استخدام الورق في المخطوطات الإسلامية كما سجلته النصوص الفارسية القديمة

شارك:

إيرج أفشار

محتويات المقال:
المصطلحات
أساليب صناعة الورق
لون الورق
أنواع الورق
متفرقات

إن أهم الدراسات التي أجريت باللغات الأوروبية عن تاريخ الورق (كاغذ) وصناعته، واستخدامه في المخطوطات الإسلامية، قام بها فون كاراباتشيك (von Karabacek)، وهوارت (L. Huart)، وبابينجر (T. Babinger)، وبيديرسون (J. Pederson)، وغروهمان (A. Grohmann)، وليفي (M. Levey)، وسيلهايم (R. Sellheim) كما ينبغي ألا ننسى المقالة الممتازة التي كتبها كركيس عوّاد باللغة العربية. وقد اعتمدت هذه الدراسات بصفة عامة على مصادر كتبت باللغة العربية،[1] وذلك باستثناء الدراسة الحديثة التي قام بها بورتر (Y. Porter) والتي أمدت دارسي الفارسية الغربيين بمعلومات قيمة، وبصفة خاصة في مجال المخطوطات الفارسية الموجودة في بلاد الهند.[2]

أما البحث الذي سأقدمه إلى هذا المؤتمر فهو نتاج 40 عاماً من التفحص لما يزيد عن 40,000 نص باللغتين العربية والفارسية في المكتبات والمجموعات الخاصة في إيران وغيرها. وقد تمكنت نتيجة له من كتابة دراسة عن استخدام الورق في بلاد المسلمين. وبما أن هذا العمل لم ينشر بعد، فقد رأيت أنه من المناسب تقديم مقتطف منه يتناول مصطلح «الوراقين» (صانعي الورق)، هادفاً بذلك إلى لفت الأنظار إلى أهمية المعلومات الموجودة عن الورق في الكتابات الفارسية القديمة للتعرف على أنواع الورق المختلفة التي استخدمت في المخطوطات الإسلامية.

المصطلحات

علي القوشجي{ رقم 18} يقدم الرسالة المحمدية إلى السُّلْطَان محمَّد الفاتح.
نموذج ترجمة الشقائق، TSMK، الخزينة (نسخة خزائنية)، رقم 1263، ورقة 113 ب. طبع في كتاب التراث العلمي العثماني، 2023، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ص 90.
علي القوشجي{ رقم 18} يقدم الرسالة المحمدية إلى السُّلْطَان محمَّد الفاتح.
نموذج ترجمة الشقائق، TSMK، الخزينة (نسخة خزائنية)، رقم 1263، ورقة 113 ب. طبع في كتاب التراث العلمي العثماني، 2023، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ص 90.

منذ انتشار صناعة الورق عند المسلمين، بدءاً كما نعرف بمدينة سمرقند، كان دائماً يوجد أفراد وعائلات في الكثير من المدن الإسلامية عرفوا باسم «كاغذي». وكانت هذه النسبة، على حسب قول السمعاني، ترجع لاشتغال أسرهم في الماضي أو الحاضر بصناعة الورق أو الاتجار به. وقد جاء الكثيرون من حاملي هذا الاسم من نيسابور، وسمرقند، وإصفهان، وقزوين، وجوران، وشوشتر، وذكروا في تواريخ هذه المدن. ومن الملفت أن هذه النسبة صارت تتمتع بالشعبية قبل بداية القرن السادس الهجري (القرن 12 الميلادي)، وكان آخر شخص يحمل هذا الاسم مر علي في الكتابات الفارسية القديمة يسمى الحاج صالح كاغذي. وقد كان من أثرياء شوشتر (القرن 12هـ)، وذكره عبد اللطيف الشوشتري في كتابه «تاريخ شوشتر». ومن المرجح أن اسمه كان دلالة على حرفته أو حرفة أسرته.

بالإضافة إلى ذلك، كانت كلمة «كاغذي» تستعمل في إيران وعند الهنود الناطقين بالفارسية لوصف الثمار ذات القشور الرقيقة، مثل بادام كاغذي (اللوز)، وسيب كاغذي (التفاح)، كردوي كاغذي (الجوز)، وشفتالوي كاغذي (الخوخ)، قصب كاغذي (نوع من التمر)، وليموي كاغذي (الليمون).

واليوم لم يتبق في الاستعمال اليومي الدارج في اللغة الفارسية سوى مصطلحات بادام كاغذي وكردوي كاغذي وقصب كاغذي (والمصطلح الأخير يستعمل فقط في فرس)، أما الباقي فلا نراه سوى في الكتابات القديمة. وقد ذكر الوزير والطبيب والمؤرخ رشيد الدين فضل الله همداني، الذي عاش في القرن السابع الهجري (القرن 13م)، مصطلح شفتالوي كاغذي في كتابه عن الزراعة المسمى «آثار وأحياء» كما ذكر سراج المحققين، وهو أحد شعراء الفارسية في الهند خلال القرن الثاني عشر الميلادي، مصطلح ليموي كاغذي في بيت الشعر التالي حسب ما ذكر في «فرهنگ أمند راج»:

أيتها المحبوبة! لماذا تعقدين حاجبيك عند رؤية هذه الرسالة؟ إنها رسالة حبيب وليست ليموي كاغذي.

وفي حين نستعمل ليموي كاغذي للدلالة على الليمون ذي القشرة الرقيقة، فإن هذا المصطلح لا يستخدم في إيران، ونجد دليلاً إضافياً على استخدامه في الهند في عمل لأديب هندي آخر، ألا وهو اعتصام الدين جايبوري الذي ذكره في سرده لرحلة قام بها إلى إنجلترا عام 1199هـ/ 1784 - 1785م في كتابه «شگرف نامه ولاية». بالإضافة إلى ذلك، فقد ذكر مؤلف «فرهنگ آمند راج» تحت كلمة بغرا (وهو نوع من الطعام) أن عصير الليمون ذا القشرة الرقيقة يصب فيه. وكذلك رأيت مصطلح سيب كاغذي في أعمال إيرانية بالفارسية مثل «تاريخ كاشان» (القرن 19م) وفي مؤلفات هندية كتبت باللغة الفارسية مثل گلزار كشمير (القرن 19م).

وبالإضافة إلى الثمار فإننا نجد أن كلمة كاغذي استعملت للدلالة على زهرة شهيرة تعرف باسم گل كاغذي (وتعرف بالجهنمية في اللغة العربية، واسمها اللاتيني Bougainvilia Spectabilis واستعملت كذلك للدلالة على الكتان (كتان كاغذي، حسب ما نجده في مذكرات بصير الدين شيباني كاشاني - القرن 19م).

ومن ضمن أسماء المدن الإيرانية هناك كاغذ كنان (وكانت تسمى خانج قبل القرن 8هـ)، ومدينة كاغذي التي تقع بالقرب من كاشان. وقد ذكر الشاعر نزاري قهستاني في القرن 15م في أخبار أسفاره التي نظمها شعراً اسم پل كاغذ گران، وهو جسر بالقرب من قهستان.

وتستعمل كلمة كاغذ في اللغة الفارسية أيضاً بمفهوم نامه (رسالة)، ويمكننا العثور على أمثلة لهذا الاستعمال في المؤلفات الشعرية والنثرية لخاقاني، وسعدي، ومولوي، وجامي، وعلي شير نوائي، ونويدي، ولكثيرين غيرهم. وسأكتفي هنا بتقديم مثال واحد من القرن 13م، يتضح فيه مزيج من التذوق الجمالي الأدبي والشعري:

يذكرك الربيع بأوراق الزهرة المتفتحة، كصديق يبعث برسالة (كاغذ) لصديق.

دعونا الآن نوجه انتباهنا إلى دور كلمة كاغذ وتأثيرها على التعريفات والمصطلحات والأساليب اللغوية المدنية والاجتماعية والأدبية. وقد وجدت حتى الآن أكثر من أربعين حالة استخدمت فيها كلمة كاغذي في مصطلحات ذات علاقة بالأدوات والحياة اليومية، أو استعملت للدلالة على فعل أو صفة. وللاختصار، فقد ضممت هذه المصطلحات في قائمة (الملحق رقم 1)، وعلى أي حال يمكننا بصفة عامة القول بأن معظم الاستعمالات المركبة للكلمة كانت مصطلحات شاعت بين المسلمين الهنود الناطقين بالفارسية وفي بلاد ما وراء النهر وأرجاء الإمبراطورية العثمانية.

أولاً: فيما يتعلق بالورق نفسه وصناعته، نجد مصطلحات مثل كاغذ بر (قاطعة الورق أو سكين الورق)، وكاغذ بري (قطع الورق، آلة القطع، المقصلة). وقد استعمل رشيد الدين فضل الله (القرن 14م) مصطلح كاغذ خانة في «الوقفية الرشيدية» للدلالة على مصنع «ربع رشيدي» لصنع الورق، والذي أسسه بنفسه في تبريز. ومن ضمن المصطلحات الأخرى كاغذ حل كاري (الورق المذهب)، كاغذ دو پوست كردن (قطع الورق إلى جزئين بتشريح سمكه إلى نصفين)، كاغذ ساز (صانع الورق)، كاغذ سازي (تصنيع الورق)، كاغذ شكستن/ بريدن (قطع الورق)، كاغذ گر (صانع أو تاجر الورق)، كاغد گير (مشبك أو ثقالة الورق)، كاغذي (صانع الورق، أو بائع الأدوات المكتبية، أو أي شيء مغطى بقشرة رقيقة).

ويتعلق المجال الثاني لاستخدام هذا المصطلح بنوعية الورق ذاته، مثل كاغذ پازهري (ورق محمر الصفرة)، كاغذ دفتري (ورق عادي)، كاغذ خام (ورق خام أو غير مهذب)، كاغذ كاهي (ورق القش أو ورق الصحف). وبالمثل هنالك مصطلحات تدل على طريقة تحضير الورق أو الاستخدام المقصود منه، مثل كاغذ آهار مهره (ورق مصقول)، كاغذ أبري، كاغذ برقي (ورق لامع)، كاغذ تحرير (ورق كتابة)، كاغذ چرب (ورق أملس)، كاغذ مشق (ورق تدريب أو ورق الخطاط).

والتطبيق الثالث لهذه الكلمة يتصل بالورق المكتوب الذي نسخ من مسودة (أز سواد به بياض آمده) ثم تم تحويله إلى ورق نفايات، وكذلك الورق المستهلك المعثوث والكتب التالفة الغير قابلة للاستعمال. وهذه الأنواع من الأوراق تستخدم في صناعة الورق المقوى، وورق اللف، وفي الحرف القائمة على الورق مثل صناعة المقالم (قلمدان)، والعلب الصغيرة والقبعات. وتوصف هذه الأوراق في النصوص بأسماء مثل كاغذ قند، وكاغذ دواء، وكاغذ عطاري، كاغذ باطل (نفايات وقصاصات الورق).

أما الفئة الرابعة فتتعلق بالأشياء والأدوات مثل كاغذ أندازه (النموذج الورقي لتصميمات الثياب)، كاغذ سوزني/ كردى (ورق إستنسل مقوى يستعمل في أشغال الجص والنقش)، كاغذلق (ورق يستخدم بديلاً عن الزجاج في النوافذ، كما جرت العادة في الصين واليابان)، كاغذ فانوس (فانوس ورقي)، كاغذ وصلي/ وصالي (ورق تجليد الكتب أو لوح اللصق).

والاستعمال الخامس يخص اللُعَب وأدوات اللعب، مثل كاغذكل (الورد الاصطناعي)، كاغذ آتشزاده (ورق إشعال الألعاب النارية)، كاغذباد (الطائرة الورقية، وهي تعرف أيضاً باسم بادبادك). وهذا المصطلح الأخير ما زال يستعمل في يزد (وسط إيران) إلى يومنا هذا، وكان شائعاً للغاية في العصر الصفوي، وقد أمد الشعر الفارسي بتشبيه مجازي جديد، ومن المناسب في هذا السياق ذكر مقطع شعري من نظم الشاعر صاعب، وهو مقتطف من أكثر من ثلاثين بيتاً وجدتها:

هذه الطاغية المحبوبة لا تعبأ بالقلوب الحزينة، فالطفلة المرحة تصنع طائرات ورقية من (صفحات) المصحف.

أما الصنف السادس فنجده في التطبيق المدني والاجتماعي للمصطلح، مثل كاغذ أخبار (جريدة الأنباء) وهو مصطلح يستخدم منذ أواسط القرن 19م، وقد صار شائعاً منذ عهد قريب في إيران وعند الهنود الناطقين بالفارسية)، كاغذ بندكي (خطاب استعباد أو التزام)، كاغذ خانه (الأرشيف، واستعمل خلال عصر ناصر الدين شاه) كاغذ زر (شيك مصرفي، أو قطعة الورق التي كان يلف فيها الذهب قبل تقديمه إلى الشعراء). وقد كثر استخدام هذا المصطلح عند الكتاب والشعراء القدامى، كما في بيت التالي من شعر عطار نيشابوري (القرن 6هـ):

المرأة العجوز ذهبت إلى أبي علي (ابن سينا). أخذت إليه كاغذ زر وطلبت منه أن يأخذه.

وفي القرن التالي كتب كمال الدين إسماعيل البيت التالي:

إذا لم تمنح الشاعر كاغذ زر، قدم له على الأقل ثمن قطعة الورق لكتابة الشعر.

ومن المصطلحات التي تلفت انتباهنا إلى الأوضاع الاجتماعية في الماضي مصطلح كاغذين جامه أو پيراهن كاغذين (ثوب من الورق كان يرتديه المتضرعون والمظلومون ويكتبون عليه شكواهم إلى أولي الأمر). وكانوا يذهبون إلى المحاكم والقضاة والحكام في هذا النوع من الثياب لإنصافهم في حقوقهم. ومن المصطلحات الأخرى، مصطلح كلاه كاغذين (قبعة أو غطاء رأس من الورق الأحمر). وكان بعض العصاة يعاقبون بأن يجبروا على ارتداء غطاء الرأس هذا ويعرضوا في السوق والشوارع ليسخر منهم العامة. وقد وجدت أكثر من خمسين مثالاً على هذه العقوبة في الشعر والنثر والكتابات التاريخية.

أساليب صناعة الورق

حسب علمي، ورد أول ذكر أدبي لصناعة الورق في أشعار منچهري دامغاني (القرن 12م)، وذلك في قصيدة سعى الشاعر فيها إلى وصف الصحراء المغطاة بالثلج حيث مثلها بكارگاه كاغذ گري (مصنع الورق):

أصبحت الأراضي من بلخ إلى خاوران مثل مصنع سمرقند؛ أبوابه وسقفه وجدرانه صارت مثل تلك التي للنقاشين وصانعي الورق.

وشرح هذا التشبيه يكمن في أن صحائف الورق المبلل كانت تعلق على الجدران أو تنشر على الأرض لتجف، وتطلب ذلك توفر مساحات واسعة في المصنع.

وكان صانع الورق يسمى كاغذگر، وفي بعض العصور كان يطلق على العاملين بهذه الحرفة أسماء كاغذ ساز أو كاغذي. (ويمكن العثور على هذه المصطلحات في كتابات تنتمي إلى نمط من النتاج الأدبي يسمى شهر آشوب، وهي أعمال هجائية عن الطبقات الاجتماعية المختلفة في مدينة ما).

والمعلومات المتاحة لنا عن صناعة الورق في المدن محدودة، ولا نجد سوى التلميحات والإشارات الضمنية في الكتابات والأشعار القديمة، ولكنها على الأقل تمدنا بأسماء تلك المدن الإيرانية التي جرى فيها إنتاج الورق بجانب سمرقند. ويرجع أقدم هذه المصادر إلى بدايات القرن السابع الهجري.

وكان الورق السمرقندي يحظى بشهرة عريضة وتقدير واسع من القرن الرابع حتى القرن الثالث عشر من التقويم الهجري، وأقدم المعلومات المتوفرة لدينا عن صناعة الورق في سمرقند تأتينا من الكتاب الجغرافي المسمى «حدود العالم من المشرق إلى المغرب» الذي كتب عام 371هـ. وأهم إشارة فيه إلى هذه الناحية من النشاط الاقتصادي في سمرقند هي:

ومنها يأتي ورق ينقل إلى كافة أرجاء العالم.[3]

ونشطت صناعة الورق أيضاً في إصفهان حتى العشرينات من هذا القرن. فنحن نعرف من كتاب «محاسن إصفهان» الذي ألفه مافروخي في أوائل القرن الثامن الهجري (القرن 15م) وترجمه إلى اللغة الفارسية عالم من مدينة أوّه، أن الورق كان يصنع في إصفهان في ذلك الوقت على طريقة الكاغذ الرشيدي. وقد أضاف المترجم الكلمات التالية:

دون ثناءه على أفضاله على صفحة من كاغذ رشيدي صنعه بنفسه لكتابة أعماله الأدبية ولإحياء كتب علماء الماضي الكبار، وهو ورق لا نظير لجودته

من حيث نصاعة صفحاته، وحجمها وشكلها، ولينها ونظافتها، وقوتها، وملاستها وصقلها، فلا يوجد ولم يوجد له مثل في أية مملكة بعد إصفهان.[4]

وكان الورق الإصفهاني يوزع على كل مدينة وكان دائماً ممتازاً في جودته. ومن الورق الجيد المصنوع في هذه المدينة في القرن الثالث عشر ورق سمي چهار بغل (ورق كبير الحجم)، وكانت الصفحة الواحدة منه تباع بمبلغ 6 عباسي (عملة من النقود سميت نسبة إلى شاه عباس الصفوي). وقد ذكر ذلك حسين تحويلدار، مؤلف «جغرافية إصفهان»، في قوله: «على أية حال، يفضل البعض ورق خانباليق (بكين) على هذا الورق»، مما يدل على أن هذين النوعين من الورق كانا متشابهين في الجودة. وكان من أنواع الورق الأخرى المشهورة لهذه المدينة ذلك المسمي كاغذ فستقي نسبة إلى لونه الفستقي.

وكما رأينا مما سبق، كانت هناك مصانع للورق الممزوج بالماء بالقرب من المدينة المسماة ربع رشيدي. وقد ذكر رشيد الدين فضل الله ذلك المكان في صك الوقفية الرشيدية. كما ذكر كذلك أنواع الورق من نفس المنطقة في كتابه «سوانح الأفكار»، وهو تجميع لمراسلاته مع حكام زمانه، وأيضاً في مقدمة كتابه «لطائف الحقائق». وكان الورق المصنع في تلك المدينة من القطع الكبير وعلى نمط الورق البغدادي.

وكانت قزوين أيضاً من مراكز صناعة الورق في إيران. ونقرأ في «تذكرة شعراء كشمير» أن ملك الهند السلطان زين العابدين (1417 - 1467م) جلب عدداً من صناع الورق من هذه المدينة إلى كشمير، وبفضل هذه البداية حل الورق محل التوز (وهو نوع من لحاء الشجر) لأغراض الكتابة. ويذكر هذا الحدث مللا نديمي كشميري في بيت الشعر التالي:

وصار الورق ملزمة وسُفّر؛ حين فرَّق الزمن بين التوز وبين الكتاب.

وكانت كاغذ كنان، الواقعة بالقرب من زنجان، مركزاً شهيراً لصناعة الورق لفترة قصيرة، وقد ذكر حمد الله مستوفي في «نزهة القلوب» (القرن 15م) أنها عرفت باسم كاغذ كنان منذ بداية صناعة الورق هناك، وقد أصابها التدمير في عصر المغول، وحسب نفس المصدر و«معجم البلدان» كانت المدينة يطلق عليها «خونج» قبل تسميتها كاغذ كنان وهو الاسم الذي تعرف به اليوم.

ويعلمنا محرابي في كتابه «تذكرة الأولياء» (القرن 16م) أن مصانع الورق وجدت أيضاً في كرمان، بالقرب من مدينة خندق. وكذلك نجد إشارات في تاريخين من القرن السادس عشر لمدينة يزد إلى طاحونه كاغذكري (طاحونة الورق) وحانوت كاغذي (دكان الورق) كانا من أملاك رجل اسمه فرج يهودي. وما زال هناك إلى اليوم شارع في أعتق أحياء المدينة يعرف باسم كوچة كاغذكري.

أما عن صناعة الورق في خراسان، فإن أقدم المخطوطات التي يمكننا الاعتماد عليها هي فهرست ابن النديم، الذي يخبرنا أن البداية الأولى لصناعة الورق في إيران كانت في خراسان، كما ذكر أسماء أنواع الورق الذي كان ينتج هناك. وعلى الرغم من أنني قصدت إلى تقديم هذا البحث اعتماداً على المصادر الفارسية، فقد شعرت أن النقطة السابقة بحاجة إلى مزيد من التوضيح.

ذكر ابن النديم سبعة أنواع من الورق، ستة منها تنسب إلى خراسان وما وراء النهر، وواحد من مصر، وهو المسمى كاغذ فرعوني، أما الأخرى فعرفت بالأسماء التالية: سليماني (نسبة إلى سليمان بن رشيد، وكان وزيراً للشؤون المالية في خراسان) - جعفري (نسبة إلى جعفر البرمكي) - طلحي (نسبة إلى طلحى بن طاهر من عصر أسرة الطاهريين التي حكمت خراسان) وطاهري (نسبة إلى طاهر الثاني من أسرة الطاهريين أيضاً) - نوحي (نسبة إلى نوح بن نصر من الأسرة السامانية). ويتضح من ذلك أن الورق كان يصنع في خراسان وأن أنواعه كانت على ما يبدو تسمى نسبة إلى كبار رجالات الدولة الذين فضلوها على غيرها.

وإذا أخذنا في الاعتبار هذه الإشارات، وكذلك دلالات أخرى تفيد بأن أسراً تعرف باسم كاغذي كانت تقطن في بيهق ونيشابور، وأن پل كاغذگران مذكور في شعر نزاري قهستاني، وأيضاً المعلومات التي استمدها «بورتر» من نص بابرنامه بشأن مصانع الورق في هرات،[5] يمكننا الجزم بأن صناعة الورق انتشرت في سائر أنحاء المنطقة، بعد بدايتها الأولى في سمرقند.

وتأتينا أحدث إشارة عن صناعة الورق في خراسان من عصر ناصر الدين شاه (القرن 19م)، وهي في إحصاء للمنطقة أعده زين العابدين، ومنها نعلم أن نقابة صناع الورق كانت من ضمن النقابات الحرفية المحلية.

أما معلوماتنا الفنية المتعلقة بالأدوات والآلات التي استخدمت لصناعة الورق، فهي محدودة للغاية لاعتمادها على عدد قليل من الإشارات المتضمنة في المصادر الأدبية. ونحن نعلم مثلاً أن رشيد الدين فضل الله جلب عدداً من الحرفيين الصينيين إلى مصنع الورق (كاغذ خانه) الذي كان يملكه في ربع رشيدي، ودوّن المعلومات التي حصل عليها بخصوص أصناف الورق الصيني في كتابه «آثار وأحياء».[6] وقد ذكر في حديثه عن أوجه الاختلاف بين الورق الصيني والتبريزي أن أهل الصين صنعوا ورقاً من لحاء شجرة التوت، وأحياناً صنعوه من الحرير، بينما كان الورق يصنع في إيران من القطن والخرق.

ولحسن الحظ تتوفر لدينا معلومات أكثر عن العصر الصفوي، تأتينا بصفة خاصة من إشارات في أعمال شعراء سبك هندي (الأسلوب الهندي) الذين نشطوا في تلك الفترة، والذين عادة ما استمدوا إلهامهم من الأمور اليومية العادية. وقد ورد موضوع الورق في تشبيهاتهم البلاغية، مثلما ذكره طغراي مشهدي عن قالب كاغذ (قالب صنع الورق):

ما أكثر ما أعادت فتاتي مكاتيب الهوى؛ حتى ظهرت فيها شقوق كشقوق قوالب الورق.

ومن الأشعار الكثيرة التي ذكر فيها الورق، أقتبس هنا ثلاثة أبيات فقط من قصيدة «مثنوي جوهر فرد» التي نظمها الشاعر عبدي بيك شيرازي، وكان من شعراء القرن السادس عشر، وعرف باسم النويدي، ويشيد فيها بمحاسن القطن:

يستمد الورق وجوده منه؛ كأن الوحي قد نزل عليه. الورق الهندي غضب من الورق الصيني؛ وأخبر واسط[7] بأمر روم وزنجبار. حيناً يتكشف عن نفسه من بلاد خطائي؛ وحيناً يأتي بالأنباء من سمرقند.

ويعبر محمد شافعي همداني (القرن 18م) عن معان مماثلة في كتاب «شهر آشوب» من تأليفه. ولن أقتبس هنا النص نفسه، بل سأكتفي بإيراد أنه ذكر المصطلحات التالية: كاغذ خطائي وكشميري (ورق صيني وكشميري)، شحَّاف (مجلِّد الكتب)، مهره كشيدن (صقل الورق بالطلاء)، نشسته (النشاء)، آهار دادن (اللصق بالنشاء)، وكل هذه المصطلحات على صلة بصناعة الورق. كما روى همداني أيضاً بصورة ضمنية أسلوب صناعة الورق من الصوف.

ويقول مؤلف «كلزار كشمير» (القرن 19م)، والذي أمدنا بمعلومات عن صناعة الورق في كشمير، أن خرق نسيج الكتان كانت تحول إلى عجينة بواسطة ملح النشادر ثم تصب هذه العجينة في پنجر چهار خانه (وهو إطار مقسم إلى أربعة أجزاء) وفي دام (مصيدة) وبعدها كان الورق المنتج يطلى لصقله أو يسوى.

وفي العصر الصفوي كان صناع الورق يشكلون نقابة خاصة بهم، مما يفسر ذكر معظم كُتاب «شهر آشوب» لهم. وبطبيعة الحال لم يرد أي ذكر لكاغذكار (صناع الورق) في أقدم تصانيف «شهر آشوب»، وهو الذي ألفه مسعود سلمان (القرن 12م)، حيث اقتصر على ذكر النقاشين والخطاطين. ولكن الأمثلة الصفوية لهذا الأسلوب الأدبي، والتي من ضمنها «شهر آشوب» الذي ألفه لساني شيرازي (القرن 16م)، وآخر ألفه طاهر قزويني (القرن 17م)، اشتملت على أبيات شيقة عن صناع الورق. وأورد لكم هنا مثالاً من عمل لساني شيرازي:

سأشتري ورقاً أصنع منه ثوباً لألتمس منك الإنصاف؛ وحين أرتديه، سأتقدم متظلماً بشكواي.

ومن طُرف البلاغة أن طاهر وحيد يكني في شعره عن مصانع الورق، فيقارن صانع الورق بالخباز الذي ينتج صفحات الورق بدلاً من الخبز، وبينما يحل الماء محل النار في تنّوره (وفي مصنع الورق، يسمى المكان الذي يصب فيه الماء بالتنّوره). يقول الشاعر:

بما أن هذا الخبز يخبز بالماء بدلاً عن النار؛ فإن الكتاب يملأ بطنه بهذا الخبز.

لون الورق

إن المعلومات المتوفرة لدينا عن تلوين الورق وصقله لأكثر اكتمالاً بسبب وجود بحوث ورسائل متخصصة عن هذا الموضوع.[8]

وأقدم عمل فارسي يتضمن إشارات إلى صباغة الورق هو «بيان الصناعات»، من تأليف حبيش تفليسي[9] (ت. حوالي 600هـ)، وكما ترون فأن هذا العمل يبلغ من القدم ثمانية قرون. وكذلك يذكر دولت شاه سمرقندي (القرن 9هـ) في «التذكرة»، الفن والإتقان الذي بلغه سيمي نيشابوري، وهو مؤلف دراسة هامة عن صباغة الورق تعرف باسم «جوهر سيمي»، حققها ونشرها مؤخراً ي. بورتر.[10]

وكان هناك تنوع كبير في صباغة الورق، ومع أن ما زعمه قاضي أحمد يبدو مشوباً بالمبالغة، فنذكر أنه روى في «گلستان هنر» أن مولانا محمد أمين جدولكش («مسطرة الورق») كان يلون الورق بسبعين لوناً.

ولو ذكرنا كافة الألوان التي وصف بها الورق في الكتابات النثرية والأشعار لطالت هذه الدراسة طولاً لا داعي له. ولذلك أعددت قائمة تلحق بالدراسة. وكان ي. بورتر قد اعتمد في جمعه لقائمته[11] على الأعمال التالية: «جوهر سيمي»، و«خوشنوسي»، و«مجموعات الصنائع»، «بياض خوشبوي». أما أنا فقد اعتمدت على «گلزار كشميري»، وعروض أمناء المكتبات القدامى وأصحابها لصفحات عناوين المخطوطات، و«گنجينه صفي» (فهرس أردبيل)، بالإضافة إلى المصطلحات التقنية المأخوذة من فهارس العصر القاجري. وقد أبرزت أية اختلافات بين قائمتي وقائمة بورتر، إذ وجدت ذلك ضرورياً وخاصة لوجود مصطلحين خاطئين من الناحية الإملائية في قائمة بورتر، ألا وهما ختائي وزمرد ليموي: فالأول صحيحه جنائي، ولاثاني زرد ليموي (أصفر ليموني).

وكانت الألوان المستعملة في صباغة الورق إما بسيطة أو مركبة. وكانت أكثرها شعبية آل (أصفر محمر)، وحنائي (برتقالي محمر)، وليموي (أخضر مصفر)، وفستقي، ونخودي (أصفر برتقالي). وكان الاعتقاد السائد هو أن الورق الأبيض الناصع ضار للعين في الضوء القوي، وأن الورق الملون أكثر ملاءمة.

وفي العصر الصفوي، كان أفضل الورق جودة ينتج في لوني آل وحنائي. ويقول لساني شيرازي عن ورق آل الملون:

كان بغرفتي ورق آل وردي؛ مذكراً إياي بالورود ووجه حبيبتي.

وقد نظم شعراء ذلك العصر قصائد عديدة مشيدين فيها بالورق الحنائي. وسأكتفي هنا بمثال واحد، وهو مقطع من بيتين من شعر نظمه واعظ قزويني، يقارن فيه لون الورق الحنائي بلون يد محبوبته:

لونك، في نضارته، كالحرير الصيني؛ ويدك، في رقتها، كالكاغذ الحنائي.

وعند هذا المنعطف، لعله كان من المناسب أن نتحدث عن الأوجه المختلفة لكاغذ أبري (نوع من الورق السميك المصقول) وأهميته في فن الخط، ولكن المجال لا ينفسح لذلك كما أنه يوجد عدد وافر من البحوث نشرت حول هذا الموضوع، منها مقالتان حديثتان بالفارسية، إحداهما بقلم محمد حسن سمسار نشرت في «دائرة المعارف بزرگ إسلامي» والأخرى نشرها يحيى زكاء في دورية «آينده.»[12] ولهذا سأقتصر على ذكر الكتابات التي توجد فيها إشارات إلى كاغذ أبري. ويمكن العثور على النصوص الكاملة لتلك الكتابات في الدراسة الخاصة التي قمت بها. وهذه المصادر تشتمل على أعمال شعرية نظمها كليم كاشاني، وسليم تهراني، وصائب تبريزي، وواعظ قزويني، وعشرات غيرهم من الشعراء، والمقطع الشعري التالي يمدنا بمثال نموذجي لتلك المصادر الشعرية:

فلتعلمي، أن بدونك أبكي دموعاً بمئة لون؛ رقشت بها لون الكاغذ الأبري.

وتعود الإشارات إلى تقنيات صقل الورق بطلاء من النشاء إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وسأذكر هنا إشارتين من تلك الحقبة. واحدة مقتبسة من «فرخ نامه جمالي»، التي كتبها في 580هـ جمالي يزدي ونشرتها بنفسي، وفيها يذكر أسلوب الصقل بنشاء الأرز.[13] أما الثانية فهي بيت شعر من نظم سوزني سمرقندي (ت 562هـ) ويقارن فيها الشاعر بين ريش طائر اللقلق الباهر العازل للماء وبين الورق المصقول اللامع، حيث يقول: رأى ريش اللقلق وكأنه ورق ملمع مصقول.

وكان الورق المصقول ورقاً من نوعية جيدة وكان الطلب عليه كبيراً من قبل الخطاطين لأن القلم كان يجري عليه بسهولة. وقد خصص الخطاط المشهور سلطان علي مشهدي سبعة مقاطع من بحثه المعروف لذكر أسلوب صقل الورق، وكان هذا يتم في العادة يدوياً. ولكن محمد حافظ إصفهاني قال بأنه اخترع آلة في عام 1506م يسرت هذه العملية، ولا نجد ذكراً لهذا الأمر سوى في كتابه «نتيجة الدولة.»[14]

أنواع الورق

من أهم النقاط التي حظيت بالبحث في ميدان علم المخطوطات الإسلامية مسألة التعرف على أنواع الورق المختلفة. فالمصادر الفهرسية في عمومها لا تتناول سوى لون الورق وسمكه، في حين استطعت استكشاف أسماء الأنواع المختلفة للورق التي استخدمت من النصوص نفسها. ولكن، تعرف المفهرسون المحدثون في البلدان الشرقية على تسمية الورق بصفة عامة بأسماء اعتمدوا فيها على الشبه والأقوال المتواترة، منافين أحياناً في ذلك الوقائع التاريخية المعروفة. فعلى سبيل المثال، بعد أن درست قيود فهرس كتابخانه ملي مالك، يمكنني القول بأن المصحف رقم 15 الذي نسخه ياقوت المستعصمي عام 680هـ لا يمكن أن يكون قد كتب على ورق من نوع دولتآبادي حيث أن هذا النوع لم يرد له أي ذكر في مصادر تسبق في تاريخها القرن الحادي عشر الهجري. وكذلك صُنف ورق مصحف آخر (رقم 44) مكتوب بالخط النسخي المبكر على أنه من النوع الدولتآبادي. ووصف ورق المصحف رقم 46، وهو مكتوب بالخط الكوفي، بأنه من نوع ترمه ختائي، بينما مصطلح «ختائي» لا يبلغ قدمه بالتأكيد التسعمائة عام. وهذه الأمثلة القليلة أدت إلى اعتقادي بأن الاعتماد على المصطلحات الشائعة في تحديد أنواع الورق المستخدم في المخطوطات إنما هو أمر يتنافى والحكمة.

والركائز السليمة الوحيدة التي يمكننا الاعتماد عليها في التعرف على أنواع الورق هي تلك الحالات التي قام فيها أصحاب مكتبات المخطوطات العربية والفارسية والتركية وأمناؤها بتدوين عروض لها. وهي تتضمن العنوان والمعالم الظاهرة للمخطوطة ونوع الورق بشكل عام. فإذا قارب التاريخ المذكور في العرض تاريخ الخط يمكننا استنتاج أن اسم الورق هو ذلك الاسم الذي كان شائعاً في عصر تدوين العرض. وبمقدورنا العثور على هذه الأسماء في فهارس معينة لمخطوطات العصور المبكرة، مثل فهرس أردبيل الذي تم تصنيفه عام 1172هـ (1758 - 1759م) ونشر بعنوان «گنجينه شيخ صفي.»[15] وقد أحصيت أحد عشر نوعاً من الورق مذكورة في ذلك العمل.

ولحسن الحظ قام شهريار ضرغام مؤخراً بنشر قائمة جرد للگنجينه تم إعدادها على ما يبدو حوالي عام 1307هـ (1889 - 1890م) ولكنها اقتصرت على مدنا بإشارات عن ورق جلد الغزال، وترمه، وخانباليغي، وختائي. وعلى الرغم من وجود شبه تطابق بين مصحفين من مصاحف الفهرسين، فقد وصفت معالمهما المحددة وصفاً مختلفاً في كل منهما. وقد سعيت إلى تسليط الضوء على هذه الاختلافات في الكتاب الذي قمت على وضعه، كما عمدت إلى وضع قائمة بالمصطلحات المتعلقة بالورق وأنواعه المذكورة في هذا الفهرس.

ومن جهة نظر المصادر القديمة (بما فيها فهرس ابن النديم والكتابات التاريخية والأدبية الفارسية)، يمكننا التعرف على أنواع الورق طبقاً لثلاثة ركائز.

أولاً: المصطلحات المتعلقة بالأماكن التي صنع فيها الورق، مثل إصفهاني، وبغدادي، ودولتآبادي، وسمرقندي، وشامي، وهندي. ومن هذه المصطلحات يوجد مصطلحان جديران بالتفصيل الإضافي: فالسمرقندي كان أشهر أنواع الورق، ونجد إشارات إليه في مصادر ترجع في قدمها إلى القرن الرابع، وأبكرها ذكر في كتاب «حدود العالم»، حيث يقول المؤلف عن سمرقند أنها موطن المانويين وأن الورق يصنع فيها ويصدر إلى كافة أرجاء العالم.[16] أما المصدر الثاني فهو سفرنامه ناصر خسرو (ت. 481هـ) حيث ذكر أن أهل طرابلس في الشام صنعوا ورقاً يضاهي في جودته الورق السمرقندي أو يتفوق عليه. وقد دامت تجارة الورق السمرقندي قروناً عديدة في إيران وورد ذكره في «رساله معرفي كاروان سرايهاي عصر صفوي» (المتحف البريطاني، رقم MS 9024)، حيث نجد إشارة إلى أن السمرقنديين باعوا ورقاً في سراي قوافل محمود بيكي. وينوه شاعر ذلك العصر محسن تأثيرات بالجودة العالية للورق السمرقندي في المقطع الشعري التالي:

عندما أكتب مشيداً بشفتيك، يصير الخطاب إكليلاً. فإذا كان الورق دفترياً (متوسط الجودة)، استحال سمرقندياً.

وقد تحدث الشعراء الناطقون بالفارسية كثيراً عن الورق الشمسي، وخاصة خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. فعلى سبيل المثال، ذكره أمير خسرو دهلوي في «غرة الكمال»، كما أتاح لنا معلومات قيمة عن صناعة الورق من الحرير في عشرين مقطع شعري في كتابه «قِران السعدين». ولمح شاعر آخر من نفس القرن، وهو سراج سگزي، في بيت من أشعاره إلى أن الكاغذ الشمسي كان أبيض اللون وكذلك قارنه أمير خسرو بالصباح حين قال:

حين أشرق وجهك كشمس الصباح، تحول وجهي إلى لون أصفر كالكاغذ الشمسي المحلى بماء الزعفران.

ثانياً: المصطلحات المتعلقة بالأشخاص، مثل جيهاني، وسعدي، ورشيدي، وطلحي، وعادلشاهي، ومنصوري، ونوحي. وسأفصل هنا بعض الشيء كلاً من كاغذ سعدي وكاغذ عادلشاهي، وكانا نوعين من الورق متسمين بالجودة العالية. فمصطلح كاغذ سعدي يظهر في دواوين شاعرين من الشعراء. الأول هو سوزني سمرقندي، والثاني عبد الواسع جبلي الكرجستاني (ت. 555هـ). ومن ذكر الكاغذ السعدي في أشعار هذين الشاعرين اللذين عاشا في نفس المنطقة، يتضح لنا أن هذا النوع من الورق كان مشهوراً وموضع تقدير كبير في خراسان، وربما استمد اسمه من شخص ذي مكانة عالية مثل سعد الملك أو سعد الدين، ويقول السوزني في شعره:

أعطاني شهاب الدين أحمد رزمتان من الورق السعدي، بأمر خواجه مؤيد.

أما عبد الواسع فيتحدث عن هذا النوع قائلاً:

عندي زندنيچي[17] وورق، وكلاهما جيد ولكن بهما عيبان: فالأول ليس (من نسيج) بو إسحاقي، والثاني ليس سعدياً.

وقد فضل خطاط العصر الصفوي الشهير مير عماد قزويني الورق السعدي على كاغذ دولتآبادي، وكلاهما من الهند، كما أشاد بالورق العادلشاهي في «آداب المشق» بقوله:

العادلشاهي هو أفضل الورق، لكونه قليل التحبيب. العادلشاهي ممتاز لدرجة أن الفنان يعتبره مثل زهرة بلا أشواك. قيمته معروفة لقلمي، الذي ينثر بسخائه أثمن اللآلئ. وبعده في الجودة يأتي الدولتآبادي، المعروف كذلك بالسلطاني.

وتوجد مخطوطة من الورق العادلشهاي ذكر في عرضها أنها «عهد نامه حضرت أمير» (علي بن أبي طالب)، كتبت للسلطان إبراهيم بن شارخ (القرن التاسع). ويصف ورقها العرض الذي كتب عام 1046 بأنه «قطع وسط كاغذ عادلشاهي من القطع المتوسط».

ثالثاً: المصطلحات المتعلقة بالعناصر المكونة ونمط الاستعمال وحجم الورق، من قبيل الأبريشامي، والچهار بغل، والطغرائي، وربما كذلك المنصوري. فعلى سبيل المثال، نجد الورق من القطع المنصوري مذكوراً في «قابوسنامه» (القرن 5هـ)، في سياق نادرة عن السلطان محمود غزنوي. وتجدر الإشارة إلى أن الورق المنصوري يذكر في بعض المخطوطات باسم كاغذ منصوري فقط، بينما في مخطوطات أخرى يسمى كاغذ قطع منصوري. ومن المؤكد أن هذا النوع من الورق استمد اسمه من أبي منصور عامر (495 - 524هـ) أو من منصور ابن نصر عبد الرحيم كاغذي الذي كان نفسه صانع ورق. كما يعتبر غروهمان (Grohmann) أن درجا منصوريا، وهو مصطلح ذكر في «تحفة الأمراء» للصابي، قد سمي نسبة إلى أبي منصور أمير مثله مثل كاغذ منصوري.

وفي مخطوطة «الأربعين حديثاً» لتاج الدين (المنسوخة في القرن 8هـ)، وكنت قد رأيتها في مسجد مدينة بكين، يذكر الكاتب أن الكاغذ المنصوري، هو الورق الأفضل حيث كان يستعمل للكتابة بالذهب: «والآن يكتبون بالذهب على الورق المنصوري.»

وبذلك يمكننا القول بأنه كان يوجد نوعان من الورق المنصوري قيد الاستعمال في بلاد المسلمين، سميا تبعاً للقطع والجودة.

متفرقات

إن التنوع في المصطلحات التي استخدمت لوصف جودة الورق وتلك المستخدمة لتسمية أنواعه (إما لأغراض التجارة أو الاستعمال) يتضح من القائمة المرفقة، والتي جمعت من إشارات في الكتابات القديمة.

وقد كان مصطلح «طبق» (ورقة) من أكثرها شيوعاً، وظهر في كتابات نثرية وأشعار من القرن السادس وبعده. فعلى سبيل المثال، نجده مذكوراً في «التوسل إلى الترسل» لبهاء الدين محمد، كاتب علاء الدين تكش خوارزمشاه، و«مرصد العباد» لنجم الدين دايا (ت. 654هـ)، و«لطائف الحقائق» لخواجه رشيد الدين فضل الله همداني (ت. 718هـ). وربما يدلنا نص ملاحظة في الكتاب الأخير على حجم الطبق:

لما أردنا تحسين الخرائط، رأى أنه من الضرورة زيادة مقاس الورق الذي رسمت عليه... فصنع صفحات كبيرة من الورق، الواحد بمقاس يعادل ست صفحات، ثم رسم عليه تلك الخرائط.

أما المسألة الأخيرة المتعلقة بالورق، فهي تخص تلك الفنون التي اتصلت به، وفيما يلي قائمة بالأساليب الزخرفية التي ذكرت في الكتابات الأدبية والتاريخية:

أبري كردنرقش الورق
أفشان كردنمسح الورق برشات من ماء الذهب والفضة أو من الحناء
پاك كردنإزالة الكتابة السابقة لإعادة الاستعمال، أو إزالة البقع من الورق
تذهيب وتشعيرالزخرفة بالذهب
جدول كشيالتسطير وتحديد الأعمدة
دو پوست كردنقطع الورق إلى جزئين بتشريح سمكه إلى نصفين
رنگ كردنالصباغة
قطّاعيالقَطع
كلفت كردنالسُمك
كهنه كردنالتقادم
مجلس كشيالمنمنمات
مسطر كشيعمل خطوط مستقيمة غير مرئية للكتابة
مهرة كشيطلاء الصقل
وصَّاليإعادة تجليد كتاب قديم

فعلى سبيل المثال، قال أحد الشعراء عن المسطر:

يجب على من ينصح بآداب الزهد أن يسطر جسده بخطوط حصيرة السَّمار.

وذكر مهربان أورنگآبادي مصطلح أفشان بقوله:

ما الداعي للحديث عن حالي، أيها الرسول، وقد مسحت (أفشان) الرسالة بدماء قلبي؟

إن المعلومات المتاحة لنا عن تجارة الورق وسعره خلال عصور مختلفة لتعيننا في بعض الأحوال على تحديد نوع الورق المستخدم لكتابة المخطوطات، حيث أن الورق الذي صنع في خراسان وإصفهان كان يستخدم في الهند، بينما أنواع الورق الهندي المختلفة كانت تنقل إلى إيران، ويمكن التعرف على معظمها في بعض المخطوطات الفارسية.

أرجو أن تكون هذه النبذة قد برهنت على أهمية التراث الأدبي الفارسي كأحد مصادر معرفتنا بتاريخ الورق وكمرجع لتحديد أنواعه المختلفة.


[1] انظر:

J. von Karabacek, “Das arabische Papier. Eine historisch antiquarische Untersuchung”, Mittheilungen aus der Sammlung der PapyrusErzherzog Rainer, II-III (Vienna, 1887), 87-178; idem, “Neue Quellen zur Papiergeschichte”, Mittheilungen aus der Sammlung der Papyrus ErzherzogRainer, IV (Vienna, 1888), 75-122; CI. Huart, Les Calligraphes et lesminiaturistes de l'orient musulman (Paris, 1908), 8-11; F. Babinger, ZurGeschichte der Papier-erzeugung im osmanischen Reiche (Berlin, 1931); J. P. E. Pedersen, Den arabiske bog (Copenhagen, 1946) [= The Arabic Book, tr. G. French, ed. With an introduction by R. Hillenbrand (Princeton, 1984)]; A. Grohmann, From the World of Arabic Papyri (Cairo, 1952), 49-57; idem, Arabische Palȁographie, I, Denkschriften der österreichischen Akademie der Wissenschaften, philosophisch-historische Klasse, XCIV (1967), 98-105; M. Levey, Medieval Arabic Bookmaking and Its Relation to Early Chemistryand Pharmacology, Transactions of American Philosophical Society, New Series, LII/ 4 (Philadelphia, 1962); R. Sellheim, Materialien zur arabischenLiteratur geschichte, I (Wiesbaden, 1976) and II (Stuttgart, 1987); كركيس عوّاد، «الورق أو الكاغذ» مجلّة المجمع العلمي العربي، 23 (1948)، ص409 - 438.

[2]

Y. Porter, Peinture et arts du livre: essai sur la littérature technique indo-persane (Paris, 1992).

[3] «حدود العالم» تحقيق م. ستده، طهران، 1340/ 1961، ص107 - 108.

[4] مافروخي، «محاسن إصفهان». وترجمه إلى اللغة الفارسية حسين بن محمد بن أبي الرضاء الحسيني العلوي، تحقيق عبّاس إقبال، طهران، 1328/ 1949.

[5] Porter, Peinture, 25.

[6] رشيد الدين فضل الله همذاني، «آثار وأحياء» تحقيق م. ستده وإ. أفشار، طهران 1368/ 1989.

[7] مدينة عراقية اشتهرت بإنتاج الأقلام.

[8] وقد تم التقديم لها في مقالة كتبها محمد تقي دانش پژوه. وقد نشر پژوه بعضاً من تلك البحوث والرسالات، ونشر بعضاً آخر كل من أحمد جلحين، ورضا مايل هروي، وفكري سلجوفي، وپرويز أزكائي، إلى جانب ما نشره حديثاً ي. بورتر (Y. Porter).

[9] حبيش تفليسي، بيان الصناعات، تحقيق إ. أفشار، فرهنگ إيران زمين، 4 (طهران، 1336/ 1957)، ص298 - 457.

[10]

Y. Porter, “Un traité de Simi Neyshâpuri, artiste et polygraphe”, Studia Iranica, XIV/ 2 (1985), 179-98. ثمة ترجمة إنجليسية لهذه الدراسة في كتاب: W.M. Thackston, “A Treatise on Calligraphic Arts: a Descriptionof Paper, Colours, Inks and Pens by Simi of Nishapur”, Intellectual Studies in Islam, ed. M. M. Mazzaoui and V. B. Moreen (Salt Lake City, 1990), 219- 28.

[11]  Porter, Peinture, 49 – 50

[12] دائرة المعارف بزرگ إسلامي، 2 (طهران، 1368)، 570 - 4؛ يحيى زكاء، «كاغذ أبري»، آينده، 16 (1369)، ص371 - 9.

[13] جمالي يزدي، «فرخ نامه جمالي»، تحقيق إ. أفشار (طهران، 1346/ 1967).

[14] محمد حافظ إصفهاني، سه رساله در اختراعات صناعتي: ساعت، دستگاه روغنكشي، «نتيجة الدولة»، تحقيق ت. بيرش، (طهران، 1350/ 1971).

[15] كنجينه شيخ صفي (فهرس أردبيل)، (تبريز، 1980).

[16] انظر 3.

[17] نوع من الخرقة.

ملاحظة:

نشر هذا النص في الكتاب التالي:

دراسة المخطوطات الإسلامية بين اعتبارات المادة والبشر أعمال المؤتمر الثاني لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ديسمبر 1993/ جمادى الآخرة 1414 - النسخة العربية،1997 ، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن. ص 35-56.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top