تاريخ النسخة

شارك:

فرنسوا ديروش

محتويات المقال:
صفحة العنوان (الظهرية)
حرود المتن والتأريخ
مكان حرد المتن وشكله*
التأريخ*
التاريخ الهجري*
الشهور*
مصادر لتاريخ المخطوط...*

استطاع القارئ خلال الكتاب أن يتعايش مع وسائل مختلفة (فحص الحامل (المادة)، ونوع الكراسة، والخط، إلخ)، التي يمكن أن يستخدمها لتقدير العصر الذي كُتب فيه مخطوط معين؛ وستكون هذه الوسائل هي الوحيدة أحيانا التي تتوفر له، لتحديد التأريخ الذي أنجزت فيه النسخة التي يفحصها، ومؤيدا عند الاقتضاء بحجج ذات طابع فيلولوجي. وقد تحتوي النسخة كذلك على مؤشرات أكثر دقة لتأريخها: حرد متن وخوارج النص، وعلامات تملك أخرى.

صفحة العنوان (الظهرية)

عادة ما يظهر على وجه الورقة الأولى (الظهرية) للمخطوطات المكتوبة بالحرف العربي عنوان المؤلف مصحوبا باسم المؤلف أو بدونه (لوحة 102، 102 مكرر، 103، 103 مكرر) وبتعليقات مختلفة يمكن أن تفيد في إرشاد الباحث إلى إعادة بناء تاريخ النسخة[1]. وتوجد هذه الورقة عادة في مكان ظاهر، لذلك فكثيرة هي الحالات التي فُقِدَت فيها، ليتم إحلال أخرى محلها في وقت لاحق. لذلك يجب أن نولي عناية خاصة لهذه الصفحة عند دراسة مخطوط به صفحه عنوان، وأن نتذكر أن الإشارات الموجودة عليها ابتداء من عنوان الكتاب يمكن أن تكون مغلوطة أو مزوّرة.

العنوان[2]

كانت الإشارة إلى العنوان في القديم تتم بشكل بسيط: وتبدو في العديد من المخطوطات بحروف كبيرة معتنى بها دون أن يصحبها أي زخرفة من أي نوع. ويوضّح مخطوط ڨيينا رقم ÖNB Cod. A. F. 340/ ، المؤرخ سنة 447هـ/ 1055-1056م مفهوما شرقيا لهذا العرض[3]؛ وتظهر صفحة عنوان مجلد من «كتاب المدونة»، وقفه سنة 424هـ/ 1033م الحاكم الزيري المعز بن باديس، أن الغرب الإسلامي اتبع القواعد نفسها[4]. وحوفظ على هذه الطريقة على الدوام، في أشكال أكثر تواضعا، في النسخ الشائعة الصنع. وفيما يخص المخطوطات المعتنى بها [الخزائنية]، فقد أبرزت الزخرفة سريعا هذه المعلومة. ففي مخطوطين من ڤيينا، على سبيل المثال (ÖNB Cod. A. F. 4 ورقة 1 وتأريخه 746هـ/ 1345م، وA. F. 75 ورقة 1 من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي)[5] يوجد إطار مذهب يحدد المساحة المكتوب فيها العنوان. وإلى جانب العنوان قد يضم هذا الإطار أحيانا إشارة إلى اسم مستكتب النسخة تبعا لصيغ معدّة تقريبا؛ ويلعب مجموع ذلك دورا مزدوجا بضم العنوان إلى نص يعدّ من خوارج النّص. وتبدأ هذه الإشارات عادة بصيغ مثل: برسم، حسب إشارة، بعناية، تحفة لـ... إلخ[6].

وتظهر الورقة الأولى من مخطوطي ڨيينا رقم ÖNB Cod. N. F. 278، ورقم A. F 84 a التي يرجع تأريخها إلى سنة 785هـ/ 1384م متغيريْن لوضع واحد، حيث يظهر العنوان داخل زخرفة بينما كتب اسم مستكتب النسخة، وهو موظّف مملوكي كبيرغير معروف، أسفلها بحروف مذهبة[7]. واشتملت الورقة الأولى لمخطوط معاصر تقريبا محفوظ في ڨيينا برقم Cod. N. F. 381، على الإشارتين في زخرفة مندمجة في تكوين شامل، وربما كان ذا مغزى أن هذه النسخة من «البردة» جاءت من مكتبة السلطان قلاوون[8]. وإذا كان يبدو منطقيا أن نجد هذه الإشارات في هذا الموضع، فلنتذكر، مع ذلك، أن اسم مستكتب النسخة، وكذلك عنوان المؤلف يظهران أيضا في حرد المتن[9].

ولا توجد للمخطوطات القرآنية (المصاحف) صفحة عنوان بمعنى الكلمة، وإنما يمكن أن نجد على وجه الورقة الأولى استشهادات قرآنية أو أيضا، في حالة المصاحف ذات الأجزاء (الرّبعات)، إشارة إلى رقم المجلد. فنجد على وجه الورقة الأولى من مصحف باريس رقم BnF ar. 6041 المكتوب في بست سنة 505هـ/ 1111-1112م رقم المجلد السابع والآيتين 77-78 من سورة الواقعة[10]. وفي فترة مبكرة لم تحمل الورقة الأولى أية زخرفة، وإنما وجدت في النسخ المعتنى بها [الخزائنية]،/ زخرفة بدون كتابة على الصفحتين المتقابلتين التاليتين، ثم يبدأ النص نفسه على الصفحتين المتقابلتين التاليتين لها. وغالبا ما يبدأ النص على الصفحتين المتقابلتين الأوليين، دون أن تسبقه أية إشارة أيا كانت.

ورغم كل ذلك، فلا يظهر العنوان دائما على وجه الورقة الأولى (الظهرية)، فقد أتاح تطوّر التزايين التي تؤطر بداية النص في ظهر الورقة الأولى للنساخ والمزخرفين إمكانية استخدام قسم من الزخرفة لعمل فاتحة يكتب بداخلها عنوان المؤلَّف. هكذا، نجد ذلك ظاهرا في العديد من النسخ في ظهر الورقة الأولى؛ فمخطوط ڨيينا رقم ÖNB N. F. 145 a، الذي كتب في شيراز سنة 882هـ/ 1477-1478م تحمل فاتحته المزخرفة في ظهر الورقة الأولى، إشارة إلى «مقطعات ابن يمين»[11]. وتوجد صيغة أكثر تطورا توضّحها نسخة «منطق الطير» للعطار، المحفوظة في باريس برقم BnF persan 348، والمكتوبة سنة ۸۹۷هـ/ 1492م، حيث نجد مثيلا للزخرفة الموجودة في ظهر الورقة الأولى في الصفحة المقابلة لها[12]، وبذلك أمكن الاستفادة من الإطارين لتحديد عنوان المؤلف واسم المؤلف؛ ومع ذلك، فإننا نجد، في العديد من المجلدات، إطار تزيين في ظهر الورقة الأولى يحمل عبارة دينية هي في الأغلب «البسملة»[13].

خوارج النص وفهرست الموضوعات

تبين لنا مما سلف أن اسم مستكتب النسخة يقترن أحيانا بعنوان المؤلّف على الورقة الأولى، وكثيرا ما نجده وحده على هذه الورقة في النسخ الخزائنية (شكل 4۷). فكان تغير المالك مدعاة لتعديل هذه الإشارة، ويسهل علينا عادة معرفة الكشط والكلمات المضافة... إلخ. ومن أقدم الأمثلة على ذلك ما نجده على رأس مخطوط لیدن رقم BRU Or. 437 الذي يحمل على التدقيق إضافة تحمل اسم أحد التجار هو محمد بن شبل، أخفت جزئيا النص الأصلي الذي كان باسم الحاكم الغزنوي عبد الرشيد[14] (حكم من 440هـ/ 1049م-443هـ/ 1052م). وبالمقابل، فإن المزيّنين كانوا ينفّذون على الورقة الأولى زخرفة يُحتمل أن تكون مخصصة لتستقبل في وسطها اسم مستكتب النسخة، رغم أنها ظلت فارغة. وتشير أخيرا إلى ما يمكن اعتباره بطريقة نسبية من خوارج النص: أعني الصيغة التي تظهر في الزخرفة والمكتوبة بطريقة مجهّلة، على سبيل المثال مخطوط ڨيينا رقم ÖNB Cod. A. F. 93 المؤرخ سنة 905-906هـ/ 1500م، فقد جاء على ظهر الورقة الأولى: «لصاحبه السعادة والسلامة»[15].

/ ونجد في هذا المخطوط نفسه - نسخة من «خمسة نظامي» - وكذلك في مجلدات أخرى تشتمل على العديد من المؤلفات، أن المزيّن يضيف فهرستا للموضوعات يعطي القارئ رؤية مجمّعة لما سيجده؛ وعلى سبيل المثال يمكن أن نذكر مخطوط باريس رقم BnF suppl. persan 1357، المؤرخ سنة 865هـ/ 1461م الورقة الثانية[16]، ومخطوط ڨيينا رقم ÖNB Cod. Mixt. 914، الورقة الأولى[17]. وفي النسخ المعتادة يتخذ فهرست الموضوعات مظهرا أكثر بدائية؛ وقد أوصى العلماء القدماء، مثل العلموي (القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي)، بتقدير هذه الأداة العملية ووضعها في بداية المجلد[18].

حرود المتن والتأريخ

عندما يصل الناسخ إلى نهاية عملية النسخ، قد يتراءى له أن يستفيد من الفراغ المتبقي بعد النص ليثبت كتابة بعض المعلومات المتعلقة بالنسخة. وهذا النص، الذي نطلق عليه «حرد المتن»، يكون في العموم في أحجام صغيرة ولا يخضع لقواعد محددة، ويتضمن إذا بيانات تختلف من مخطوط إلى آخر. فيمكن أن يُعرف فيه الناسخ بنفسه، وأن يُسجل، حسب رغبته، تأريخ الانتهاء من كتابة النسخة أو المكان الذي عمل فيه، وأن يعين عند الاقتضاء، مستكتب النسخة، فحرد المتن إذا له أهمية كبيرة عند عالم المخطوطات: بما أن المخطوطات المؤرخة تمثّل في الواقع نقاط الانطلاق الضرورية له. كذلك فإن المعلومات التي يشتمل عليها حرد المتن تحمل في حد ذاتها أهمية خاصة، لذلك يجب أن يكون تحليلها بالأحرى قاسيا لأنها يمكن أن تكون مغلوطة، سواء بطريقة إرادية أو بغير قصد.

مكان حرد المتن وشكله...

*الجزء المتبقي من هذا المقال متاح حصريًا في النسخة المطبوعة من هذا الكتاب. الكتاب متاح بالصيغتين الإلكترونية والمطبوع، وذلك ضمن إصداراتنا على الرابط التالي:

http://doi.org/10.56656/100098


[1] كما صنعنا في فصل «تزويق الكتاب»، فإننا نشير في السطور التالية إلى أوّل ورقة «مفيدة» من المخطوط، وحتى وإن كان ترقيم الأوراق أو ترقيم الصفحات يعطيها في بعض الأحيان رقما لاحقا. وسنسميها اتفاقا في هذا المقطع «ورقة 1» (و «ورقة 1ظ»)، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بمخطوطات محددة.

[2] يظهر العنوان أيضا في أماكن أخرى: في حافة الرأس أو حافة الذيل (ويكون مرئيا حينما يوضع المخطوط منبطحا حسب العادات المشرقية)، على صدر أو مقدم التجليد أو أيضا على بطاقة ملصقة على الدفة العليا.

[3] D. Duda, Isl, Hss., I.p. 51-52. ولوحة 1.

[4] محمد النيال: المكتبة الأثرية بالقيروان، تونس،1963، شكل. ص18 من الأعلى (انظر أيضا ص 14،هـ6).

[5] D. Duda, Isl, Hss., 2, pp. 15-17، ولوحة 92 وpp. 74-75، لوحة 41.

[6] A. Gacek, «Ownership statements and seals in Arabic manuscripts», MME 2, 1987, p.88.

[7] D. Duda, Isl. Hss., 2, pp. 128-29، ولوحة 43 وpp. 74-75، ولوحة 97.

[8] D. Duda, Isl. Hss., 2. pp. 131-32، ولوحة 45.

[9] انظر فيما يلي. ونذكر كذلك أن عنوان الأثر يظهر في بعض الأحيان في حافة المجلد بشكل يجعله منظورا حينما يوضع في وضع أفقي، كما أوصى بذلك المؤلفون القدماء، (راجع:F. Rosenthal, The technique and approach of Muslim scholarship). ونشرتوضيح قيم لهذه الممارسة في GOTHA 1995 p. 121 n. 522، ص 73. وقد يظهر العنوان أيضا على التجليد سواء مرشوما أو مكبوبا على بطاقة ملصقة على الدفة.

[10] F. Déroche Cat. 1/2, p. 121, n° 522.

[11] D. Duda, Isl. Hss. I, p. 75، ولوحة 64. وبالنسبة لمثال آخر، انظر مخطوط ڨيينا رقم Cod. A. F. 28، ورقة 1ظ Ibid., pp. 20-21) والشكل 344).

[12] F. Richard, PARIS 1997, p. 109 n° 68.

[13] تظهر ثلاثة أمثلة جنبا إلى جنب في: D. Duda, Isl. Hss, 2، الأشكال: 124 – 126.

[14] S. M. Stern, «A manuscript from the Library of the Ghaznawid Amir ‘Abd al-Rashid», dans R. Pinder-Wilson éd., Painting from Islamic lands, Oxford, 1969, p. 12-13 et pl. l.

[15] D. Duda, Isl, Hss. I, pp. 33-37، ولوحة 107.

[16] F. Richard. Paris 1997, p. 98, n°51 واللوحةp. 92.

[17] D. Duda, Isl. Hss. I, pp. 199-200، ولوحة66.

[18] F. Rosenthal, Ibid.

ملاحظة:
نشر النص في الكتاب التالي:
المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي، 2010 - النسخة العربية، مؤسسة الفرقان بالتراث الإسلامي، لندن، ص 459-503، نقله إلى العربية وقدم له أيمن فؤاد سيد.
Back to Top