بمدينة استانبول، وبمشاركة العشرات من الأساتذة الباحثين من 15 دولة، انطلقت فعاليات مؤتمر "الدين والحضارة: حفظ العمران مقصد شرعي"، الذي تم تنظيمه من قبل مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلاميّة بالتعاون مع جامعة ابن خلدون ومعهد تحالف الحضارات، وذلك خلال أيام الجمعة والسبت والأحد 19 و20 و21 أكتوبر 2017م، بجامعة ابن خلدون باستانبول.
وانطلقت فكرة هذا المؤتمر الدولي حول الفكر الخلدوني من جهة اعتباره للعمران مقصدا شرعيا، حيث لا يزال الإنتاج العلمي لابن خلدون مصدر عطاء ينهل منه الباحثون، ليس على مستوى الدرس والتقويم فحسب؛ بل على مستوى بناء نظريات معرفية متجدّدة؛ وقد أراد المنظمون للمؤتمر تسليط الضوء على واحدة منها، تتصل بالعمران مقصدا شرعيا، مما يمكننا من الإفادة منها تطبيقات وإسقاطات على واقعنا المعاصر ومتغيّراته المتسارعة.
وافتتح هذا المؤتمر الدكتور رجب شنتورك، رئيس جامعة ابن خلدون ومعهد تحالف الحضارات، بكلمة ألقاها صبيحة يوم الجمعة 19 أكتوبر، شرح فيها فكرة إقامة هذا المؤتمر، وقال إن معهد تحالف الحضارات وجامعة ابن خلدون، بالتعاون مع مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، تنظمان هذا المنتدى للتفكير ولمناقشة القضايا الحضارية التي تجمع ممثلين عن حضارات مختلفة. وأضاف بأنه سيشارك في هذا المؤتمر عدد كبير من العلماء والمتحدثين البارزين بشأن إيجاد أفضل السبل من أجل إعادة النظر في تشكيل وتطوير الموضوعات المتعلقة بموضوع «حفظ العمران مقصد شرعي»؛ وقدم فكرة شاملة عن جامعة ابن خلدون، التي تم تأسيسها في السنة الماضية.
أما الأستاذ صالح شهسواري، المدير التنفيذي لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي فقد أكد في كلمته الإفتتاحية على أهمية هذا المؤتمر، وأن جميع الأحكام الشرعية التي جاء بها الرسل كانت مبنية في مقاصدها على تحقيق العمران والمحافظة عليه. كما أن كلّ ما يحقّق حالة الاجتماع الإنساني العمراني ويحافظ عليها متوازنة من غير ظلم ولا بغي ولا عدوان هو قطعا مقصد شرعي؛ لأنه بدون هذا العمران لا يكمل الوجود الإنساني ولا يتحقّق إعمار الأرض بالإنسان، ولا يحصل استخلاف الله تعالى للإنسان.
وأضاف الأستاذ صالح شهسواري إن "العالم والإنسانية يعيشان اليوم ظروفا سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية، تكاد أن تأذن بخراب العمران والكون، في ظل فشل المشروع الحداثي في إقامة الحضارة المثلى، وذلك بسبب إقصاء الدين من الحياة قاطبة؛ لذا، كان لزاما التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة، في العالم عامة، والأمة الإسلامية خاصة؛ مشيرا إلى أهمية هذا المؤتمر ودوره في تشخيص الداء، والتأكيد على أن الدين هو أساس الحضارة.
وانطلقت أشغال المؤتمر بجلسات اليوم الأول، التي كانت مقاصدية بامتياز.فقد قدم الدكتور جاسم سلطان محاضرة حول "شروط الجاهزية لصناعة العمران"، تلاه الدكتور مسفر القحطاني بمحاضرةبعنوان "مقصد العمران الحضاري: رؤية علمية نقدية"، أعقبه عالم الاجتماع الدكتور مازن هاشم بمحاضرة عن "مقاصد العمران: أسئلة في المنهج".
وتوالت الجلسات، فكانت محاضرة الدكتور بدران مسعود بن لحسن حول "دور الدين في تحقيق العمران الاجتماعي"، ثم من بعدهالدكتور عبد المجيد النجار بمحاضرة حول "الدور العمراني للمجتمع: مقصدا شرعيا"، تلتها محاضرة الدكتور سيف عبد الفتاح عن "مقصد حفظ العمران والحكم الراشد"، لتنتهي الجلسات المقاصدية بمحاضرة للدكتور محمد بن المختار الشنقيطي حول "علاقة الاستبداد بالانحطاط في الحضارة الاسلامية من خلال مفهوم "الفتور العام" في فكر الكواكبي"، ومحاضرة حول "حركـة المداولـة الحضاريـة وشبكة القوانين الكلية المؤثرة فيها: منظور سنني، قرآني، مقاصدي"، للدكتور الطيب برغوث.
كما ألقى الدكتور خير الدين يوجسوي محاضرة بعنوان "ما قبل الحضارة: بعض المفاهيم القائمة حول الجماعات البشرية في الشرق الأوسط المبكر"، ومحاضرة للدكتور حسين يلماز بعنوان من المدينة إلى المدنية: أصول المفهوم العثماني للحضارة".
وتتبعث كل محاضرة بمناقشات وتعقيبات من قبل الحاضرين.
وشهد اليوم الثاني حضور رئيس الجمهورية التركية، السيد رجب طيب أردوغان، الذي شكر المنظمين لهذا المؤتمر الهام، مضيفا بأن جامعة ابن خلدون ستبنى على الطراز الإسلامي خلال ثلاث سنوات. وأكد في كلمته أن حضارة الإسلام هي القوة الوحيدة التي تستطيع الحفاظ على الإنسانية للعالم.
كما شهد ظهيرة اليوم الثاني للمؤتمر محاضرة لضيف الشرف الدكتور طه عبد الرحمن بعنوان "مفهوم الأمانة والمسؤولية الحضارية".
وعالج المؤتمر موضوع العمران والحضارة من مختلف الجوانب في 62 ورشة متوازية، نظمت في اليوم الثاني والثالث للمؤتمر. وكان من محاورها: الدين،÷ والحضارة، والأدب، والاقتصاد، والموسيقى، والتعليم، والطب، والبيئة، والتكنولوجيا.
واختتم المؤتمر بمحاضرة للمعماري الأستاذ عبد الواحد وكيل عن "الهندسة المعمارية والدين والحضارة"، تلي على إثره بيان المنتدى، وكلمة ختامية للدكتور برهان كوروغلو.