الوصف المادي للمخطوطة، وخوارج النص

شارك:

عصام محمد الشَّنطْيِ

محتويات المقال:
مدخل
الوصف المادي للمخطوطة
خوارج النصّ

مدخل:

صفحة العنوان (الصفحة 1 أمامية) لنسخة من "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" (كتاب معرفة الآلات الميكانيكية البديعة) لبديع الزمان أبو العز ابن إسماعيل ابن الرزاز الجزري (ت. 602 هـ / 1205م)، نُسخت على يد محمد بن أحمد الأزهري المكتبي في 755 هـ / 1354م. بالتأكيد، كانت هذه النسخة، الغنية بالإضاءات والرسوم التوضيحية، ليست مجرد وسيلة لنقل المعرفة العلمية المتضمنة في هذا النص، بل أيضا لإبراز مكانة المالك أو الراعي الذي قام بتكليف تحضير هذ المخطوطة.

حينما نضع أيدينا على مخطوطة ما، فإنه يمكن أن نكسر الحديثَ عنها في ثلاثة مجالات.

الأول: ما في المخطوطة من علم ومعرفة، يستحق نصُّه أن يتناولَه المتخصصون بالدراسة، على أن يسبق ذلك توثيقه وتحقيقه وإضاءَته.

والثاني: حوامل هذه المادة العلمية، أو وعاؤها من ورق، وأحبار ذات ألوان، وأقام تُ ى على أنواع الخطوط، وخطوط اسْتُخدمت لأداء المجال  الأول، وهو تقييد ذلك العلم، والتجليد ( التسفير) وهذه هي العناصر التي تتكوّن منها صناعة المخطوطة.

 والثالث : ما يطلق عليه "خوارج النص" وهي متنوعة، بعضها يُعَدُّ من توابع الوصف المادي للمخطوطة، كالتملُّكات والتوقيفات، لأنها قيود متعلقة بشكل المخطوطة المادي. وهما من مباحث علم المخطوطاتcodicology  مضافًا إليهما الفهرسة. وبعضها ألصق بالنصِّ العلمي، مثل ، إجازات السَّمَاع والقراءة، وغيرهما.

وحديث محاضرة اليوم في المجالين الأخيرين: الوصف المادي للمخطوطة، وخوارج النص بأنواعه المختلفة.

الوصف المادي للمخطوطة:

أول ما يلفت النظر في المخطوطة، الورقُ، أو الرَّق أو البَرّدي، الذي كُتبت عليه المادة العلمية.

والثاني: الحبر، أو الأحبار بألوانها المختلفة، الذي كُتب به.

والثالث: القلم، أو الأقلام التي تُغمس في الحبر، وتُستعمل في الكتابة.

والرابع: يتعلق بتنوّع الخطوط في اللغة العربية، وبأيّ نوع من الخطوط كُتبت المادة العلمية.

والخامس: جمع هذه الأوراق في مجموع بين دفتي غلاف من الجلد. وهو ما يُسمَّى في باد المغرب "بالتفسير"

والسادس: ما يمكن أن يُضاف إلى أوراق المخطوطة وغلافها من تزيين وزخرفة هندسية أو نباتية أو كتابية) خطَّية(، أو حيوانيَّة، بألوان مختلفة، وطلاء بعضها بماء الذهب، الذي عُرف عند العرب "بالتذهيب"

والبَرْدِي كان يُصنع من نبات ينمو في مستنقعات دلتا نهر النيل، وكانو يطلق عليه "القراطيس المصرية" ،و كان يَتَّخذ شكلَ لُفافة، لا شكلاً مبسوطًا، في هيئة كتاب يصعب القراءة فيها. لذلك استخدموا - فيما بعد - قِطَعًا من الرَّقّ) من جلود الحيوانات( ، فيها ليونة، وتُبسَط على هيئة كتاب، لكنه كان أغلى كُلفة وثمنًا. ونعلم أن مصاحف الخليفة الراشد عثمان بن عفَّان التي أرسلها إلى الأنصار كانت مكتوبة على الرَّقّ.

ولم يبدأ انهزام استخدام البَرْدي والرَّق، إلا في أوائل الدولة العباسية، الذين عرفوا الورق) الكاغِد أو الكاغَد(، وجلبوه محّملا على الإبل من سمرقند. وفي عهد هارون الرشيد صُنع الورق في بغداد لأول مَرَّة عام 177 هـ/ 793 م، على أيدي أسرى صينيين، هم صُنَّاع الورق في العالَم، صنعوه من الكَتَّان. ومن ثَمَّ أخد ينتشر شيئًا فشيئًا في الأقطار العربية، إلى أن وصل إلى الأندلس، واشتهرت مدينة شاطِبة بمعامل صناعته، وحسّنوه وطوّروه بإضافة القطن )الكُرسُف (إليه، فاكتسب نعومة وسهولة في الكتابة عليه. ومنهم عَرف الأوربيون الورق واستوردوه من الأندلس ردحًا من الزمن.

وتُعَدُّ مرحلة صنع الورق وانتشاره مرحلة كبرى لانتشار الكتابة والتأليف لمتانته، وخفة وزنه، وسهولة بسطه في هيئة كتب. وهو أقل ثمنًا من الرَّقّ، والكتابة عليه أثبت من الكتابة على الرَّقّ، الذي كان يتمَيز بسهولة محوه.

وعرف العرب المِداد )الحبر( ، وصنعوه من العَفْص والزَّاح والصمغ. وفي المخطوطات كثير من الرسائل والكتب التي صُنِّفت في صناعته. وكان اللون الأسود هو اللون الشائع في الكتابة العربية. وتُكتب باللون الأحمر الكلمات أو العبارات التي يريد الناسخُ تمييزَها.

وأول الخطوط التي كانت تكتب بها المصاحف خاصة، هو الخط الكوفي. ولدينا قمم ثلاث يعود إليهم الفضل في تطوير الخط العربي وهندسته، ابن مُقْلَة، الوزير أبو علي محمد (ت328هـ/940 م ) ثم ابن البَوَّاب، أبو الحسن عليّ بن الهال ( ت 413 هـ/ 1022 م) ، وياقوت المستعصمِي البغدادي ( ت 689 هـ/ 1299 م . ) وكذلك أسهم خطّاطو الدولة العثمانية في التطوير والتحسين في القرن التاسع الهجري) الخامس عشر الميلادي (وشاع في المصاحف والمخطوطات، فيما بعد، قلم النسَّخ، لوضوحه وسهولة كتابته. إلا أنّ العربيةَ عَرفت خطوطًا أخرى كثيرة، منها الثُلُث. والرُّقعة والفارسي .أما المغرب العربي فعَرف الخط المغربي .وفي الأندلس تميزت خطوطهم، المأخوذة أصلا من الخط المغربي .وبرع العرب في تجليد كتبهم - وجمع شتات أوراق الكتاب .وانتقلت فنّية هذه الصناعة إلى مدينة البندقية بإيطاليا، ومنها انتشر في أنحاء شتّى من أوروبا .وكانت المخطوطة، خاصةً أولها وآخرها، تُزيَّن وتُزخرَف، وكذلك الغاف بدفتّيه. وكانت الزخرفة تتخذ أشكالاً مختلفة، هندسية، ونباتية، وخطّية .وحينًا بالرسوم الحيوانية ككتاب كَليلة ودِمْنَة، الذي ترجمه ابن المُقفَّع في أوائل الخلافة العباسية، وكتاب الحيوان للجاحظ (ت 255 هـ /869م ). وكل هذه الرسوم تُزَيَّن بالألوان المختلفة، والأصباغ المتنوعة، وتُذهَّب، وقد اتَّضحت الزخرفة والتذهيب - في الدرجة الأولى- في المصاحف، ثم في بعض النُّسخ الخزائنية، وكانت كتب الحيوان والطب والفلك وغيرها، زاخرةً بهذه الأشكال والزخارف الملوَّنة والمذهَّبة.

خوارج النصّ:

وهي ما يُكتب في الصفحات الأولى من المخطوطة قبل نصّ الكتاب، أو في الصفحات الأخيرة بعد حَرْد المَتْن. من مثل التملّكات والوقفيات، وإجازات السَّمَاع، أو القراءَة وغيرها.

ومثل هذه الخوارج تفيد في تقييم النسخة، وتقدير تاريخ نِساختها، إذا خلت منه. كما تفيد في حالة خلوّ المخطوطة من اسم المؤلِّف وعنوانها، فهما في العادة يذكران في نصّ الوقفية. وتُعين الخوارج على تتبّع حركة المخطوطات ورحلتها من مكانٍ لآخر.

(1) التَّملُّكات: نجد في آخر بعض المخطوطات، في حَرْد المَتْن أن ناسخه يكتب عبارة "كتبها لنفسه"وهي تحمل معنى التملُّك للنسخة عند نِساختها.

وكثيرًا ما نجد على الصفحة الأولى والأخيرة تملُّكات، بعضها مؤَرَّخ، وبعضها خالٍ من التاريخ، وهي أقل أهمية، خاصةً إذا كان المالكُ مجهولاً لدينا. وأحيانًا يملكها عالِم، فنعرف تاريخ تملُّكه إيَّاها على وجه التقريب، دون ضرورة كتابة تاريخ التملُّك، ذلك لأن وفاتَه معروفةٌ لدينا. في هذه الحالة تزداد النسخة قيمة، خاصة إذا قرأها وصحَّح بخطّه ما رأى أنه جديرٌ بالتعليق أو التصحيح. وتملّكات العلماء على الكتب تفيد محتويات مكتباتهم التي بعثرها الزمن، من مثل مكتبة ياقوت الحموي (ت 626 هـ/ 1229 م)، وصلاح الدين الصَّفَدِي (ت 764 هـ /1363 م)

(2) الوقفيات :الأصل في الوقف أن يكون في الثوابت كالعَقّارولكن الفقهاء جوّزوه في المنقولات، كالكتب، للمنفعة الحاصلة من وَقْفها. وكثير من المصاحف ما استُنسِخ، وأُقفت في المساجد.

وفي القرن الرابع الهجري)العاشر الميلادي( ، وصل إلينا أَنّ مكتبات عامة كانت تُوقَف على طلبة العلم، مكتبة "دار الحكمة" بالقاهرة التي أنشئت في العهد الفاطمي، عام 395ه/1005م وأمتد الوقف إلى كتب الطب تُوقَف في البيمارستانات لاستعمال الأطباء، في دمشق والقاهرة. ووصل إلينا مخطوطات كثيرة مُثَبت على صفحة العنوان نصُّ الوقفية، وعليه تاريخ كتابة هذا النصّ. وبعضها كان يُختم بخاتَم الواقف.

(3) الإجازات: هي بمثابة شهادات علمية يمنحها الشيوخ لتلاميذهم، تُقيَّد على ظهرية المخطوطة، أو غاشيتها. وهي من المظاهر الشائعة في المخطوطات العربية .ونلاحظ كثرتها في مخطوطات الحديث النبوي .وربما يليها كثرة كتب التاريخ والتراجِم. والإجازة بالسَّمَاع، أو القراءَة، أفضل الطرق في تلقِّي العلم، فالإِجازة بالسَّمَاع تفيد أنه سمع شيخَه يقرأ عليه. وهو يَسْمع. وهذا أَقْيَم عندهم من تلقَّى العلم من الصحف، لأنها تُوقِع في تصحيفات كثيرة. وأحيانًا يَكتب التلميذ أنه سمع من شيخه كذا .وفي آخر هذا السَّمَاع يكتب الشيخ المُسْمِع عبارة: هذا صحيح وكتب فان. وقد امتدَّت وشاعت هذه الإجازات في مختلفِ العلوم، إلى أن عُرفت في مخطوطات اللغة والطب والعلوم التجريبية كافّة. وتكشف هذه الشهادات العلمية عن طريق التعليم في الحضارة العربية الإسلامية، خاصة في بلدانها المشرقية التي عُرفت بمراكزها العلمية، ومدارسها الشهيرة، كدمشق والقاهرة وبغداد ومكة وحلب .ونعلم من هذه الإجازات شهرةَ عالِمٍ ما بتدريسه هذه المادة، ومنحِه الإجازاتِ فيها. وكذلك نتعرَّف منها على خطوط العلماء وتوقيعاتهم. والإجازاتُ المُثَّبتَةُ على المخطوطة تمنح النسخةَ شهادةً بتوثيقها وضبطها.

أَمَّا إجازة القراءة فهي أن يَقرأ التلميذُ على الشيخ من كتاب، والشيخ مُنصِت يقارِن ما يُلقى بما في نسخته، أو بما يَحفظ. ويقدِّم لهذا بعبارة "قرأت على فلان" ومثل هذه الإجازات شائعة في مخطوطات جميع العلوم. وهي أكثر شيوعًا من إجازات السَّمَاع، المقصورة على بعض العلوم، على رأسه - كما قلنا - الحديث النبوي.

وينبغي أن نتنبَّه إلى أن إجازات السَّمَاع والقراءَة زاخرةً بالمصطلحات الفنية. وجمعها ودراستها ييسِّر لنا معرفة هذه المصطلحات.

(4) قيود التصحيح والمقابلة والمعارضة: هي قيود مهمَّة نجدها على صفحات عناوين المخطوطات. وكلها تشهد على صحة النسخة وأصالتها.

(5) قيود المطالعة: أيضًا على صفحة عنوان المخطوطة. وهي مما له علاقة بنصّ المخطوطة. وهي قيود تُعلي من قيمة النسخة، خاصةً إذا كانت مطالعةَ أحدِ العلماء.


ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
مدخل إلى تحقيق المخطوط العربي،2019، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن. ص 77-84.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top