ترميم وصيانة المخطوطات في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة بمدينة قم

شارك:

محمود المرعشي النجفي

إن المكتبة العامة والكبيرة للمرحوم آية الله العظمى، السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، الذي يعد واحدًا من كبار الزعماء المذهبيين في إيران ومدينة قم، والذي لبّى نداء ربه قبل خمسة أعوام، تعد واحدة من المكتبات الكبرى في المنطقة، بل هي في الحقيقة أكبر مكتبة في إيران؛ فبالإضافة إلى مئات الآلاف من الكتب المطبوعة باللغات المختلفة، هناك 26300 مخطوطة في أكثر من 50 ألف عنوان، جلها من المخطوطات النفيسة والفريدة، المكتوبة في القرن الثالث والرابع الهجري فما بعد. و65٪ منها باللغة العربية، والباقي باللغة الفارسية.

إن ضرورة العناية بقضايا البيئة، والعوارض الجانبية لاستخدام المستحضرات الكيماوية في ترميم وصيانة الكتب والأوراق، جعلت من استخدام المواد الأولية الطبيعية وغير الكيماوية، في صُلب توجهات مراكز صيانة وترميم التراث المخطوط.

إن الإيمان بمبدأ الوقاية خير من العلاج، والبرمجة لعمليات الوقاية، أثبتت مصداقيَّتها وأهميتها في كثير من الأحيان. وفي هذا الإطار انصب اهتمام مكتبة آية الله المرعشي النجفي على استخدام المواد الطبيعية، واتباع الطرق التقليدية المرعيّة في الترميم والصيانة، وقد تم، في هذا المضمار، القيام بعمليات احترازية لمنع تلوث مخطوطات المكتبة بالآفات الطبيعية، وعوامل التلف، الناجمة عن تصرفات البشر.

السيد شهاب الدين المرعشي النجفي

إن أساليب ترميم وصيانة التراث المخطوط في المكتبة تنقسم إلى محورين:

الأول: يمكن في صناعة الورق التقليدي. والثاني: في صبغه وتلوينه. وعلى الرغم من استخدام الأوراق القديمة المنتجة في المصانع المعروفة والكبيرة في كثير من الأحيان، إلا أن الأبحاث التي أجريت في هذا المركز، والاستفادة من تجارب الخبراء الأجانب، والمحليين، بشأن صناعة الورق، خاصة الورق السمرقندي، دعتنا إلى أن نعتمد هذا النوع.

إن عمليات تلوين الأوراق تتم خلال الاستفادة من الألوان النباتية كالحنّاء والزعفران والشاي والقهوة والفوّة والعنّاب .. إلى آخره.

وتتمثل طريقة التلوين في غمر الأوراق المصنعة في محاليل من الألوان والماء، ثُمَّ تجفيفها بتعريضها للهواء.

ومن أجل تحقيق عطاء أفضل، تم إدخال العاملين في مجال ترميم وصيانة التراث المخطوط في دورات تأهيل، للاستفادة من تجارب وآراء أهل الخبرة والفن.

وليس في المكتبة عمليات ترميم ميكانيكية، بل تُنجز كافة مراحل العمل يدويًا، بكفاءة تتلاءم مع المخطوطات التراثية النادرة.

وأثناء العمل تراعَى المراحل التالية:

  1. تعقيم المخطوطات، وذلك باستخدام خزانة التبخير، وهي عملية كيميائية لا بد منها في هذه المرحلة، ويستعمل فيها مواد الثيمول والپارادي كلوروبنزن، الذين يتّم ضخهما بشكل بخار ينفذ إلى داخل النسيج الورقي للمخطوطات، ليمنع نمو الكائنات الدقيقة، ورغم أن طريقة التفريغ واستعمال غاز الأستيلين، المتبعة في الوقت الحاضر في كثير من مناطق العالم، تعتبر طريقة سريعة للتعقيم ولها مميزاتها، لكن مخاطر الانفجار، وما يترتّب على ذلك من أعراض جانبية، دعا المكتبة إلى صرف النظر عن هذه الميزات، والاستمرار في اتباع أساليب أكثر أمنًا.

وفي هذا المجال فإن استخدام الخزانات التقليدية للتبخير، يبدو أقلَّ خطرًا. وهناك أيضًا نظام المرشّحات الخاصة، عند إخلاء ما تبقى من المواد الكيماوية، أثناء تفريغ الخزان أيضًا، وذلك في اتجاه الحفاظ على سلامة البيئة ومنع تلوث البحار.

  • القضاء على التلوث الظاهري والغبار، باستخدام فرشاة دقيقة، وهواء مضغوط بكمية مناسبة، وفي حال ازدياد حالة التلوث يتم استخدام محلول البنزول والماء.
  • رفع حالة الانكماش والتجاعيد الورقية باستخدام الضغط الحراري الملائم.
  • في حالة احتياج الجزء المُصاب من الوثيقة (المخطوط المراد صيانتهُ أو ترميمه) إلى درجة أعلى من الصيانة، عمدنا إلى الاستفادة من النسيج المناسب وصمغ التكسي كريل، ليزيد بدوره من تقوية الورقة، ويتم لصق النسيج بواسطة الحرارة على المنطقة المصابة. ويتم فصله بسهولة أيضًا.
  • يتم ترميم وصيانة الأجزاء المهترئة المتساقطة من المخطوط، وذلك بالاستفادة من الورق المناسب، المماثل في سمكه ولونه للأجزاء المصابة. ويطلق على هذا النوع من الترميم، اسم الترميم والصيانة الموضعية.
  • وبعد استكمال الترميم والصيانة، يتم وضع منديل ورقي رقيق (6 غرام) كغطاء للتأكد من حماية الورقة.
  • قص الأطراف الزائدة من النسيج.
  • استخدام النيلون (Nylon) المحلول في بعض المواد.

ترميم وصيانة الوثائق

عند إصلاح المخطوطات التي تحتوي على كتابات أو رسوم، تتبع منهجية العمل التالية:

  1. لا ينبغي ولأي سبب المساس بأصل الأثر التراثي.
  2. عدم استخدام الألوان المشابهة في عملية الترميم والصيانة.
  3. استخدام المواد الطبيعية واتباع الأساليب التقليدية ما أمكن.
  4. ترميم الأجزاء التي لا تعد معها عملية الترميم والصيانة تدخلاً في الأثر.
  5. استخدام «التّضليل» في الأجزاء الملونة والرسوم.

ورغم أن استخدام الأصماغ الكيماوية المعروفة بالأصماغ الباردة، قد شاع في كثير من عمليات التجليد، إلا أن المكتبة قد اعتمدت الأصماغ النباتية، التي تتمتع بالخواص الآتية:

  • ليس لها مضاعفات.
  • أنها تستجيب وتتفاعل مع المواد المعقمة.
  • أنها لا تكون موطنًا لنمو الفطريات والعفن.
  • أنها سهلة الإعادة إلى شكلها الأول عقب جفافها، بواسطة مذيباتها الأولية.
  • أنها تحتوي على أقل نسبة من المركبات.
  • إزالتها سريعة وسهلة.

وعلى هذا، يبقى النَّشا أفضل أنواع الأصماغ، فتركيب من 35 غرام من النشا في 255 ميلي لتر من الماء المقطر، يُعَدُّ أفضل لاصق.

إن ترميم الأجزاء المذهبة والمزخرفة يتم بالأساليب والمستحضرات التقليدية. فإن منهجي مدرستي هرات وسمرقند يستخدمان الأصباغ الطبيعية كاللازورد والزنجفر في ترميم زخارف اللوحة المؤطرة في صفحة المقدمة وفي النقوش وصفحة الخاتمة. ويَتَحاشيان التحديث وإبداع الأساليب الجديدة في ترميم الآثار وصيانتها.

ويتم التذهيب بالاستفادة من الرقائق الذهبية المذابة في الصّمغ العربي، وطريقة العمل هي ذاتها الطريقة التقليدية: فبعد طلاء الورقة وضغطها، يكتسب التذهيب بريقًا كالتذهيب القديم، ويحافظ على جودته وتألّقه على الدّوام، وبخلاف الألوان الصناعية والكيماوية – هو ثابت اللون لا يَتَأكْسَد.

إنّ صناعة الأوراق، المظللة بصور الغُيوم والرياح، من المواد الأولية الطبيعية، تتم بمختلف الطرق، وبأساليب متنوعة: فالطّلاء المستخدم في تلك الطرق متباينٌ متعدد، كصمغ الدهلية (الكثيراء)، والنّشا إلى آخره، لتجانسه أكثر مع الأصل الذي تتم مُعالجته.

وتتم عملية إعداد جلد الكتاب بأنواعه من الجلود المختلفة المؤطرة بالزخرفة الإسلامية أو الجلود المطلية.

إن إعداد الورق لأعمال الصيانة في الأقسام اللازمة، ومعالجة الكتب والوثائق، وتقوية الأوراق وتلوينها، وخط الجداول بالذهب والحبر والزنجفر، وصناعة الرقائق الذهبية، وترميم الأوراق وصيانتها، وفي بعض الأحيان تلوينها وتذهيبها وتزيينها، هي من الأعمال التي يعني بها قسم الترميم والصيانة في هذه المكتبة.

واعتماد المواد الطبيعية، واستخدام الأساليب التقليدية، تظل – رغم التقدم والتكامل الذي يشهده عالم التكنولوجيا اليوم، وكثرة المستحضرات الحديثة – تظل أفضل وأكثر الأساليب التي نطمئن إليها في ترميم الوثائق والمخطوطات. والمكتبة العامة لآية الله العظمى المرعشي النجفي، تُعدّ من الداعين إلى هذه المناهج وتشجيع سالكيها. ومن الله التوفيق.

ملاحظة:

نشر هذا النص في الكتاب التالي:

صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص .114-109

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top