من إلقاء الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف
شهدت قاعة المحاضرات بكلية العلوم الاسلاميّة - جامعة محمد الفاتح الوقفية، بمدينة إسطنبول، محاضرة عامة تحت عنوان: «روايات صحيح البخاري وأهميتها في توثيق نصّه وصحّة أحاديثه»، من إلقاء الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف، نظمها مركز دراسات المخطوطات الإسلامية بمؤسسسة الفرقان للتراث الإسلامي بالتنسيق مع كلية العلوم الاسلاميّة - جامعة محمد الفاتح الوقفية، وذلك يوم الاثنين 28 مارس 2022. وأدار الجلسة الدكتور محمد فاتح قايا، وحضر المحاضرة جمع غفير من الدكاترة والطلبة والباحثين.
افتتح اللقاء الدكتور محمد فاتح قايا الذي قدّم في مستهل هذا اللقاء نبذة عن موضوع المحاضرة والحياة العلمية للمحاضر، ثم أحيلت الكلمة إلى الأستاذ الدكتور مصطفى ألتونداغ، عميد كلية العلوم الاسلاميّة - جامعة محمد الفاتح الوقفية الذي رحّب بالحضور وبالمحاضر الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف الذي أطلق عليه لقب القامة العلمية الفريدة وشيخ المحققين في هذا العصر، وأن الكلية وأساتذتها وطلبتها كلهم آذان صاغية لسماع هذه المحاضرة الماتعة، وسيستفيدون من خلالها خلاصة تجربة حياته العلمية بين كتب التراث، وغوصه في مصادر السنة وعلومها، وثمرة تجربته في علم الرجال.
تلاه السيد صالح شهسواري، المدير التنفيذي لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي الذي ألقى كلمة عبّر فيها عن ترحيبه الحار بالسادة الحضور: من أساتذة ومشاركين، وأشاد بالتعاون مع كلية العلوم الاسلاميّة - جامعة محمد الفاتح الوقفية، كما أثنى على عميدها الأستاذ الدكتور مصطفى ألتونداغ، على استضافة هذه المحاضرة الماتعة والممتعة والمفيدة، التي جاءت في وقتها عن أصح كتاب بعد المصحف ألا وهو الجامع الصحيح للبخاري الذي تطاله زوابع وحملات تشويه مغرضة ومستمرة أخذت أشكالا متعددة، سواء من أبناء جلدتنا أو من أعداء الإسلام، متخذة منهجي تجفيف المنابع أو تلويث المنابع.
كما شكر السيد صالح كل من ساعد في تنظيم هذه المحاضرة سواء من جانب كلية العلوم الاسلاميّة - جامعة محمد الفاتح الوقفية، أو من جانب مؤسسة الفرقان.
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ الدكتور بشار عواد معروف الذي بدأ محاضرته العلمية القيمة الراقية الدسمة بذكر منزلة الصحيح بين كتب الحديث، وأن صحيح البخاري هو ثمرة من ثمار جمع السنة النبوية التي قام بها العلماء بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم.
ثم عرج على موضوع كتابة الحديث، مؤكدا أن التدوين في عهد النبي ﷺ كان قليلا لندرة أدوات الكتابة، ولكنه انتشر انتشارا واسعا بين أبناء الصحابة والتابعين، كبارهم وصغارهم، أما ما ذكر عن منع تدوين الحديث في عهد النبي ﷺ كما في حديث أبي سعيد الخدري « من كتب عني غير القرآن فليمحه»، فهو حديث معلول.
وبين المحاضر أن التدوين آنذاك كان يتخذ بشكل شخصي، فمن الصحابة من كان يدوّن كعبد الله بن عمرو بن العاص وسيدنا علي رضي الله عنهما. ولكن أكثر الصحابة رووا شفاها كما سمعوا الحديث.
إلا أن الأحاديث كانت مدونة في قراطيس من زمن التابعين إلى زمن التصنيف الذي بدأ في القرن الثاني، أما المصنفات فكانت مرتبة ترتيبا فقهيا أو إسناديا...الخ
وركز الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف على مركزية الإسناد ومكانته مؤكدا على أن أعظم ما أنتج الفكر الإسلامي هو ما أنتجه المحدثون من مناهج البحث العلمي، وهو الإسناد الذي هو خصيصة من خصائص الأمة الإسلامية، ولا يوجد عند الأمم الأخرى في التاريخ.
وأشار المحاضر أن البخاري هو أول كتاب جمع الحديث الصحيح ورتبه على أبواب الفقه، فهو يختف عن الكتب الأخرى لأنه كتاب حديث وكتاب فقه في الوقت نفسه. إذ قدم لنا البخاري من خلال الجامع الصحيح الإسلام في طبق من ذهب. فالإسلام يتكون من ثلاثة مفاصل عظمى ألا وهي العقيدة والعبادة ومنهج الحياة أو السلوك، فقد استشف البخاري ما في منهج سورة الفاتحة (أم الكتاب) من معانٍ، وجعلها شاملة لكتابه الذي يبدأ بالعقيدة ويتوسط بالعبادة وينتهي بالسلوك.
ثم طفق الدكتور بشار في شرح روايات الصحيح الرئيسية مؤكدا على أن الأحاديث التي أوردها البخاري في صحيحه هي على نوعين: أحاديث مسندة وأحاديث معلقة (أي لم يوصل سندها)، ولكن الأصل في ذلك هي الأحاديث المسندة. أما الأحاديث التي علقها فهي أيضا على نوعين نوع علقه في مكان الاستشهاد به، وأسنده في مكان آخر، فهذا من ضمن المسند. ولكن النوع الآخر فلم يذكره إلا معلقا، فهذا لا يجوز أن يحسب على البخاري، ولم يعتمده بمناهج الصحة، وبالتالي إذا نظرنا إلى صحيح البخاري نحاكمه على الأحاديث التي أسندها فقط، لأنه يورد أحيانا الأحاديث ليبين وجه الاختلاف فيها، والسبب في ذلك ليبين قضية النسخ وأن هذا عمل الآخر وهذا عمل الأول.
أما منهج البخاري في انتقاء الحديث فكان يورد أحيانا ما صح من صحيح حديث المتكلم فيه( الضعيف)، ولا نجد في صحيح البخاري حديثا صحيحا إلا وله راو آخر ثقة رواه من طريق آخر ثقة، بحيث لو أسقطنا هذا الراوي الضعيف يبقى الحديث صحيحا من طرق أخرى، وأورد أمثلة كثير من بينها مرويات شيخه إسماعيل بن أبي أويس.
وعرج المحاضرة على ذكر أهمية الإبرازات المتعددة التي تبين من خلالها الروايات الأخيرة للجامع الصحيح، مؤكدا أن أوثق رواية هي للمحدث الثقة العالم محمد بن يوسف الفربري الذي سمع من البخاري وقرأ عليه الجامع الصحيح 3 مرات.
كما تطرق المحاضر إلى موضوع رواية أبي ذر الهروي والنسخة اليونينية، مختتما محاضرته بأن أصح طبعات صحيح البخاري، حتى الآن، هي الطبعة التي أمر بإصدارها السلطان عبد الحميد الثاني في أوائل القرن الرابع عشر، إذ مرّ عليها لأكثر من 130 سنة ولم تصدر حتى الآن طبعة أتقن منها.
ثم فتح المجال للتعقيب و النقاش الطويل والمستفيض، ووجهت أسئلة مهمة حول الموضوعات التي تمت إثارتها في هذه المحاضرة.
لقد وُفِّق الدكتور بشار عواد معروف في محاضرته الماتعة والقيمة، منطلقًا من خبرة عميقة شاملة في مجال علم الحديث وعلم الرجال، امتدت على مدى أكثر من نصف قرن. وقد استفاد الحضور من هذه المحاضرة الرائدة ومن المناقشات التي تلتها أيما استفادة، لما فيها من آراء جديدة نافعة، جرى فيها المحاضر على جميل عاداته ومذاهبه المستحسنة في علم الحديث.
أعمال المحاضرة على قناة اليوتيوب: