رغبة في تسليط الضوء على مقاصد الصوم، وبيان كيف يمكن للصوم أن يغيّر فهمنا للعبادة وشعورنا بتحقيق ذواتنا، نظّم مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي محاضرة عامة بعنوان «مقاصد الصوم: تأملات في المعاني»، ألقتها الدكتورة هبة رؤوف عزت، يوم الجمعة 12 يونيو 2015م بمقر المؤسسة بلندن.
استهلّت الدكتورة هبة محاضرتها بتأكيد حقيقة أن مفتاح الفهم لـحِكّم ومقاصد الصوم هو أن ننظر للإسلام بشموله ونتصوّره باعتباره وحدة متكاملة. وقد جزمت بأن المسلمين بحاجة إلى مراجعة مفاهيمهم للشريعة الإسلامية، وأن من واجبنا عند النظر في المقاصد الكلية الخمس للشريعة، ألا نغفل عن مقصد الجمال، وكيف أن شعائر الإسلام لابد وأن تقود إلى "النور" – وهو مصطلح يرد في سياق وصف النص القرآني نفسه. وقد شجّعت الدكتورة هبة الحضور أن يجتهدوا في شهر رمضان في ملاحظة التصورات المتعددة لمعنى رمضان، وتتبّع هذه التصورات لمعرفة ارتباطها بالأحكام الشرعية الأخرى.
مقاصد الصوم
وقد ذكرّت الدكتورة هبة من مقاصد الصوم ما يلي:
"حفظ الدين"
وبيّنت، أن مسالك الناس في صومهم وتعبدهم في رمضان تعكس هذا المقصد. فأداء صلوات التراويح ليلاً، والحرمان من الطعام نهاراً ينتج عنهما إرهاقٌ شديد، ولكنه ليس عنواناً للقبول؛ بل إن أساس الإخلاص في العبادة هو استشعار المرء معية الله في نيته وقلبه أثناء أداء الشعائر. وقد استدلّت الدكتورة هبة بحديث «… إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»[1]؛ وحديث «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»[2].
وقد أشارت إلى أن حفظ النفس (والنفس تشمل الروح) له انعكاس هنا أيضاً؛ فذكر الله أثناء القيام بالأعمال اليومية يؤكد هذا المقصد.
"حفظ العقل"
رمضان هو شهر الصوم وشهر الصلاة، أي أنه شهر "حفظ الدين"؛ حيث يركّز الناس فيه على الأمور الروحية أكثر من المرتبطة بالعقل. ولكن في الوقت نفسه نجد أن عملية التركيز على البُعد الروحي، والسعي إلى فهم القرآن الكريم، تعكسان مقصد "حفظ العقل".
"حفظ المال"
وقد أشارت إلى أن حفظ المال قد يكون بإنفاقه وليس باستثماره؛ والحقيقة في الأمر أن الذي يبقى لنا هو ما أنفقناه. ومن هنا يتأكد المعنى أن الصلة بالله هي العنصر الأساسي في قضية الملكية. وهنا ينبغي أن نسائل أنفسنا عن رأس مالنا من منظور علاقتنا بالله.
أبعاد الصوم
البُعد الغيبي الأخروي
«إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ …»[3]
البُعد الجماعي في رمضان
إن البُعد الجماعي لشهر رمضان يتجلى في صوره المتعددة مثل أداء الزكاة، والاشتراك في الطعام، والسمو على حظوظ النفس بلزوم الجماعة لأداء الشعائر، والاصطفاف بلا تمييز. فقد يكون الصوم من عمل الإنسان في خاصة نفسه، وشأنا بين الفرد وخالقه، إلا أنه يصب في مضمار الجهد الجمعي الاجتماعي.
وقد شرحت المحاضِرة الطرق المتنوعة لاحتفاء المسلمين برمضان حول العالم، وأن هذا التنوع الغني يؤثر ويكيّف تعاملنا مع رمضان.
[1]رواه الشيخان من حديث أبي هريرة.
[2] صحيح البخاري عن أبي هريرة.
[3]متفق عليه.
بُعد الشهادة
حديث «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»[4].
بُعد فهم أن القرآن الكريم أنزل في رمضان
القرآن الكريم نور وروح. فإذا أردنا أن نخرج من رمضان بفهمنا لشئ واحد، فليكن فهمنا لبُعد الروح والنور، أي أن نخرج من رمضان بمزيد من السمو في الروح وزيادة في النور.
تدبّر القرآن الكريم
تحدثت الدكتورة هبة عن كيفية البحث عن أنماط في القرآن الكريم من خلال استكشاف المعاني المتنوعة؛ مثلاً العدل: بتتبع الآيات التي ذكرت العدل، يمكننا أن نستخلص أن العدل نظام أخلاقي: وهو عدل في الدنيا وعدل في الآخرة.
بُعد النفس
وبُعد النفس يمكن تقسيمه إلى خمسة أبعاد أخرى:
- البدن
- العرفان
- الوجدان
- اللسان
- العقل
الجسد في رمضان
في رمضان تتغيّر علاقتنا بأجسادنا؛ وذلك نسبة لغياب العناصر الأساسية لهذه العلاقة (الأكل، الرياضة، الخ). فالصوم بطبيعة الحال يوجد مسافة بين نفس الإنسان وجسده، وهو يكسّر عادة الجسد إلى حدّ ما، ويفسح المجال أمام عوائد الروح والقلب.
بُعد الشهوة
إنّ هذا البُعد ومنه الإمساك عن العلاقة الجنسية في وقت الصوم جدير بالاهتمام، لأنّ "حفظ النسل" مقصد، ولكنّنا نمسك عن العلاقات الجنسية في نهار رمضان لأننا نحتاج إلى أن نفهم أن الواجب ترويض شهواتنا.
بُعد الوقت
من المهم أن نفهم أن القرآن الذي نقرأه هو كتاب يحمل رسالة الله الخالدة، ومن ثم فإن بُعد الخلود يصبح جزءً من حياتنا.
وتتغيّر النظرة إلى الوقت في رمضان من حيث كسر العوائد؛ ومن ذلك، فهمنا بأن غاية الصلاة والعبادة في ليلة القدر هو أن يتمخض عن تصور جديد لفهم الوقت… فهي ليلة نطمح أن يُغفر لنا فيها. وقد أعلمنا القرآن الكريم بأنها خير من ألف شهر، أي تعدل 80 سنة، وبالتالي فإن التركيز في هذه الليلة على العبادات والأعمال الصالحة يساوى تعبّد العمر.
بُعد الفضاءات
مسألة الفضاءات في رمضان جديرة بالتأمّل، حيث يكثر الناس من ارتياد المساجد، ويقومون بالاعتكاف. إذن يقوم الناس بتغيير أماكنهم، ونحن بالمقابل لنا أن نغير من مواضع أرواحنا.
ماذا يحدث عندما نصوم؟
إنّ التصوّر بأن الصوم يؤدي إلى الشعور بحرمان الفقراء ليس صحيح تماماً، لأن الفقراء يصومون كذلك. ولكنها تذكرة بإمكانية زوال النعم التي أنعم الله بها علينا، والإمساك عن الأكل والشرب هو تدريب لنتذكر أن نشكر الله على هذه النعم.
وقد ختمت الدكتورة هبة محاضرتها بالقول أن المرء إذا حصر صومه على الإمساك عن الأكل والشرب، فلن يدرك المعاني المتعدّدة لشهر رمضان.
[4] صحيح البخاري عن أبي هريرة.
عن الدكتورة هبة رؤوف عزت
الدكتورة هبة رؤوف عزت محاضرة نظريات العلوم السياسية، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، وباحث زائر بمدرسة لندن للاقتصاد (LSE) (2015-2016م).
نالت درجة الماجستير عن رسالة «المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية»، والدكتوراه في موضوع «المواطنة دراسة تطور المفهوم في الفكر الليبرالي الأنجلو- أمريكي». وقد عملت محاضرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (2006-2013م)، وأستاذ زائر بجامعة ماسترخت، هولندا (2013م).
من أحدث أعمالها، المشاركة في تحرير قاموس أكسفورد عن الإسلام والمرأة (2013م)، وإصدار عنوانين جديدين باللغة العربية (2015م)، وهما: «الخيال السياسي للإسلاميين» و«نحو عمران جديد».
وتشمل اهتماماتها الأكاديمية أوجه متنوّعة، منها مفاهيم المواطنة، الحداثات المتعددة، السياسات العمرانية، علم الاجتماع في الفضاء الافتراضي، العنف، الهيمنة والسيادة، الديموقراطية والحوار، تاريخ المفاهيم السياسية الإسلامية، والمآلات السياسية لما هو خارج الرسمي.