ألقى الأستاذ الدكتور إبراهيم شبوح، عضو مجلس الخبراء، في مؤسسة الفرقان محاضرة في 22 سبتمبر 2003 حول " المائدة في التراث العربي الإسلامي" في مقر مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، إيجل هاوس في ويمبيلدون، لندن.
كان عنوان محاضرة الأستاذ الدكتور شبوح ملائماً ومناسباً. إذ درج الكُتّاب في هذا الموضوع على استخدام عبارة "فن الطبخ" مقيدين مقاربتهم بالجوانب المادية والعملية لإعداد الطعام، متجاهلين بيئته الثقافية. أما الأستاذ الدكتور شبوح فقد قدم مقاربة بديلة اخترقت حدود الطبخ وشملت أخلاق الطعام وسلوكه إضافة إلى القيم الاجتماعية والأخلاقية المشمولة في صناعة الطعام واستهلاكه. انطلقت المحاضرة من البدايات الأولى، من الفلاحة. فقد تعاملت المصادر الإسلامية مع جوانب الفلاحة ومظاهرها كلها: الماء، وبستنة الأزهار العطرة والأشجار المثمرة وزراعة المحاصيل. هناك أمثلة في "كتاب الفلاحة" للإشبيلي وفي كتب أخرى ألفها مستكشفون عرب حول التجارة واستيراد التوابل من الشرق.
ثم تطرق إلى أدوات المطبخ والخصائص المميّزة للسيراميك الإسلامي وصناعة الأطباق والقصعات وقدور الطبخ. وكانت صناعة أدوات المطبخ هذه خاضعة لرقابة صارمة للتأكد من عدم استخدام أي مواد رصاصية ضارة في عملية صناعتها. ألقى الأستاذ شبوح الضوء على الاهتمام الذي أولاه العلماء المسلمون في تحديد خصائص كل نبات على حدة وقيمته الغذائية. مبتدئاً بترجمة الأعمال الإغريقية الكلاسيكية، ومنتقلاً إلى تحقيق تقدم كبير في التطور الذي طرأ فيما بعد على الموضوع. أُلفت كتب متنوعة حول الطعام، مثل كتاب إسحق بن سليمان، وكتاب ابن زهر الذي ألفه للخليفة الموحدي.
كانت الكتابة حول المطبخ مقترنة بفهم حواس الذوق والشم. وقد عالج الأطباء هذا الحقل من العلم في بحوثهم ورسائلهم. وصفت الأعمال الأدبية الطعام، وآنيته وبيئة تقديمه. هناك أمثلة كثيرة في المقامات وفي "ألف ليلة وليلة" وكذلك في شعر ابن المعتز وكوشاجيم (Kushajim).
وذكر بصورة خاصة عدداً من الأعمال حول فن الطبخ التي عرفت في الحضارة العربية الإسلامية. من الأمثلة على ذلك: "فن الطبخ" لمحمد حسن البغدادي، والذي طبع في العراق في العام 1934 وترجمه إلى الانجليزية أربري، وكتاب "الوصلة إلى الجيب بالطيبات والطيب"، الذي قيل إن مؤلفه هو ابن الأديم، و"كتاب الطبيخ" لابن سيّار الورّاق. ومن بين الممارسات الجيدة التي أكدتها هذه الكتب هي نظافة الطباخ وتقواه لله. كان هناك نظام الحسبة، وهي رقابة رسمية على الطعام، ومكوناته وإنتاجه.
وكان للأكل نفسه بيئة اجتماعية تراعى فيها أخلاق معينة وقواعد ملزمة. عرض الأستاذ الدكتور شبوح لدى اختتام محاضرته للحضور أمثلة من المخطوطات حول الطعام والسيراميك وأدوات المطبخ التي كانت تستخدم في إعداد الطعام وتقديمه.