تطور تجليد الكتب الإسلامية والحفاظ عليها والصيانة الإسلامية للمجموعات الشرقية ومجموعات مكتب الهند (وزارة الهند سابقا) في المكتبة البريطانية

شارك:

ديفيد جيكوبسو باربارة روجرز

محتويات المقال:
مُقدّمة
مقارنة لأساليب الإصلاح أو الترميم
المواد
طريقة الترميم
الخياطة
أوراق التبطين (بطانات التجليد)
التكعيبات والبطانات والتجاديف
أغلفة الورق المقوى والأغلفة العادية
تصميم الغلاف وزخرفته
العناية والتخزين
صندوق الحفظ (Drop-down)
حامل الكتاب الإسلامي
صندوق ذو سنادة كتب داخلية
خاتمة
ثبت المصادر

مُقدّمة

SONY DSC

ربما عانى الكتاب الإسلامي من الضرر ما فاق معاناة أي كتاب آخر، نتيجة الأساليب المستخدمة في الصيانة والمناولة والتخزين. ومن أجل العمل على تحقيق تحسين ولو جزئي للوضع، فقد تبنت مكتبة مكتب الهند (وزارة شؤون الهند قبل خروج البريطانيين منها سنة 1947) ومعمل تجليد السجلات، عام 1984، مشروعًا لإعادة تقييم جوهرية لأساليب الصيانة أو الحفظ المتّبعة في التعامل مع المخطوطات الإسلامية.

وهناك أجزاء مهمة من المجموعات الشرقية التي تضمها المكتبة جرى تجليدها وإعادة تجليدها على الأسلوب الغربي. وقد تم ذلك في بعض الحالات بُغْية التطابق مع طراز المجموعة. وكثير من هذه التجليدات هي في الوقت الحاضر في نهاية مدة صلاحيتها للاستعمال، مُتيحة بذلك فرصة مثالية لإعادة تقييم أساليب الصيانة التي سيقع استخدامها في ترميم تلك التجليدات.

وتعدّ الكتب الإسلامية في الأغلب من الكتب ذات الظهر (الكعب) المنْبَسط المسطح، وتُخاط دون دعامات روابط من السيور. وتقعُ الأوراق المحتوية على المتنText & Block على نفس القطع أو قريبا من ذلك بالنسبة لألواح التجليد، كما أنه كثيرا ما توجد رفرفة في الأطراف الأمامية. وقد وجد هذا الطراز من التجليد في شتى أنحاء العالم الإسلامي.

ونادرًا ما توجد تجليدات أصليّة كاملة إلى اليوم. إذ تقاضت الصراعات الداخلية الأهلية والدولية والحوادث والبيئات القاسية ضريبتها الثقيلة من هذه المجموعات. وبدأت المكتبات الغربية وجامعو الكتب عملية تجليد أو إعادة تجليد للمخطوطات الإسلامية. كما جرت بعض المحاولات لإدماج الأغلفة الأصلية في الكتب الغربية الطراز، وكثيرًا ما تم ذلك على نطاق واسع وأدى أحيانا إلى كوارث. وأغلفة بعض الكتب الإسلامية حافلة بالزخارف لاسيما تجليدات أواخر القرن الرابع عشر الميلادي في مدينة هراة. وفي بعض الأحيان فُصِلَتْ الأغلفة عن الكتب لأغراض العرض، ونادرًا ما أعيد غلاف إلى كتابه. وقد تسببت هذه الممارسات في خسارة فادحة في المعلومات عن كيفية تركيب الكتاب.

كذلك فقد تُلْحِقُ إعادة التجليد حسب الأساليب الغربية الضرر بأوراق المخطوط، فتجعل النصوص صعبة القراءة. وكثيرًا ما تكون الكتابة والمصغّرات أو النَّمْنَمات الملونة محاطة بالخطوط والحواشي أو الأطر الزخرفية المذهبة. ويمكن إضعاف هذه الأطُر أو قد تُخرّق ألياف الأوراق، وذلك بالتفاعل الكيمياوي من بعض الأصبغة اللونية. ويؤدّي التجليد الغربي (إما الظهر الأجوف أو المشدود) إلى إيقاع ضغط شديد على الصفحة في هذه المنطقة الضعيفة عند الانثناء وقت فتح الكتاب. وكذلك فإن إعادة التجليد وفق الأشكال الغربية لا تتلاءم مع فنون الكتاب الإسلامي وتاريخه وخلفيته الدينية.

وانطلق مشروع قسم التجليد لاستنباط طريقة في حفظ الورق وتجليد الكتب تتصف بالرفْق بأصل المخطُوط ووظيفته ولا تؤذي الأوراق، وتعمد إلى استخدام مواد حِفاظ أو صيانة مُجَرَّبةٍ. وبعد مناقشات مع الزملاء في دائرة الترميم والصيانة قررنا أن الأفضل للمخطوطات الإسلامية هو إعادتها إلى شكلها الأصلي قدر الإمكان. وكانت عملية متدرجة ومتطورة، جُرب فيها العديد من الأساليب وعمليات التركيب قبل التوصل إلى الحلّ الحالي.

وعندما شرعنا في ترميم الكتب وإعادة تجليدها، أدركنا أنّ بعض الأذى قد نجم عن الطريقة التي جرت بها مناولة الكتب وتخزينها. ولذا لم تكن أساليب الصيانة والتجليد وحدها بحاجة إلى إعادة نظر، بل استدعى الأمر إعادة تعريف وتحديد أيضا للتخزين في الرفوف المتراصة للمكتبة والاستخدام من جانب القُراء.

مقارنة لأساليب الإصلاح أو الترميم

لم يكن أسلوب الإصلاح أو الترميم الرطب الذي يصنع إطارًا جديدًا حول الأوراق الأصلية للكتاب مقبولاً، لأنه يغيّر من حجم الأوراق ويحُول دون استعمال الأسفار الأصلية في إعادة التجليد. وفي الماضي كان معنى ذلك فصل تلك الأسفار، وفي حالات كثيرة فقدانها.

وجرّبنا أسلوبًا في الترميم معتمدًا على الحرارة، ونجح في المخطوطات التي كانت مخزّنة وهي منبسطة وليست بحاجة إلى طيّها. لكنه يتسبب في هشاشة الورق عند الطيّ، ويصبح ضعيفًا جدًا عند استخدام أسلوب الخياطة الإسلامي غير المدعّم، حيث من النادر أنْ توجد أشرطة أو أربطة في التجليد تقاوم الضغط الناجم عن جذب الخيوط لشدّ الملازم. أما في الأوراق الإسلامية الأكثر رقّة والأشدّ صلابة، فقد أدّى استخدام مادة التّكْسيكْرِكال بارلويد Texicrycal Parloid اللاصقة إلى نشوء نوع من الترميم أوجد انتفاخًا غير مقبول في كعب الكتاب.

فقررنا العودة إلى أساليب الترميم الرطب لظهر الكتب ومناطق التلف الواسع النطاق. ويتكيف أسلوب الترميم الرطب أو يندمج بالورقة الأصلية للكتاب، ويقلّل من الانتفاخ. ومن أجل قيامه بمهمته بصورة صحيحة فإن كعب الكتاب الإسلامي بحاجة إلى الخلوّ من الانتفاخ ما أمكن ذلك. ومن المزايا الرئيسية التي يتميز بها الترميم الرطب على الترميم الجاف أنّه يسمح لألياف الترميم وللأصل بالارتخاء في الوقت ذاته، محقّقا بذلك ربطًا أقوى وأكثر اكتمالاً ومرونة. كذلك فإن ألياف النسيج تحتفظ بقدر من الحركة يتيح لألياف الترميم التماسك حول الثقب أثناء سحب الخيط. ويؤدي ذلك إلى وجود إطار متين حول مسالك الخياطة، ويقلل من احتمال توسّعها.

ولكل من نوعَيْ الترميم مزاياه، ولا نرى سببا يحول دون استعمالهما في آن واحد. إذ أن بالإمكان الاستمرار في استعمال الترميم الجاف لتقوية الأطر التالفة أو المتكسّرة، وكذلك، في مناطق التلف الصغيرة، حيث تلزم الشفافية. كما يمكن استخدام الترميم الرطب في ظَهر الكتاب لتوفير ترميم أكثر قوة وديمومة، وكذلك في مناطق التلف الواسعة النطاق حيث يلزم، للحيلولة دون التضّخم والتشويه الناجمين عن عملية الترميم.

المواد

المادة التي نستخدمها هي معجون من نشا القمح النقيّ الخالي من غراء الغلوتين، من أجل الحصول على التّماسك المطلوب، وتكون مرنة عند جفافها. وعندما تكون هذه المادة مبتلّة تبدو أكثر جفافًا من المواد اللاصقة الأخرى التي تحتوي على الماء، بحيث أنّ بالإمكان استخدام هذه المادة في المخطوطات التي قد تؤذيها أو تلطّخها المواد الأخرى المذكورة آنفا. كما أن إضافة ألجينات الصوديوم sodium alginate تولد معجونا أكثر جفافًا ومرونة.

ونستعمل – بصورة رئيسية – الأنسجة الليفية الطويلة من صنف كوزوشي Kozo-shi وصنف تونوساوا Tonosawa ذات السطح الأملس الصلب، ويمكن صَبْغُها لتتناسب مع لون الورق المرمّم.

وعند اختيار المواد والمواد اللاصقة لا بد من أخذ الحساسيات الدينية في الاعتبار.

طريقة الترميم

يتم قصّ شريط من النسيج وهو رطب للاحتفاظ بالألياف الطويلة، ولا يوضع إلا عند الحاجة إليه فقط، كحالات ظهور الكتب المتضرّرة، أو التمزّق أو ثقوب الخياطة أو الثقوب التي أحدثتها الحشرات على سبيل المثال. ويجرَى تشابك الألياف على الوجه الخارجي للورقة، حيث تَنْثني ثم تُطوى إلى الداخل. ويتم اتّباع الإجراء نفسه على الوجه الداخلي لأوراق كل قسم أو ملزمة. ويعمل ذلك على دعم خيط الحبْك واحتوائه.

وتُترك الورقة لتجف. وبينما يظل شيء من مخلفات الرطوبة في عملية الترميم يتم طيها من أجل مدّ الألياف ثم تُفتح ثانية. وبعدئذ توضع في مكبس بين ورقتي نشاف مع وجود الألواح على كلا الجانبين. وفي هذه المرحلة يحتوي الترميم على قدر من الرطوبة كاف لإبقائه مرتخيا لكنه لا يكفي للالتصاق بورقة النشاف، ويمكن شدُّ المكبس لجعل الترميم يترابط مندمجا مع الورقة الأصلية. وينبغي عدم الجذب إلى الأسفل بقُوة. كذلك يجب عدم كبس المخطوطات المزخرفة بالألوان المتألقة أو المخطوطات الملونة، بل وتوضع تحت أثقال بدلا من ذلك.

وقد نحتاج أحيانا إلى إرخاء الورقة لتفادي إحداث إجهاد وضغط على الصفحة. وللقيام بذلك تُرطب ورقة نشاف وورقة فاصلة باستخدام ورقة نشاف جافة أو يتم استعمال مرطّب فوق صوتي. وبالإمكان أيضًا استخدام المرطب لإزالة بعض أنواع البقع من أوراق المخطوط.

وعند جفاف الورقة يجري كشط أي نسيج ترميم فائض، ودَعْكه بأداة عَظْمية للحصول على سطح أكثر ملاسة إذا اقتضى الأمر. ثم يعاد طيّ الأوراق إلى أجزاء وتوضع تحت أثقال. وبالإمكان ضغط هذه الأجزاء إلى الأسفل لتلافي أي انتفاخ ناجم عن الترميم.

الخياطة

قبل تفكيك الكتاب لا بد من ملاحظة أية علامات للخياطة. وحتى لو كان الكتاب قد أعيد تجليده خاصة فقد يكون بالإمكان رؤية ثقوب الخياطة الأصلية وأحيانا رؤية أجزاء صغيرة من الخيط الأصلي. فإذا عُثر على الخيط الأصلي يجب ملاحظة الألوان لأنها تدل على موضوع الكتاب (فاللون الأخضر مثلاً يدل على أن الموضوع هو السيرة النَّبوية بينما يدل اللون الأحمر على أن الموضوع متعلق بالشريعة الإسلامية)، وإذا ما سمحت حالة الكتاب، يقتضي الأمر أيضا ملاحظة عدد الأوراق في كل قسم أو ملزمة، وقد تتفاوت الملازم أو الأقسام من حيث الحجم حتى داخل الكتاب الواحد.

وكانت تُخَاط الكتب عادة في موضعين أو أربعة مواضع. وتُستخدم مواضع الخياطة الأصلية حيثما أمكن ذلك؛ ويُنْصحُ باستخدام ما لا يقل عن أربعة مواضع بالنسبة لجميع الكتب اللهم إلا أصغرها، وذلك لتخفيف ضغط الخياطة على الكعب.

ويُسْتَخْدَم الحريرُ أحيانا لخياطة الكتب، لأن بالإمكان تمهيده وتسطيحه بسهولة أكبر، لكن بالإمكان أيضا استعمال خيط الكتان أو القنّب الدقيق. وكانت تخاط المخطوطات بغُرْزة وصل أساسية على الطريقة الإسلامية، تستخدم عند نهاية الملازم في عمليات التجليد الغربية. وكثيرًا ما توجد عقدة وصل داخل الملزمة وخارجها كذلك. ويؤدي هذا إلى توزيع الضغط على طول الخياطة بكاملها وتخفيف الضغط على الكعوب الضعيفة أو الهشّة. وهناك ميزة أخرى وهي أنه إذا انقطع الخيط فإن بقية الخياطة لا ترتخي لأن كل موقع مربوط بإحكام.

وبعد الخياطة يتم تبطين الكتاب وربطهُ بشريط في آخره. وتساعد خياطة الشِّدادات (tie downs) من خلال البطانة في تخفيف الضغط على المواقع الطرفية، لأن الكتان يقوي الكعب. أما الرباط الطرفي على هذه المخطوطات فعادة ما يتم نَسْجهُ عبر الشدادات المخاطة ويكون القلب مكوّنًا من الورق أو الكتان أو الجلد. وتأتي الشّدادات في كل ملزمة نازلة من الوسط إلى طرف موضع الخياطة لتوجد خطا متصلا من الخيوط في كل ملزمة. وتخاط أول ملزمة وآخر ملزمة مرتين زيادة للمتانة. وبعد أن تكون قد تمت خياطةُ عَرضِ الكتاب برمته يمكن حبك مختلف ألوان الرباط الطرفية من خلال الشدادات لإيجاد أنْماط متنوعة. وأكثر الأنماط شيوعًا هو الحلية أو الشارة المميزة مع استعمال لونين فقط. وعادة ما نستعمل أسلوب الإبْرَتين لأنه يقدم نمطًا أكثر تساوقًا.

أوراق التبطين (بطانات التجليد)

كان العثور على ورق يتوافق مع صفحات باطن التجليد أو بطانات التجليد أمرًا صعبا. وفي بداية المشروع كان الورق الملائم الوحيد الذي تمكنّا من العثور عليه هو ورق أدنبَره الذي يصنعهُ مصنع ورق هيل Hayle في مقاطعة كِنْتْ. وكان على درجة معقولة من تناسب الألوان، لكنه كان بالطبع ورقًا (مدموغًا) في نسيجه علامات مائية وليس محبوكًا. وعندئذ قُمنا بمفاتحة شركة مولا ندي فيرجيه Moulin de Verger بفرنسا وطلبنا صُنْع ورق إسلامي حقيقي. وبعد محاولات متعدّدة لم ينجحوا في ذلك ولم يتم سوى إنتاج أطباق قليلة صالحة للاستعمال.

وفي عام 1993 سمعنا في أحد المؤتمرات أن مصنع غريفن Griffin للورق في مقاطعة سِرمَرْسِتْ يستطيع صنع ورق حسب مواصفاتنا. وقامت كْرِسْتين ليفَرْ ـــ غبسْ من المصنع بأبحاث تناولت المظاهر التاريخية التقنيّة لصناعة الورق الإسلامي. وأنتجت تلك السيدة ورقًا لَبى معظم متطلباتنا، ويتمتع بدرجة عالية من الصمود أمام عمليات الطيّ ومقاومة الشدّ مع قدر من المظهر المميّز للورق الإسلامي، ويمكن صنعه في أكثرية الأوزان، مع تناسب في الألوان.

التكعيبات والبطانات والتجاديف

بعد أن يتم تجميع كل عناصر ترميم الورق ومُقتضيات الخياطة معًا، أصبح في وسعنا إنتاج كتاب متجانس السُّمك من الحافة الأمامية حتى الكعب.

وكان على المجلدين في الأصل تطريق مجموعة الورق المحتوية على متْن الكتاب لتقليص أي انتفاخ يظهر عند الخياطة. وهناك أدلة على أن التكعيب كان يقتصر على تدوير الكعب، وذلك لخشية المجلدين من بروز أطراف الحافة الأمامية بمرور الزمن. ولا نجد ضرورة لتدوير كعوب المخطوطات حديثة الترميم إلا بين حين وآخر فقط.

ونقوم بتبطين الكعب بنسيج من نوع «كوزوشي»، مستخدمين غراء لزجةً من نشا القمح. ويؤدي ذلك إلى إيجاد طبقة إفساح تساعد في حالة الاضطرار إلى تفكيك الكتاب مرة ثانية وتقليل تسرّب الغراء بين طيات الملازم. أما البطانة التالية فهي من كتان أو قطن صافٍ غير مُنشى (areo) ومغسول جيدًا وملتصق بالكعب بالغراء. ويتداخل مع مجموعة المتن بحوالي 8 سنتمترات في كل جانب. أما البطانة الأخيرة فهي ورق أرشيفي خفيف الوزن مُلصق بالغراء فوق الكتان. ويجب أن تتصف البطانات بأكبر قدر ممكن من الخفة والمرونة، مع استخدام الحد الأدنى من المادة اللاصقة، وذلك للإبقاء على كعبٍ مرنٍ.

وقد اعتزمنا في الأصل إنتاج كتاب يمكن استعماله منبسطا على مكتب أو على حامل كتب غربي. وكان معنى ذلك أننا اضطررنا لتشكيل كعب أجوف من الورق المقوى أو طبقات من الورق العادي. لكننا نعتقد أن إضافة التجويف بصورة بارزة يغيّر من مظهر الكتاب والأسلوب الذي يؤدي فيه وظيفته، ولذا فقد تخلّينا عن الفكرة.

أغلفة الورق المقوى والأغلفة العادية

جرى تجليد الأسفار العربية الأولى في أغلفة من ألواح خشبية أو كرتونية. وإذا لم تتوفر لدينا الأغلفة الأصلية أو كانت في حالة من التردي لا تسمح باستعمالها، فإننا نستعمل ورقًا أرشيفيًا مقوى ذا سُمك مناسب.

ونقوم بتبطين أغلفة الورق المقوى بورق أرشيفي من نوع 85 غرام، مستخدمين غراءً من نشا القمح، وتجَفَّف وهي منبسطة، ثم تُقَصُّ بحيث تكون أكبر قليلاً من مجموعة أوراق متن الكتاب بُغية حماية الصفحات. وبالإمكان شطف الحافة الخلفية الداخلية للورق المقوى للتعويض عنه أو معادلة أي انتفاخ قليل في الكعب.

ثم نقوم بإلصاق الأغلفة المقواة ببطانة الكعب المتداخلة. وكبديل عن ذلك يمكن صُنع الغطاء منفصلا عن مجموعة أوراق المتن ثم إلصاقه في المراحل الأخيرة.

وعلينا الانتباه عند إعادة استخدام الألواح الأصلية، لأن المخطوطات القديمة كثيرًا ما استُخدمت لتوفير أغلفة مقوّاة كاملة أو تبطين الأغلفة الخشبية أو المؤلفة من الورق المقوّى. وقد يُطلب مِن المرء فصل هذه الصفحات المخطوطة المخفية في الأغلفة لأغراض التحليل والاستكشاف.

أما لأغراض التغليف فنستخدم جلد ماعز أو جلد عجل يكون في العادة مبشورًا عند الحافة. ومرة أخرى نستخدم غراء نشا القمح كلاصق رئيسي. وفي حالة الكتب ذات الحجم الكبير جدا قد يستدعي الأمر استخدام جلدين، حيث تدعو الحاجة إلى التوسع في الأطراف الأمامية. وتوضع تلك الأطراف الأمامية تحت الغلاف على مجموعة أوراق متن الكتاب وتكون بنفس عرض الغلاف المقوّى.

وبعد التغليف يصبح بالإمكان وضع صفحات باطن التجليد. ومن المعتاد أن تكون المفاصل – التي يصطلح عليها باللسان – من الجلد إذا أردنا إضافة بطانات زخرفية.

وبعد التغليف ووضع صفحات باطن التجليد، يوضع الكتاب تحت ألواح ضاغطة وورق نشاف من الوزن الخفيف ويُترك ليجف.

وقبل استعمال الأطراف الأمامية يمكن إحاطة الأسفار من جميع الجوانب الأربعة وتثبيتها بأربطة وسيور. وربّما كان لبعض الكتب أطراف موضوعة فوق الغلاف، ولكن في هذه الحالة كان يجب أن توجد لها سيور أو أربطة تمرّ من خلالها من أجل التحكّم فيها.

وقد استُخْدمت أصناف شتىّ من الجلد لأغراض التغليف، كجلود الماعز والعجول والخراف والغزال والجلود غير المألوفة، مثل جلد النمر (B.L. ADD 26539)، أما أنواع مواد التغليف الأخرى فتشمل القطيفة (المخمل) أو القماش المقصب أو الحرير أو القطن.

تصميم الغلاف وزخرفته

استُخدِمت أدوات يدوية وأختام وتصاميم ملوّنة لزخرفة الأغلفة. ويمكن تقسيم التصاميم بصورة تقريبية إلى ثلاث فئات: حيوانية ونباتية وهندسية. وكان بالإمكان استخدام الذهب على شكل سائل أو ورقة مذهبة أو على هيئة زخارف صغيرة. كما كان بالإمكان أيضا تكوين الأنماط بالجمع بين كل أداة وختْم على حِدة. ومن المظاهر البارزة في الزخرفة كذلك الزخارف الجلدية والورقية المخرمة ذات الخلفيات الحريرية الملوّنة.

ومن حيث المبدأ فإنّنا لا نضيف تصاميم إلى المخطوطات التي نعيد تجليدها بأغلفة جديدة.

واستُخدمت أيضا مواد من الشمع أو الزيوت على الأغلفة المزخرفة بعد الانتهاء من التجليد، لزيادة جمال مظهر اللمسات الأخيرة. ونستخدم أيضا الشّمع من نوع SC6000 وفق توصية من مركز صيانة الجلد في عمليات تجليد جديدة، كحاجز يقي من التلوث الذي ينقله الهواء.

العناية والتخزين

بما أنه يتم إعادة تجليد المخطوطات بصورة أقرب ما يمكن عمليا من طرازها الأصلي، فإنه ينتج عن ذلك أنّ من المهم أيضا تخزين الكتب واستخدامها بأكثر الطرق ملاءمة للحيلولة دون تلفها والعمل على إطالة أعمارها.

وتمثّلت طريقة الحماية التقليدية في لفّ أو وضع المخطوطات «بجزدان» أو جراب كبير قطني، كان يصبغ باللون الأصفر باستخدام ثالث كبريتات الزرنيخ. كما كانت للكتب صناديق خاصة، إضافة إلى علب واقية.

وتعني محددات الحيز غالبية المكتبات، وإنّ من المستحيل وضع الكتب على الرفوف مُنبسطة ًكما كان حالها في الأصل. وتخزن الكتب الآن وهي واقفة منتصبة، مما قد يكون بالغ الضرر على التجليدات المقطوعة باستواء تقريبا أو الكتب ذات البُنى الضعيفة أو الكعوب المتضررة.

صندوق الحفظ (Drop-down)

تمثّل أولُ حلّ لدينا في صنع صندوق حفظ خالٍ من الأحماض محشوّ من أجل إسناد مجموعة صفحات المتن. وفي حالة عدم توفر ظروف التخزين المثالية، فإن الصناديق قد تساعد أيضا، لأنها تخلق مناخها المصغر الخاص بها والذي يحمي التجليد من الأذى الناجم عن الضوء والغبار.

حامل الكتاب الإسلامي

إذا أعيد تجليد المخطوطات الإسلامية بأسلوب الغلاف المشدود، فإنه يجب إسنادها على حامل كتب عند القراءة أو العرض. وحامل الكتب التقليدي الموجود غير ملائم، لأنه لا يوفر دعما كافيا للكتاب في المناطق الصحيحة، وقد يشجع القراء على بسط الكعب بالقوّة مما يؤدي إلى تلف التجليدات الجديدة وكَسر كعوب الكتب القديمة أو الهشّة. وتحدث نفس المشكلات عند استخدام الكتب منبسطة على مكاتب المطالعة.

وكان أوّل ما خطر ببالنا أن بالإمكان قراءة المخطوطات أو عرضها في حامل الكتب «الشّرقي» أو «الرَّحْل» الذي يُصنع من قطعة خشب واحدة ذات مِفصلة مندمجة. ويسند هذا الحامل الكتاب مفتوحًا على زاوية 100 تقريبا لأغراض القراءة. لكننا وجدنا أن «الرَّحل» غير عملي لشخص جالس إلى منضدة قراءة؛ إذ كان القصد منه هو استعماله من قبل شخص يجلس متربعًا على الأرض. كما أن تركيبه المدمج لن يصمد أمام الاستعمال المكثّف في غرف المطالعة في المكتبات.

ولا يبدو أن هناك حامل كتاب ملائما ومتوفرًا على نطاق تجاريّ، ولذلك فقد صَممنا وصَنَعنا طرازًا جديدًا. والنموذج الأصلي مصنوع من مادة البيرسْبِكس perspex، مما يجعله خفيفا لكنه متين وعَصي على هجمات الحشرات. والجزء الذي على شكل حرف (V) في هذا الحامل مزوّىً في اتجاه القارئ تسهيلاً للاستعمال، والجانبان الداخليان منه مبطنان بجلد ماعز غير مصبوغ لحماية الكتاب من ضرر يلحق بغلافه. وهناك حاجز للكتاب في قاعدة هذا الحامل، للحيلولة دون انزلاق الكتاب عنه.

ويخفض هذا الحامل كثيرًا من الضغط على التجليدات الإسلامية قديمها وحديثها، لأنه يسند الكتاب بطريقة يصعب معها كسر الكعب أو فصل الأغلفة المقوّاة.

صندوق ذو سنادة كتب داخلية

لا ترغب كلّ مكتبة أو كلّ شخص هاوٍ لجمع المخطوطات الإسلامية وغير قادر على الثمن في الحصول على حاملات جديدة للكتب الإسلامية. ويأتي الحل لهذه المشكلة عن طريق تصنيع صندوق مزود بسنادة كتب مركبة في داخله. ويصنع هذا الصندوق من مادة خاملة. وهو محشو لإسناد الكتاب أثناء تخزينه. وفي داخله جهاز بسيط ترتفع منه ألواح مقواة مُمَفْصَلة لإسناد الكتاب على زاوية مقرَّرة مُسبقًا من أجل القراءة أو العرض.

خاتمة

مازال هناك العديد من عمليات التطوير والدراسات التي لا بد من القيام بها حول بنية المخطوطات والتجليدات الإسلامية. ونحتاج بصفة خاصة إلى مزيد من الأبحاث حول ربط أساليب الزخرفة بأنواع معينة من المخطوطات. وقد يكون بالإمكان تحديد تواريخ المخطوطات من طراز التصاميم الموجودة على أغلفتها، وعندئذ سيكون في مقدورنا اقتراح أنماط وألوان أكثر رفْقًا بكل مخطوط على حِدة.

وليس من قبيل المبالغة التأكيد بدرجة كافية على الحاجة إلى سجلاّت مفصّلة يجب الاحتفاظ بها لجميع الكتب التي تُجرى لها عمليات صيانة. وبإمكان القيمين وأمناء المكتبات المساعدة بتزويد موظفي الصيانة بمعلومات أولية أساسية عن المخطوطات.

ويجب النظر إلى صيانة الكتاب واستعماله ككل واحد، وليس كأجزاء غير مترابطة. كما يقتضي ترميم الصفحات على شكل مجلد وليس على شكل أوراق لوحدها، وأن يجلَّد الكتاب على النَّسق الإسلامي، ومن ثمّ لا بد من استخدامه وتخزينه بالأسلوب الصحيح.

ثبت المصادر

Baker, D., “Arab Paper makingˮ Paper Conservator, XV, 1991

«بيكر. د: صناعة الورق العربية»

Bosch G., Carswell, J., and Petherbridge, G., Islamic binding and bookmaking.

بوش، ج كارسويل، ج، بيتر برديدج، ج: التجليد وصناعة الكتب الإسلامية.

Bull, W., “Rebinding Islamic manuscripts: a new directionˮ, Journal of the Society of Bookbinders, 1, 1987.

بُولّ، و: «إعادة تجليد المخطوطات الإسلامية: اتجاه جديد».

Clare, J. Marsh, F., “A dry repair method for Islamic manuscript leavesˮ, Paper Conservator, 3, 1978.

كلير، ج؛ مارش، ف: «طريقة ترميم جاف لأوراق المخطوطات الإسلامية».

Fischer, B., “Sewing and end bands in Islamic techniqueˮ, Restaurator, 7, 1986.

فيشر، ب: «الخياطة وخيوط التجليد الطرفية حسب الأسلوب الإسلامي».

Gacek, A., “Arabic bookmaking and terminology as portrayed by Bakr al-Ishbilīˮ, Manuscripts of the Middle East, Leiden (1990-91).

غاتشيك، أ: «صناعة الكتب والمصطلحات العربية كما صوّرها بكر الإشبيلي».

Gast, M., “A History of end bandsˮ, New Bookbinder, 3, 1983.

غاست، م: «تاريخ خيوط التجليد العراقية».

Greenfield, J., and Hille, J., Headband: how to work them, Edgewood, 1986.

غرينفيلد، ج، وهيل، ج: «أشرطة الحواف العليا: كيفية صُنعها».

Haldane, D., Islamic bookbindings, Victoria & Albert Museum, London, 1983.

هلدين، د: «تجليدات الكتب الإسلامية».

Hustable, D., and Weber, P., “Adaptations of oriental techniquesˮ, Paper Conservator, 11, 1987.

هسْتابل، د. وويبر، ب: «تعديل الطرائق الشرقية».

Jacobs, D., “Simple book supports for Islamic manuscriptsˮ, British Library Conservation News, 33, 1991.

جاكوبْس ج: «سنادات الكتب البسيطة للمخطوطات الإسلامية».

Jacobs, D., and Rodgers, B., “Developments in the conservation of Islamic manuscripts at the India Office Libraryˮ, Restaurator, 11, 1991.

جاكوبْس د.، وروجرز، ب: تطورات في صيانة الكتب الإسلامية في مكتبة مكتب الهند (وزارة شؤون الهند سابقا).

James, D., Qurʾāns and bindings from the Chester Beatty Library.

جيمس، د: «المصاحف والتجليدات من مكتبة تشِستَر بيتي.

Levey, M., “Medieval Arabic bookmaking and its relation to early chemistry and pharmacologyˮ, American Philosophical Society, 52 iv, 1962.

ليفي، م: «صناعة الكتب العربية في العصور المبكرة وعلاقتها بالكتب الأولى للكيمياء وعلم العقاقير».

Losty, J. P., The art of the bookin India, British Library, 1982.

لوستي، ج.ب: «فن الكتاب في الهند»، المكتبة البريطانية، 1982.

Raby, J. P., and Tanindi, Z., Turkish bookbinding in the 15th century, Azimuth editions, 1993.

رابي، ج، وتنديدي، ز: «تجليد الكتب التركية في القرن الخامس عشر».

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 141-158.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top