بتاريخ 3 إبريل 1996، ألقى الأستاذ الدكتور يوسف إيبش محاضرة حول الوظيفة المزدوجة للحرف في دمج الحرفي الفرد في:
- منظومة اجتماعية-اقتصادية في ظل الشريعة الإسلامية
- وأخوة روحية للفرق الصوفية بوصفها "السبيل المقدس" الذي يعود بالمرء إلى الله.
إن رمزية الحياكة، بخيوط اللحمة والسدى تشير إلى أسلوبي الدمج (أفقياً / دنيوي، وعمودياً / روحي) يعد بوجه خاص ذا صلة بالموضوع. فقد كان على الحرفي المبتدئ أن يثبت كفاءته ليس فقط بإتقان حرفته فحسب، بل أيضاً بدرجة إيمانه: "فالعمل" و"الإيمان" ينسجان بإحكام تام، إذ لم يكن الحرفي ساعياً للرزق فقط في دنياه، بل كان فوق كل شيء مجتهداً في تزكية نفسه لآخرته.
وهكذا كان المجتمع قد حيك في نسيج قوي ليوازي عِظَم القوة العسكرية للإمبراطورية العثمانية. إذ كان ولاء المرء مبدئياً إلى الإسلام نفسه ومن ثم إلى جماعته التي ينتسب إليها اجتماعياً واقتصادياً، أو جماعته الحرفية وأخلاقياتها.
تدريجياً، انصهر المجتمع وتوحد من ثم أجبر الدولة على التعاون مع النقابات الزراعية والصناعية الموجودة آنذاك.
فطاعة الدولة آنذاك، كانت تتمثل في احترام القانون، دفع الضرائب والمشاركة في الدفاع عن الدولة.
أخذ هذ النظام يتحطم تدريجياً بسبب التطورات الداخلية والخارجية التي حدثت في القرنين التاسع عشر والعشرين. وتطرق الأستاذ الدكتور إيبش إلى جزء من أهم العوامل التي أدت إلى تفكك وانحلال المجتمع التقليدي، الأمر الذي أسفر عن فقدان الرابط الشخصي بين الفرد والمجتمع، وبالتالي انعدام التكامل الاجتماعي والديني، إذ لم يعد للإسلام أثر في تماسك النظام الاجتماعي.
ومما وزاد الأمر تعقيداً وأحدث فراغاً في المنظومة الاجتماعية، نشوء الدولة الحديثة التي كانت تتمتع بقوى قهرية وبطش عظيمة. وكذلك بسبب انهيار المؤسسات التي تحقق هذا التوازن المجتمعي.
هذا هو لب الأزمات والمحن التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم، داعياً بذلك إلى إعادة بناء مجتمع متلاحم على أسس المبادئ الإسلامية. وما نشهده اليوم من فوضى وعنف في مجتمعاتنا ليس سوى مؤشرات على حيوية الإسلام المستمرة.
كان جلياً تأثير المحاضرة على الحضور، خاصة رئيس المؤسسة الذي علق على أوجه الشبه التي عرضها الأستاذ الدكتور إيبش بين دمشق في القرن التاسع عشر وأيام صباه في مكة المكرمة مطلع القرن العشرين.
ألقيت هذه المحاضرة في مقر مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، في إيجل هاوس في ويمبيلدون، لندن.