قام مركز دراسات المخطوطات الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، بالتعاون مع مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة (المملكة المتحدة) بتنظيم ندوة بعنوان "العلوم والهندسة في التراث الإسلامي"، وذلك يوم السبت 18 مارس 2017م، بالمقر الرئيسي لمؤسسة الفرقان بلندن.
سلطت الندوة الأضواء على قسم من إسهامات العلماء المسلمين في شتى حقول المعرفة، وبوجه خاص علوم الفلك، الحساب، الفيزياء، البصريات، الهندسة والأدوات العلمية، مع التركيز على الأعمال الكبرى وتراث العلماء الرواد في تلك المجالات. كذلك، تناولت الندوة سبل نقل هذه الإسهامات إلى الفضاء العام، بهدف ترسيخ الإحترام المتبادل بين الثقافات.
قامت الندوة على خمسة جلسات، بمشاركة 14 متحدث، وحضور 50 من العلماء والأكاديميين المتخصصيين في حقول العلم والتراث الإسلامي؛ وقد تضمنت كل جلسة فقرة من النقاش المفتوح حول الموضوع وردود على أسئلة الحضور.
افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية ألقاها السيد شرف يماني، عضو مجلس إدارة مؤسسة الفرقان، وضح فيها عمل المؤسسة في مجال دراسة التراث الإسلامي المخطوط بصفة عامة، وبشكل خاص جهود مؤسسة الفرقان في مجالات العلوم التطبيقية والهندسية في التراث الإسلامي؛ وقد نوه الى نظرة المؤسسة الى التراث باعتباره جزء من المشترك الإنساني.
الجلسة الأولى:
ترأس السيد بيتر فيل الجلسة الأولى وعنوانها "مقدمة في تأريخ العلوم". كان المتحدث الأول في هذه الجلسة الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، الأكاديمي والدبلوماسي التركي، وعضو مجلس إدارة مؤسسة الفرقان. و الأستاذ الدكتور إحسان أوغلو ، الذي كان قد ساهم في تأليف كتاب "تاريخ المؤلفات العثمانية العلمية" المكوّن من 18 مجلد، قدم محاضرة بعنوان "نظرة عامة على المؤلفات العثمانية العلمية". أشار الأستاذ الدكتور إحسان أوغلو الى أهمية كتاب "تاريخ المؤلفات العثمانية العلمية" من جهة أنه جهد علمي استغرق إصداره ثلاثة عقود من الزمن. ويكشف هذا العمل عن كم هائل من المعلومات حول الأنشطة العلمية في القرون الستة من العهد العثماني. وقام الأستاذ الدكتور إحسان أوغلو في محاضرته بتقديم نتائج إحصائية بشكل تحليلي على هيئة جداول من عملية مسح لـ4897 كاتب، و4681 كتاب، وعدد كبير من المخطوطات. وقد بيّن أوجه التأليف المختلفة في المجالات العلمية المتنوعة (الفلك، الحساب، الجغرافيا، الطب، الخ…) والتفاعل بين العلماء من الأنحاء المختلفة من الإمبراطورية العثمانية في أقاليمها الأوروبية، والأناضولية، والعربية. وقد سلّطت الورقة الضوء على بدايات الإتصال بالعلم الحديث الصادر عن غرب أوروبا.
قام المتحدث الثاني، الأستاذ الدكتور ويليام ر. شيا، أستاذ التاريخ وفلسفة العلوم بجامعة مكغيل في مونتريال بعرض ورقته المعنونة "توسيع تأريخنا"، حيث نوّه إلى أهمية دراسة التاريخ من منظور شامل لتاريخ العالم، لاسيما وأنه قد أشار إلى أن أي فشل في فهم التراث الإسلامي سيحرمنا من فهم أوروبا أو بقية العالم. كما أشار الأستاذ الدكتور شيا إلى أن النشاط العلمي الغزير في أوائل القرون الوسطي كان في بلاد النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك في الطب، أو الحساب، أو الفلك. وقد كانت إسهامات العرب في الميكانيكا والهندسة ذات أهمية قصوى؛ منوها بأن تحقيق وترجمة كتاب"متن المظفّر الإسفزاري" قد عزّز من جهد تأريخ العلوم. أنهى الأستاذ الدكتور شيا محاضرته بذكر التراجع الذي أصاب التاريخ كمادة دراسية، والحاجة الى التوجه الى المعارض وعرض التحف لنيل تفاعل الجمهور في التبادل الحضاري للمعرفة.
كان المتحدث الثالث في الجلسة الأولى الأستاذ الدكتور تشارلز بيرنيت، أستاذ تاريخ التأثير العربي/الإسلامي على أوروبا، بمعهد واربورغ - جامعة لندن، حيث قدّم محاضرة بعنوان " الحقيقة العربية: بحث الأوروبيين عن "الحقيقة" في الثقافة الإسلامية في العصور الوسطى". في مساهمته، شرح الأستاذ الدكتور بيرنيت معنى فكرة "الحقيقة العربية" بين الأوروبيين الغربيين في العصور الوسطى، حيث قام باستكشاف التناقض الظاهر بين إدانة المسيحيين الشاملة للإسلام، وقبولهم بلا نقاش لمنتوج لحضارة الإسلامية. ففي الحقيقة، فإن العلماء العرب، خاصة المشتغلين بالنصوص العلمية، لم يكن ينظر اليهم فقط بأنهم أمناء مع النص الذي نقلوه من اليونان أو أى مصادر أخرى، بل بصفتهم دعاة الى استخدام العقل والتفكير العقلاني في تحليل وإجابة تلك المسائل التي لم يستطع علماء اليونان الإجابة عليها فيما سبق؛ وبالتالي، فقد إعتبرهم العلماء الأوروبيون مصادر ذات قيمة ومصداقية.
الجلسة الثانية:
ترأس الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو هذه الجلسة، وعنوانها "الفلك والحساب في التراث الإسلامي". كان المتحدث الأول في هذه الجلسة الأستاذ الدكتور جورج صليبا، أستاذ العربية والعلوم الإسلامية بجامعة كولومبيا، وكان عنوان ورقته "الإستخدام الواسع للمصادر العربية/الإسلامية في أوروبا النهضة وما بعدها"، حيث ركّز على أعمال العلماء الأوروبيين الذين استخدموا مصادر عربية/إسلامية لدعم وتوسيع علمهم. قامت المحاضرة بدراسة أعمال العلماء الأوروبيين من عصر النهضة الى القرن السابع عشر الميلادي وما بعد ذلك؛ أى هؤلاء الذين استخدموا مصادر عربية في المجالات المختلفة، وعلّقوا عليها بخطّهم. كل ذلك في عملية إنتاجهم للعلم الأوروبي ما قبل الحداثة، منهم: أندرياس فيساليوس، لازاروس هبرايوس دي فريغايس، جيامباتستا ديلا بورتا، وجون غريفس، بالإضافة الى عدد من صانعي خرائط الكرة الأرضية من الهولنديين والفنيين الآخرين الذين انصبّ اهتمامهم على الأدوات العلمية العملية التي تم تطويرها في العالم الإسلامي.
أما المتحدث الثاني في هذه الجلسة، الأستاذ الدكتور جون كينغ، أستاذ تاريخ العلوم بجامعة جوتة بفرانكفورت، فقد قدم ورقة بعنوان "العلم في خدمة الإسلام". وقد بيّن الأستاذ الدكتور كينغ كيف أن تطبيقات العلم في خدمة الإسلام ليس لها مثيل في تاريخ الحضارة الإنسانية، حيث أدى ذلك الى ظهور العديد من الإختراعات الجديدة. ففي مجال الحساب مثلاً، كان ضبط مواقيت الصلاة يقع ضمن الإطار الأوسع الشامل لتحديد الوقت، من خلال القياسات الفلكية للشمس والنجوم. وذلك باستخدام جداول فلكية موسّعة وآلات معقّدة. كذلك فإن ضبط القبلة يقع في إطار الجغرافيا الحسابية، من خطوط الطول والعرض، والرياضيات التطبيقية. وقد تعرّض الأستاذ الدكتور كينغ الى الوهم الذي وقع مؤخراً (من غيبسون، ميوس، وهولاند) للممارسات الأولى للمسلمين، حيث نوّه إلى أن أفضل الوسائل لمواجهتها هو اكتساب المعرفة بخصوص ما كان المسلمون يعملونه فعلاً، من خلال دراسة المصادر المخطوطة والتحف الأثرية المتبقية من العالم الإسلامي وغيره.
الجلسة الثالثة:
ترأست الدكتورة آن-ماري برينان الجلسة الثالثة، وعنوانها "البصريات والنظر في التراث الإسلامي". كانت أولى محاضرات هذه الجلسة من إلقاءالأستاذ الدكتور محمد القماطي، أستاذ الإلكترونيات بجامعة يورك في المملكة المتحدة. قام الأستاذ الدكتور القماطي في محاضرته بعنوان "من ابن الهيثم إلى أحمد زويل: ألف عام من العطاء في أجهزة التصوير" بالتركيز على مسار تطوّر أجهزة التصوير البصرية عبر التاريخ وحتى اليوم. فالتسلسل التاريخي والشخصيات الرئيسية التي كانت من وراء هذه الإختراعات تظهر - وبشكل قاطع - التلازم العضوي بين التطور في المجالين العلمي والتقني. كما سلطت هذه المحاضرة الضوء على استمرار استخدام بعض المخترعات القديمة في الكثير من التطورات التي يشهدها عالم اليوم، خاصة تلك التي تعود إلى التراث الإسلامي (مع التركيز على أعمال ابن الهيثم).
قام الأستاذ الدكتور زيغفريد زيلينسكي، أستاذ النظرية الإعلامية بجامعة الفنون في برلين، بإلقاء المحاضرة الثانية من هذه الجلسة بعنوان "تصور ابن الهيثم للنظر – منهجية إعلامية أثرية". وقد أشارالأستاذ الدكتور زيلينسكي إلى قيام العلماء المسلمين بتوفير منهجية لتناول العلوم، تقع في إطار "ما بعد الحداثة" (post-modernism)، حتى قبل أن ينشأ هذا المصطلح، على خلاف أطروحات كبار الفلاسفة الأوروبيين (مثل هيغيل وكانت). و أبرزالأستاذ الدكتور زيلينسكي بشكل خاص كتاب المناظر لابن الهيثم كمثال، وهو عمل معتبر ومن أهم الإسهامات في تاريخ الإدراك البصري وتفسير بناء الصور. حسب رأي الأستاذ الدكتور زيلينسكي، فإن هذا العمل إسهام مهم من وجهة النظر الإعلامية الأثرية، بسبب تنويه ابن الهيثم إلى "ما بين الجسمية" (inter-objectivity)، أي أن الجسم الذي يعكس الضوء ليس كامن أو غير فاعل (passive)، بل يشكل احتمالية (potentiality). وهذا التصور معبّر بشكل كبير عن النظريات الإعلامية التقنية الحالية، التي تحلل الحوار والصلات ما بين الأجسام. وركّزالأستاذ الدكتور زيلينسكي على ثلاث نواحي من عمل ابن الهيثم، والتي تجعل منه عالم حديث، ألا وهى: المنهجية التجريبية لتصوره للنظر، والآثار العصبية المترتبة، وحداثتها كتصور لتوليد وتعكيس الصور.
جاءت المحاضرة بعنوان "ابن الهيثم وتأثيره على الثقافة الغربية ما بعد العصور الوسطى" كثالث المساهمات في هذه الجلسة. وقد ألقاها الأستاذ الدكتور شارلس م. فالكو، الذي يعمل في كل من قسم العلوم البصرية وقسم الفيزياء بجامعة أريزونا، وكذلك يشغل كرسي يو آي لفيزياء المادة المكثّفة. وقد استعرض الأستاذ الدكتور فالكو مشروع بحثي قائم بالتعاون مع دافيد غريفز ودافيد هوكني. وقد ركّز على كتاب المناظر لابن الهيثم وإسهاماته الفكرية التي تم دمجها في صلب الثقافة الغربية ما بعد العصور الوسطىى. وقد شرحالأستاذ الدكتور فالكو كيف أن عمل ابن الهيثم على نظام البصر الإنساني قد أطلق سلسلة متصلة من التطورات تربط علماء القرن الواحد والعشرين بابن الهيثم في القرن الحادي عشر الميلادي. ولكن يبقى أثر ابن الهيثم على مجالات واسعة، مثل الدراسات اللاهوتية، الأدب، الفن، والعلوم في أوروبا غير مطروق بشكل يتناسب وهذا الأثر.
كانت الدكتورة سايرة مالك، أستاذة الدراسات الدينية بجامعة كاردف (المملكة المتحدة) هى المتحدثة الأخيرة في هذه الجلسة الثالثة بمحاضرتها "كمال الدين الفارسي في البصريات: على خطى الحسن ابن الهيثم؟". وقد شرحت الدكتورة مالك في هذه المحاضرة بأن عمل كمال الدين الفارسي قد انطلق من كتابات ابن الهيثم في عمله "المناظر"، إلا أنه أخذ منحى مختلف تماماً من تأليف ابن الهيثم من حيث الهيكل، والمحتوى، والتصور. فـكمال الدين الفارسي (ت. حوالى 1320هـ) من الشراح المعروفين لعمل ابن الهيثم الشهير، المناظر، والذي يعد عمل جليل في تاريخ العلوم، خاصة العلوم الفيزيائية.
الجلسة الرابعة:
ترأس السيد شرف يماني الجلسة الرابعة، وعنوانها "الهندسة والآلات فى التراث الإسلامي".
وقد ابتدأت الجلسة بمحاضرة تحت عنوان"مقدمة عن الماكينات الأوتوماتيكية في الحضارة الإسلامية"، من إلقاء الأستاذ الدكتور سليم الحسني، أستاذ الشرف بجامعة مانشستر، ورئيس مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة . وقد رصدت هذه المحاضرة نمو وتطور الماكينات الأوتوماتيكية في الحضارة الإسلامية، تطرقت إلى كيفية قيام المخترعين في الحضارة الإسلامية بإحداث تقدم مبني على إنجازات الثقافات السابقة (بلاد ما بين النهرين، مصر، اليونان، فارس، الصين، والهند) وذلك بشكل تدريجي، وكيف قاموا بتطوير آلات جديدة ومعقّدة لقياس الوقت، والريّ، والترفيه. وقد عرض الأستاذ الدكتور الحسني أمثلة من هذه الماكينات الأوتوماتيكية، مستخدماً صور ثلاثية الأبعاد، تم تركيبها بناء على أوصاف وجدت بمصادر أولية، باستخدام رسومات هندسية حديثة. وقد تضمنت هذه النماذج: ساعة الخليفة هارون الرشيد التي أهداها الى شارلمان، وساعة ابن الهيثم المائية الفريدة، وبعض آلات المرادي من الأندلس، والجزري وتقي الدين في تركيا، وساعات رضوان الساعاتي في دمشق، وساعات بوعنانية والقرويين في فاس. وقد خلص الأستاذ الدكتور الحسني إلى أنه، مع الأسف، توجد فجوة قدرها حوالي ألف سنة في مناهج التعليم، تتجاهل مساهمات الثقافات الغير أوروبية، كالصينية، والهندية، والفارسية ، والمسلمة.
كان المتحدث التالي الأستاذ الدكتور أندريا برناردوني، الباحث والقائم على معهد تاريخ العلم بفلورنسا (ايطاليا)، وكان عنوان محاضرته "آثار وصلات التراث الإسلامي بمخطوطات ليوناردو دا فنشي". وقد ناقش الأستاذ الدكتور برناردوني أمثلة مباشرة وغير مباشرة لتأثير الإسهامات العلمية العربية والإسلامية على عمل ليوناردو دا فنشي في مجالات الهندسة، والفنون، والعلوم. بالنسبة للآلات الهندسية، فقد جاءت التأثيرات من السياق الإسلامي بشكل رئيسي، من خلال الطرق التجارية، والمسافرين بين الشرق الأوسط وأوروبا. ففي بواكير القرن السادس عشر الميلادي راودت ليوناردو دا فنشي فكرة الإنتقال الى بلاط السلطان بايزيد الثاني والعمل في مشروع جسر عبر مضيق البوسفور. ومن حيث المعارف العلمية والفنون فقد كانت المخطوطات والترجمات للمصادر العربية ذات التأثير الرئيسي على عمل ليوناردو دا فنشي؛ من مثال أعمال الكندي وابن الهيثم في البصريات والطقس، وابن سينا في التشريح والطب.
المتحدث الثالث في هذه الجلسة،الأستاذ الدكتور خوليو سامسو، أستاذ فخري في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة برشلونة، ألقى محاضرة بعنوان "دوناش ابن تميم وآلة ذات الحلق (Armillary Sphere)". في محاضرته، حلّل الأستاذ الدكتور سامسو محتوى رسالة دوناش، وبيّن أن علم دوناش بعلم الفلك الكروي كان محدوداً بعض الشئ. وأبو سهل دوناش عالم تونسي، ولد في القيروان، وكان من تلاميذ الطبيب والفيلسوف المعروف إسحاق بن سليمان الإسرائيلي (القرن الرابع الهجري/ العاشر ميلادي)؛ وكان يعمل طبيباً عند الخلفاء الفاطميين. وقد كتب هذه الرسالة عن ذات الحلق، مرافقة لآلة حقيقية صنعت لـ محمد بن الحسين، وهى نسخة فريدة محفوظة بـآياصوفيا، تحت رقم 4861، وتاريخ نسخها 613هـ/1217م. تصف الرسالة حاسوب تناظري، مثل الأصطرلاب (ذات الصفائح )، وليس أداة رصد. تنقسم الرسالة الى جزئين: (1) مقدمة و (2) مجموعة من 43، تطبيق لذات الحلق. وقد أضاف إلى هذه القائمة إستطرادات طويلة حول موضوعات ليست ذات صلة باستخدامات ذات الحلق، أو حيث يكون استخدامها كمؤيد بصري، للمساعدة في فهم النظرية القائمة عليها. وفي كثير من الأحيان، كانت هذه الإستطرادات مقالات كلامية تتعلق بإثبات الخالق.
ألقى الأستاذ الدكتور غلين كوبر، الأستاذ المساعد الزائر بقسم التاريخ بكلية كلاريمونت ماكينا، المحاضرة الأخيرة في الجلسة الرابعة، وعنوانها "الأصطرلاب والزيج كأدوات تعليمية ونقل المعرفة العلمية من الحضارة الإسلامية". وقام الأستاذ الدكتور كوبر بتقديم الأصطرلابات والزيج أو الجداول الفلكية الإسلامية مبيّناً أنها كانت تحسيناً لسابقاتها من اليونان؛ وقد استخدمت لتعليم غير المختصين بعض المفاهيم الفلكية الأولية، وللمساعدة في تسريع حساب مواقع النجوم والأجرام وعوامل تنجيمية أخرى. وكل من الأصطرلاب والزيج ينطوي على تركيبات مثلثية معقدة، فما على المستخدم إلا إدارة قرص، ووضع بعض العلامات في محاذاة بعضها ثم يقرأ النتيجة من الأصطرلاب، أو يقوم ببعض الحسابات البسيطة على الجداول لتحديد مواقع النجوم. بالإضافة، فقد كان الأصطرلاب أداة مهمة لنقل علمي الحساب والفلك إلى أوروبا. وفي الختام، شرحالأستاذ الدكتور كوبر الدور المفيد لكل من الأصطرلاب والزيج في تدريس مادة تاريخ العلم في الحاضر، كونها تساعد الطلاب على فهم التطور التقني للحضارة الإسلامية. وقد ناقش ثلاث نماذج من الواجبات أو الأنشطة المعملية؛ حيث يقوم الطلاب (1) باستخدام الجداول في حساب ميزات مختارة من جداول ميلادهم (موقع الشمس والمريخ، والبرج) ؛ (2) صناعة أصطرلاب من الصفر، مستخدمين قلم الرصاص، والبوصلة، والورق المقوى، والبلاستيك الشفاف؛ (3) تعلم استعمال الأصطرلاب لضبط الوقت وبعض الحسابات المتعلقة بالتنجيم.
الجلسة الخامسة:
كانت الجلسة الأخيرة بعنوان "التراث العلمي في حيز التطبيق"، وقد ترأسهاالأستاذ الدكتور ويليام شيا. الأستاذة الدكتورة كارين بنتو، والتي عملت بشكل مكثّف على الخرائط الإسلامية في مكتبات المخطوطات حول العالم، كانت المتحدثة الرئيسية في هذه الجلسة، حيث ألقت محاضرة عنوانها "تعليم التقنية الإسلامية لطلاب الجامعة الأمريكان: أهمية مشروع ألف اختراع واختراع كوسيلة لتبديد الإسلاموفوبيا". وقد بيّنت الأستاذة الدكتورة بنتو أهمية إعطاء الطلاب الفهم للثقافة العالمية وإسهامات المسلمين في ذلك، في وقت يتزايد فيه التوتر بين العالمين الغربي والمسلم، حيث تمكننا تدريس الحضارة الإسلامية والتقنية من كسر القوالب السلبية عند الغربيين من حيث نظرتهم إلى الإسلام والتاريخ الإسلامي، وذلك من خلال تعريف الطلاب بالثراء والتنوع الراسخ في التاريخ والثقافة الإسلامية، والتقدم العلمي والتقني في العصور الوسطى.
كارين بنتو
الجلسة الختامية:
النقاش والتوصيات
في الجلسة الختامية تفاعل المحاضرون والحضور في نقاش مفتوح انتهى الى مجموعة من التوصيات، أعقبته الكلمات الختامية. حيث قام المدير التنفيذي لمؤسسة الفرقان، السيد صالح شهسواري، بتذكير الحضور بعمل مؤسسة الفرقان من استخراج المطمور من كنوز التراث المخطوط للحضارة الإسلامية، وذلك من خلال مسح، وفهرسة، وتحقيق المخطوطات، وكذلك بتشجيع البحث العلمي والدراسات في مختلف مجالات التراث، خاصة مجال العلوم والتقنية. وقد أطلق دعوة لتقديم مشروعات تحقيق للنصوص العلمية، كما سلّط الضوء على جهد الفرقان في بناء قاعدة بيانات على الانترنت، هى بمثابة بوابة إلى التراث الإسلامي المخطوط، وهى متاحة للجميع. بالإضافة، فقد أشار إلى هدف هذه الندوة في مناقشة سبل تقريب هذا التراث إلى الفضاء العام بشتى الطرق والمبادرات، وكذلك التعاون مع المؤسسات العاملة في ذات الحقل (مثل مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة ومبادرتها ألف اختراع واختراع) لرفع مستوى الوعي بثراء التراث الإسلامي، ودوره، وأهميته، بالإضافة الى تعزيز التقدير والإحترام الثقافي المتبادل.
العشاء المفتوح:
تم افتتاح الندوة يوم الجمعة 17 مارس بحفل استقبال وعشاء أقيم بقاعة تشوملي بمجلس اللوردات البريطاني بلندن، برعاية فخامة اللورد نايت اوف ويموث وفخامة البارونة هوبر.
في هذه الفعالية، التي تم تنظيمها بشراكةبين مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ومؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، تم إطلاق الكتاب "متن المظفّر الإسفزاري في علمي الأثقال والحيل…" في نسختيه العربية والإنجليزية.
قامت الدكتورة بيتاني هيوز، الكاتبة، والمؤرخة، ومقدمة التلفزيون المعروفة، بالإشراف على الحفل، حيث قامت بتقديم أعمال المؤسستين في مجال التراث الإسلامي.
وقد رحّب كل منالأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، عضو مجلس إدارة مؤسسة الفرقان،الأستاذ الدكتور سليم الحسني، رئيس مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، بالسادة الضيوف، وقدما عرضاً مختصراً حول منشأ هذا التعاون، وكذلك التعاضد بين المؤسستين في كل المبادرات الهادفة الى التعريف بالتراث والحضارة الإسلامية.
وبعد هذه الكلمات قام الأستاذ الدكتورخوليو سامسو، الأستاذ الفخري في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة برشلونة، ومن بعده الدكتور أحمد الدبيان، مدير المركز الثقافي الإسلامي بلندن، بتقديم النسختين الإنجليزية والعربية على التوالي، والتعليق بشكل علمي على هذا العمل المميز.
أعمال الندوة على قناة اليوتيوب