مراد الرماح
القيروان وإسهاماتها الحضارية
القيروان وإسهاماتها الحضارية
«القيروان أم أمصار، وعاصمة أقطار، أعظم مدن الغرب قطرا، وأكثرها بشرا، وأيسرها أموالا، وأوسعها أحوالا، وأتقنها بناءً ... وأربحها تجارة...» هكذا أثنى الإدريسي في «نزهة المشتاق» على القيروان، وهي أعظم من ذلك في إشعاع حضارتها، وانتشار معارفها، وعلومها، وإسهام رجالاتها، وفقهائها. فقد استطاعت القيروان أن تبرز طوال أربعة قرون متتالية مدرسة متعددة الخصائص، أبقت على ذكرها خالدا، وحافظت على مجدها شامخا. وكانت المدينة آنذاك سوقا للمعرفة وقطبا ثقافيا بارزا. وانتصبت بها، منذ أواخر القرن الثالث الهجري، بيت للحكمة محاكيا لمثيلها ببغداد في التبحر في مجالات العلوم الطبية والفلكية والهندسية والترجمة، فركزت مقومات النهضة الفكرية والعلمية بالبلاد. وقامت مدرسة طبية متميزة، ترعرعت على يدي إسحاق بن عمران، وبلغت نضجها على يدي أحمد بن الجزار، الذي ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية، وقد نقل قسطنطين الإفريقي (المتوفي سنة 1087م) العديد منها إلى مدرسة سالرنو الطبية، فترجمها وأعاد صياغتها، فكانت أعماله بداية لأول حركات نقل العلوم العربية إلى أوروبا. واشتهرت القيروان إلى جانب ذلك بأدبائها وشعرائها ونقادها، وتميز من الشعراء الحصري وابن شرف.
وواكب ذلك حركة نقدية نشيطة، فاشتهر النهشلي بممتعه، وابن رشيق بعمدته الذي يقول ابن خلدون عنه «هو الكتاب الذي انفرد في صناعة الشعر وأعطاها حقها ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده مثله».
ولعل من أبرز إسهامات القيروان في الحضارة العربية المغربية دورها في ترسيخ العقيدة الإسلامية بالمغرب الإسلامي، وكان السبق في ذلك للفقهاء العشرة الذين بعث بهم عمر بن عبد العزيز لتفقيه أبناء إفريقيا، ومساعدتهم على فهم قواعد دينهم، فتعددت المكاتب والحلق، وانتشرت العارف الدينية، حتى إذا ما آل الأمر إلى الأغالبة ظهرت طبقة يمتاز رجالها بالعكوف على أقوال الأئمة المجتهدين في التشريع، يجمعون شتاتها، ويؤلفون بين موضوعاتها، ويبوبون مسائل الفقه وينسقون أحكامها.
ثم انبرت القيروان – بعد ما أنضجته الاختلافات المذهبية من مناظرات وتيارات دينية – إلى المالكية، وإن كان هذا المذهب قد نشأ بالمدينة فقد كان للقيروانيين شرف تدوينه على يد أسد بن الفرات، ثم سحنون بن سعيد (234هـ) المؤسس الأول لمدرسة الفقه المالكي بإفريقيا، وأبرز علم في المعرفة الدينية بالمغرب الإسلامي قاطبة. وقد واصل تلاميذه إنضاج هذا المذهب بالتبحر في أبوابه، وتفسير أقوال من تقدم وإيضاح آرائهم، ومحاولة تعميم مشاربه، ليكون مستوفيا لحاجة المجتمع، ومعبرا عن مآربه، فكانت مؤلفات محمد بن سحنون في «البيوع» ويحيى بن عمر (289هـ) في «أحكام السوق» ومحمد بن عبدوس (260هـ) في «تفاسيره». ورغم الاضطهاد الذي تعرض له أعلام المالكية على يد الشيعة، فإنّهم استطاعوا ترسيخ المجتمع الإفريقي خلال العهد الفاطمي في انتماءاته السنية واستيفاء مقومات المذهب وتنويع فروعه. ومن أبرز شخصيات هذا الطور عبد الله بن أبي زيد القيرواني (386هـ) صاحب «الرسالة» و«النوادر والزيادات» على «المدونة»، وأبو الحسن القابسي (403هـ) وأبو عمران الفاسي.
وبذلك يعود الفضل إلى القيروان في إثراء الفكر المالكي، ونشره في كامل بلاد المغرب، فكان أحد مقومات وحدة الديار والمصير، وحاميا للمجتمع المغربي من آفات التناحر المذهبي.
مكتبة القيروان العتيقة ومآثرها
لقد حافظت القيروان على بعض بقايا هذا التراث الفكري، وعلى ذكر علمائها، من خلال الدفاتر والأوراق التي كتبوها بأيديهم، أو كلفوا غيرهم بكتابتها، والتي كانت جزءا من مستندات التعليم بالقيروان، وقد حفظت هذه الدفاتر والأوراق في الجامع الكبير، وما زالت أجزاء كاملة منها موجودة إلى الآن. ودونت هذه الوثائق في الفترة ما بين القرنين التاسع والثالث عشر الميلادي، وهي تشمل على معلومات حضارية فريدة، ترتبط خاصة بفنون الكتاب والتسفير والقراءات والأسانيد والمقابلات.
وتتميز مكتبة القيروان العتيقة بأن الجزء الأوفر منها قد كتب على الرق، وتعتبر مجموعة الرقوق القيروانية أشهر وأكبر المجموعات المتبقية في العالم العربي الإسلامي، وهي تتكون من ثلاثة أقسام متكاملة، هي: قسم الوثائق والرسوم، وقسم الكتب والأصول الفقهية، التي يرجع تاريخ أقدمها إلى سنة 231هـ، ثم قسم المصاحف الباذخة والأنيقة المكتوبة على الرق، والتي تفوق عدد أوراقها التسع والثلاثين ألف ورقة.
وإنه من حسن الطالع أن ظلت مخطوطات القيروان محفوظة إلى الآن، في حين أن كل المكتبات القديمة التي تحدثت المصادر عنها حرقت أو نهبت، أو تفرقت كتبها وضاعت، وتمثل مخطوطات مكتبة القيروان مادة قيمة وفريدة، تيسر البحث في مجالات هامة من مجالات الحياة الفكرية والدينية، لما كانت القيروان عاصمة المغرب الإسلامي. وعلى غرار ما كان متبعا في المشرق، وقفت مخطوطات القيروان على طلبة العلم، ابتغاء وجه الله ورِضوانه، كما هو مدون على العديد منها، ويقع التنصيص كذلك على اسم الواهب، وتاريخ تحبيسه، وربما ظروفه وأسبابه.
وتسمح بعض الكراريس المحفوظة بتتبع تاريخ تداول الكتاب، وسلسلة الأسانيد في قراءته وسماعه وتعليمه، وكيف قوبل بالأصل، والحلقات التي قرئ فيها، والعلماء الذين شهدوا ذلك.
وتزخر مكتبة القيروان العتيقة بالمعلومات المتعلقة ببعض الكتب في الحديث والفقه المالكي، وكيف أمكن تداولها بإفريقيا. وهي تشتمل على أسفار علمية من أمهات كتب المذهب، كـ«المدونة» و«المختلطة» و«الواضحة» و«الموّازية» و«العتيبة». وفيها قطع من «جامع» عبد الله بن وهب، ومن «الموطأ»، رواية سحنون عن ابن القاسم، وقطعة من «الموطأ»، رواية علي بن زياد التونسي، وأجزاء عديدة من «تفسير» يحيى بن سلام ومن كتاب «التصاريف» ليحيى الحفيد، وقطع من «النوادر والزيادات»، ومختصر «المدونة» لعبد الله بن أبي زيد القيرواني، و«كراس في الرد على الشافعي» لابن اللباد (ت: 333هـ) و«أدب القاضي والقضاة» للهيثم بن سليمان، وكتاب «الأمالي» لابن الحداد، وكتاب «أحكام القرآن» للجهضمي (ت: 280هـ) إلى جانب سفرين من «الأسدية».
ويشتمل القسم الثاني على عقود تتعلق بالمعاملات بين الناس، أو بعض التحابيس أو الأصدقة، وهي تزخر بالمعلومات الحضارية حول المجتمع القيرواني من أواسط القرن الخامس إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري.
وكثيرًا ما كان العلماء في ذلك الوقت ينسخون بأيديهم النصوص الهامة، وهو ما يمكن من تتبع الخطوط والعلم بأصحابها. وقد ثبت أنّ العديد من الكتب يحتوي على خط المؤرخ وكاتب السير المعروف أبي العرب التميمي. كما تميز من بين الخطوط خط الحارث بن مروان، الذي عاش في أوائل القرن الخامس الهجري.
إلا أن ما يميز مكتبة القيروان العتيقة هو المصاحف المكتوبة على الرق، وهي مجموعة فريدة من نوعها، يتراوح عمرها بين القرنين الثالث والسابع الهجريين.
ويرجع أقدم مصحف مؤرخ إلى سنة 295هـ/908م ويعرف بمصحف «فضل»، إلا أننا نكاد نوقن أن هنالك مصاحف أقدم منه، يعود أحدها إلى أواخر القرن الثاني للهجرة، وهو مكتوب بخط حجازي.
ومجموعة رقوق القيروان هي بقايا مفككة ومجزأة لمصاحف كانت محبسة على جامع القيروان وبعض مساجدها، ويقدر عدد الباقي منها بمائة مثال.
ولعل أهم بقايا هذه المجموعة وأكثرها دلالة على الصناعات الفنية وعلاقتها بالموضع، هو ذلك المصحف الكبير الحجم الذي أعد باسم سيدة رسمية في البلاط الصنهاجي ذات أصول مسيحية، هي فاطمة، حاضنة الأمير أبي مناد باديس بن المنصور، وأشرفت على تمويله ومتابعة العمل فيه كاتبتها درة، وتولى صناعته أحمد بن علي الوراق. وإذا كنا نعرف أن صناعة الكتاب تقوم على جملة من الاختصاصات والاختصاصيين، كالمذهب، والمزوق، والخطاط، والمجلد، الذي يعمل كل منهم في حدود معرفته، ويستكمل الثاني مهمته في الكتاب نفسه، فأن هذا الوراق القيرواني الذي أنجز عمله الكبير سنة 410هـ (1020م) قد شكل النص، ورسمه، وذهبه، وجلده، وهو عمل جد مهم على المستوى الفني، خاصة وأنه كتب هذا العمل الضخم بخط مولد من الخط الكوفي، عُرِفَ اسمه لأول مرة محددا ضمن السجل القيم الذي أشرنا إليه، وخاصية هذا الخط أنه مكتوب بقلم عريض القطة، يوضع في هيئة ثابتة، بحيث تتحرك اليد لترسم هيئة الحرف بدون أن تتغير زاوية القلم، وبذلك تصبح أجزاء الحرف الواقعة فوق السطر غليظة هندسية الهيئة وما تحته دقيقا، بدون أن يخل ذلك بالجمالية والتناسب.
ومن مآثر مكتبة القيروان العتيقة المصحف المكتوب على الرق الأزرق بخط كوفي مذهب وجميل. وتبين الأبحاث الأولية أن الكتابة المذهبة قد أثبتت بفضل أبيض البيض الذي استعمل كمادة ملصقة، ثم أحيطت جوانب الحروف باللون البني لإبرازها وتحديدها. وقد صبغ المصحف بالنيل المستجلب من التجارة الهندية التي ازدهرت بداية من القرن الرابع هجري خاصة. والمصحف الأزرق بالقيروان هو مثال فريد من نوعه في العالم، ومختلف الأوراق موزعة في متاحف الأصقاع وتنسب إما خطأ أو افتراء لمشهد أو غيرها من البلدان، وتعود جميعها إلى أصل واحد كما نتبين ذلك من خلال مقاساتها وأبعادها وخطوطها وزخرفها ومساطرها وموادها.
وحافظت مكتبة القيروان العتيقة كذلك على مصحف مكتوب بماء الذهب، مسطرته 5 ومقاساته 21 × 15 وهو يتميز بخطه الكوفي، ومنمنماته الرقيقة والمزخرفة بأشكال هندسية بديعة.
كما توجد من بين هذه المجموعة مصاحف أميرية متميزة، قد حبستها العائلة الصنهاجية على جامع القيروان، وهي مصحف المعز بن باديس، ضمنه موقفه من الفاطميين بعد إعلان العصيان، ومصحف أم ملال عَمَّة المعز، ومصحف أم العلوّ أخته، ومصحف حاضنة أبي مناد باديس المذكور.
إن مجموعة المصاحف القيروانية تسمح بتتبع فنون الكتابة والصناعة والتذهيب والتجليد على امتداد خمسة قرون، وهي تمكن من التعرف على تطور الكتابة بالخط الكوفي، إلى جانب القراءات التي كانت سائدة بإفريقيا خلال تلك الحقبة الزمنية.
وتحتوي هذه المكتبة كذلك على مجموعة من المخطوطات المتأخرة نسبيا، والتي كتبت فيما بين القرن الخامس عشر وأواخر القرن التاسع عشر الميلاديين، وهي تشمل خاصة على مصاحف مكتوبة على الورق، وكتب مخطوطة في الفقه والأصول والنحو والبلاغة، وقد كان أغلبها محبسا على جامع القيروان، والمدرسة الصحابية، والمدرسة الغريانية، وتبرعت بالجزء الأوفر منها بعض العائلات القيروانية العلمية كآل بوراس وآل صدام وآل عظوم. ويبلغ مجموعها نحو ألفي مخطوط.
إن تكامل مجموعة مكتبات القيروان يجعلنا مؤهلين دون غيرنا لإقامة متحف للكتاب العربي الإسلامي حيث أننا نملك نماذج تمتد على ألف سنة.
تأريخ مكتبة القيروان العتيقة
يظل تأريخ نشأة مكتبة الجامع الأعظم بالقيروان غير محدد بالنسبة إلينا لانعدام الوثائق والنصوص المبينة لذلك. ولا يمكن اعتماد وجود سماع على أحد أسفارها مؤرخ من سنة 231هـ لضبط هذا الأمر. ولا يستبعد أن تواكب مكتبة الجامع الأعظم بالقيروان تطور المدينة ونمو الحركة العلمية بها، وربما وافق ذلك أواخر القرن الثاني للهجرة، لتنجو مكتبة القيروان العتيقة بأعجوبة من غوائل الزمن، خاصة بعد الزحفة الهلالية، التي خربت القيروان، فهجرها أهلها، واندرس رسم عمرانها، وبقيت هذه المجموعة كشاهد على مجدها التليد، وازدهار العلوم فيها. وظل معظمها محفوظا بجامع القيروان، وربما أضيفت له بعض الكتب والمصاحف التي كانت توجد في مساجد بأطراف المدينة قد خربت بعد نكبتها.
وكانت هذه المكتبة تعرف في السجلات القديمة منذ سبعة قرون بـ «بيت الكتب» الذي بمقصورة الجامع. وقد دخل هذا البيت الرحالة العبدري في سنة 688هـ فذكرها بقوله: «ودخلنا به (أي الجامع) بيت الكتب فأخرجت لنا مصاحف كثيرة بخط مشرقي ومنها ما كتب كله بالذهب ومنها كتب محبسة قديمة التاريخ من عهد سحنون وقبله منها موطأ ابن القاسم وغيره، ورأيت بها مصحفا كاملا مضموما بين لوحين مجلدين غير منقوط ولا مشكول وخطه مشرقي بيّن جدا مليح طوله شبران ونصف في عرض شبر ونصف، وذكروا أنه الذي بعثه عثمان رضي الله عنـه إلى المغرب وأنه بخط عبد الله بن عمر رضي الله عنهما». وقد سمحت الأقدار ببقاء كشف في إحصاء كتب ومصاحف هذه المكتبة. وهذا الكشف مكتوب على الرق بالخط القيرواني مؤرخ بسنة 693هـ في إحدى عشر صفحة، منها الصفحتان الثانية والثالثة من ضمن ما ضاع وتلف من المكتبة في العصور المتأخرة.
ومما عثر عليه في أوراق المكتبة وثيقة ثانية، في ورقة واحدة، مكتوبة بخط مغربي، ولكن لا تزال فيه بقايا من الخط القيرواني المشرقي، في إحصاء ما في المكتبة من المصاحف، وهذه الوثيقة مؤرخة في سنة 809هـ، وبمقارنة ما اشتملت عليه هذه الوثيقة بما في الوثيقة الأولى المؤرخة في سنة 693هـ، ظهر أن ما ضاع وتلف من المصاحف شيء كثير. وفي سنة 1896م زار محمد بيرم بك القيروان، ودخل جامعها، وعاين بقايا كتب هذه المكتبة العتيقة، فوصف (في محاضرة له ألقاها في الجمعية الجغرافية المصرية ونشرها (المقتطف) بعدد شهر أبريل 1897) مصاحفها، وأسفارا عاينها مربوطة بالأمراس، أوراقها متداخلة من هنا وهناك، وعليها من نسيج العنكبوت، والغبار ما شاء الله، وكيف حُلَّت له تلك الأمراس، فرأى أوراقا من المصاحف مدهشة، وأنه لم يسبق له أن رأى لها نظيرا في مكتبات ومتاحف العالم الإسلامي، وعبر عن أسفه العظيم، وحزنه العميق، لما شاهده من الإهمال الذي عليه تلك الآثار النفيسة الغالية، وأفاد أن والده، محمد بيرم الخامس، كان حدثه عنها، وأنه كان عازما على تنظيمها وحفظها.2
وكان من نتائج ذلك أن اهتمت سلطة الحماية بمكتبة القيروان العتيقة، حيث قام الكاتب العام للحكومة، M. Roy بتأليف لجنة لتنظيمها، وجمع الأوراق إلى نظائرها، وصنعت لها محافظ بحجم كل مصحف طولاً وعرضا وكَمًا.
واتخذت إدارة الأوقاف في المدة اللاحقة عددا من الإجراءات لتحسين ظروف حفظ المخطوطات وترتيبها ترتيبا جديدا، وتولى الشيخ محمد طراد إنجاز فهرس أوّلي لها سنة 1933م. وقد ضاع أصل هذا الفهرس، وبقيت صورة منه محفوظة بدار الكتب المصرية بالقاهرة، أحضر الأستاذ إبراهيم شبوح صورة عنه، سلمها لأبنائه.
وقد عهدت جمعية الأوقاف الحافظة للمجموعة، بأمانتها إلى الشيخ محمود بن جريو، وبعد وفاته، تسلمها السيد عثمان جراد. وفي حوالي سنة 1949م خصصت جمعية الأوقاف اعتمادا لتصوير بعض المحتويات من الكتب والوثائق، وذلك بإشراف المرحوم محمد البهلي النيال، ومباشرة المصور المرحوم مصطفى بوشوشة.
وبعد الاستقلال وحل الأحباس، بُعث معهد الآثار برئاسة المرحوم حسن ح. عبد الوهاب، فألحق مجموعة جامع القيروان ومحافظها السيد عثمان جراد، بالمعهد، وبدأ في تكوين المتاحف الصغيرة الإسلامية، فأخرج من القيروان كميات من الأوراق الجميلة لتكوين متحف دار حسين، والقيروان، وصفاقس، والمنستير، وإثراء متحف باردو، بدون أن يكون هناك ضبط لما خرج وما يوجد.
وفي سبتمبر 1967م صدر الأمر عدد 296 الخاص بتجميع المخطوطات بدار الكتب بتونس، وقد فسر خطأ بحيث كان بالإمكان إلحاق المجموعات المخطوطة إداريًا بدار الكتب وإبقائها في مواقعها، تأكيدا للخصوصيات الثقافية للجهات، وحفظا للمجموعات في مناخها الأصلي التي تلاءمت معه، وتكليف المختصين في شؤون الفهرسة والضبط لتسجيلها والتعريف بها.
وقد كلف مدير الدار وقتها الأستاذ حمادي الرزقي شخصا منتدبا للعمل كان يعمل في سلك «الخلفاء»، وأبعد بعد الحرب، هو السيد محمد العنابي، فأقام بالقيروان فترة صحبة راقن من الجهة، وصنع لها ثبتا، يذكر المصاحف بعبارة: «مصحف على الرق ناقص الأول والآخر». ثم نقلها في عربة شحن إلى تونس وتفرّد بالعمل فيها وحده، بطريقة لم تكن واضحة المنهج. وعندما فارق الإدارة، تداول على قسم المخطوطات بعده السيدان عبد الحفيظ منصور، والسيد جمال حمادة الذي مكن منها القراء فيما بعد.
وعندما عاد الأستاذ الشاذلي القليبي إلى الوزارة، اهتم بالموضوع، وكلف لجنة لمراجعة أحوالها (إثر انتشار بعض الشائعات) تتكون من السادة: رشيد بن أحمد (مدير الإدارة المركزية)، إبراهيم شبوح، سعد غراب، عبد الحفيظ منصور، جمال حمادة. وبدأت هذه اللجنة تجمع ملاحظاتها وفي الوقت نفسه تضبط عدد أوراق الكتب والمصاحف ومقاساتها وعدد سطور كل واحد منها للتوثيق.
أثناء هذا العمل أبدل وزير الثقافة بالسيد محمد اليعلاوي الذي أعاد فتح المجموعة للقراء، وأقنعه أحد مستشاريه بأنه لا يوجد ريبة بالأمر، ولذلك طويت الصفحة.
وفي 12 سبتمبر 1982م صدر الأمر عدد 1250 بإعادة مجموعة القيروان إلى موقعها، وتكونت لجنة لضبطها وتسجيلها تتكون من: عثمان جراد، والباجي بن مامي، ومراد الرماح، وجمال حمادة، وعبد الحفيظ اليحياوي، وحميدة بن صميدة.
ونقلت إلى القيروان إثرها أوائل سنة 1983م، حيث أودعت بمتحف رقادة. وبعد عرضها والتعريف بها في السنة نفسها، بدأت مساعي مدير مركز دراسة الحضارة والفنون الإسلامية، الأستاذ إبراهيم شبوح، لصيانة المجموعة. وأمكن في سنة 1985م إقامة نواة لمخبر متطور للترميم والصيانة، بالتعاون مع جامعة Göttinger بألمانيا.
وقد تُوّجت جميع هذه المراحل بإصدار أمر رئاسي بإقامة المخبر الوطني لترميم المخطوطات وصيانتها برقادة وذلك خلال شهر مايو 1995.
وقد هيأت هذه المعطيات الظروف للقيام بتجربة فريدة، قوامها أن التراث المخطوط بحاجة إلى نظرة متطورة لمفهوم الصيانة، تقوم على اعتبار أن النص هو المادة التي تعني الباحثين، أما الجانب المادي للكتاب وما يمثله من فنون فهو وثيقة حضارية ينبغي أن تُعامل حسب قواعد أخرى.
إن علاقة الباحث يجب أن تكون بالنص المكتوب، الذي يمكن استخراجه بالصورة، وعزل المخطوط عن التداول، على أن تعرض نماذج فنية رائعة للعين البصيرة، عسى أن تستمتع بجماليتها الفنية. وهذه النظرة توافق ما قرره مؤتمر الآثار التاسع بصنعاء سنة 1981م حول الكتاب المخطوط، وقد بدأ الإعداد لتحقيق ذلك، وتهيئة وسائله وأسبابه.
سبل صيانة مكتبة القيروان العتيقة
لقد تطلب ذلك صياغة خطة لصيانة المخطوطات وتسجيلها وتصويرها، وذلك بإقامة ثلاثة مخابر أو أقسام:
- مخبر التصوير والميكروفيلم.
- مخبر الترميم والصيانة والتجليد.
- قسم الفهرسة والنشر
أ- مخبر التصوير والميكروفيلم
وتتمثل مهمة مخبر التصوير والميكروفيلم في أخذ صور لأهم النماذج وأجملها، وبداية عمل تسجيل على الميكروفيلم لكامل المجموعة، وذلك بنية ضبطها نهائيا بالنسبة للمصاحف المكتوبة على الرقوق، واستنساخها بالنسبة للكتب العلمية، حتى تكون في متناول الباحثين. وقد شملت عملية المسح (بعد ست سنوات من العمل) ربع المجموعة، ونأمل أن يتحسن العطاء حتى يتم تصوير كامل المجموعة في السنوات الخمس القادمة. وقد تلقى المركز من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، في نطاق نداء صيانة مدينة القيروان، مساعدة سمحت باقتناء جميع آلات التصوير اللازمة من فرنسا، كما أن آلة الميكروفيلم قد تم اقتناؤها في نطاق برنامج التعاون التونسي الألماني.
ب- مخبر ترميم المخطوطات والرقوق
تم في مجال الصيانة تركيز المشروع في نطاق اتفاقية للتعاون، أبرمت بين الحكومتين الألمانية والتونسية سنة 1985م، وكان التنسيق في ذلك مع مكتبة Göttinger، التي عينت الأستاذ غونتر برانال Günter Brannahl لمعاينة المجموعة، والتعرف على مشاكلها، وتكوين فريق من المرممين التونسيين، وتأطيرهم، وتركيز الآلات والأجهزة اللازمة. وبعد وفاة الأستاذ برانال، كُلفت السيدة كتزر Ketzer بتأطير العملية، وقد انطلق المشروع بتكوين 4 من المرممين التونسيين في مكتبة Göttinger تمرسوا بمشاكل مخطوطات المجموعات، بعد التعرف على أمراض الرقوق والجلود، وسبل معالجتها. وتتمثل بعض المشاكل فيما يلي:
- تقلص الرق بمفعول الرطوبة وإفرازه مادة لزجة: gelatineus ينتج عنها استرخاء الرق وتغيّر لونه إلى البني ثم يبدأ في التفتت والتلاشي.
- تأثير حوامض الأحبار في الرق مما يسبب تآكل الكتابة.
- تكمش الرقوق وفقدانها لطلاقتها.
- تيبس الأسفار الجلدية وميلانها إلى اللون الأسود.
- تأكسد الزخارف الفضية بمفعول الرطوبة.
أما فيما يتعلق بالورق، فإن أمراضه لا تختلف عما هو متعارف نتيجة مفعول الحشرات والبكتيريا والأحبار.
وخلال فترة التكوين التي تواصلت ستة أشهر بالنسبة لكل مرمّم، تم تركيز خمس وحدات:
- وحدة التنظيف.
- وحدة ترميم الرقوق وصيانتها.
- وحدة ترميم الورق وصيانته.
- وحدة التجليد.
- مخبر التحاليل.
وقد تولت جمعية مدينة القيروان، بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث، بناء القاعات اللازمة لذلك، وهي تغطي إلى جانب البناءات السابقة والمخصصة للمخابر، ما يربو عن خمسمائة متر مربع. وخصص الجانب الألماني اعتمادا قدره 200 ألف مارك، صرف منها ما يزيد على 120 ألف مارك للأجهزة و40 ألف مارك للمواد، و40 ألف مارك للنقل.
1 وحدة التنظيف
تم تدعيم ورشة التنظيف بآلة متطورة تمتص الأتربة، وبآلة تعمل بالأشعة تقضي على البكتيريا في ظرف 15 يوما.
وقبل تنظيف المخطوط من الأتربة والحشرات وغيرها، تسند له بطاقة فنية، تحمل مواصفاته، وحالته العامة من حيث التسفير ونوعية الورق والحبر والعوارض البادية عليه.
2 وحدة ترميم الرقوق وصيانتها
جهّز مخبر ترميم الرقوق بجهاز من ابتكار الأستاذ برانال، توضع فيه ورقة الرق، حيث تبلغ رطوبتها نسبة 100٪ مما يكسبها الليونة اللازمة لمباشرة ترميمها، ثم تنظف من الأوساخ والمواد العالقة بها بالماء والكحول، أو تقطع حيث يلزم مع استبعاد كل المواد الكيمياوية، ثم توضع في مكبس بين أوراق خالية من الأحماض. وعندما يتعلق الأمر بنماذج هامة ومتميزة، فإنه يقع ترميم ما تآكل منها بالرق المهيأ لذلك، والمصنوع على نفس المثال العتيق. ويقع التركيز على ترميم الرقوق خلال فصلي الخريف والشتاء وبداية الربيع، حيث مازالت الرطوبة في الجو تسمح بذلك قبل أن تضعف خلال فصل الصيف فيصعب مباشرة الرق.
وقد أمكن حاليا ترميم أربعة آلاف ورقة أو قطعة من الرق من مجموع 10 آلاف ورقة من المصاحف المكتوبة على الرق، التي تستحق الصيانة، وعدد غير مضبوط من الكتب الفقهية، لا يقل عدد أوراقها عن 20 ألف، أي أن العمل على النسق الحالي يتطلب ثلاثين سنة على الأقل.
ويتولى أعوان المخبر صناعة مجموعة من الصناديق لحفظ المصاحف، تعوض الصناديق القديمة التي كانت لا تفي بمقاييس الصيانة من حيث طريقة الحفظ واحتواء الورق المقوّى على مواد حامضة.
3 وحدة ترميم الورق وصيانته
تشتمل ورشة ترميم الورق على جهاز لتصفية الماء من الأملاح والرواسب المعدنية سعته 200 لتر، ويكرر ما يربو عن 110 لتر في الساعة، ويستطيع تصفية 99٪ من الأملاح وفيما بين 90 و95٪ من المواد العضوية والجراثيم. ويشتمل الجهاز على أربع مصفاوات، ويرتبط بماجل تبلغ سعته 36 ألف لتر، يسمح بالاستغناء عن ماء الحنفية العمومية عند ضعف الضغط.
ويوضع الورق في حمام من الماء المصفى، حيث ينظف من المواد والحشرات والجراثيم العالقة به، ثم يقع طمس الثقوب بالألياف بفضل جهاز خاص، ثم يوضع للتجفيف على سلالم خاصة. وبالنسبة للورق المكتوب بأحبار منحلة، فإنه يقع سد الثقوب بقطع من الورق الياباني الذي يثبت بمبضع من العظم.
وتعتبر هذه الطريقة شديدة البُطء. وقد تمكن فنيو المخبر من تطويرها بعد محاولات عديدة، وتتمثل الوسيلة المبتكرة في صنع عجين حسب الطريقة التالية:
تقطع الأوراق القطنية إلى أجزاء صغيرة وتنقع في الماء لمدة 24 ساعة، ثم تؤخذ في اليوم الموالي، وتمزج بألياف تتخذ من الأوراق القديمة. ثم يعصر العجين ويصفى من الماء بصورة جيدة، وتؤخذ منه مائة غرام، يضاف إليها خمسمائة مليلتر من الكليسال «ج» Klussel G بنسبة 2٪ وهي مادة تتخذ لتيسير تماسك الألياف، ويمزج الخليط من المادتين المذكورتين من جديد حتى يصبح سهل الامتصاص.
وقد جربنا طريقتين للعمل، الأولى تتمثل في توزيع العجين على حواشي الورقة وتم سد الثقب الصغير والكبير منها.
وتتمثل الطريقة الثانية في وضع العجين في حقنة من البلاستيك وتتحقن بها كل الثقوب.
وتتميز التجربتان بسرعتهما الفائقة، ونجاعتهما، وبسهولة إزالة العجين إذا دعت الحاجة لذلك.
إلا أننا لا حظنا أن الطريقة الأولى يتولد عنها بعض التمدد في الورقة، نتيجة الزيادة في سمكها المنجر عن توزيع العجين على كامل الحاشية، وهو ما يجعلنا نعتمد الطريقة الثانية بصورة نهائية في مخبرنا.
4 وحدة التجليد
جهزت ورشة التسفير والجلود بكل ما تحتاج له من أجهزة ومواد للقيام بصيانة تقليدية ناجحة. وتم الاتصال بالمعامل المختصة بكامل البلاد للتحصيل على نوعية للجلود تتماشى والحاجة، ولا تحتوي على مواد حامضة، فأمكن تطوير طرق جديدة للعمل لم تكن معتمدة في المصانع المختصة بالجلد في بلادنا، وقد تم إلى الآن تسفير ستين كتابا، في حين أن المجموعة التي تستدعي ذلك تفوق الألف مثال. أي أنه يحتاج إلى ما يربو عن الخمسين سنة لإتمام العمل بالنسق الحالي. وقد تم في مرحلة أولى الاكتفاء بتسفير المخطوطات أو بالأحرى تغليفها بالورق المقوى الذي لا يشتمل على أحماض في انتظار القيام بالتجليد اللازم.
ويحتوي المخبر على جهاز لقياس الحموضة، وعلى مجهر يشتغل بالأشعة الحمراء، وآخر يشتغل بالأشعة ما وراء البنفسجية، ويسمح بأخذ صورة دقيقة للمخطوط.
وقد وضعت المخطوطات في مخازن أمكن تتبع نسبة الرطوبة ودرجة الحرارة بها لمدة طويلة، وتبين أن الرطوبة بالقيروان تتراوح بين 20٪ و85٪، في حين تتأرجح معدل درجة الحرارة بين 7 و35 لتصل 45 درجة في أغسطس، وتهبط إلى حد درجتين في الشتاء. وقد أمكن تعديل ذلك حسب الفصول، وحسب الأيام الممطرة أو الجافة، فأمكن المحافظة على نسق مستقر للرطوبة، يتراوح بين 55 و60٪، وقلما يتجاوز إلى 70٪، وعلى حرارة تتراوح بين 18 و25 درجة. وهذه هي المقاييس المعتمدة لدى أهل الاختصاص لصيانة المخطوط والمحافظة عليه.
وتعتبر مسألة تعديل الرطوبة والحرارة بالمخزن من أدق العمليات، لتأثيرها المباشر على المخطوط، وانعكاسها على تمدده وبسطه. وتفاديا لذلك، فقد تم تجربة وضع المخطوط في صندوقين متداخلين، للحيلولة دون تعرضه لتغييرات الحرارة والرطوبة التي تؤثر على سلامته. وقد أثبتت التجربة أن هذه الطريقة يمكن اعتمادها بالنسبة لمجموعة القيروان في فصل الصيف فقط، حيث أنها تمكن من تخفيض الحرارة درجتين، مما يجنّبنا اللجوء إلى استعمال المكيف بصورة مكثفة، مع ما في ذلك من تأثير غير مستحب على المخطوط. وسعيا لمقاومة جميع أصناف الحشرات والبكتيريا، فإنه يتم تنظيف الرفوف ومداواتها كل ستة أشهر.
إن مشروع صيانة مخطوطات القيروان يتجاوز السنة السابعة من عمره، ورغم ذلك فأنه يعتبر أحد المشاريع الرائدة في مجال صيانة المخطوطات ببلادنا، وقد حقق نجاحات ثابتة.
ومؤسستنا هي المؤسسة الوحيدة بالمغرب التي نجحت في إقامة مخبر للصيانة على أعلى مستويات الفن. وإن الشباب المتخصص، الذي تكوّن بألمانيا، يعد من خيرة الفنيين المتمرسين في فنون الكتاب، وهذا بشهادة أهل الاختصاص من الأوروبيين وغيرهم. إلا أن غزارة المادة التراثية تدعونا إلى زيادة الحزم في السعي لإنقاذ تراثنا المخطوط من الضياع، فالفريق الذي تم تكوينه قليل العدد، والمادة المتوفرة يعسر صيانتها خلال جيل، ونقدر تحقيق ذلك في خمسين سنة على الأقل، بقطع النظر عن توجه المركز الآن نظريا لصيانة جميع المخطوطات الموجودة بالبلاد التونسية، سواء كانت في مجموعات خاصة أو عمومية. وهذا النقص تشكو منه مختلف المراكز العربية الإسلامية المتخصصة في مجال صيانة المخطوطات.
وتدعو الحاجة الآن إلى الاكتفاء من التوجه نحو الدورات التدريبية التي لا تعدو أن تكون توعوية، والاتجاه نحو التفكير الجدّي في إقامة ثلاثة أو أربعة معاهد مختصّة، في مختلف البلاد الإسلامية، تتولى تكوين الشبان، تكوينا علميا دقيقا، حسب اختصاصات دقيقة.
ج- الفهرسة والنشر
إن مكتبة القيروان لم تحظ بالعناية الكافية في مجال الفهرسة والنشر، نتيجة صعوبة المادة وتداخلها. كما أن مكتبة القيروان تمتاز بقيمتها التراثية التي تفوق قيمتها العلمية، ومن المؤسف حقا أنه طوال قرن كامل لم ينشر لمكتبة القيروان أي فهرس. وقد تصدى مركز دراسة الحضارة والفنون الإسلامية للأمر، وانتدب ثلاثة أساتذة مختصين، وزعوا على مجالات ثلاثة: الوثائق، والكتب الفقهية القديمة المكتوبة على الرق، ثم الكتب المخطوطة الحديثة نسبيا. وقد ضبطت استبيانات للغرض كما هو مبين في الأوراق المصاحبة.
ولم يتواصل عمل هذا الفريق إلا سنتين، حيث لم نوفق في تجديد إلحاقهم بالمركز، واكتفينا بأقدمهم، وأكثرهم كفاءة، وهو الأستاذ الصادق الغرياني، الذي سبق أن عمل بدار الكتب الوطنية، خلال الخمسينات. واتجهنا لفهرسة هذه المجموعة، معتمدين طريقة التفصيل، وإبراز الأهمية الوثائقية للنسخ الموجودة، من حيث الجودة، والصحة، وإبراز الجانب الفني المتصل بالتجليد، والتفسير، والتحبيس، والتملك، وجودة الخط، ليعين ذلك الباحثين في تاريخ الفنون، وليساعد على التعرف على النماذج الصالحة، لتاريخ الورق، وبتحديد مراكز الكتابة، وتواريخها، والتنصيص على مصادر الانجرار، حفظا للتاريخ الثقافي لبلادنا. وقد أهمل هذا الجانب، فاختفى اسم المجموعات، والمكتبات القديمة، وذلك ضمن خطة ظالمة، لتزييف التاريخ، وقطع الجذور.
ومع ذلك، فقد تمت فهرسة جميع الوثائق ونحو 90٪ من المكتبة العتيقة و1920 عنوانًا من مجموع 2350 عنوان من المكتبات الأخرى. وتتجه النية حاليا لعقد اتفاقية مع الهيئة الألمانية للأبحاث، بالتعاون مع جامعة برلين، لاستيفاء العمل ونشره.
ورغم تفوق الناحية الأثرية في مكتبة القيروان العتيقة فإن ذلك لم يمنع من تحقيق بعض كنوزها، والقيام بالدراسات حولها، وقد تم تحقيق المخطوطات التالية:
- «أدب القاضي والقضاء» لهيثم بن سليمان، توفى 310هـ (المحقق: الدكتور فرحات الدشراوي).
- 2- «الرد على الشافعي» لمحمد بن محمد بن اللباد، توفى 333هـ/944م (المحقق: الدكتور عبد المجيد بن حميدة).
- 3- «التصاريف» ليحيى بن سلام، (المحقق: الدكتورة هند شلبي).
- 4- «سجل قديم لمكتبة جامع القيروان» (المحقق: الأستاذ إبراهيم شبوح).
- 5- «موطأ مالك» رواية علي بن زياد، توفى 183هـ/828م (المحقق: الشيخ النّيفر الشاذلي).
- 6- «كتاب المحاربة من الموطأ» رواية عبد الله بن وهب، (المحقق: الدكتور ميكلوس موراني).
- 7- «الجامع في علم القرآن» رواية عبد الله بن وهب (المحقق: الدكتور ميكلوس موراني).
كما نشرت بعض الأبحاث المتعلقة بمكتبة القيروان، منها «حول محتوى مكتبة القيروان العتيقة» للنيّال، ومؤلفات الدكتور ميكلوس موراني حول مصادر الفقه المالكي وحول الماجشون بالاعتماد على رقوق مكتبة القيروان.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص .84-63 يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |