في سياق التمهيد لأعمال الدورة العلمية الثانية عن "مقاصد الشريعة الإسلامية في ضوء السنة النبوية الشريفة: منهجية الكشف عن مقاصد الشريعة من السنة النبوية، وتنزيلها"، احتضنت قاعة العميد محمد الكتاني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي في تطوان، بالمملكة المغربيّة، يوم الثلاثاء 23 أبريل 2019م، محاضرةً علميةً عامة موسومة بـ "نظرية الموارد والمقاصد في صيانة السنة من الدخيل والوارد"، أعدّها وألقاها فضيلة العلامة الدكتور الأخضر الأخضري حفظه الله.
حضر هذا المحفل العلمي العامر ممثلون عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي؛ يتقدمهم المدير التنفيذي، السيد صالح شهسواري، السيد محمد دريوش، مسؤول المشاريع والمنشورات لدى المؤسسة، وممثلون عن مركز المقاصد للدراسات والبحوث، بينهم د.الحسين الموس، نائب مدير المركز، و د. محمد عوام، وطائفة من أساتذة شعبة الدراسات الإسلامية التابعة لكلية الآداب بتطوان، بينهم د. مصطفى المكتوني، ود. محمد الصمدي، ود. عبد الواحد بوشداق، ود. هشام تهتاه؛ وزهاء 120من الطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه وسلك الماستر.
افتُتح هذا المجلس بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبتها كلماتٌ ترحيبية، تقدم بها -على التوالي- كلٌّ من د. عبد الواحد بوشداق عن شعبة الدراسات الإسلامية، والسيد صالح شهسواري عن مؤسسة الفرقان، ود. الحسين الموس عن مركز المقاصد؛ ثم أعطيت الكلمة للدكتور الأخضر الأخضري لإلقاء محاضرته القيمة.
استهل الدكتور الأخضري محاضرته بالحديث عن ارتباط تدوين العلوم بتعاقب الزمان صلاحًا وفسادًا، وتكاثر الأقضية بحسب تغير طبائع الأنفس اعتدالًا واستبدادًا، وأشار إلى أن مجموع ذلك يقتضي جمع شتات الأحكام في كليات، وتخريجها على القواعد الهاديات، وإن لم يدل على المحكوم عليه برهان جزئي مشهود؛ لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
وقد أكد فضيلته على أن مصدرية القرآن لازمت أمةً أُمِّيةً قد سلمت من خسة العجمة البيانية ونظيرتها الاستدلالية، وذلك باعتمادها على السنن الكونية الخبرية بله التشريعية، وما تقرر في أزمنة التكليف من العوائد والحروف والأساليب ... وأكد على أن المتتبع لمسيرة الخطاب الشرعي يقطع بصفاء أذهان المتلقين له، وسعة خيالاتهم، وذكاء عقولهم، على وجه لم يعهد فيه أن صحابيا رجع إلى رسول لله عليه الصلاة والسلام في فهم شيء من القرآن، إلا في مواقع المغيبات الربانية أو الإيضاحات التفويضية.
ونبّه إلى إن توارد الأقضية، باعتبار تعاقب الأزمنة، يجلب الحاجة إلى تقعيد المسلمات المنهجية والاستدلالية، دفعا للإيرادات والشبهات؛ ولهذا أضحى تدوينُ السنة - بعد الرعيل الأول - وصيانةُ أسانيدها ومتونها من كل دخيل ووارد أمرًا ضروريًا، انبرى له الأمراء والعلماء ... وقد أكد فضيلته على أن عدم تدوين سنةٍ معينةٍ لا يلزم منه عدم وجودها، لأن عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود ... ومعترك النظر في هذا المقام يجليه اقتناص المناهج من السنة النبوية، مع بيان المقاصد المرعية بشواهدها القرآنية، وجهود الصفوة الأبية؛ وفي هذا الصدد تحدث عن: توثيق الآثار والسنن بمناهج الاعتبار، وتوثيق السنن باعتبار مدرسة الحديث.
ثم انتقل سعادته إلى الحديث عن الجهود العلمية في خدمة السنة النبوية؛ على وفق المراتب التالية:
أولا: جهود المحدثين. ذكر فيه احتفاء أهل الحديث بالمرويات النبوية، ضبطًا وتحريرًا وأحوالًا، من حيث القبول والرّد، وأنهم انتخبوا من الألفاظ ما يعكس المناسبات والمقاصد.
ثانيا: جهود الأصوليين. توسع في هذه المسألة كثيرا، فأشار في الأول إلى تعدد عبارات القوم ومناهجهم في الاعتبار بالسنن، وأشاد بشدة اعتنائهم بمتون الأحاديث بله أسانيدها، وعرض جملةً من الشروط التي اشترطوها في قبول الأخبار؛ ثم بسط القول في بيان المنهج الظاهري؛ وثنّى بالمنهج الأصولي عند الحنفية؛ وختم بالمنهج الجامع، وهو منهج المالكية، القائم على تفسير النصوص الجزئية في ظل التأصيلات الشرعية.
ثالثا: المنهج المقاصدي. بيَّن الدكتور الأخضري أن هذا المقام يرتقي فيه العاني من ضبط العلوم وتحصيلها إلى توظيفها وإعمالها، على وجه يتذرع فيه بالوسائل الشرعية لملامسة المراد، وفيه تأخذ الوسائل حكم غاياتها من حيث الشرف والتشوف. وقد ذكر في هذا الباب طرق الكشف عن المقاصد عند الشاطبي، ثم عند محمد الطاهر ابن عاشور، مستدركا عليهما مسالك أخرى تسعف على الكشف عن مقاصد الشارع، وهي: لمقامات الكاشفة (مقام اللسان العربي، مقام العوائد، مقام التعليل، مقام المعاشرين، مقام التعبد)
لمعهودات الشرعية
لأوصاف الكلية
لم الميزان والمناسبات
عالم الارتقاء.
ثم انتقل الدكتور المكرّم إلى الحديث عن منهج التصنيف المقاصدي للسنن، وهو منهج طريف، لا يخلو من جدّة وجدوى، قوامُهُ:
- تخريج المقاصد الجزئية بعلم المقامات.
- الارتقاء إلى المقاصد العظمى بالاستصعاد.
- ترتيب الكتب والأبواب المقاصدية. ومن الأبواب التي اقترحها الدكتور المحاضر: مقصد الستر، مقصد إعلاء الهمم، مقصد رعي الحظوظ، مقصد التعمير، مقصد رعي العهود، مقصد تعظيم الشعائر والشرائع، الخ.
وقد ختم الدكتور الأخضري مداخلته القيمة بضرب مثلٍ مستفيضٍ لإعادة تصنيف السنن على التبويب المقاصدي؛ اختار له مقصد [الستر]، فتوسع فيه توسُّعا ملحوظا، بحيث كسره على أبواب وفصول بديعة، جاءت مطبّقة بالأحاديث النبوية الشريفة.
وبعد الانتهاء من المحاضرة التي دامت قرابة ساعة ونصف، فُتح باب المناقشة للحضور؛ أساتذةً وطُلّابًا؛ فتكاثرت السؤالات المعرفية، والإشكالات المنهجية؛ تتلوها الإجابات الماتعة والإضافات النافعة.
وفي الأخير، اختُتم هذا المجلس العلمي المبارك بكلمات صادقات، عذبة متدفقات، تُعبر عن أسمى معاني الشكر والثناء، وصالح الدعاء، لكل من كان سببا في إنجاح هذا اللقاء، وخصوصا: الجهة المنظمة: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، والجهة المحتضنة: كلية الآداب بتطوان، والأستاذ المحاضر د. الأخضر الأخضري، وسائر الأساتذة المكرمين والطلبة الباحثين.
أعمال المحاضرة على قناة اليوتوب