مأساة المخطوطات الإسلامية في البوسنة والهرسك

شارك:

أنس كارتش

المكتبه الوطنيه في سراييفو ، لبوسنه والهرسك

بعميق الأسى، نقول أن كنوز المخطوطات، والمجموعات العربية، والتركية، والفارسية، في البوسنة والهرسك، شاركت نفس المصير الذي حَلَّ بجمهورية البوسنة والهرسك، من وطأة القمع العسكري الصربي ضد البلاد، فيما بين 1992 – 1996. لقد قدّمنا للعالم يومًا بعد يوم، صورًا لبشاعة الحرب داخل سراييفو، وعرضًا – بين الحين والحين – للدمار الذي أتَى على مكتبة البوسنة والهرسك القومية. وكما هو معروف، فقد قامت القوات المسلحة الصربية بحرق المكتبة مع بداية صيف عام 1992. وهذا الحدث يماثل الأعمال الإجرامية التي مارستها النازية ضد الكتب خلال الثلاثينات والأربعينات.

ولم تُعرف بعدُ أبعاد هذه الكارثة، فقد أبلغ مدير المكتبة القومية الحالي، أنس كويوندزيش، هيئة اليونسكو، وبعض الهيئات المماثلة الأخرى عن آلاف الكتب، والمخطوطات، التي ذهبت هباءً وطعمة للنيران. وهناك خسارة هائلة أخرى، حلت بمجموعات المخطوطات العربية، والتركية، والفارسية، الخاصة بمعهد الدراسات الشرقية، التي ذهبت ضحية المدفعية الصربية، خلال صيف 1992. ومن حسن الحظ، تم إنقاذ فهرس ضخم من جزئين (إعداد ليلى جاذيش، وصالح تراكو) يضم قائمة مخطوطات المعهد. وهناك الآن حاجة ملحة إلى تنقيح هذا الفهرس وطبعه ليبقى وَصمة في وجه المخربين.

والجدير بالملاحظة، أن سجل الوثائق الخاصة بسكان البوسنة والهرسك في العصور الوسطى، والذي كان في ملكية المعهد الشرقي، ويشمل بصفة خاصة السجلات الأولية للتعداد السكاني، وأهم من ذلك أقدم سجلات الضرائب والمحكمة التركية، كل ذلك قد تم تدميره نهائيا.

وعلى نقيض ذلك، فقد تمت خلال الحرب عمليات إنقاذ مجموعات من مخطوطات عربية، وتركية، وفارسية، خاصة بمكتبة غازي خسرو بك، أعرق مكتبة بالبوسنة. إذ نقلت أهم مجموعاتها ثلاث مرات على الأقل من مخبأ إلى آخر. ومع بداية القصف المدفعي، وضعت هذه المجموعات أمانة بخزانة البنك القومي المركزي للبوسنة، والذي اعتبر أنسب مكان لحفظها في تلك الظروف.

ويرجع الشكر لمجهودات المدير الحالي لمكتبة غازي خسرو بك، مصطفى چاهتس، وفريق العاملين معه: فقد تم إنقاذ كل مخطوطات المكتبة، وهي تضم أكثر المصاحف، ويجدرُ بالذكر منها: مصحف فاضل باشا شريفوفيتش، الذي يعرض أجمل الخطوط العربية، المزخرفة بزهور جميلة معاصرة، على نسق الطراز العربي الإسلامي.
وقد قضت الحرب على الآلاف من المخطوطات الإسلامية المتنوعة، التي كانت تحفظ بالجوامع. فالغالبية العظمى من الجوامع القديمة بالبوسنة كانت تضم العديد من المخطوطات بمكتباتها، وباللذات في البوسنة الشرقية على نهر الدرينا. واليوم، لا يوجد مسلم واحد في هذه الأقاليم – باستثناء مقاطعة جراذوا.

والآن، بعد توقّف هذه الكارثة، لا بد من أن نركز جهودنا على طبع فهارس المخطوطات الإسلامية التي كانت متوفرة قبل الحرب. ونحن نتوقع تأييدًا من مؤسسة الفرقان، والهيئات المماثلة لها في العالم أجمع، في القيام بعمل نسخ وتصوير على الميكروفيلم للمخطوطات التي بقيت إلى الآن في كل من البوسنة والهرسك.

والدور الذي تؤديه مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي هام للغاية، خاصة في إعادة بناء مكتبة غازي خسرو بك التي دُمرت. ونحن نأمل أن الخطوة الرائدة الأولى المؤيدة التي اتخذتها مؤسسة الفرقان، ستشجع الهيئات الأخرى لمد يد المساعدة إلى تلك المكتبة، وتقديم المواد والمعدات التي هي بحاجة ملحة إليها. ومثل هذه المساعدة، ضرورية من أجل ترسيخ الثقافة الإسلامية في أوروبا مرة أخرى، ومنح الفرصة لهذه التجربة الثقافية الفريدة لاستعادة قوة وازدهار البوسنة.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية : أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 105-107.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top