كيف تصان المخطوطات: في صورتها الأصلية أم بإعادة تشكيلها؟

شارك:

أهمية تأسيس قاعدة معلوماتية عالمية

فرنز شقارتس

إذا نظرنا إلى الحالة السيئة التي تعاني منها بعض المخطوطات المفردة، ناهيك عن المجموعات الكاملة، فإنه لا يسعنا إلا أن نفكر في سبل المحافظة عليها. والحق أنه لا مناص من التحرك السريع من أجل تجنّب الضياع النهائي لملايين المخطوطات1.

لقد بذلت جهود كبيرة للمحافظة على المخطوطات عن طريق الترميم، ومن الواضح أن أصحاب المخطوطات الخاصة، والمسؤولين عن المجموعات العامة معا يفضلون غالبا العمل السريع، على أن النتائج الملموسة التي تنجز في وقت قصير لها تأثيرات جانبية قلما يكون المسؤولون على وعي بها، وهي تأثيرات تبقى خافية عن الأنظار لفترة من الزمن.

ولننظر إلى بعض الأمثلة:

  • ثمة مخطوطة مملوكة ملكية خاصة تداولتها أجيال عديدة بالاستعمال. يقوم المالك – قليل الخبرة – باستخدام شريط لاصق لإصلاح موضع التلف، ثم لا يمضي وقت طويل حتى يبدأ الشريط اللاصق في التحول إلى اللون البني، ثم لا يلبث الصمغ الصناعي أن ينفذ في الورق على غورٍ يكاد يستحيل معه قراءة النص.

ولنحول النظر الآن إلى إحدى المجموعات العامة:

  • ثمة مخطوطة من الرق في حالة جيدة بصفة عامة، فيما عدا بعض التمزق عند الحواف. يتولى علاج التلف خبير في تجليد الكتب على نحو ما يصنع في علاج الكتب العادية، فتكون النتيجة لصق شرائط من الورق إلى حواف كل صفحة مما يعوق الحركة الطبيعية للرَّق، وهكذا فبدلاً من أن يتمدد الرَّق وينكمش متفاعلا على الدوام مع تغيرات الرطوبة والحرارة، يصبح الآن مضطرا إلى تكوين طيّات تحتَكُّ بطيات الصحائف المجاورة، وبمرور الزمن يؤدي ذلك إلى انطفاء جزئي في المداد ولون الرق.

أما أبشع الأمثلة على إتلاف المخطوطات من حيث يُقصد المحافظة عليها، فهو المثال التالي:

ثمة مكتبة للمخطوطات، تُقرر إدارة المكتبة بناء على نصيحة خبير في فن صيانة المخطوطات أن تتخذ خطوات وقائية ضد ما قد يُلمّ بالمخطوطات مستقبلا من جراء القراءة وغيرها من سُبل التناول، في ذلك الوقت كان الخبير على قناعة – مثله مثل الكثيرين غيره – أن التصفيح هو خير وسيلة للصيانة، وهكذا ألصقت الصفائح البلاستيكية على وجهي كل ورقة من أوراق المخطوطة، على أن هذا أمر تتضح نتائجه مع الزمن، فتلك الصفائح لا تلبث أن تتحول إلى اللون البني وتصبح هَشَّة، وبذلك تكون قد أتلفت المخطوطة التي كان يُرْجى أن تحافظ عليها، وبعد مرور عشرين عاما على عملية التصفيح تلك تصبح المخطوطة المعالجة في عداد المفقودات.

وليس غرضي أن أقول إن ترميم المخطوطات أو صيانتها لا يفترق في شيء عن إتلافها، فالواقع أن الترميم الحذر الذي يأخذ في الحسبان المادة الأصلية المصنوعة منها المخطوطة يأتي بنتائج جديرة بالإعجاب، والترميم الماهر يتسم بالبطء ولاشيء فيه لافتًا للنظر، غير أن أولئك المسؤولين عن مجموعات المخطوطات يُعرضون أحيانا لإغراء تحقيق نتائج سريعة ملموسة، ويغيب عنهم أن صيانة المخطوطات الأصلية لا يمكن تحقيقها عن طريق المعالجات السريعة. وعلى العكس، ففي حالات كثيرة قد يكون من الأفضل الامتناع التام عن معالجة مخطوطة خير من الاندفاع بغير تفكير إلى معالجتها بالأساليب الحديثة. وليست الأمثلة الثلاثة التي أسلفتها إلاّ تحذيرًا من تلك الأساليب الضارة رغم صدورها عن نية حسنة.

بالنظر إلى الحالة السيئة لقسم كبير من المخطوطات الإسلامية الموجودة عالميا، فلا شك أن التحرك السريع للتصدي للمشكلة أمر ضروري. فعلى الرغم من أن ثمة جهدا كبيرا يبذل، فالحق أن القائمين على أغلب المجموعات لا يستثمرون شيئا في مجال صيانة المخطوطات، إذ أنهم يفتقرون إلى التّمويل الضروري. ذلك أن اعتماد برنامج ثابت من قبل مكتبة ما لصيانة مخطوطاتها عن طريق التّرميم يستلزم تمويلا خاصا للفنيين والمواد المستخدمة، إذ لا يكفي اعتماد مشروع للصيانة لبضعة سنوات فقط، إنما المطلوب هو العمل المتصل وبدون أجل محدد. ومن الواضح أن برنامجًا للصيانة من هذا القبيل يستحيل الاضطلاع به على المكتبات الصغيرة والخاصة ما لم تُحْظ بدعم خارجي.

وإلى أن يحدث ذلك يستمر تدهور المخطوطات وفقدانها. على أنه يجدر القول بأن استخدام المخطوطات في المكتبات هو أهون أسباب اضمحلالها شأنا. إنما يعوق جهود الصيانة ويعجّل بهلاك المخطوطات في المحل الأول أمورٌ من قبيل إهمال المالكين أو بيعهم المخطوطات لمشترين غير مؤهلين، والسرقة، والماء، والحريق، والحروب. ولسوف يتعذر إنقاذ التراث الإسلامي المكتوب برمته في حالته الموجود عليها اليوم.

لست على يقين فيما إذا كان الباعث مشروع الجامعة العربية لتصوير المخطوطات بأسلوب الميكروفيلم في الخمسينات هو القلق على مصير المخطوطات في الدول الأعضاء، وأغلب الظن أن ذلك المشروع مثله مثل ما حدث في أوروبا وأمريكا الشمالية كان يستهدف في المقام الأول تيسير سبل دراسة المخطوطات للباحثين. وفيما عدا ذلك، يعتبر التصوير بالميكروفيلم طريقة من طرق المحافظة على النصوص.

تُسجل البيانات الكتابية للعمل إلى جانب بعض البيانات الخاصة بالحالة المادية للمخطوطة الأصلية في شكل مختلف عما في الأصل؛ ولعله لا يمضي وقت طويل حتى يصبح من الممكن الحفاظ على المخطوطات عن طريق أساليب «الرقمنة» الحديثة digitisation أي تسجيل البيانات في صورة رقمية تيسر حفظها في شكل ملف حاسوبي، ولقد صيغ مصطلح جديد هو «إعادة التشكيل» reformatting للإشارة إلى العديد من طرق الحفاظ على المعلومات المكتوبة أو المطبوعة وتخزينها في شكل مادي جديد.

ولا شك أن أي نوع من إعادة التشكيل لا يمكن أن يقارن بما يمكن إنجازه في سبيل الترميم إذا ارتقى المستوى للمخطوطة الأصلية، إلا أن تحويل الأصل إلى شكل آخر يجعل من السهل إتاحة النص للباحثين عن طريق توفير نسخة أخرى منه إما عن طريق التصوير العادي، أو التصوير على الميكروفيلم، أو عن طريق الحفظ الرقمي على حاسوب.

يستخدم التصوير على الميكروفيلم على نطاق واسع منذ ما يربو على نصف قرن، كما أن الوسائل التقنية اللازمة لمعالجة كل أشكال المصغرات (أي تلك التي تعتمد على الاختزال التصويري) microforms معروفة ومتوفرة. كما أن النسخ الأصلية من أي شكل من أشكال المصغرات والتي يتم إنتاجها وتخزينها طبقا للمقاييس الدولية المتعارفة2 يمكنها أن تعيش لما يزيد على ثلاثمائة عام بدون أي تضييع للمعلومات.

علاوة على هذا فإن أسلوب إعادة التشكيل رقميا يتطور تطورا سريعا وينتظر أن يشيع في الاستخدامات اليومية في المستقبل القريب. وإذا كان في حوزتنا اليوم التقنية اللازمة لاستخراج نسخة رقمية أصلية يمتد عمرها بما يضارع عمر نسخة أصلية في أحد الأشكال المصغرة، فإنه ينبغي علينا أن نَتَيقّن أنه سيكون لدينا بعد ثلاثمائة عام الأجهزة القادرة على قراءة نسخة رقمية يتم إنتاجها في زمننا هذا.

كيف نختار إذن بين الصيانة عن طريق إعادة التشكيل وبين صيانة المخطوطات الأصلية؟ في ظني أنه يتعين علينا أن نقوم بالعملين في وقت واحد، فننقذ أكبر عدد ممكن من الضياع نهائيا عن طريق إعادة التشكيل، في نفس الوقت الذي نضع برنامجا طويل المدى لترميم المخطوطات وصيانتها، وعلى المكتبات أن تعد قوائم ترتب فيها المخطوطات حسب حالتها المادية، بحيث يكون اختيار مخطوطة ما لإعادة تشكيلها معتمدا على ترتيبها في قوائم الترميم. ومن جهة أخرى، فإن أي عمل يُختار للترميم ينبغي أن يُتاح للباحثين في شكل آخر.

أدت الثقة في المصغرات كأسلوب للحفاظ على المخطوطات إلى التقارب بين المكتبات الأوروبية الرئيسية التي تنسق جهودها الصيانية بمساندة «السجل الأوروبي للنسخ الأصلية المصغرة» European Register of Microform Masters والذي يرمز إليه بالأحرف (EROMM) وكانت المكتبات قد لجأت إلى استخدام التصغير منذ فترة طويلة نتيجة لظاهرة هشاشة الورق التي عرّضت للضياع مقتنياتها من الوثائق المكتوبة والمطبوعة. وكان لأمر في البداية خدمة للباحثين، ثم لم تلبث المكتبات أن أدركت أن التصوير على ميكروفيلم هو وسيلة جيدة للحفاظ على الأعداد الكبيرة من الوثائق، والتي ما كان يمكن الحفاظ عليها في صورتها الأصلية.

تتمركز الأنشطة التنسيقية للصيانة عن طريق الميكروفيلم داخل «السجل الأوروبي» المشار إليه (EROMM) على الكتب المطبوعة. ذلك أن ما لا يقل عن ثمانين بالمائة من المنشورات العلمية والأدبية على نطاق العالم التي ظهرت خلال المائة والخمسين عاما الماضية معرضة لخطر الضياع بسبب تحلل الورق، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على مقتنيات المكتبات. وفي الوقت ذاته، فإن البحث في كل مجالات المعرفة يتوقف على توفر تلك الأعمال. ومن هنا يصبح السؤال: هو، كيف ننقذ التراث العالمي المطبوع من الضياع.

يعتبر «السجل الأوروبي» (EROMM) قائمة بكل المطبوعات التي أعيد تشكيلها على صورة ميكروفيلم أو التي في سبيلها إلى ذلك. وبذلك يمكن للمكتبات – باستشارة السجل- أن تتجنب إعادة تشكيل الكتب التي أعيد تشكيلها في مكان آخر، مما يعني توفير مواردها لغرض آخر. وتوفر المكتبات النسخ، بعضها للبعض الآخر عند الطلب. وغني عن القول أن حقوق الطبع الوطنية والدولية يجب أن تكون موضع احترام في كل الأحوال.

تأسس «السجل الأوروبي» (EROMM) باعتباره قاعدة معلوماتية ريادية في المكتبة الوطنية بباريس سنة 1993. ثم لم تلبث مكتبة جامعة غُوتِنْغن أن تولت في عام 1994 مهمة استضافة القاعدة المعلوماتية لـ EROMMوالقيام بالمهام الإدارية المتعلقة بها، ذلك لكي يتحول السجل إلى خدمة دائمة. ولما تم افتتاح الخدمة على شبكة الاتصالات الحاسوبية العالمية (on-line) في نهاية ذلك العام، كان حجم القاعدة المعلوماتية قد بلغ خمسين ألف مادة مسجلة، وفي خلال اثنا عشر شهرا تضاعف العدد ست مرات ليصل إلى ثلاثمائة ألف ونيف.

يتلقى مقر «السجل الأوروبي» EROMM بصفة مستمرة إفادات تصف ما تنتجه مكتبات من تسع دول أوروبية3 من نسخ أصلية في شكل مُصَغر. ومن المأمول مع انضمام المزيد من المكتبات أن نُصبح قادرين على توفير سجل بالكتب المطبوعة التي صورت على ميكروفيلم في كل أرجاء القارة الأوروبية. على أن أوروبا ليست وحدها في هذا المجال، ففي كلّ أنحاء العالم تجرى عمليات إعادة التشكيل يوميا في المكتبات الرئيسية. ومن هنا فإن «السجل الأوروبي» EROMM يتطلع إلى تبادل السجلات مع الأنظمة الشبيهة في العالم4.

تتكون كل مادة في القاعدة المعلوماتية «للسجل الأوروبي» EROMM من جزأين. يقدم الجزء الأول الوصف الببليوغرافي للعمل طبقا لفهارس المكتبة صاحبة المادة. أما الجزء الثاني فهو مكرّس للمصغرات، ويقدم البيانات التالية:

  • الاسم والعنوان الخاصين بالوكالة المسؤولة عن التصوير على ميكروفيلم، وسنة ومحل واسم الوكالة المنتجة للنسخة الرئيسية (كما قد يشتمل على شروط توفير نسخ إضافية).
  • رقم ونوع المصغر مع بيان أوصافه المادية.
  • اسم المؤسسة التي تحفظ فيها النسخة الرئيسية مع رقم الاستدعاء الخاص بالنسخة الرئيسية.

تقوم المكتبات التي تريد إعادة تشكيل نسخة خاصة بها من أحد الكتب بسؤال EROMM ما إذا كان قد تم تصويره سابقا على الميكروفيلم، فإذا وجدت مدخلا يصف العمل ذاته، امتنعت عن تصوير الكتاب. وتتجه بدلا من ذلك إلى استخدام مواردها في تصوير عمل آخر. وإضافة إلى ذلك قد تقوم بطلب نسخة من الفيلم من المكتبة التي أنتجت النسخة الرئيسية.

إن إنتاج نسخة رئيسية من نوعية أرشيفية أي خليقة بالحفظ طويل الأجل، لا يعدو أن يكون جزءًا من المهمة التي يمكن أن نسميها الصيانة بواسطة إعادة التشكيل. كما أن المحافظة على المعلومات لآجال تتجاوز العقود إلى القرون، تقتضي وجود مؤسسات تتولى حفظ النسخ الرئيسية والاعتناء بها لتلك الفترات الزمنية الطويلة. وينبغي لتلك المؤسسات ولموظفيها أن يكونوا مجهزين بما يلزم لضمان بقاء المعلومات المعاد تشكيلها وسهولة الرجوع إليها.

بدأت القاعدة المعلوماتية الخاصة بـ EROMM تحظى بأعراض جانبية إيجابية لم تكن في الحسبان في بداية المشروع، خلاصتها أن بعض المكتبات التي تزود EROMM ببياناتها قد تتلقى من وقت لآخر طلبات من مكتبات أخرى لتزويدها بنسخ من عمل أعادت تشكيله. ويؤدي هذا التبادل المستمر إلى زيادة وعي المكتبات المعنية بأهمية مقتنياتها وبمسؤوليتها تجاه تأمين الصيانة الدائمة للنسخ الرئيسية، وتوفير نسخ الخدمة الإضافية، هذا إلى جانب أن كفاءة المكتبة في القيام بدورها تصبح تحت الأعين الناقدة لمنظومة المكتبات العالمية المستخدمة للشبكة.

إن القاعدة المعلوماتية باعتبارها أساس الاتصالات بين المكتبات يمكنها أن تعزز وعي المكتبيين والإداريين بكون مجموعاتهم تمثل جزءًا من أرشيف عالمي يقوم على حفظ التراث البشري المكتوب من الاندثار. إن الخبرة التي اكتسبها «السجل الأوروبي للنسخ الأصلية المصغرة» EROMM يمكنها أن تصبح أنموذجا لعمل مشابه لتنسيق عملية حفظ التراث الإسلامي المخطوط.

وإني لأود أن أطرح فكرة إنشاء قاعدة معلوماتية عالمية خاصة بالمخطوطات الإسلامية المعاد تشكيلها. على أن مثل هذا المشروع لا يمكن أن يكون مجرد محاكاة بسيطة لمشروع EROMM بسبب الفارق الرئيسي بين المخطوطات وبين الكتب المطبوعة. فالمخطوطة عمل لا مثيل له تحديدا، وهذه الصفة هي أهم ما يميزها عن المنشورات المطبوعة. وعلى الرغم من أن المخطوطات قد تكون نسخا من عمل واحد، إلا أن كل نسخة مكتوبة بخط اليد تختلف عن غيرها من النسخ. ولا تُقيَّم كل مخطوطة فقط على أساس أنها تقدم تنويعا على نص عمل بعينه، وإنما أيضا باعتبارها مصدرا يوثِّق لمدى الاحتفال بعمل معين ومدى استخدامه في زمان ومكان معينين. ولا أظننا في حاجة إلى الاسترسال في بسط هذه الحجج التي يتفق عليها الجميع.

إن الأهداف التي تُرجى من إنشاء سجل حاسوبي للمخطوطات الإسلامية المعاد تشكيلها هي كالتالي:

  • أن يقوم بدور فهرس عناوين قصيرة عالمي للمخطوطات مما يدفع في اتجاه تكوين فهارس محلية أو قومية تتميز بمعلومات أكثر تفصيلا5.
  • أن يقوم بتوفير معلومات حديثة حول:
  • الحالة المادية للمخطوطة (مبينا الحاجة إلى الحفظ وإعادة التشكيل).
  • وجود نسخة فيلمية رئيسية أو نسخة رقمية رئيسية.
  • وجود نسخ خدمة للتداول.
  • الشخص أو المكتبة المالكة للمخطوطة.
  • أن يقدم أساس البحث المنهجي في التاريخ الأدبي الإسلامي.
  • أن يوفر بيانات إحصائية شاملة يمكن استخدامها لدى تخطيط برامج صيانة كبرى.

إذا ما تم إنشاء هذا السجل الحاسوبي فإنه كفيل أن يزيد من الوعي بأهمية المكتبات، مما يضمن بقاء الأعمال الأصلية والمعاد تشكيلها على السواء في أرشيفها. إن توفر المعلومات الببليوغرافية عن مؤلف مخطوطة ما وحالتها وملكيتها والشكل المحفوظة فيه وشروط الإطلاع عليها، وتوفير هذه المعلومات للقائمين على حفظ المخطوطات والدارسين لها على السواء، يجعل من الصعب أن تتعرض مجموعة مخطوطات بعينها إلى الخطر بدون أن يثير ذلك انتباه الكثيرين.

ولعل إحدى النتائج الإيجابية لوجود مثل ذلك السجل الحاسوبي، أن يصبح بيع المخطوطات بصورة غير شرعية أكثر صعوبة مما هو الآن، ذلك أن مسؤولي المكتبات وتجار الكتب والتحف الفنية سيلجأون أولا إلى استشارة القاعدة المعلوماتية للسجل الحاسوبي للتأكد من أن المخطوطة المعروضة للبيع لا تنتمي إلى أيّ من المجموعات المعروفة. ربما لا يكون ذلك حائلا دون وقوع السرقات بصورة كاملة، إلا أنه حريّ أن يثبت فعاليته في كثير من الحالات في الكشف عن بعض الإجراءات غير القانونية، كما هو الحال مع «سجل المفقودات الفنية» Art Loss Register الذي يديره جيمس إمسون James Emson في لندن.

وكي يؤدي السجل الحاسوبي وظيفته على نحو كفء، لا بد أن يُنشأ باعتباره قاعدة معلوماتية يمكن استشارتها من أي بلد، ولا بد من نشر طبعة من السجل على أقراص سي دي روم CD ROM بصفة دورية. على أن ثمة عيبًا خطيرًا هنا وهو عدم وجود معيار حاسوبي مقبول على نطاق واسع لتخزين السجلات الببليوغرافية بالأحرف العربية والرومانية. لهذا السبب فإن كل البيانات التي تضاف إلى القاعدة المعلوماتية ينبغي أن تتاح على الشبكة الحاسوبية المركزية on-line وهو ما سوف يكفل إمكانية استخدام القاعدة المعلوماتية باعتبارها فهرسا أيضا.

ولعله من المناسب أن أختم بحثي بقائمة من المتطلبات التي ينبغي أن تدرس وأن تأتلف حولها الآراء لضمان أن يؤدي السجل الحاسوبي للمخطوطات الإسلامية – في حال إنشائه – وظيفته على الوجه المراد:

إداريا:

  • تختار أربع أو خمس مكتبات من بلاد مختلفة لكي تؤلف شراكة في مشروع استكشافي.
  • يوضع جدول زمني لمراحل المشروع.
  • تختار مكتبة مضيفة لتكون مركزا للقاعدة المعلوماتية.
  • ترتب شؤون التمويل.
  • تنشر على عموم المهتمين نتائج المشروع ويبقى المشاركون على صلة بالمكتبات التي قد تنضم للمشروع مستقبلا، وربما يجوز أن يسمح للمزيد من الشركاء بدخول المشروع في وقت لاحق من مرحلته الاستكشافية.

حاسوبيا:

  • يحدد الشكل الببليوغرافي المطلوب (هل يكون UNIMARC؟).
  • يحدد الترميز الحرفي (هل يكون UNICODE؟).
  • تختار الأجهزة والبرامج المطلوبة للقاعدة المعلوماتية ذاتها.
  • التحقق من استخدام بروتوكولات معيارية لتبادل المعلومات.
  • التحقق من استخدام أجهزة معيارية في «محطات العمل» الموصولة بالمركز المضيفة من أجل الاسترجاع والفهرسة.

ببليوغرافيا:

  • تحدد معايير الفهرسة.
  • يعين الحد الأدنى من المعلومات الذي يتحتم اشتمالها عن العمل والمؤلف والمخطوطة والناسخ والمالك (شخصًا كان أم مكتبة) إلخ.
  • تحديد ضمانات تكفل الالتزام بالمعايير المتفق عليها.

لقد اضطر الأعضاء الأربعة المؤسسون «للسجل الأوروبي» EROMM للتعامل مع كل تلك النقاط، وغني عن القول أنه ثمة دروسا تستفاد من تجربتهم.


ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية : أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص    . 232-217

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top