوامل التي تؤثر فيها. والواقع أنّ للعلم تاريخًا طويلًا بدأ منذ أن بدأ الإنسان يفكر ويعمل، ساهم فيه بنو البشر جميعًا كل بنصيب. إذن فتاريخ العلم هو تاريخ الحضارة الإنسانية يسجل حركتها ويتتبع تطوراتها ويعرض مراحل نموها وازدهارها وفترات ضعفها وانبعاثها من جديد. وهذا هو تاريخ الورق وتطوره شاهد على العصور وكل الحضارات وموصل لكل نتائج العلم والعلماء بما فيها هذا الاكتشاف نفسه.
يعود اختراع الورق إلى الألف الثالث قبل الميلاد (حوالي 2700 ق.م) فقد اخترع المصريون القدماء مادة صالحة للكتابة، وهي ورق البردي. وكان ذلك من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية، وقبل ذلك كانت الكتابة (التي ظهرت في الألف الرابع) مقصورة على الحجر أو اللوحات الطينية والتي استخدمها السومريون وفضلوا الكتابة عليها ووجدوها أقرب إلى التداول. أمّا الورق المعروف حاليًا، فيعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي. ففي عام 105 بعد الميلاد صنع الصيني تسي آي لون ورقًا من لحاء الشجر وشباك الأسماك، ثمّ توصل الصينيون إلى صنع الورق من عجائن لباب الشجر. ولكن الورق الصيني كان محدود الانتشار ولم يذع خبره حتى عرف العرب أسرار صناعة الورق الصيني بعد فتح سمرقند عام 93هـ =712م؛ وطردوا منها الجيوش الصينية فأسروا عددًا كبيرًا من الصينيين كان من بينهم صنَّاع الورق الذين أطلعوا العرب على أسرار هذه الصناعة، فأدخلها العباسيون إلى بغداد. حيث أسس الفضل بن يحيى في عصر هارون الرشيد أول مصنع للورق في بغداد عام 178هـ = 794م، ثمّ انتشرت صناعة الورق بسرعة فائقة في كل أنحاء العالم الإسلامي، ثمّ أنشئ مصنع آخر في دمشق في القرن الرابع الهجريّ=العاشر الميلاد بحيث ظهرت هذه الصناعة في بلاد الشَّام فكانت دمشق تصنع الورق من القطن.وانتقلتإلى بلاد الشَّام هذه الصناعة30، فأُنشئت فيها معامل صنعت أنواعًا نفيسة من الورق31. ومُدح ورقها وأطروه، قال أبو البقاء البدريّ «من أهل المئة التاسعة»: وفيها تُعمل صناعة القرطاس بحسن صقاله ونقي أوصاله32. ووُصف ورق دمشق بالجودة وأنه منعدم النظير33، حتى إنه نافس ورق سمرقند أصل صناعته34، وإنه كان من جملة ما يحمل من دمشق إلى الشرق واليمن والحجاز وبلاد الروم35.
وكانت طرابلس الشَّام من عيون المدن التي فاقت سواها من البلدان في صُنع الورق. وقد زارها وأطرى ورقهاالرحالة المشهور ناصرخسرو في سنة 438هـ = (1047م) : إنّ أهل هذه المدينة «يصنعون بها الورق الجميل مثل ورق سمرقند، بل أحسن منه»36.
ومن البلدان التي تميّزت بصناعة الكاغد طبرية وذلك منذ المئة الرابعة للهجرة37.
وكانت تجارة الورق الشَّاميّ رائجة رواجًا عظيمًا، فقد كانت أوربة الشرقيّة تبتاع ورقها من بلاد الشرق الأدنى مباشرة، على ما يشهد لذلك اسم الورق الدمشقيّ (شارتا داماسينا)38 . وعُرف الورق الدمشقيّ في بلاد أوربة سنة 375هـ/ 985م وكانوا يسمونه39 Charta Damascena.
وفي كتب الأخبار ذكرٌ لأربع معامل للورق بدمشق وكانوا يسمّونها (الوَرّاقات):
1 ــ الأولى ذكرها ابن عساكر40 (ت 571) وسماها الوَرَّاقة القديمة وهي عند عين تسمى (عين كمشتكين)41 . و تقع هذه العين في زقاق يسمّى اليوم (زقاق العين) ، وهو زقاق على يمين الخارج من باب السَّلام الذاهب شمالًا نحو مسجد القصب42.
2 ــ الوَرَّاقة الثانية وتسمى (العوينة) ، وتقع هذه الوَرَّاقة في البقعة التي فيها المدرسة الشَّامية البرَّانية43، وفي هذه البقعة عين تسمّى اليوم عين علي لعلّها هي العوينة.
وهاتان الورَّاقتان؛ ومن خلال الكتابة على عتبة المدرسة النورية، كانتا موجودتَين زمن السلطان نور الدّين زنكي (ت 569) لأنّ الكتابة هذه مؤرّخة سنة 567هـ44، ولكن لا يُدرى بالضبط متى كانت بدايتهما ومَن أسّسهما، وإذا كان ابن عساكر (571هـ) يُسمّي الوَرَّاقة عين كمشتكين بالوَرَّاقة القديمة= فمعنى هذا أنّ زمنًا طويلًا أتى عليها، وربّما هو أوّل مصنع للورق في دمشق.
3 ــ الوَرَّاقة الثالثة: تقع تحت المدرسة العزّيّة البرّانيّة45 ذكرها ابن كثير46، وحَدّد النُّعيميّ مكان هذه الوَرَّاقة عندما تحدّث عن الزاوية اليُونُسيّة فقال إنّها «بالشرق الشماليّ غربيّ الوَرَّاقة والمدرسة العزّيّة47، وكانت هذه الوَرَّاقة تحت المدرسة العزّيّة على الشرق الشماليّ وكان عندها عين تسمّى عين الوَرَّاقة»48.
4 ــ الوَرَّاقة الرابعة: ذكرها ابنُ عساكر (ت571هـ) في كلامه عن عليّ بن محمّد الأنطاكيّ فقال: «تُوفّي في الوَرَّاقة التي خارج باب الفراديس عقيب صلاة الجمعة الثامن من رجب سنة 491»49.
وقد ظلّت صناعة الورق قائمة في دمشق حتّى القرن التاسع، بل ظلّت مزدهرة، إذ يذكره البدريّ (ت 894هـ) في تاريخه ويعدّه من جملة المواد المشهورة التي تميزت دمشق بتصديرها إلى سائر الأقطار، وخاصّة مصر50.
لقد كان من أشهر طرق صناعة الكاغد في العصور الإسلامية = ما ورد في كتاب «عمدة الكتاب وعدّة ذوي الألباب» المنسوب للمعزّ بن باديس طريقة صناعة الكاغد من مادة القنّب الأبيض وطريقته: «أن يُنقع القنّب، ويسرّح حتى يلين، ثمّ ينقع بماء الجير، ويفرك باليد ويجفف، وتكرّر هذه العملية ثلاثة أيام، ويبدّل الماء في كلّ مرّة حتّى يصبح أبيض، ثمّ يقطع بالمقراض، وينقع بالماء حتى يزول الجير منه، ثمّ يدق في هاون، وهو نديّ حتى لا تبقى فيه عقد، ثمّ يحلّل في الماء، ويصبح مثل الحرير، ويصبّ في قوالب حسب الحجم المراد، وتكون قطع الورق مفتوحة الخيطان، فيرجع إلى القنّب، ويضرب شديدًا، ويُغلى في قالب كبير بالماء، ويحرّك على وجهيه، شديدًا، ويُغلى في قالب كبير بالماء، ويُحرّك على وجهيَه حتى يكون ثخينًا، ثمّ يصبّ في قالب، ويقلب على لوح، ويُلصق على الحائط حتى يجفّ ويسقط، ويُؤخذ له دقيق ناعم ونشاء في الماء البارد، ويُغلى حتّى يفور، ويُصبّ على الدقيق، ويُحرّك حتى يروق فيُطلى به الورق، ثمّ تُلفّ الورقة على قصبة حتّى تجفّ من الوجهين، ثمّ يرش بالماء ويُجفّف ويُصقل»51.
- مقادير الورق وأنواعها المستخدمة في المخطوطات الدمشقيّة
استخدمت عدّة مقادير وأنواع لكتابة المخطوط في بلاد الشام، وكان كثيرًا ماتُنسب أنواع الورق إلى مقاساتها، كورق الطومار والطَّير، أو بلدانها كالورق الحَمَويّ، وقد اعتنى القلقشنديّ في «صبح الأعشى» بذكر ذلك وتفصيل ما كان مستخدمًا في الوثائق الديوانية فحسب. وأمّا الكتب التي تداولها العلماء وطلاب العلم فكان يغلب عليها خطّ تدوينيّ من خطّ النّسّخ كتبه الوَرّاقون وطَلَبة العلم، وأمّا المصاحف الكبيرة فقد كُتبت نسخٌ كثيرة منها بالثُّلث المحقَّق، ولاسيّما في العصر الأيوبيّ والمملوكيّ، وهي المصاحفُ التي فاخرت بها خزائن كبار القوم.
1- مقادير قطع الورق في العصور الإسلامية الأولى:
لم تزل الخُلفاء تستعمل القراطيس امتيازًا لها على غيرها من عهد معاوية بن أبي سفيان. وذلك أنّه يُكتب للخلفاء في قرطاس من ثُلثي طومارٍ، وإلى الأمراء من نصف طومار، وإلى العُمَّال والكُتَّاب من ثُلُثٍ، وإلى التُّجَّار وأشباههم من رُبع، وإلى الحُسَّاب والمُسَّاح من سدس52.
2- مقادير قطع الورق المستعمل في الدواوين في العصر المملوكي ببلاد الشَّام:
استخدمت الشَّام بدواوين إنشائها أربعة مقادير من الورق وأنواعه؛ وذلك في: دِمشقَ، وحَلبَ، وطرابُلس، وحماة، وصَفدَ، والكَرك، في المُكاتبات والوِلايات الصَّادرة عن النّواب بالمماليك، وهي لا تخرج عن: قطع الشَّاميّ الكامل53، و قطع نصف الحمويّ54، و قطع العادة من الشَّاميّ55، قطع ورق الطير، أو القطع الصغير56.
- ما يناسب كلّ مقدار من قطع الورق من الأقلام في الدّواوين
ذكر المؤرّخون ما يناسب كلَّ قطع من مقادير القطع المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشَّامية:
1 - قلم التوقيعات: القطع الشَّاميّ الكامل؛ لأنّه في مقدار قطع الثُّلث البلديِّ أو قريبٌ منه.
2 - قلم الرّقاع: يناسبُ قطع نصف الحمويّ، وقطع العادة من الشَّاميّ؛ لأنهما في معنى القطع المنصوريّ والعادة بالديار المصرية.
3 - قلم الجناح: لكتابة بطائق الحمام به (الحمام الزَّاجل) .
4 - قلم الطُّومار: كان يكتب به الخلفاءُ أسماءهم في العصور الإسلامية المبكّرة وبه يكتُب الملوك أسماءهم في العصر المملوكيّ.
- العلامات المائيّة في الورق الشَّاميّ
تُعدّ العلامات المائية من التقنيات المتأخّرة التي استعملت في صناعة الورق، وهي علامة قد تكون بمثابة شعار لصانع الورق، تُوضع أثناء صنعه، تظهر أثناء عرضه على الضوء.
لقد انتشرت هذه العلامات في المخطوطات التي كُتبت في وقت متأخّر نسبيًّا فضلًا عن المطبوعات التي طُبعت في أوائل عصر الطّباعة.
وأقدم علامة مائيّة معروفة في هذا النوع، ترجع إلى القرن السَّابع الهجريّ، غير أنّ هذه العلامات قد ظلّت حتى القرن التالي غير مهذّبة، ثمّ بدأ رسمها يتحسَّن بعد ذلك، ويرى السَّامُرائيّ57 أنّ ظهورها كان أولًا في الكاغد الشَّاميّ، وليس في مصنع فابريانو بإيطاليا58.
ومن الأمثلة المتقدّمة على ظهور العلامات المائيّة في الشرق مشاهدتها في كتاب (الغاية في اختصار النهاية) للعزّ بن عبد السّلام (ت 660هـ) ، في نسخة الظاهرية المنسوخة في حياته سنة 645هـ، حيث لاحظتُ فيها الخطوط المائية المتوازية والمتقاطعة على شكل مربعات؛ ورآها السامرائي في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) لابن الملقّن، المتوفى سنة (804هـ) ، وهي مكتوبة على ورق حَمَوِيّ تظهر فيه الخطوط المائية الثنائية الضيّقة الأبعاد59، وللمقارنة بين الكواغد الشَّاميّة وغيرها نُوجز ما يلي60:
1- إنَّ بعض الكواغد الشَّامية التي كانت تصنع في طرابلس وحماة، وربما في غيرهما، تظهر فيها الخطوط المائيّة البدائيّة الثنائيّة، أو الثلاثيّة المتقاربة المسافات، ولا تظهر هذه الخطوط في الورق البغداديّ أو الأندلسيّ أو المغربيّ أو اليمنيّ والفارسيّ.
2- تتمّيز الكواغد الفرنجية بالخطوط المائيّة المتوازية، والعلامات التجارية المائية.
3- الكواغد المصرية و اليمنيّة والفاسيّة والأصفهانية، خالية من أيّة خُطوط متوازية أو أية علامات مائيّة.
4- الكاغد الهنديّ، تظهر في بعضه الخطوط المائيّة والعلامات المائيّة التجارية، وبعضُه لا يحملهما.
الفصل السادس
في
تجليد المخطوطات الشَّاميّة
كان المصحف الذي أرسله عثمان بنُ عفان إلى الشَّام مجلَّدًا بدفّتين من خشب مطعّم بالعاج والعظم. فالمظنونُ إذن أنّ التجليد الأمويّ في بلاد الشام كان على طريقة المصاحف العثمانيّة، وربما استخدمت فيها صفائح البردي بدلًا من الخشب. ويحتمل أنْ تكون هذه الصفائح مزخرفة بطرق مختلفة61.
وقد وصل إلينا بعض ورق مصاحف من العصر الأمويّ يميل بعضها إلى الامتداد عرضًا مما يجعلنا نعتقد أن التجليد في ذلك الوقت كان على هيئة هذه الرُّقوق ذاتها62.
- تجليد الكتاب من ظهور الإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجريّ:
الظاهر أنَّ فنّ التجليد في العصر الأمويّ في بلاد الشَّام سار على النَّهج الذي كان عليه أيام الخلفاء الراشدين مع إحداث بعض التطوّرات. حيث مرّ فنّ التجليد بين أيدي الفنانين المسلمين في مراحل عديدة، فقد قام أوّل ما قام على التقاليد الحبشيّة والقبطيّة السابقة للإسلام؛ فاستعمل المجلّدون في أول الأمر لوحين من الخشب جمعت بينهما أجزاء القرآن أو بعضها.
لم تصلنا أغلفة تمثّل لنا فنّ التجليد في بلاد الشَّام، إلا أنّه قد وصل إلينا غلافان معروضان في دار الكتب المصرية من القرن الثالث للهجرة، الأول: هو جزء من غلاف مصحف على هيئة صندوق، صُنع من لوح خشبيّ مغلّف بجلدة ذات لون بنّي، أمّا باطن الغلاف فقد أُلصق عليه صفيحة من الرَّقّ ووُجدت عليها كتابة تنصُّ على أنّ هذا المصحف من إنتاج محمد بن إبراهيم، كَتَبه لِيهديَه إلى الجامع الكبير بدمشق سنة (270هـ) = (883م) .
والغلاف الثاني: مصنوع أيضًا من لوح خشبيّ مغلّف بجلّد بُنيّ غامق، أمّا باطن اللوح فقد أُلصق عليه صحيفة من الرَّقّ خالية من الزَّخرفة، بينما حمل غلافاه زخرفتَين مختلفتَين.
وفي مكتبة برلين برقم (3196) غلاف لمخطوط نسخ بدمشق سنة 578هـ/ 1182م لم يبقَ منه سوى الجانب الأيسر= اللسان. ويظهر مما تبقّى أنّه مصنوع من الورق السَّميك ومغلّف بجلد بنّي اللون مقياس 17.4×12.6 سم، ويتوسّط الجلدة دوائر متجمّعة تتخلّلها حبّات لؤلؤيّة، وفي الأركان عنصر زخرفيّ63.
- التجليد في العصر العباسي
من استعراض بعض النماذج من الكتب المجلّدة في القرنين الرابع والخامس الهجريّنجد بداية تشكّل اللسان في الكتاب الإسلاميّ، وبداية استخدام السُّرّة التي تتوسّط أرضيّة المتن، وأجزاؤها قائمة في أركان المتن الأربعة، كما يظهر فيه لأوّل مرّة استخدام الألوان في تزويق زخارفه.
وفي القرنين السادس والسابع للهجرة نلحظ في هذه الفترة أنّ الأغلفة الإسلامية أُلصِقَتْ بصفائح دقيقة من الذَّهب على الجلد بواسطة آلة ساخنة، والظاهر أنّ هذه التقنية مرَّاكشية الأصل، ثمّ خرجت إلى قرطبة ومصر والشَّام وفارس.
وفيما يتعلّق بشكل الكتاب فقد ساد استخدام الكتاب العمودي المزوّد باللسان عوضًا عن الشكل الأفقيّ.
وفي القرنين الثامن والتاسع للهجرة بلغ التجليد درجة عظيمة من التقدّم والازدهار، ولاسيّما في مصر وتبعته بلاد الشَّام، حيث استخدم المجلّد الشَّاميّ لأوّل مرّة زخارف الرّقش العربيّ جنبًا إلى جنب مع الزَّخارف الهندسيّة، وكذلك الكتابة العربية بالخطّ النسخيّ التي ملأت أرضيّة الرابط الذي يربط بين الجانب الأيسر من الغلاف وبين اللسان.
وفي القرن العاشر استمرت بلاد الشَّام على ما كانت عليه في فنّ التجليد في القرنين الماضيين، وتميّزت الشَّام ومصر باستخدام الخط النّسخي المملوكيّ كعنصر زخرفيّ مفضّل في زخرفة الأغلفة.
- التجليد في العصر العثمانيّ
شهد القرن الحادي عشر الهجريّ تقارب الفنّ في بلاد الشَّام مع التجليد العثمانيّ، وقد ظهر لنا من المجموعات المتوافرة في الجامع الأموي بدمشق، ومجموعات المكتبة الظاهرية بدمشق أنّ هذا التقارب ليس على درجة عالية من الفنّ الذي نلمسه عند التجليد العثماني، وإن كان يُقاربه.
إنّ التطور الذي حصل مرتبط بالتطوّر الذي أحرزته صناعة الجلود العثمانيّة التي تمكنّت من إنتاج الألوان جميعها. وظهر ذلك من خلال الشَّمسات المفصولة من تحت أو فوق. والشمسات في هذا العهد بيضاوية فقط. وعلى الرغم من أنّ المساحة الواقعة بين الشَّمسات الناتئة البارزة وبين الزوايا أبقيت فارغة على الأغلب، وصنع في بعض الأحيان تجليد ملئت فيه تلك المسافات الفارغة بالزخارف الناتئة والمذهّبة الملمّعة الشَّمسات.
وبدا التأخّر واضحًا في القرن الثاني عشر الهجريّ؛ سواء في تركيب العناصر، أو في تزيين الأشكال. فأُلغيت في قسم من الأغلفة الزَّوايا والإطارات، وتحوّلت الشَّمسات إلى مستطيلات، وفي بعضها إلى أشكال بيضاوية، ووضع الجنزير بدل الإطارات في المحيط.
وظهرت في القرن الثالث عشر الهجريتقنيات وأساليب جديدة للتجليد في هذا العهد، منها تجليد اللاك، واستمرت في القرن الرابع عشر الهجري صناعة الأغلفة الجلدية، حسب الأساليب التقليديّة.
- أساليب التجليد
من خلال التطوّر التاريخيّ فإنّ الأساليب المشهورة المتّبعة في فنّ التجليد الإسلاميّ هي: الخطاي، والعربي، والمملوكي، والمغربي، والعثماني، والبخاري؛ وفي بلاد الشَّام اشتهرت الفنون التالية:
1 ــ الأسلوب العربيّ: وقد تطور في بلاد الجزيرة وحلب والشَّام. وجلود التجليد وزخرفتها بارزة. وتأثر هذا بالأسلوب التركي الذي بدأ مع العباسيين. ومستلهم من الأسلوب الأويغوري [تركستان الشرقية].
2 ــ الأسلوب المملوكيّ المخلوط بالأسلوب العربيّ الذي مارسه المماليك في مصر، وهو يشبه في العديد من الأوجه الأسلوب الروميّ.
3 ــ الأسلوب الروميّ: هو التجليد المتّبع في إمارات الإلخانيين والإمارات الأناضوليّة التي استمّرت في تأثّرها بالسَّلاجقة بعد الاستيلاء السَّلجوقيّ والمغوليّ على الأناضول.
4ــ الأسلوب العثمانيّ: وقد ظهر ابتداء في دياربكر وبورصة وأدرنة وإستانبول.
الفصل السابع
في الزخرفة والتذهيب والتصوير في المخطوطات الشَّاميّة
يُلاحظ من المجموعات الخطّية المتوافرة في العالم أنّ نموّ الزخرفة والتذهيب والتصوير وانتشار ذلك قد بلغ ذروته في العهد المملوكيّ، واستمّر حتّى نهاية العصر العثمانيّ؛ إلا أنّ مجموعات المخطوطات الشَّاميّة، لم تظهر فيها فنّ الزَّخرفة والتَّصوير والتَّذهيب بشكل متطوّر، وإن كان واضحًا أكثر في المخطوطات المملوكيّة الخزائنية والأناضوليّة.
وما إن حلّ القرن الرابع الهجريّ حتى شاع وكثُر تزيين وتذهييب المصاحف، وكذلك الكتب الأخرى، وقد وردت روايات تُفصح عن شدّة عناية المسلمين بتذهيبها64.
ومن المفيد الإشارة إلى أنّه لعلّ أقدم المخطوطات الموجودة المزيّنة بالرسوم والتَّصاوير في دمشق تعود إلى العصر المملوكيّ، ومن ذلك مخطوطة مقامات الحريري المحفوظة في المتحف البريطانيّ، يعود تاريخها إلى سنة 710هـ، زَخْرَفها ورَسَم صُورها الخطّاط الدمشقيّ شهاب الدين بن عبد الرحمن (ت719هـ) ؛ حيث برع في رسم الزَّخارف الرَّائعة واستخدم درجاتٍ كثيرة مختلفة من الألوان65.
وممّا يجدر ذكره أنّ تذهيب المخطوطات كان يمرّ بمراحل عدّة؛ أوّلها يُسند إلى فنّان اختصاصيّ في رسم الهوامش وتزيينها بالزَّخارف، ثمّ ينتقل المخطوط إلى فنّان آخر يقوم بتذهيب هوامشه وصفحاته الأولى، وكذلك صفحاته الأخيرة، وبداية فصوله وعناوينه.
وكانت الرسوم النباتية والهندسية المذهّبة في المخطوطات تصل إلى أبعد حدود الإتقان، ولاسيما في القرنين التاسع والعاشر الهجريين (القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين) حين بلغت الغاية في الاتّزان والدّقة وتوافق الألوان66.
وفي العصر العثماني لقي فنّ التَّذهيب عناية فائقة من قبل العثمانيين؛ إذ نبغ منهم مذهّبون بلغوا أرقى درجات الجودة، وقد عُرفت «المخطوطات الخزائنيّة» بتميّزها الفنّي.
وممّا تبقّى من المخطوطات الشاميّة إلى اليوم نجدها خالية من الزخرفات، ومن الصور والرسوم إلا قليلًا، وربّما يعود سبب ذلك إلى كونها في الغالب ليست من المخطوطات العلميّة وإنّما تختصّ بالعلوم الإسلاميّة والعربيّة، غير أنّ كثيرًا من العناية وجدناها في المصاحف المكتوبة في العصر العثمانيّ، ولايخفى تأثّر فنّ الزَّخرفة والتَّذهيب بالمدرسة الصَّفوية والقاجاريّة والعثمانيّة67.
- تزيين التجليد في العصر العثماني
تظهر أنماط الزخارف نفسها ــ تقريبًا ــ في جلود سلاجقة الأناضول أيضًا، والتي استخدمت في سائر فروع الفنون العثمانيّة. ويُمكن ترتيب أهمّ عناصر تلك الزّينة على النَّحو الآتي:
1 ــ الشمسة: تعرف بأنها تعكس شكل الشَّمس المشرقة.
2 ــ الرّوميّ: وهو ينبع من رسوم الحيوانات في فنون أتراك آسية الوسطى. وبعد دخول الإسلام عدلت فيها بحيث قضيت فيه تمامًا على الجانب الحيواني، فأصبح نمط زينة مجرّدًا.
3 ــ التزيين الهندسيّ: استخدمت الأنماط الهندسية على شاكلة مجموعات نجميّة مغطيّة على الأرضيّة
4 ــ الزخارف النباتيّة: يطلق على هذا الأسلوب الذي يصادف أقلّ من غيره «خطائي».
5 ــ الزخارف المتداخلة معقّدة الحبك: هي الحبك المعقّد والمتداخل.
6 ــ الزخارف الكتابيّة: وقد استخدموا على وجه خاص خطّ الثّلث والنّسخ والكوفيّ في داخل الشّمسات، وفي الجنازير، أو في الزوايا، وفي الرأس، وفي داخل الأغلفة.
الخاتمــة
إنّ استعراضنا للمخطوطات الشَّامية التي انحصرت ما بين القرنين الهجريين الخامس وأوائل الرابع عشر يتبين لنا أنّها تتميّز بالصِّفات التالية:
أدّى قيام المدارس بدمشق منذ فترة مبكرة68 إلى نشوء طبقة من الشيوخ كانت لهم طريقتهم في الكتابة والمقالة والتوثيق تميّزت بها المخطوطات الشاميّة، فكان سامع الكتاب أو متملّكه يثبت عنوان الكتاب على الصفحة الأولى التي تركها النُّسَّاخ فارغة؛ ولذا فإنّ خطها يكون غالبًا بخطّ مغاير، ويُذكر في الفراغ في كثير من الأحيان اسم سامع الكتاب، وعنوان الكتاب، وسنده إلى المؤلّف بعد قراءة الكتاب على الشيخ. والمتملّك حين يكتب سماعه على الشيخ في صفحة العنوان لا يذكر عبارات التبجيل، بل يورد اسمه مباشرة،كما جاء بخطّ ضّياء الدّين محمد بن عبد الواحد المقدسيّ في مخطوط له في الظاهريّة كما يلي: «جمع محمد بن عبد الواحد….» وربما يتبع ذلك عبارة دعاء لنفسه «عفا الله عنه» أو «غفر الله له وللمسلمين».
أثّر علم القراءات على المخطوطات الشاميّة؛ إذ دخل إلى الشام أولًا قراءة ابن عامر، وذلك إلى حدود الخمسمئة للهجرة، ثمّ قراءة أبي عمرو بن العلاء، حتى القرن العاشر، ثمّ قراءة حفص عن عاصم، مع دخول العثمانييّن = الأمر الذي أدّى إلى وجود دقّة في الكتابة ليقوم الخطّ بتأدية وجه القراءة الصحيحة69.
كتب المخطوطات كثير من العلماء، ومنهم مشهورون ذائعو الصيت، وهؤلاء لم يكونوا يهتمون بتجويد الخط، بل كانت كتاباتهم تتّسم بالعجلة وعدم الإتقان.
كان المتَّبَع في كتابة المخطوطات الدمشقيّة طريقتين. فإمّا أن يؤلّف العالم الكتاب وينقل عنه الناسخون، أو أن تكون الكتابة إملاء من فم الشيوخ، كما كان يحصل في مجالس الإملاء كمجالس ابن عساكر التي كانت تعقد في الجامع الأموي.
لم يرقّم الناسخون صفحات المخطوطات، إلا في العصر العثماني، على أنّ بعضهم بقي على طريقة التعقيب.
كتبت غالب المخطوطات بالحبر الأسود وكتبت عناوين الأبواب والفصول بالحمرة.
استعمل نُسّاخ المخطوطات علامات التصويبات، والإضافات المستعملة في سائر البلاد الإسلاميّة، كالضَّبة واللَّحق والإضافة والتعقيبة وغيرها.
ربّما استعملوا في ختام المخطوطة حساب الجمّل للدلالة على تاريخ النسخ أو تاريخ التأليف، وقد شاع زمن العثمانيين.
لم تتميّز بلاد الشام في فنّ التجليد، والتجليد الذي نراه فيها كان بسيطًا يغلب عليه هدف الحفظ، وكثيرًا ما خلت أغلفة المخطوطات من الزخارف، وإن وجدت فيه زخارف عادية، ولهذا الأمر استثناءات.
مصادر البحث
- ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، 1089ه/1679م، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 8ج، القاهرة: مكتبة القدسي،.
- ابن سعد، محمد، 230هـ/845م، الطبقات الكبرى، تحقيق إحسان عباس، 9ج، بيروت: دار صادر، 1968.
- ابن عبد الهادي، يوسف بن حسن، 909هـ/1503م، ثمار المقاصد في ذكر المساجد، دمشق: المعهد الإفرنسي، 1975م.
- ابن عساكر، علي بن الحسن، 571هـ/1176م، تاريخ مدينة دمشق، مخطوطة الظاهرية.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، 774هـ/1373م، البداية والنهاية، بيروت: مكتبة المعارف.
- بنبين، أحمد شوقي، وطوبي، مصطفى، معجم مصطلحات المخطوط العربي، الرباط: الخِزانة الحسنية، 2005، ط3.
- البدري، أبو بكر بن عبد الله، 894هـ/1489م، نزهة الأنام في محاسن الشَّام، القاهرة 1341هـ.
- البشاري، محمد بن أحمد المقدسي، 380هـ/990م، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، بيروت: دار الكتب العلمية، وط دي غويه، لايدن 1906.
- ابن السِّيد البطليوسي، عبد الله بن محمد، 521هـ/1127م، الاقتضاب، تحقيق مصطفى السقا، وحامد عبد المجيد، 2ج، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981.
- ابن الجزري، محمد بن محمد، 832هـ/1429م غاية النهاية، عناية ج. برجسترسر، 2ج، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1932.
- عليّان، ربحي، حركة الورّاقين في الحضارة العربيّة الإسلاميّة: دراسة تاريخيّة، مجلّة مجمع اللغة العربيّة الأردنيّ، 1991، مج15.
- حمادة، محمد ماهر، المكتبات في الإسلام: المكتبات في الإسلام: نشأتها وتطورها ومصائرها، ط5، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405.
- الذهبي، محمد بن أحمد 748هـ/1348م، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، 25ج، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط10، 1414.
- الزركلي، خير الدين، 1396هـ/1976م، الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، 8ج، بيروت: دار العلم للملايين، ط 12، 1997.
- السامرائي، قاسم، علم الاكتناه العربي الإسلامي، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث الإسلامية، 2001.
- العش، يوسف، دور الكتب العامة وشبه العامة لبلاد العراق والشَّام ومصر في العصر الوسيط، ترجمة نزار أباظة ومحمد صبّاغ، ط1، دمشق: دار الفكر، 1410.
- عواد، كوركيس، الورق أو الكاغد: صناعته في العصور الإسلامية، مجلة المجمع العلمي العربي.
- فرفور، عبد الرحمن، المخطوطات الدمشقية، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه من أكاديمية العلوم، معهد باكو، في جمهورية آذربيجان، د.ت.
- قاري، لطف الله، الوِرَاقة والوراقين في التاريخ الإسلامي، جدة، 1982.
- القصيري، اعتماد يوسف، فن التجليد عند المسلمين، بغداد: وزارة الثقافة والإعلام، المؤسسة العامة للآثار والتراث، 1979.
- القلقشندي، أحمد بن علي، 821هـ/1428م، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة، 1970.
- كرد علي، محمد، 1372هـ/1953م، خطط الشَّام، 3ج، دمشق: مكتبة النوري، 1403، ط3.
- كرد علي، محمد، الإسلام والحضارة العربية، 2ج، دمشق 1429هـ.
- حمادة، محمد ماهر، الكتاب العربي مخطوطًا ومطبوعًا.
- المسعودي، علي بن الحسين، 346هـ/957م، مروج الذهب، 4ج، القاهرة.
- المعز بن باديس (منسوب له) ، عمدة الكُتّاب وعدّة ذوي الألباب، تحقيق إياد خالد الطباع، دمشق: وزارة الثقافة، 2007.
- المنجّد, صلاح الدين، خطط دمشق: نصوص ودراسات في تاريخ سوريا وآثارها القديمة، 1369.
- الموسوعة الإسلامية، عدد من المستعربين.
- الموسوعة العربية العالمية، الرياض: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، 1419، ط2.
- ناصر خُسرو، سفرنامه، الترجمة العربية ليحيى الخشاب، القاهرة:، 1945.
- النديم، محمد بن إسحاق، 438هـ/1047م، الفهرست، تحقيق رضا تجدد.
- النّعيمي، عبد القادر بن محمد، 927هـ/1520م، الدراس من أخبار المدارس، تحقيق جعفر الحسني، دمشق: مجمع اللغة العربية، 1393.
- الزيات، حبيب بن نقولا، 1373هـ/ 1953م، الوِرَاقة وصناعة الكتابة ومعجم السفن، بيروت: دار الحمراء، 1412.
- ياقوت الحموي، ياقوت بن عبد الله، 622هـ/1225م، إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق مرغليوث، 7ج، القاهرة: دار المأمون، 1907.
- الجبوري، يحيى وهيب، الكتاب في الحضارة الإسلامية، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1418.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: بحوث ودراسات مهداة إلى إيرج أفشار، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2018، ص 97-138. يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |