كوديكولوجيا متألق الأيون: قيمتها في تطوير الصيانة العلمية للمخطوطات الإسلامية

شارك:

رائق عبد الله جرجيس

محتويات المقال:
الملخّص
المقدمة
صلة التطور بالصيانة
المناهج العلمية
تصميم المختبر
نتائج مبدئية لمواد تاريخية
تفسير نتائج الآي بي سي
الورق
ورق: تركيز العناصر الضعيفة بالبي بي إم
الحبر والمواد الملونة
حقائق، وأفكار خاطئة
الخاتمة
الكلمات الأساسية

الملخّص

يعرض هذا المقالُ طريقةً علمية جديدة تُسمّى بكوديكولوجيا الأيون بيم أو «آي بي سي» IBC طورها الكاتب بجامعة أكسفورد من أجل إجراء تحليلات على المواد الملونة والحبر والورق في المخطوطات التاريخية، دون حاجة إلى إزالة عينات منها، مع المحافظة عليها على حالتها الأصلية.

ويتناول المقال كذلك تصميم مختبر مكرس تكريسا تاما للدراسة العلمية للمخطوطات. كما يعرّف المقال بشكل آخر مختلف (للآي بي سي) الذي تحلل فيه العينات التي يعدها صائن المخطوطات أو التي أخذت من المخطوطات بطريقة كمية بتمييز عرضي عالٍ بدرجة مايْكرون واحد (واحد في المليون من المتر).

وترمي هذه الدراسة إلى بيان كيفية استعمال (الآي بي سي) لتحديد بعض خاصيات المخطوطات التي يستحيل الحصول عليها بطرق أخرى، والتي تساعد على تحقيق نتائج أفضل في البحث العلمي المتعلق بصيانة المخطوطات من ناحية، وتاريخ الكتب من ناحية أخرى.

ومن أهم مؤهّلات هذا المنهاج العلمي الجديد ما يلي:

  1. بيان تركيب عناصر الورق والحبر والمواد الملونة.
  2. تمييز تفاعل كل من الحِبْر وأساليب أو محاليل معالجة السطح مع الورق.
  3. تحديد موضع انتشار المواد الملَوثَة.
  4. قياس حجم ذرات الحبر ومواد التلوين.

إنّ هذا المقال يوضح أن (الآي بي سي) يستخدم العديد من تقنيات التحليل المايكروسكوبي، التي تعتمد على استعمال متألقات مركزة، ذات أيونات من الطاقة، وتتمثل في هذا الإطار في الأجزاء الذرية أو البروتونات. وتستعمل متألقات الأيون (Ion beams) لتوليد إشارات إشعاعية فورية مميزة، من موضع صغير، محدد، على إحدى صفحات المخطوطة. ويسفر تحليل الإشارات عن نتائج تتمثّل في معلومات عددية، أو خرائط ذات عدة أبعاد يمكن استعمالها في دراسة صنع المخطوطات، كالمادة المكونة للحبر في إحدى نقاط النص مثلا، وكذلك لدراسة النتائج التي تخص الصيانة ومؤثرات البيئة.

وتعتبر الطرق العلمية المستعملة طرقا معروفة، وهي انبعاث أشعة إكس x-ray بسبب البروتون (پكْسِي PIXE) والبعثرة الخلفية الرثرفوردية (Rutherford Back-Scattering) آر بي إس (RBS).

المقدمة

لن يتطرق هذا المقال إلى قيمة المخطوطات الإسلامية المعترف بها عالميا، ولا إلى الحاجة إلى صيانتها. ولكن يجدر بنا أن نشير إلى أننا لا نعرف إلا القليل حول علم صيانة هذه المخطوطات، وحول دراسة الورق والحبر والألوان المكونة لفنون الكتاب الإسلامي. وقد تصل هذه العوائق حدّا يجعل حماة التراث الحضاري الإسلامي مجهزين تجهيزا ضعيفا للتغلّب على التحديات البيئية والحضارية المتزايدة. بينما نرى اليوم نموّا في الشعور بالحاجة إلى استعمال العلم في مثل هذا الميدان، فنحن بحاجة لأن نطوّر مناهج علمية متقدمة، مخصصة لمهام معينة، تُؤخذ بعين الاعتبار لدى رسم خطط العمل وتطبيقها، ولدى تطوير البحوث المتعلقة بالصيانة. أما فيما يخص المخطوطات والوثائق المنشورة، فالأدلة تثبت أن الكثير من معالجات الصيانة لم تنل النجاح المطلوب، مما يدعو إلى إعادة تقييم المدخل القديم إلى الصيانة. وفي رأيي أنّه لا بد للمدخل الأكثر تطورا أن يقوم على أساس معرفة أوسع بالمواد المتناولة وتفاعلها بعضها ببعض، وبخاصيّات تلفها، وكذلك بالنتائج القصيرة المدى والبعيدة المدى لمعالجات الصيانة. ولئن وَفَّرت الملاحظة والتكنولوجيا البسيطة إمكانيات عديدة في هذا المجال1 فإنها تتوقف عند تسهيل عملية فحص الدقائق الميكروسكوبية الأساسية. وبالرغم من إمكانية استعمال بعض التقنيات الموجودة لقياس بعض هذه الدقائق، يلاحظ غياب مدخل أكثر شمولا يستخدم مناهج علمية مكرسة صممت خصيصا للإجابة عن أسئلة الصيانة القائمة.

ويأتي الاكتشاف الذي أُقدمه في هذا المقال ردّا على هذه العوائق، إذ المقصود محاولة اختراع أول مقتنيات مكرسة، وأول مختبر مصاحب لها، للكشف بأكبر قدر ممكن عن الخاصيات الميكروسكوبية للورق والحبر والمواد الملونة، في نطاق الكوديكولوجيا وصيانة المخطوطات الإسلامية. ويشهد موضوع المقال على هذا الالتزام، فهو يتطرق إلى تطوير كوديكولوجيا متألق الأيون ومختبر جامعة أكسفورد للتحليل العلمي للمخطوطات. وإني أرمي من خلال هذا المشروع، وفرص التعاون المستقبلية، إلى تنمية اتجاهات جديدة في البحث داخل سياق التراث الحضاري.

ونشير إلى أنه لا يجوز لنا تقديم هذا الاختراع الجديد، بدون الإقرار بالدور الكبير الذي لعبه العديد من الباحثين القُدماء والمحدثين، الذين ساهمت طريقتهم ذات الطابع الإنساني، في مراقبة ودراسة النّصوص الإسلامية للحصول على المعرفة المتوفرة في هذا المجال2. وتجدر الإشارة كذلك إلى وجود إجماع متزايد يقضي بوجوب استفادة الدراسات الإنسانية المعاصرة من المعلومات العلمية التكميلية. ولا تتم هذه الاستفادة على مستوى تأكيد نتائج الكوديكولوجيا التقليدية فحسب، بل تتم على مستوى خلق أفكار وأنظار جديدة، وخلق حوافز من أجل دراسات تقليدية أكثر فعالية3. ولكن وبالرغم من أن موضوع صيانة المخطوطات سيستفيد على المدى البعيد من التعرف على تاريخ وتكوين المخطوطات الإسلامية، فإن تبني العلوم الحديثة لهذا الموضوع، مع مراعاة انسجامها وفروع الصيانة الأخرى، يساعد على الإسراع بخطوات هذا العمل الكبير4.

لقد كان تطوير كوديكولوجيا متألق الأيون5 ومختبر التحليل العلمي للمخطوطات بجامعة أكسفورد مهمة صعبة، جمعت لأول مرّة بين المعرفة العلمية من ناحية، وبعض مظاهر الصيانة وتاريخ الكتب والتراث الإسلامي من ناحية أخرى. ويكشف هذا المقال عن أن هذا المشروع قد أدى إلى تطوير مناهج علمية بالغة الدقّة يمكن استعمالها مع اشتراط اتباع تعليمات الأمان اللازمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التطور يفوق بكثير التطور الذي بلغته المختبرات التي تهتم بتحليل المخطوطات وغيرها من المواد التاريخية. وتحسن الإشارة إلى أن (پكْسي PIXE)، وهي إحدى تقنيات كوديكولوجيا متألق الأيون، قد تم تطبيقها بنجاح على وثائق أوروبية، مثل إنجيل جوتينبيرغ وعلى مخطوطات لاتينية وإغريقية6.

ويستعمل مختبر أكسفورد العديد من تقنيات المُسرع النووي التحليلية، بما في ذلك (پكْسي) لتشخيص الورق والحبر والمواد الملونة بطريقة ناجحة، دون اللجوء إلى استعمال أي مواد كيماوية.

وتكمن أهمية هذا التطور في القدرة على إجراء القياسات على مخطوطات كاملة دون الحاجة إلى عينات. ولكن يوجد تطور ثان تابع، حيث تحلل العينات بدرجة فائقة من التمييز العرضي المايكروسكوبي. وباستطاعة كل من النظامين قياس التراكيب العنصرية بدرجة عالية من الحساسية، وإنجاز صور ذات بُعْدين أو ثلاثة أبعاد للتوزيعات العناصرية. وأريد أن أؤكد أنه برغم أن هذه المجموعة من المناهج العلمية المتقدمة طُورت خصيصا للإجابة على أسئلة هامة وكثيرة في ميداني الكوديكولوجيا والصيّانة، فإنها لن تأخذ مكان الطرق التقليدية المتوفرة لمحافظي المخطوطات. فأمثال هذه الطرق كالمايكروسكوبيا الضوئية النظرية على سبيل المثال، قادرة وَحْدها – في حالات كثيرة – على تقديم إجابات مناسبة. وهي قادرة أيضا على تكميل عمل (الآي بي سي) وذلك بإيجاد المعلومات الأولية اللازمة.

ونعرض فيما يلي تفاصيل تتعلق ببعض القضايا الأساسية في صيانة المخطوطات، وجوانب تخصّ المدخل العلمي ومناهجه وتصميم المختبر. كما نعرض بعض الأمثلة عن النتائج العلمية النموذجية (للآي بي سي).

صلة التطور بالصيانة

أُلًخص مجالات اهتمام صائن المخطوطات في: فَهْم التأثيرات الداخلية والخارجية، والتأثيرات «الميكروسكوبية» و«الماكروسكوبية» على المخطوطات طيلة وجودها.

وتشمل التأثيرات الأولى الجوانب المتعلقة بالتَّلف الطبيعي، والتفاعل بين المكونات المختلفة المستعملة في صنع المخطوطات، والتي قد تتحول في بعض الحالات ومع مرور الزمن إلى تفاعلات مُضِرة.

وتشمل مجموعة التأثيرات الثانية التأثيرات الناتجة عن البيئة وعملية الصيانة والاستعمال؛ إن العلم يساعد على فهم العديد من هذه التأثيرات وتطوير طرق الصيانة، فعلى سبيل المثال: أصبح من الشائع الإشارة إلى (بي أج) (pH) الورق وإجراء عملية إزالة الحموضة الزائدة. وتجدر الإشارة إلى أن المبادئ العلمية لا تكون ناجحةً إلا إذا تمّ فهم تأثيراتها الأولية والثانوية. ولا يمكن تحقيق ذلك في أكثر الأحيان، إلاّ باستخدام طرق ميكروسكوبية، وبالرغم من أن تحاليل أنسجة الورق التقليدية والطرق الميكروسكوبية الإلكترونية المناسبة قادرة على تقديم بَعض المعلومات المفيدة فإننا لا نزال بمنأى عن الإجابة عن أسئلة هامة، مثل: إمكانية تسبب عملية إزالة الحموضة في إدخال ملوثات سطحية إلى جسم الورقة، وخاصيات تأثيرها على المدى الطويل.

إن الانكباب على درس مثل هذه القضايا مهم – في رأيي – لتطوير صيانة المخطوطات الإسلامية إلى أبعد مما هي عليه الآن. ولن يتم ذلك إلا بتبنّي المكتشفات العلمية المخصصة، مثل (الآي بي سي) عند بحث العديد من القضايا التي تصعب السيطرة عليها، والتي تواجه صائن المخطوطات.

إن (الآي بي سي)، بالإضافة إلى التطبيق المباشر المقترح لتطوير عملية الصيانة، يوفر لصائن المخطوطات فرصةً لا مثيل لها للتعرف على طريقة صنع المخطوطات وتأثيرات البيئة، وذلك لقدرة (الآي بي سي) على قياس التراكيب العناصرية بدرجة عالية من الحساسية والدقة، وكذلك قدرتُه على إنتاج خرائط مبتكرة ذات توزيع عناصري ذي ثلاثة أبعاد. وتتجسم هذه القُدرات في الواقع في نتائج عجيبة، كتشخيص طبقة من المواد الملونة، والورق الذي يصاحبها، بدون استخدام أي طرق كيمياوية.

وفي هذه الحالة يميز (الآي بي سي) ما يلي:

  1. نوع وعدد الذّرات الموجودة في المواد الملونة والورق، بحساسية فائقة لتحديد المكونات.
  2. حجم ذرات أو فلزّات المواد الملونة وطبيعة الوسيلة الناقلة وسمك الطبقة.
  3. وجود طبقة من المعالجة السطحية على الورق، وتكوين الطبقة واتّساقها وسمكها. (وهي الطبقة التّي تُعرف عند صانعي الورق القديم – بمرحلة سَقي الورق).
  4. وجود التلوث السطحي.
  5. قطر وكثافة الأنسجة الموجودة في الورق، وتوزيع العناصر داخل الأنسجة الفردية.

ومن بين مميزات (الآي بي سي) قدرته على تحديد العديد من الخاصيات المذكورة، وكشف العلاقة المتبادلة بين بعض تلك الخاصيات. ويعني هذا أننا نُحظى بوضع لا مثيل له، حيث تعمل لفائدة البحث تقنيات تحليلية متعددة، بواسطة جهاز علمي واحد. وإن هذه الميزة مهمّة فعلاً لصيانة المخطوطات، حيث تقلل من ملامستها أثناء البحث قدر الإمكان. ولكن يجدر أن نشير إلى أن تحديد كل الخاصيات المذكورة ليس مضمونا في كل دراسة.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه – بصرف النظر عن علاقة المشروع بتطوير عملية الصيانة – فإن (للآي بي سي) القدرة على تجميع المعطيات للتمييز بين الأوراق والأحبار والمواد الملونة. وعندما تطبق هذه المعلومات داخل سياق تاريخي تنتظم مجموعةً كافية من المواد والوثائق، يصبح من الممكن إقرار منهج علمي لتصنيف وتمييز المخطوطات الإسلامية.

المناهج العلمية

إن العلم الذي يرتكز عليه (الآي بي سي) يتمثل في تعريض جزء صغير من رسالة – مثلاً – لمتألّق مركز من البروتونات يبلغ قطره أقل من الميليمتر الواحد، في إطار تجربة محكمة. ويتكون (المتألّق الأيوني) المعروف «بمتألق الأيون» من مجموعة هائلة من البروتونات ذات الطاقة الموحدة، تسير في اتجاه واحد. ويُسفر التعرض عن انبعاث فوري لإشعاع مميز يكشف عن تفاصيل دقيقة وميكروسكوبية، لحبر الناسخ، والورق المرتبط به. فإذا تم مثلا الكشف عن أشعة (إكس) المنبعثة بواسطة تقنية انبعاث أشعة إكس بسبب البروتون (پكْسي)، فإن العناصر التركيبية لا التركيب الكيماوي، هي التي تُحدد بدقة وبحساسية فائقة. بالإضافة إلى ذلك يُلاحظ في إطار تحليل المخطوطات أن (پكْسي) لا تعتبر تقنية سطحية، لأن الورق والحبر شفَّافان بالنسبة للبروتونات. وتتميز هذه الطريقة عن غيرها من التقنيات من حيث أن معطيات (پكْسي) تشكّل في هذه الحالة بالذّات المادة كلّها لا السطح فقط. وفضلاً عن ذلك، فإنّه عندما تطبق هذه الطريقة، بينما يتفرَّس المتألق الأيوني الضيّق الانتشار جزءًا صغيرا محدّدا، فإنه يمكن عندئذ إنتاج خرائط بالعناصر التّي تحتوي على معلومات تتعلق بالتوزيع العرضي المساحي لعناصر فردية يتكون منها الورق والحبر. وبالإمكان إجراء هذه العملية بتردد عرضي فائق، بدرجة ميكرون واحد (واحد في المليون من المتر) على عَينات صغيرة توضع تحت ضغط جوي منخفض (فراغ). وجهاز محبس البروتون المركَّز الخارجي في مختبر أكسفورد7 قادر على إجراء هذه العملية على مخطوطات كاملة وبدون الحاجة إلى اقتطاع عينات، وذلك بتمييز عرضي يقارب مائتي ميكرون، بينما تحفظ المخطوطة تحت الضغط الجوي الاعتيادي. وقد سميت هذه الطريقة نتيجة لذلك «بپكْسي المتألق الخارجي».

إن تطبيق تقنية (الپكْسي) بمختبر أكسفورد يجري في نفس الوقت الذي يجري فيه تطبيق غيرها من التقنيات، وبالخصوص الآر بي إس (RBS). وفي هذه الحالة، يقع الكشف الفوري عن البروتونات المبعثرة من الورق والحبر والمواد الملونة أثناء التعرض لمتألق البروتُون. وتتمتع هذه التقنية بحساسية تجاه الطبقات السطحية خاصة. وهي تستعمل لأول مرة في السياق الحالي لتحديد سُمك المواد الملونة وطبقات الحبر داخل المخطوطات. وقد قمتُ بتطوير تطبيق جديد للآر بي إس لاستخراج خرائط للعناصر ذات الثلاثة أبعاد بواسطة المتألق الخارجي، لإجراء فحوص لتفاصيل ما تحت السطح في المواد المكونة للمخطوطات. ونعرض في ما يلي، طريقة تطبيق هذه التقنية.

يمثل الشكل الأول رسما تَخطيطيا للترتيبات الاختبارية المستخدمة في التحليل ذي الأساليب المتعددة للمخطوطات، مع استعمال تقنيات كل من (پكْسي) المتألق الخارجي و (الآر بي إس).

تصميم المختبر

نفِّذ تصميمُ مختبر جامعة أكسفورد، آخذًا في اعتباره المتطلبات العلمية، وتعليمات الأمان المتعلقة بالصيانة. وبرنامج التصميم يتواصل ويتطور هادفًا إلى تحقيق تحسينات تتماشى مع مستوى الخبرة العلمية المكتسبة.

إن سلامة المخطوطات عند استعمالها في المختبر تعدّ جزءًا أساسيا من القواعد الخاصة لتصميم هذا المختبر. وقد صنعنا خصيصًا لهذه الغاية بالمختبر ساندًا جديدا

الشكل (1)
رسوم توضيحية للترتيبات الاختبارية المستعملة في تحليل الحبر المستخدم في كتابة نقطة حرف النّون في مخطوطة. في الرسم الأعلى استعمل متألق بروتون ثابت لإنتاج طيف أشعة إكس للپكْسي من الحبر. يحتوي الطّيف على خطوط تمثل العناصر التي يحتوي عليها الحبر. ويوضح الرسم الأسفل، وحسب كوديكولوجيا متألق الأيون، تطبيق لمتألق بروتوني مركز ماسح لإنتاج طيف وخرائط توزيع العناصر باستخدام تقنية پكْسي (كما يبدو على يسار الصورة). وتبدو على اليمين الكيفية التي تنتج بها هذه الطريقة الجديدة خرائط ثلاثية الأبعاد، عن طريق تقنية الآر بي إس.
الشكل (2)
أطياف ناتجة عن موضع معين في صفحة من كتاب من القرن التاسع عشر، به طباعة بالحبر على الجلد. وقد استعمل الرسم الأول تقنية البُروتونات المبعثرة (RBS). ونرى أن حواف الطّيف تعكس العناصر الكيميائية الموجودة في الحبر والجلد. والحافة المتقدمة تعكس وجود الرصاص في الحبر. وتحتوي هذه الحافة أيضا على معلومات حول سُمك طبقة الحبر. أما الرسم الثاني فيمثل طيف أشعة (إكس) (پكْسي) ويبين تفاصيل العناصر التي يتكون منها الحبر والجلد. ويمكن التوصل إلى المركزات المطلقة لهذه المكونات عن طريق تحليل هذا الطيف. وقد حصلنا على الطيفين في نفس الوقت.

للمخطوطات، من صفاته أنه متنقل وقادر على توفير الإسناد اللازم لمخطوطات ذات أحجام وخاصيات مختلفة. وتقتضي عملية إسناد وإعداد المخطوطات للتجارب العلمية أن يتحرك الساند بسهولة وأمان في كل الاتجاهات، حتى يمكن – لغاية التحليل – انتقاء مواضع على صفحة معينة من المخطوطة لا تتجاوز رقعتها المليمتر الواحد، ويوضح الرسم الثالث هذا الجهاز، كما يشتمل على صورة للساند وللمخطوطة عند التحليل. ويلاحظ أن التحليل يتم في غرفة خاصة داخل المختبر، لتسهيل التحكم في الجو بالشكل الضروري للمحافظة على المخطوطات.

الشكل (3)
مختبر جامعة أكسفورد للتحليل العلمي للمخطوطات الإسلامية. الصورة اليسرى تبين الساند الخاص الذي صممناه لإسناد مخطوطات ذات أحجام مختلفة خلال التحليل العلمي لصحائف منفردة. وتسند صفحة معينة عموديا بينما يُحرك الساند بدقة حتى يتداخل موضع معين من الصفحة مع اتجاه (متألق البروتون) على المستوى الأفقي.
تمثل الصورة اليمنى منظر الترتيبات داخل المختبر، حيث أن (متألق البروتون) يأتي من الاتجاه الأيمن عبر أنبوب ضيّق مفرغ من الهواء، وينتهي بفتحة لاستخراج البروتونات إلى مستودع صغير يحوي غز الهيليوم تحت ضغط جوي اعتيادي. إن صفحة المخطوط تبقى بجوار هذا المستودع خلال التحليل، وإن أشعة إكس تكشف بواسطة الكشاف الذي يظهر على قمة الإطار العمودي الذي يبدو في الصورة.

ولتوفير شروط الأمان اللازمة يتحكم حاسوب في الجهاز حتى لا يجري التحليل إلا عند توفر الظروف المحددة، كغلق الأبواب مثلا. ولتوفير المزيد من شروط الأمان يتم أولا التحضير المقدم لتعرض المتألق الأيوني. ويتم ثانيا ضبط نبض متألق البروتون الذي يعمل تحت الطلب. وتضمن هذه الخصائص ظروف التعرض الدنيا التي تتم بها شروط توفير الأمان التي تم إقرارها من خلال اختبارات عديدة لعينات الورق والحبر والمواد الملونة في التراث الإسلامي. وتقتضي مبادئ تحقيق الأمان أن تحتوي أي مشاريع مستقبلية لتحليل المخطوطات على اختبارات أمان إضافية.

ولتقديم فكرة أحسن عن النطاق الذي تدور فيه العملية، أشير إلى الشكل الرابع الذي يبين موقع مختبر تحليل المخطوطات من المسرع (accelerator) النووي المستخدم في إنتاج البروتونات. ونضيف للقارئ ذي الاهتمامات التقنية أن وحدة (الأس بي أم) (SPM) بجامعة أكسفورد هي التي تشغّل مسرّع (تاندم فان دي جراف) (Tandem Van de Graaf) المتكون من 7,1 أم في (ميكافولت، مليون فولت) والذي ينتج بروتونات تبلغ طاقتها 5,3 إم آي في (ميكا إليكترون فولت). وتوجه البروتونات التي ينتجها المسرع إلى مختبر تحليل المخطوطات بعد التعرض لتركيز وانحراف مغناطيسيين. ويستخرج متألق الأيون المركز داخل مختبر تحليل المخطوطات بواسطة طبقة رقيقة من مادة خاصة قريبة من المخطوطات، كما نرى على الرسمين الثالث والرابع. فيفرز الإشعاع المنبعث بطريقة فورية إشارات إلكترونية داخل كشافات الإشعاع. وتُجمع هذه الإشارات وتُدرس، ثم تحفظ وتُعرض على شاشة حاسوب بإحدى القاعات المجاورة على شكل أطياف وخرائط للعناصر. وأخيرا نقول إنه باستطاعة جهاز تحليل المخطوطات هذا أن يشتغل في الوقت الذي يكون فيه (متألق الأيون) ساكنا، كما يعمل في الوقت الذي يبحث أثناءه لتحديد المساحة الصغيرة المحددة للتحليل، إما لإعداد نتائج جدّ محددة، أو نتائج معدّلة، وخرائط للعناصر (الشكل الأول).

الشكل (4)
مختبر جامعة أكسفورد للتحليل العلمي للمخطوطات الإسلامية. يبين الرسم موقع المسّرع النَّووي (accelerator) الذي استعمل لإنتاج البروتونات النشطة. إن متألق البروتون ينطلق خلال هذا الأنبوب المفرغ من الهواء، والذي يخرج من يسار المسرع، ويعاد توجيه متألق البروتون إلى مختبر تحليل المخطوطات بعد أن يركز مغناطيسيا.

 

نتائج مبدئية لمواد تاريخية

تفسير نتائج الآي بي سي

لوضع التطورات المذكورة في إطارها الحقيقي أذكر بميزة (الآي بي سي) الفريدة بكونه منهاجا ذا أساليب متعددة، تخول له لأول مرة وفي حالات عديدة في الوقت ذاته، أن يحدد على المستوى الذَّري خاصيات شتى للمخطوطة لا يمكن تحديدها بطرق أخرى. لننظر مثلا – قَصْد التبسيط – إلى إمكانية تشخيص الحبر الأسود بإحدى نقاط النص، ليس من خلال تحديد تركيبها المتلاحم فحسب، بل من خلال تحديد تراكيبها عن طريق الخرائط التي ينتجها (الآي بي سي). وتتمثل نتيجة الإمكانية الأخيرة في إخراج صور بصرية ميكروسكوبية، على شكل خرائط مُلونة (بألوان غير حقيقية) تعكس التغييرات الجارية على مستوى التركيز لعناصر كيماوية معينة موجودة داخل المساحة التي ركزها (متألق الأيون) (الشكل الأول).

وعلى سبيل المثال، إذا وضعت خريطة (پكْسي) للتوزيع العناصري لعنصر الحديد، وإذا اتضح أن الحديد فعلا من مكونات الحبر تظهر النقطة عندئذ على شكل تركيز عال ومحدود على خريطة الحديد. وبإمكاننا أن ننتج خرائط حتى لآثار الحبر غير المرئية إذا لم يتجاوز تركيز الحديد حدود حساسية التقنية. زيادة على ذلك، إذا أنتجنا خرائط لعناصر أخرى في نفس الوقت، فقد يتسنى لنا أن نلاحظ تناسبا فريدا من نوعه يشير إلى نوع الحبر الحقيقي. وبالإمكان إقرار هذه النتيجة كميًّا أيضا عن طريق تحليل طيف (الپكْسي) للحبر والذي قد يبدو مشابها للطيف المعروض على الشكل الثاني.

الورق

يمكننا أن نوضح أكثر، أهميَّة (الآي بي سي) عبر مختارات من النتائج الاختبارية المأخوذة من مقالةٍ أكثر تفصيلاً ستنشر قريبا. وتتكوَّن مجموعة النتائج الأولى من معلومات (آي بي سي) كمية أفرزها تحليل الورق (بالپكْسي) للبرهنة على أنه باستطاعة المنهاج أن يوفر طرقًا ميكروسكوبية للتفريق بين أنواع الورق. وتبدو هذه النتيجة بالذّات مثيرةً للانتباه نظرًا للاستخلاص الخاطئ الذي توصل إليه أشخاص غير أخصائيين في الميدان، من أن الورق بما أنه مادة عضوية، فإنه يستحيل تحليله باستعمال هذه الطريقة التي لا تعتمد على عينات. ويجدر بالذّكر أنه بالرغم من أنه يتسنى لنا إجراء ترتيب اختباري للپكْسي، يقيس العناصر الخفيفة المكونة للورق، فإن ذلك ليس ضروريا، إذ أن حساسية الكشف لدى الپكْسي قويّة لدرجة أنه يمكننا قياس التغيرات الطارئة على تركيز أثر العناصر الضعيفة الموجودة. ويصدر هذا الأثر للعناصر الضعيفة من كل من المادة الخام ومن الماء المستعملين في الصنع، وهي تفرق بين أنواع الورق المختلفة.

إن النتائج التي أقدمها في الجدول التالي لا تحتاج إلى تفسير. وقد تم الحصول عليها في ظروف اسمية عبر كشف أشعة إكس مميزة، بلورها تركز متألق يساوي 3.0 إم آي في من البروتونات على مساحة من الورق تبلغ 5,2مم × 5,2مم، وسلّط تعرض لمدة دقيقة على تيار ضعيف من متألق البروتون بلغ مائة پي أي (pA) (پيكو أمبيرPico ampere أي واحد في الألف في المليون للأمبير) للكشف عن عناصر ضعيفة بتركيز أجزاء من المليون (بي بي إم PPM) في عينات من ورق فارسي يعود إلى القرن السابع عشر، وورق ملون لخطاطين أتراك من القرن التاسع عشر، وكذلك عينة من ورق سجلات حديثة من أصل أسكتلندي. وتوافق حدود حساسية الكشف الدنيا التي نعرضها فيما يلي ظروف الاختبار المحددة أعلاه. وبالإمكان أن ترفع هذه الحدود إلى بعض الأجزاء من المليون بالإطالة من زمن التعرض أو التوسيع في زاوية كشاف أشعة إكس المجسمة أو كليهما. أضف إلى ذلك، أنه من الضّروري الحصول على معدل نتائج بضعة اختبارات لكل صفحة لإجراء تحليل أدق للورق.

ورق: تركيز العناصر الضعيفة بالبي بي إم

العنصرفارسيتركيإسكوتلنديحد حساسية الكشف الأدنى (لمدة دقيقة من التعرض)
السيليكون10011158026
الكبريت50210884020
الكلورين1223104219220
البوتاسيوم1076708173923
الكلسيوم98721301050030
الحديد198290735712
الزنك-209-16

ونُلاحظ بالإضافة إلى العناصر الضعيفة فإنّه بإمكاننا أن ننتج خرائط تركيب للعناصر توفر معلومات مهمة لصائن الوثائق. تشمل حالة سطح الورق كنتيجة للتأثيرات البيئية ووجود اللون ومواد مضافة أخرى، بما في ذلك تلك التي أضيفت لغرض الصيانة.

وبالإمكان التوصل إلى التفاصيل باستعمال طريقتنا للتميز العرضي المساحي العالي والتي تنتج خرائط تفصيلية للعناصر بالآر بي إس وپكْسي لسطح الورق والمقطع العرضي، كما نرى على الشكل الخامس الذي يحتوي على مجموعتين من الخرائط التركيبية. وتساوي المجموعة الأولى مساحة 35,0مم2 من ورقة بيضاء تدل على وجود بعض المعادن الثقيلة وعلى عدم اتساق في التوزيع العناصري يظهر على شكل تركيزات مفرقة لتلك العناصر. وقد توصلنا إلى مجموعة الخرائط الثانية. بعرض طرف ورقة زرقاء مصقولة تعود إلى القرن التاسع عشر تحت متألق الأيون. ونلاحظ هنا أطراف الأنسجة الظاهرة على خريطة الكلسيوم، ونكتشف دليلا على معالجة سطحية على يمين الورقة على شكل تركيز كلورين مُقَوَّى منسب بالسيليكون والألومينيوم ومرتبط بإفراغ الأكسيجين. والجدير بالذكر أنه إضافة إلى العناصر الكبرى فإن رسم خرائط العناصر الضعيفة تم أيضا في هذا الإجراء، وبالإمكان تقديم معلومات عددية لأقطار سُمْك الطبقات السطحية.

وقد بحثنا في تطور ثان تكمَّل فيه نتائج الآي بي سي بالنتائج التي ترتكز على ترتيب وتكرار الخطوط المتسلسلة والخطوط الممددة. لتحقيق ذلك يمكن استعمال أشعة بيتا وهي طريقة يستعملها الباحثون لتسجيل العلامات على الأوراق وغيرها. وتستخدم هذه الطريقة الأشعة المنبعثة من صفيحة مغلفة بمادة ذات نشاط إشعاعي لإنتاج صورة على سائل مستحضر فوتوغرافي بعد اختراق الورق. ولكن لهذه التقنية مواطن ضعف ثلاثة، وهي: التعامل مع مصدر ذي نشاط إشعاعي، والتعرض المتواصل له لساعات عديدة، وتعريض مساحة محدودة فقط من الورق للإشعاع في كل مرة.

الشكل (5)كوديكولوجيا (متألق الأيون): خرائط ذات نشاط عال للعناصر التركيبية للورق. كل خريطة معينة تبين التغيرات في تركيز عنصر كيمياوي معين وتبدو بشكل تغيرات في الألوان، حيث أن اللون الأصفر يمثل أعلى درجات التركيز. إن هذه الخرائط تمثل نتائج من ورق أوروبي من القرن التاسع عشر حيث أن المجموعة التي في الأعلى (كل إطار له حجم 25,0ميليمترا) تُمثل سطح الورق الأبيض. أما مجموعة الخرائط السفلية (كل إطار له حجم 3,0ميليمترا) فإنها تمثل حافة ورق أزرق مصقول.

وقد طورتُ، متبعا اقتراحات من الأستاذ ودوارد بجامعة وسكنسن بالولايات المتحدة، طريقة فوتوغرافية لتسجيل الخطوط المسلسلة والخطوط الممددة على طول صفحة من صفحات المخطوطة، ولا تحتاج هذه الطرقة التكميلية إلا لدقائق معدودة لتشغيلها، والحصول على نتائج تسترعي الانتباه – نراها في الشكلين السادس والسابع.

الحبر والمواد الملونة

إن تحليل الحبر والمواد الملونة في الوثائق الأوروبية باستخدام الپكْسي اعتمد تقليديّا على تشخيص تركيب العناصر بحُضور بعض التدخل، بسبب طيف الپكْسي، النابع من

الشكل (6)نتيجة راديوغرافيا أشعة (بيتا) تمثل صورة خطوط مسلسلة وخطوط ممّددة في جزء من صفحة مخطوطة إسلامية. إن هذه الصورة تطلبت عدّة ساعات من التعرض لأشعة بيتا.

 

الشكل (7)
نتيجة الطريقة الفوتوغرافية الجديدة التي طورت لتسجيل الخُطوط المسلسلة والخطوط الممدّدة لصفحة كاملة. وحصلنا على هذه النتيجة في دقائق معدودة لنفس الصفحة التي تظهر في الرّسم السادس.

الورق المستعمل (6). وبالرغم من أن هذه الطريقة قد أسفرت لوحدها عن نتائج هامة للغاية، فإن بروز تفصيل خصائص المصاحف (كوديكولوجيا) عبر متألق الأيون (آي بي سي) التي تستعمل متألقات أيون مركزة يعني أنه بإمكاننا الآن أن نكمل معلومات الطريقة المتعارفة (پكْسي) بطريقة رسم الخرائط المطور بمختبر أكسفورد. ولهذا الاكتشاف مزّية ثانية تتمثّل في قدرته على صياغة التعرف الفوري على أنواع الحبر والمواد الملّونة قبل إجراء أيّ تحليل على أطياف پكْسي. وللآي بي سي، زيادة على ذلك، مزيّة أخرى فريدة تكمن في قدرته على إعداد خرائط ذات عدة اتساعات لتحديد سُمْك طبقات الحبر والمواد الملونة، وقد يقدر على التوصل إلى الطريقة التي استعمل بها النّاسخ تلك الطبقات.

إن هذه الطريقة التي نعد بها تحديدات ذات بُعدين أو ثلاثة أبعاد لطبقات الحبر والمواد الملونة داخل صفحات المخطوطات، في الوقت الذي ترتكز فيه المخطوطة على ساندها، طريقة جديدة في هذا الميدان، وقد سميتها «التحليل المتعدد الأبعاد بواسطة المتألق الخارجي» (إي بي إم أي EBMA).

للبرهنة على طاقة وقدرات (إي بي إم أي) سأشير إلى إحدى الحالات، حيث يتعلق الأمر بطبقات ذهبية وطبقات من اللون الأزرق والحبر الأسود الموجودة على صفحة من صفحات مخطوطة فارسية تعود إلى القرن السابع عشر (الشكل الثامن). تشير النتائج

الشكل (8)صورة من صفحة مخطوطة فارسية من القرن السابع عشر، تحتوي على نص كُتب بالحبر الأسود، وحافات من خطوط متوازية ذهبية وزرقاء.

المعروضة في الشكلين التاسع (أ) والتاسع (ب) إلى أن الخط الذهبي يتكون من خليط معدني يحتوي على الذهب والنحاس والزنك، وقد وضع الخليط باستخدام الكبريت الناقل، ذي البُعد الموحَّد السمك. أما الخط الأزرق فيتكون من ملون أزرق من نوع «سمولت» (Smalt) (الشكل التاسع ت) بينما يبين اختبار آخر أجري على الحبر الأسود أنه يتكون من حديد ونحاس وتركيزات من الكلسيوم والكبريت (الشكل التاسع ج). إن هذه النتائج مبدئية، ولذلك فإني سأكتفي بما ذكرته عن طبيعة الحبر إلى أن تجرى اختبارات أُخرى. ولكن بودي أن أشير إلى أنه بالإمكان استعمال هذه الطريقة للكشف عن وجود حبر لا يُرى بالعَين المجردة، شريطة أن تكون آثار الحبر في نطاق حدود كَشف تقنية التحليل.

حقائق، وأفكار خاطئة

إن إدخال تقنيات العلم الحديث المتقدم على ميدان الصيانة ليس بالأمر السهل. فمن بين المصاعب التي قد تُواجهنا، تلك الأفكار الخاطئة التّي علينا دَحْضها. إنها مصاعب ينبغي أن نتعرَّض إليها في مجال الصيانة الأوسع لأنَّها مرتبطةٌ باعتبارات أخلاقية/أدبية.

أما في ما يتعلق بالبحث العلمي الراهن، فتجدر الإشارة – أولاً وقبل كل شيء – إلى أنه بالرغم من أن (الآي بي سي) يُفْصحُ عن أهميته، فإننا لا ندعي أن هذه الطريقة ستجيب على كل الأسئلة المطروحة أو التي ستُطرح في المستقبل، وهذا يدعوني للمناداة

الشكل (9أ)كوديكولوجيا (متألق الأيون) لخط ذهبي موجود على صفحة من مخطوطة فارسية، تظهر على الشكل الثامن خرائط التَّوزيع العناصري للذّهب والنحاس والكبريت والزنك، حجم كل إطار يبلغ 0,2 ميليمترا، ويُمثل اللون الأبيض أعلى درجة تركيز عناصري. إلا أنه في حالة استعمال خريطة بدون ألوان، فإن اللّون الأسود يمثل أعلى درجة تركيز عناصري. وهذا ينطبق كذلك على الخرائط التي تظهر على الأشكال 9أ و9ب و9ت و9ث.
الشكل (9ب)كوديكولوجيا (متألق الأيون) (تحليل ذو أبعاد متعددة للمتألق الخارجي – (أي بي إم إي)). يمثل الشكل نتائج خط ذهبي في صفحة مخطوطة فارسية كالذي يظهر على الشكل الثامن، يبدو في هذه الحالة توزيع الذهب على السطح (خريطة Au.PIX2 وخريطة Aul.RBS3) وعند التقاء الحبر والورق (خريطة Au3.RBS3) وعلى عمق متوسط داخل الطبقة الذهبية (Au2.RBS3). ويبلغ حجم الإطار 0,2 ميليمترا لكل جهة في المربع.
الشكل (9ت)كوديكولوجيا (متألق الأيون) للخط الأزرق داخل صفحة من صفحات المخطوطة الفارسية كما تظهر على الشكل الثامن. تبدو خرائط التوزيع العناصري لمواد الألومنيوم والسيليكون والكوبالت والبوتاسيوم. حجم الإطار يبلغ 0,2 ميليمترا لكل جهة في المربع؛ ويشير اللون الأبيض إلى أعلى درجة من التركيز.
الشكل (9ث)كوديكولوجيا (متألق الأيون) للحبر الأسود على صفحة المخطوطة الفارسية كما تظهر على الشكل الثامن. تبدو خرائط التوزيع العناصري للكالسيوم والنحاس والكبريت والحديد. يبلغ الإطار 0,3 ميليمترا ويشير اللون الأبيض إلى أعلى درجة تركيز.

بمدخل أكثر علمية، يقضي بالاعتراف بالحاجة للجوء إلى استخدام أكثر من تقنية واحدة. وإن هذا الاعتراف هو الذي جعلني أصمم (الآي بي سي) كطريقة متعدّدة التقنيات، وأدخل الطريقة النظرية المتكاملة لتسجيل الخطوط المسلسلة والخطوط الممدّدة.

وعلينا أن نشير إلى أن (الپكْسي) العادي أثبت كفايتَه لتشخيص الحبر دون حاجة لتحديد التّركيب الكيماوي مباشرة. ويتضح من خلال البحث الراهن، أن (للآي بي سي) القدرة على تحقيق ذلك بطريقة أشمل، ولكن إذا دَعَت بعضُ الحالات إلى توفير تفاصيل تتعلق بالتواصل الكيماوي فمن المستحسن استخدام تقنية تكميلية. أما المسألة الهامة الثانية فتخص التلف الذي قد يلحق المواد والوثائق التاريخية.

إن هذا المقال يقدّم تفاصيل عن دقة الاحتياطات التي اتخذت عند تصميم المختبر وساند المخطوطات وعند تحديد ظروف الأمان اللازمة للتعرض البروتوني. وفيما يتعلق بالحالة الأخيرة بالذّات، عليّ أن أصحح فكرةً خاصة مصدرها أشخاص غير أخصائيين لا معرفة لهم بهذه العملية أو بالميدان العلمي عامة. إن (الآي بي سي) يتمثل في تعرض مساحات صغيرة جدًا على صفحات المخطوطات لمتألق البروتون. وما يجب أن نَنْتبه إليه هو أن البروتونات تُشبه إلى حدّ ما الضوء، فكلاهما يمثل نوعًا من الطاقة التي إن استعملت خطأً أدت إلى نتائج غير مرغوبة. ولهذا السبب بالذات، أدرجت التَّحكم في مقدار البروتون وصممتُ الجهاز بطريقة لا تحتاج إلا لمقدار صغير جدا للحصول على النَّتائج المطلوبة.

ومن بين تعليمات الأمان المتَّبعة، الاختبارات الأولية التي تُجرى لتحديد حال المواد «العيارية» قبل الالتفات إلى أيّ تحليل مكرّس للمخطوطات. أضف إلى ذلك، أنّ الظروف الخاصة المتوفرة في مُخْتبر أكسفورد لا تُؤدِّي إلى ظُهور أي نشاط شُعاعي بعد انتهاء التحليل. وإني لا ألاحظ أي نتائج غير مرغوبة على مُعظم المواد. وعند تصميمي للأسلوب الذي سيُستخدم في التّحليل داخل المختبر، تركتُ مجالاً للأمان طوَّرته باستخدام مقادير تَفُوق المطلوب من «البُروتونات» على مجموعة من المواد الإسلامية بقصد إلحاق تأثيرات عليها. ونُلاحظ في مثل هذه الظروف القُصْوى ظهور تلوُّن طفيفٍ قد يختفي على الفَور أو يتواصل مع مُرور الوقت8.

الخاتمة

إن المعلومات المعروضة في هذا المقال مهمَّة من الناحية الفكرية، ومن حيث تطبيقُها في مجال صيانة ودراسة المخطوطات الإسلامية. وقد تبدي تحدّيا للأفكار التي تقضي بأن الصيانة لا تتم إلا باستعمال الطّرق التكنولوجية التقليدية البسيطة. فقد يكون ذلك صحيحًا في حالات عديدة، إلاّ أن متطلبات العصر تُشير إلى أن على الصيانة أن تستفيد في المستقبل من التطور العلمي. والواقع أنه عند بحث تفاصيل المخطوطات المايكروسكوبية، تجدني لا أرى غير اختراع مناهج علمية متطورة. وفحوى هذا البحث هو أنه يدعونا للاطلاع بأقصى الإمكان على علم المخطوطات والتأثيرات المايكروسكوبية لأي معالجة مقترحة للصيانة.

إن هذه المطامح التي يتبناها كثيرون معنا، لا تستطيع أن تتبلور بمعزلٍ عن غيرها. ولهذا، أغتنم هذه الفرصة لأحث على التجاوب الإيجابي مع الأفكار الجديدة، ولأشجع على التّعاون بين المجالات المختلفة. إذ أن (كوديكولوجيا متألق الأيون) لم تكن لتُخْترع بدون الجُهود التي بُذلت عبر ميادين التخصص المختلفة، ومساندة المختصين الآخرين لها.

إن هذا المقال يوفر الأدلة الكافية على مؤهّلات (الآي بي سي) كطريقة فريدة ذات تقنيات متعددة، بالإمكان استعمالها داخل مُختبر واحد تحت ظروف جدّ آمنة. إن هذه الطريقة تتقبل كذلك الجهود التكميلية التي تُقدمها الطّرق الأكثر تقليدا. وبالإمكان تطبيقها لتحديد بعض الخاصيات الفريدة للمخطوطات في نفس الوقت. زيادة على ذلك، فإن الاختيار الذّي يوفره التردد العرضي العالي عند إنتاج خرائط للعينات التاريخية، أو المحضرة، قد يكون مهمًّا كذلك بالنسبة لتحديد بعض خاصيات مناهج معالجة الصيانة.

إن هذه – فيما أعلم – هي المرة الأولى التي يصمم فيها منهاج علمي ومختبر مكرس للتحليل العلمي للمخطوطات التاريخية، وإن هذه المحاولة سوف تُساهم على الأقل في تسهيل تطور معرفتنا بتاريخ وصيانة المخطوطات الإسلامية.

الكلمات الأساسية

الصيانة العلمية، الكوديكولوجيا، البيبليوغرافيا العلمية، كوديكولوجيا متألقة الأيون، التراث الإسلامي، الورق، الحبر، المواد الملونة، علم المواد، المخطوطات، تاريخ الكتاب، تحليل الكتابة، التحليل العلمي، التحليل على المستوى المايكروسكوبي، الفيزياء التطبيقية، الفيزياء النووية التطبيقية، المسرع، قياس العمر، التحليل بمتألق الأيون، أركيوميتري (علم الآثار)، الآي بي سي، پكْسي، آر بي أس، أس بي أم، أشعة إكس، البروتون، مايكروبيم (متألق مركز)، المايكروسكوبيا النووية.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:

صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية : أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص . 192-159
Back to Top