المخطـوطات الإسلامية في الهند

شارك:

محمد صابر خان

بسم الله الرحمن الرحيم
"إقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق.
إقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم.."
صدق الله العظيم
(سورة العلق، الآيات 1-4)

كان فن الكتابة فنا مقدسا منذ فجر الإسلام. وقد انعكس ذلك على المنجزات الكبيرة للحضارة الإسلامية في نسخ وتجميل وزخرفة المخطوطات. فقد اهتم الكتاب بتدوين القرآن الكريم وزخرفة المخطوطات. وقد اعتنى به المسلمون  عناية كبيرة وما زالوا يطورون ويحسنون فيه حتى بلغ أعلى درجات التطور.

مخطوط قرآني يعود إلى عهد السلطان تيبو؛ تم تأريخها في (1266هـ، 1849/1850م) قام بنسخها الخطاط فالي، (BL IO Islamic 3534, ff.1v-2r).
مخطوط قرآني يعود إلى عهد السلطان تيبو؛ تم تأريخها في (1266هـ، 1849/1850م) قام بنسخها الخطاط فالي، (BL IO Islamic 3534, ff.1v-2r).

 وأدى إنشاء المكتبات في العالم الإسلامي إلى زيادة شعبية الخطاطين وإلى نمو مجموعات المخطوطات، فأنشئت المكتبات الملكية، وحفظ حكام المسلمين المخطوطات وصانوها، وأنشئت أيضا المكتبات العامة وبها مجموعات المخطوطات الموقوفة على المكتبة، كما كانت هناك المكتبات  الخاصة للمقتدرين من أفراد المسلمين المهتمين بمخطوطات في موضوع، أو حول دراسات معينة. ولا يعلم كاتب هذه السطور إن كانت هناك أمة غير المسلمين اهتمت هذا الاهتمام الكبير بالمخطوطات وبجميل الكتابة أم لا.

توجد المكتبات ومجموعات المخطوطات في أي مدينة بها عدد لا بأس به من المسلمين، وقد ساهم وجود عدد كبير من الخطاطين المحترفين بإثارة اهتمام المسلمين بالمخطوطات فكان الحكام والنبلاء وأغنياء الشعب يهتمون بهؤلاء الخطاطين ويشترون أعمالهم ويشجعونهم بالمال والجاه. وأوجد هذا بدوره "سوق الوراقين" حيث كانت المخطوطات الجميلة تشترى بثمن غال، وقد وصل إلينا كم كبير من المعلومات عن التراجم والسير وكتب التاريخ المعاصر تفيد أن العمل في نسخ المخطوطات صار إحدى الحرف التي تضمن لممارسها دخلا جيدا، كما أصبح فن بيع المخطوطات وشرائها تجارة رابحة.

تدريـب الخطاطـين:

كان الخطاطون أعضاء مرموقين في المجتمع الإسلامي، ولهم فوق ذلك أجرا وثوابا عند الله إذ يخطون نسخة جميلو من القرآن الكريم، وكان الخطاط المحترف يعمل في العادة كوراق وبائع كتب أيضا، وكان على الخطاط أن يتبع مبادئ معينة تتبلور في قواعد "أدب" محددة حيث كانت الكتب التي يتناولها لها طابع القداسة، وكانت عملية النسخ أو الكتابة معتبرة من العبادات. وتطلب هذا الأدب الديني أن تكون "نية" الخطاط سليمة، وأن يكون في حالة "طهارة" عند الإقدام على الكتابة، وأن يلبس لباسا نظيفا، ويولي وجهه إلى القبلة، ويبدأ الناسخ عمله دائما بالبسملة والحمد له، وبالصلاة على الرسول وآله، حتى وإن لم يكن كل هذا موجودا في المخطوط الأصلي.

المخطوطات الإسلاميـة فـي الهنـد:

  نتقل الآن إلى الحديث عن المخطوطات الإسلامية في الهند، وبالذات المخطوطات المكتوبة باللغتين العربية والفارسية. (وهناك طبعا مخطوطات كثيرة باللغة الأردية –أما المخطوطات التركية فهي نادرة). ومسلمو الهند- كإخوانهم في بلاد الإسلام-شديدو الاهتمام بالمخطوطات فأنشؤوا المكتبات الملكية، والمكتبات العامة، والمكتبات الخاصة، وكان حكام الهند يهتمون بنسخ المخطوطات وزخرفتها، ويشترونها ويحفظونها في مكتباتهم، فكان السلطان أكبر والسلطان شاه جهان والسلطان جهانكير مثلا من جامعي المخطوطات المتحمسين إلى جانب شهرتهم كذواقة للفنون. وكانت لمسلمي الهند معاملهم أو "ورشهم" الخاصة المعروفة "بالكارخانة، يعمل بها مشاهير الخطاطين والرسامين، فينسخون المخطوطات ويزخرفونها. وقد وصل إلينا عدد من المخطوطات التي كتب فيها بيد السلطان – تاريخ دخول المخطوط المكتبة الملكية، وتاريخ انتهاء السلطان من قراءته، وفي عهد السلطان أكبر نسخت الحمزة نامه والرزم نامه وزينتا بالرسوم والزخارف.

لقد كان لحكام الولايات المستقلة في الجنوب – مثل بيجابور وجو لكندة -مكتباتهم الخاصة وكانت هناك مكتبات عامة تحتوي مخطوطات أوقفت على المكتبة أو أهديت لها، وليس من النادر أن أفرادا هووا جمع المخطوطات، وقد ضمّت بعض المخطوطات –وبالذات مخطوطات المكتبات الملكية – إلى المكتبات العامة الكبيرة مثل مكتبة الجمعية الآسيوية بالبنغال، ومكتبة كلكتا الوطنية، ومكتبة خدا بخش الشرقية العامة بباتنا، ومكتبة مولانا آزاد بجامعة عليكرة الإسلامية في عليكرة، ومكتبة معهد آزاد للأبحاث الشرقية في تونك براجستان، ومكتبة رضا برامبور، ومكتبة معهد الدراسات الإسلامية بنيودلهي، ومكتبة متحف سالار جنك بحيدر آباد، ومكتبة المخطوطات الشرقية التابعة للحكومة في مدارس ومثلها في تاميلنادو وغيرها.

لا يتسع هذا البحث لذكر من عشرة مخطوطات هامة ونادرة موجودة بمكتبات الهند:

 1- تملك مكتبة حضرة بير محمد شاه ورقة بأحمد آباد مخطوطة للقرآن الكريم نسخت الغبار بحجم صغير للغاية.

 2/3- تمتلك مكتبة خدا بخش الشرقية العامة بباتنا نسخة من القرآن الكريم يقال إنها كتبت بيد حضرة علي بن أبي طالب – كما تمتلك واحدة من نسختي القرآن اللتين نسخهما الخطاط المشهور ابن مقلة (توفي في 980 ميلادية) بخط النسخ الذي ابتدعه هو.

 4- وفي مكتبة الجمعية الآسيوية بكلكتا توجد مخطوطة فريدة لـ"إتحاف الورى بأخبار أم القرى" وهي تاريخ لمكة المكرمة منذ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أول أيام الهجرة.

5- تمتلك المكتبة الوطنية بكلكتا مخطوطة فريدة وثمينة لتاريخ هراة وهي تعالج تاريخ هراة من 1221-1331م، وقد تم تحقيقها ونشرها.

 6- هناك مخطوطة في الجمعية الآسيوية بكلكتا عنوانها: بادي شاه نامه، وهي تسجل تاريخ عهد شاه جهان بخط جميل، وتحمل توقيع السلطان شاه جهان، خطً رأسيا على ظهر الصفحة الأولى.

7- توجد في الجمعية الآسيوية بكلكتا مجموعة أشعار بفلم الأميرة زيب النساءا بنت أورنكزيب (وكانت تكتب تحت اسم القلم "مخفي") مكتوبة بخط جميل ومزينة بعدد من الرسوم والمنمنمات البديعة.

8- وفي الجمعية الآسيوية أيضا يوجد مخطوط لكتاب "التعليقات والنوادر" لأبي علي هارون، وهذه مخطوطة فريدة تستحق التحقيق والنشر.

9-هناك مخطوطة "الزيج الملخص" ورسالة في الفلك مع عدد من الجداول الفلكية، وقد كتب اسم المؤلف في الصفحة الأولى على أنه أثير الدين المفضل ابن عمر الأبهري – اما في المقدمة فذكر أن هذا الكتاب اختصار لذيل شاهي.

10-تمتلك مكتبة خودا بخش نسخة من تذكرة خوارزم شاه، وهي موسوعة طبية كتبت بعد مرور أربعة وعشرين عاما فقط من وفاة مؤلفها في عام 1140م.

ملاحـظات خـتامـية:

وجد بالعالم ثلاثة ملايين مخطوطة – تمت فهرسة ستمائة ألف منها فقط – وحقق أقل من هذا بكثير، وكتبت هذه المخطوطات بالعربية والفارسية والتركية والأوردية وبلغات محلية عديدة.

 ولم تتم إلى أية عملية حصر للمخطوطات الإسلامية بالهند، ومن الصعب حتى التكهن بعدد المخطوطات الموجودة بالهند في اللغات الأربعة الإسلامية، فبعض عائلات شمال الهند – لا تحب أن يطلع احد على ما تمتلك من مخطوطات، ولهذا فقد ظلت مكتباتها دون فهرسة، ولا يعلم أحد هل كانت بعض المكتبات – كمكتبات أمراء أركوت أو تاميل نادو -  مثلا تحتوي على مخطوطات هامة ونادرة أو لا.

 أهديت بعض المجموعات الخاصة إلى المكتبات الكبرى مثل مكتبة مولانا آزاد بجامعة عليكرة الإسلامية، ومكتبة مولانا آزاد بمعهد البحوث بباتنا، ومكتبة معهد الدراسات الإسلامية بدلهي، ومكتبة رضا برامبور وغيرها، وقد تم نشر فهارس بعض هذه المجموعات – وفهارس البعض الاخر ما زال في انتظار النشر.

  ويجب أن يبذل جهد كبير لفهرسة كل المخطوطات الإسلامية التي لم تفهرس بعد، وهناك بالهند مكتبات عديدة فهارسها مكتوبة بخط اليد فقط، ويكون من المفيد جدا نشر هذه الفهارس، ونشرها بالصورة الكاملة التي تشمل كل المعلومات التي يحتاجها الباحثون في دراساتهم.

إن الطريق أمامنا طويل وملئ بالعقبات – ولكن بالعمل الجاد وبالإيمان بالله تعالى سوف نصل إلى النجاح بإذن الله.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
أهـمية المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الافتتاحي لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 30 نوفمبر_ 1 ديسمبر 1991/جمادى الآخر 1413_ النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 113-119.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني
Back to Top