الجلسة الافتتاحية
في رحاب فندق فرح بمدينة الرباط نظم مركز دراسات المخطوطات الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي يوم الإثنين 12 ربيع الآخر 1444ه/ الموافق 07 نوفمبر 2022م مؤتمرا علميا تحت عنوان " القرآن الكريم من التنزيل إلى التدوين" في نسخته الثالثة، تتميما للمؤتمرات السابقة في نفس الموضوع، نظرا لأهمية وحاجة الموضوع لمزيد من البحث والتعمق، لا سيما أنه يتعلق بالأصل الأول لدى الأمة الإسلامية، وهو القرآن الكريم.
افتتح اللقاء بقراءة آيات بينات من القرآن المجيد، تلاها الدكتور المقرئ مولاي الحسن البرهومي. ثم تقدم السيد شرف زكي أحمد يماني رئيس مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بكلمة افتتاحية ترحيبية، موجها فيها الشكر والتقدير للعلماء الخبراء بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، من أمثال العلامة محمد سليم العوا، والعلامة بشار عواد معروف، ونوه كذلك بجهود إدارة مؤسسة الفرقان في شخص مديرها التنفيذي الأستاذ صالح شهسواري، ومسؤول المشاريع الأستاذ محمد ادريوش على ما يقدمانه من جهود لإنجاح الدورات والمؤتمرات ولتفانيهما في خدمة المشاريع التي تسعى المؤسسة لإقامتها. ووقف كذلك على أهمية الموضوع المتعلق بتدوين القرآن الكريم، من حيث كونه دفاعا عن الأصل الأول من الشبهات التي تحاك ضده.
وجاء من بعده الدكتور أحمد شوقي بنبين بكلمة نافعة شكر فيها رئيس المؤسسة السيد شرف زكي أحمد يماني، ركز فيها على أهمية الموضوع في الرد على المستشرقين، ودحض شبهاتهم فيما يتعلق بتدوين القرآن الكريم. ولم يفت فضيلته أن يقف على عناية المغاربة بالقرآن الكريم، حيث نسخ بعض الأمراء المصحف الشريف بخط أيديهم، كابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية، وأبي الحسن المريني، وأبي عنان المريني، ومحمد بن المرتضى.
وختم كلمته ببعض المقترحات منها:
البحث في أمكنة ومظان المصاحف بالخزائن العامة والخاصة، سواء العادية منها أو غيرها.
دراسة نقدية لأعمال المستشرقين والشيعة حول القرآن الكريم.
دراسة جيوغرافية وغيرها للمخطوطات حول القرآن الكريم بالخزائن العالمية.
الجلسة الأولى
انطلقت هذه الجلسة برئاسة الدكتور بشار عواد معروف، وقد تناول فيها الدكتور حسن عبد الجليل العبادلة بحثه الموسوم بـ(أنصع البراهين في تاريخ نقل آيات القرآن الكريم) تحدث في مقدمته عن تَنَزُّلات وتثبيت نص القرآن الكريم. وقد قسم بحثه إلى فصلين كبيرين. أما الفصل الأول فخصه بتنزلات القرآن الكريم. وأما الفصل الثاني فقد بحث فيه قضية كتابة القرآن الكريم، حيث ألمع إلى حفظ الله تعالى للقرآن الكريم. وختم الباحث موضوعه بذكر نتائج البحث، وأوصى العلماء بأن تتضافر جهودهم، في تأليف مرجع يستقصي كل الأقوال والآثار التي تتحدث عن تاريخ القرآن الكريم.
وتلاه الدكتور سعيد حنشي نائبا عن الدكتور عبد الرحمن اسبينداري في قراءة وتلخيص بحثه الموسوم بـ(نقل الرقاع التي كتب عليها القرآن المكي من مكة إلى المدينة دراسة تحليلية نقدية)، وقد بني البحث على مقدمة، ومباحث: فأما المقدمة فركزت على أهمية البحث لكونه متعلقا بحفظ القرآن الكريم، ولكونه أيضا لم يكتب فيه بعمق واستفاضة. وقد خص البحث الأول بـ"صعوبة نقل المكتوب لتخلف الأدوات وللظروف القاهرة)، وقد أكد في بدايته أن مسألة كتابة القرآن في العهد المكي قد اكتنفها الغموض، فلم تتناولها مسائل في كتب علوم القرآن القديمة، كما لم تجد عناية فائقة من المعاصرين إلا قليلا. وقد أكد الأستاذ اسبينداري أن القرآن الكريم قد كتب في العهد المكي.
وأما المبحث الثاني فقد تطرق فيه إلى مسألة (كنا نؤلف القرآن من الرقاع)، وهي تعني أنهم كتبوه على مسائل بدائية، مبينا معنى الرقعة في اللغة كما وضحها علماء اللغة والحديث وغيرهم. وقد أورد في ذلك روايات عن البيهقي وغيره.. والمبحث الثالث خصه بـ(نقل الرقاع المكتوب عليها وحاملوها)، وفيه أكد بناء على الأخبار الواردة في ذلك أن عددا من الصحابة نقلوا الرقاع من مكة إلى المدينة. ومما يفيد في ذلك أيضا كتب تراجم الصحابة رضي الله عنهم. وفي المبحث الرابع حول (حامل القرآن المكي رافع بن مالك) يقرر أن رافع بن مالك قد نقل القرآن المكي الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم خلال العشر سنوات الأولى. وفي المبحث الخامس تناول (حمل السور من مكة إلى المدينة) حيث ذكر أن عددا من السور حملت من مكة إلى المدينة، وإن كان العلماء قد اختلفوا في من حمل، وذكر أسماءهم. وختم بحثه بأن قول بعضهم القرآن المكي المكتوب لم ينقل بسبب الظروف التي كانت فغير صحيح، وفي ذلك رد على المستشرقين وأتباعهم.
وعقب البحثين فتح باب المناقشة
الجلسة الثانية
ثم جاءت الجلسة الثانية مساء برئاسة الدكتور محمد سليم العوا، وقد تناول فيها الدكتور أحمد خالد شكري بحثه حول (ترتيب نزول السور والآيات بين الرواية والاجتهاد) أثار في مقدمته عدة أسئلة هي: هل المعتمد في ترتيب نزول القرآن السور أو الآيات؟ وما الموقف من روايات ترتيب النزول؟ ومِن جهود المستشرقين فيه؟
وقد جعل بحثه في ثلاثة مباحث. فتناول في الأول منه ترتيب نزول الآيات لا السور، وقد وقف فيه على أن السور القرآنية لم تنزل كلها دفعة واحدة، وأما المبحث الثاني فقد انصب على التأمل في روايات ترتيب النزول. وقد وقف الباحث على تعددت روايات ترتيب النزول وهي مروية عن صحابة وتابعين ومن بعدهم.
وأما المبحث الثالث فقد خصه بمناقشة ترتيب النزول عند المستشرقين. وقد بين الباحث فيه أن جهد المستشرقين مبني في غالبه على اجتهادهم وتحليلهم أكثر من اعتمادهم على الروايات. وخلص الباحث إلى نتائج منها: أن في ترتيب النزول وفق السور سواءٌ في الروايات أو في الاجتهادات إشكالات تجعله أمراً صعباً أو مستحيلاً. ولا حيادية وتتضمن كثيراً من الطعن والإساءة، ويحتاج المتعامل معها إلى يقظة تامة وحرص شديد.
ثم أعقبه بحث الدكتور عبد الله الخطيب حول (ترتيب سور المصحف الشريف بين العلماء المسلمين والمستشرقين: عرض ونقد) تناول الدكتور الخطيب بحثه في مقدمة وثلاثة مباحث. فأكد في المقدمة على أن هذه القضية المبحوثة من القضايا المهمة التي ناقشها المستشرقون زاعمين أن القرآن غير رباني المصدر، مشيرا إلى أن في ذلك نظريات استشراقية عديدة. وقد اعتمد في ذلك على المنهج الاستقرائي، والمنهج التحليلي.
أما المبحث الأول فقد خصه بترتيب سور القرآن الكريم عند العلماء المسلمين. وأما المبحث الثاني فقد عرض فيه لتاريخ التحليل الغربي النقدي للقرآن الكريم من خلال ترتيب السور حسب تاريخ النزول. وأما المبحث الثالث فقد عرض فيه دراسة نقدية لترتيب المستشرقين لسور القرآن الكريم، مفندا مزاعمهم.
وقد ختم بحثه بجملة من النتائج أهمها أن الرواية الإسلامية عن جمع المصحف العثماني وترتيبه، يمكن الاعتماد عليها من الناحية العلمية، لأن الرواة المسلمين أخضعوا جمع القرآن وترتيبه لأعلى درجات النقد. وأن رواية ابن مسعود اختلف العلماء في تفسيرها.
ثم تلاه الدكتور عدنان الحارثي الشريف ببحث موسوم بـ (أشكال فواصل الآيات والسور بالمصاحف المبكرة: دراسة فنية) فقد بين الباحث في مقدمة بحثه أهمية الموضوع، من حيث كونه متعلقا بالرسم القرآني. ثم أفاض في تعريف معنى الفاصلة، كما قام بالتعرف على الأشكال الأولى التي بدأت بها تلك الفواصل قبل أن يصيبها تطور كبير في الفترات التاريخية المتعاقبة، وتتبع في دراسته تلك الظاهرة في بدايتها من خلال ما ورد عنها في المصادر التاريخية المختلفة.
وختم بحثه بنتائج منها: أن الدراسة أوضحت أن المصاحف مرت بمراحل من التطور عبر العصور التاريخية حتى تم إدخال إضافات شكلية على المصاحف الأولى، لاسيما الفواصل بين الآيات والسور.
وبعد هذه البحوث فتح باب المناقشة
الجلسة الثالثة
وقد كانت هذه الجلسة برئاسة الدكتور عبد الله الخطيب، وقد استهلت ببحث الدكتور أحمد وسام شاكر تحت عنوان ـ("أخطأ الكاتب" مرويات تخطئة ابن عباس لكتاب مصحف عثمان في ضوء المخطوطات القرآنية القديمة) تناول هذا البحث –بالدراسة والتحليل– جُملةً من المرويات التي حَفِظَتها لنا كتب التراث الإسلامي منسوبةً للصحابي عبد الله بن عباس (تــ 68هـ) في تخطئة كُتـَّاب مصحف عثمان بن عفان في رسمهم لعدد من الكلمات القرآنية.
وقد اعتنى البحث أيضا بإبراز هذه المرويات من مصادرها التراثيّة الأصليّة كسنن سعيد بن منصور (ت227هـ)، وتفسير ابن جرير الطبري (ت310هـ). وخلص الباحث إلى أهم النتائج منها: أنه ثبتَ من خلال هذه الدراسة أن ابن عباس كان يقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفاً أخذها من قراءة أبيّ.
وقامت بعده الدكتورة رغداء محمد أديب زيدان بعرض بحثها حول (طروحات أنجيليكا نويفرت الاستشراقية والترتيل القرآني)، وقد بنته على مقدمة وأربعة نقط أو مسائل، فأما المقدمة فقد أشارت فيها الباحثة إلى أن المستشرقين درسوا القرآن الكريم على أنه كتاب محمد صلى الله عليه وسلم الذي ألفه، بزعمهم، وقدمه على أنه كلام الله. وأكدت الباحثة أنها ستناقش أطروحة لأهم الباحثين الغربيين المعاصرين في الدراسات القرآنية، وهي أنجيليكا نويفرت التي قدمت دراسات حول القرآن وشعائريته وأسلوب ترتيبه، متبعة في ذلك المنهج التاريخي التحليلي، مع الرجوع لمجموعة جيدة من كتابات نويفرت المترجمة وغير المترجمة.
وترى الباحثة أن دراسات أنجيليكا لا تكاد تخرج عن إطار عمل مشروع التجميع القرآني في الموسوعة، فهي ترى أن القرآن نص أدبي استخدم الكتاب المقدس، وأعاد صياغة بعض مساحاته لصياغة هوية الأمة الدينية الجديدة. كما تطرقت الأستاذة رغداء إلى مسألة ترتيل القرآن وعلاقته بترتيب القرآن.
ووقفت الباحثة على الحاجة لبناء نهج بحثي جديد للدراسات القرآنية. وقد أنحت باللائمة على بعض الجامعات وبعض الباحثين والدارسين الذين أرادوا التطوير والتحديث، فاتجهوا إلى مناهج الغرب المستخدمة في علومهم الاجتماعية والإنسانية والتاريخية. وختمت بحثها بأن آراء أنجليكيا نويفرت أن طروحاتها لا تخرج عن نطاق الطروحات الاستشراقية التي تنظر للقرآن على أنه كتاب بشري المصدر، وليس وحيًا من الله.
وبعد ذلك فتح باب المناقشة
الجلسة الختامية والتوصيات
وقد ترأس هذه الجلسة الختامية الدكتور محمد ادريوش حيث شكر المشاركين والحاضرين، ونوه بمجهوداتهم في إنجاح المؤتمر، كما وقف على أهمية الموضوع مستشرفا من خلاله المستقبل العلمي. وتلاه الدكتور محمد عوام حيث قرأ التوصيات التي تفضل بها بعض العلماء والحاضرين. وختم المؤتمر بقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم.