المخطوطات الثمينة في تاريخ مكة والمدينة

شارك:

الشيخ حمد الجاسر

هداف هذه المؤسسة المباركة من السعة تتلاءم مع ما يتصف به مؤسسها من غيرة تراث أمته، وحرص على صيانة هذا التراث، وسعي جاد لينتفع به ويستفاد منه، إذ بدون الانتفاع والاستفادة تنتفي الغاية المثلى المتوخاة في كل عمل من الأعمال، والتراث الإسلامي-كغيره من التراث لكل أمة من أمم العالم – فيه النافع الذي ينبغي أن يغالى فيه، ويسعى لحفظه وإحيائه، وفيه دون ذالك.

ولقد كان مما اختص الله به هذه الأمة الإسلامية أن تكفل بالحفظ والصيانة والبقاء الأبدي لكتاب ذالك الدين القويم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الآية التاسعة من سورة "الحجر".

وكان أن هيأ من علماء هذه الأمة – منذ عهد المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- من بذل أسمى الغايات وأعظمها بجمل عبء تبليغ شرائعه وسنته وجميع تعاليمه التي يقوم عليها كيانه، ويتضح بها نهجه، وتتم بأدائها والقيام بها كل مقوماته، حسبما فهموه من معاني الكتاب العزيز، أو عرفوه وتلقوه من سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم –قولا وعملا- مما حفظوه، للتلقي لما يتصف به من سمو الأخلاق، ممن بذل الوسع في البحث والاستقصاء حتى كان أهلا للتلقي وحمل ذالك العلم، فكان أن دون بمؤلفات تناقلها من أهل كل عصر عدوله، حتى عهدنا الحاضر.

ثم اتجه العلماء – منذ عهد مبكر من عهود النشر والتحقيق – إلى هذا الجانب من تراثنا الإسلامي، وهو أولى الجوانب بالرعاية والاهتمام والعناية- فلم يغادروا مؤلفا في التفسير أو الحديث أو الفقه أو أصول الشريعة أو غير ذالك من المؤلفات، التي تعد أصولا ومصادر تستقى منها أحكام الشريعة وآداب الإسلام، أو يتوقف عليها فهم تلك الأصول من أمهات كتب اللغة وغيرها – إلا يسروا الاستفادة منه، وقربوا فهمه والانتفاع به، ونشر ذالك نشرا صحيحا بحيث أمكن القول بأن هذا التراث الذي به حفظ الله للأمة الإسلامية دينها، قد أصبح محفوظا مهيأ ميسرا لكل باحث ومستفيد.

ونوع آخر عميق الصلة بالتراث الديني، هو ما يتعلق بتاريخ الأمة الإسلامية نفسها، وما له صلة وارتباط بهذا التاريخ من حيث العناية بتحديد أمكنة نزول الوحي، ومواقع الغزوات النبوية، ومنها ما هو مذكور في القرآن الكريم، كـ"بدر" و"حنين" ومآثر المدينتين الطاهرتين، كمواضع شعائر الحج، والمساجد النبوية المأثورة، وغير ذالك مما يتوقف فهم كثير من النصوص الدينية على معرفته، وهو تراث ضخم، لا تزال دور الكتب تزخر بمخطوطاته، علىى قلة ما نشر منه.

فهل في مستطاع أي جهد يبذل من مؤسسة أو مجموعة مؤسسات، القيام بما يجب حيال جميع هذا الجانب من التراث من وسائل الحفظ والإحياء؟ أو-على الأقل وليس هذا قليلا-تهيئة وسائل الاستفادة منه لمن يتوخى ذالك من الباحثين؟

 ولقد عنيت بعض الأقطار العربية بما لها صلة به من هذا الجانب من التراث فنشرت في مصر أمهات المؤلفات المتعلقة بتاريخ هذا القطر الكريم، كما نشرت مؤلفات عامة تاريخية وأدبية لا تختص بمصر، بل تشمل جميع الأقطار الإسلامية.

وقام المجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي، وقد رسما في أهداف إنشائهما (إحياء التراث العربي والإسلامي فيلاالعلوم والآداب والفنون) مع الغايات الأخرى التي أنشئ المجمعان للعمل لتحقيقها، قام هذان المجمعان فسارا على طريقة حققت بعض الغايات التي تتناسب مع لهما من إمكانات، وذالك بنشر أهم ما يتعلق بقطريهما-الشام والعراق- من مؤلفات، بدون الاقتصار على تلك المؤلفات، بل كان لما لذينك للمجمعين من صلة به من التراث العربي نصيبه بالإحياء، نشرا أو مساعدة على التحقيق بمختلف الوسائل. واليمن مع ضعف إمكاناته الاقتصادية أولى هذا الجانب من التراث عناية واهتماما برز أثرهما في عشرات المؤلفات التي صدرت في الآونة الأخيرة عن ذالك القطر محققة أو مصورة، فيسرت للباحثين الاستفادة منها والانتفاع بها.

أما هذا القطر الذي أكرمه الله بأسمى مزية فبعث منه أشرف الأنبياء واختار أهله لحمل رسالة ذالك النبي الكريم، وتبليغها للعالم، رسالة العلم والعدل والإصلاح، وخص مدينتيه الطاهرتين بما لم يخص به مدينة على ظهر البسيطة، من حيث الإجلال والقداسة فجعلها مهوى الأفئدة، ومقصد طلاب الرحمة والمغفرة، ووجهة القانتين من عباده في أي قطر من أقطار هذه البسيطة. ومن هنا كان لما يتعلق بهما من التراث المنزلة السامية في نفوس المسلمين.

ولقد كان لعناية الدولة السعودية الكريمة بنشر التراث الإسلامي بصفة عامة اليد الطولى منذ أن وحد البلاد سنة 1343 الملك عبد العزيز – رحمه الله - حتى أنشئت الجامعات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود-أعزه الله وسدد على دروب الخير والإصلاح خطاه- فقد أولى تلك الجامعات من رعايته واهتمامه ما مكنها من أن تؤتي ثمارها الطيبة بتخريج عدد من أبناء البلاد المتخصصين بمختلف فروع المعرفة فكان للتراث الإسلامي نصيبه من العمل للاستفادة منه، وذالك بنشر كثير من المؤلفات القيمة.

ولجامعة أو القرى جهد مشكور في الاتجاه إلى ما يتعلق بتاريخ مكة المكرمة من الكتب، فقد شرعت في نشر طائفة منها من أهمها مؤلفات آل فهد: عمر بن محمد بن محمد (812-885هـ) ومؤلفه "إتحاف الورى بأخبار أم القرى" في أربعة مجلدات، وعبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد (850-922هـ) وكتابه "غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام" صدر منه مجلدان.

ويؤمل أن تلك الجامعة الكريمة تستمر في عملها واتجاهها لنشر ما تستطيع نشره مما يتعلق بتاريخ أو القرى، إذ هي أولى من يتولى هذا الأمر من غيرها.

ولبعض العلماء والوجهاء من أهل مكة جهود مشكورة في هذا المجال ولعل من أقدمهم في عصرنا الحاضر الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي (1286-1355هـ) الذي حرص على جمع ما تمكن من جمعه من المؤلفات المتعلقة بتاريخ أو القرى، شراءا ونسخا، حتى كون من ذالك مكتبة خاصة ضمت بعد وفاته إلى مكتبة الحرم المكي.

وللشيخ محمد سرور الصبان (1316-1392هـ)- رحمه الله – يد مشكورة في محاولة نشر بعض المؤلفات، ومن أهمها كتاب "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين" لتقي الدين محمد بن أحمد الفاسي (775-832هـ) كما ساعد على نشر كتابه الثاني "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام"، فصدر في مجلدين. وقبل نشرهما كان كان بتوجيهه ومساعدته وراء نشر "أخبار مكة" للأزرقي، بتحقيق السيد رشدي ملحس (1317-1378) ويعد هذا الكتاب مع "أخبار مكة" للفاكهي أقدم المؤلفات المعروفة في تاريخ مكة وأجلها، فمؤلفهما- من أهل القرن الثالث الهجري – وقد دونا تاريخها منذ العهد الجاهلي إلي عصرهما، وقد حقق كتاب الفاكهي الشيخ عبد اللطيف بن عبد الله بن دهيش تحقيقا علميا، ونشر القسم الموجود منه وهو يوازي نصف أصل الكتاب.

وعلى ذكر كتاب الأزرقي، فلعل مما يستدعي العجب، ويثير الاستغراب أن يكون بين علماء الغرب من سبق إلى نشر أهم المؤلفات المتعلقة بتاريخ مكة وهو المستشرق الألماني هنري فردينند وستنفلدH.F.Wustenfeld  (1223-1317هـ) فقد نشر قبل 200 عام مجموعا يحوي تواريخ مكة للأزرقي والفاكهي والفاسي وابن ظهيرة والقطبي في عدة مجلدات.

 وطرفة أخرى تستدعي العجب هي أنني حين وقعت في يدي مصورة كتاب الفاكهي قبل نشره سنة 1379ه، ووصفته في مجلة "العرب"1 رأيت مؤلفه قد صور الكتابة التي فوق مقام إبراهيم، وحاول فك رموزها بعرضها على علماء زمنه، فرأيت أن أتثبت من صحة ما وصل إليه في ذالك، فنشرت ما ذكر مع صورة الكتابة في مجلة "العرب"2 وبعثت بنسخ من المجلة لبعض المعنيين بشؤون الآثار في بلادنا وطلبت منهم إفادتي بما لديهم حول ما ورد في ذالك الكتاب، فلم أتلق من واحد منهم جوابا.

ثم فوجئت برسالة مطبوعة تتعلق بتلك الكتابة لأحد كبار المستشرقين وهو الأستاذ كستر  M.J.Kisterعالج فيها قراءة تلك الكتابة وأيد بعض ما ذكر الفكهي وهي بعنوان "مقام إبراهيم"3 Maqam Ibrahim A Stone with an Inscription

ومما نشر من المؤلفات المتعلقة بمكة كتاب "القرى لقاصد أم القرى" للحافظ أحمد بن عبد الله الطبري المكي (616-674هـ) قام بنشره الشيخ عباس يوسف قطان (1313-1370هـ) رحمه الله، ومن ميزات هذا الكتاب أن مؤلفه يعد من علماء الحديث، ولهذا جمع في كتابه ما وسعه جمعه من الأحاديث النبوية المتعلقة بمكة ومشاعرها المقدسة وشؤون الحج وغيرها مما له صلة بتلك المباحث.  ونشر بعض وجهاء مكة كتاب "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام" ومؤلفه هو قطب الدين محمد بن أحمد النهروالي المكي (917-990هـ) ومختصره لابن أخيه عبد الكريم بن حبيب الله النهروالي (961- 1014هـ).

كما نشرت تلك مؤلفات أخرى، ولكن باستثناء كتابي الأزرقي والفاكهي، فطرية نشر تلك المؤلفات لا تهيئ للباحث الاستفادة منها بيسر وسهولة، إذ هي خالية من الفهارس التي توفر له الوقت وتقرب له المقصد.

ولهذه البلدة الكريمة – ولمنزلتها السامية في نفوس المسلمين عامة، ولاهتمام علمائهم بتاريخها، ولإنجابها طائفة من العلماء الأحفياء البررة بها - ذخيرة طيبة من المؤلفات التاريخية، غير ما يتعلق منها بالأمور الدينية، مما زخرت به جميع أمهات كتب التفسير والحديث والفقه وغيره من مختلف العلوم، وقد نشأ في مكة أسر توارثت العلم، ووجهت اهتمامها إلى كل ما له صلة بهذه البلدة.

ومن أشهر الأسر العلمية آل الطبري ومن أوائل من عني منهم بتاريخ مكة محب الدين صاحب كتاب "القرى" وتقدم ذكره.

وعبد القادر بن يحيى الطبرى (976- 1033هـ) ومن مؤلفاته "نشأة السلافة في منشآت الخلافة" خصص القسم الأخير منه لولاة مكة من الشريف قتادة بن إدريس سنة (600هـ) حتى عهد حسن بن أبي نمي سنة (1009هـ) وألحق به ذيلا يحتوي على ترجمة أبي طالب بن حسن بن أبي نمي المتوفى سنة (1012هـ).

وعلي بن عبد القادر بن يحيى الطبري المتوفى سنة (1070هـ) وله من المؤلفات "الأرج المسكي في التاريخ المكي" و"تحفة الكرام بأخبار عمارة السقف والباب لبيت الله الحرام".

ومنهم محمد بن علي الطبري (1100- 1173هـ) ومن مؤلفاته "إتخاف فضلاء الزمن، بتاريخ ولاية بني الحسن" عرض فيه تاريخ ولاة مكة من القرن السابع الهجري إلى سنة 1141ه وكتابه لا يزال مخطوطا، كمؤلفات من قبله من الطبريين.

وأسرة آل فهد التي برز منها عدد من مشاهير العلماء في علم الحديث، ترسموا خطى شيخهم مؤرخ مكة محمد بن أحمد الفاسي المكي، في الاتجاه للاهتمام بتأريخ هذه البلدة الطيبة، وأولوا ما يتعلق بها وما حولها من المواضع عناية فائقة بإبراز مآثرها وأخبارها وهو ما سأذكره من آثارهم. منهم محمد بن محمد بن فهد (787-871هـ) تقي الدين، وهو من مشاهير المحدثين وله مؤلفات في الحديث ورجاله، ومن مؤلفاته المتعلقة بمكة "بشرى الورى فيما ورد في حراء" و"الإبانة فيما ورد في الجعرانة" و"اقتطاف النور مما ورد في ثور".4

وعمر بن محمد بن محمد بن فهد (812-885هـ) نجم الدين، ومن مؤلفاته "إتحاف الورى، بأخبار أم القرى" و"الدر الكمين بذيل العقد الثمين" و"معجم الشيوخ" يحوي تراجم علماء مكة وعالماتها في القرن التاسع الهجري، و"التبين في تراجم الطبريين" و"تذكرة الناسي بأولاد أبي عبد الله الفاسي" و"السر الظهيري بأولاد أحمد النويري". والكتب الثلاثة الأخيرة عن أسر علمية كانت في مكة.

وعبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد (850-922هـ) عز الدين، وله من المؤلفات "بلوغ القرى بذيل إتحاف الورى" و"غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام" ويترجم فيه لمشاهير علماء مكة وأعيانها.

ومحمد بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد (891-954هـ) جار الله، ومن مؤلفاته "الاتعاظ بما ورد في سوق عكاظ5" و"التحفة اللطيفة في بناء المسجد الحرام والكعبة الشريفة" و"تحفة اللطائف في فضل الحبر ابن عباس ووج والطائف" و"حسن القرى في ذكر أودية أم القرى "6 وذيل على كتاب والده عبد العزيز "بلوغ القرى" نقل عنه الجزيرى في كتاب "الدرر الفوائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة"7 في حوادث سنة 923 وسنة 945، و"السلاح والعدة في فضائل بندر جدة" و"نشر اللطائف في قطر الطائف".

 وتتصل حلقات السلسة التاريخية من حيث وقف آخر آل فهد في القرن العاشر الهجري، تتصل بمؤلفات القطبي وابن ظهيرة وآل الطبري والأسدي والعصامي والسنجاري وابن عبد الشكور والصباغ ودحلان والشيبي والغازي ثم السباعي8، ممن لا أطيل بذكرهم، غير أن مما ينبغي إدراكه أن عمل أولئك الأجلة من العلماء على جلالة قدره، وعظم نفعه، وعدم الاستغناء عنه، ما هو سوى متممات وإضافات لما أشاد بنيابه وأسس قواعده، مؤرخ البلدة الطيبة، وشيخ مؤرخيها بحق محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي (775-832هـ) الذي أفرغ جهده بالبحث والاستقصاء، وأجهد نفسه في التنقيب وتتبع الآثار حتى أعد أنفس ذخيرة وأجلها تحوي خلاصة ما اطلع عليه في كتب  المتقدمين طيلة سبعة قرون من عهد الأزرقي أقدم من عرف من ؤرخي مكة إلى أول القرن التاسع الخهجري، وما كان في ذالك جامعا فحسب، بل كان يضيف إلى كل ما جمع ورتب وهذب، ما لا يكمل إلا بإضافته وهو ما توصل إليه من دراسة قائمة على المشاهدة والتتبع، وزيارة الأمكنة لاستقراء آثارها المنقوشة في الرخام والأشجار والأخشاب9 ومطابقة مشاهداته على ما في المصادر التي نقل عنها، ولمعرفة ما يتصل بالمشاعر والأماكن المباركة مما يتعلق بتحديد المسافات بينها معرفة مقرونة بالمطابقة بالعمل، بحيث اتخذ من اطلاعه على تلك الآثار وسيلة لإدراك الحقيقة، وقد قام بتدوين ما ألف على مراحل، كانت خاتمتها وخلاصتها مؤلفيه الجليلين "شفاء الغرام" و"العقد الثمين" وليس ما عداهما من مؤلفاته المتعلقة بتاريخ مكة مما لا يزال مخطوطا عديم الفائدة10 . وأكتفي بهذه اللمحة الموجزة عن مؤرخي مكة.

أما طيبة الطيبة فقد عني العلماء بتاريخها في وقت متقدم، فكان من أول من تصدى للتأليف عنها محمد بن الحسن بن زبالة، الذي ألف كتابه سنة 199ه، على ما ذكر السيد السمهودي في "وفاء الوفاء"11 وعنه أخذ عالمان من علماء المدينة ومؤرخيها هما الزبير بن كبار (172-256هـ) ويحيى بن الحسن الحسيني المدني (214-277هـ).

وقد وصل إلى السمهودي كتابا ابن زبالة ويحيى، كما استفاد من مؤلفات الزبير عن عقيق المدينة وغيره. 

ولعل أقدم كتاب في تاريخ المدينة عرف حتى الآن هو كتاب "أخبار المدينة" لعمر بن شبة النميري (173-262هـ) الذي نشر السيد حبيب محمود أحمد، القسم الوجود منه نشرا ليس محققا12 .

ولابن النجار والمطري وابن عساكر وابن فرحون والأقشهري والمراغي والفيروزآبادي والمرجاني 13 وقبلهم ابن زبالة والسيد يحيى بن الحسن الحسيني وابن شبة وغيرهم مؤلفات في تاريخ طيبة، طبع بعضها، ولكن مؤرخ المدينة بل أعظم مؤرخيها على الإطلاق، السيد علي بن عبد الله السمهودي (844-911هـ) لخص ما في هذه المؤلفات، وأضاف إليها ما مكنه اطلاعه الواسع في مختلف العلوم، واتجه لتدوين تاريخ هذه البلدة الكريمة وعانى ذالك فترة طويلة من الزمن، ومع ما حدث له من نكبات كان من أشدها تأثيرا في نفسه احتراق كتبه، ومن بينها أول مؤلفاته وأوفاها14 ، ولكن هذا لم يه عزمه، ولم يصرفه عن الغاية التي توخاها، بل أغذ السير لتحقيقها حتى بلغ ذالك من منزلة لم يبلغها من قبله وقد لا يلحقه من بعده، لكونه شاهد أشياء زالت، وسجل معلومات من مصادر جهلت، ولو لم يقم بذالك لفقد الباحثون في تاريخ المدينة كثيرا من أصوله.

 ولئن كان حريق المسجد النبوي عام 886هـ أتى على كتبه ومن بينها "اقتضاء الوفاء بأخبار دار المصطفى"15 الذي يبدو أنه أوفى مؤلفاته، فإن فيما بقي من علمه الغزير في مختصري ذالك الكتاب سداد من عوز، بل فيهما خلاصة ما في مؤلفات من قبله، مما اطلع عليه، مضافا إليه ما دونه من مشاهداته وتحقيقه، هذان المختصران هما "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى" و"خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى" وله مؤلف لطيف دعاه "الوفا، بما يجب لحضرة المصطفى" ذو صلة بالموضوع، 16  وهناك مؤلفات أخرى بعد السمهودي كثيرة ولكن (هل يدرك الضالع شأو الضليع)؟

هذا عرض موجز لذكر أشهر من عرفت من مؤرخي المدينتين الطاهرتين، والإشارة إلى بعض مؤلفاتهم، لم أحاول فيه الاستقصاء فهذا يتطلب وضع فهارس مستوفية لذالك ولكن المناسبة الطيبة مناسبة افتتاح هذه المؤسسة المباركة (مؤسسة الفرقان) كانت الباعث لعرضه، ولعل فيه ما يحفز المؤسس الكريم وهو ابن مكة البار وإخوانه وما اعرف من بينهم إلا الغيور الصادق في حبه وولائه لمهبط الوحي وموطن أكرم الخلق للاتجاه أولا للعناية بهذا الجانب من التراث الإسلامي الذي هو أولى الجوانب بالعناية والرعاية والتقديم، لكرامة ما يتصل به، ولما له من قدسية وإجلال وسمو منزلة في نفوس جميع المسلمين.

والله المسؤول أن يسدد خطى العاملين في سبيل الخير والصلاح، وأن يمدهم بالعون والتوفيق في جميع أعمالهم.

 الحواشي

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
أهـمية المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الافتتاحي لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 30 نوفمبر_ 1 ديسمبر 1991/جمادى الآخر 1413_ النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 149-158.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني
Back to Top