إشكالية إدراك المصالح الكبرى للأمة: رؤية نقدية أصولية ومقاصدية وسياسية د. إبراهيم البيومي غانم نظم مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، بالتعاون مع جمعية فضاء الأطر، محاضرة تحت عنوان: "إشكالية إدراك المصالح الكبرى للأمة: رؤية نقدية أصولية ومقاصدية وسياسية"، مساء الاثنين 11 شعبان 1438ه الموافق ل 8 مايو 2017، برحاب المدرسة الفندقية في المحمدية، بالمملكة المغربية.
ترأس جلسة المحاضرة الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا، الذي عرّف بالمحاضر علميا، ليتساءل كيف يمكن للمصالح الكبرى أن تكون موضوعا إشكاليا؟
لتنتقل الكلمة بعد ذلك إلى المحاضر، الأستاذ الدكتور إبراهيم البيومي غانم، الذي حاول تبيين مفردات العنوان بدءا من مفهوم الإدراك، مبينا أنه له دلالتين رئيستين؛ أولاها دلالة الوعي وثانيها دلالة الإنجاز. ثم تحدث عن أسباب اختيار الموضوع، ومرد ذلك إلى النقص الكبير في معالجة مفهوم المصلحة العامة أو ما يعبر عنه قديما بالمصلحة المشتركة. وأكد الدكتور غانم أن هذا الموضوع إشكالي لأنه متعدد الأبعاد، متشعب الأطراف، كما أن هذه الإشكالية دخلت في مركز الأزمة الحضارية لأمتنا منذ أزيد من ثلاثة قرون، ومن ثمّ، فإن التعامل معها هو أحد المداخل المهمة التي يمكن أن يخرجنا من هذه الأزمة.
وأكد الدكتور غانم غياب التراكم النوعي في مقاربة مثل هذه المواضيع، كما أشار إلى النقص في مجموعة من الحيثيات المرتبطة بالمصلحة العامة متسائلا: من يكفل المصلحة العامة؟ وما هي الأساليب التي تكفل تحقيقها؟
وما وسائل المحاسبة للمنوطين بتحقيقها؟ وبعد ذلك انتقل الدكتور غانم إلى بيان مقصوده بالمصلحة الكبرى، مجليا اشتقاقاتها اللغوية، وكذا مواردها في القرآن، لينتقل إلى بيان مدلولها في الاصطلاح، كما توقف عند تقسيماتها، مبينا أنها قد تكون خاصة ببلد أو بإنسان، لكنها تؤسس على المعايير الإسلامية، مشيرا إلى أن المصلحة قد تكون عامة في وقت وغير عامة في وقت آخر، كما هناك مصالح متغيرة وأخرى ثابتة، وأخرى شمولية وأبدية.
وألمع الأستاذ المحاضر إلى أن مفهوم المصالح الكلية يدخل في تكوين وبناء المرجعية النهائية للرؤية الإسلامية، فهو ليس بالمفهوم الهين، كما قال، إذ إنه يتمحور حول المبادئ والقيم العليا التي يؤمن بها أبناء الأمة، كما يشكل الأهداف التي تصفها لنفسها هذه الأمة وتسعى لتحقيقها، جمعا بين الجوانب المعنوية القيمية والجوانب المادية.
كما دعا الدكتور غانم إلى اجتراح مقاييس لتنزيل المقاصد العامة للشريعة، لقياس أداء البرلمان والحكومة وغيرها مما له علاقة بتدبير المجال العام، وجعل المصلحة محلا للمساءلة والمحاسبة للنظر في مدى تحققها.
وانتقل المحاضر ليبين أن الأصوليين يقاربون مفهوم المصلحة من خلال ثلاثية الضروريات والحاجيات والتحسينيات، أو المصالح الراجحة والمرجوحة وغيرها من التقسيمات النظرية، وقلّ الحديث عن تنزيلها وخدمتها لقضايا الأمة. كما بيّن أن هناك تقسيمات كثيرة للمصلحة في السياق المعاصر؛ ولأهمية مفهوم "المصلحة"، فإنَّه يكثرُ استعمالُه في الخطابات المختلفة: الأصولي، والسياسي، والقانوني، والاجتماعي، والفلسفي. إلا أنَّ كثرةَ استعماله هذه لا تؤشر على وضوحِ معناه، كما لا تعني وجود اتفاقٍ بين منتجي تلك الخطابات؛ فالحكام يشيرون إلى المصلحة القومية، وعلماء الاجتماع يناقشون المصالح المتعلقة بقوانين الاجتماع، ويتحدث الفلاسفة عن الخير العام والسلم؛ وذكر المحاضر أنه لا توجد قنوات اتصال بين هذه المجالات لصوغ المصالح الكبرى وتنفيذها.
ثم خاض الأستاذ في إشكال المصلحة الثابتة والمتغيرة، القطعية والظنية، وسرد أقوال العلماء في المسألة وحرر محال النزاع، ليعرج بعد ذلك على السياق التاريخي لتطور فكرة المصلحة العامة، كما تحدث عن علاقة المصلحة العامة بالسياسة الشرعية، وكيف استولت السلطات على مفهوم الطاعة، مشددا أن الطاعة في المجال العام مشروطة بالشورى، فتكون بذلك قرارا جماعيا ملزما. وأكد المحاضر أنه في السياق التاريخي أزيل اعتبار السواد الأعظم في مشروعية الطاعة، ومن ثمّ، ألغي مفهوم الشورى في تقدير المصالح العامة.
وفي ختام محاضرته، أكد الدكتور إبراهيم البيومي غانم أن المصالح الكلية الثابتة التي لا تتغير هي الكرامة الإنسانية والعدالة والحرية والسلم العام، ودعا إلى ضرورة تعميق النظر في هذه المصالح، بتحديد مفاهيميا وتأسيسها علميا، بحيث تتراكم فيها البحوث، إضافةً إلى ضرورة تربية الأجيال الجديدة عليها، بدءا بالأسرة والمسجد والإعلام، حتى تغرس هذه الثوابت في الوعي الجمعي.