عاشت قاعة المحاضرات بمؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط مساء يوم الخميس 9 أبريل 2015 أمسية ثقافية في تحقيق التراث مع فضيلة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف في محاضرة تحت عنوان: «التحقيق بين ضبط النص والتعليق عليه». وكانت المحاضرة ضمن فعاليات الدورة التدريبية التي نظّمها مركز دراسات المخطوطات الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان، بالتعاون مع مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، بالمغرب، تحت عنوان: "تحقيق مخطوطات الفقه وأصوله والفتاوى والنوازل" على مدى أسبوع كامل، من 6 إلى 11 ابريل 2015م، بمؤسسة دار الحديث. وحاضر في الدورة كوكبة من علماء التحقيق، كما بلغ عدد المشاركين فيها حوالي 80 باحثا.
أدار هذه الجلسة الأستاذ صالح شهسواري، المدير التنفيذي لمؤسسة الفرقان، والذي مهد للمحاضرة بكلمة قصيرة قدم فيها المحاضر وشكره على تلبية الدعوة، مثنيا في شكره على مؤسسة دار الحديث الحسنية، ممثلة في مديرها الأستاذ الدكتور أحمد الخمليشي ونائبه الدكتور عبد الحميد عشاق وسائر أساتذتها وموظفيها وطلبتها على استضافتها للمحاضرة.
أثار الدكتور بشار عواد معروف في مستهل محاضرته مفهوم التحقيق، قائلا: إن علم تحقيق النصوص يهدف إلى إخراج نص كما تركه مؤلفه وارتضاه في آخر حياته، وحينما بدأ الغرب بالعناية بالمخطوطات ظهر فريق يرى أن تحقيق النص الغاية منه إخراج نص صحيح دون الحاجة إلى أي تعليقات، وإنما يكتفى بالضبط. وفريق آخر يرى أنه لا بد من التعليق، بل بالغ بعضهم فقال: يعلق على كل شيء.
ثم بيّن المحاضر فساد كلا الرأيين، وأن الصواب هو سلوك سبيل الوسط، وذلك بأن يرجح المحقق بين النسخ، ويثبت الفروق المهمة، ويبين الموارد التي اعتمدها المؤلف، ويوثق النقول من مصادرها، ثم توقف عند ما يعتبره بعض الباحثين من أن التحقيق لا يسمى تحقيقا إلا عندما تكون عدة نسخ ويتم المقابلة بينها، واعتبر ذلك رأيا خاطئا؛ لأن هناك من الكتب التي حققت على نسخة واحدة من طرف كبار المحققين مثل الشيخ أحمد شاكر وأخيه محمود شاكر، ولم يقل واحد من الباحثين يوما إن تلك الكتب لا تسمى تحقيقا.
كما تطرّق المحاضر إلى الفرق بين التحقيق وبين التعليق، فالتحقيق هو ضبط النص واستعمال الوسائل المؤدية لذلك، وأما التعليق فهو ما يتوصل به المحقق إلى ضبط النص.
ونبه فضيلته إلى أن من الأمور التي ينبغي مراعاتها عند التحقيق:
- توحيد الانتساخ: فيراعي المحقق قواعد الكتابة الحديثة، من تفقير للنص، واستعمال علامات الترقيم وغيرها من أمور تنظيم النص.
- الإشارة إلى موارد المؤلف: في حالة إذا عرف المحقق موارد المؤلف فعليه أن يرجع إلى تلك النقول، ويقابل بينها وبين ما أورده المؤلف منها.
- ضبط المشكل من الأسماء والأنساب: وذلك بالرجوع إلى الكتب المعتنية بذلك، مثل الإكمال لابن ماكولا، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين، وهما من أهم الكتب في هذا الفن.
تلت المحاضرة نقاشات موسّعة وأسئلة هامّة تناولت موضوعات المحاضرة التي حضرها لفيف من الأساتذة وطلبة الدكتوراه وباحثين وبعض الشخصيّات الثقافيّة.