الذرائع ودورها في الاجتهاد الفقهي

02.05.2016
المحمدية، المملكة المغربية
محاضرات مركز المقاصد
شارك:

نظم مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، بالتعاون مع جمعية فضاء الأطر، ومركز المقاصد للدراسات والبحوث. محاضرة بعنوان "الذرائع ودورها في الاجتهاد الفقهي"، من إلقاء الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا، وذلك مساء يوم الاثنين 2 مايو 2016 بقاعة المحاضرات بفندق أفانتي بالمحمدية.

2538-03.jpg

الأستاذ الدكتور محمد سليم العوّا محاضراً

وترأس الجلسة الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني، الذي نوه بتميز المحاضِر وموضوع المحاضرة، لتنتقل الكلمة بعد ذلك للدكتور العوّا، الذي تناول فيها فضيلته تحديد ماهية "أصل" الذرائع، والمصدر الذي يرجع إليه، وكيفية العمل به في التطبيق الفقهي، وقد ناقش مسألة أوّلية المذهب المالكي للأخذ بالاجتهاد الذرائعي، طارحا سؤالا مهمّا مفاده هل أن هذا الأصل ظل مالكيا، أم أصبح إسلاميا عاما في الفقه كله، مؤكدّا أن أصل فكرة الذرائع موجود في نصوص الوحي؛ فالذرائع مسألة تشريعية أساسا. واستند في كلامه على ما ذكره الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه "أعلام الموقعين"، حيث أصّل الإمام لفكرة الذرائع تأصيلا شافيا، ومثّل لها بتسع وتسعين مثالا من القرآن والسنة والإجماع، حتى تكون سندا لاتخاذ الذرائع منهجا في الاجتهاد.
وتوقف الأستاذ العوّا عند مصطلح الذرائع، فبين الدلالات اللغوية للذريعة، والتي تدور حول معاني الوسيلة والطريق والسبيل؛ لينتقل إلى بيان معناها عند أهل الأصول، وذكر أنه على قسمين: القسم الأول هو سد الذرائع، وعرفه بقوله: "الوسائل المباحة التي يمنع من فعلها إذا أدت إلى ممنوع؛ مكروها كان أو محرما"، ذلك أن الأصوليين يحكمون على الوسائل باعتبار ما تحققه من مقاصد، وضرب الأستاذ المحاضر أمثلة ببعض الذرائع المباحة في أصلها والممنوعة باعتبار ما تؤدي إليه، نحو دخول الخادم والفتيان على الأهل أوقات النوم في قوله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ"﴾[النور:58]، فالدخول من حيث الأصل مباح، لكنه منع في هذه الأوقات لأنه قد يؤدي إلى فساد؛ وهذا الفساد قد يكون مكروها، ومع ذلك منعه القرآن بمنع الوسيلة إليه، كما مثل الأستاذ لسد الذرائع ببعض العقود، فقد يكون العقد جائزا من حيث صورتُه، لكنه قد يمنع إذا أدى إلى ربا.
وأضاف الأستاذ أن بعض الأفعال قد تكون مباحة من حيث الأصل، أو مندوبة، كسبّ الأوثان مثلا، لأنه يضعف ذكرها ويوهن شأنها في نفوس الناس، لكن القرآن منعه لأنه قد يكون ذريعة لسب الله ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام:108]، ومثل لذلك من السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه". قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال: "يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه» إلى غيره من الأمثلة التي ذكرها في السنة النبوية التي تؤكد فكرة اعتبار الذرائع. لذلك اعتبرها ابن القيم ربع التكليف.

وبعد ذلك انتقل الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا للحديث إلى القسم الثاني من الذرائع، وهو "فتح الذرائع"، وبين أنها الوسائل التي تؤدي إلى مطلوب؛ مؤكدا أن الوسائل التي تؤدي إلى واجب يجب اتخاذها، والوسائل التي تؤدي إلى مندوب يندب اتخاذها، والوسائل التي تؤدي إلى مباح يباح اتخاذها.

ومن بين ما مثّل به الأستاذ، الاطلاع على العورات، حيث إن الاطلاع على العورات ممنوع من حيث الأصل، لكن لما كان لعلة التداوي والعلاج من أجل حفظ النفس تغير حكمه.

2538-01.jpg
جانب من الحضور

وأشار الأستاذ إلى أن أكثر الأصوليين استعملوا الذريعة مقرونة بالسد - "سد الذرائع" - لأنه يؤدي إلى الباطل؛ وهذا هو محل الخلاف، بخلاف "فتح الذرائع" الذي لا يؤدي إلى اختلاف كبير، وأكد أن الذرائع كما تسد تفتح، وتعتريها الأحكام الخمسة باعتبار ما تؤدي إلى مصالح أو ما يترتب عنها من مفاسد. وذكر هنا قاعدة، وهي: أن الذريعة التي تؤدي إلى مكروه يندب سدها ويكره فتحها.
وبعد تعريف الذرائع وتأصيلها والتمثيل لها، انتقل الأستاذ ليتحدث عن الذرائع في أصول الفقه، فناقش إدراج الأصوليين للذرائع ضمن الأدلة المختلف فيها، وانتقد الدكتور العوّا اعتبار الذريعة دليلا أو أصلا، ورأى أن الذريعة حكمٌ، دليله المصلحة المحققة لا المتوهمة. لذلك اقترح في آخر محاضرته أن ترد الذرائع إلى مصنفات القواعد والمقاصد، لأن هذا هو المجال الذي تنبني عليه الذريعة.

2538-09.jpg
صورة جماعية

وبعد انتهاء المحاضرة انتقلت الكلمة للحضور ليتفاعلوا مع المحاضر. ودارت جلّ الأسئلة حول ضرورة وضع ضوابط للذرائع؛ وبين الأستاذ في جوابه على أسئلة الحضور أن الضوابط مسألة اجتهادية، وكثير منها يرتبط بقضايا وقتية، تتغير بتغير الزمان والمكان والأعراف. وختم الأستاذ أجوبته بالتوقف عند قضايا المرأة التي نالها شطط بسبب سد الذرائع، وشدّد أن الذرائع يجب أن لا تكون عائقا أمام المرأة لتؤدي دورها الحضاري.

صوت وصورة:

Back to Top