حفظ المخطوطات الإسلامية في الهند

شارك:

عابد رضا بيدار

مكتبة خدابَخْش الشرقية العامة، إحدى المكتبات الوطنية في الهند، تم افتتاحه للجمهور في 29 أكتوبر 1891 من قبل خان بهادور خودا بخش مع 4000 مخطوطة ، ورث منها 1400 مخطوطة من والده مولوي محمد بخش.

كلفتني مؤسسة الفرقان التي أتقدم لها بشكري، بتقديم تقرير عن طريقة حفظ المخطوطات الإسلامية، وعن تقدم جهود التطوير في مكتبة خدابَخْش الشرقية العامة «م خ ب». بصفتي المشارك الهندي الوحيد في هذا المؤتمر، لذلك أودّ أن أقدم نظرة عامة تتعلق بترميم وحفظ المخطوطات التي وجدت بمواقع أخرى من الهند.

تضم مكتبة خدابخش حوالي 18000 مخطوطة إسلامية بين عربية وفارسية، وقد وجدت ضمنها مجموعة قليلة بها رسوم وصور توضيحية في «باتنه»، و«باتليباترا» في العشوق الأعظم، وعظيم آباد، وهي من مخلفات أدرو جزيب الأكبر.

وتقع «باتنه» على ضفاف نهر الكنج الضخم على بعد ألف كيلومتر من شرق دلهي، بالقرب من كلكتّا شرقًا وكاتماندو شمالاً. ويتدفق الكنج سريعًا كامل العام، ولكنه يطغى بفيضانه خلال شهور ثلاثة من فصل المطر، فيُدَمِّر ويُغْرق.

إن مَجْرى النهر على بعد 200 متر – على الأكثر – من المكتبة، لكنه لم يصل إلى المؤسسة في ظروف تمّرده، ولا يمكن أن نتنبأ بذلك في المستقبل، حتى بالمقياس الطوبوغرافي.

ومن ناحية ثانية، فإن قرب الكنج من المكتبة له تأثير غير مباشر عليها؛ فمن المؤكد، أنّه عامل ملطف للصيف، وعلى عكس ذلك فهو عامل على ارتفاع الرطوبة في الشتاء وأثناء فترة الأمطار. ومع ذلك، فإن أسلوب مواجهة حرارة الجو والرّطوبة يتم عن طريق مكيف الهواء وأجهزة امتصاص الرطوبة الزائدة، وبالعناية اليدوية أيضًا.

وقد تعرضت مكتبة خدابخش في العقد الماضي إلى مشكلة التلوث البيئي، فحين تم اكتشاف «م خ ب» عام 1891 كان موقعها كما هو الحال اليوم على مفترق طريق مزدحم، واضطروا لتوسعته أربعة أمتار، وبذلك تضاءلت المساحة التي تملكها المكتبة.

والمسافة الآن بين المكتبة والطريق عشرة أمتار. قد يكون موقع الطرق الجانبية من جهات عدة ميزة للمنشأة. وربما لم يكن الوضع كذلك في الماضي بالنسبة للمكتبة. وقد عملت التَّوْسِعة التي تتم حاليًا من هذا الطريق، على خلق ممر أكثر ازدحامًا بالمواصلات، يستخدم بنسبة 90٪ من حركة المرور أجمعها، وجعلت من الموقع المناسب للمكتبة سابقا، أكثر المواقع عدم ملائمة. وقد احتوينا الخطر القائم إلى حد كبير بإضافة أربعة أضعاف ارتفاع إلى الحائط الحالي، وبزراعة نباتات متسلقة يصل ارتفاعها إلى ارتفاع مبنى المكتبة نفسها. ومهما كان الأمر، فقد تُثْبت هذه الوسائل عدم كفاءتها في المستقبل القريب، ولذلك فنحن بصدد التفكير في نقل الجزء الخاص بالمخطوطات من المكتبة إلى مكان آمن بالقرب من المبنى الحكومي.

مكتبة خدى بخش الشرقية، باتنا، بيهار، الهند

وربما يحتاج الجزء الفني من التقرير إلى عرض ملاحظة بأن الأنشطة العادية للحفظ التي اعتنقتها «م خ ب» تمثّل قليلاً مما هو غير معروف لدى الآخرين، أو ما هو غير مستعمل من الجهات الأخرى، وعلى أية حال، إذا كان هذا الوصف طويلا إلى حد ما، ولا يعني بالضرورة أحدًا، فعلى الأقل أنّه يستحق التسجيل.

ولذا ليس من العدل أن أستنفذ وقتكم بإعطاء التفاصيل المطوّلة حول مستوى معايير الحفظ، ومن ثَمَّ، سأقدم موجزا غير رسمي، قد يحتاج إلى بذل الجهد إذا ما اقتضى الأمر.

  1. المبنى محصن ضد الرطوبة، ويحتوي على مكيف للهواء، وكل الشروط الضرورية اللاّزمة للحفظ متوفرة. وقد خصص الطابق الأرضي لتخزين المخطوطات.
  2. تقاوم الأسوار الخشبية المحيطة بالمبنى الأحوال الجوية، من حرارة وجفاف وأتربة.
  3. رش المواد الكيماوية داخل المبنى للقضاء على توالد الحشرات.
  4. يتم إزاحة الأتربة بالتنظيف اليدوي وباستخدام المنظف الآلي.
  5. هناك تعليمات متفق عليها لمواجهة الحرائق، ومطفئ للحريق.
  6. الترميم، والترتيب، والتجليد، إجراءات تتم في المكان المعدّ للتجليد داخل المكتبة وتحت توجيهات حذرة.
  7. يتم التبخير «بالجزفين» وكذلك بالغرفة الكبرى.
  8. الشرط الأساسي المطلوب للخطوات السابقة على تجليد المخطوطة، قيام وعمل الحفظ والعناية بالمواد الهامة قبل أن يتم تجليدها، وإجراء اختيار على المواد، والتخلص من الأحماض، مع رش المبيدات الحشرية حين يتطلب الأمر ..إلخ.
  9. تقع مهمة ملاحظة انتشار الحشرات على عاتق حارس المبنى، سواء داخله أو بين المجموعة نفسها، ويتم إبلاغ كيمائي الحفظ عندما يحتاج الأمر إلى ذلك.
  10. تجري حاليًا عملية تصوير للمخطوطات على أفلام مصغّرة «ميكروفيلم»، لتجنب اللّمس المباشر والدائم لها. ويؤخذ منها صورة طبق الأصل، حتى إذا ما دعى الأمر حين وقوع حادثة ما، تبقى صورة بالمكتبة، وتوضح الأخرى بمنشأة مماثلة تحت عناية مركزة.
  11. عمليات التّقنية، تبذل الجهود حاليًا لإدخال المجموعة بأكملها بسجل مقنّن بالكومبيوتر.
  12. يتم التعامل مع المخطوطات المكدسة في مكان واحد، بالاحتفاظ بالمواد الأكثر أهمية، بترتيب يمكن من خلاله فَحْصها. ممّا يؤدي إلى استبعاد بعضها حين يتطلب الأمر.

هذا إلى جانب إجراءات عادية أخرى تَتّبعها «م خ ب» حاليًا. ومن هذا المنطلق، فإن لدى «م خ ب» القليل مما يمكنها تقديمه في مجال الخبرة المتخصصة.

ومهما كان الأمر، فلدينا بعضُ معلومات نعرضها على المؤتمر، تتعلق بالخطر الكامن لكل ما أمكن الإبقاء عليه من مخطوطات إسلامية بجميع أنحاء الهند.

ومع مضي الزمن، ما لبثت أن بقيت مخطوطات أخرى غير مستخدمة، عديمة الأهمية، لا يفصح عنها، في 500 من المجموعات الخاصة، من بينها ثمانية ما زالت في مواقع داخل وحول باتنه «مولوارى، ومانر، وبحار شاروف، واسلامبور، وسولايميا السنية، وسولايميا الشيعية، وعمادية وموناميا» ومعظمها ملك «الديور» الخافقات، والتي لم يتهيأ الأوصياء عليها بعد للاستغناء عنها أو التخلص من ملكيتها على الأقل. تم العثور على إحدى هذه المجموعات على وشك الدمار، والأخرى التصقت صفحاتها بعضها ببعض وذلك قبل تدخل «م خ ب» لإنقاذها في الوقت المناسب.

وهذا التدخل غير كاف لإمداد هذه المنشأة بأقل احتياجاتنا. لكن «شيء .. أفضل .. من لاشيء». ويصبح هذا الشيء هام، حين نضيف إليه أن «م خ ب» بصدد إعداد قائمة ببليوجرافية مختصرة تضم أسماء هذه المجموعة، وتقوم بتصوير أكثر المواد النادرة على أفلام مصغرة «ميكروفيلم» لحفظها بمكتبة خدابخش ذاتها. ولذلك، فهناك حاجة ملحة إلى تعليم المنشآت الصغيرة الأخرى حتى يتسنى لها المشاركة في المهمة المقدسة. ومن ثَمّ فإن التجربة التي مرت بها «م خ ب» على نطاق محدود، يمكن اتساعها حتى يتم تغطية الدولة بأجمعها.

ويمكننا استيعاب الحالة المؤسفة التي وصلت إليها المجموعات الخاصة، باستثناءات مكتبة مزاميل بالبجارة (أسسها معالي رحمة الله خان) ومكتبة أبي الخير بدلهي (أسسها معالي زايد أبو الحسن فاروقي) وقد أعدت مكتبة خدابخش قوائم ببليوجرافية مختصرة لمجموعتي المكتبتين.

ومن الصعب أن تستوعب الحالة التي عليها الجزء الأعظم من مجموعة «طونك» والتي ما زالت تحت تصرف المتحف القومي الهندي منذ عام 1951، حين تم إحضارها بطلب إعارة خاصّة تقدم به أبو الكلام آزاد. وإلى الآن لم يتم طبع فهرس معتمد أو حتى قائمة ببليوجرافية مختصرة للمجموعة. والأكثر من ذلك، أنه ليس هناك سجل لمجموعة المتحف القيمة، يمكن الاعتماد عليه.

وتضم مكتبة رامبور رضا أرقى مجموعات المخطوطات الإسلامية بالهند وشبه القارة الهندية، وما زال فهرسُها العربي غير كامل بعد التركة المحزنة التّي أوصى بها أمين المكتبة س أ آرشى، فإلى الآن لم يتم جمع فهرسها الفارسي. لكن، على الأقل قامت مكتبة خدابخش بطبع قائمة ببليوجرافية مختصرة للمخطوطات الفارسية، ومماثل لذلك تتوفر بعض من القوائم القديمة المتضمنة لمجموعة جامعة عليكره الإسلامية، إلى جانب الفهارس القليلة التي حفظت بجانب المجموعة، وسيتم إعداد قوائم ببليوجرافية وفهارس لها. وعلى أي الأحوال، فقد قامت «م خ ب» بنشر قائمة جرد المخطوطات الأوردية المحفوظة بالجامعة تدريجيًا.

وأنا أعرض عليكم وجهة نظر غير رسمية حول الحفظ، فالحفظ بذاته مهم، والمعرفة المحفوظة تصبح معرفة مشّوهة ومدفونة إذا لم يتم توصيلها إلى طالبي العلم، ولذلك فإن نشر المعرفة هو بعدٌ من أبعاد الحفظ. ويتحقق هذا من خلال الفهارس والقوائم الببليوجرافية وبعمل صُور مطابقة للمواد نفسها، ورغم كل هذا، فإنّ أشهر المجموعات العالمية حول الأمويين والعباسيين حفظها فهرست ابن النديم. لقد ذهب جزء من مكتبة دلهي القديمة «ناظرية» مع الريح، والجزء الآخر اكتسبه الهمدارد، فاحتفظ به في مراجع المجلدات الثلاث من القائمة الببليوجرافية المختصرة.

والتهمت النيران مكتبة الساعدية بحيدر آباد مؤخرًا أثناء الشغب، تاركة خلفها ذكريات لوجودها، ممثلة فقط في قائمة ببليوجرافية مختصرة، وقد يقودنا هذا إلى بُعْد آخر: الحريق، هو الوسيلة المفضّلة عند المتطّرفين. فلا قدر الله قد يكون الهدف القادم مكتبة خدابخش. وقد ذهبت حيدر آباد على يد المتطرفين الهندوس، ولربما تذهب «م خ ب» على يد المتعصبين المسلمين، كما كان مخططًا عام 1989 (في مناسبة الحلقة الدراسية عن القرآن – لخدابخش - جنوب آسيا). ثم مَرَّةً أخرى عام 1992 حين تعهد مدير المكتبة بالتصريح على مسؤوليته الشخصية بأن الهندوس غير كافرين. وفي عام 1967، عندما، همس اينزو رئيس مجلس إدارة المكتبة حينئذ في أذن المدير إقبال حسين، «عود كبريت واحد كاف للقضاء على المكتبة أجمعها».

وجهت الإشارة في ذلك الوقت إلى المتعصبين من الهندوس. والقضية هي في السؤال المطروح، هل ديانات الشيطان في مواجهة أولياء الله، فأين نقف نحن؟.

علينا أن نتعهد بتعليم كلا الطرفين المتعصبين من الهندوس والمسلمين حول الخسارة البشرية والضياع لعدم حفظ التراث الإنساني، وفقدان المحبة التي تقهر كل عداء، وتنقذ تجاربنا في «م خ ب».

ونحن نأمل بأن يؤمن الشاب الهندي في العشرين أو الثلاثين من عمره بالمبادئ الإنسانية للإسلام.

وتحتاج التجربة إلى إعادة تطبيقها بمكان آخر إذا وقعت على عاتقنا مهمة الحفاظ على تراثنا في الهند اليوم، أو إذا تمكننا من تهيئة الأوضاع التي تلطف من حدة القسوة التي تجتاح الإنسان.

وكما شاهدت تطور الأحداث في باتنه عام 1948، بعد اغتيال «غاندي»، أن قسْوة الإنسان تصبح أكثر ضررًا من النّمل وأكثر تدميرًا من النيران.

دعنا نحاول أن نرى الحياة على حقيقتها، الحياة بأبعادها حينذاك. قد يتضح لنا أن «فيل رومى» ليس ذو الأذن الشبيهة بالمروحة أو الأرجل الشبيهة بالوسادة، ولكنه فيلٌ بكل أوصافه.

وإذا تقرر الحفاظ على تُراثنا، فلا بد من أن يتم الحفاظ عليه بالوسائل التكنولوجية الحديثة. وفي نفس الوقت لا بد من حفظه عن طريق نشر المعارف التي يحتويها، معارف تجعل من القُساة ذرية صالحةً تحافظ على تراثها من أجل الأجيال القادمة.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:

صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 31-38

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top