نظّم مركز دراسات المخطوطات الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، بالتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك- جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء- والخزانة الملكية بالرباط الدورةَ التدريبية الأولى في تحقيق المخطوطات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، وذلك من 16-6 جمادى الأولى 1434هـ / الموافق من 28-18 مارس 2013م. وتعد هذه الدورة هي الأولى من نوعها في مجال التحقيق التي تنظمها مؤسسة الفرقان في المغرب.
وقد فتَحَت هذه الدورة باب الترشح في وجه الباحثين المحققين أو العاملين بالمكتبات ومراكز البحوث والدراسات، وفي وجه الطلبة المُسجلين بمرحَلة الدِّراسَات العُليَا (المَاجستير والدُّكتُوراه)، أو للسَّادة أعْضَاء هَيئة التَّدريس بالجَامعَات المغربيَّة في مختلف التخصُّصات.
وقد تقدم لهذه الدورة أكثر من 300 مترشح، ولكن لم يُنتَق منهم، لمحدودية المكان، إلا 60 متدربا من الباحثين من الأساتذة والطلاب بصنوفهم المختلفة ذوي المستويات الجامعية العالية، من بلدان عربية وإفريقية، فبالإضافة إلى المغرب، كان هناك مشاركون من اليمن، والجزائر وليبيا وكينيا وغانا- من العاملين في مجال المخطوطات، وكذا الباحثين بالمراكز العلمية، كما أطّرها أساتذة محاضرون من المغرب وخارجه.
عالجت الدورة أصول التحقيق وقواعده العلمية، المنهج وصعوبات هذا العلم ومشكلاته ومعوقاته، وتحقيق مخطوطات الحديث والفقه والعلوم والأدب والتراجم والأثبات والتصوف. كما شملت الدورة الجانبين الأساسيين: محاضرات نظرية وورش تطبيقية.
وفي صبيحة افتتاح الدورة، تناول رئيس قسم المشاريع والمنشورات بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الأستاذ محمد دريوش، كلمة عبّر في مستهلها عن شكره للجهات المتعاونة وترحيبه بالسادة الحضور: من أساتذة ومشاركين ومسؤولي الجامعة والضيوف، وتنويهه بحُسن إقباله واهتمامه، ثم أسهب في شرحه بالتعريف بمؤسسة الفرقان و الهدف الذي من أجله أنشئت، وأهم النشاطات التي تقوم بها من فهرسة وتنظيم دورات ومؤتمرات ومحاضرات ونشر للكتب، ثم لفت الأنظار إلى أهمية مثل هذه الدورات، والهدف من وراء تنظيمها، وتتمثل في استنهاضِ هممِ المتدرّبين وتنمية الوعي المعرفي لديهم، وتعريفهم بأهمية المخطوطات الإسلامية من الناحيةِ العلميةِ والتاريخية، وما تحمله من كنوزٍ مثمرة، وتأهيل جيلٍ جديد من الباحثين المتخصصين في علم المخطوطات، قادرين على خوضِ غمارِه، بحثًا ودراسةً وتحقيقًا.
أما الأستاذ الدكتور أحمد شوقي بنبين، مدير الخزانة الحسنية، فقد نبّه في كلمته على أهمية هذه الدورات، مشيرا في الوقت نفسه إلى عدم كفايتها لتخريج طلبة أكفاء في ميدان التحقيق، ما لم يتم إقرار مادة علم المخطوط بالمؤسسات الجامعية، كي يتعرف الطلبة والباحثون على الدراسة المادية للكتاب المخطوط. تلاه عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، الأستاذ الدكتور عبدالمجيد قدوري، نبّه في كلمته على أن الاهتمام بالتراث ودراسته والتعرف عليه والتعريف به هو من صميم الاهتمام بذاكرة الأمة والاحتفاظ بحضارة مترامية الأطراف زمانا ومكانا، لذلك كان من الضروري ارتباط علم التحقيق بمشروع مجتمعي وانفتاحه على العلوم الأخرى.
وبعد استراحة شاي، بدأت أعمال الدورة بمحاضرتين للدكتور أحمد شوقي بنبين، كانت أولاهما بعنوان "الانتقال من ثقافة النسخ إلى ثقافة الطبع"، أما الثانية فكانت بعنوان "أصول التحقيق العلمي".
وتتالت المحاضرات خلال أيام الدورة المكثّفة، وقد نهل المتدربون من روافدها الثّرَّة، واغترفوا من بحارها الزّاخرة، كل ألوان معارف المخطوطات تحقيقًا وفهرسةً ومدارسةً، مما جعل المتدرّبين والمرشّحين لهذه الدورة التدريبيّة يدركون أهميّة علم المخطوطات، وغناء تراث أمتّنا وثراءه الحضاري، موقنين من خلالها أنّ عمليّة إحياء هذا التراث دَين على الباحثين في جميع فنون المعرفة، وكافة فروعها العلميّة، مقتفين في ذلك أثر من سبقهم من كبار محقّقي تراث هذه الأمة.
اختتمت الدورة يوم الخميس 16 جمادى الأولى 1434هـ، الموافق 28 مارس 2013م، حيث ألقى كل من ممثل الفرقان ومدير الخزانة الملكية كلمة عبرا فيها عن شكرهم للجامعة المستضيفة للدورة وللمجهودات التي بذلت لإنجاحها، كما تناول ممثل الأساتذة والمشاركين كلمات أثنوا فيها على مؤسسة الفرقان وتلوا توصيات المتدربين، تلاها توزيع الشهادات.
أما ما ميّز هذه الدورة فهو قدوم الكثير من المشاركين من مدن بعيدة جدا (أكثر من 700 كلم أحيانا)، ولمدة أسبوعين، كان من بينهم عاجز عن الحركة، رغبة في الاستزادة من علم التحقيق، وما زاد من نجاحها حرص الباحثين الجم على الاشتراك في المداخلات والأسئلة الكثيرة والانتقادات التي دلت على تفاعلهم العميق مع المحاضرين، واستفادتهم منهم؛ وتجلّى كل هذا في الثناء الجم الذي أبداه الطلبة لمسؤولي مؤسسة الفرقان، وخاصة لرئيسها، معالي الشيخ أحمد زكي يماني، الذي آثرهم بهذه الدورة التدريبية الفريدة من نوعها والرائعة حسب وصفهم لها، والتي تميزت بكثافة مواد البرنامج وحسن اختيار المحاضرين والباحثين، وخاصة أنها أتت ثمارها المرجوّة، وحقّقت أهدافها المطلوبة، وقد نُظِّمت بدقّة متناهية وانضباط كبير.
وقد ألحّ المشاركون في طلبهم لرئيس المؤسسة، أن يلبي نداءهم بأن تتكرّر مثل هذه الدورات التدريبية التكوينية في المغرب لمدة أطول تزيد عن عشرة أيام ، خاصة في المدن التي تحتوي على خزائن المخطوطات عامة وخاصة، وهي كثيرة جدًا، لتعمّ الفائدة، وليتعرّف على هذا العلم الجليل عددٌ كبيرٌ ممن لهم به اعتناء، بل ليشيع هذا العلم في عموم الباحثين، وذلك لما أفادتهم به هذه الدورة التدريبية من درر وغرر، لن يجدها الباحثون إلا بعد جهد وعناء. وقد تأسّف الكثير ممن لم يشملهم الاختيار لحضور أعمال الدورة - ويُعدّون بالعشرات- لكثرة المتقدّمين لها.