نظم مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية بجمهورية تونس، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - فرع تونس، على امتداد يومي السبت 25 مايو والأحد 26 مايو 2013 ندوة دولية بعنوان "تفعيل مقاصد الشريعة في المجال السياسي" بفندق "أفريكا" بالعاصمة تونس. وقد حضر هذه الندوة وزير الشؤون الدينية، الشيخ الدكتور نور الدين الخادمي، إلى جانب نائب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ راشد الغنوشي، ورئيس فرع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتونس، الدكتور عبد المجيد النجار، ومفتي الجمهورية التونسية، الشيخ عثمان بطيخ.
ولدى افتتاحه لهذه الندوة، وبعد أن قدّم نبذة مختصرة عن مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان، الذي أسس سنة 2005 بــهدف إحياء فقه المقاصد، قال المدير التنفيذي للمؤسسة، السيد صالح شهسواري، إنّ منظمي هذه الندوة يريدون نقل فكرة المقاصد من التنظير إلى التطبيق من خلال البحث العملي في مواضيع تخص الدستور، ومدنية الدولة، والمواطنة وغيرها من المسائل التي تشملها مقاصد الشريعة. وقد اعتبر شهسواري أنّ موضوع هذه الندوة الدولية دقيق جدا، باعتباره يسلّط الضوء على العلاقة بين مقاصد الشريعة والمجال السياسي، الذي يكتسي -حسب وصفه- أهمية وخطورة كبيرة.
أمّا وزير الشؤون الدينية بجمهورية تونس، الشيخ الدكتور نور الدين الخادمي، فقد اعتبر بأنّ الدولة في الإسلام مدنية بطبعها وليست دينية، مشيرا إلى أنّ جميع المواطنين ينتسبون للدولة على أساس المواطنة والإنسانية، لا على أساس الدين أو العرق أو المذهب.
وأشار الخادمي إلى أنّ مسألة المدنيّة والمواطنة في الإسلام هي حقيقة لا غبار عليها، مضيفا أنّ الهدف من هذه الندوة هو الدعوة إلى تأسيس مشروع مستقبلي حضاري متطوّر، تطلق فيه بشكل صريح مقاصد الشريعة.
وأكّد وزير الشؤون الدينية على أهمية مقاصد الشريعة وقدرتـها على تجاوز دائرة الفقه والأصول لتنظيم الحياة الاجتماعية والإنسانية للأمـة الاسلامية قاطبة.
وأضاف أنّ انعقاد هذه الندوة في تونس يكتسب أهمية خاصة وأنه "يأتي في سياق زمني يتميّز بحراك ثوري تعيشه تونس، ويشمل مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية".
وقال الشيخ راشد الغنوشي خلال هذه الندوة أنّ الثورة أتاحت الفرصة لتفعيل مقاصد الشريعة وخلق حوار بين نصوص الدين والواقع المتجدد في اتجاه استيعاب منجزات الحداثة في الإطار الإسلامي.
وأضاف الغنوشي أنّ كل النواب، سواء كانوا قانونيين أو شرعيين، هم اليوم من خلال سنهم للدستور يحاولون الجمع والتوفيق بين مقاصد الإسلام وبين منجزات الحداثة في حقوق الإنسان والديمقراطية .
من ناحيته أفاد رئيس فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس، الدكتور عبد المجيد النجار، في مداخلته، بأنّ المجال السياسي من أكثر المجالات الحياتية التي جاءت مجملة في النصوص الشرعية، لتترك بذلك التفاصيل والجزئيات للمسلمين ليتأقلموا فيها مع الواقع، معربا عن الأمل في إرساء مشروع إسلامي في الحكم يجنّب تونس زلات النظم السياسية السائدة اليوم.
أما الشيخ عثمان بطيخ، مفتي الجمهورية، فقد اختتم الجلسة الافتتاحية بكلمة ثمّن فيها توقيت الندوة وموضوعها، معتبرا أن مثل هذه الندوات تؤسس لمشروع مستقبلي وتفتح مجال الاجتهاد وتؤسس لسياسة تراعي المصلحة التي هي من أهم مبادئ علم المقاصد.
وتضمـّن برنامج الندوة في اليوم الأوّل سلسلة من المحاضرات لعدد من المفكرين الاسلاميين، تناولت مقاصد الشريعة والتأصيل الفقهي للسياسة الشرعية وتنزيلها في مسار الثورة. كما ناقش المشاركون في الندوة منهجية مقاصد الشريعة بين أسئلة الماضي وأسئلة الواقع، إضافة إلى مسائل تـهمّ المواطنة في ضوء الشريعة الإسلامية ومقاصد الشريعة في نصوص الدساتير والقوانين المعاصرة، إلى جانب مقاصد الشريعة في قوانين العمل وحقوق العمال.
وخلال اليوم الثّاني للنّدوة تمّ تقديم جملة من المحاضرات، تعرّضت إلى التأسيس المقاصدي لمسألة التعدّديّة وتداول السلطة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان في ميزان نظريّة المقاصد، كما تعرّضت إلى مقاصد الشريعة في المصادر التراثيّة وتولّي المناصب المختلطة بالحرام في ضوء النظر المقاصدي. وبحث المشاركون الإجماع في علاقته بالبرلمانات ومقاصد الشريعة والمجتمع المدني، كذلك مقصد الحريّة في الفقه الإسلامي المعاصر ومقصد الشريعة من التداول على السلطة والفصل بين السلطات في المجال السياسي ومقاصد العدل في الفقه الإسلامي المعاصر.
وفي ختام الندوة دار نقاش ثري بين الـمـحـاضرين وجمهور الحاضرين، تعرّض بالخصوص إلى كيفيّة أن تكون مقاصد الشريعة إطارا مرجعيّا للعمل السياسي، وإثر ذلك أقيم حفل توزيع جوائز مسابقة الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين "دور علماء الزيتونة في تجديد الفقه المالكي".