إبراهيم شبوح
محتويات المقال: النصّ الأول: «الأزهار في عمل الأحبار» لمحمد بن ميمون بن عمران المراكشي الحميري النص الثاني: «تحف الخواصّ، في طُرَف الخواصّ» لقللوسي |
يعتبر كتاب «عمدة الكتّاب وعدّة ذوي الألباب»، الذي أُلِّف - على الأرجح - للأمير الصّنهاجي تميم بن المعزّ بن باديس، على اقتضابه، أشملَ ما وضعِ في صناعة الكتاب المخطوط[1] تناول فيه مؤلفه المجهول بتوازن وإيجاز، انتخاب الأقلام الجيَّدة، وبَرْيَها على أجناس الخطوط، وصفة الدواة واختيار آلاتها، وعمل أجناس المداد من أجناس سوداء وملونة، وخلط الأصباغ، والكتابة بالذهب، وعمل ما تُمحى به الكتابة، وإلصاق الذهب والفضّة، وصفةَ مصاقِله، وعمل الكاغد وصقله وتعتيقه، والجلد والتجليد وجميع آلاته.
وهذا الأثر المبكّر المنفرد، كان له أثره في أدب صناعة الكتاب المخطوط، والإفادة بتركيب مواده لفترة مديدة. ويتمثل ذلك بوضوح في انتشار نسخه من رامبور بالهند إلى فاس بالمغرب، وما بينهما من عواصم الثقافة الإسلامية. ونجد صداه المباشر بعد تصنيفه بنحو قرن ونصف، في كتاب جامع صنّفه الملك اليمني يوسف بن عمر بن علي بن رسول (694هـ/ 1294م)، هو كتاب «المخترع في فنون الصّنع»[2] الذي استوعب الأبواب العشرة الأولى منه استيعابا حرفيا وبشيء من الانتقاء.
ولقد حدّد القدماء[3] لصنعة الكتاب المخطوط أركانا أربعة، هي: الكاغد، والمداد، والقلم، والتسفير، أو الورق، والحبر، والخط، والتجليد. وهذه المرتكزات، يتقاسم اختصاصها فئات مهنية، تتفاوت في مراتبها الاجتماعية، وتتباين في مستواها العلمي، وتنغلق كل منها عن الأخرى في الغالب، مما عاق تطوّر التأليف في هذه الصناعة بالمنظور الشامل الجامع الدقيق، الذي ارتاده كتاب «العمدة».
وعلى هذا، لم يكن حظّ هذه الأركان الأربعة متوازنا في معارفنا، ذلك أن القادرين على التمييز والكتابة، والوعي بضبط التَّجارب للأجيال، يبدأ اهتمامهم من مرحلة القلم والخطّ، ويخرجون منها إلى التدوين والتأليف، وبهذا كان هذا الجانب كثير الثراء، واضحا بكل جزئيات العمل المرتبط به، ومسجَّلا لتطور الخطّ وقواعده، وجودة المجيدين فيه. وأسرارُ كل ذلك موثّقة في أدب حافل محفوظ بالمصادر الكبرى لثقافة الكتّاب.
أمَّا الخطّ وأنماطه، والمعايير الجمالية المتحكمة في أوضاعه، فذلك يدخل في اللامتناهي، لأنّه يتحرَّك في مراتب الإبداع، ويتعامل مع الحسّ، ومجالهُ عالم الجمال. وتبقى الركائز الثلاث الأولى والأسبق في التسلسل من الخطّ، الورق والحبر والتجليد، فعلى هذا الترتيب المتدرّج كانت ضحالة المادة التوثيقية، التي لم تكن في مستوى توضيح تقنيات التّراث الضخم الذي سلم لنا على الزمن. فلا نكاد نعرف عن صناعة الورق غير وصفات محدودة ومجزوءة في بياناتها، لا تقدّم الأجوبة المقنعة لفهم التركيب الصناعي للعدد الكبير من أصناف الكاغد الذي كتبت عليه المخطوطات القديمة، مع ما فيها من تنوع أساليب الصناعة والمكونات، وطرق السّقي والصّقل والتلّوين، وقلّة الأحماض، ولا يمكن من خلالها أن نحدّد النماذج الورقيّة، التي تعنيها تلك المسمّيات القديمة والأحدث عهدا، منذ ابن النّديم[4] إلى القلقشندي.[5] وقد سجّل لنا المؤلّف «العمدة» وصفاً بيّناً لعمل كاغد ينسب لحاكم خراسان طلحة بن طاهر[6] (207 - 213هـ)، قوامه القنّب الجَيِّد الأبيض، ووصفاً آخر لكاغد يصنع من التّبن القديم، مع طريقة للسقي وللتعتيق.
وإذا انتقلنا للإشارة إلى حظّ التجليد أو التسفير من العناية بالتوضيح والتصنيف، فإن ما وصلنا - على نزارته - مفيد ومتكامل، ثمّ إنّ هذه الصناعة المتمّمة للجهد، والمحافظة على حصيلة الفكر تضمّه بين دفات أسفارها، ذات تركيب خارجي، تعتمد تصريف وتوظيف المواد المفردة، كالجلد والحرير والخشب والورق الملبّد والخيط واللّصق، وقد جمع مؤلّف «العمدة»، الصفات المهنية والذاتية التي ينبغي أن تتوفّر في ملتمس هذه الصناعة، وهي: «سرعة الفهم، وجودة النظر وحدّته، وخفّة اليد، وترك السرعة، والتثبّت والتأنّي، وحسن الجلوس، وملاحة الاستمالة، وحسن الخلق».[7] ونشير هنا إلى الفصل الثاني عشر من «العمدة»،[8] الذي يعتبر أقدم نصّ متكامل وبيّن يعرض آلات المجلّد ومناقِشَهُ، ويفسّر طريقة الحبك، واختبار الجلود وإعدادها وبَشْرها وشدّها، وطريقة تثبيتها، وما إلى ذلك.
ولدينا من بعده أثر غاية في الأهمية، وهو كتاب أفرده مؤلّفه الفقيه بكر بن إبراهيم الإشبيلي المتوفى سنة 628هـ لهذه الصناعة، سمّاه: «التيسير في صناعة التسفير»[9] وقدّمه برسم الخليفة يعقوب المنصور، وهو أوفى الأعمال المشابهة وأكثرها تفصيلا وإحاطة ومماشاة لأنماط التسفير التي كانت سائدة في العصر الموحّدي بالمغرب والأندلس. هذا إلى جانب الرسالة التي كتبها أبو العباس أحمد بن محمد السفياني سنة 1029هـ، عن صناعة التسفير وحلّ الذهب.[10]
ولقد قامت المخلفات التاريخية من الأسفار القديمة، معرّفة بالوجهات الفنية التي اتجهتها، واستطاعت البحوث المتواصلة عن جلود الكتب الإسلامية أن تميّز خصائص المدارس الكبرى، وتوضح أساليبها وموادها، وتقدّم نماذجها الباذخة التي يقصّر الوصف عن تقديمها. نذكر من ذلك أعمال Gratzl و Sarre وMarçais وPoinssot.[11]
وانعكس ثراء الجوانب الفنية في إعداد المخطوط بعد القرن الخامس الهجري في وفرة الألوان التي حقّق بها الخطّاطون والمزوّقون والمذهّبون إبداعاتهم. وخرجت تجارب «الحبّارين» من الدائرة المحدودة التي بدأوا بها لتزداد خبرتهم بمزج الألوان بدرجاتها، ولم يقتصر جهدهم على ما يسجّلونه لتجربة واحدة لتركيب حبر ملوّن، بل نجد للون نفسه بدائل تتحقّق في مراكز متباعدة من بلاد العالم الإسلامي، يصلون إليها بمفردات أخرى تتوفّر لديهم.
ولقد يتاح لهذه الفئة من صنّاع الحبر، القائمين بركن مهمّ من أركان صناعة الكتاب، أن ينضم إليهم في بعض الأحيان منتسبون للعلم والتدوين، فيسجّلون التجارب والوصفات التي يتعرّفون عليها، منجّمة في كتب الكتّاب وتعليم ملتمسي الوظائف السلطانية ما لا يسع الكاتب جهله، ككتب أبي بكر الصّولي، وقدامة بن جعفر، وابن درستويه، إلى النويري والقلقشندي. وفي حالة نادرة - فيما أعلم - جمعت في أبواب شاملة كما فعل مؤلّف «عمدة الكتاب».
لهذا رأيت أن أسهم في هذه النّدوة الملتئمة حول علم صناعة المخطوط الإسلامي، بتقديم نصّين جديدين في صناعة الحبر، لهما أهمّية تاريخية وفنّية قصوى، لأنهما يعيدان النظر فيما كتب عن جذور هذا الموضوع،[12] ويساعدان على تمديد الرؤية، للكشف عن الكثير من الغوامض التي تواجهنا لفهم أسرار تقنيات الكتابة في تراثنا المخطوط.
النصّ الأول: «الأزهار في عمل الأحبار» لمحمد بن ميمون بن عمران المراكشي الحميري
مخطوط فريد، اسمه: «الأزهار في عمل الأحبار» ألّفه مغربي اسمه محمد بن ميمون بن عمران المراكشي الحميري، لم نقف له على ترجمة، سوى ما أدركناه من بعض الإفادات التي جاءت في أثناء الكتاب، حيث كتبه وهو يسكن ببغداد في المدرسة المستنصرية[13] سنة تسع وأربعين وستّمائة. والكتاب أصل بخطّه، وعلى ورق العصر، وخطّه يعبّر عن وثوق صاحبه بنفسه، على القاعدة الأندلسية المغربية في التّزوية والتّقوير، على حين تنقط الفاء والقاف نقطة ونقطتين من فوق، ويعقد الحروف المنتهية الممطوطة، كالباء والتاء والفاء والكاف، بما يشبه الورقة الثلاثية. ومع أنَّ المؤلّف استطاع أن يدوّن التجارب التّقنية، وأن يقدّم عمله بمقدمة موضَّحة، إلاَّ أن معرفته بالعربية والتحكّم في استعمالها كانت محدودة، لما يتخلّل بعض النصوص من غموض في المدلولات، وتكلف في العبارة، وخطأ في الرسم وارتباك في العائد والموصول، وخلط وغلط في وضع الحركات على الأحرف.
ويورد في العنوان وفي المقدّمة أن هذا الكتاب مضاف إلى كتاب «مفاتيح الأسرار في كشف علوم الأبرار» ويشير في أكثر من مَوْضع أنّه هو صاحب «المفاتيح»، ويذكر أنه من المعنيين بالحكمة والكيمياء، وبتراث جابر بن حيان، وقد جمع له ما كان مبدّدا من بحوثه وأعماله في كتاب آخر سمّاه: «التدابير الكبير».
ويوضّح في المقدمة أن جماعة من إخوانه سألوه «تأليف كتاب في فنون علم المداد والحبر، وبيان ما يعمل من الأجساد الخمسة[14] والفضّة والتّبر، وكيفيّة اتحاد الألوان، وما يركّب منها من الأصباغ الحسان الداخلة في آلات الكتابة». وتحدث عن فضل الحبر الذي ضبط المعرفة بدءا بالقرآن والحديث النبوي، وكتب أخبار الأمم الماضية، وقيّد العلوم والأنساب.
واعترف أنّه أقبل في هذا التدوين على إثبات المنقول عن العلماء المتقدمين، ولم يسعفه الوقت لتمحيص كل ذلك بإعادة التجربة الشاملة، إلا في البعض الذي وصل إلى معرفة حقيقته، كما يقول: «بميزان الحدس العلمي واللّطف التدبيري».
وينهي مدخل الكتاب ببرنامج مفصل لسبع وعشرين مقالة، قَسَّم كلاّ منها إلى أبواب - وهذا أوسع وأشمل ما فصّل عن «فنون الحبر» - لهذا نعرضها للتعريف:
- المقالة الأولى: في عمل الحبر الأسود المائع، بها أربعة أبواب.
- المقالة الثانية: في كيفية أنواع الحبر اليابس، بها بابان.
- المقالة الثالثة: في عمل الحبر المختلف الألوان، بها أحد عشر بابا.
- المقالة الرابعة: في عمل المداد المائع المركب، بها بابان.
- المقالة الخامسة: في عمل المداد اليابس المعتاد، بها تسعة أبواب.
- المقالة السادسة: في كيفية اتخاذ المداد المختلف الألوان، وبها عشرة أبواب.
- المقالة السابعة: في كيفية ما يعمل بالذهب والفضّة حتى يكتب بهما وبغيرهما من الأجساد الخمسة، بها أحد عشر بابا.
- المقالة الثامنة: في صفة ما يشبّه بالذهب والفضّة وغيرهما من الأجساد الخمسة، بها أربعة أبواب.
- المقالة التاسعة: فيما يكتب على الأواني المتخذة من الفضّة والذهب، والآلات المصنوعة من الحديد والنحّاس والصّفر، وبها سبعة أبواب.
- المقالة العاشرة: صفة كيفية الأطلية المشتركة بين الأجساد السبعة، وبيان استخراج الطلاء منها، وفضله، وفضل ما ليس منها عنها، وبها خمسة أبواب.
- المقالة الحادية عشرة: في ذكر الإشارة والتلويح إلى صنعة الكتابة على الزجاج، وبها عشرة أبواب.
- المقالة الثانية عشرة: في صفة نقش البنان بمحاسن الألوان، والكتابة بالذهب والفضّة على الأكف البضّة الغضّة، وبها أحد عشر بابا.
- المقالة الثالثة عشرة: في كيفية اتخاذ الألوان التي يفتقر إليها في سائر ما ذكرنا من الأنواع، وبها عشرة أبواب.
- المقالة الرابعة عشرة: في مزاج ما ذكرناه في الألوان وتأليفاتها، وكيفية تركيبها وتوليداتها، وبها أربعة أبواب.
- المقالة الخامسة عشرة: في صفة ما تختلف به الكتابة في ألوانها بحسب اختلاف زمانها ومكانها، وصفة كيفيّة الكتابة على الماء، وهي من نكت ظرّاف الكتاب الأذكياء، وبها تسعة أبواب.
- المقالة السادسة عشرة: فيما يذهّب جميعا، كما يكتب به الكاتب سريعا، وبها بابان.
- المقالة السابعة عشرة: في كتابة الأسرار، والتلطف لصيانة وضعها عن الأشرار، وبها بابان.
- المقالة الثامنة عشرة: في التبيين عما يستعين به الكاتب في الكشط عن استعمال السكين، وبها سبعة أبواب.
- المقالة التاسعة عشرة: في الفرق بنظر العقل والفصل بين الممكن والمستحيل، مما ذكر قبل هذا الفصل، وبها سبعة أقسام.
- المقالة العشرون: في كيفية فك الخواتيم وردها وصفة قراءة كتبها المختومة وليّها، وبها بابان.
- المقالة الحادية والعشرون: في سقي الكاغد، ودفع الذباب عن الوقوع عليه، وصفة لصاقه وتعتيقه بما أفضت التجربة إليه، وبها خمسة أبواب.
- المقالة الثانية والعشرون: في كيفية نقوش الأقلام بالدخان، وصفة لِيقها، وليق النقوش والكتائب التي يرسم بها قبل الأدهان، وبها ثلاثة أبواب.
- المقالة الثالثة والعشرون: في صفة ما يُطلى به تحت الكتائب والنقوش على الأقلام، ثمَّ يذكر ما يطلى به على نقوشها وكتائبها، فيحفظها على مرور الأيام، وبها خمسة أبواب.
- المقالة الرابعة والعشرون: في صفة الأدهان التي تطلى على الأواني، ونقوش الدّويّ والمقالم والأقلام وغير ذلك... وبها سبعة أبواب.
- المقالة الخامسة والعشرون: صفة الطريق الحميد إلى عمل أنواع الحديد، بها خمسة أبواب.
- المقالة السادسة والعشرون: في صفة سقايات السيوف وآلات الصنائع وسكاكين الأقلام، وذكر كيفية ما يحفظها من الصدأ، بها ستة أبواب.
- المقالة السابعة والعشرون: في صفة الإرشاد إلى قلع جميع ما ذكرنا من سائر الألوان والحبر والمداد، وبها أربعة أبواب.
إن هذا البرنامج مشوّق لمعرفة كل البيانات المهمّة عن صناعة الأحبار المنوعة، ومزج الألوان، وطرق التجميل، وبعض تفاصيل صناع الكاغد، وتوشية الأقلام وتثبيت زخارفها، وتركيب الألوان، والأطلية الخاصة بالمعادن، وسقي الحديد وتنويع أصنافه، وسقي السيوف والأدوات الحادّة، وحفظها من الصدأ، وإزالة آثار مختلف الألوان.
ولكن هذا العمل الكبير الذي فصّله ابن عمران المراكشي على سبع وعشرين مقالة أعدّ لها وعدّد أبوابها، لم يصلنا منه غير المقالات الستّ الأولى متمّمة، وذكر عناوين أبواب المقالة السابعة فقط؛ وليس الكتاب مبتورا منقطعا كما قد يُتوهَّم، وإنَّما توقف المؤلّف عامدا بطريقة لم أصادف لها شبيها، ذاكرا بالكناية والتصريح أنه يمرّ - كما نصطلح بلغة اليوم - بأزمة عاطفية، عاقته عن مواصلة بسط مقالات الكتاب، تمَّ فكّر في إتمامه فجمع كتاب «التدابير الكبير» من أعمال جابر بن حيان، واستغنى به عن قصده، واعتبر أنّ به يتمّ كتابه، مع إدراكه أنه «أصبح قريبا من العالم بعيدا عن المتعلم» لأنَّ رموزه غامضة على طريقة جابر، وتحتاج إلى شرح، ويعتذر بأن العمر قصير لا يسمح بذلك.
وهكذا ينتهي الكتاب، ولكن الباقي بمقالاته الستّ غنيّ بمحتواه، لأنه يشمل على مجموع مائة وأربع عشرة صفة لتركيب الحبر، أعتبرها - فيما أعلم - أكثر التراكيب عددا وأوضحها بالشرح المبسوط الواضح.
وتبقى الميزة الكبرى لكتاب "الأزهار"، في اشتماله على «وصفات» لتركيب المداد، منسوبة لكبار العلماء والأدباء الذين تركوا في الثقافة الإسلامية أثرا كبيرا. فقد فصّل القول في الأحبار التي كان يتخذها عيسى بن عمر النحوي (149هـ/ 766م) ومسلم بن الوليد (208هـ/ 823م)، وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (255هـ/ 869م) ومحمد بن إسماعيل البخاري (256هـ/ 870م) وبختيشوع الطبيب (256هـ/ 870م) ومسلم بن حجاج القشيري (261هـ/ 875م) وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (276هـ/ 889م) ومحمد بن زكرياء الرّازي (313هـ/ 925م) ومحمد بن علي بن مقلة (328هـ/ 940م) وأبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (326هـ/ 967م) وأبو حيان علي بن محمد التوحيدي (نحو 400هـ/ 1010م) وعلي بن هلال الكاتب، ابن البوّاب (423هـ/ 1032م) وعلي بن هبة الله بن ماكولا (475هـ/ 1082م) وآخرون. ولم يتردّد بعد ذكره لصفة الحبر الذي كان يستخدمه الوزير ابن مقلة، عن تسجيل أنه من تركيب أهل الهند! كما قيل له وهو بالمدرسة المستنصرية ببغداد. وللمرة الأولى نعرف هذا العدد من الأحبار منسوبة لأصحابها من أهل العلم.
ونلاحظ أنّ أمدّة هؤلاء الأعلام ترتكز على مفردات مشتركة بينها هي: العفص[15] noix de galle والزّاج[16] vitriols والصّمغ[17] gomme arabique، والماء العذب. ويستغنى عن الصمغ اكتفاء بتألق لون السواد وثباته غير محتاج لما يشدّه إلى الورق أو الرقّ، وهذا ما كان عليه حبر مسلم بن الوليد، والجاحظ، والبخاري.
وتبقى الفروق المهمّة بين حبر وآخر، في طريقة الإعداد، والتدرّج في مزج العناصر الأربعة المذكورة، واتخاذ طريقة الطبخ على النار، أو التعريض للشّمس، أو النَقْع والعَصْر، وما إلى ذلك من الأساليب التي سجّلت بشيء من الوضوح.
وما دام العفص أحد المفردات الثابتة - تقريبا - في صناعة الحبر، فلم يَنْسَ ابنُ ميمون المراكشي أن يحدّد البدائل عند تعذر وجوده، فذكر «ماء الآس الرطب، وماء قشور الجوز الرطب، وماء قشور الرمان الرطب، وماء الخروب الرطب، وماء الأثل» وأنّه «إن ضمّ الواحد منها إلى الآخر كان أتمّ للفعل، وإن جمع الكل كان أقوى وأكمل، وبحسب الكثرة والقلة، تكون قوّة ذلك وضعفه».
ويذكر فضل الدخان أو السّخام في صناعة الحبر المركب، ويصف آلة استخراجه، وأنّ أفضله ما اتخذ من الشيرج[18] أو الجوز أو البندق أو البزر أو النفط، وهو بهذا يزيدنا إيضاحا لما حكاه أحمد بن يوسف الكاتب[19] عن صانع المداد الناعم، الذي كان يجيئهم به أيام خماروية.[20] ويؤكد رأي الوزير ابن مقلة في أن أجود المداد ما اتخذ من سخام النّفط.[21]
ونشير إلى أنّ ما ورد في المقالات 1، 3، 4، 6 من تغيير المصطلح، من حبر (1˲3) إلى (4˲6)، أمر يدعو إلى التوقّف. وقد أدّت بنا القراءة الفاحصة لهذه المقالات وما اشتملت عليه من أبواب، إلى أنّه لا فرق بين المصطلحين في النصّ؛ فالمراكشي يحدّد للحبر المكوّنات التالية: العفص، الزاج، الصمغ، الماء، وقد يضاف له الزعفران، المسك والصبر السُّقُطْري، وماء الورد (المقالة الأولى - الباب الأول). ومواد المداد الأبيض، من: الإسفيداج (céruse)، وماء العفص الأبيض، والصمغ. ومواد المداد الوردي، من: المرتك، والزعفران، والصمغ. ويصف مركب مداد وحبر (كذا) بأنه يصنع من: العفص، والصمغ، والزاج، والماء، ويضاف له الدخان البزري وماء الجلنار.
إنّ هذا التردّد بين المصطلحين يثير التساؤل عن الفرق، فهذا أحمد المغربي - من علماء القرن الحادي عشر الهجري - كتب كتابا سمّاه: «قطف الأزهار في خصائص المعادن والأحجار»[22] فرّق بين محتوى التسميتين، فالحبر عنده «هو ما استمدّ لونه من المواد النباتية»، في حين خصّص لفظ المداد «لما استمدّ تركيبه من المواد المعدنية». وهذا الاستنتاج الذي ذهب إليه محقّق نصّ المغربي[23] لا أقرّه عليه؛ فالزاج - وهو معدن - يدخل في تركيب كلّ الأحبار، والعفص والصمّغ والزعفران - وهي مواد نباتية - تمتزج بأكثر الأمدّة. وليس الموضوع - فيما يبدو - أكثر من خلط لغوي لمعاني دقيقة الدلالة بسطها القدماء، فعرّفوا بأن الحبر أصله اللّون، يقال: فلان ناصع الحبر، يراد به اللّون الخاص الصافي، والحبر: الأثر يبقى في الجلد. ويقال: حبّرت الشيء تحبيرا، إذا حسّنته.
أما المداد، فقد أطلق لأنّه يمدّ القلم، أي يعينه، وكلّ شيء مددت به شيئا فهو مداد. وسمّى الزيت مدادا لأن السّراج يُمَدّ به، فكّل شيء أمددت به اللّيقة ممّا يُكتب به فهو مداد.[24] وعلى هذا فإنّ المراكشي تعامل مع المصطلحين لمعنى واحد، فالحبر عنده يعني اسما للنوع، والمداد صفة دالة على موصوف.
ويتميّز عمل المراكشي بالوعي بخواص المواد المستعملة، نظرا لمعرفته بالكيمياء ولتجربته، ففي حديثه عن الحبر الذي يكثر فيه الزاج ويشتّد سواده، يقول: «إنّه يحرق الكاغد لكثرة زاجه، ويأكل مواضع الكتابة، فينقطع الورق بذلك» ويذكر أنّه: «ليس في الصمغ للحبر فائدة، سوى أنّه يحفظ الخطّ إذا وقع في الماء، لا يتفشّى وينبسط في الكاغد». «وأن الصمغ عدوّ الزّاج».
لقد استغرقت المقالات الستّ كلّها حديث الحبر وصفاته، ولو تمّ الكتاب بمقالاته السبع والعشرين على الخطّة التي رسمها المؤلف، وفيها الحديث عن طلي المعادن، وسقي الحديد والسيوف وإزالة البقع من الثّياب، فهل كان اسم الكتاب يبقى على ما ورد عليه، «الأزهار في عمل الأحبار»!؟
النص الثاني: «تحف الخواصّ، في طُرَف الخواصّ» لقللوسي
والنص الثاني: كتاب آخر، نادر في وجوده وترتيبه ووضوحه ومحتواه، مؤلّفه محمد بن محمد بن إدريس القضاعي، يعرف بالقللوسي،[25] أندلسيّ من أهل أسطبونه[26] Estepona ولادته سنة 607هـ/ 1210م ووفاته في رجب سنة 707هـ/ 1307م. ويعتبر هذا المؤلّف أكثر حظّا من نظائره مؤلفي هذا الفنّ، لأنه دخل التاريخ من أبواب أخرى، فقد كان إماما في العربيَّة، اشتهر بحفظ كتاب سيبويه وفكّ غوامضه، وحجّة في العروض والقوافي. وطوّع هذه المعرفة لنظم الأراجيز - على عادة الأندلسيين - في الفرائض، والعروض، ووضع أرجوزة في شرح «ملاحن» ابن دريد، وأخرى في شرح كتاب الفصيح.
وهذا الكتاب الذي نقدّمه من أعماله، هو كتاب «تحف الخواصّ، في طُرَف الخواصّ»،[27] وقد نوّه به لسان الدين ابن الخطيب، فقال:[28] «إنه رفع للوزير ابن الحكيم[29] كتابا في الخواص وصنعة الأمدّة و{قلع} طبع الثياب،[30] غريبا في معناه».
ونسخته التي بين أيدينا صورتها[31] كتبت بخط مغربي متوّسط، على الأسلوب الغرناطي، الجامع بين التقوير والبسط والقبض، ويكثر فيها الخطأ والتحريف وخلل الرسم، ولاحظنا إسقاط الناسخ لبعض السطور، وتنتشر الرطوبة في نصفها الأول، مع بعض المحو وأكل الأرضة، وقد فرغ نسخها في جمادى الأولى من عام 936هـ وعلى حواشيها إفادات «ووصفات» مهمّة تتصل بموضوع الكتاب وتزيده إثراء، بعضها لا يقرأ لرداءة الخط وللانطماس، وهي كما يبدو إضافات منقولة من كتب مشابهة أخرى.
وفي المقدمّة القصيرة يذكر المؤلف أنّه جمع فيه «نشر أشياء يحتاج لعملها الكاتب، وحصر منها أشتاتا يُشان بجهلها الطالب»، وأنّه أهداه كما أشار ابن الخطيب، للوزير الأجل أبي عبد الله بن أبي الحكيم، وقسّمه إلى ثلاثة أبواب.
الباب الأول: في أنواع يحتاج لها الكتبة، ويظنّ بها كثير من الطلبة.
الباب الثاني: في أشياء يعم نفعها، و{تعتاص}[32] على من أراد جمعها.
الباب الثالث: فوائد غريبة، وملح.
وهذا التقسيم الموجز لا يقدم حقيقة المحتوى الزاخر بالإفادات والتجارب والقواعد والمواصفات، وتفصيله لخواص بعض المواد وأصنافها وتمييز الجيّد المختار منها، كما جاء ذلك في الفصل الذي عقده للقول على العفص والصمغ والزاج، وكحديثه عن نشارة التجفيف والطين الذي يعلّم به، وحديثه عن الأمدة المركبة من غير عفص.
وحتى يكون مضمون الكتاب أكثر تجلية في التعرّف عليه، نعرض لبعض المحتوى للكشف الأوّلي عنه، لنبرز من ذلك مدى التوازن القائم في ذهن المؤلف بين الأحبار والألوان والأصباغ وقلع الطبع من الثياب، وهي كلّها - كما يبدو بالمتابعة - جوانب متّصلة ببعضها في تركيبها، وإن تبدو متباعدة في الاستعمال:
- الباب الأول:[33] في صناعة الأمدّة، وأوّلها المداد الأكحل (ص2).
فصل في أشياء يكتب بها، كالمدّة، ولا تظهر حتّى تعالج (ص10).
فصل في الآنية التي يرفع فيها المداد والليقة والنشادر والطين الذي يعلم به (ص12).
فصل في الأمدّة المركبة من غير عفص (ص14).
فصل في أنواع الكتابة بالذهب والفضّة والقصدير والنحاس الأصفر والأحمر والحديد والطَّلقْ (ص23).
فصل في أنواع الأمدّة التي يكتب بها على الذهب والفضّة والنحاس والرصاص (ص27).
- الباب الثاني: في قلع المداد من الدفاتر، وقلع الحبر من الكتب وقلع الصباغ من الثياب (ص28)
فصل في الأشربة والأنبذة (ص35).
فصل في غسالة تبيضّ الغزل (ص38).
فصل في صناعة صبغ ثياب الكتان (ص40).
فصل في صناعة صبغ الحرير (ص41).
المقالة33 الثالثة: وفيها فوائد (ص43)
فصل في عمل الزّنجار وصناعته (ص46).
صنعة عمل بياض الوجه (ص46).
صنعة عمل الزرقون (ص47).
صنعة الزنجفور (ص49).
فصل في صنعة صبغ العود والعظم والنحاس (ص50).
فصل في بيان الأصبغة والألوان (ص53).
فصل في الأبدال (ص54).
فصل فيما يصرف من هذه الأصبغة في الدهن والرسم (ص54).
ذكر الأمزجة وما يوافق منها (ص54).
ذكر ترتيب سَحْق الأصبغة (ص55).
فصل في تقصير الأصبغة في إثر سحقها (ص56).
ذكر ماء التذهيب (ص56).
إنّ مواد الباب الأول جميعها تخص الأمدّة، كما يحرص على تسميتها، أمّا الباب الثاني ففيه الكثير مما تمحى به الدفاتر، وأثر الحبر من الكتب والثياب.
والباب أو المقالة الثالثة كما سماها الناسخ، يتّصل بخواصّ المفردات المكوّنة لأصناف من المواد والأصباغ وطرق إعدادها، وما يتفق منها عند المزج وما يتنافر، وما يصلح للورق والرق خاصة، وما يقتصر على الخشب والجدران.
وفي هذا التداخل إثراء وإيضاح يساعد على فهم وتفسير الكثير من تراث الحضارة الإسلاميّة، سواء في باب صناعة الكتاب المخطوط أو بقية الفنون الصغرى، وما يتصل بها من رقش وتلوين وتذهيب ورسم. وعلى هذا فإنّ لكتاب القضاعي أهميّة فريدة، إذ لا يتكرّر أكثر محتواه مع أعمال من سبقه أو عاصره من مصنّفي هذا الفن، كصاحب «عمدة الكتاب»، وابن ميمون المراكشي، وابن رسول.
وحتى نزيد في جلاء صورة الكتاب، نعرض منه النماذج التالية:
(ص7) فصل: هذا قانون تركيب المداد الذي يصنع من العَفْص والزّاج والصّمغ، وهو هذا الموصوف في هذا الجدول المبارك، وهو في تركيب كل نوع من المداد وأوزانها، وصفة صنعة كلّ منها، إن شاء الله تعالى.
وهو هذا:
المطبوخ | المعصور | المنقوع | الغبار |
عَفْص: جزء | عَفْص: جزآن | عَفْص: جزآن | عَفْص: جزء |
زاج: ربع جزء | صمغ: جزء | صَمغ: نِصْف جزء | صمغ: جزء |
صمغ: جزء | زاج: عُشر جزء | زاج: رُبع جزء | زاج: نِصْف جزء |
ماء: ثلاثة أجزاء | ماء: جزآن | ماء: ثلاثة أجزاء | ماء: جزءٌ ونصْف |
فهذا هو ترتيبها وتركيبها، وعلى هذه الصفة يصنع كل واحد منها.
ويبقى أن نذكر قوّتها وأفعالها: فأوَّلُ ذلك أن تعلم أنّه متى زاد العَفْص على أجزائه المعلومات، أسرع إلى الكتابة خَرْقٌ بليغ. ومتى زاد الصّمغ على أجزائه المعلومة تخرّق الكتاب بعضه على بعض. ومتى زاد الزاج على مقداره أحرق وارتفع على الكتاب... له بصيصا.
- وعماد المداد العَفْص، ثمّ بعده الصّمغ، ثمّ بعده الزّاج. فأمّا الصمغ فهو لنيره (كذا) بقوته. والزاج ليقرّ قوته حتّى يصل إلى الموضع الذي يحتاج. فهذه[34] رتبة أفعالها وقوتها.
منافع كل واحد من أنواعه:
المطبوخُ يصلُح للكاغد[35] وحده.
المعصور يصلح للكاغد35 والرَّق.
المنقوع يصلح للرَّقّ خصوصا.
الغبار... للأقراص ليكتب به في حينه.
فهذه صورة الأمّدة.
{ص53} فصل في بيان الأصبغة والألوان
اعلم أن الأَصبغة في عددها اثني عشر: زنجفور، زرقون، مغرة، بياض الوجه، النيل، اللآزورد، اللكّ، الزنجار، العكار، الزّرنيخ، الفحم، طَرْنشول.
فهذه الأجساد بأَجْمعها، ويتكسّر من كل لونٌ منها لون آخر، فتصير أربعة وعشرين.[36]
فأمّا الزّنجفور إذا سحق مع البياض، جاء منه لونا ورديّا، وكذلك الزرقون، وكذلك المغرة.
وإذا سُحق البياض مع النيل، جاء منهما غماميّا.
وإذا سُحق الزرنيخ بالنيل جاء منه أخضر فستقيّا.
وإذا سُحق اللكّ بالبياض، جاء منه بنفسجيّا.
وإذا سحق الزّعفران مع البياض جاء منه لوبانيا.
وإذا سحق العكار بالبياض جاء منهما...
وإذا سحق الزرنيخ بالزّعفران، جاء منه لونا ذهبيا معتقا.
وإذا سحق النيل والزرنيخ والزنجفور، جاء من ذلك صعتريا.
فهذه الأصول بأجمعها، والمكسرة منها.
{ص54} فصل فيما يصرف من هذه الأصبغة في الدّهن والرسم
الزنجفور، والزرقون، والمغرة، واللكّ، والعكار، والبياض، والفحم، واللآزورد، لا غير.
ويصرف فيها الزيت في الأشناء.
{ص54 - 55} ذكرُ الأمزجة وما يوافق منها
فأمّا الأمزجة فهي أربعة، إذا عُدم أحدها جعل بدلا منها أخرى، وهي:
البياض، والغراء، وماء الكتان، والقرظ، وهو الصمغ العربي.
البياض: لما يزوّق به الحيطان والخشب.
الغراء: مزاج لما يزوق به الدهان والخشب.
لعاب الكتان: مزاج لما يزوق به الكاغد والدهان.
فهذه الأمزجة قد أتقنتها، فمتى وضع الغراء في الزنجار وفي اللكّ أو في العكر أو في البقم، أملك، ويوافق غير ذلك.
ومتى وضع الصّمغ في الزّرقون، عقده وأفسده لا غير، وهو موافق لجميع الأصبغة، وما كثر منه في صباغة الكاغد والرقّ كان حسنا.
أمّا البيض فمتى وضع في... لكّ أو زنجار أو في بقام أو عكار، أفسدها البتّة، ويوافق غير ذلك.
{ص53 - 54} فصل في الأبدال
إذا عدم النّيل فبدله الفحم، يكسر به جميع ما تحتاجه للنيل.
البياض بدل في صباغ الكاغد وتزويق الحيطان، وإذا عدم البياض بدله الجبس يقتل بالسحق، وأمّا في الدهان فلا يتهيأ منه شيء.
الزرقون بدله نوار الرمان في الكاغد والرق خاصة، وأمّا في صباغ الدهان فلا يتهيأ منه شيء.
الزرنيخ الأصفر ليس له بديل.
الزرنيخ الأحمر بدله التربة المسحوقة مع شيء من الزرنيخ، تقوم مقامه في الكتب والدهن، ويفعل هذا الزرنيخ الأصفر.
المغرة بدلها المداد، ويخلط مع الزنجفور.
والزنجفور بدله الزرقون والمغرة، إذا خلطا جميعا.
اللازورد بدله كحل الإثمد، إذا خلط مع رغوة الصباغ قام مقام اللازورد.
اللكّ يقوم مقامه العكار، إذا طرح فيه الشب المصوّف، ويترك للشمس حتّى يخثر، ويأتي حسنا للكاغد والرّق والدهان.
وبدله أيضا البقم، إذا طبخ على النّار بالماء ناعما، فإذا خرج صبغة، وضع فيه يسير شبّ، والصمغ العربي، وكتب به في الكاغد والرَّقّ، وأمّا الدّهان فكذلك، وأحسن ما يكون في الدّهان إذا وضع على زنجفور.
هذا ما أردت تقديمه، وأعتقد أنّ تجميع كل النّصوص المتّصلة بمادة الكتاب، وترتيبها تاريخيّا، والتعريف بمصطلحها، وعرض بعض الجوانب للتجربة المخبريّة، ونشرها في نشرات نقديّة مقارنة، سيكون دافعا ميسّرا لكتابة تاريخ المخطوط الإسلامي، ومساعدا على فهم مكوناته الأساسية، لتقوم البرامج المخبريّة للإنقاذ بعملها في الصيانة والترميم ببصيرة ووعي.
[1]انظر عنه C. Brockelmann, Geschichte der arabischen Litteratur
(GAL), lst ed, I (Weimar, 1898), 268, 525 ; Supplement, I (Leiden, 1937), 473, 963. وعثمان الكعاك: صناعة الكتب في القيروان (مجلة المباحث - العدد 25 ص13 - تونس 1946)، وفيه تقديم لنسخة قديمة اكتشفت بالقيروان. وقد حقق الكتاب ونشره د. عبد الستار الحلوجي وعلي عبد المحسن زكي في مجلة معهد المخطوطات العربية - المجلد 17 الجزء1 - القاهرة. مايو 1971، وبدار الكتب التونسية نسخة حديثة جيّدة، رقمها 3634 - إبراهيم شبوح: المخطوط 48 تونس 1989. وقد ترجم الكتاب Martin Levy من جامعة Yale ونشره في: Mediaeval Arabic Bookmaking and its relation to early chemistry and pharmacology, Transaction of the American Philosophical Society, Philadelphia 1962 vol. 52 part 4. انظر أيضا: Zerdoum Bat-Yehouda, Les encres noires au moyen âge (jusqu'à 1600), 123, (Paris, 1983).
[2] استعملت صورة نسخة الامبروزيانا، ثم اطلعت على نشرة جيّدة للكتاب بتحقيق د. محمد عيسى صالحية - الكويت 1989، ومنه نسخة لم تعتمد للتحقيق، محفوظة بالمكتبة الآصفية بالهند رقم 221، يذكر كوركيس عواد أنها مجهولة المؤلف. انظر كوركيس عواد: الخط العربي في آثار الدارسين قديما وحديثا 393 - المورد. المجلد 15. بغداد - نوفمبر 1986.
[3] على هذا بني كتاب «عمدة الكتّاب»، ويراجع «صبح الأعشى» 2/ 473 حيث يختار بدل التجليد حسن صناعة الكاتب، يقول: المداد ركن من أركان الكتابة، وعليه مدار الرّبع منها، وأنشدوا:
ربع الكتابة في سواد مدادها | والرّبع حسن صناعة الكُتّابِ |
والرّبع في قلم تسوّي بَرْيَهُ | وعلى الكواغد رابعُ الأسبابِ |
[4] «الفهرست»، ليبسيك 1872، ص21.
[5] «صبح الأعشى» 2/ 487 وقد رتّب الورق المنتشر في عصره حسب أفضليَّته، فأعلاها البغدادي، ثم الحموي، ثم الشامي، ثم المصري، وهو على قطعين. المنصوري والعادة، ثم المغربي، ثم الإفرنجي. والنصّ على إيجازه مهمّ في تفاصيله:
[6] «العمدة» 147.
[7] المصدر نفسه 157.
[8] المصدر نفسه 153.
[9] نشره المرحوم الأستاذ عبد الله كنون في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية، المجلدّة 7 - 8 مدريد 1959، يراجع الأستاذ محمد المنوني، «تاريخ الوراقة المغربية»، الرباط 1991، ص29.
[10] نشره Prosper Ricard بعنوان «صناعة تسفير الكتب وحلّ الذهب»، Geuthner، باريس 1919 وأعاد الناشر طبعه سنة 1925، وكتب عنه الأستاذ محمد المنوني: المرجع السابق 86 - وترجمه M. Levy في ذيل ترجمته ل «عمدة الكتاب». الحاشية (1) المتقدمة.
[11] عناوين البحوث التي كتبت عن فنون الكتاب والتجليد خاصة، أحصاها
K.A.C. Creswell, A Bibliography of Architecture, Arts and Crafts of Islam, (Oxford, 1961).
[12] Zerdoun Bat-Yehouda، المرجع السابق 124 وقد اعتمدت كتاب «العمدة» ووالت الخطأ في نسبة الكتاب لابن باديس، وفيه تذكر أنّ أول الإفادات المعروفة عن الحبر في بلاد الإسلام ترجع إلى القرن الثالث الهجري.
[13] أسسها الخليفة العباسي المستنصر بالله في الجانب الشرقي من بغداد على ضفاف دجلة. شرع في بنائها سنة 625هـ/ 1227م وانتهى العمل فيها سنة 631هـ/ 1234م فأودعها خزائن من نفائس الكتب (ابن الفوطي، «الحوادث الجامعة» 53)، وجمعت بين المذاهب الأربعة - وقد رممّت ترميما كاملا في القرن الحالي، بدءا من سنة 1945.
[14] يعدد المراكشي الأجساد الخمسة عند ذكر عناوين أبواب المقالة السابعة، بأنّها: الذهب، والفضّة، والنحاس، والأسرب، والرصاص. هذا والرصاص الأبيض يعني القصدير étain، والأسربّ هو الرصاص الأسود plomb. انظر ترجمة وتعليقات H. Renaud وG. Colin لكتاب «تحفة الأحباب في ماهية النبات والأعشاب»، باريس 1934، 20 رقم 39.
[15] «تحفة الأحباب» 137 رقم 309.
[16] المصدر نفسه 65 رقم 144.
[17] المصدر نفسه 132 رقم 296.
[18] هو دهن السمسم l'huile de sésame ابن البيطار، «الجامع لمفردات الأدوية والأغدية» 3/ 30 - مصر 1291هـ، وترجمة Traité des simples, II p. 282، Lucien Leclerc مصورة عن طبعة باريس 1881.
[19] هو أبو جعفر بن الدّاية، البغدادي المصري، تولّى أعمالا ديوانية في الدولة الطولونية، يذكر الزركلي أنّ وفاته نحو سنة 340هـ/ 950م، وخبره مع صانع المداد في «صبح الأعشى» 2/ 474. ونشير إلى أنّ محاولات التلطيف في صناعة الحبر، كانت تهدف إلى تحقيق نعومة العلاقة بينه وبين القلم، حتّى ينساب بدون اختناق أو كزازة، وهناك محاولة حضارية ناضجة حققها الخليفة الفاطمي الرابع المعز لدين الله، ثم توقفت بعده، وهو ابتكاره للقلم المدّاد الذي يوضع الحبر بداخله، ويقلب في كل جهة فلا يرشح منه شيء، ويكتب عندها يراد منه أحسن كتاب، وإذا رفع عن الكتاب أمسك المداد. القاضي النعمان بن حيون، «المجالس والمسايرات» 319، بتحقيقنا وآخرين، تونس 1978.
[20] خمارويه بن أحمد بن طولون، ولي مصر بعد أبيه سنة 270هـ، ووفاته سنة 282هـ/ 896م. الكندي، «الولاة والقضاة» 233.
[21] «صبح الأعشى» 2/ 475.
[22] د. عماد عبد السلام معروف، ملاحظات حول مخطوطة قطف الأزهار للمغربي، المجلة التاريخية المغربية - السنة الثامنة - العدد 23 - 24 تونس 1981.
[23] بروين بدري توفيق: صناعة الأحبار والليق والأصباغ. فصول من مخطوطة قطف الأزهار للمغربي. المورد - المجلد 12 - ص252 بغداد 1983.
[24] «صبح الأعشى» 2/ 471.
[25] كذا في مستهل النسخة الخطية، بلامين محركتين مظبوطتين، وعدّد ابن الخطيب في «الإحاطة» لاماته بدون ضبط، ورسمه بروكلمان GAL 2/ 336 al-Qallūsī بلام واحدة مشدّدة. ترجمته في «الإحاطة» 3/ 75.
[26] بمقربة من ثغر مربلّة.
[27] للمؤلف كما يبدو ولع بالجناس في عناوين كتبه، من ذلك كتابه: «زهرة الظرف وزهرة الظرف». والخواص الأولى في عنوان الكتاب عكس العامة، والثانية تعني الخواص الطبيعية والكيميائية.
[28] «الإحاطة» 3/ 76.
[29] هو محمد بن عبد الرحمان، ابن الحكيم اللخمي، أبو عبد الله، إشبيلي الأصل، رندي النشأة، يجتمع في أصل واحد مع بني حجاج وبني عباد. كتب لسلطان غرناطة محمد بن محمد بن نصر، وتقلّد الوزارة لابنه أبي عبد الله المخلوع، فلما توفي هذا أفرده بالوزارة ولقبه بذي الوزارتين. كان كاتبا حسن الخطّ، مكّرما للعلم والعلماء، مفرطا في اقتناء الكتب. مات بغرناطة قتيلا في شوال سنة 708هـ/ 1309م. ترجمه ابن الخطيب: «الإحاطة» 2/ 444، ابن حجر: «الدرر الكامنة» 3/ 495 المقري: «أزهار الرياض» 2/ 340.
[30] قرأها محقق «الإحاطة»: «والتطبع الشاب»!
[31] من ذخائر الخزانة الملكية بالمملكة المغربية، أفادني معرفتها أستاذنا الجليل محمد المنوني، حفظه الله، وتفضل عليّ بصورتها أخي العالم الفاضل د. محمد بن شريفه، فلهما منَّي كل اعتراف وامتنان.
[32] اعتاص الأمر، اشتد وامتنع والتاث. وفي الأصل غير واضحة، فقد تكون احتاص، بمعنى حزم وتحفظ.
[33] سماها المؤلف في مقدمته أبوابا، وتغيرت التسمية في الباب الثالث لتصبح «مقالة» ولعلّ ذلك من عمل الناسخ.
[34] في الأصل: فهذا.
[35] في الأصل: الكاغيد.
[36] كذا بالأصل، والألوان المكسرة حسب النص ثمانية فقط، ولعلّ البقية أسقطها الناسخ.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: دراسة المخوطات الإسلامية بين اعتبارات المادة والبشر، أعمال المؤتمر الثاني لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ديسمبر 1993/ جمادى الآخرة 1414 - النسخة العربية،1997 ، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن. ص 15-34. يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |