أدوات (آلات) وتحضيرات صناع الكتاب

شارك:

فرنسوا ديروش

محتويات المقال:
أدوات النساخ والرسامين والمزوِّقين
القلم
أدوات أخرى مستخدمة في الكتابة
أدوات الناسخ الأخرى
أدوات المصورين والمزينين
الأمدة السوداء*
النساخ والمداد*
أمدّة الكربون*
الأمدة المعدنية - العفصية*
الأمدة المختلطة*
الأمدة الملونة*
استخدام الأمدة الملونة*
تركيب الأمدة الملونة*
مستحضرات من الذهب أو الفضة*
المدونة المدروسة *
وضع الأبحاث حول مواد التلوين*
الخطوطات المزينة في الغرب الإسلامي*
المخطوطات المختارة*
تصنيف استخدام الألوان*
ملاحظات كوديكولوجية*
ورق عثماني مظلل. تركيا سنة 969هـ/ 1561- 1562م. باريس رقمsuppl. persan 1479، ورقة 6ظ

تقدم المصادر الشرقية لعالم المخطوطات معلومات متنوعة للغاية عن الأدوات (الآلات) التي كان يستخدمها صناع الكتاب. وقد أولى النساخ والخطاطون اهتماما خاصا للقلم والأحبار اللذين وصل إلينا عنهما عدد لا بأس به من المؤلَّفات. ولكن الوصفات الدقيقة جدا التي تسمح بإعداد هذا المستحضر أو ذاك تحوم حول أشكال يكون الطابع الأدبي ظاهرا فيها. وبالمقابل، فإن معلوماتنا عن المسائل الأخرى قليلة جدا بل حتى منعدمة.

أدوات النساخ والرسامين والمزوِّقين

القلم

لا يوجد شيء يتصل بصناعة الكتب المخطوطة يحتل مكانة يُحسَد عليها في ثقافة النساخ والكتاب والخطاطين مثل «القلم». وقد أُخِذَ اسم القلم[1] من اليونانية Kalamos، ويظهر في النص القرآني وعلى الأخص في سورة القلم (السورة رقم 68) التي تبدأ بالكلمات ﴿ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾[2]. وقد نمت حول القلم نظرات ذات طابع عقائدي وفلسفي تخرج عن إطار علم المخطوطات (الكوديكولوجيا)، ولكنها قيمة من أجل الإحاطة بثقافة نُسّاخ العالم الإسلامي وخطَّاطيه[3].

34. أقلام مشرقية ومغربية

/ ويُجهَّز القلم من بوص كان اختياره موضوع توصيات دقيقة جدا من جانب المؤلفين. ففي حقيقة الأمر يجب التمييز بين نوعيات متعددة (ذكر منها أدولف جروهمانJuncus arabicus Maritimus, phragmites,» Adolf Grohmann («communis, calamus Roteng, saccharun biflonum[4]، وأيضا انتماءات مختلفة[5]. وحدد مصدر متأخر أن امتلاء القلم يجب أن يكون وسطا بين غلظ السبابة إلى الخنصر، أي المفروض أن يكون معتدلا بين الطول والقصر والغلظ والرِّقَّة. وتبعا لبعض المؤلفين فإنه لا يجب استخدام البوص الخام مباشرة، لأنه يجب أن يخضع لتجهيزات قبل أن يكون صالحا للاستعمال؛ ويوصَى بأن يُبَل في الماء حتى يكون لائق المظهر. وبمجرد الوصول إلى هذه المرحلة يبدأ بَرْيُ القلم، وترتبط هذه العملية في أوساط الخطاطين بطقوس حقيقية، إلى حدِّ أن بعض الكتاب أو النساخ احتفظوا بسريّة طريقتهم في برْيِ القلم، فكان الضَّحَّاك يتوارى للقيام بهذه العملية[6] [لئلّا يراه أحد، ويقول: «الخط كله للقلم»]، بينما كان من يُدعى الأنصاري يقوم بكسر سِنُون [رؤوس] أقلامه بعد استخدامها[7]. ويبدأ الناسخ بقطع قطعة مناسبة من طول القلم بواسطة سكين حاد ويعمل على بري الطرف الذي سيُسْتَخدَم في الكتابة[8]، ويَبْري جانبي القلم [حواشيه] من أسفله حتى يبرُز السِّنّ [الرأس]. وفي الأخير يضع القلم فوق قرص من الخشب الصلب («المِقَطّ»، وبالعثمانية «مَكْطَع»، انظر فيما يلي) يسمح له بالإبقاء على استواء القلم فيقطع بجلاء الأطراف على زاوية لها أهميتها الخاصة عند الخطاطين. وتوجد بريةٌ وسمك لسِنّ القلم لكل أسلوب في الخط. وأخيرا تُشقُّ جِلفة القلم شقَّا متوسطا إلى نصفين باتجاه الألياف.

واستخدم النساخ في المغرب قلما ذا شكل مختلف جدا، فتبعا لأوكتاف هوداس Octave Houdas كان يُجَهَّزُ من البوص المعروف ب arundo donax الذي تُقَطَّع أليافه إلى شرائح[9]، يمثل مقطعها العرضي شكل قوس دائرة، سطحها الخارجي طبيعي بينما الآخر مُخْشَوْشِن في قسمه الأوسط وطرفاهُ مشطوفان حتى يمكن مسكهما باليد؛ وكان الطرف المخصص للكتابة يُبرى بحيث ينشئ سِنَّا يمثل جانباه زاوية بين 25 و30 ْ تُقطَع قمته بالقرب من النقطة النهائية، بينما وجهه الأسفل/ مجوف بشقوق عريضة يصل طولها إلى حوالي 4 سم يرسم محيطها شكل المعيَّن (شكل 34). وعندما يصبح قلم البوص جاهزا يقوم مستخدمه بشق طرفه بعض مليمترات.

ولاحظ هوداس Houdas أن «حوافّ الخط المغربي شبه مُمَوَّهة، بدلا من أن تكون ذات حدود جليَّة وواضحة مثل «النسخي» [...]، وفضلا عن ذلك فإن عرض الخط المغربي، دون أن يكون موحَّدا تماما، لا يُظهِر هذا التتالي للنحول الممتلئ الذي يعطيه الطابع الفحولي للخط النسخي»[10]. ويرى هوداس Houdas أن سبب هذا الاختلاف هو هذا النوع الخاص من الأقلام المستخدم في هذا الجانب من العالم الإسلامي: ففي حقيقة الأمر احتفظ المغرب الإسلامي بالطريقة القديمة في بري الأقلام، بينما صاحب حركة إصلاح الكتابة التي قادها ابن مُقْلَة في الشرق ذيوع القلم «ذي الرأس المسطَّح المَبْري بميل حاد من الجانيين»[11]. ويجب أن نفحص بعناية أكثر الطريقة التي عُمل بها سن القلم المغربي، فالأشكال «المُمَوَّهَة» التي يتحدث عنها هوداس Houdas يُفسرها أن هذا القلم يميل إلى أن يُشْبه المِرْسَم.

واستُخدِمَت الأقلام في كتابة النصوص على الرق وعلى الورق. وبالمقابل فقد كانت هناك أدوات أخرى يمكن استخدامها للكتابة على البردي كما سنرى فيما بعد. ولكن كيف أنجز النساخ كتابة المصاحف المبكرة (من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي إلى القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي)؟ إن خطوط بعض هذه المصاحف، مثل القطعة المحفوظة في باريس برقم BnF ar. 324c سميكة للغاية، إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل عما إذا ما كانت قد استُخدِمت لذلك أداة (آلة) خاصة[12]. وللأسف، فإنه من المستحيل أن نُجيب على هذه التساؤلات في غَيْبَة الدراسات المتخصصة أو وجود إشارة إلى ذلك في المصادر القديمة. غير أننا نعرف أنه في فترة أحدث كان تحت تصرف الناسخ كذلك أقلام تسمح له بإنجاز كتابات أكثر سماكة. وتُظهر المؤلفات المعاصرة المخصصة لعلم الخط نماذج لأقلام منحوتة من الخيزران أو حتى من الخشب؛ وفي هذه الحالة الأخيرة قد يحدث أن تكون الأداة قد قُدَّت من قطعة واحدة، أو أن يكون طرفها المخصص للكتابة مشدودا إلى مقبض[13]، ولكن الأمر لا يعني إطلاقا أقلاما حقيقية، بل على الأحرى أدوات أُعِدَّت لتلبية احتياجات كتابة الخط الحديث. وأشار المؤلفون الأتراك إلى استخدام نباتات مجلوبة من جَاوَة لكتابة الحروف الطويلة نسبيا[14]؛ ويبدو أن صورتها تُظهر مقیاسا مماثلا لمقياس القلم التقليدي.

وسنتطرق فيما يلي للحديث عن الكتابة بالذهب: فقد كان التذهيب في المخطوطات بالخط العربي يُوضَع على الحامل (المادة المكتوب عليها) ثم يُشَعَّر بالمداد الأسود: ولا يمكننا استبعاد إمكانية أن تكون الأداة المستَخدَمة لذلك تختلف عن قلم الناسخ، ربما لأن الأمر يتعلق على التدقيق بأداة للتزيين.

أدوات أخرى مستخدمة في الكتابة

لقد عُرِفَت كذلك أدوات معدنية استُخدِمَت في الكتابة، رغم أنه لم يصل إلينا منها شيءٌ فيما يبدو. ولقد ظن أدولف جروهمان Adolf Grohmann أنه وجد إشارة إلى قلم معدني [بقلم حديد] في أحد نسخ كتاب ابن باديس[15]، وتحتفظ «ألف ليلة ولَيلَة» بإشارة تحمل هذا المعنى، ويتعلق الأمر عندئذ بـ «الصُّفْر»، [الذي يُعمَل منه الأواني، أي النحاس][16]. ويبدو أن طريقة عمله تماثل طريقة عمل قلم البوص، مع أنه من الممكن أن نظن أن سن القلم يظهر بطريقة مختلفة. وهناك أداة معدنية أخرى لا نعرفها إلا من خلال نص مشهور للقاضي النعمان [بن حيُّون] تختلف جذريا عن الأنموذجين السابقين: فقد أراد الإمام المُعِزُّ لدين الله الفاطمي «أن يُعمل قلم يُكتب به بلا استمداد من دواة، يكون مداده من داخله: فمتى شاء الإنسان كتب به فأمدَّه وكتب بذلك ما شاء، ومتى شاء تركه فارتفع الميداد وكان القلم ناشفا منه، يجعله الكاتب في كمِّه أو حيث شاء فلا يؤثر فيه ولا يرْشح شيء من المداد عنه، ولا يكون ذلك إلا عندما يبتغي منه ويُراد الكتابة به»، فأمر به فعمِلَه صانع من الذهب[17].

أما بالنسبة للنصوص المكتوبة على البردي، فقد استُخدِم البوص، غير أن هذه الأداة قد تكون عند الحاجة أقرب إلى المرسام أو الفرشاة أكثر من القلم كما وصفناه فيما تقدم. فالخطوط السميكة التي تظهر أحيانا (مثلما هو الحال في البروتوكول) من المحتمل أن تكون نُفِّذت بهذا الشكل[18]. ومن الممكن كذلك أن يكون شكله على شكل القلم المغربي - الأمر الذي يذهب في اتجاه ملاحظة أوكتاف هوداس Octave Houdas المذكورة فيما تقدم: ويمكن أن نطرح، على ضوء الدراسات الحديثة، مسألة استخدام أداة محددة لكل مجموعة كبيرة من المداد، فقد استُخدِم المرقاش في مصر البطلمية، للكتابة بالحبر الكربوني، بينما ارتبط القلم بالكتابة بالمداد المصنوع من المعدِن والعفص[19].

ونُشير، على هامش مجال الكتاب المخطوط بمعناه الضيق، إلى أن الخطاطين كانوا ينشِدون التَّفَرُّد بكتابة نصوص قصيرة نسبيا بطريقة بارزة بدون مداد. ومع أن هذا الشكل يطلق عليه في العموم «الكتابة الظُّفرية» (بالفارسية خَطِّي ناخونخ) فإن إحكام بعض النماذج المعروفة منها وأناقتها تجعلها تبدو كما لو أن الكتابة قد استُخدِم فيها قلمٌ أو مِرقمٌ من نوع ما[20].

أدوات الناسخ الأخرى

إننا نستمدُّ معلوماتنا عن الأدوات التي استخدمها الناسخ في الأساس من المؤلفين المرتبطين بأوساط كتاب الدواوين أو الخطاطين[21]؛ ومن هنا، فإن بعض الأدوات التي استعملت خلال عملية نسخ المخطوطات لا يُشار إليها، في الوقت الذي يُشار فيه إلى أدوات أخرى مثل المشبك المخصص لتثبيت «مَلْزَمَة» الورق[22] لاختصاصها بأعمال كُتَّاب الدواوين. وبالإضافة إلى ذلك، لا توجد أي إشارة إلى الأثاث الخاص الذي كان يستخدمه النساخ. ومع ذلك، فإن إحدى وثائق جِنيزَة القاهرة - التي يُحتَمَل تأريخها بالقرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي - تمدُّنا ببعض المؤشرات المفيدة حول هذا الموضوع، حتى وإن تعلقت بنساخ يهود[23].

وكان يجب أن يكون للـ «سكِّين» («السّكّينة»)[24]المخصص لبَرْي مادة صلبة مثل البوص، شفرة من الصلب الجيد وحادة للغاية، بحيث يُحتمَل أن تمثل خطورة[25]. وحتى نتجنَّب إضعاف حدّ السكين فقد كان يتم بري القلم علی «مِقَّطٍّ» أو «مقَطَّة»[26]. («مَكْتَع» بالعثمانية) من الخشب[27]، أو العاج، أو الصَّدَف، أو العظم؛ ويبدو أن المعدن الذي كان يَفضَّل استخدامه والذي ورد ذكره في القائمة السابق الإشارة إليها هو «المِقَطّ النحاس»[28]. وغالبا ما تكون هذه المادة لوحا بسيطا صغير الحجم[29]، وإن وُجِدَت كذلك أنواع أخرى أحسن إعدادا، وكان «المَقْطَعُ» الأكثر استخداما في العالم العثماني منحوتا من العاج أو الصَّدف أو العظم، ويتألف سطحه من نتوء كان طرفه الأعلى، المخصص لتثبيت البوصة خلال البَرْي، مقعَّرا[30].

/ أما «المِحْبَرَة»[31] [«الدَّواة»]، فكانت مزودة بـ «لِيقَة» من [الحرير أو] الصُّوف أو القُطْن [سمّتها العرب كُرْسُفًا] تسمح بالتَّحكُّم في كمية المداد التي يستمدُّها القلم[32]. وللتحكم في تجانس الخليط ولتجنب رسوب المداد في قعر الوعاء، كان الناسخ يستخدم قضيبا لتحريكه يُعرَف بـ «المِلْواق». ويوصي الزبيدي في رسالته «حكمة الإشراق إلى كُتَّاب الآفاق»، بالآتي: «ولا يكون [حقُّ المداد] مربَّعا على حال، لأنه إذا كان مربعا يتكاثف المداد في زواياه فيفسَدُ المداد، فإذا كان مستديرا كان أنقى للمداد وأسعد في الاستمداد. ويجتهد في تحسينها وتجويدها وتصوینها»[33].

وتظهر من بين لوازم النساخ «المِصْقَلَة»، التي توجد لها عدة أشكال تستجيب لاستخدامَيْن رئيسين. يرتبط أولهما، وهو الأكثر ذيوعا، بتحضير الورق بدهنه بمادة على قاعدة نشويَّة يتبعها صقل دقيق؛ وللوصول إلى نتيجة مرضية تُستَخدَم أدوات ذات حجم كبير نسبيا يُفضَّل أن تكون من الزجاج أو الحجر الأملس أو الصدف[34]. وفيما يتعلق بصقل عناصر التذهيب (في الكتابة أو التذهيب)، تُستَخدَم أدوات صغيرة الحجم تتشكل غالبا من حجر جاف مشدود إلى مقبض يسمح بإنجاز هذه المهمة بطريقة فعالة[35].

وكما سبق أن لاحظ يوسف سدان Joseph Sadan فإنه يُطلَق على المسطرة أو لوحة التسطير كلمتي «مسطر» و«مسطرة»[36]. والأداتان لازمتان لنساخ المخطوطات. حقيقة أن «المسطرة»، ظهرت متأخرة بما أنه يبدو أن استخدامها مترتبط ببداية استخدام الورق كما أنها كانت أقل استخداما في مناطق مثل المغرب، وسنعود إلى ذلك فيما بعد[37]. وتُشير قوائم الأدوات (الآلات) التي استخدمها الخطاطون إشارة خاصة إلى «البِرْكار» الذي يُستخدَم في بناء المساحة المُستَغَلَّة في الكتابة. ويُشير ابن الصائغ إلى البركار الذي يرى أنه من بين الأدوات التي يستخدمها الورّاقون[38]، والتي يمكن لسجلَّات المحاكم الشرعية القاهرية التي تُسجّل ترِكات المتوفِّين أن تحفظ لنا بعض آثارها[39].

وتُثبتُ لنا المُنَمنمات استخدام النساخ للـ «قِمَطْر»، أو «المِقْرأ»، وتُشير قوائم وثائق جِنيزَة القاهرة Cairo Geniza Documents إلى أداتين يمكن أن تكونا قد استخدمتا كحاملين للكتب (وقت النسخ [الصَّواب: أثناء القراءة]): «الكرسي» و«المِرفعة»[40]، وهي/ تظهر كقطعة أثاث يمكن طيُّها وعند فتحها تأخُذ هيئة حرف X، حيث يوضع الكتاب على فتحتها العُليا. وعادة ما يظهر الناسخ في المنمنمات متخذا وضع القُرفُصاء عند الكتابة والورق مستقرٌ على فخذه. وتُظهر لنا المنمنمات العثمانية أثاثا منخفِضًا يضع عليه الناسخ الكتاب مفتوحا حتى يمكن أن يُمارِسَ عمله[41]؛ وقد وصل إلينا منها عدد من النماذج، صُنِع بعضها من خشب ناعم مطعَّم بثراء. وتتأكَّد هذه الملاحظة، التي من الممكن أن تكون قد امتدت إلى الهند[42]، بفضل بعض قطع الأثاث من هذا النوع التي وصلت إلينا[43].

أدوات المصورين والمزينين[44]

لقد أشرنا فيما سلف إلى عدد من الأدوات (الآلات) المشتركة بين الكُتَّاب والفنانين الذين يقومون بعمل الزخرفة. ومع ذلك يجب أن نعود إلى «المصقلة» التي تُستخدم عند عمل التذهيب، وهي عبارة عن قطعة حجر صلب مصقول على شكل سن ممتد موضوعة على مقبض. وكان لكل قسم من الأداة عمل مناط به، فالرأس يمكن أن تدفع ورقة الذهب في الزوايا وصقلها في هذا المكان، ويُستخدَم القسم الداخلي عموما في الصقل، ويُتيح المرفق القيام بحركات رأسية متناوبة، بينما يُستخدَم الجانب للصقل الرقيق. وتتطلب العملية الانتباه والبداية بالضغط الخفيف قبل الاستمرار في الضغط القوي.

أما ريشة الرسَّام التي قد تُسمَّى عند الحاجة قلم لأسباب إيديولوجية[45]، فهي الآلة المفضلة للمصوِّرين والمزينين، وهي تُعمَل من شعر الحيوان، وإن كان من الممكن أن يُستخدم البوص بنفس طريقة الفرشاة[46].

ويجب كذلك أن نذكر المراسيم (م. مرسام) التي لا يستخدمها فقط المزينون وإنما أيضا المنمنمون والمجلدون لإنتاج الوِحدات الزخرفية التي يحتفظون بها. وهذه الوِحدات كانت تُرْسَم بالحبر على مادة رقيقة[47] وتُثْقَب فيها خروم صغيرة على مسافات منتظمة على ممر الخطوط [التَّبخيش]. وعندما نُمرِّر على المرسام منتَجا مثل الكربون فإن الفنان ينقل الوِحدة الزُّخرفِية إلى الورق، ولا يبقى له سوى أن يُضيف الزخرفة./ ويحتفظ متحف ڨيكتوريا وألبرت بلندن بعدد من هذه النماذج مصدرها تركيا العثمانية[48]. وكقاعدة عامة، يستحيل الكشف عن آثار هذه العملية في التزايين بعد الانتهاء منها. وبالمقابل، فقد ذاع استخدام المراسيم في الدولة العثمانية وفيما وراء النهر، حيث كانت تسمح بتنفيذ الزخارف ابتداء من القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي بلون واحد أو أكثر من لون، لتزيين إطارات اللوحات الكاملة أو الهوامش، علما بأن استخدامها في الأساس أمر بديهي.

الأمدة السوداء...

*الجزء المتبقي من هذا المقال متاح حصريًا في النسخة المطبوعة من هذا الكتاب. الكتاب متاح بالصيغتين الإلكترونية والمطبوع، وذلك ضمن إصداراتنا على الرابط التالي:

http://doi.org/10.56656/100098


[1] Gacek, AMT, p. 118.

[2] الآيتان 1، 2 سورة القلم، وتوجد إشارات أخرى للقلم في الآية 27 سورة لقمان، والآية 4 سورة العلق.

[3] توجد تحليلات خاصة حول هذا الموضوع في كتاب

Qadi Ahmed, Calligraphers and painters, Atreatise by Qadi Ahmad. Son of Mir-Munshi (circa A.H. 1015/A.D. 1606), tard. V. Minorsky, Washington, 1959, p. 48-52).

واقترحت آن ماري شيمل A. Schimmel تعليقات موضحة في

Calligraphy and Islamic culture. New York/Londres, 1984

خاصة في ص 77-80. وفيما يخص تقديم الأدوات، تعمدنا ألا نذكر إلا المراجع؛ وفي الواقع وبسبب استعمال الخطاطين لهذه الأدوات، فقد أفردت العديد من المؤلفات المخصصة لفن الخط مكانا مهما لهذه المسائل التقنية. وفيما يخص بري القلم والنَّسب ما بين طرفي السن، أو زاوية البري، توجد أيضا وفرة في النصوص: ونحيل على سبيل المثال إلى ابن باديس: عمدة الكتاب وعدة ذوي الألباب، تحقيق الحلوجي وزكي، مجلة معهد المخطوطات العربية، 17 (1391هـ/ 1971م)، 71؛ نقله إلى الإنجليزية

M. Levey, Medieval Arabic bookmarking and its relation to early chemistry and pharmacology [Transactions of the American philosophical society 52/4] Philadelphia, 1962, p. 13-15.

[4] A. Grohmann, API, p. 119.

[5] انظرA. Grohmann, op. cit.

[6] وحسب U. Derman: «Hat» في Sabanci koleksiyonu, Istanbul, 1995, p. 17)، يجب حفظ القصب في الزبل قبل بريه.

[7] الزبيدي، حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، 1373هـ/ 1954م، 78 وترجمة: N. Abouricha, Recherches sur l’opuscule Hikmat al- israq ila kuttab al-afaq de Murtadâ al-Zabîdî, XIIe/XVIIIE s, thèse رسالة غير منشورة. تمت الإشارة إلى وجود طائفة «مبري الأقلام» في إستانبول(F. Hitzel, «Manuscrits, livres et culture livresque à Istanbul», (REMMM 87-88 (1999), p. 21 وترتكز هذه الإشارة على فهم سيء للكلمة التي تشير في الحقيقة إلى صناع السكاكين المخصصة لبري الأقلام.

[8]

M.B. Yazir, Medeniyet âleminde yazi ve islâm medeniyetinde kalem güzeli, 2e éd., Ankara. 1981, p. 141- 144, pl. 125. 126.

[9] O. Houdas, «Essai sur l’écriture maghrébine», Nouveaux mélanges orientaux, Paris, 1886, p. 98.

[10] Ibid., p. 105.

[11] Ibid., p.96.

[12] يقول هوداس (Ibid., p.96): «ونعلم أن الخط الكوفي يكتب بقلم  ذي حد، بينما لا يمكن كتابة الخط النسخي إلا بقصبة في طرفها شق مستقيم بُرِيَت حافتاه بميل وذي حد حاد».

[13] M.B. Yazir, op. cit., p. 139 ولوحة 124 a, U. Derman, Ibid; b

[14] Ibid لوحة U. Derman, Ibid.; 124, h, i

[15].API , p. 122 مشيرا إلى مخطوط برلين رقم SB Landsberg 637.، ورقة 19.

[16] مذكورة في API, p. 122 نقلا عن الليلة الثامنة والخمسين في ترجمة

E, Littmann, Die Erzählungen aus den tausend und Ein Nächte, t. I, 1934, p. 642.

[17] كتاب المجالس والمسايرات، تحقيق الفقي وشبوح واليعلاوي، بيروت 1997، 289- 290.

[18] G. Khan, «Arabie papyri», Codicology, p. 15.

[19]

E. Delange, M. Grange, B. Kusko et E. Menei, «Apparition de l’encre métallogallique en Egypte à partir de la collection de papyrus du Louvre», Revue d’égyptologie 41 (1990), p.215.

[20]

D. Haldane, Bookbindings, p. 185, no 172 (مخطوط متحف ڨيكتوريا وألبرت بلندن V&AMI.D. بدون رقم، المنسوخ في تموذ سنة 1265هـ/ 1848م-49) وص 187 رقم 173 (مخطوط المكتبة نفسها رقم4625  المنسوخ بكشمير سنة 1283هـ/ 1866م- 67).

[21] ورد رسمٌ عند

J. Pedersen, The Arabic book ill. 6 («Typical book and writing untensils (sic) on nineteenth-century Egypte». E. W. Lane, The Manners and Customs of the Modern Egyptians, London 1908)

يعطي لمحة عن أدوات النساخ: ونلاحظ علاوة على القلم، السكين والمسن، والمسطرة، ولوحة توضع عليها الأوراق للكتابة والمقلمة ومعها المحبرة، والمقص؛ والقاموس موضوع في طرف المكتب.

[22] A. Grohmann, API, p. 126.

[23] J. Sadan, «Nouveaux documents sur scribes et copistes», REI 45 (1977), P. 41-56 يتكون المقطع Makta’ العثماني من دكة معدنية وجزء من العاج الذي يوضع عليه طرف القلم لبريه.

[24] Gacek, AMT, p. 70، السكين فقط.

[25] M. B. Yazir, op. cit., p. 145-147 et pl. 127 (Kalemtras)، ويحيل ابن باديس: المرجع السابق 14-15، إلى سكينين.

[26] Gacek, AMT pp. 116-117.

[27] يوصي العلموي، في كتابه: «المعيد في أدب المفيد والمستفيد» باستعمال الآبنوس (ترجمة روزنتال فيF. Rosenthal, The technique and approach of Muslims scholarship, p. 13).(

ويوصي ابن باديس بخشب صلب (المرجع السابق، 15)، وانظر أيضا القلقشندي،  صبح الأعشى في صناعة الإنشا، 2: 468.

[28] J. Sadan, op. cit., 54.

[29] راجع على سبيل المثال «الشكل الوارد عندA. F. J. Herbin, Développements de la langue arabe moderne, suivis. d'un essai de calligraphie oriental, Paris, 1807, pl. 6, 27 وكذلك M.B. Yazir-، U.؛M.B. Yazir, op. cit., pp. 147- 148 Derman, op. cit., p19.

[30] J. Pederson, op. cit شكل 6 و 27؛ M. B. Yazir, op. cit شكل 130؛ A. Grohmann, AP I, pl, XXII/1; U. Derman, op. cit., p. 19; J. M. Rogers, GENEVE 1995, p. 102-103, nos 56-58, 231, nos 159, 247, no 172; VERSAILLES 1999, p. 109 no 123. وفي تركيا، أُطلِق على النتوء المخصص لوضع القلم «قلم يوفازي Kalam Yuvasï» ( عِشّ القلم).

[31] Gacek, AMT, p. 28 وهذا النوع من الدواة يمكن أن يوضع على مكان مسطح، بينما يُحمل النوع الآخر، وكلاهما مذكور في لائحة الجنيزة، الأمر الذي يمنع افتراض أن المحبرة كانت حكرا على نساخ المخطوطات أكثر من الدواة.

[32] M. B. Yazir, op. cit., p. 150-51، ولوحة 136؛.U. Derman, op. cit., p. 23

[33] الزبيدي: حكمة الإشراق 73، وترجمة N. Abouricha, op. cit., p. 73

[34] M. B. Yazir, op. cit., p. 168- 169, pl. 153-155; U. Derman, op. cit., p. 20.

[35] M. B. Yazir , op. cit., p. 169-170, pl. 156; J, M. Rogers, GENEVE 1995, p. 243 no 169;VERSAILLES 1999, p. 170. no124. وانظر كذلك فيما يلي.

[36] Gacek AMT p. 68، المسطرة فقط.

[37] انظر فصل «التسطير وإخراج الصفحات».

[38] ابن الصائغ، تحفة أولي الألباب إلى صناعة الخط والكتاب، تحقيق هلال ناجي، تونس، 1967، 105. ويوجد البركار أيضا إلى جانب المسطرة، ضمن أدوات المجلدين كما ذكر ابن باديس (المرجع السابق 153 وترجمة ليڨي (Levey, op. cit., p.41

[39] J. Sadan, op. cit., p. 49, n. 49 وتتطلب وصفة لإخراج الصفحة مذكورة في فصل «إخراج الصفحات » استخدام البركار.

[40] Gacek, AMT, pp. 124, 57؛ وأيضا رحل(Ibid., p. 54)  وملزمة(Ibid., p. 128).

[41] VERSAILLES 1999, p. 165 no 115 (مخطوط متحف طوبقبوسراي بإستانبول رقم TKS H 2169، ورقة 51ظ، من نهاية القرن السادس عشر)،COPENHAGUE 1996, p. 137, fig. 46  (مخطوط متحف طوبقبوسراي بإستانبول رقم TKS H 1609، ورقة 74، نحو سنة 1005هـ/ 1596م). يدور المشهد في وسط للخطاطين؛ ولا شيء يدلنا على أن هذا الأمر يمكن أن يُعمَّم.

[42] انظر الشكل الهامشي المشهور في أليوم جهانكير

Album de Jahangir (Washington, Freer Galley 54. 116; vers 1010- 1020/ 1600-1610).

[43]

VERSAILLES 1999, p. 167, no 117 (Paris, Louvre, section isl. MAO 871) et COPENHAGUE 1996, p. 152- 153, no115, The. David Coll., 19/ 1985.

[44] كتب هذه الفقرة محمد عيسى ولي M. ‘I. Waley. وفيما يخص أدوات المجلدين، توجد إشارت عند: D. Haldane, Bookbinding, في CHICAGO 1981 وكذلك في مقالات A. Gacek (انظر فصل «التجليد»، هـ1).

[45] Qâdî Ahmad، المرجع السابق، 23-24 و 50.

[46] راجع ما تقدم.

[47] «يليق بنا أن نجمع [...] الرسوم [...] وأن نلصقها بغراء العجين على هذا الجلد الرقيق للغزال الذي نجده في كمية كبيرة في حوانيت صائغي الذهب والفضة»،(CI, Huart, Les calligraphes et les miniaturistes del’Orient musulman, Paris, 1908 إعادة نشرOsnabrück, 1972, p. 18)

[48] CHICAGO 1981, p. 73, fig. 14 و D. Haldane, Bookbindings, p. 10-12.

ملاحظة:
نشر النص في الكتاب التالي:
المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي، 2010 - النسخة العربية، مؤسسة الفرقان بالتراث الإسلامي، لندن، ص 285-310 نقله إلى العربية وقدم له أيمن فؤاد سيد.
Back to Top