الحفاظ الوقائي: اتجاهات عالمية

شارك:

أمبارودي تورّيس

محتويات المقال:
الجهود الوطنية
المناهج التدريبية
برامج المساعدة الدولية
المؤسّسات الخاصة
اجتماعات المحترفين
شبكة لنشر المعلومات
الموجز

«إنّ الحفاظ الوقائي لا يشتمل فقط على السيطرة على البيئة، وإنما يشتمل أيضا تركيب التحف والمجموعات الفنية وتخزينها على النحو الصحيح. كما أنه يشتمل على إنشاء سياسات وأساليب وإرشادات لوقاية المجموعات، سواء أكانت في المخازن أو عند استعمالها. ويتطلب الحفاظ الوقائي أيضا وَعْيًا بشؤون الحفاظ، بالإضافة إلى التعليم والتدريب والمشاريع التعاونية. ويجب تسيير دفة الأنشطة المتعلقة بالحفاظ الوقائي بالتظافر مع نظام المؤسّسة المختصة، الأمر الذي ينطوي على مساهمة موظفي المؤسّسة برمتهم. ويجب أن ترتكز خطّة الحفاظ الشاملة على المهمة الحقيقية للمؤسّسة، وذلك عن طريق تقدير الحاجات والأوليات المتعلقة بالمجموعات الفنية في الوقت الحاضر وفي المستقبل.»[1]

كارولين ل. روز (Carolyn L. Rose)

يشمل مفهوم «صيانة المجموعات» سلسلة ممتدة من العمليات المتعلّقة بالصيانة والحفاظ، وهذه العمليات يمكن تقسيمها إلى صنفين رئيسيين:

  1. الحفاظ الوقائي – الذي يقوم على عدم معالجة المجموعات الفنيّة، بالعمليات الفنية المتداخلة.
  2. الحفاظ الذي يقوم على معالجة المجموعات الفنية، واعتماد العمليات المتداخلة.

أما العمليات الخاصة بالحفاظ الوقائي فتشتمل على ما يلي:

  • تقدير منزلة الحفاظ على المجموعة المعنية ومتطلّباتها.
  • السيطرة البيئية ومراقبة مناطق التخزين والمعارض.
  • تصميم خطّة تحضيرية للطوارئ، وتنفيذ هذه الخطة.
  • حسن التدبير المنزلي.
  • الإدارة المتكاملة للتحكم في الآفات.
  • تخزين المجموعات الفنية في ظروف ملائمة لها.
  • حفظ التحف والمجموعات في أوعية خاصة.
  • تسهيل الوسائل الملائمة للتخزين.

أمّا العمليات المتعلّقة بالحفاظ ذاته فتشمل على ما يلي:

  • تثبيت التحف ودعهما على النحو المناسب.
  • وضع خطوط إرشادية لاختيار التحف وإبقائها.
  • مستويات متزايدة للتداخل العلاجي الذي يتراوح من إصلاحات ضئيلة إلى معالجة ترميم كاملة لتحف معينة.

وثمة مؤسّساتٌ ومنظمات وطنية ودولية تقوم بتجديد طُرقها المتعلّقة بصيانة مجموعاتها، وهي تبتعد عن الطريقة القديمة التي تتركز فيها الجهود على تنفيذ المعالجة الكاملة لتلك التحف التي كانت قد تضرّرت كثيرًا أو ازدادت سوءًا. والاتجاه الأحدث يكمن في تبنّي طريقة الحفاظ الوقائي الأكثر شمولا وتأييدًا، من حيث إنّه يحول دون إلحاق ضرر بأيّ تحفة، وحفظ المعلومات المقرونة بها قبل حدوث ذلك الضرر.[2]

وهذا الاتجاه الجديد العالمي الانتشار تمكن رؤيته في المؤسّسات المسؤولة عن حفظ المجموعات الفنيّة، وكذلك في المنظمات التي تسعى في تنمية الوعي والتدريب في شؤون الحفاظ وصيانة المجموعات. وأحد الأساليب التي نشأ عنها هذا الاتّجاه الجديد، هو الإدراك بأنّ أغنى المؤسّسات تتطلّب ملايين الدولارات وعددًا كبيرًا من خبراء الصيانة لتقديم عناية مباشرة لكلّ تحفة في المجموعة. والحقيقة هي أنّ مُعظم العاملين في الصيانة عليهم أن يواجهوا قضية تضاؤل الميزانيات وضعف الدراسات التي تستلزم دقّة التخطيط لتقدير كيفية إنفاق الميزانية المعينة للصيانة. وطريقة الحفاظ الوقائي لا تستثنى المعالجة الكاملة لبعض التحف، وهي تقدم عدة اختيارات لصيانة المجموعات كلها، تاركة المعالجة الكاملة باعتبارها اختيارًا نهائيا أكثر دقة.

الجهود الوطنية

من الجدير في هذا السياق أن تُخصّ بالذكر «خطّة الديلتا» الخاصة بهولندا. فهذه هي أوّل مرّة يتبنّى فيها بلدٌ طريقة الحفاظ الوقائي كسياسة وطنية. ففي سنة 1991 وضعت هولندا «خطّة الديلتا» من أجل تحسين حالة التراث الثقافي الوطني بطريقة رائعة. وكان هدف المرحلة الأولى لهذه الخطّة (التي استمرت من سنة 1991 إلى سنة 1994) القيام بتقدير جميع المجموعات المعنية، بما فيها محتويات المكتبات والمحفوظات من الوثائق والسجلات؛ ووضع قائمة بها، وكذلك صيانتها وتخزينها على الوجه الصحيح. وتمّ توظيف مبالغ طائلة من المال لتدريب المتطوّعين، من أمثال طلاب المدارس العالية والكلّيات والمتقاعدين الذين أكملوا تحت إشراف متخصصين مدربين مهام تسجيل المجموعات وإعداد قائمة بموادها، كما أجروا تقديرات لصيانتها، ومهام أخرى للمحافظة. أما الطرف الآخر من سلسلة عمليات الصيانة التي تتضمن المعالجة الكاملة، أو الحفاظ الفعال (أي القيام بترميم التحف)، فلم تشتمل عليه «خطّة الديلتا»، وسوف تُخَصص مقادير من المال والوقت للقيام بمعالجة فردية للتحف المهمة، إذا أمكن تبرير هذا التخصيص.[3]

في سنة 1993 أعاد المعهد الأمريكي لشؤون الصيانة (AIC)، الذي هو جمعية المرممين المتخصصين في الولايات المتحدة، النظر في «مجموعة المبادئ الأخلاقية ومستويات الممارسة»، وتمتّ الموافقة عليها بأصوات أكثرية الأعضاء. وتنصّ المجموعة الجديدة في الفقرة الثامنة من موادّها على أنّ «المرمم المتخصص يُدرك مسؤوليته بشأن الحفاظ الوقائي، بسعيه في سبيل تحديد إلحاق الضرر أو التشويه للممتلكات الثقافية، وتقديم التوجيه اللازم للاستمرار في استعمال تلك الممتلكات وصيانتها، والتوصية بالاهتمام بالأوضاع البيئية عند تخزينها وعرضها، والتشجيع على اتباع الإجراءات الصحيحة لمعالجتها اليدوية وتحزيمها ونقلها.[4]

وفي سنة 1995 شكّل المعهد الأمريكي لشؤون الحفاظ «هيئة المتخصصين في صيانة المجموعات»، لتطوير منهاج موحد لتدريب الناس في عمليات الصيانة المدْرَجة ضمن نطاق الحفاظ الوقائي.

وهذا التدريب سيكون أرخص ثمنًا من غيره، وسيتطلب مدّة أقصر لإكماله. وستمكّن هذه الطريقة المؤسّسات المعنية من تكليف موظفين مدربين يستطيعون أن يؤدّوا أعمالاً مهمة وحيوية لإطالة حياة المجموعات برمّتها.

المناهج التدريبية

في البرازيل، مثلا، يقدّم مركز الحفاظ على الممتلكات الثقافية المنقولة وصيانته (CECOR) الذي ينتمي إلى الجامعة الاتّحادية بمدينة مينايسجيرايس، حصصًا في أساليب الحفاظ الوقائي كجزء من منهاجه التدريبي للمرممين، تبلغ مدته سنتين. وفي نهاية هذه الدورة يتقدم الطلاب لامتحان عملي يطبّقون فيه النظريات التي تعلّموها على الواقع الحقيقي. ويذهبون بمثابة فريق إلى إحدى المؤسّسات لإجراء تقدير للمجموعات وتطوير مشروع يفيد المؤسّسة، من أمثال: تحسين أوضاع التخزين، أو إعادة حفظ التحف، أو تعليم المسؤولين عن صيانة المجموعات كيفية البدء بمنهج للسيطرة البيئية أو للتحكم في الآفات.[5]

وثمة دورة مماثلة تقيمها جامعة «دارام» (Durham University) في إنجلترا.

وينصرف طلاّب هذه الدورة في التخطيط لمشاريع تشتمل على الكثير من أنشطة الحفاظ الوقائي. وعليهم أن يقوموا بدور الصائن العامل الذي يحادث المسؤولين ويقرر تحديد حاجاته في الإمدادات اللازمة، وهكذا؛ فتساعدهم هذه الفرص التعليمية التطبيقية على اكتساب المهارات والمؤهلات المهمة عند تعاملهم مع المتخصصين الآخرين في المؤسّسة، مثل الثقة بالنفس، والخبرة السياسية، والبواعث النفسية، والصبر، وحصافة الرأي.[6]

وفي كولومبيا، في أمريكا الجنوبية، يوجد لدى المركز الوطني لشؤون الترميم (سينتروناسيونال ذي ريستَوْراسيون–CNR) قسم للحفاظ الوقائي له فريق من المدربين على اختصاصات حرفية متعدّدة. وبالإضافة إلى مسؤولياتهم الدراسية يديرون دورات إقليمية، تستغرق كلّ منها أسبوعًا واحدًا لخدمة محافظي المجموعات المتحفية عن طريق برنامج واسع الانتشار.[7] وفي الآونة الأخيرة نظمت دار المحفوظات الكولومبية الوطنية العامة (آرتشيفوخينيرال ذي لا ناسيون)، بالإشتراك مع المركز الوطني لشؤون الترميم، سلسلة من الندوات التدريبية على أساليب الحفاظ الوقائي لفائدة جميع مراكز المحفوظات الإقليمية في البلاد.[8]

برامج المساعدة الدولية

إن المركز الدولي لدراسة صيانة الممتلكات الثقافية (ICCROM) في روما طوّر طريقة الحفاظ الوقائي في سائر أرجاء العالم لمدة عدة عقود. ويهتم مركز ““ICCROM، الذي أسّسته «اليونسكو» (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية –UNESCO) في سنة 1959، بجميع نواحي الحفاظ على «الممتلكات الثقافية». وإحدى مهامه الرئيسية هي التدريب على شؤون المحافظة. وخلال السنوات الخمس الماضية عمل في إفريقيا في مشروع «برايما» (PREMA)، أي مشروع صيانة المتاحف في إفريقيا. وفي سنة 1992 ابتدع مركز «ICCROM» النوع ذاته من المشروع الخاص بأوقيانيا ودعاه مشروع «برايمو» (PREMO)، أي مشروع صيانة المتاحف في أوقيانيا.[9]

وفي أمريكا اللاتينية ركز «ICCROM» بذور الحفاظ بمساهمته في تكوين المراكز الوطنية لشؤون الحفاظ في عدّة بلدان. وبالإضافة إلى ذلك نظّم دورات تدريبية في أساليب الحفاظ الوقائي. وأحد الأمثلة التي يجدر ذكرها: المركز الوطني لشؤون الحفاظ في تشيلي، في أمريكا الجنوبية، الذي اعتمد في سنة 1991 منهجًا لتدريب بعض الأفراد على ضبط التقديرات الحفاظية للمجموعات، وعلى كيفية مراقبة الجانب البيئي للمتاحف والمكتبات ودور المحفوظات والتحكم فيها، وذلك بالاشتراك مع مركز «ICCROM»، وقد اختير المتدربون من مناطق مختلفة على أساس استعدادهم وقدرتهم على الخدمة بمنزلة المدرّبين، وهؤلاء المدرّبون تكونوا ليعلّموا آخرين من مناطقهم على الفنون التقنية التي تعلّموها، وأن يدربوا أولئك كي يصبحوا مدربين أيضا. ويوجد في تشيلي في يومنا هذا عدد من الذين شكّلوا شبكة من الزملاء المدرّبين في الحفاظ الوقائي، وهم يستطيعون أن يساعدوا بعضهم بعضًا بحكم أنهم قد اتصلوا بخبرة شاملة لشؤون الحفاظ في معظم مناطق البلاد[10].

المؤسّسات الخاصة

إنّ معهد «جيتي» لشؤون الحفاظ (GCI) الموجود في مدينة مادينا دل راي في ولاية كاليفورنيا، وهو مؤسّسة خاصة لا تقوم على الربح، وتعمل تحت رعاية وصاية جون بول جيتي (J. Paul Getty Trust)، قام بدورات تدريبية لمعالجة موضوع الحفاظ الوقائي في الولايات المتحدة وفي إنجلترا. وفي هذه السنة (أي في الفترة الممتدة من 6 – 24 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، سنة 1995) يتم للمرة الأولى إجراء هذه الدورة باللغة الإسبانية في مدينة أوخاكا في المكسيك. والمشاركون في هذه الدورة هم من المحافظين والخبراء المسؤولين عن المجموعات المحفوظة في المتاحف والمكتبات ودور المحفوظات والمراكز الوطنية لشؤون الحفاظ. ومن أهداف هذه الدورة جعل هؤلاء المتخصصين على بينةٍ بمفاهيم الحفاظ الوقائي، وبمختلف العوامل الرئيسية، الفنية والتنظيمية والإدارية، التي تسود في تنفيذ برنامج الحفاظ الوقائي.[11]

اجتماعات المحترفين

تّمت عدّة مبادرات ومؤتمرات في أمريكا اللاتينية تتعلّق بالحفاظ الوقائي، من أمثال «ندوة إنشاء المساهمات وحماية الموروثات الوطنية» التي رعاها وموّلها برنامج «فولبرايت»، بالاشتراك مع مكتب البرامج المتحفية لمؤسّسة «سميثسونيون»؛ وقد عقدت خلال صيف سنة 1991. واشتمل هذا المشروع على زيارة عدد من المتاحف الموجودة في ستّ بلدان من منطقة أمريكا الوسطى، قام بها بعض المرممين العاملين في أمريكا الشمالية. وانتهى هذا المشروع بعقد ندوة للتدريب على أساليب الحفاظ الوقائي في كوستاريكا. وفي سنة 1993 رعى برنامج «فولبرايت»، بالاشتراك مع خدمة المنتزهات الوطنية ومكتبة مجلس الكونغرس، دورة أطلق عليها اسم «الخطط الإستراتيجية الجديدة: طريقة حلّ المعضلات لمصلحة المؤسّسات التاريخية والثقافية». وعقدت هذه الدورة في جواتيمالا، في الفترة الممتدة من 25 – 29 من شهر يناير/كانون الثاني، سنة 1993، وحضرها 36 اختصاصيا من أمريكا الوسطى.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، سنة 1992، عقدت الجمعية الفرنسية الجامعية لمرممي التحف والآثار (ARAAFU) أوّل اجتماع دولي لمعالجة موضوع «الحفاظ الوقائي».[12] وكان الهدف الرئيسي لهذا الاجتماع مناقشة «تعريف معنى هذا الفنّ الجديد»، وحدوده، والمفاهيم الضمنية لهذه الطريقة بالنسبة إلى صيانة الموروثات الوطنية، في ندوة دولية. وقد اجتمع للمرّة الأولى متخصصون من المحافظين من سائر أرجاء العالم ليتبادلوا خبراتهم وآراءهم في هذا الفرع الوليد.

وفي سنة 1993، رعى معهد «جيتي» لشؤون الحفاظ (GCI)، بالاشتراك مع مختبر مؤسّسة «سميثسونيون» لتحاليل الصيانة، ومديرية مجلس الكونغرس لشؤون الصيانة، وجمعية مساندي الحفاظ على الإرث الثقافي الوطني للبلدان الأمريكية - «أبويو» - (APOYO) الحلقة الدراسية التي عقدت تحت اسم «الحفاظ الوقائي في أمريكا اللاتينية». وكان الهدف الأولي لهذه الحلقة تحقيق المزيد في تبادل المعلومات بين المتخصصين العاملين في مجال الحفاظ الوقائي في جميع البلدان الأمريكية. وهيأت هذه الحلقة الدراسية فرصة لبعض المتخصصين من أمريكا اللاتينية كي يتباحثوا مع زملائهم الأمريكيين الشماليين في الظروف المهنية والاجتماعية والاقتصادية التي يعملون فيها، وذلك عن طريق إلقاء المحاضرات ومناقشات اللجان. كما أنها وفرت لهم فرصة لتقديم التقارير عن الأبحاث والأعمال التطبيقية المتعلقة بمجال الحفاظ الوقائي التي تعهدوا بها، ولوصف بعض البرامج التدريبية والتعليمية التي تعالج موضوع هذا الحفاظ الوقائي بالنسبة إلى المرممين وغيرهم. وكانت هذه الحلقة فرصة للمحافظين الأمريكيين الشماليين للاطلاع على مشاكل الصيانة والبحوث والمناهج الدراسية التي تجري في أمريكا اللاتينية، بواسطة المحترفين لهذا الاختصاص. وبالإضافة إلى ذلك، عرّفت هذه الحلقة المحترفين الأمريكيين اللاتينيين على أساليب الصيانة التي تُستعمل في بعض المؤسّسات الثقافية المهمة في الولايات المتحدة، من أمثال خدمة المنتزهات الوطنية، ومؤسّسة «سميثسونيون»، ومكتبة مجلس الكونغرس.

وفي شهر سبتمبر/أيلول، سنة 1994، عقد المعهد الدولي لشؤون الحفاظ (IIC) مؤتمره الدولي الخامس عشر في أوتاوا بكندا، ووفقًا لما يتطلبه الاتجاه العالمي، أوقف هذا المؤتمر على موضوع «الحفاظ الوقائي: العمل والنظر والبحث». وقدم برنامج «جيتي» منحةً منه، - وهو برنامج آخر من برامج وصاية جون بول جيتي – مبلغ 000,60 دولار أمريكي لمنظمي المؤتمر، لدعوة 27 محترفًا من سائر أرجاء العالم لحضور هذا الاجتماع.[13] وشكّل حضور هذا المؤتمر أهمية خاصة للبلدان التي لا تحظى بفوائد التقنية المتقدمة، أو بالوسائل القادرة على العمليات الدقيقة المختصة. وحضر هذا المؤتمر البلدان المعنية من الأمريكيتين الوسطى والجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي، وآسيا، وإفريقيا، وأوقيانيا، وأوروبا الشرقية، وبلدان من الاتحاد السوفياتي السابق. وتعرض المشاركون لنظريات الحفاظ الوقائي وعملياته، وتمكنوا من عقد اتفاقات ومشاركات تعاون مع بعض الزملاء ومع مؤسّسات في بلدان أخرى.

شبكة لنشر المعلومات

من أهم العناصر التي يُحتاج إليها لتأسيس قاعدة صلبة للحفاظ الوقائي في منطقة ما، هو توزيع المعلومات السارية المفعول المتعلقة بهذا المجال في الوقت المناسب وباللغة الدارجة في تلك المنطقة، وتشكيل شبكة للمعلومات تُقدّم للأشخاص الذين يعملون في ظل ظروف مشابهة ويواجهون معضلات وتحدّيات متطابقة. كما أنها توفّر لهم فرصة للمشاركة بخبراتهم وحلولهم للمعضلات في الوقت المناسب لهم.

وتكوين شبكة للمعلومات قد يبدأ بمجرد إرسال نشرة إخبارية بسيطة تتألف من صفحتين إلى فريق من الأصدقاء والزملاء. وهكذا كانت بداية جمعية «أبويو»، - وهي شبكة لفريق صغير جدا – إلى شبكة ذات مكانة راسخة ومستديمة، ولديها 2500 عضوا منتشرين في شتّى أرجاء العالم الأمريكي.

إنّ الاسم «أبويو» هو اختصارٌ لجمعية الحفاظ على الموروثات الثقافية الوطنية للبلدان الأمريكية، وهو يعني في الإسبانية «دعامة». وتتأصّل جذور هذه الجمعية بفريق من المحترفين الذي تجمعوا في سنة 1989 ضمن منظّمة لا تقوم على الربح، وتؤازر الحفاظ على الموروثات الثقافية للبلدان الأمريكية.

وبمساهمة العديد من المتطوّعين ومباشرة العمل المتواصل بحزم استمرت في النمو لمدّة ستّ سنوات، وهي تحقق الآن إشعاعًا واسعًا لفائدة الحفاظ الوقائي في كل المنطقة.

واعتمادًا على دراسات استطلاعية واتصالات شخصية في سنة 1989، تأكدت الحاجة إلى معلومات حول موضوع الحفاظ الوقائي باللغتين الإسبانية والبرتغالية، وكذلك حول الاجتماعات الاحترافية وفرص التدريب في هذا المجال. فتشكل عندئذ فريق «أبويو»، وأعلنت أهدافه الرئيسية على النحو التالي:

  1. تكوين روابط متماسكة، بين المتخصصين بشؤون الحفاظ والصيانة في سائر أرجاء العالم، ومن الذين يعملون في الحفاظ على الموروثات الثقافية لعالم البلدان الأمريكية، وتعزيزها ودعمها.
  2. العمل على تنمية مستوياتها وتطويرها، لوقاية التراث المادّي الثقافي للبلدان الأمريكية.
  3. تجميع معلومات بخصوص الحفاظ والصيانة لمصلحة شعوب أمريكا اللاتينية، ونشرها بلغاتهم الوطنية.

ولتحقيق هذه الأهداف، كانت الغاية: مباشرة تنمية تبادل المعلومات المتعلقة بالحفاظ والصيانة، ومسائل أخرى تتعلق بصيانة التراث الثقافي، وتعجيل هذا التبادل. وهذا الهدف حققته جمعية «أبويو» عن طريق برنامج بعيد الأمد، فتمّ تعيين الزملاء في بلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وأدمجهم البرنامج في شبكة للاتصالات، وأسس لهم ندوة يسهل الوصول إليها لعرض أعمالهم واحتياجاتهم الحالية. كما زودهم، على فترات منتظمة، وفي الوقت المناسب، بمعلومات مفيدة لزيادة الانتفاع بأدائهم الاحترافي، وترقية الجودة الإجمالية للحفاظ في عالم البلدان الأمريكية.

وتشمل الشبكة المذكورة في الوقت الحاضر على أكثر من 2500 عضوًا من المتخصصين في شؤون الحفاظ والصيانة، وما زالت مستمرة في النمو. وأغلبية الأسماء الواردة في قاعدتها للمعلومات تمت المساهمة بها عن طريق التبادل الشفوي. وتشتمل هذه القاعدة على عناوين منازل الأعضاء بدلا من عناوين مؤسّساتهم. وأعظم قوّة لهذه الشبكة تكمن في أنها ما زالت مستمرة التكوين من أفراد وليس من مؤسّسات. ويعمل أغلبية هؤلاء الأفراد في مؤسّسات، ولكنّ المعلومات يشارك فيها على أساس شخصي، كما أن مسؤولية ترقية مصلحة المجموعات ملقاة على عواتق الأفراد. وتشتمل هذه الشبكة، - بالإضافة إلى الأفراد المسؤولين مباشرة عن المجموعات – على أفراد يعملون في حقول ذات صلة بهذا المجال، بما فيهم محافظو المتاحف، ومديرو الشؤون المتعلقة بالمجموعات، ومعلمون، وعلماء آثار، ومهندسون معماريون.

ويجري استقطاب الأعضاء من سائر أرجاء البلدان الأمريكية، من إسبانيا، ومن بلدان أخرى. وليس هناك فقط تمثيل جغرافي واسع النطاق، بل يوجد أيضًا تمثيل واسع لمختصي الصيانة العاملين في ميادين اختصاصية دقيقة في مجالات الورق، ومواد المكتبات ودور المحفوظات، والمنسوجات، والصور الضوئية، واللوحات الزيتية، والتحف المتصلة بعلم الأجناس البشرية، وفن النحت وأصناف المعادن والحجارة، والعلوم الطبيعية.

وتنشر جمعية «أبويو»، مرتين كل سنة، نشرة إخبارية يحررها السيد أمباروإري دي توريس مع السيدة آن سيبيرت، بالتعاون مع فريق من المتطوعين، بدعم من مديرية مجلس الكونغرس لشؤون الصيانة ومختبر مؤسّسة «سميثسونيون» لمخبر الصيانة. ويرسل المتطوعون إلينا مقالات وأخبارًا حول الجهود المهمة لفريق الصيانة، ويساعدوننا في ترجمة بعض المقالات إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية عن الأصل الإسباني.

ويركز كل عدد من النشرة المذكورة على موضوع رئيسي آني، يتعلق بمجال الحفاظ الوقائي. ويحتوي العدد الثاني لسنة 1994 على ثلاث مقالات مهمة تعالج موضوع التحكم في الآفات. واثنتان من هذه المقالات تمت ترجمتهما عن المقالتين الأصليتين اللتين نشرتا في شهر سبتمبر/أيلول سنة 1994، في عدد خاص من النشرة الإخبارية لمؤسّسة كندا لشؤون الحفاظ، وهو عدد عالج موضوع الحفاظ الوقائي. وحررت مقالة أخرى بالإسبانية بقلم الدكتور نيافيسفالينتين من معهد مدينة مدريد لترميم الممتلكات الثقافية وصيانتها.

وفي مشروع مشترك استهل في سنة 1994 بين مركز «ICCROM» وبين جمعية «أبويو» وسيضع قاعدة للمعلومات الجديدة، متابعة للظروف الحاضرة، وستدار بواسطة مدير قاعدة المعلومات في مركز «ICCROM». أما المرحلة الثانية لهذا المشروع فتهدف، للمرة الأولى، إلى نشر دليل للأفراد الذين يعملون في الحفاظ على التراث الثقافي الوطني للبلدان الأمريكية. وسيعطي الدليل للأعضاء الفرصة للبدء بصلات شخصية وتأسيس مشاريع حرفية مشتركة في المنطقة.

ويرمي أحدث المشاريع إلى تنضيد تفاصيل «أبويو» في شبكة الاتصالات المشتركة (Internet)، ونحن نعمل على تحقيق هذا العمل بالتعاون مع السيد والتير هينري من قسم الصيانة التابع لمكتبات جامعات «ستانفورد» الذي يدير أقدم مركز للحفاظ يرد في شبكة الاتصالات المشتركة. وعندما يتم ذلك سيصبح الوصول إلى «أبويو» سهلاً، وذلك عن طريق تلك الشبكة (Internet)، وطريق شبكة المواصلات العالمية الانتشار (World Wide Web).

وما زال الكثير من الناس لا يمتلكون وسائل للوصول إلى الشبكات الإلكترونية، ولكن هذا الوضع، كما نعلم آخذ في التغير بسرعة قصوى. وبالنسبة إلى بعض الأشخاص فقد يكون الوصول إلى الشبكات الإلكترونية أبسط طريقة وأكثرها مباشرة للمشاركة بالمعلومات في المستقبل.

وتستمر جمعية «أبويو» في كونها مجهودًا تطوعيًا لفريق صغير من الأفراد المنصرفين إلى هذا الواجب جَعَلَ هذه الشبكة قابلة لتخدم المتصلين بها وهم يزيدون على ألفي نسمة. وقد برهن هذا الفريق على أن هذا العمل هو طريقة حقيقية وملموسة لإثارة الوعي بشؤون الحفاظ وتحسين العمل الإجمالي لصيانة التراث الثقافي الوطني لعالم البلدان الأمريكية. وقد نالت «أبويو» احترام بعض المنظمات والمؤسّسات المهمة من أمثال مركز «ICCROM»، ومعهد «IIC»، ومعهد «AIC»، ومعهد «جيتي» لشؤون الحفاظ، ومؤسّسة «سميثسونيون»، ومكتبة مجلس الكونغرس، ونالت تأييد كل المؤسّسات.

الموجز

ثمة نزعة جديدة عالمية الانتشار في اتجاه الحفاظ الوقائي كطريقة اقتصادية فعالة وشاملة للعناية بالمجموعات التراثية والفنية. وثمة مؤسّسات تحوّل أساليبها وسياساتها لإنشاء قاعدة واسعة من الأفراد المدربين الذين يستطيعون أن يقوموا بأكثر من مجرد صيانة فردية للمجموعات، ودعم هذه القاعدة.

وبالنسبة إلى الفرد الذي يعمل في مجال الحفاظ على الممتلكات الثقافية، فإنه يصعب أن يعيش منعزلاً ومفتقرًا إلى المعلومات والصلات الشخصية مع المحترفين، كما أن ذلك من الأمور غير المشجعة. والهدف الرئيسي لجمعية «أبويو» هو إقامة شبكة للمشاركة بالمعلومات الخاصة بالحفاظ الوقائي مع أفراد من شتى أرجاء العالم الأمريكي، وتزويدهم بمنبر لعرض انجازاتهم ومحاولاتهم الذاتية، وقد أصبح هذا الهدف اليوم حقيقة قائمة؛ وتسهم نشرة «أبويو» الإخبارية في تقدم الحفاظ الوقائي في أمريكا اللاتينية، وقد نالت احترام وتأييد منظمات ومؤسّسات مهمة.


[1]كارولين إل روز، «الحفاظ الوقائي»، «أبويو»، المجلد 3، الرقم 2، سنة 1992.

[2]كارولين إل روز: المصدر السابق.

[3]صفحة وقائع خطة الديلتا لصيانة التراث الثقافي، مكتب المدير العام للشؤون الثقافية، ص.ب: 3009، 2280ML، ريسويك، هولندا.

[4]أخبار معه «AIC»، سبتمبر/أيلول، سنة 1993، الصفحات 15+.

[5]مقالة بقلم لويس كروس سوسا: «تعليم الحفاظ الوقائي وممارسته في مركز «CECOR» بمينايسجيرايس، في البرازيل» – نشرة وقتية بخصوص ندوة دراسية حول الحفاظ الوقائي في أمريكا اللاتينية، واشنطن دي سي: «أبويو»، سنة 1993.

[6] مقالات بقلم كريس كايبل حول «الحفاظ الوقائي ضمن برامج التدريب على شؤون الصيانة»، و«الحفاظ الوقائي: الممارسة، والنظرية، والبحث» - نشرة وقتية للمساهمات المقدّمة إلى كونغرس أوتاوا، من 12 – 16 في شهر سبتمبر/أيلول، سنة 1994، لندن: المعهد الدولي لشؤون الحفاظ.

[7] مقالة بقلم كراسييلا إسكّيراكوفراي: «تطوّر الحفاظ الوقائي في كولومبيا – نشرة وقتية لندوة دراسية حول الحفاظ الوقائي في أمريكا اللاتينية، واشنطن دي سي»: «أبويو»، سنة 1993.

[8] اتصالات شخصية من باركاستيسنيسو كلوريا ميرسيديس، سنة 1995.

[9]نشرة مركز «ICCROM»، سنة 1995.

[10] مقالة بقلم ماكدالاينا كريبس: «التدريب على الحفاظ الوقائي» - نسخة مسبقة لندوة دراسية حول الحفاظ الوقائي في أمريكا اللاتينية، واشنطن دي سي: أبويو، سنة 1993.

[11] «أبويو»، المجلد 6، الرقم 1، سنة 1995.

[12] «الحفاظ الوقائي»، الملتقى الثالث للجمعية الفرنسية الجامعية لمرممي التحف والآثار، باريس: «ARAAFU».

[13] «أبويو»، المجلد 5، الرقم 2، سنة 1994.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 323-338.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top