أنظار في كتاب "الاستذكار" لابن عبد البر النمري

8.11.2022
الرباط، المغرب
المحاضرات مركز المخطوطات
شارك:

من إلقاء أ.د. بشار عواد معروف

قامت مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بتنظيم محاضرة علمية لفضيلة العلامة الدكتور بشار عواد معروف بفندق فرح بالرباط يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 مساء، وكانت بعنوان "أنظار في كتاب "الاستذكار" لابن عبد البر النمري، وقد ترأس الجلسة الدكتور محمد سليم العوا.

 أ.د. بشار عواد معروف

افتتح محاضرته بالقول بأن الإمام ابن عبد البر رجل كبير، لا ينبغي أن أتحدث عنه في دقائق، أو مدة قصيرة، ولقد عشت معه في كتابين عظيمين من كتبه، الأول وهو التمهيد، وقد تفضلت مؤسسة الفرقان بطبعه ونشره، والثاني الاستذكار وأتوقع أن يكون في حجم (التمهيد) في سبعة عشرة مجلدا، أنجزت الكتاب وبقيت الفهارس خلال شهر أنتهي منها.

ابن عبد البر من أسرة عربية تنتمي إلى تيم الله ابن قاصد، استوطنت قرطبة، وولد فيها وتوفي بها سنة 463ه، عاش 95 سنة، ولا أريد الكلام عن سيرته. وكانت له قيمة كبيرة عند علماء عصره ومنهم العلامة الإمام ابن حزم، ولم تتأثر هذه العلاقة بينهما بالرغم من موقف ابن حزم من المذهبية، لأنه يسير على طريق الأثر. وقد نقل ابن حزم عن ابن البر كثيرا. وقد أشاد بمكناته في الحديث أبو علي الغساني الجياني، والذهبي، وغيرهم. وقد كان أولا ظاهريا، ثم تحول مالكيا مع ميل إلى فقه الشافعي في بعض المسائل، وقد بلغ رتبة الأئمة المجتهدين. وهذا معروف من كتبه. مما يظهر معه قيمة ابن عبد البر لاسيما بما حلاه به الإمام الذهبي.

وذكر الدكتور بشار أن ما ترك نسخة لهذا الكتاب إلا وحصل عليها، إلا واحدة بالبصرة بمكتبة باشا أعيان، وهي غير كاملة فقط جزء منها. ويوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية في مصر، تتكون من مجلدين. وهي منقولة عن نسخة أبي طاهر السلفي توفي سنة 575ه، وهو نزيل الإسكندرية. وقد تحدث عن هذه النسخة من حيث أنها متقنة، وهناك نسخة مغربية لكنها غير متقنة، يبدو أن صاحبها بالرغم من خطه الجميل، ليس من أصحاب العلم، فيها من التحريف والسقط وغير ذلك مما لا يوصف.

وعندما لا تتوفر إلا نسخة واحدة، فأنا أسمي هذا التحقيق الصناعي، فما معناه؟  وقد تكون هذه النسخة الفريدة محرفة مثلا، فلا بد من الشك في نص، والبحث عنه حتى تتأكد من النص.

وأود أن أشير لماذا كتب ابن عبد البر (الاستذكار) وهو عنده (التمهيد)، فكثير من الناس يخلطون في هذه المسألة، ولربما حولوا (التمهيد) إلى الترتيب الفقهي. فابن عبد البر كتب كتابين: الأول في الصناعة الحديثية، وهو (التمهيد) رتبه على شيوخ الإمام مالك، ورتب الشيوخ على حروف المعجم، وغايته بيان الأحاديث طرقها وغير ذلك. والثاني (الاستذكار) كان صناعة فقهية، في الفقه المقارن، فلذلك بدأ ترتيب (الاستذكار) على ترتيب كتب (الموطأ)، وقد أخذ في ذلك برواية يحيى بن يحيي الليثي المصمودي المشهورة، ويحيى هذا لم يكن من علماء الحديث، وإنما كان من المرموقين في الفقه، لذلك لم يعتمد المشارقة على روايته على الإطلاق إلا واحد وهو ابن الأثير في (جامع الأصول).

وقيمة (الاستذكار) في ما تضمنه من القضايا الفقهية، فهو في الفقه المقارن، وهذا شيء قد لا نجده في كتب أخرى، وهي قليلة، كالمغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم. و(الاستذكار) كتب بعد الإبرازة الأولى من التمهيد. ثم إن ابن عبد البر لم يترك فقيها من السلف ولا مذهبا من المذاهب إلا واستدل به في المسألة التي يبحثها.

لذلك عمل الدكتور بشار كما قال كشافا جديدا لفتاوى الفقهاء من الصحابة والتابعين والخالفين، جمعنا كل ما قاله ابن عبد البر من فقه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وعائشة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وغيرهم من التابعين وأصحاب المذاهب. حسب ترتيب (الاستذكار)، وكان واسعا في علم الحديث، وفقيها متميزا، ونأى بنفسه عن التعصب المذموم، وكان رحيب الصدر عند قراءته للفقه، وكان متحررا ومنصفا، وذكر أمثلة لذلك.

وذكر الدكتور بشار أنه لا يجوز لإنسان الذي لا يعرف علم الكتاب الذي يحقق، أن يتصدى لتحقيقه. فالمحدث يحقق كتب الحديث، والفقيه أن يحقق في الفقه، لأنه إذا وقف على خطأ في النص يتنبه إليه بسرعة فيحققه، فالتحقيق علم. وعلى المحقق أن ينتبه إلى الأخطاء التي يقع فيها المؤلف، وإذا لم يكن كذلك فكيف يمكن أن يعرف ذلك.

وختم محاضرته بانه لا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ، والذي ينقد، ينبغي ان ينقد الآخر بلطف وبتؤدة، وبأدب لا بالشتيمة، ونحن نجتهد قد نصيب، وقد نخطئ.

صوت وصورة

Back to Top