الذكرى الألفية لثابت بن قرّه

02-03.11.2001
لندن، المملكة المتحدة
مركز المخطوطات الندوات
شارك:

عقدت الفرقان ندوة بمناسبة الذكرى الألفية لثابت بن قره الحرّاني (826 – 901 م) والذي يعتبر أحد أعظم العلماء الذين أسسوا مدرسة لعبت دوراً هاماً في تاريخ الحضارة الإسلامية، والحضارة البشرية، بوجه عام.
كان ثابت بن قُرة رافداً غير مسلم للتاريخ الإسلامي اعترف به الخليفة العباسي في حينه. ترجم ثابت بن قرة المراجع/الكتب اليونانية الأساسية في العلوم والرياضيات إلى العربية وأجرى تحسينات على ترجمات من سبقه. كتب أكثر من 35 بحثاً متخصصاً في علم الفلك، والرياضيات، والطب، والفلسفة، وترجم العديد من أبحاثه إلى اللاتينية والعبرية، وأسس مدرسة لعبت دوراً هاماً في تاريخ الحضارة الإسلامية، كما أنجب سلالة من العلماء المتميزين بمن فيهم ابناه وحفيده، وغيرهم.

1175-06.JPG
معالي الشيخ أحمد زكي يماني

جاءت المبادرة الأساسية لتنظيم مثل هذه الندوة من الأستاذ الدكتور رشدي راشد، عضو مجلس الخبراء في المؤسسة. شارك في الندوة مجموعة مميزة من الباحثين المختصين والمفكرين المهتمين. عقدت هذه الندوة في 2 و 3 نوفمبر 2001 في مقر مؤسسة الفرقان في إيجل هاوس، في ويمبيلدون، لندن.

افتتح معالي الشيخ أحمد زكي يماني، رئيس مؤسسة الفرقان، والذي ترأس الجلسة الأولى، بالتعريف بابن قرة ومكانته كعالم مؤكداً على أن رعاية العلم واحترام العلماء سمتان تتميز بهما الحضارة الإسلامية. ثم عرّف رئيس الجلسة بالباحثين المشاركين فيها، وهم الأستاذ الدكتور رشدي راشد الذي تحدث عن "ثابت بن قرة، عالم الرياضيات والفيلسوف"، والأستاذ الدكتور عبد العزيز دوري الذي تحدث عن "بغداد في القرن الثالث الهجري".


وترأست الجلسة الثانية الأستاذة الدكتورة آنيماري شيميل. بدأت الجلسة ببحث حول "الخلافة والعلم في مطلع العهد العباسي." ألقاه الأستاذ الدكتور هيو كينيدي (Hugh Kennedy) الذي قدم مسحاً للحياة العلمية في زمن ثابت بن قرة عندما كان المعهد العلمي وبيت الحكمة ذا سيط وسمعة. كان بيت الحكمة، حيث تدرس العلوم الأولية، يحتوي على مكتبة. وأولى بيت الحكمة في عهد الخليفة المأمون اهتماماً خاصاً بعلم التنجيم، وكان هذا المعهد قاعدة لعلماء مثل الخوارزمي وبنو موسى. وكما يرى الأستاذ الدكتور كينيدي فقد عاش ثابت بن قرة في مجتمع علمي يحترم علوم الأقدمين، وكانوا على معرفة بإنجازات اليونانيين، الأمر الذي ساعد على تشجيع الترجمات. كان تلقيهم لهذه العلوم والمعرفة القديمة، نقدية، على أي حال، إذ كانوا حريصين على اختبار النظريات ونتائجها بتجارب علمية.


وذهب المتحدث التالي، الأستاذ الدكتور ديمتري غوتاس (Dimitri Gutas)، إلى ما هو أبعد من عنوان بحثه "الترجمات من اليونانية إلى العربية"، فهو لم يبحث فقط الأعمال التي ترجمها ثابت بن قرة عن اليونانية إلى العربية، بل بحث أيضاً الأعمال التي كتبت حول مختلف العلوم والفنون بالعربية والسريانية، بما في ذلك الترجمات، والخلاصات الوافية، والملخصات، والعروض. وقد زاد عدد هذه الأعمال عن 150 عملاً.


وفي الجلسة الثالثة التي ترأسها الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، قدم الأستاذ الدكتور كريستيان هوزيل (Houzel) بحثاً حول "ثابت بن قرة ونظرية الخطوط المتوازية". أظهر هذا البحث أن ثابت بن قرة كان على دراية بإنجازات العلوم اليونانية ذات الصلة بنظرية الخطوط المتوازية. وأبرز الأستاذ الدكتور هوزيل إسهام ابن قرة لتدعيم النظرية، وبيّن كذلك تأثيره على علماء الرياضيات، فيما بعد، مثل عمر الخيام، وابن الهيثم، وغيرهما.


قدم الأستاذ الدكتور فيليب أبغرال (Abgrall) البحث التالي حول "ثابت بن قرّة يبحث في المقاطع المخروطية" حيث عَرّف بما كتبه ثابت بن قرة حول المقاطع المخروطية، وشرح كيف أن ابن قرة طور عمل معلمه الحسن بن موسى في هذا المجال. وبين الأستاذ الدكتور أبغرال كيف أدت هذه الأعمال إلى إحياء علم الهندسة، وخصوصاً دراسة التحويلات الهندسية.

1175-01.JPG
البرفسور أكمل الدين إحسان أوغلو والبرفسور السيد سليم الحسني

أما المتحدث الثالث في هذه الجلسة الأستاذ الدكتور سليم الحَسَني، فقد عرض في محاضرته المعنونة "بعث الحياة في آلات الجزري وتقي الدين عبر التحليل الهندسي والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد"؛ عرض خلالها ثلاث أجزاء من البحوث حول علم الروافع وابتكارات الجزري وتقي الدين (آلات رفع الماء والساعات المائية) مستكشفاً بدايات هذه الاختراعات وتطورها والمبادئ التي استخدمت فيها.

بدأ اليوم الثاني من الندوة بالجلسة الرابعة التي ترأسها الأستاذ الدكتور يوسف إيبش الذي عَرّف الحضور بالأستاذ الدكتور سيناسي غندوز (Gunduz) ومحاضرته حول "المجتمع والثقافة في حَرّان في زمن ثابت بن قرة". تحدث الأستاذ الدكتور غندوز عن حرّان في زمن ثابت بن قرة عندما كان مركزاً ثقافياً يؤوي الجالية اليونانية التي يعود تاريخها إلى عهد الاسكندر الكبير، والتي جلبت معها التراث الإغريقي وحفظته. درس الفلسفة في مدارس حرّان نجوم أعلام مثل الفارابي. في هذه البيئة نشأ ابن قره وتعلم.

أما البحث الثاني في هذه الجلسة فكان حول "ترجمات ثابت بن قرة في العبرية". للأستاذ الدكتور طوني ليفي (Levy)، الذي بين أثر ثابت بن قرة والترجمات العبرية لأعماله على الجاليات اليهودية في أوربا في العصور الوسطى.

ترأس الجلسة الخامسة الأستاذ رشدي راشد، حيث عرّف الحضور بالأستاذ الدكتور ريجيس موريلون (Regis Morelon) وبحثه حول "علم الفلك". الأستاذ الدكتور ريجيس موريلون مختص في ثابت بن قرة وحقق أعماله الكاملة في علم الفلك. ومن خلال دراسته لأحدى مؤلفات ابن قرة حول رصد الأقمار الجديدة، بيّن الأستاذ الدكتور موريلون تأثير أعمال ابن قرة على علم الفلك وتأثير تغيير المسارات الذي أحدثته أعماله على ذلك العلم بإيجاد روابط جديدة وقوية بين علم الفلك الرياضي وعلم الفلك الرصدي. تعرض الأستاذ الدكتور بدوي المبسوط في بحثه المعنون "كتاب ثابت بن قرة في علم السكون (القراستون Al-Qarastoun)" إلى كتاب ابن قرة "القراستون" حول علم الهندسة والذي ترجم إلى اللاتينية. في حين أن العديد من العلماء شرحوا الترجمة اللاتينية وعلقوا عليها، وأن ترجمة ألمانية قد نشرت، فإن النص العربي الأصلي مازال قيد التحقيق. بنى الأستاذ الدكتور المبسوط عرضه على المخطوطتين الوحيدتين الموجودتين، إحداهما في بيروت والثانية في لندن.

ترأس الجسلة السادسة الأستاذ الدكتور عبد العزيز دوري الذي عرّف بالأستاذ الدكتور إيبرهارد نوبلوش (Eberhard Knoblauch) وبحثه حول "علم المثلثات لثابت بن قرة باللغة اللاتينية"، والذي عالج ترجمة أعمال ثابت بن قرة إلى اللاتينية. عزا الأستاذ الدكتور نوبلوش شهرة ابن قرة إلى كتابه "رسالة في شكل المقاطع" التي أولاها علماء الرياضيات الأوربيون اهتماماً بالغاً. ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية، وطبعت بعض فصوله في القرن السادس عشر الميلادي.

1175-10.JPG
البرفسور بورمان خلال حصة الأسئلة

أشار الأستاذ الدكتور تشارلز بورنيت (Burnett) في محاضرته حول "روائع ثابت بن قرة وأعماله في علم التنجيم" إلى أن أعمال ثابت بن قرة كانت معروفة في أوربا منذ عهد الأندلس العربية وما بعدها، في حين أن بعض أعماله قد ترجمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر. وقدم تحليلاً لبعض هذه الترجمات موضحاً الفرق فيما بينها.

رأس آخر جلسة من جلسات هذه الندوة الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو. عرض الأستاذ الدكتور رشدي راشد في هذه الجلسة موجزاً للجلسات المختلفة. ورحب بثراء الإسهامات القيّمة للمشاركين التي ميزّت الندوة، وأثنى على النقاشات والحوارات التي كانت تجري بعد كل بحث يقدم.


اختتمت الندوة بكلمة من الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، نائب رئيس الفرقان شكر فيها الذين أسهموا فيها، وكل من حضرها وأبرز أهمية الندوة وإنجازاتها.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Back to Top