المخطوطات في مكتبة الملك فهد الوطنية

شارك:

علي بن سليمان الصوينع

لقد أنشئت مكتبة الملك فهد الوطنية في بداية الأمر تحت مسمى مكتبة الملك فهد، وكان هذا في عام 1408هـ، وفي 6/5/1410هـ صدر قرار مجلس الوزراء رقم (80) بالموافقة على نظام مكتبة الملك فهد الوطنية وهيكلها الإداري، وتمت المصادقة على ذلك بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/9) بتاريخ 13/5/1410هـ، وباشرت عملها بوصفها مكتبة وطنية، تقوم بمهام المكتبات الوطنية الحديثة، كما هو معمول به في جميع دول العالم، لاسيما عقب صدور المرسوم الملكي رقم (م/26) بتاريخ 7/9/1412هـ والخاص بنظام الإيداع.

ولعل من أبرز مهام مكتبة الملك فهد الوطنية في هذا المجال:

  1. حفظ الإنتاج الفكري الوطني وتوثيقه.
  2. جمع كل ما يصدر في السعودية أو يصدره السعوديون من أعمال فكرية.
  3. إصدار البيبليوجرافية الوطنية.
  4. جمع المخطوطات والاهتمام بالتراث العربي والإسلامي.

ونظرًا لما يمثله التراث الإنساني بصفة عامة، والتراث الإسلامي بصفة خاصة، استدعى الأمر أن تنشئ المكتبة إدارة خاصة بالمخطوطات والنوادر عام 1409هـ، على أن تشتمل هذه الإدارة، إضافة إلى المخطوطات والكتب النادرة، على قسم للوثائق، وآخر للمسكوكات. ومن هذا المنطلق أخذت المكتبة في تهيئة هذه الإدارة لتكون إدارة فاعلة في هيكل المكتبة العام، وكان لا بد من إيجاد رافد يزوّد هذه الإدارة بالأوعية، لذا حثت المكتبة المهتمين بالمخطوطات على إهداء المكتبة ما يوجد لديهم من مخطوطات، أو عرضها للبيع. وسارعت المكتبة بعد ذلك إلى اقتناء كل ما يقع تحت يدها من مخطوطات رأت ضرورة اقتنائها من خلال قيمتها العلمية والتاريخية. وكانت النواة الأولى التي بدأت بها المكتبة مجموعة الأستاذ إبراهيم بن طوق، وكان من ضمن هذه المجموعة فهرس يتكون من أربع صفحات، ضمّ الكتب التي كان يمتلكها أحد أفراد أسرته. ومن أنفس محتويات هذه المجموعة المجلد الثاني من «شرح مختصر الخرقي» للزركشي، الذي يعود إلى القرن التاسع (879هـ)، وهو مكتوب بخط النسخ، وعليه وقف لمحمد بن حسن الباهلي، عام 1294هـ.

تلا هذه المجموعة، مجموعة المهندس محمد بن علي آل الشيخ، الذي كان مشرفًا على مشروع المكتبة، وهو أحد أعضاء مجلس الأمناء حاليًا، ويغلب على هذه ما يغلب على المجموعة السابقة، وهي النصوص المحلية.

أما المجموعة الثالثة، فقد أهداها للمكتبة الدكتور عبد الله بن ناصر الوهيبي، وكان من أهم مخطوطاتها «زاد المعاد» لابن القيم، بخط حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كتبت سنة 1220هـ بخط النسخ المتقن، بصفات فنية تعكس روح البيئة، حيث استخدم فيها الألوان: الأسود والأحمر والأصفر والأخضر.

وهذه المجموعات عموما تحوي العديد من رسائل وفتاوى أئمة الدعوة في نجد وكتبهم، وبعض هذه الرسائل كتبت بأيدي مؤلفيها، كما حوت العديد من مؤلفات: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب الحنبلي، معظمها كتب بأيدي نسّاخ محليين.

كذلك من بين ما اقتنت المكتبة «تاريخ مكة» للأزرقي، نسخة تعود للقرن الثامن الهجري، كتبت بخط النسخ المشكول، وحروفها كبيرة، وفيها بعض الاختلاف عن النسخة المطبوعة، ونسخة من كتاب «فتح الملك الكبير بشرح المنسك الصغير» لحنيف الدين المرشدي، تمّ نسخها عام 1049هـ بمكة المكرمة.

ومن النوادر ذات الصبغة غير المحلية، التي يغلب عليها أنها مستنسخة قبل القرن العاشر:

  • ديوان الأحنف العكبري (عقيل بن محمد)، نسخ في بغداد سنة (595هـ).
  • «كشف الأسرار بما خفي عن الأفكار» لأحمد بن العماد الأفقهسي، نسخ سنة (881هـ).
  • جزء من تفسير الرازي، نقل من خط المصنف، نسخة من القرن 7هـ.
  • «ذخيرة خوزام شاه» (فارسي)، نسخت في 616هـ.
  • «نظم الخلافيات» لعمر بن محمد النسغي، نسخت في سنة 760هـ.
  • «شرح لب اللباب» لنفره كار، نسخت في سنة 785هـ.

هذا فضلاً عن مجموعة المصاحف، التي من بينها مصحف كوفي، يعود للقرن الثالث الهجري، أو الرابع الهجري تقديرًا، وهو مصحف شبه كامل، يبدأ من الآية 56 من آل عمران، وينتهي بنهاية سورة عبس. كذلك توجد مصاحف محلية، ومصاحف هندية، بالخط البهاري أو السيفي، ومصاحف صغوية، ومصاحف عثمانية؛ وهذه المصاحف كتبت في فترات مختلفة، وتمتاز هذه المجموعة بنوعية الورق المعنى بصناعته، وبخطوطها المجوّدة، وبالزخرفة والتذهيب، والجدولة بألوان متنوعة.

واستنادًا إلى مراسلات تمت بين صاحب السمو الملكي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرّياض، والمشرف العام على المكتبة، وسماحة المفتي العام للمملكة، الشيخ عبد العزيز بن باز، فقد تم مؤخرا الموافقة على نقل مخطوطات مكتبة الرّياض السعودية، من مقرها السابق، في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، إلى مكتبة الملك فهد الوطنية.

وتحتوي مكتبة الرّياض السعودية على مجموعة مهمة من المخطوطات، أصولاً وصورًا، وتمتد هذه المخطوطات تاريخيًا من القرن السادس الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري. ومن أقدم هذه المخطوطات مخطوط بعنوان «الإرشاد في قواعد العقائد» لأبي المعالي عبد الملك بن محمد الجويني، وهو مؤرخ بسنة 562هـ. ومعظم هذه المخطوطات في الفقه الحنبلي، وتتميز بوجود وقفيات من أمراء وأميرات آل سعود، مثل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، ومحمد بن فيصل، وعبد الله بن فيصل، ونورة بنت الإمام فيصل، والجوهرة بنت تركي بن عبد الله بن سعود؛ يُقدّر عددها بـ 62 مخطوطة.

كما أن هذه المجموعة تتميز بأن بعضها نسخ في مكة المكرمة، مثل «الاستغاثة لابن تيمية» و«مسند الإمام محمد بن إدريس الشافعي» لمنصور بن إدريس البهوتي.

كما حصلت المكتبة، بالاتفاق مع جامعة برنستون الأمريكية، على ما يقرب من اثني عشر ألف مخطوطة عربية، مصورة على ميكروفيلم، تعود إلى فترات مختلفة، وبعضها يرجع إلى أصول محلية في الجزيرة العربية.

كما نقلت مخطوطات وزارة المعارف، التي كانت تابعة لإدارة المكتبات بالوزارة، ويقدر عددها بـ 350 مخطوطة أصلية؛ وتتميز هذه المجموعة بأنها تمتد تاريخيًا من النصف الأول من القرن السابع الهجري، إلى النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري، وأقدم مخطوطة بها هي «معالم السنن» لأبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم (توفي: 388هـ)، المنسوخة عام 632هـ، كما يوجد في المجموعة بعض من أجزاء صحيح البخاري، تعود إلى القرن الثامن الهجري، عليها تملكات محلية.

وكثير من هذه المخطوطات نُسّاخها محليون، من أمثال الشيخ عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن إبراهيم بن مهنا، وإدريس بن سليمان بن غيهب، وحسين بن محمد الخطيب.

ويغلب على موضوعات مجموعة مكتبة الملك فهد الوطنية، العلوم الشرعية، ثم تليها موضوعات المنطق، والفلسفة، والتاريخ، والأدب، والطب، والهندسة، وغير ذلك من العلوم.

أما تواريخ المخطوطات والعصور التي كتبت فيها هذه الأصول، فهي:

- مخطوطتان تعودان للقرن السادس الهجري.

- 3 مخطوطات تعود للقرن السابع الهجري.

- عدة مخطوطات (غير محصورة) تعود للقرن الثامن والتاسع والعاشر الهجري.

أما أغلب المخطوطات فالنسبة العظمى منها تعود تواريخ نسخها إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين.

هذا، ويبلغ عدد المخطوطات بالمكتبة 2942 مخطوطة أصلية، وحوالي 14000 مخطوطة مصورة على الميكروفيلم، و1328 مخطوطة على الميكروفيش، و367 صورة ورقية.

أمّا عن المشكلات التي تواجهها المكتبة في ناحية الحفظ والصيانة، فكانت تتمثل في البيئة، والمناخ الذي يسود المملكة العربية السعودية بشكل عام. وقد أمكن التغلب على هذا الجانب، وذلك بوجود التقنيات الحديثة المتوافرة في المكتبة، تلك التي أولاها المسؤولون عن المكتبة كبير عنايتهم، وكان من أهم الإجراءات لتحقيق هذه الغاية:

  • إيجاد قاعة خاصة بالمخطوطات المعقمة، وفصل المعقم عن غير المعقم، وذلك بتهيئة مستودع بعيد كل البعد عن مكان عرض المخطوطات.
  • المحافظة على درجة الحرارة بقاعة المخطوطات، وذلك بأن لا تتعدى 22 درجة مئوية، وبنسبة رطوبة لا تتعدى 50٪، وذلك لمنع الفطريات، والحرص في ضبط أجهزة التكييف، وتثبيت أجهزة قياس لدرجتي الحرارة والرطوبة النسبية في غرف التخزين، ومعاينتها دوريًا.
  • المحافظة على النظافة الدورية باستعمال المطهرات لمنع نمو الحشرات.
  • التقليل قدر الإمكان من تعرض المخطوطات للضوء، وخاصة أشعة الشمس المباشرة.
  • وضع المخطوطات في أرفف خاصة، وبشكل لا يؤدي إلى تكديسها.

ومما سبق، يتضح مدى عناية المكتبة بحفظ هذا النوع من التراث الإسلامي الخالد، الذي يجب أن تتضافر الجهود، في شتى أنحاء العالم، لحفظه وإبرازه.

الأساليب التي تتبعها المكتبة في حِفظ هذا التراث

لقد أدركت المكتبة مدى أهمية حِفظ هذا التراث، والمساعدة على تهيئة الظروف، وتسهيل الإمكانات، سواء كانت مادية أو بشرية لذلك. فقد أخذت المكتبة على عاتقها تهيئة الظروف المناسبة لمعالجة محتوياتها من المخطوطات، سواء كانت على بردي، أو رق، أو كاغذ. علمًا أن المكتبة تحتفظ بثلاث قطع من ورق البردي، واحدة منها مؤرخة تعود للقرن الثالث الهجري، وبعض المخطوطات على الرق، مثل المصحف الكوفي، وصحيح الإمام البخاري المنسوخ في القرن السادس الهجري، في بلنسية في الأندلس، وقطعة من مصحف أندلسي مشكول.

كذلك توجد بعض المخطوطات الحبشية على الرَّق، مجلدة بألواح من الخشب، عليها كتابة أمهرية بالمدادين الحمر والأسود.

أما الجلود، فتحتفظ المكتبة بنسخة نفيسة للتوراة على الجلد، طولها 40 مترًا، ونسخة أخرى، صغيرة الحجم، بالعبرية، لأحد الكتب المقدسة.

هذا، وتتم معالجة ما سبق عن طريق استخدام جهاز التعقيم الموجود بالمكتبة، وهو الجهاز المسمى «المبخرة الأتوماتيكية»، حيث تتم المعالجة في هذا الجهاز بوضع المخطوطات داخله، ويتسع الجهاز لثمانين مخطوطة من الحجم العادي تقريبًا، حيث يتم تفريغ الهواء، ثم يتسرب الغاز السام Ethylene Oxide (إثلين أكسيد) إلى داخل الجهاز، ليتخلل صفحات المخطوطات. ويستمر تعريضها له لمدة 6 ساعات، حيث يتم القضاء على الحشرات والفطريات.

أما الترميم، فيتم في المكتبة عن طريق التعاون بين المكتبة ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرّياض، حيث تحدّد المخطوطة المراد ترميمها، ثم يذهب أحد المتدربين إلى المركز، ويرمم المخطوطة هناك.

والمكتبة تسعى الآن إلى إخراج فهرس وصفي، لجميع المخطوطات الأصلية، في مجلد مستقل.

وسوف تخرج فهرسًا آخر، يشمل المخطوطات المصورة، سواء كانت على ميكروفيلم أو ميكروفيش.

وبما أن الأهم هو بناء الطاقة البشرية، فكان لا بد في بادئ الأمر من التعاقد مع بعض أصحاب الخبرة في هذا المجال؛ علمًا وأن المكتبة قد أرسلت موظفًا لديها إلى بريطانيا، ليتدرب على صيانة المخطوطات، وقريبًا يتم إرسال زميل آخر إلى إسبانيا، للغرض نفسه. كما تمت دعوة الخبير الإسباني «لوسادا»، الذي قام بزيارة المكتبة، ووضع مخططًا للكيفية التي يمكن أن يكون عليها معمل الترميم، ووضع تصورًا مبدئيًا كذلك للمواد التي يمكن أن تكون مهمة في بادئ الأمر.

هذا، ويوجد بالمكتبة معمل خاص بالترميم، معدّ إعدادًا جيدًا، لعله يكون نواةً لمعمل ترميم، نتطلع أن يكون كبيرًا، ويخدم المكتبة، وسِواها من الدوائر الحكومية الأخرى.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 85-94.
 
يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top