ألقى القاضي والملحن الموسيقي التونسي المشهور الدكتور محمد صالح المهدي محاضرة حول "مكانة الموسيقى في الحضارة الإسلامية" في 2 مايو 1996 في صالة بيرسيل في قاعة الاحتفالات الملكية على الضفة الجنوبية، لندن. كما قدم المحاضر فواصل موسيقية وغنائية فردية وبصحبة الفرقة الموسيقية التي صاحبته.
افتتح الدكتور المهدي محاضرته بأغاني "الحُـداة" -القوافل التجارية- في عصر الجاهلية، ثم قدم وصفاً ثرياً مفصلاً لتطور الفن (تطور علم الموسيقى كما يسميها البعض) في المراكز الثقافية الكبرى في البلدان الإسلامية ومدنها كالقاهرة وبغداد والحجاز. واستشهد بوقائع تاريخية موثقة من حياة النبي (عليه السلام) وحياة الخلفاء مبيناً موقفهم من الموسيقى. وتحدث أيضاً عن بعض الأعلام (مثل طُوَيّس وابن مسجاه) اللذين أسهما في الحياة الموسيقية في المنطقة.
تعد الموسيقى، كما يرى د. محمد صالح المهدي، بوصفها جزءاً من الحضارة الإسلامية ذات سمة خاصة تميزها عن الموسيقى في الحضارات الأخرى عبر التاريخ.
وتمثل نموذجاً لما هو الأفضل في الشعوب والأمم التي تبنت الإسلام عقيدة لها، لأن الإسلام منفتح على الثقافات وفنونها كلها شريطة ألا يكون لها صلة بالوثنية وألا تنتهك مفهومات العقيدة الأساسية خصوصاً مفهوم وحدانية الله. فالإسلام يُعزّ الذوق الجيد والأصوات الجميلة، وقد استمع النبي نفسه إلى صوت أبي موسى الأشعري وأثنى عليه خصوصاً عندما يتلو القرآن.
كما استعرض التراث الموسيقي المخطوط بدءاً من الكندي ومروراً بالفارابي وانتهاء بابن سينا وقدم وصفاً للمقامات الأساسية وآلات الموسيقى الإسلامية. ووصف كذلك التفاعل المزدهر بين التقاليد الموسيقية العربية والفارسية والتركية، ودور الفرق الصوفية في خدمة التراث الموسيقي.
لقد سرى ابتهاج الدكتور المهدي بنظرية الموسيقى وممارستها إلى الحاضرين الذين ظهر حماسهم بمشاركتهم في الأغنية التي اختتم بها أداءه. فدوّت صالة بيرسيل بأصوات أربع مئة شخص وهم ينشدون مبتهجين بمدح النبي.
في ختام المحاضرة أتحف الدكتور محمد صالح المهدي الحاضرين بعرض موسيقيّ أخير، غناءً وعزفاً على العود، بصحبة عبد القادر الجزائري عازفاً على آلة القانون، وعبد الناصر الأحمر على الطبلة، وحفيديه قيس سانشو على آلة الكمان، وأخيه فارس على آلة الناي (فلوت).