علم الفلك في خدمة الإسلام

07.03.2018
لندن، المملكة المتحدة
محاضرات أنشطة أخرى
شارك:
2668-10.jpg

ضمن سلسلة المحاضرات الموسمية لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، قام مركز دراسات المخطوطات الإسلامية التابع لها بتنظيم محاضرة عامة بعنوان "علم الفلك في خدمة الإسلام". وقد ألقاها الدكتور ديفيد أ. كنج، أستاذ فخري في تاريخ العلوم بجامعة ي.ف. جوتة بفرانكفورت، وذلك يوم الأربعاء 7 مارس 2018م بقاعة المحاضرات في مقر مؤسسة الفرقان الرئيسي بلندن.

2668-02.jpg
الأستاذ صالح شهسواري مرحباً بالسادة الضيوف، وقام بتقديم المحاضرة والتعريف بالأستاذ المحاضر

افتتح الأستاذ صالح شهسواري، المدير التنفيذي لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الأمسية حيث رحّب بالسادة الضيوف، وقام بتقديم المحاضرة والتعريف بالأستاذ المحاضر. وقد أشار الى اهتمام المؤسسة على مدى عقود بمجال دراسة المخطوطات بصفة عامة، وبالأخص مخطوطات العلوم. وقد نوه إلى أن المحاضرة تهدف إلى تأطير إسهامات العلماء المسلمين في حقل علم الفلك. في تعريف المحاضر، قال الأستاذ صالح شهسواري بأن الدكتور كنج مستشرق بريطاني كرّس حياته لدراسة علم الفلك "الشعبي" و"الحسابي"، مع تركيز جل اهتمامه وجهده البحثي في مجال المخطوطات والآلات العربية/الإسلامية الخاصة بعلم الفلك في القرون الوسطى. وقد أورد قائمة بإنتاج الدكتور كنج من كتابات ومنشورات، ومن ضمنها ما ساهمت مؤسسة الفرقان في إصداره.

2668-01.jpg
السيدة سارة يماني، عضو هيئة يماني الثقافية الخيرية


من ثم، قامت السيدة سارة يماني، عضو هيئة يماني الثقافية الخيرية، وهى هيئة تشرف على عمل مؤسسة الفرقان، بالتحدث نيابة عن الهيئة، ورئيسها المؤسس، معالي الشيخ أحمد زكي يماني، وقد رحبت بالسادة الضيوف والمحاضر الكريم، مشيرة الى أن هذه المحاضرة هي واحدة من أكثر من ستين محاضرة نظمتها مؤسسة الفرقان؛ وجميعها "يهدف الى تعزيز الصلات بين المهتمين بالتراث الإسلامي وزيادة الوعي بثراء هذا التراث". وقد نوهت إلى أن محاضرة الأستاذ الدكتور كنج ستتناول "لبنة محورية في التراث الإسلامي، وبحوثه، هى مجال علم الفلك". فهذه الأهمية لعلم الفلك في العالم الإسلامي، وخاصة عند المسلمين، تعود إلى أوجه تتعلق بالشعائر الدينية؛ مثل تحديد اتجاه القبلة، والتقويم الهجري، ومواقيت الصلاة. وقد أعربت عن سرورها لاستضافة المؤسسة للدكتور كنج، واصفة إياه بـ"الخبير العالمي المرموق في هذا المجال، وصديق قديم لمؤسسة الفرقان".
وقد إبتدأ الأستاذ الدكتور كنج محاضرته بالفصل بين ما يعرف بعلم الفلك "الشعبي"، مما درج في اصطلاح فقهاء المسلمين، أي "ما يرى من السماوات بالعين المجرّدة"، أو ما يعرف اليوم بـ"علم الفلك التقليدي". وقد أطلق الفقهاء مصطلح "الهيئة السنية" لعلم الفلك المبني على القرآن والسنة النبوية. وقد بيّن الدكتور كنج أن رؤية الفقهاء في منتهاها باتت مختلفة عن ما تقدم به أرباب علم الفلك، على حد قوله.
وقد أشار الى أن الكثير مما كتب عن علم الفلك كان ناشئاً في مدينة السلام (بغداد)، والتي كانت في القرنين التاسع والعاشر أكثر مدن الأرض تحضّراً. وقد حملت مكتبات بغداد كافة أطياف وأصناف العلم. وقد استعرض الدكتور كنج بعض الصور من مكونات المكتبة. ثم لفت الإنتباه إلى عمل ابن النديم في الفهرست، متضمناً اهتمام الأخير بآلة ذات الصفائح (الأسطرلاب)، التي وجد منها في بغداد من ذلك الزمان 30 آلة على أقل تقدير. وقد بيّن الدكتور كنج بأنه سوف يركّز فقط على تلك الآلات التي كانت موجودة، وتتعلق بثلاثة جوانب من علم الفلك، هي: تنظيم التقويم الهجري القمري وتعيين المناسبات الدينية، الإتجاه المقدس وتوجيه قبلة المساجد، وتنظيم الصلوات الخمس اليومية، والتي كان يتم تحديدها فلكياً. وهذا الفصل القصير نوعاً ما، له أهمية قصوى في علم الفلك، والذي عنّون له الدكتور كنج بـ"علم الفلك في خدمة الإسلام".

2668-12.jpg
علّق الدكتور كنج على المخططات الحسابية المتنوعة الموجودة في الكتيبات من خلال إجراءات ملاحظة الظل البسيطة

وقد بدأ الدكتور كنج بموضوع تنظيم التقويم الهجري القمري، حيث قام بعرض رسم تصويري مصغّر، يظهر فيه الفلكي تقي الدين وهو يرصد مذنّب في أول ليلة من الهلال الجديد لرمضان، 1557م. وبشكل عام، فقد اعتمد الفقهاء على شهادة الشهود في رؤية الهلال، وهي مَقدرة كانت في حال أفضل في الأزمنة ما قبل العصر الحديث، غير أن الفلكيين كانوا يعدون أمر تحديد رؤية الأشهر القمرية الجديدة مسألة معقّدة. ولذلك فقد تم استعراض سلسلة من الحسابات والجداول تبرهن على سعة وذكاء علماء المسلمين الذين درسوا هذه المسائل، بدءًا بالخوارزمي الذي كانت له مساهمات فائقة في حقل علم الفلك، متجاوزاً تلك المعروفة عنه في مجال الجبر. وقد بيّن المحاضر للحضور، بأن أصل الخوارزمي، الذي كثيراً ما يظن أنه من آسيا الوسطى، هو في الحقيقة من قطربلي، مكان خارج بغداد.

وقد أكد الدكتور كنج أن ما حققه الفلكيون المسلمون لا يقل عن المدهش، متعجباً من عجز العلماء رفع اللثام عن كيفية اكتشاف بعض عناصر علم الفلك. ومن ثم عاد الى "مشكلة القبلة"، حيث بيّن أن الفلكيين قد تمكنوا من حلّها، لعلمهم بأن أضلاع الأساس المستطيل للكعبة "تحاذي بعض الإتجاهات الفلكية المهمة". وقد استعرض الدكتور كنج صورتان من أصل عشرين مخطط من الجغرافيا الدينية الإسلامية. بعد ذلك انتقل إلى الرد على السؤال المطروح عادة: لماذا لا تنسجم قبلة المساجد - مثال تلك الموجودة في قرطبة، والقاهرة، وسمرقند - مع ما هو معروف اليوم من إتجاه القبلة. وقد أكد الدكتور كنج أنها جميعها تتجه نحو القبلة، وقد استدل بنصوص شرعية على ذلك. وبالإضافة، فقد ذكر مثالاً فريداً لمسجد تم هدمه واستبداله بآخر جديد على قبلة صحيحة في واسط في بلاد العراق.

2668-06.jpg
أكد الدكتور كنج أن ما حققه الفلكيون المسلمون لا يقل عن المدهش


في المحور الثالث، المتعلق بمواقيت الصلوات الخمس، علّق الدكتور كنج على المخططات الحسابية المتنوعة الموجودة في الكتيبات من خلال إجراءات ملاحظة الظل البسيطة. وقد عقد مقارنة مختصرة بين المسلكين، ثم استعرض سلسلة من جداول الصلوات من حقب مختلفة وأمصار العالم الإسلامي.
في الجزء الثاني من محاضرته قام الدكتور كنج بتسليط الضوء على نماذج قليلة تبرهن على مدى التأثير لهذه النتائج على عجلة التقدم في هذا المجال فيما بعد، وخاصة في عصر النهضة.
وقد اختتمت المحاضرة ببيان أهمية إحياء الإهتمام بتلك المسائل المتعلقة بإسهامات المسلمين في علم الفلك، و إضفاء التقدير لإنجازات المسلمين في هذا المجال، الأمر الذي يتطلب جهود كبيرة لاستكمال هذا العمل.
وكان ختام المحاضرة بفقرة قصيرة من الأسئلة والأجوبة.

صوت وصورة:

Back to Top