معالجة صحائف الرَّق المخطوطة في العصور الإسلامية المبكّرة خلفية تاريخية: المخطوطات التي اكتشفت في العاصمة اليمنية صنعاء

شارك:

أورسولا درايبهولتز

محتويات المقال:
لمحة تاريخية
معلومات عامة
الرَّق
الحالة
المعالجة لأغراض الحفظ
التصنيف
التخزين الدائم
ملحق
المراجع

لمحة تاريخية

في 1971 انهار الجدار الغربي لجامع صنعاء الكبير بفعل السيول الشديدة وبدأت أعمال إعادة بناء هذا الجدار في العام التالي، ونتيجة لذلك تم اكتشاف عدد كبير من صحائف مخطوطة لنسخ قديمة من القرآن الكريم، في المساحة الواقعة بين سقف المسجد والسطح العلوي.

وعلى الفور، أدركت السلطات اليمنية الأهمية الفائقة لهذا الكشف1. ومع بدء التفكير في المحافظة عليه وصيانته، رفضت الحكومة عرضا بإرسال المخطوطات كلّها إلى الدانمرك لصيانتها هناك، ولكنها قبلت بعد ذلك تقريرا خاصا، موَّله القسم الثقافي بوزارة الخارجية الألمانية (ألمانيا الغربية في ذلك الوقت)، يقترح صيانة وتبويب هذه الصحائف في مكانها في اليمن. واستغرق تنفيذ المشروع فترة امتدت منذ التوقيع على الاتفاق الثنائي في خريف 1980 إلى نهاية 1982.2

معلومات عامة

يقدر عدد الصحائف المدونة على الورق بين 12 و15 ألفا. وهناك إلى جانبها عدد كبير من الصحائف المدونة على الورق، ولكن مجرد تقدير أعدادها عملية صعبة للغاية. وقد تم إعطاء الأولوية للصحائف المدونة على الرق، لأنها أقدم وأكثر أهمية. ولم يكن هناك أي وقت متاح على الإطلاق للعمل على الصحائف الورقية طوال فترة تنفيذ المشروع، ولهذا السبب لا تتناول هذه المقالة سوى المواد المدونة على الرق.

ولم يتم العثور على تواريخ مدونة، ولكن الخبراء يتفقون على أن هذه المخطوطات تعود إلى القرون الثلاثة أو الأربعة الأولى للهجرة، أي إلى الفترة بين القرن السابع والقرن العاشر أو الحادي عشر للميلاد. والنصوص مدونة بالخط الكوفي أساسا، وإن كان هناك بعض الأمثلة المدونة بأقدم أنواع الخط العربي، وهو الخطّ الحجازي3.

وتتضمن صحائف الرق كلها تقريبا نصوصا قرآنية، ويقل عدد النصوص غير القرآنية عن 150 (أي بنسبة 1٪ تقريبا). وربما تكون هذه النصوص من الحديث النبوي الشريف، وتفسير الأحكام الدينية، وبعض البقايا من كتب طبية، وبعض وثائق الملكية. وحتى الآن تم تمييز ما يقرب من 1000 مجلد مختلف من القرآن الكريم. واكتشفنا أنه لم يتبق في بعض الأحيان من المجلد الواحد سوى صحيفة واحدة، ولكن جزءا كبيرا من النص لا يزال محفوظا في بعض الحالات. ومع ذلك ليس هناك على وجه العموم سوى عدد قليل من الصحائف من كتاب واحد. ولم نقف على مجلد واحد مكتملا.

ولا بد أن يدفع ذلك إلى التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تمزيق وتوزيع أجزاء هذه المصاحف، ولماذا «خبئت» في سقف المسجد. إن التفسير المقبول الآن هو أن السقف لم يكن مكانا مخصصا لحفظها، ولو كان ذلك لعثرنا على مجلدات كاملة وذات قيمة فائقة هناك. ولكن أجزاء الكتب لا تتفرق من تلقاء نفسها بهذه الصورة، حتى في أقسى الظروف. وهكذا فإن الاستنتاج المنطقي هو أن هذه المساحة كانت تستخدم كمستودع للمصاحف، أو أجزاء المصاحف، التي لم تعد مستعملة. وهل هناك مكان أفضل لحفظ كتاب الله من حرمة المسجد.

الرَّق

يتم صنع الرق، مثله في ذلك مثل الجلد، من جلود الحيوانات، ولكن باستخدام أسلوب مختلف. بحيث لا تستخدم أي مواد للدباغة، ولكن تغمر جلود الحيوانات بعد ذبحها مباشرة في ماء الكلس لعدة أسابيع حتى تسهل إزالة الشعر عنها. ولا بد من شطف الجلود بعد ذلك بالماء بعناية قبل بَسْطها على إطار. وفي أثناء عملية التجفيف يتم كشط الناحية الداخلية من الجلد بسكين محدّبة قوسية لإزالة كل قطع الشحم واللحم الملتصقة بها، ويتم الضغط على الجلد بقوة عند تنفيذ ذلك.4 وبعد ذلك يتم حك كلا الناحيتين بالطباشير «والحجر الخفاف» لتحقيق النعومة، برغم أنه كان يتم ترك فارق واضح بين ناحية الشعر والناحية الداخلية في الرق العربي. وهناك حالات كثيرة لا يزال النص في حالة ممتازة على ناحية الشعر منها، بينما تفكك الجلد تماما من الناحية الداخلية الأكثر خشونة. وعلى النقيض من ذلك كان صناع الرق الغربيون يجتهدون لكي تبدو كلا الناحيتين بالمظهر نفسه، وكانوا ينجحون في ذلك إلى درجة أنه لا يمكن التفريق بسهولة بين الناحيتين.

ويعتمد السمك والحجم على عمر ونوع الحيوان المستخدم، فقد كانت الحيوانات الأصغر حجما وسنا تنتج رَقًّا أصغر، ولكنه أرق وأكثر مرونة. ولهذا السبب كان رق الكتابة يستخلص دائما من الحيوانات صغيرة السن، لأن جلد الحيوانات الأكبر سنا كان أسمك من اللازم ولا يصلح لهذا الغرض. ويمكن استخدام جلد أي حيوان لصناعة الرق، ولكن كان من الشائع استخدام جلود الماعز والخراف والعجول وهي نفسها الحيوانات التي يأكل الإنسان لحومها، ويبدو أن المواد التي تم العثور عليها كانت من جلود تلك الحيوانات.

الحالة

كانت الحالة التي عثر على تلك المواد فيها تتراوح بين الجيد للغاية، والاقتراب من

صفحة من الرق تعرض جزؤها العلوي لرطوبة عالية
حالة الرقوق عند العثور عليها
جزء من الرق مطوي وقد أصابه التلف
جزء من مخطوطة عاشت بها الحشرات

حد التلاشي الكامل. وقد تعرضت صحائف الرق للماء نتيجة تسربه من السطح العلوي، كما تعرضت أيضا للحشرات والقوارض. ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أيضا بأن الكثير من هذه المخطوطات كان قد تعرض بالفعل لأضرار كبيرة قبل إيداعها سقف المسجد. وكان الغبار الموجود باستمرار في صنعاء عاملا آخر له أهميته، ففي بعض الأحيان كان يتحد مع الماء ويغمر الصحائف بحيث يحولها إلى ما يشبه طوب البناء. ومع ذلك لا يبدو أن جفاف الطقس تسبب في أي ضرر دائم.5

وكانت المخطوطات كلها مكسورة بالغبار. وكانت على بعضها أوساخ إضافية تمثل في أحيان كثيرة قشرة متجمدة نتجت عن امتزاج الغبار والماء. وكانت الصفحات ملتصقة في كثير من الأحيان. وفي بعض الحالات زالت الكتابة بشكل لا يمكن إصلاحه، أو فسد الرق بشكل لا يمكن معه إعادة تدعيمه. وهناك انطباع خاطئ بأن الأجزاء السوداء تعرضت للحرق، ولكنها في الواقع عبارة عن حالات تحلل فيها الرق بالكامل نتيجة للتعرض الطويل للماء أو الرطوبة المكثفة. وقد تسبب الماء أيضا في انكماش الرق في بعض الحالات. وكانت هناك بعض التجمعات الكبيرة أيضا من أثر الذباب (المخلفات التي يتركها الذباب)، كما حدثت خسارة كبيرة نتيجة للحشرات والقوارض، ومن الواضح أن بعض الأضرار كانت من فعل الإنسان أيضا. وعلاوة على ذلك كان معظم الصحائف مطويا، أو ملفوفا، أو مجعدا، أو ممزقا ..إلخ.

وكانت مقاييس الصفحات الكاملة تتراوح بين 4 × 5سم، و45 × 50سم. وكان لون الحبر المستخدم في النص في أغلب الأحيان بنيا داكنا أو أسود مائلا إلى البني، وهناك أيضا بعض النصوص القليلة باللون البني الفاتح، والبعض يكاد يكون أسود اللون تماما. ولم يتم بَعْدُ تحليل مكونات هذه الأحبار، ولكن يبدو أن معظمها عبارة عن حبر «صفار» الحديد.6 وهو الزاج.

ولم تكن الألوان تستخدم لمجرد وضع النقاط، الحمراء عادة، وعلامات «الشّكل» الأخرى، وإنما أيضا لأغراض الزينة التي كانت تميز نهايات الآيات وعناوين السور.

المعالجة لأغراض الحفظ

كان الغرض من أعمال الصيانة والحفظ إنقاذ الحالة القائمة للصحائف. وقد تم تنظيف هذه الصحائف وبَسْطها، ولم تستخدم أي أساليب «تجميلية»، ولكن تم إصلاح التمزقات والصحائف المقطوعة بالنسيج أو الورق الياباني. ووضعت الصحائف الهشة للغاية، أو التي تعرضت لأضرار كبيرة، داخل ظروف مصنوعة من ألواح رقيقة من البوليستر7 يمكن فتحها من ناحيتين لتسهيل إخراج الصحائف منها، وهي ملتحمة بالموجات فوق الصوتية من الناحيتين الأخريين لضمان مرور الهواء خلالها. وبهذه الصور يمكن تناول أكثر الصحائف تعرضا للتمزق، والنظر إليها من الناحيتين.

وكان الأسلوب العام للمعالجة بسيطا للغاية، برغم أنه كان يتطلب التركيز، والصبر والحساسية لأن كل صحيفة يمكن أن تتفاعل بشكل مختلف إلى حد ما مع أسلوب المعالجة.

وفي البداية كانت الأوساخ تزال عن المخطوط بعناية، وبعد ذلك يوضع الرق المتصلب في غرفة ترطيب لإكسابه المرونة. وكان تركيب هذه الغرفة بسيطا للغاية، ومن السهل بناؤها، وهي رخيصة الثمن، وقوية البناء، وتكاد تكون غير قابلة للكسر والتحطيم، ولا تحتاج إلى طاقة، ولا إلى الكثير من أعمال الصيانة، باستثناء تنظيفها بين الحين والآخر، ولا يصدر عنها أي ضجيج.

ولتركيب هذه الغرفة، توضع صينية غير عميقة مليئة بالماء العادي داخل وعاء أكبر وأعمق. وتسند الصحائف بطبقات من شبكات النايلون ذات الحواف المدعومة بأشرطة من البلاستيك الصلب. وتسند الشبكات بدورها بـ«أطر» مصنوعة من المطاط الستيريني، لكي تكون هناك مساحة كافية بين هذه الشبكات لوضع الرق. ويمكن تغطية الشبكة العلوية بطبقة من الورق النشاف. ويمكن ترك هذه الطبقة جافة، أو ترطيبها بخفة، أو تبليلها بقدر كبير من الماء. وبذلك يسهل التحكم في مقدار الرطوبة في هواء غرفة الترطيب، أو تنفيذ عملية إكساب الرق المرونة إما بسرعة أو ببطء. وأخيرا، هناك غطاء للغرفة يتكون ببساطة من لوحة خشبية مع طبقة رقيقة من المطاط الرغوي ملتصقة على الناحية الداخلية منها، وهكذا يتم إغلاق هذا الغطاء بإحكام للاحتفاظ بالرطوبة داخل الغرفة.

وكان يكفي في العادة إبقاء الرق داخل غرفة الترطيب خلال ساعات الليل. ومن المؤكد أنه يجب تجنب تعريض الرق لهذه الرطوبة العالية لفترة أطول من ذلك، لأن العفن يتكون على الرق بعد 2 – 3 أيام فقط.

وبعد ذلك يمكن بسهولة فتح وبسط الصحائف المطوية والملفوفة، والفصل بين الصفحات الملتصقة، وفي بعض الأحيان يستخدم مشرط لهذا الغرض.

وكان تنظيف الأوساخ يتم باستخدام كرة من القطن مبللة بمحلول من الماء والكحول (الإيثانول)، بحيث تبلغ نسبة حجم الكحول إلى الماء 1:4.8

ويزيل هذا المحلول الغبار والأوساخ بكفاءة بالغة، ويطري القشور وبقع الذباب بدرجة تسهل معها إزالتها بمشرط (من الأمور المساعدة في هذا الصدد تجهيز عدد من المشارط ذات درجات الحدة المتفاوتة). ولا يؤثر هذا المحلول أيضا على الحبر أو الألوان عند استخدامه بحرص. ومع ذلك يجب التأكد من أن المادة المثبتة في الحبر أو الطلاء لم تنحل بدرجة أكبر من اللازم خلال عملية الترطيب.9

وتم قطع الأجزاء التي تحللت بصورة لا يمكن معها علاجها، مثل الحواف الهلامية للثقوب الناشئة عن التعرض للماء، وكان القطع يشمل أصغر جزء ممكن (كنت أحاول على وجه العموم تجنب مثل هذه الإجراءات المتطرفة). وكانت ناحية الشعر من الرق تبلل أولا باستمرار، لأنها لا تمتص الرطوبة بالدرجة نفسها مثل الناحية الداخلية، التي تتأثر بالرطوبة بدرجة أكبر. وبهذا الأسلوب كان يؤجل على الأقل الالتفاف المزعج الذي كان يحدث في حواف الرق المبلل. وأمكن أيضا ملاحظة أن الصحائف التي تعرضت لرطوبة زائدة أو للبلل المباشر بالماء في مرحلة سابقة (وهو أمر كان يبدو بوضوح من الدرجة الكبيرة من التحلل، أو الانكماش، أو انحلال اللون) كانت أكثر امتصاصا للرطوبة واحتفاظا بها (أكثر تأثرا بالرطوبة في بيئتها)، حتى بعد أن أصبحت في حالة جفاف لفترة طويلة بالفعل.

وكانت أصعب مراحل العملية بأكملها بسط وتسوية الصحائف بدرجة كافية لإزالة التجاعيد، وتسوية الأطراف الملتفة ومد الأجزاء المنكمشة. وقد تم تحقيق ذلك عن طريق وضع الرق بين طبقتين من ورق الشمع أو السيليكون، مما يضمن عدم التصاق الحبر بهذا الورق، وعدم التصاق أي ألياف ورقية بالحبر الرطب. وبعد ذلك يتم رفع طرف الورقة التي تغطي الرق، وتسوية جزء من الحافة الملتوية، إما بأصابع اليد أو باستخدام ملقاط. وفي العادة كان تنفيذ ذلك يتم في جزء تلو الآخر، وبعد تسوية أحد الأجزاء، يثبت في مكانه مباشرة من أجل تحرير اليدين لمعالجة الجزء التالي الذي يحتاج إلى معالجة. وبعد تسوية كل جزء، كان يثبت في موضعه بالورق الشمعي أو السيليكوني الذي يوضع فوقه «قالب» (مكون من قطع خشبية كل منها ملتصق بالآخر). وكان هذا القالب بدوره يثبت في مكانه بثقل معدني صغير الحجم وثقيل الوزن. ويجب تغطية هذه الأثقال المعدنية بقماش ناعم حتى يمكن وضعها على الرق مباشرة، إذا تطلب الأمر ذلك، أي عندما يستلزم الأمر بسط الأجزاء المنكمشة.

وهذه «القوالب» لها فائدة كبيرة، وهي توفر سطحا مستويا تماما لأنها لا تنحرف من مكانها. ويجب إعداد عدة أحجام من هذه «القوالب».

وربما يستدعي الأمر تكرار هذه العملية عدة مرات، وإن كانت مرة واحدة تكفي في أغلب الأحيان. ولكن يجب التزام منتهى الحرص، والعمل ببطء شديد، وخصوصا عند فرد الرق المنكمش، وإلا فإنه سيتمزق، وهذا شيء يجب تجنبه بأي شكل من الأشكال.

ويجب فحص الرق بعد عشر دقائق تقريبا، قبل أن يجف تماما، للتأكد من أنه مبسوط وممّددٌ بشكل كامل، لأن الأطراف الملتوية تصبح في أغلب الأحيان قبيحة الشكل، وسميكة، ولامعة، وشفافة عند تعرضها للضغط في المكبس.

وبعد ساعتين تقريبا يكاد الرق يصبح جافا تماما، وعندئذ يرش بخفة بمحلول الماء والكحول مرة أخرى، ويوضع بين طبقات أكبر من ورق الشمع أو السيليكون وألواح خشبية، ثم يوضع في المكبس تحت ضغط خفيف للغاية (عندما يتم تعريض الرق الرطب لضغط أكبر من اللازم، يصبح شفافا بصورة لا يمكن إصلاحها). وبعد مرور يوم واحد يستخدم الورق النشاف محل الورق الشمعي أو السيليكوني، لأنه لم يعد هناك خطر في أن يحدث التصاق بين الألياف والحبر. وبعد ذلك تترك الصحائف داخل المكبس بين طيات الورق النشاف لمدة أربعة أسابيع أو أكثر.

التصنيف

بعد هذه المعالجة، أصبح من الممكن تناول صحائف الرق بعناية، وأصبحت جاهزة للخطوة التالية، وهي تحديد مضمون النص المدون عليها. وتولى تنفيذ مهمة تحديد السورة والآية في بداية ونهاية كل صفحة أو قطعة من رق الزملاء اليمنيون الذين كانوا يعملون معي، وكان بعضهم قد شارك في عملية الحفظ والصيانة أيضا.

وكانت الخطوة الأخيرة هي أيضا الخطوة الأولى في اتجاه تبويب هذه الصحائف والقِطع.10 وكان من الضروري أولا معرفة ما إذا كانت كل صحيفة تنتمي إلى واحد من مجلدات المصاحف المعروفة التي يبلغ عددها ألفا على وجه التقريب، أو ما إذا كانت تمثل نسخة جديدة تحتاج إلى توصيف جديد. ولتنفيذ ذلك كان لا بد من الاعتماد على بعض المعايير الواضحة التي يمكن تمييزها بسرعة. وقد وضع المدير الأول للمشروع هنا في صنعاء11 نظاما يتم بمقتضاه إحصاء عدد السطور على الصفحة، وقياس طول تلك السطور. ويشكل هذان القياسان أول رقمين في تصنيف نسخة معينة من القرآن الكريم.

ونورد هناك بعض الأمثلة: إن الأرقام ˮ20-16” تعني أنه كان هناك 16 سطرا في الصفحة، ولم يتجاوز طول الأسطر 20سم. وربما تكون هناك بالطبع مصاحف عديدة فيها هذه المعايير نفسها، ويتميز كل منها عن الآخر باختلاف النص، وأسلوب التدوين..إلخ. وهكذا أضيف في كل حالة من هذه الحالات رقم منفرد إلى أرقام التصنيف، مثل: 20-16.1، و20-16.2...إلخ.

وفي الحالات التي لم يكن فيها عدد الأسطر في إحدى الصفحات متفقا مع بقية المجلد، كان الرقم الأول من التصنيف باستمرار ˮ01”. وهكذا تشير الأرقام 10.3 - 17 إلى ترميز ثالث مع عدد مخالف للسطور، ولكن طولها لا يزيد عن 17سم. وكان التنوع في عدد السطور يسجل يشكل منفرد، فقد كان الرأي السائد هو أن هذا التنوع سيثير البلبلة إذا أدرج في أرقام التصنيف إلى جانب أنه سيؤدي إلى تضخم هذه الأرقام.

وعلى سبيل المثال توضح الأرقام « «20, 19, 16, 14, 12 أنه كانت هناك صفحات بها 12 سطرا، ولم تكن هناك صفحات بها 13 سطرا، وأنه كانت هناك صفحات بها 14 – 16 سطرا، بينما لم تكن هناك صفحات بها 17 أو 18 سطرا، في حين كانت هناك صفحات بها 19 سطرا.

وعندما لم يمكن تحديد رقم السطور أو طولها، تم استخدام الرمز «00» للتعبير عن ذلك. وعلى هذا الأساس تشير الأرقام 00-15.1 إلى قطعة من صحيفة مقطوعة أفقيا، ولذلك لم يمكن إحصاء عدد السطور فيها، ولكن طول السطور الموجودة فيها لا يتجاوز 15سم، وكان ذلك المثال الأول على هذه المعايير.

وعلى العكس من ذلك تشير الأرقام 15-00.4 إلى صحيفة مقطوعة رأسيا، ويتضح منها أنه كان هناك 15 سطرا في الصفحة، ولكن لم يمكن قياس طول هذه السطور. وكان ذلك المثال الرابع على مثل هذه الحالة.

التخزين الدائم

كان أهم ما يشغلني خلال السنوات الأخيرة من المشروع، التخزين الدائم للقطع التي تمت صيانتُها بالفعل.12 وكانت الأولوية لدي موجهة إلى تحقيق الأمان لهذه الصحائف، وسهولة تناولها، وتيسير الحصول على المعلومات بسرعة منها. وعلاوة على ذلك كان يتعين علي العمل باستخدام المواد الموجودة لدينا بالفعل في صنعاء.

وكانت الصحيفة الواحدة، أو عدة صحائف من القرآن الكريم تحفظ في ملفات مسطحة ومبطنة بلوحات رقيقة خالية من الأحماض. وكنا نضع 20 – 30 تقريبا من هذه الملفات في صناديق بلاستيكية مفتوحة من الجانب، وكان لدينا عدد كبير من هذه الصناديق، التي كانت تسهل تناول الصحائف إلى حد كبير. وكنا نضعها على الرفوف بالعرض، بحيث تكون الناحية المفتوحة مواجهة للخارج. وتم وضع الملفات في الصناديق أفقيا، بحيث يمكن بسهولة رؤية البطاقات التي تدل على التصنيف، وبحيث يمكن سحب أي ملف منها دون عناء. وكانت شظايا الصحائف هشة بصورة عامة لا تسمح بتخزينها في وضع رأسي، لأن ذلك يمكن أن يسبب المزيد من الأضرار للحواف عند تناولها.

وعند رفع غلاف أحد الملفات،13 يجد المرء لوحة من البوليستر الشفاف («ميلار»، أو «ميلينكس») تكشف عن محتويات الصحيفة وتحميها في الوقت نفسه. وهذه اللوحة بدورها مثبتة في مكانها بالطيات الجانبية للملف. وحتى إذا سقط الملف على الأرض عن طريق الخطأ، لا تخرج الصحائف منه، ولكن إذا كان هناك من يحتاج إلى فحص إحدى الصحائف بدقة، فإنه يتمكن من إخراجها بسهولة عن طريق رفع الطيات الجانبية ولوحة البلاستيك الشفاف.

وتم تخزين المجلدات الأكثر سمكا في صناديق تفتح من الجانب. وكان الرق في هذه المجلدات هشا وممزقا بشكل لا يسمح بإصلاحه. وعلاوة على ذلك كانت المجلدات كلها غير كاملة، وكان هناك باستمرار احتمال ظهور صحائف أخرى من بقية المواد التي لم تتم صيانتها أو تصنيفها بعد. وكانت وقاية كتلة الكتاب، ذات الحواف الهشة للغاية في أغلب الأحيان، تتم عن طريق تغليفها بلوح رقيق خال من الأحماض، وفوقه أيضا طبقة من البلاستيك الشفاف. ونظرا لأن الرق يميل دائما إلى الانحراف والالتفاف إذا لم يوضع تحت ضغط خفيف،14 ولأنه يميل باستمرار إلى العودة إلى التكوين الأصلي ذي الأبعاد الثلاثة للحيوان الذي أخذ منه، يتم وضع الصحائف مع التغليف بين لوحتين مربوطتين سويا بخيوط من الكتان. وتحقق هذه الخيوط المرونة من ناحية سمك المواد المحفوظة بين اللوحتين، بحيث يمكن وضع صحائف إضافية عند العثور عليها في موعد لاحق. ويتم أيضا قطع جزء من اللوحة العلوية في شكل نافذة تسمح برؤية الصفحة الأولى من المجلد. وهكذا يمكن رؤية النص بنظرة واحدة، ومعرفة ما إذا كانت الصحيفة الجديدة تنتمي إليه أم لا، بمجرد فتح الصندوق، ودون الحاجة إلى فك خيوط الكتان في كل مرة.

وهناك ملف لكل تصنيف، كما أن البطاقات مختلفة الألوان، وهناك ألوان مختلفة للصحائف الكبيرة أو السميكة بشكل لا يسمح بوضعها في الملفات العادية. وبهذه الصورة يمكن للمرء معرفة ما إذا كان يمكن العثور على قطع الصحائف في صندوق، أو في خزانة بالنسبة للمخطوطات ذات الحجم الكبير. وقد تم وضع بطاقات البيانات أيضا على الملفات بشكل متدرج يشبه السلم، إذ وضع كل رقم أول جديد على مسافة عرض بطاقة واحدة من الرقم السابق له، بمعنى أن كل البطاقات التي تبدأ بالرقم 16 موجود في الموضع نفسه، وكل البطاقات التي تبدأ بالرقم 15 موجودة في موضع واحد يقع قبل موضع بطاقات الرقم 16، كما أن البطاقات التي تبدأ بالرقم 17 موجودة في موضع يتلو البطاقات التي تبدأ بالرقم 16. وبهذا الأسلوب يمكن على الفور تمييز أي خطأ في ترتيب الملفات.

وتم تخزين الملفات والصناديق في وضع أفقي، حسب التقاليد المتبعة في ترتيب الكتب الإسلامية، وذلك في خزانات صنعت خصيصا لهذا الغرض. وتقع تسهيلات التخزين والصيانة في دار المخطوطات الواقعة في الحي القديم من صنعاء قبالة الجامع الكبير الذي عثر فيه على هذه الصحائف.

وإنني مقتنعة بأن تخزين هذه المخطوطات القرآنية بهذه الصورة سيؤدي إلى الحفاظ عليها لمدة ألف سنة أخرى، إذا لم تحدث كوارث ليست في الحسبان.

ملحق

وأود أخيرا ذكر كلمة تحذير: إن أسلوب الصيانة والمعالجة المذكور أعلاه يصلح لمواد مثل المواد التي عثر عليها في صنعاء، وهي عبارة عن صحائف منفصلة من الرق يتم الحفاظ على كل منها منفصلا عن الآخر، ولا يستعملها الإنسان كثيرا. إن هذه الصحائف ستجف مرة أخرى بعد الصيانة، وستكون درجة مرونتها محدودة. ولهذا السبب لا يناسب هذا الأسلوب في صيانة المخطوطات المجلدة والمدونة على الرق.

وهناك طرق مختلفة لتلطيف الرق الجاف والصلب، وإكسابه المرونة. ولكنني أود أن أذكر هنا فلسفة الصيانة التي أتبعها شخصيا، ومعظم زملائي، وهي: عدم القيام بما هو أكثر من اللازم، واستخدام المواد الطبيعية قدر الإمكان. لقد ثبت في أحيان كثيرة أن إدخال المواد الغريبة إلى عملية الصيانة تؤدي إلى كوارث على المدى الطويل. وليس هناك شك في أن الأساليب والمواد الحديثة يمكن أن تكون لها قيمتها الكبيرة في بعض الأحيان، ولكنني أوصي بالتزام الحرص إلى أقصى حد في استخدام تلك الأساليب والمواد، كما أنني أحذر من استخدامها بشكل عام في كل حالة. ولسوء الحظ لا نعرف حتى الآن الكثير عن تأثير هذه الأساليب والمواد على المدى الطويل. لقد تعرضت أعمال فنية ووثائق لا تقدر بثمن للتدمير، لأنه كان هناك أسلوب جديد، بدا أنه سهل الاستخدام، وأنه عملي إلى أقصى حد. وبشكل عام أرجو عدم استخدام المواد الاصطناعية في معالجة الرق.

وفي السنوات الأخيرة تم الترويج لمعالجة الرق الجاف والهش بمحلول اليوريا. وأنا لا أنصح باستخدامه. وصحيح أن هذا المحلول يؤدي إلى تلطيف الرق وجعله مرنا، ولكن صحائف الرق التي عولجت بهذا المحلول قبل وصولي فقدت المظهر المميز للرق، وأصبح سطحها لامعا بشكل غير مستحب، كما أصبحت أيضا شفافة في بعض أجزائها.15

وهناك أسلوب آخر انتشر استخدامه بصورة كبيرة، برغم أنني لا أوصي باستخدامه أيضا، وهو غمر الرق في جليكول البوليثيلين. ويؤدي هذا الأسلوب أيضا إلى جعل الرق مرنا، ولكنه يجعله أكثر تأثرا بالرطوبة في بيئته16، كما أنه يؤدي إلى إدخال مادة غريبة إلى الرق بشكل دائم، ولا يمكن إخراجها منه مرة أخرى. وليس هناك من يعرف ما هو التأثير الذي يمكن أن تؤدي إليه هذه المادة بعد انقضاء عدة مئات من السنين.

والوسيلة الوحيدة المقبولة بالنسبة لي هي معالجة الرق بالمادة الغروية المستخلصة من الرق نفسه (يفضل البعض طلاء الرق بالجيلاتين، ولكنني غير مطمئنة لاستخدام الجيلاتين لهذا الغرض). ولا بد من التزام الحرص الكامل إذا تم استخدام الرق الحديث في إنتاج هذا الغراء، إذ يتم استخدام مواد كيميائية مختلفة في إنتاج الرق الحديث،17 ومن الممكن أن تؤدي هذه المواد إلى شوائب غير مرغوب فيها. ولا بد من سؤال جهة الإنتاج في هذا الصدد. ولا ينصح أيضا باستخدام الرق القديم لإنتاج هذا الغراء.

وتتلخص طريقة إنتاج غراء الرق في تغطية قصاصات صغيرة منه بالماء المقطر أو الماء الذي أزيل منه التأين. وأفضل أجزاء الجلد هي الأطراف التي يوجد بها شحم وشعر، ويجب عدم استخدام الرق الذي توجد عليه كتابة أو طباعة أو كسوة للسطح الخارجي. وتترك قصاصات الرق في الماء طوال الليل أو مدة أطول من ذلك، وبعد ذلك يتم تسخينها في الماء نفسه لمدة 24 ساعة (يمكن تنفيذ ذلك على مراحل)18، وذلك في مرجل مزدوج على درجة حرارة ثابتة تبلغ 60 درجة مئوية.19 ويجب عدم السماح بغليان المحتويات، لأن ذلك يؤدي إلى فقدان الغراء خواصه. ويصفى الغراء في أعقاب ذلك من خلال قطعة من القماش، ولا يعيش هذا الغراء فترة طويلة، ولكن يمكن تجميده (وعلى سبيل المثال يمكن وضعه في صواني مكعبات الثلج في الفريزر).

ويمكن خلط هذا الغراء أيضا بالخل والكحول (يضاف مقدار واحد من الخل مع مقدار واحد من الكحول إلى ثلاثة مقادير من الغراء)، مما يجعله صالحا للاستخدام في درجة حرارة الغرفة، ويعزز تغلغله في الرق، ويطيل فترة صلاحيته للاستخدام. ويعتقد بعض الناس أن الخل حمضي أكثر من اللازم، بينما يقول البعض الآخر أنه سيختفي بالنظر إلى الطبيعة القلوية للرق، كما أنه يمكن أن يؤدي أيضا إلى جعل بعض مواد التلوين تصبح داكنة.20 ويجب رش الرق بخفة بالكحول (الإيثانول) قبل استخدام الغراء لمساعدته على التغلغل بسهولة.

المراجع

من الواضح أن هذه ليست قائمة شاملة للمراجع، وكل ما أرغب فيه هو دفع القارئ إلى قراءة المزيد من البحوث عن هذا الموضوع.

وقد صدر بحث عن الأساليب المختلفة لإصلاح الرق وصيانته، مع قائمة شاملة للمراجع، في سنة 1994 في إطار «كتالوج صيانة الورق الصادر عن

Book and Paper Group

Cairns, Anthony, “Repair Treatments for Vellum Manuscripts”, The Paper Conservator, 7 (1982/83) The Institute of Paper Conservation, Leigh Lodge, Leigh, Worcestershire, WR6 5LB, UK.

Giuffrida, Barbara, “The Repair of Parchment and Vellum in Manuscript Form”, The New Bookbinder, 3 (1983 Designer Bookbinders, 6 Queen Square, London WCIN 3AR, UK.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:

صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية : أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 193-217.
Back to Top