علم المخطوطات (الكوديكولوجيا) وتاريخ المجموعات (الأرصدة)

شارك:

فرانسوا ديروش

محتويات المقال:
مقاربة نظرية
مجال التطبيق
لماذا القيام بهذا التاريخ؟
المميزات الخاصة للمخطوطات الشرقية المحفوظة في أوروبا
ما هو المخطوط الشرقي؟
تاريخ المجموعات والفهارس: واقع الأمكنة
كيف نعمل تاريخ مجموعات المخطوطات الشرقية؟
المنهج
عناصر الخطوط الجديرة بالملاحظة*
تركيب المعطيات...*

مقاربة نظرية

مجال التطبيق

إن أحد مهام علم المخطوطات (الكوديكولوجيا)، إلى جانب تحليل الظروف المادية التي تحيط إنتاج الكتاب المخطوط، هي عمل تاريخ المجموعات وأرصدة المكتبات[1]، أي تجميع معطيات عن تداول المؤلفات منذ عصر صناعتها، وإعادة بناء سلسلة مالكي مخطوط أو مجموعة من المخطوطات قدر الطاقة، وتوخي الأماكن التي جاءت منها المجلدات أو استقرت فيها[2]. ولا تخرج المخطوطات الشرقية، وعلى الأخص العربية والفارسية والتركية، الموجودة في المكتبات والمجموعات العامة والخاصة المحفوظة سواء في الشرق أو في الغرب، عن هذه الإشكالية.

/ لماذا القيام بهذا التاريخ؟

مجال موزّع بين العديد من التخصّصات

يندرج تاريخ المجموعات داخل موضوع واسع. فبإعادة بناء تاريخ مجلد أو مجموعة من المجلدات خطوة خطوة، وبمحاولة معرفة أي نص (أو مجموعة من النصوص) أُدخِل وعرف في فرنسا، على سبيل المثال، متى ومن الذي أدخله وعن طريق أي النسخ، فإن علم المخطوطات (الكوديكولوجيا) يفتح الباب أمام تاريخ الأفكار وتداولها، وأمام اتصال الحضارات، ولمعرفة الاستشراق الأوروبي وأيضا تراث البلاد الشرقية المعنية[3]. وفي هذه الدراسات كذلك تاريخ النصوص بالقدر الذي يتيح فيه ذكر مقام نسخة في مكان معين أو بين يدي شخص معروف محاصرة تاريخ تداول نص تكون حاملة له، أو افتراض أن هذه النسخة استخدمت لنسخ نسخة أخرى أو لترجمة، أو أيضا كأصل للطبع. وتاريخ المخطوط مهم أيضا للغويين والفيلولوجيين ومؤرخي الفن وحتى القانونيين.

المميزات الخاصة للمخطوطات الشرقية المحفوظة في أوروبا

يميز المظهر المادي للمخطوطات الشرقية المحفوظة في أوروبا أن ما يوجد بها من علامات أو إتلافات أو ترميمات أو تغييرات في تجليدها يمكن أن يكون مزدوج المصدر، شرقيا أو غربيا، شاهدا بذلك على تنقّلاتها المختلفة. وتواجه الدارس الذي يدرسها مشكلات كودیكولوجية شرقية وغربية على حد سواء، فيجب إذا أن يكون متعدد الاهتمامات، وعلى الأخص فيما يتعلق بمعرفة المؤلفات والمراجع. ويتطلب تحديد هذه العلامات، الشرقية أو الغربية، التي يمكن أن تظهر لأول وهلة وقراءتها، تحليلات متخصصة بسبب اللغات والكتابات المستخدمة، وهي ذات علاقة مثابرة، لأن المشكلات المراد حلها متقاربة جدا من وجهة النظر المنهجية والتقنية[4]. وفضلا عن ذلك، إذا كانت بعض المجلدات الشرقية المحفوظة في أوروبا قد تعرضت لتغييرات ملحوظة (تغيير التغشية على سبيل المثال)، فإن عددا لا بأس به منها قد احتفظ بمظهره الأصلي، ومن هنا فإن دراستها يمكن أن تضيف الكثير لتاريخ المخطوط الشرقي. وفي الواقع، فإن الاهتمامات المختلفة التي منحت عبر القرون في البلاد الشرقية للكتب غالبا ما بدّلت هيئتها كثيرا،/ ولو أنها احتفظت بخاصيتها الشرقية. والأرصدة الشرقية في أوروبا وفي الشرق ليس لها التاريخ نفسه، فيجب إذا أن تكون طرائق التحليل المطبقة عليها متوافقة مع خصوصيتها[5].

ما هو المخطوط الشرقي؟

يتعلق مفهوم المخطوط الشرقي، بشكل بين، بالمؤلفات التي أنتجها المشارقة في الشرق لاستخدامهم، وهو حالة أغلب المجلّدات، وأيضا تلك التي ألّفها غربيون، في شكل يتوافق أيضا غالبا مع هذه الغاية المحددة. ويمتد مفهوم المخطوط الشرقي كذلك إلى الكتب التي ألفها أوروبيون بحروف عربية، فترتبط هذه المجلدات إذا بكودیكولوجيا غربية مستشرقية[6]. والرصيد المعروف بـ «الترجمات» المحفوظ في القسم الشرقي/ بإدارة المخطوطات بمكتبة فرنسا الوطنية يُجمِّع مجلدات ذات مظهر شرقي كتبها جميعها في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي «شباب اللغات» الذين أعاشتهم فرنسا في القسطنطينية لتكوين مترجمين: وهي تجمع في مجلد واحد ذي صدر ولسان نصا بالتركية العثمانية وترجمته الفرنسية[7]. وبعض المخطوطات بالحرف العربي كتبها أحيانا في أوروبا مشارقة عابرون أو مقيمون، مثل نسخة العهد الجديد (الملحق التركي أرقام ۱، ۲، ۳ بمكتبة فرنسا الوطنية) التي نسخها السّوري حنّا شامي سنة 1680م نقلا عن ترجمة تركية للأناجيل مطبوعة في أكسفورد سنة 1666م. ويمكن أن نضيف إلى ذلك حاليْ كتب النحو [الآجرّوميّات] والقواميس التي ألفها غربيون سواء في وسط باريسي، على سبيل المثال، أو في أثناء إقامتهم في الشرق[8].

/ تاريخ المجموعات والفهارس: واقع الأمكنة

أثر ظهور وتطور علم الكوديكولوجيا بقوة على تنظيم فهارس المخطوطات، الأمر الذي يتطلب أن نخصّها بكلمة. فمراجعة فهارس المخطوطات القديمة التي وضعت في الغرب، بصفة عامة، أصبحت ضرورية، وتتعلق هذه المراجعة بالوصف المادي الكامل للنسخة. فلا يجب أن يهمل نص الفهارس أي عنصر يسمح ببناء تاريخ المجلد الموصوف لأقصى درجة ممكنة من الدقة، ويعطي في ترتيب زمني كل الإشارات المفيدة عن المجموعات التي وجد بها والمكتبات التي حُفظ فيها. ويعنى كذلك بتوحيد هذا الوصف، على الأقل على المقياس الأوروبي، وكذلك التحديث المستمر لقائمة المراجع. ويعد تصويب الأخطاء المحتملة أو التخمينية، فإن أحد أدوار الفهارس الجديدة، هو عدم إهمال الوصف للمعلومات المتعلقة بتاريخ المجلد وتنقلاته، ومن وظيفته كذلك ابتكار ترتيب للمعلومات المجموعة بتحقيق عرض تركيبي للمعطيات. ويرتبط ذلك كذلك بتنظيم الوصف مع ابتكار لوائح إجمالية. ونستطيع أن نمنهج هذه المرحلة بالقول بأن فهارس الجيل الجديد تدمج معطيات جديدة مرتبطة بالتصنيف الجديد متطلبة وضع الوسائل المعتمدة في مكانها المناسب.

/ ويستجيب وصف المخطوط دائما إلى احتياجات مباشرة؛ فهو وصف وظيفي يتبع التطور العلمي العام لكل عصر. فقد أثر ظهور مفهوم البحث ومنهجة المعرفة في بنية الفهارس التي أصبحت شيئا فشيئا كاملة ودقيقة في أوروبا ابتداء من القرن الثامن عشر. فكانت الملاحظة والقياس لازمين لرجل مثل ڨولناي Volney، الذي أسس في القرن الثامن عشر التحقيق الثقافي ونظام كتابة اللغات الشرقية بطريقة النقل الصوتي للحروف translittération. وولدت الدراسات المتخصصة، وعلى الأخص الاستشراق العلمي في القرن التاسع عشر بعد ابتكار النظام المتري بوقت قليل، ولنتذكر أن هذا النظام يعود شيوعه إلى مائة وعشرين سنة فقط. وإذا أخذنا الأنموذج الفرنسي «فهرس مخطوطات المكتبة الملكية»Catalogus manuscriptorum bibliothecae regiae المنشور سنة ۱۷۳۹، والذي خصص جزؤه الأول بتمامه للمخطوطات الشرقية، نجده يشتمل على أوصاف في غاية الإيجاز، ولكنها تضم مع ذلك جميع المقومات الرئيسة[9] التي تخدم عمل الأوصاف الحالية: اسم المؤلف، والعنوان وأيضا طبيعة المادة المكتوب عليها، والحجم والمصدر[10]؛ وكانت البيانات الأولية حول محتوى مخطوط توضع، من قبل، في غالب الأحيان بالفرنسية أو باللاتينية على المجلد نفسه، سواء على الدفة الخارجية أو على صفحة الوقاية (شكل ۱۰۳). وأحيانا كان الوصف يكتب على ورقة صغيرة تلصق داخل المجلد على الدّفة الداخلية. وكتبت فهارس القرن التاسع عشر، مثل فهرس دي سلان Mac Guckin de Slane مثلا[11]، بالفرنسية مع استخدام الحروف العربية بالنسبة لعناوين المؤلفات في الوصف أو الكشافات؛ وكانت العناصر المختلفة الخاصة بتاريخ المجلد عنده أكثر تطورا. وتظهر الفهارس الحديثة منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن تقدما هائلا في عدد المعلومات الكوديكولوجية وكذلك في التغييرات التي أجريت على ترتيبها[12]. وستقدم/ الفهارس الآلية خدمة كبيرة لعلم المخطوطات (الكوديكولوجيا) عموما، وتاريخ المجموعات خصوصا، على الأخص لإمكانية استخدام الحروف الأصلية وما يقابلها بالحرف اللاتيني وكذلك الصور الرقمية[13].

 تقييد هندي يصف مخطوطا. باريس BnF suppl. persan 292، ورقة 1 (تفصيل).
155. تقييد هندي يصف مخطوطا. باريس BnF suppl. persan 292، ورقة 1 (تفصيل).

كيف نعمل تاريخ مجموعات المخطوطات الشرقية؟

المنهج

يستطيع عالم المخطوطات بفضل منهج دقيق ووسائل مادية متنوعة، أن يقود بحثا يقوم خلاله بجمع أقصى ما يمكن من نقاط الاستدلال ليصنع تاريخا شاملا لمجلد قدر الإمكان[14].

ويتم بناء تاريخ مجلد، أو عدد من المجلدات، بفضل العديد من الملاحظات: دراسة العلامات الموجودة على المؤلفات (شكل 144 – 147)، التي يجب تعيينها ومقارنتها بعلامات أخرى مشابهة وجدت في موضع آخر لأجل إعادة بناء مجموعات، والقيام، في حدود الإمكان، بعمل تصنيف تاريخي؛ ودراسة التجليد والتحولات التي طرأت عليه، ودراسة ما يمكن أن يصيب المجلد من تلف من أي نوع في كل أقسامه. ولتحقيق ذلك لا بد من توفر أمرين: المعرفة الجيدة وبطريقة واضحة بالرّصيد الذي ندرسه وإن أمكن، لأرصدة أخرى قريبة منه أو شبيهة له، ومعرفة وجمع وحتى إنشاء أدوات العمل.

عناصر الخطوط الجديرة بالملاحظة...

*الجزء المتبقي من هذا المقال متاح حصريًا في النسخة المطبوعة من هذا الكتاب. الكتاب متاح بالصيغتين الإلكترونية والمطبوع، وذلك ضمن إصداراتنا على الرابط التالي:

http://doi.org/10.56656/100098


[1] التعريفات التي قدمها «ميزيريل» في قاموسه D. Muzerelle, Vocabulaire هي ما يلي: رصيد «مجموعة وثائق لها أصل أو انتماء تاريخي مشترك». مجموعة «مجموعة أشياء أو وثائق جمعها شخص أو مؤسسة». ونقرأ في كتابL’histoire et ses méthodes  الذي أشرف عليه «شارل سمران Ch, Samaran». Encyclopédie de la plériade, Paris,. Gallimard, 1961, p. 1091. في فصل خصصه «جلبيرت وي G. ouy» للمكتبات أن «رصيد المخطوطات هو مجموع الكتب أو الوثائق  المخطوطة التي تهم التاريخ الفكري – بمعناه الواسع – للجماعة والأسرة والفرد الذي نسخها أو عمل على نسخها، أو تلقّاها أو جمعها» وفي ص 1092. أن «المجموعة هي (...) تجميع مصطنع للمخطوطات (...) قام بها فرد أو أسرة أو مؤسسة». فنحن نفهم من عبارة «تاريخ المجموعات [أو الأرصدة]» كما تصدّينا لها هنا مجموعة من المخطوطات والوثائق التي جمعت بشكل مصطنع لخدمة موضوع مشترك (اللغة، المادة)، مجموع يمكن أن يتألف من جمع العديد من المجموعات وتكون محفوظة في العموم في مؤسسات عامة أو خاصة.

[2] انظر مصطلح L’histoire et ses méthodes في نظام يهدف إلى «دراسة مجموعات مخطوطات لها أصل أو تاريخ مشترك يشرح بعضها بعضا»، وهو شديد الصلة بعلم المخطوطات، «الذي نطلق عليه – في غياب مصطلح دقيق – وثائقية المخطوطات archivistiques des «manuscrits. ونتكلم في وقتنا الحاضر طواعية عن تاريخ المجموعات [الأرصدة].

[3] راجع: A. Berthier, «Manuscrits orientaux et connaissance de l’Orient, éléments pour une enquête culturelle, Moyen-Orient et Océan indien, xvi/ - xix/ s., 2/2, 1985, p. 79 – 108، وللمؤلفة نفسها«Collections de manuscrits et genèse des études orientales en France, Revue arabe d’archives, de documentation et d’information, n° 1-2 (mai 1997), pp. 9-19،
وانظر كذلك الأعمال العديدة لفرنسيس ريشارد، وعلى الأخص:F. Richard, «Jean-Baptiste Gentil collectionneur de manuscrits persan, Dix-huitième siècle, 28, 1996, p. 91 – 110.

[4] انظر مقدمة هذا الكتاب.

[5] راجع: A. Berthier, «Contribution à l'histoire des fonds de manuscrits orientaux des bibliothèques européennes. Le Fonds turc de la Bibliothèque nationale de Paris», Mss du Mo. P. 17 – 22. وفيما يخص فرنسا، اشتمل أول فهرس مطبوع للمكتبة الملكية، والذي نشر سنة ۱۷۳۹، على ۷۰۰۰ مجلد شرقي، أغلبها كتب صينية، ثم، وبحسب الأهمية، الكتب العربية والفارسية والتركية والعبرية والهندية والأرمنية وأخيرا السريانية والقبطية والسامرية والإثيوبية، أي ما يقارب 5% من مجموع (جميع المطبوعات والمخطوطات)، الموجودة حينئذ بالمكتبة. أما اليوم، فيفوق عدد المخطوطات الشرقية في مكتبة فرنسا الوطنية (موقع رشليو Richelieu ) ۳۰۰۰۰ مخطوط، موزعة على ستين مجموعة، ومكتوبة بثمانين لغة، بينها ۱۱۸۰۰ بالعربية والفارسية والتركية. وبدأ إنشاء مجموعات الكتب الشرقية في فرنسا، وعلى الأخص في المكتبة الملكية في سياق التحولات التي تدين إلى «الاكتشافات الكبرى» الجغرافية والتقنية. كما أن السياسة المنتظمة للبحث عن الكتب، والتي بدأها كولبير Colbert عن طريق ابتعاث بعثات بمهام محددة إلى الشرق، عززت على الفور بنشاط مواز في التصنيف والفهرسة والترجمة، بقصد توسيع مجال دراسة العلوم الإنسانية عامة، بنيت على رغبة في تنويع المعرفة. إن اقتناء الكتب الجيدة بغرض إفادة العلماء كانت رغبة مازران Mazarin الذي كتب، في سنة 1644، إلى چون دي لاهاي Jean de La Haye سفير [فرنسا] بالقسطنطينية: «إن لديكم في البلد الذي توجدون فيه أشياء أخرى، أتطلع إليها كثيرا، ولدي نحوها شغف لا تنكرونه. يتعلق الأمر بالطبع بالكتب بما أنني قد سبق أن رجوتكم الاهتمام بالكشف عن مخطوطات وأشياء أخرى شرقية، يونانية وعربية. إنني أسعى، قدر استطاعتي، إلى إثراء المكتبة التي بدأتها من جميع الجوانب، وأود أن أترك للجمهور هذا الأثر للآداب على أكمل وجه قدر ما أستطيع» (Archives des Affaires étrangère, Turquie, vol. 5, fol. 226) المذكور فيH. Omont, Missions archéologiques françaises en Orient au xviv- et, au xviii siècles, Paris 1902, p.3. وبعيدا عن المخطوطات العبرية، والتي لها مكانة خاصة في تاريخ اقتناء المخطوطات الشرقية بسبب وجود جاليات يهودية بفرنسا وكذلك بأوروبا منذ القرون الوسطى كانت تنسخ نصوصا عبرية، فإن أول المجلدات الشرقية التي دخلت مكتبة الملك كانت عربية، وهي المجلدات التي جلبتها كاترين دي مديسيس Catherine de Medicis من إيطاليا، والتي كانت ضمن مجموعة الكاردينال ريدولفي Ridolfi. ويمكن الرجوع للتفاصيل إلى أعمال أومونH. Omont.، الذي وصف تاريخ القوائم القديمة وفهارس المكتبة، وكذلك ظروف الحصول على العديد من المخطوطات الشرقية. وتوجد قوائم مخطوطة تتعلق بالمجموعات الشرقية لمكتبة فرنسا الوطنية، مع الإشارة إلى كيفية دخولها إلى المكتبة، شراء أو إهداء، متفرقة في الرصيد الفرنسي أو اللاتيني، وابتداء من نهاية القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر، ظهرت برامج فهرسة وجرد مختلف أنواع الوثائق، وكذلك برامج الترجمة والتبادل. وكانت الدّفْعَة التي قدمتها أكاديمية النقوش والفنون الجميلة Académie des inscriptions et belles - lettres حاسمة في هذا المجال. فقد أعطى قانون صدر في سنة ۱۷۸٦ انطلاقة المجموعة الشهيرة «Notices et extraits des manuscrits»، والتي تشيرإلى أهمية «معرفة الناس والأحداث والتواريخ والبلدان والعادات والأعراف، والقوانين، والفنون، والعلوم، وآداب جميع الأمم»؛ ويعرض تذكير صادر سنة ۱۷۸٥ بوضوح ما هي نقطة الانطلاق: «يوجد بمكتبة الملك ما بين 80 إلى 100 ألف مخطوط، بلغات مختلفة، ما تزال مجهولة، ولا يملك أحد جرأة أو كفاءة الاطلاع عليها. وسيكون من الفائدة الكبرى التعريف بها عن طريق وصف دقيق، وخلاصات منطقية، بطريقة نستخلص منها الرأي الذي يجب أن نحصل عليه [... يجب كذلك أن] تترجم إلى الفرنسية اللهم إلا إذا رأينا أنه من المهم أن تنشر بلغتها الأصلية [...] ودور مؤسسة «لجنة المخطوطات» Comité des manuscrits هو إحياء دراسة اللغات الشرقية الضرورية للتجارة، وكذلك للتقدم المعرفي». وفي حدود سنة 1855 وضع جوزيف - توسان رينو –Joseph Toussaint Reinaud مشروعا كبيرا للمكتبة - الإمبراطورية في ذلك الوقت - لفهرسة جميع المجموعات الشرقية: ونشر خطته العامة لهذا الموضوع بالمجلة الآسيوية (Journal Asiatique mai – juin 1855)، والتي تقوم على متطلبات علمية جديدة، مذكرا بالأعمال المهمة التي قام بها سابقا علماء مثل جوزيف دي جيني Joseph de Guignes، وإسحاق سلفستر دي ساسي Isaac Silvestre de Sacy، و جان بيير آبل - ريميسة –Jean Pierre Abel - Rémusat، وأوجين بيرنوف Eugène Burnouf، والتصنيف والوصف الذي قام به سلمون مونك Salomon Munk، وستانیلاس چیلیان Stanislas Julien، إضافة إلى ما قام به هو. وشدد على أنه لا يوجد أي فهرس مطبوع للمجموعات الشرقية منذ الفهرس الذي نشر باللاتينية سنة ۱۷۳۹، وأنه «منذ ذلك الوقت تضاعفت المجموعة في بعض أجزائها، بل بلغت ثلاثة أضعاف وحتى عشرة أضعاف». وكانت المجموعة الشرقية تضم حينها (نحو سنة 1860) 1320 مخطوطا عبريا، و4600 مخطوطا عربيا، و1447 مخطوطا فارسيا، و1171 مخطوطا تركيا، و37 مخطوطا هندوستانيا، و565 مخطوطا سنسكريتيا، و120 مخطوطا هنديا، و507 مخطوطا تاميليا، و598 مخطوطا من بالي، 139 مخطوطا مالويا وچاويا، و5748 وثيقة صينية، و185 بردية مصرية، وكان القسم يضم في العموم 29 مجموعة شرقية. وكتب رينو Reinaud في «بيانه»، «طبع الفهرس القديم على قياس in-f° وحرر باللاتينية. أما الفهرس الجديد، فسيكتب بالفرنسية وعلى قياس in-4°، وسننشر العناوين بلغاتها الأصلية، مصحوبة بترجمة حرفية. وسننشر أيضا بالحروف الأصلية اسم ولقب وكنية المؤلفين، عندما يكون ذلك مفيدا لمعرفة هوية المؤلفين». وسيشتمل المشروع على خمسة مجلدات: المجلد الأول للديانتين اليهودية والمسيحية، والثاني والثالث للعالم الإسلامي، والرابع للهند، والخامس للكتب الصينية والمنغولية واليابانية. وخلال هذه الانطلاقة، نشر فهرس المخطوطات العربية لدي سلان De Slane. واستمر هذا المشروع حتى بداية الحرب في سنة 1914، التي عطلت نسبيا أعمال هذا المشروع، وحرمت العلم من عدد كبير من باحثيه. وجاءت الحرب العالمية الثانية بدورها لتعيق هذا المشروع. وتحقق جهد آخر في هذا المجال بعد سنة 1945، وبفضل دفعة جديدة ظهر إلى النور جيل جديد من الفهارس (بلوشيه Blochet، وڨايدا Vajda)، واستمرت إلى وقت قريب وما زال برنامج الفهارس يتواصل، حيث دخلت هذه الفهارس مرحلة جديدة من تاريخها وثيقة الصلة بظهور تقنيات جديدة.

[6] راجع: Berthier, «Le fonds turc du Département des Manuscrits, Bulletin de la Bibliothèque nationale, 6, juin 1981, pp. 78-95.

[7] راجع: A. Berthier, «Turquerie ou turcologie? L’effort de traduction des jeunes de langues au XVIII° siècle d’après la collection de manuscrits conservée à la Bibliothèque nationale de France» dans F. Hitzel éd., Istanbul et les langues orientales, actes du colloque organisé par l’FEA et l’INALCO à l’occasion du bicentenaire de l’Ecole des langues orientales (Istanbul, 29 -31 mai 1995), Paris, pp, 283-317.

[8] راجع: A. Berthier, «A l’origine de l’étude de la langue turque en France: liste des grammaires et des dictionnaires manuscrits du fonds turc de la Bibliothèque nationale de Paris», dans Mélanges offerts à Louis Bazin (Varia Turcica, 19), 1992, pp. 78-82.

[9] بالنسبة لفهارس المخطوطات الأوروبية، تطور رقم حفظ الخطوط، الذي ارتبط في بداية الأمر بمكان المجلد على الرف، نحو نظام تجريدي محض. وكان ذكر المؤلف تقريبيا جدا سواء في التعرف عليه، أو بكتابته بطريقة النقل الصوتي للحرف؛ وكانت الإشارة إلى العنوان، كذلك غير واضحة للأسباب نفسها. ولا يشار غالبا إلا إلى نوع الكتاب، وأحيانا كانت طبيعة مواد الكتابة (الورق، الرق)، هي وسيلة التعريف الوحيدة. أما مصدر المخطوط، فغالبا ما كان يشار إليها، على سبيل المثال «اشْتُري مؤخرا من إستانبول». أما اللغة المستعملة في وصف المخطوطات فقد تطورت من اللاتينية إلى الفرنسية؛ كما أن استخدام الحروف الأصلية في كتابة العناصر الوصفية وخاصة المؤلف والعنوان، جديرة بالملاحظة. فعندما كانت الفهارس ما تزال مخطوطة، كان من الممكن أن نجد أوصافا تستخدم خط اللغة التي كتب بها المخطوط للإشارة إلى العنوان مثلا، بينما نشاهد أنه مع ظهور المطبعة، بدأ الاستخدام المتزايد للكتابة التقريبية بطريقة النقل الصوتي للحروف، والتي لم تتدفّق إلا مع فولني Volney، وابتكار الحروف الشرقية للمطبعة الوطنية، بالرغم من بعض المحاولات، كمحاولة سافاري دي بريڨ Savary de Brèves، منذ نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر. أما إضافة المراجع إلى الأوصاف، فقد جاء متأخرا جدا.

[10] Catalogue codicum manuscriptorum Bibliothecae regiae, Paris 1739.

[11] W. Mac Guckin de Slane, Catalogue des manuscrits arabes, Paris 1883 – 1895.

[12] E. Blochet, Catalogue des manuscrits arabes des nouvelles acquisitions, 1884-1920, Paris 1925، وللمؤلف نفسه:Catalogue des manuscrits persans…, Paris, 1905 – 1934, et Catalogue des manuscrits turcs…, Paris 1932-1933; G. Vajda et Y. Sauvan, Catalogue des manuscrits arabes…, Paris 1978-1985.

[13] انظر فيما يلي.

[14] تراجع على الأخص، الأعمال المتعددة لأوي G. ouy، وبصفة عامة الأعمال المتعلقة بعلم المخطوطات اللاتيني خلال العقود الأخيرة.

ملاحظة:
نشر النص في الكتاب التالي:
المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي، 2010 - النسخة العربية، مؤسسة الفرقان بالتراث الإسلامي، لندن، ص 526-505، نقله إلى العربية وقدم له أيمن فؤاد سيد.
Back to Top