حول ترميم المخطوطات في المغرب

شارك:

محمد بن شريفة

مما لاشك فيه أن صناعة الكتاب المخطوط بلغت عند المسلمين شأوًا بعيدًا في التفنّن والإتقان، وممّا يدلّ على ذلك التآليف المتعددة التي تتعلق بهذه الصناعة الرفيعة الشريفة، فقد ألف العلماء المسلمون، في مختلف العصور الإسلامية، مصنفات جليلة في جميع ما يتصل بهذه الصناعة، من ورق، ومداد، وأقلام، وخط، وتجليد أو تسفير، ونسخ، ومقابلة، وأوعية أو خزائن لحفظ الكتاب المخطوط، وغير ذلك.

وقد وصل إلينا – والحمد لله – عدد لا بأس به من هذه المصنفات، طبع بعضها وما يزال بعضها الآخر مخطوطا.

وقد ظلت صناعة الكتاب المخطوط قائمة في العالم الإسلامي كلّه، تنشط وتزدهر حينا، وتضعف وتتدهور حينا؛ إلى أن ظهرت المطبعة، وانتقل العالم من الكتاب المخطوط إلى الكتاب المطبوع. ولم يكن للمسلمين بُدُّ من أن يدخلوا في تقنيات هذا العالم الجديد.

فأقبلوا عليه، وفي حوزتهم ميراث أو تراث ضخم من المخطوطات، يرجع إلى قرون مختلفة، من بداية التدوين الإسلامي، إلى بداية القرن الرابع عشر الهجري، وصار هذا التراث الضخم كسبا كبيرًا من حيث قيمته، وعبئًا ثقيلاً من حيث مسؤوليته، وقد قضت مشيئة الله أن يحمل غير المسلمين عنهم شيئا من هذا العبء الذي اقتبستُ نَعْتَه من الخطاب القرآني الكريم: «إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً».

إن هذا التراث العربي الإسلامي المخطوط يُعتبر الآن فعلا من الأعباء التي يتعين على البلدان العربية والإسلامية النهوض بها، من حيث الحفظ والتصوير والترميم والإحياء والتوظيف، وغير ذلك.

وقد أنشئ لهذه المتطلبات مؤسسات على مستويات فردية ووطنية وعربية وإسلامية ودولية، قامت بتحمل نصيب من هذه الأعباء المشار إليها، ولاسيما فيما يرجع إلى الفهرسة والتصوير والتكوين والتأهيل لهذين المجالين، وأكتفي هنا بالإشارة إلى ما قامت به في الجملة اليونسكو والألسكو والإسيسكو، ولو أن معهد المخطوطات استمر بنفس الطاقة التي بدأ بها، لكانت حال المخطوطات في البلاد العربية أحسن مما هي عليه الآن، وإذا كان هذا المعهد قد ابتلي بضروب من الاختلال، فإنّ بصيصًا من الأمل في إنقاذ المخطوطات ظهر مع مؤسسات الإحسان، ومن أهمها: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، ومجمع اللغة العربية في دمشق وغيرهما من مراكز البحث والمجامع، فهذه المؤسسات، وغيرها، تقوم الآن بجهود محمودة ومشكورة في خدمة التراث المخطوط، جمعا وتصويرًا وفهرسة وترميما وتحقيقا وتأهيلا وتكوينًا. بيد أن المسؤولية الكبرى في إنقاذ التراث المخطوط، بتصويره تصويرًا جيدًا وشاملا وتامًّا أولا، ثم بإنشاء المراكز المجهزة والمؤهلة لترميمه ثانيا، ثم بإتمام فهرسة ما لم يفهرس حتى الآن – ولاسيما ما يوجد ضمن المجامع (مجامع الخزانة العامة بالرباط على سبيل المثال) تبقى على عاتق المكتبات الوطنية، والجهات المحلية المسؤولة.

ولا شك في أن الغاية من هذا كلّه هو نشر هذا التراث، بدءًا بالأهم، فالمهم، فما يلي ذلك.

إن المكتبات في العالم الإسلامي عموما، والمكتبات في العالم العربي خصوصا، حافلة بالمخطوطات – ومنها مخطوطات عتيقة ونفيسة ووحيدة فريدة أحيانا، ولكن حالها في بعض الأحيان لا يبعث على الاطمئنان.

واسمحوا لي أن أتحدث عن بعض المكتبات المغربية، من خلال تجربتي المتواضعة، قارئا فيها وقيما عليها. وبعض هذه المكتبات مرّ على تطورها ألف عام أو ما يقرب منها، مثل خزانة القرويين بفاس، وخزانة ابن يوسف بمراكش.

وقد عرفتُ الأخيرة عندما كنت طالبا، أتلقى مقررات العلوم العربية والإسلامية في جامع ابن يوسف، وكانت الخزانة المذكورة موجودة في مودع بنفس الجامع، ثم عرفتها أكثر عندما أصبحت في دار الباشا. أما الخزانة الأولى – أي خزانة القرويين – فقد قضيت حَوْلاً كاملاً مسؤولاً عنها، وأود قبل الحديث عن هذه التجربة أن أشير بإيجاز إلى مصادر تاريخ مكتبتي القرويين وابن يوسف وغيرهما من المكتبات المغربية.

إن الأخبار الواردة في كتب التاريخ والأخبار حول هاتين المكتبتين، وغيرهما، مَكَنت بعض الدارسين من كتابة تاريخ المكتبات في المغرب، ومنهم الأستاذ المرحوم السيد محمد العابد الفاسي في كتاب «الخزانة العلمية بالمغرب» (1960) والأستاذ السيد محمد المنوني في تأليفه «دور الكتب في ماضي المغرب» - وما يزال مخطوطًا، وثمة أطروحتان منشورتان باللغة الفرنسية: إحداهما للسيدة لطيفة بنجلّون العروي وعُنْوانها:

Les bibliothèques au Maroc (1990) والثانية للسيد أحمد شوقي بنبين وعنوانها: Histoire des bibliothèques au Maroc (1992) – وثمة مدخل تاريخي خاص بمكتبة ابن يوسف في فهرسها الذي وضعه الأستاذ المرحوم السيد الصديق بلعربي، ومدخل آخر في فهرس دار الكتب الناصرية بتامجروت، من تأليف الأستاذ السيد محمد المنوني، ومدخل آخر له في فهرس الزاوية الحمزاوية.

ومن هذا ما كتبه الأستاذ المرحوم محمد الفاسي، في مقدمة مقالاته عن الخزانة السلطانية وبعض نفائسها، المنشورة في مجلة البحث العلمي، وما كتبه الأستاذ المرحوم محمد عبد الله عنان، في مقدمة المجلد الأول من فهارس الخزانة الملكية.

إن كَرَّ الغداة ومَرَّ العشيّ وتتابع السنين وتوالي القُرون، ترك آثاره السلبية على مخطوطات الخزائن المغربية، أو بالأحرى على ما سلم منها من عوادي الزمن وحوادث الفتن، وأعداءُ المخطوطات إلى جانب ما ذكرت كُثرٌ، فمنهم الذين ذكرهم القائل:

عليك بالحفظ بعد الجمع في كتبفـإنّ للكتب آفـات تفرِّقُـها
الماءُ يغرقـها والنـار تحرقـهاوالفـارُ يخرقها واللصّ يسرقها

ومن أشدّ أعداء الكتاب وأكثرها أذى تلك الدويبة أو الحشرة الفتاكة – وأعني بها الأرضة، التي تأكل الورق أكْلاً لما، وقد حار القدماء في أمرها، ولجأوا إلى الطلاسم في وقف ضررها، وأشهرها طلسم «ياكيكتج»، ونجد هذا الرسم في أوائل بعض المخطوطات وأواخرها، وقد شاع استعماله في العصور المتأخرة، وورد ذكره في كتاب «الإفادات والإنشادات» للشاطبي (القرن الثامن الهجري) وفي الضميمة التي وجدها الأستاذ المرحوم عبد الله كنون بآخر كتاب «التيسير» للإشبيلي، وقد اختلف الذين تكلّموا على هذا الرسم في هجائه ومعناه، وكانوا يظنّون أنه تعويذ يصون المخطوط ويحفظه. ومهما يكن من أمر هذا الرسم الغريب وسرّه العجيب – إن كان له حقيقةً سر – فإن دلالته الحقيقية تبدو في العدول عن التفكير العلمي، واللجوء إلى فكر نعته بعضهم بالخرافي. وهنا نتساءل: هل عرف الأقدمون تقنيات خاصة بالترميم؟ وما هي هذه التقنيات إن كانت وجدت؟ ويمكن الجواب عن السؤال الأول بنعم، أما السؤال الثاني، فسأجيب عنه من خلال التراث المغربي، وفهارس المخطوطات المغربية فقط.

إن لفظ الترميم معناه الإصلاح، وهو بهذا المعنى من توابع التسفير ولواحقه، وقد وردت إشارات خفيفة إلى الترميم بهذا المفهوم الساذج، في الكتب المغربية التالية:

  1. «كتاب التيسير في صناعة التسفير» للإشبيلي، الذي عاش بفاس ومراكش على عهد يعقوب المنصور الموحدي، وله ألف الكتاب.
  2. 2-   «كتبا التحفة» للقللوسي، وهو مركز على الأحبار والأمدّة وتركيبها وأنواعها، ومنها ما له خاصية في مقاومة الحشرات، وقد سبق أن تحدث عن هذا الكتاب الزميل إبراهيم شبوح، في ندوة سابقة هنا.
  3. 3-   «كتاب صناعة التسفير وحل الذهب» للفقير أبي العباس أحمد السفياني.
  4. أرجوزة الفقيه أحمد بن عرضون في التسفير، وفيها يقول في باب التبطين:

«إياك والتّبطين بالكتاب» إلى آخر الأبيات التي ينهى فيها المجلّد – أو المسفر عن استعمال الورق الذي كتب فيه القرآن.

هذا على المستوى النظري، ونجد المستوى التطبيقي نسخةً خطية من رحلة الشيخ خالد البلوي، المسمّاة تاج المفرق، رَممها المعلّم ابن إبراهيم المشنزائي، وكتب في آخرها ما يلي: انتهى إصلاح هذه النسخة بعد تلاشيها وإشرافها على التَّلف.

وثَمَّة نوع من الترميم، يتمثل في تعويض الكتابة القديمة التّالفة في المخطوط بكتابة جديدة، ونجد أمثلة من هذا النوع في مخطوطات القرويين خاصة، ومنها ما هو بخط العلامة المرحوم البوغَزّاوي، قيّم المكتبة في آخر القرن الماضي، وقد نَوّه الأستاذ المرحوم العابد الفاسي بعلمه وعمله، وذكر ما قام به من جهود في ترميم المخطوطات حسب الوسائل الوحيدة المعروفة حينئذ، وهي تعويض الأوراق المتلاشية بنقلها ونسخها ووضع ما نسخ مكانها عَرضا عنها، وهي عملية ترقيع توجد في عدد كبير من مخطوطات هذه المكتبة.

وعملية نسخ المخطوطات العتيقة برُمَّتها كانت معروفة ومستعملة على نطاق واسع في دور الكتب بالمشرق، كدار الكتب المصرية، حتى أصبحت هذه النسخ المكررة أشبه ما تكون بالمكروفلمات التي ظهرت في العصر الحديث، وهذه النسخ هي التي توضع غالبًا بين أيدي القراء، ولم تكن حركة النسخ هذه شائعة عندنا، ولو كانت لأنقذت عددا من المخطوطات التي ضاعت أو تلفت، ولو أن القيّمين الذين جاءوا بعد المرحوم البوعزاوي قاموا – على الأقل – بمثل ما قام به، لما وصلت حال مخطوطات القرويين إلى ما وصلت إليه من تدهور.

وقد وجدت المرحوم العابد، خلال الأجزاء الأربعة من الفهرس الذي وضعه لخزانة القرويين، يكتفي بوصف هذا التدهور ويشتكي منه، فيقول مثلا في وصف مخطوطة: أوراقها ممزقة إلى درجة يؤسف لها – ويقول في وصف مخطوط: أصابه محو واندثار، وأصاب السِّفْر كله تلاشٍ جدا وتنقيع كاد أن يكون الانتفاع به بسببه معدوما – ويقول في وصف أجزاء مخطوط مهمّ: وقد بلغت هذه الأجزاء مبلغًا عظيمًا من التلاشي والاضمحلال.

ويقول أخيرا في وصف مخطوط نفيس: أصابه التلف وكاد أن ينعدم الانتفاع به، ولا حول ولا قوة إلا بالله – ولا يكاد يخلو مخطوط من مثل هذا في وصفه، وربما حمدنا له أنه تدارك هذه المخطوطات بفهرستها فهرسة مفصلة، تعني بالمضمون والشكل معًا، ولكنّنا نتساءل أيضا لماذا وصلت هذه المكتبة إلى هذه الحال. أعترف لكم أنني بكيت لما دخلت أول مرّة إلى القبة المنصورية، وكانت مكان حفظ المخطوطات، ويرجع تاريخ هذه القبة إلى عهد المنصور السعدي مؤسسها، فقد كانت الرفوف متهالكة بفعل القدم، وكان أول شيء قمت به أنّي نقلتها إلى مكان صحي ومأمون، حيث وضعت في رفوف خشبية جديدة وجيّدة، كما أني نقلت ملفات الدشت التي كانت موضوعة في مخزن المطبوعات إلى مكان خاص بها.

لقد أشار الأستاذ الفاسي إلى عناية ملوك المغرب بهذه الخزانة، وعدد ما حبسوه من كتب هم وأتباعهم، ووقف عند اهتمام ملوك الدولة العلوية – ولاسيما المتأخرين منهم – بمسائل الترميم والإصلاح والتجديد والتسفير، وأورد ما أصدروه من ظهائر في هذا الشأن، وسمى بعض الكتب وقع ترميمها في عهد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام ومن جاء بعده.

ولكن فترات العناية تتبعها أحيانًا فترات من الإهمال والنسيان، فيقع في المخطوطات ما يقع.

وفي عهد الحماية الفرنسية حصل شيءٌ من التنظيم في الخزانتين التاريخيتين: القرويين وابن يوسف، فقد جمعت المخطوطات، ونظمت، ورُتّبت، وحُفِظت، وفُهرس بعضها، أما التصوير، فلم يكن معروفًا أو مستعملا خلال هذا العهد.

وفي هذا الوقت، أنشئت الخزانة العامة في الرباط، والخزانة العامة في تطوان، وجمع وحفظ عدد كبير من المخطوطات، ثم عرفت المخطوطات في المغرب بعد الاستقلال نقلة نوعية متميزة، فقد حصل لأول مرة، في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، تصوير عدد كبير من المخطوطات، في إطار مشروع وطني، أشرفت عليه وزارة التعليم، وأسهمت فيه اليونسكو والجامعة العربية.

ويوجد رصيد هذه المصورات في الخزانة العامة بالرباط، ومعهد المخطوطات في القاهرة، وقد انتفع بها عدد من الباحثين. وتوالت بعد هذا وِفادات معهد المخطوطات من القاهرة ثم من الكويت للتصوير، وجاءت بعثات من جهات سعودية لنفس الغرض، وآخر حركة كبيرة لتصوير المخطوطات كانت منذ سنة تقريبًا بالتعاون مع مركز جمعة الماجد في دبي.

وقد فكرت خلال مسؤوليتي في الخزانة العامة في تصوير شامل للمخطوطات الموزعة في المكتبات المغربية، وتم اتفاق في هذا الشأن مع معهد العالم العربي. وقد تسلمت الخزانة تجهيزات جيدة وقيمة للتصوير والترميم، وضعت في مبنى خاص صمّم لها، وكان المنتظر أن تحصل المكتبة العامة على عربة مجهزة بوسائل تصوير المخطوطات، ولعل ذلك يكون في المستقبل. لقد ألححت في الكلام على التصوير لأني شخصيا أرى أنه الوسيلة الأولى لإنقاذ المخطوطات التي يزداد حالها سوءًا يوما بعد يوم.

وسأختم هذا العرض بالإشارة إلى المحاولات التي كانت عندنا في مجال الترميم العصري.

فالمحاولة الأولى تمت في مطلع الستينيات، وكانت بتقوية وحفظ أوراق المخطوطات المتضررة، بإلصاق نوع من الورق الشفاف العازل، وطبّقت على مجموعة من المخطوطات القيمة، وقد بدت مقبولة في أول الأمر، ثم تبين إضرارها بالمخطوط، وقد قام بهذا النوع من الترميم قسم التسفير بالخزانة العامة، وبلغ عدد ما رُمّم من المخطوطات على هذا النحو ما يقرب من مائة مخطوط.

والمحاولة الثانية كانت في سنوات 82، 83، 84، وتمت بواسطة تجهيز وخبير من اليونسكو، واعتمدت أساليب التطهير والتبخير والتعقيم.

وقد قدمت اليونسكو لهذا الغرض آلية متنقّلة ومواد كيماوية، واستعملت في خزانة القرويين بفاس وغيرها، ثم توقّفت هذه المحاولة. ولما عينت في الخزانة العامة سنة 1988 وجدت الآلية المذكورة وأوعية المواد الكيماوية التي تستعمل للرش، ووقفت استعمالها بناء على نصيحة الأستاذ «شوارتز» وزميلته وهما خبيران ألمانيان.

والمحاولة الثالثة هي الاستعانة بخبرة البلدان المتقدمة في تقنيات الترميم، ومنها إسبانيا، التي أمدتنا بالتجهيزات اللازمة، وأعانتنا بتكوين المرمّمين في دورات محلية، أو في استقبال بعض المبعوثين إلى معهد ترميم المخطوطات في مدريد.

وما تزال الخزانة تنتظر التعاون مع جامعة جوتنجن، التي زارنا وفدها منذ ثلاث سنوات، وكتب تقريرًا في الموضوع.

إن عملية الترميم القائمة اليوم في بعض البلاد العربية – بمستواها الحالي – لا توازي إطلاقا الكم الهائل الذي هو في حاجة إلى الترميم.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:

صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية : أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 95-104.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top