فَضيلَةِ المسجِدين وَسَاكِنيهمِاَ وَفَاعِل الخِيٌرِ فيٌهَما وَمَا لهُ مِنَ الاَجٌرِ الجَزٌيل

شارك:

محمد عدنان البخيت ونوفان رجا السوارية

إعلم وفّقك الله تعالي للعمل أن الكلام في المسجدين من وجهين؛ أحدهما الخصوص، والثّاني العموم.

أمّا الأول: فمن حيث مسجد إبراهيم فهو مسجد جمع إبراهيم خليل الرحمن أصل الّنبيين ورأس الصّديقين، فهو باني الكعبة فيه شرفت ومنه القدس تقدّست، وإسحق ولده الأجلّ الأعظم، ويعقوب ويوسف الصديق، وزوجة إبراهيم سارة، وزوجة اسحق ربقة، وزوجة يعقوب لبقة، ورأس العيص في الغار الشريف، فهل رأيت/60ب/مكاناً غيره ضمّ ما ضمّه هذا المكان العظيم الشأن، ولاينكر ذلك إلاّ أهل الحرمان، وذلك محل الَبَركَة الواقعة في الكتاب والحول المشار إليه في سورة سبحان1، والأرض التي بارك فيها2، والقري المباركة3.

ومن حيث المسجد فأدلّته كثيرة شهيرة، فكفاه شرفاً أن ذكره الله  في كتابه وأنّه تشد إليه الرحال، وأنّه أرض المحشر والمنشر، وأنّ الكعبة تزف كما تزف إليه العروس4، وأنّه قبلة الأنبياء، وأنّ الأعمال تُضاعف فيه كما يأتي. وأنّه المراد بقوله تعالى:وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ5 فالمراد بالأرض أرض بيت المقدس، وقيل أرض الجنة، وعلي الأول يكون فيه شهادة لأهل القدس بالصلاح وكذلك لآل عثمان لأنهم الوارثون لها، والسّبْرُ6يدل على ذلك. فكانت أولاً مع اليهود لّما كانوا على الإستقامة، ثم نزعت منهم وآلت للنصاري، ثم نزعت منهم لّما فسدوا في الأرض. والآن بيد أهل الإسلام لكونهم أهل الدّين الحقُ والملّة البيضاء. ويدلّ على ذلك أنّ هذا الأمر كتب في الذٌكر وهو التوراه، ثم في الزٌبور لداود، ثم هو في الفرقان. ثم قال جلّ جلاله إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ7 ففائدة البلاغ للعابدين أنّهم يسارعون للمحل الّذي تتضاعف فيه الأعمال ليربو لهم عند الله الثواب فيفوزوا بعظيم الأجر في المآب، ولهذا تري جميع القلوب إليه متوجّهة8 وله مشتاقة ومعظّمة من سائر الملل، ولهذا قيل أنّه محلّ التكميل9 ومجمع التفضيل، وإنْ كان بمكة والمدينة أزيد لأنّ من إبراهيم نبع الخير هناك ومنه استمرّ هنا.قال سيدي عمر بن الفارض10، قدّس سرّه11. [من البحر الطويل]

ومسجدي الأقصى مساحِبُ بُرْدهاوطيبِي ثَري أرضِ، عليها تمشّتٍ

أي أن المسجد الأقصى محل مظاهر العظمة الإلهية12 لأنّ مسحب البرد كناية عن العظمة فكأنه يقول: إنه محل ظهور العظمة الإلهية.

وأمّا من حيث العموم فقد قال تعالى إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ13. قال البيضاوي14: إنّما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذّكر ودروس العلم فيها وصيانتها مما لم تسن له لحديث الدٌنيا وعن النّبي (صلّي الله عليه وسلّم): قال الله: إنّ بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري15 فيها عمّارها فطوبي لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ [علي]16 أن يكرم زائره، وإنمالم يذكر الإيمان بالرٌسول لما علم أن الإيمان بالله قرينة وتمامه الإيمان به ولدلالة قولهوَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَعليه وقوله وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ أي في أبواب الدين، فإن الخشية عن المحاذير17جلية لايكاد العاقل18يتمالك عنها، فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ19، وذكره بصيغة التوقع قطعاً لأطماع المشركين في الإهتداء والانتفاع بأعمالهم وتوبيخاً لهم بالقطع بأنّهم مهتدون فإنّ هؤلاء مع كمالهم20إذا كان اهتداؤهم دائراً بين عسي ولعلّ فما ظنك بأضدادهم، ومنعاً للمؤمنين أن يغتروا بأحوالهم ويتكلوا عليها21انتهي.

أقول:ويدخل في عمارتها ترميمها وإصلاحها وتنظيفها ودفع الضرر عنها، فالوقف عليها وإصلاح أوقافها وتعيين الفقراء فيها وترتيب الدٌروس فيها وقال تعالى أيضاً:وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله22 وأخرج الشيخان23 وأحمد24: من بني مسجداً يبتغي به وجه الله بني الله له مثله في الجنة25، ورواه الترمزي26 أيضاً وابن ماجة27 عن عثمان.

وروي ابن ماجة عن علي: من بني لله مسجداً بني الله له بيتأ في الجنة28.

وأخرج الطبراني29عن أبي أمامة30من بني لله مسجداً بني الله له بيتاً في الجنة أوسع منه31، ومما ورد في شأن إبراهيم وأولاده الأكرمين في القرآن، فأشهرُ من أن يذكر، مثلإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ32 ووَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ33وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيم34 وتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ35 وهي قوله تعالي وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ36، وتأمل قوله رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ37 يعني الأصنام، ثم قال فمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ38فقد طلب المغفرة لعابد الصنم بأن يتوب الله عليه ويقلع عن عبادته ويعبد الله،ولكن الحكمة فى قوله عَصَانِيفكأنّه يقول: من عصاني فأنا أطلب له المغفرة ولانظر لعصياني،فكيف لاتغفر له وأنت الغفور الكريم التوّاب الحكيم.

ومثل ذلك قوله تعالى وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ39 فنسب المرض لنفسه والإطعام والسقيا إلى الله تعالي، وكذلك الشفاء.

وأخرج الرّافعي40عن على: إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش يا محمد: نعم العبد أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك على41.

وأخرج أبو الشيخ42 في الثواب عن عمر: أن الله عزّ وجلّ بعث جبريل إلى إبراهيم فقال له: يا إبراهيم، إنّي لم أتّخذك خليلاً، إنّك أعبد عبادي ولكن اطلعت في قلوب المؤمنين فلم أجد قلبًا أسخي من قلبك.

وأخرج الرّافعي عن على موقوفاً: أول من يُكسي يوم القيامة إبراهيم قبطيتين، ثم يُكسي محمد بردة43حبرة44

وروي  أحمد وأبوداوود عن ميمونة45 مولاه النبيّ (صلّي الله عليه وسلّم) [ أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال:]46 إئتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله47. وعنها (رضى الله عنها) قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس. قال: فذكره48. وروي ابن سعد49 عن ذي الأصابع50: أنزلْ بيت المقدس ولعلّ الله يرزقك ذريّة  يعمرون ذلك المسجد يغدون إليه ويروحون.51

وروي عبدالله بن أحمد52 في زوائده53والطبراني في الكبير54 والبغوي55 والباوردي56 وابن قانع57 وسَمُّوَيه58 وابن شاهن59 وأبو نعيم60 عن ذي الأصابع: عليك ببيت المقدس فلعله أن ينشق لك ذريّة يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون.61

وروي الطّبراني عن رافع بن عمير62قال الله عزّ وجل لداود: ابنِ لي بيتاً في الأرض، فبني داود بيتاً لنفسه قبل البيت الذي أُمر به، فأوحي63 الله إليه، ياداود، نصبت بيتَك قبل بيتي. قال: ياربٌ64هكذا قُلتَ فيما قضيت من ملك استأثر، ثم أخذ في65 بناء المسجد فلما أتمّ السور سقط ثلثاه، فشكي ذلك إلى الله تعالي فأوحي الله تعالي إليه إنك لايصلح أن تبني لي بيتاً، قال: إي ربّ وَلِمَ؟. قال: لما جري على يدك من الدماء. قال: أي ربُ، أو لم يكن ذلك في هواك ومحبتّك؟. قال: بلي، ولكنهم عبادي، وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه، فأوحي الله إليه لاتحزن فإنّي سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان66، كما تقدم.

ورُوي  عن أبي ابن كعب67: لما بني سليمان بيت المقدس جعل لايتماسك البنيان، فأوحي الله إليك إنكّ أدخلت فيه ما ليس منه، فأخرجه فتماسك البنيان.

ورّوي الديلمي68 عن أبي ذر69: نعم المصلي أرض المحشر والمنشر، وليأتين [ على الناس]70 زمان ولف71 سوط الرّجل أوقاب قوس الرّجل من حيث يريد من بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا وما فيها72. وروى الطبراني وابن عساكر73 عن أبي الدّرداء:74 أهل الشّام وأزواجهم وذراريهم75 وعبيدهم وإمائهم إلى منتهي الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتلُ منها مدينة من المدائن، فهو في رباط، ومن احتلّ منها  ثغراً من الثغور فهو في جهاد76 وروى الطبراني والحاكم77 عن عبدالله بن حواله78: ستكونون أجناداً مجنّدة جنداً بالشام وجنداً بالعراق وجنداً باليمن، فعليكم بالشّام، فإنًها صفوة الله من بلاده وفيها خيرته من عباده وفيها يربط الله نوره فمن أبي فيلحق بيمنه وليستق من غدره، فإن الله قد تكفّل بالشام وأهله79. وروي الطبراني عن أبيالدرداء: أنّكم ستجندون أجناداً بالشام ومصر والعراق واليمن، قالوا: فخر لنا يا رسول الله قال: عليكم بالشام فمن أبي فليلحق بيمنه[ وليستقِ]80 بُغدره فإن الله قد تكفّل لي بالشام81.

وروي ابن عساكر في تاريخه ستفتح علي أُمّتي من بعدي الشام وشيكاً، فإذا فتحها واختطها فأهل الشّام مرابطون إلى منتهي الجزيرة رجالهم وصبيانهم وعبيدهم، فمن احتل ساحلاً في تلك السواحل فهو في جهاد. ومن احتل بيت المقدس وما حوله، فهو في رباط82. وروي الترمذي قال: حسن صحيح، ستكون فتن. فقيل: يارسول الله فما تأمر؟. قال: عليكم بالشام83.

وروي أحمد وابن حبان84 والطبراني والحكام والضياء المقدسي85 عن عبدالله بن حواله: سيكون جند بالشّام وجند باليمن. قال رجل: فخر لي يا رسول الله. قال: عليك بالشّام فمن أبي فليلحق بيمنه وليستق من غّدره فإنّ الله تعالي وتبارك قد تكفل [لي]86 الشّام وأهله87. وروي الحاكم والبيهقي88 في الدلائل89 وابن عساكر عنه، أي أبي ذرٌّ، يا أبا ذرّ إذا بلغ البناء سلعاً90 فأخرج منها نحو الشام ولا أدري إسراك إلا تحولك بينك وبين ذلك، قال: فأخذ سيفي فاضرب به. قال: لا، ولكن تسمع وتطع91 ولو لعبد حبشي92، إذا رأيت البناء قد بلغ سلعاً فاعن بالشام، فإن لم تستطع فاسمع وأطع93، رواه ابن منده94 وابن عساكر، عن أبي أسيد الأنصاري95 يكون بالشام جند وبالعراق جند وباليمن جند. فقال رجل: يا رسول الله خر لي، فقال: عليك بالشام فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله96 عن عبدالله بن يزيد97: عليك بالشام، هل تدرون ما يقوله الله؟. يقول: يا شام يدي عليك، يا شام أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خبرتي من عبادي أنت سيف نقمتي وسوط عذابي أنت الأنذر وإليك المحشر. ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنّه لؤلؤة تحمله الملائكة. قلت: وما تحملون؟. قالوا: عمود الإسلام أُمرنا أن نضعه بالشّام، وبينما أنا نائم [إذا]98 الكتاب99 اختلس من تحت وسادتي فظننت أنّ الله [قد]100 تجلي من [أهل]101الأرض فاتبعت بصري فإذا هو نور ساطع بين يديّ حتي وُضع بالشّام، فمن أبي أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه وليستقِ من غُدره فإن الله قد تكفّل [لي]102 بالشام وأهله. رواه الطبراني وابن عساكر103عن عبدالله بن حواله: أني رأيت[أن]104عمود الكتاب انتزع من تحتوسادتى فإتبعه بصري، فإذا هو نور ساطع فعمد به إلى الشّام ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشّام رواه الطبراني والحاكم وتمام105 وابن عساكر106 عن ابن عمر107: بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فاتبعته بصري فعمد به إلى الشّام ألاَ وإن الإيمان حين تقوم الفتن بالشام رواه أحمد والطبراني108. عن أبي الدّرداء: رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فذهب إلى الشام فأولته الملك، رواه الحاكم وحسّنه109.

عن ابن عمر110: رأيت عموداً من نور خرج من تحت رأسي ساطعاً حتي استقر بالشام، رواه ابن عساكر111، بينما أنا نائم في منامي أتتني ملائكة  فحملت عمود الكتاب من تحت رأسي فعمدت به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام112 رواه أحمد والطبراني بن عمر.

عن عمر: رأيتُ ليلة أسري بي عموداً أبيض، كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة قلت ما تحملون؟. قال: عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام. وبينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تجلّي من أهل الأرض بالشّام فاتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتي وُضع بالشّام رواه الطبراني113 عن عبدالله ابن حواله: سُلّ عمود الإسلام من تحت رأسي فأوحشني ثم رميته ببصري فإذا هو قد غرز في وسط الشّام. فقيل: يا محمّد إنّ الله عز وجل قد اختار لك الشام ولعباده فجعلها لهم عزٌاً114 ومحشراً ومنفعة وذكراً، من أراد الله به خيراً أسكنه الشام وأعطاه نصيبه منها ومن أراد به شراً  أخرج سهماّ من كنانته وهي معلّقة في وسط الشام  فرماه بها فلم يسلم من دنياه ولا أخراه رواه ابن عساكر115. عن أبي هريرة116: لاتزال عصابة من أمتي [يقاتلون]117 علي أبواب دمشق وما حوله118 وعلى أبواب [65ب] بيت المقدس وما حوله119لايضرّهم خَذلانُ من خَذَلهم، ظاهرين على عدوهم120 إلى أن تقوم الساعة، رواه ابن عدي121في تاريخ داريا وابن عساكر122.

عن أبي هريرة: لاتزال عصابة من أمتي قائمة على أمر الله لايضرها من خالفها تقاتل أعداء الله، كلما ذهبت حرب نشبت123 حرب قوم آخرين فيرفع الله أقواماً ورزقهم منهم حتي تأتيهم الساعة هم أهل الشّام؛ رواه الحاكم124. عن أبي هريرة: لاتزال طائفة من أمتي على الحقّ ظاهرين به على من عاداهم وهم كالإناء بين الأكلة، حتي يأتي أمر الله وهم كذلك. قيل: وأين  هم؟. قال: بأكناف بيت المقدس؛ رواه الطبراني125.

عن مُرة البهزى126: لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها وعلى أبواب دمشق وما حولها وعلي أبواب الطالقان127 وما حولها، ظاهرين على الحق، لاينالون من خذلهم ولا من نصرهم، حتي يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه كما آمنت من قبل، رواه ابن عساكر128 عن أبي هريرة: وقال: إسناده غريب وألفاظه غريبة جداً، ولاتزال طائفة من أمتّي ظاهرين على الحق يقذف الله بهم كل مقذوف، ويقاتلون فضول الضلالة لايضرهم من خالفهم حتى يقاتلون الأعور الدّجال، وأكثرهم أهل الشام129.

عن أبي الدرداء: الخير عشرة أعشار، تسعة بالشّام وواحد في سائر البلدان، والشرّ عشرة أعشار، واحد بالشّام وتسعة في سائر البلدان، فإذا فسد أهل الشّام فلا خير فيكم، رواه الخطيب130في المتفق والمفترق131.

عن ابن عمر [و]: إذا فسد أهل الشّام فلا خير فيك، رواه ابن عساكر132. عن ابن عمرو: وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا تزال طائفة من أمتّي منصورين لايضّرهم من خذلهم حتي تقوم الساعة، رواه أحمد وابن شيبة133 والترمزي. وقال: حسن صحيح. ورواه الطبراني وابن حبان عن معاوية بن قرّة عن أبيه134ـ إذا هلك أهل الشّام فلا خير في أمّتي، ولاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ حتي يقاتلوا الدّجال، رواه نعيم بن حمّاد في الفتن135 وابن عساكر. عن معاوية بن قرة عن أبيه136 من مات ببيت المقدس وما حولها بإثني عشر ميلاً كان بمنزلة من قبض في السماء الدنيا، رواه الديلمي137. عن أبي هريرة: من مات في بيت المقدس فكأنّما مات في السماء رواه البزار138 عن أبي هريرة139.

وكفي أهل القدس شرفاً أمور: أحدها تضاعف الصلوت، فالصّلاة المعدودة بخمس مائة صلاة غاية في المراد، وهذه تدلّ على أن الله يحب ساكنها لكون صلاتهم تقع مضاعفة. وقيل بل جميع الأعمال تتضاعف، مثلاً، لو كان عليك ألف دينار خمسمائة لرجل وخمسمائة لآخر فقبل أحدهما ديناراً عن الخمسمائة، فهل يكون ذلك إلاّ لحبه لك ورضاه عنك، والذي أخذ الخمسمائة ما شدّد عليك وصعّب الأمر لديك. وقيل إن جميع الأرض المقدّسة تتضاعف فيها الأعمال. الثاني: أنهم جيران الله وما زال جبريل يوصينى بالجار؟. حتي ظننت أنّه سيورثه، فكيف يوصي الله تعالي بالجار وهو تعالي لايتوصي به، وقد وقع منه تعالي ذلك يتضاعف الأعمال. الثالث: أنّها أرض المحشر والمنشر فجميع النّاس تأتي إليهم وهم لايتوجّهون لأحد يوم القيامة. الرابع: أنّهم بين أظهر النّبيين والمرسلين، فإذا نظرت قبلة وجدت إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وادود ويونس ولوط (عليهم الصّلاة والسّلام)، وإذا رأيت شرقاً رأيت موسي والعزيز (عليهما الصّلاة والسّلام)، وإذا نظرت غرباً بشمال رأيت اشمويل. وكم هناك أنبياء مخفيون وسادات ظاهرون قديماً وحديثاً. فقد قيل إنّ جبل الطّور140 شرقي بيت المقدس تربة الأنبياء وهي روضة الأصفياء وجماع قلوب العالم، لأنّها محلٌ التكميل، ولهذا لاتري فرقة لا من أهل الحقٌ إلا وهو لها معتقد ولا من أهل الباطلٌ إلاّ وقاتل بها، وسِرّ ذلك أنّ هذه الأرواح القائمة بهذه الأشباح تحشر إليها وتساق لديها. والشيء يطلب مستقره. ولهذا أُسري برسول الله (صلّي الله عليه وسلّم) إليها ليحصل له التكميل وليطلّع على ما فيها من الأسرار والآياتلِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ141، ولأنّها مقرّ الأرواح  ومجمع الأصدقاء ولهذا جُمع له النّبيون والمرسلون والملائكة المقرّبون ومحلٌ توجٌه الأمم الماضية، ولهذا توجّه إليه (صلّي الله عليه وسلّم) أولاً وأنّ الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، في رواية، وبألف في أخرى فيما سوي الثلاثة142، وفي مسجد المدينة بألف في الأقصى وفي مسجد مكة بألف في مسجد المدينة  فحصل من ذلك علي رواية الألف في الأقصى أنّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف ألف ثلاثاً وفي مسجد المدينة بمائة ألف صلاة، وذلك فيما سوي المسجدين كل ذلك مأخوذ من الأحاديث الصحاح. وأنّه تُشدُّ إليه الرُحال، أي هو والمسجد الحرام ومسجد المدينة  مخصوصون بشدٌ الرٌحال دون غيرهم من بقّية المساجد143، فلا ينافي أنٌ غير هذه تشد له الرٌحال كالحج والجهاد وزيارة الأنبياء (عليهم الصّلاة والسّلام)، ما قيل أن الحصر المذكور يمنع زيارة من ذكر، وذلك لأنّه يجب في الإستثنا الفرع أن يكون من جنس المستثني منه فالمعني لاتشد الرحال لمسجد من المساجد إلاّ لهذه المساجد الثّلاث لوجود الخصوصية فيها وهي تتضاعف الأعمال بها دون غيرها فلاحاجة في غيرها لشد الرٌحال بخلافها.

ومن خصائص مسجد إبراهيم خليل الرٌحمن (عليه الصّلاة والسلام ) أنّه إذا مات ميت في بلدة غسّلوه وكفّنوه ثم جاؤا به إلى المسجد الشريف فيوضع في قبلته فيصّلون عليه ثم يحملونه فيوضع بين السيد اسحق وزوجته فيقرأون لهما الفاتحة، وأنّ هذا الرّجل مذنب، ويتوسٌل بكما إلى الله تعالي في الشفاعة له والعفو والصفح عنه، ثم يُحمل ويوضع بين السيد الجليل إبراهيم الخليل وزوجته ويقرأون الفاتحة ثم يتوسلون بهما إلى الله تعالي في العفو والصفّح عنه كما مرٌ، ثم يتوجٌهون به إلى باب يعقوب وزوجته مقابلاً ليوسف الصّديق فيتوسلون بهما وبه إلى الله تعالي في العفو والصّفح عنه.

وقد دخل مسجد إبراهيم الخليل(عليه الصّلاة والسٌلام) القطب الكبير والسيد المشير سيدي محمد البكري الصديقي144 قدّس الله سره، فرأي أهل الخليل يعملون ذلك فسألهم عن مقصودهم. فقالوا له: ما مرٌ، فقال: لولا أخاف على أهل الخليل من الإعراض عن الطّاعة لقلت أنٌهم لايُعرضون على نار لأنُ من دخل ديار الكرام فهو آمن. وهذا شيء يسير جري في شأن هؤلاء الكرام السّادة الأعلام.

ومن الخصوصيات له أنّه لاتصلّي في بلدة إلاّ فيه فقط، ومن جملة الخصائص أنٌ خطيبه في الغالب يكون بليغاً فصيحاً، ومن خواصٌ بلده أنُ العنب الّذي يوجد فيها مع كثرته لاتصح منه الخمر أصلاً ولا من زبيبه النبيذ، وربما أشعر هذا أنُ إبراهيم كان لايري حلٌ الخمر وأنٌ بلده طيٌبة الهوي طٌيبة التربة كثيرة المياه وطيبتها أقول: ويؤخذ من أنٌ كل ميٌت يُخلق من التربة التي يدفن فيها، أن تربة هذه الديار خير تربة في الأرض، ما عدا التربة التي ضمت أعضاء رسول الله (صلّي الله عليه وسلّم) ويؤخذ منه أن تربة إبراهيم (عليه الصّلاة والسّلام) تلي تربة رسول الله (صلّي الله عليه وسلّم)، وتليها تربة موسي ثم عيسي ثم نوح ثم آدم ولاينافي كون تربة عيسي متأخرة، مع أنٌه يدفن في السهوة الخالية الباقية عند رسول الله (صلّي الله عليه وسلّم) لاختلاف الأرض بالشبر.

بقي شيء هو أنهم  صرحوا أنٌ التربة التي ضمت أعضاء رسول الله (صلّى الله عليه وسلٌم) أنٌها أفضل من العرش والكرسي. فهل يقال: أنٌ مثلها وإن كان أنزل منها تربة إبراهيم ومن بعده من أولي العزم ولامانع من ذلك إلاٌ أن يوجد نقل بخلافه.

وقد أفتي مالك145 بتعزير من قال: إن تربة المدينة ردٌية146، فقال: كيف يقول عن تربة خلق منها أفضل الخلق ذلك، وأقول: مثل ذلك. يقال ترب سائر الأنبياء الكرام، ألاٌ أن أريد بالنسبة إلى تربة رسول الله (صلٌي الله عليه وسلٌم) لايقال لامعني للأفضلية إلاٌ من حيث تضاعف العبادة وهو مفقود في قبور الأنبياء الكرام. قلنا على فرض وقوعها. لايقال ورد في الحديث لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لأنا نقول معني الاتخاذ القصد، وجعلها قبلة لهم، لأنٌ ذلك يوهم أنهم مقصودون بالعبادة بخلاف الصلاة في أماكنهم وقبورهم، لو فرض إذا وقع ذلك من غير قصد. وفي الحديث أتتخذ الخمرة خلا؟. فقال لا147، أي اتعالج، وتقصد بالصلاح، فقال: لا وأما لو صارت خلا بنفسها فلا يضرٌ وتطهر.

واعلم أنُ تضاعف الأعمال في مسجد رسول الله (صلٌي الله عليه وسلٌم) مخصوص بالروضة الشريفة بخلاف المسجد الحرام فإنٌه يشمل حتي الزٌيادة ولو الآن، وكذلك المسجد الأقصى لو زيد فيه لأنه لم يختلف جاهلية وإسلاماُ  على هذه الحدود الموجود عليه الآن، والفرق وجود الإشارة في مسجده (صلٌي الله عليه وسلٌم) بقوله: مسجدي هذا بخلاف الآخرين. وقيل: نعم الأرض المقدسة، وقيل في المسجد الحرام خاصٌ بالكعبة وقيل بما كان موجوداً في عهد رسول الله (صلٌي الله عليه وسلٌم)، وقيل بل يشمل جميع مكٌة، وقيل يشمل جميع الحرم. وهل  التضاعف فيها خاص بالصٌلاة ظاهر كلام أئمتنا أنه يشمل الاعتكاف أيضاً فقط. وقيل: يعمٌ جميع العبادات. وقيل: بل ويشمل السيُئات لقوله تعالى في المسجد الحرام وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ148، ولكن لايبلغ التضاعف فيها تضاعف الصٌلاة فقيل لسبعين وقيل لمائة وقيس مسجد المدينة والأقصي عليه في ذلك.  والله الملهم للصٌواب وإليه المرجع والمآب.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
تاريخ القدس الخليل للشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلي (ت 1147 هـ \ 1734م)، 2004، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص242-227. تحقيق محمد عدنان البخيت ونوفان رجا السوارية.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top