الإسلام والبيئة: نظرة مقاصدية

26.09.2018
لندن، المملكة المتحدة
محاضرات مركز المقاصد
شارك:

نظّم مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية - ضمن سلسلة محاضرات مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي - نقاشا علميّا تحت عنوان "الإسلام والبيئة: نظرة مقاصدية"، وذلك يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2018م، في قاعة المحاضرات بمقر المؤسسة في لندن، بمشاركة كل من السيد أحمد بول كيلر - الأستاذ الزائر بمركز الدراسات الإسلامية بجامعة كامبردج، والدكتور جمال بدوي - الأستاذ الفخري بجامعة سانت ماريز في هاليفاكس، كندا.

وقد افتتح الأمسية السيد شرف يماني، عضو مجلس إدارة مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، حيث رحّب بالسادة الضيوف وشكرهم، ثم عرّف بالموضوع المطروح للنقاش والمحاضرين. وقد لفت السيد شرف يماني الإنتباه إلى اهتمام مؤسسة الفرقان - على مر العقود - بدراسة مقاصد الشريعة والتعريف بها، منوّهاً إلى أنها تشكل المدخل للفهم الصحيح للقرآن الكريم، بالإضافة إلى كونها تؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية الحقوق. كما أكد بأن المحاضريْن سيناقشان الأزمة الوجودية التي تمر بها الإنسانية من حيث التهديد القائم والمخاطر التي تهدد البيئة، ودراسة ذلك من منظور مقاصدي.

فالدمار الذي لحق بالبيئة وعالم الطبيعة - والذي هو محور النظر - يحدث لأن البشرية قد "حادت عن حالة التوازن الطبيعي في الإندفاع المحموم نحو الإسراف في كل شئ وتتبع الجواذب السطحية"، حيث أدت إلى تداعيات سيئة، منها الظلم الإقتصادي، فـ"الثروة المادية للعالم تركزت بين يديّ قلة من البشر". وهذا - على حد قول السيد شرف يماني - قد جسّده التعبير القرآني: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (سورة الروم 41). وباعتبار حالة الخطر هذه، فقد دعا المحاضريْنن إلى تسليط المزيد من الضوء على الموضوع باستكشاف مسبباته ورسم سبيل النجاة.

السيد أحمد كيلر أثناء محاضرته

من ثم، قدّم السيد أحمد كيلر محاضرة مصوّرة، ممهّداً للموضوع، حيث ركّز على عرض صور ومقولات مختارة منثورة في سياق المحاضرة لعلماء وخبراء في المجال، ليؤكد حاضر الأزمة البيئية. وقد ذكر بأن مدينة كامبردج - التي سكنها لأكثر من عقدين - شهدت تأسيس "مركز دراسة المخاطر الوجودية" على يد السير مارتن ريس، حيث يقوم هذا المركز بدراسة ودرء المخاطر التي قد تؤدي إلى زوال البشرية أو الإنهيار الحضاري، بالتركيز على المخاطر البيولوجية والبيئية، ومعها المخاطر الناجمة عن الذكاء اللإصطناعي والتقنية المفرطة.

وبحسب السيد كيلر، فإن العقل العلمي في عصر الحداثة هو المسئول عن تمخض هذا الوضع، وأن نتائج هذه التوجهات ليست كما يظن الكثيرون بأنها مجرد حقيقة حياتية أخرى، أو إفراز جانبي مؤسف لجهود تحفّها النوايا الحسنة وأفعال سوية، غرضها إحراز التقدم والإزدهار؛ ولكن الحقيقة هي أن المنهج العلمي التجريبي المبني على الهوس بالماديات، الذي وُلد في القرن السابع عشر الميلادي، لا يستطيع فهم الوجود بشكل "شمولي". فالنمو المادي المضطرد واللامحدود، كما يبتغيه أرباب ودهاقين هذه الذهنية، لا يمكن استدامته، على حد قوله. وقد أشار إلى أن المخرج هو العودة إلى الأمر القرآني بحفظ وإقامة "الميزان"، كما ورد في سورة الرحمن (الآيات 7-9)، فهو الوضع الذى يزيل الإحتقان، وبه يحل السلام، الذي بإمكان الإسلام أن يعيده مرة أخرى؛ ذلك لأنه قد أثبت هذه القدرة في السابق، لأن "المعرفة في كنف الإسلام توّجت الجمال والتوحيد في المعمار ضمن أربعة طرق لاكتساب العلم، متمثلة في: الوحي، والمعرفة الروحية، والنظر العقلي، والتجربة الحسية". وهي كلها، كما يؤكد السيد كيلر، قد التأمت وتكاملت في شهود الحق؛ ومن ثم، تشكل تركيب، صفته الكمال، وقد أدمجت فيه ملكة العقل، فأضحت في حالة سلام. كما أشار السيد كيلر إلى أن توماس أكويناس حاول تحقيق هذا منذ قرون، فلم يفلح. ونتيجة لهذا، فقد وقع تمرد لاحق على الكنيسة من قبل علماء سعوْا إلى إحلال النظر العقلي مكان الله؛ ولكن النظر العقلي إنما يمثل جانب واحد فقط من الذكاء البشري. وقد ختم السيد كيلر محاضرته محذّراً من هذا التركيز على العالم التجريبي المبني على الحواس، المتجاهل لعالم الروح، والنظر العقلي المنفلت من أى قيد؛ وأن المخرج يكمن في العودة إلى الميزان المبيّن في هدي الله.

د. جمال بدوي يحاضر

بعد الكشف عن بعض أسباب الأزمة، جاء دور الدكتور جمال بدوي ليتناول ما تؤكده المقاصد العامة للشريعة حول البيئة. وقد أبرز الدكتور بدوي العلاقة المتلازمة والإعتماد المتبادل بين الأرض والنظام الكوني؛ وكلاهما يمثل مجالا أساسيا في الأداء الصحيح لدور الخلافة على الأرض. وفي هذا الإطار أكد الدكتور بدوي بأن القرآن الكريم والسنة النبوية هما موارد أخلاقية تزودنا بخارطة لتعريف البيئة، وتوفر العديد من الأوامر والتوجيهات التي تبيّن كيفية سلوك البشر فيها، أفراداً أو جماعات.

وانطلاقاً من تصور الميزان الذي ذكره السيد كيلر، نوه الدكتور بدوي إلى أن هذا الميزان ليس مقياس معياري، كما قد يُظن، بل إن تلك النصوص القرآنية التي تذكر الميزان جاءت في سياق الحديث عن السماوات والأرض. وبالمقابل فإن الفساد – الذي هو سبب فقدان التوازن وحصول الفوضى – يمثل نتيجة مباشرة للفعل البشري. ولذا، فإن البشر يتحملون كامل المسئولية للأزمة، ومن الضروري أن نتحمل أعباءها. فالبشر عليهم مسئولية الإستعمار، أي بناء ورعاية الأرض، كما ورد في سورة هود (الآية 61)، وعدم إفساد الأرض بعد إصلاحها (سورة الأعراف، الآية 56). وعلى ضوء هذا، فإن الشريعة ترمي إلى تحقيق خمسة مقاصد كبرى، هي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وقد أكد الدكتور بدوي بأن الإضرار بالبيئة لا يستقيم مع هذه المقاصد الكبرى.

كما استعرض الدكتور بدوي العديد من النصوص المتعلقة بهذا الأمر، مشيراً إلى أن القرآن الكريم يصف الأرض بالمباركة والمحفوظة، وأن الله خلقها كثيرة النبات، خضراء ومزدهرة. كذلك عرض إلى قبسات من البيان النبوي حول أهمية رعاية الأرض، بما فيها من بشر وحيوان وكافة أشكال الكائنات.

وقد خلص الدكتور بدوي إلى ستة نقاط، هي: تلازم الإيمان وخلافة الأرض؛ وأن التوازن البيئي والتنوع البيولوجي مهمان؛ وأننا نحن البشر نتحمل مسئولية هذه الأزمة؛ والحاجة إلى أن يكون هناك تعامل موسع ومتعدد المستويات لحل هذه الأزمة؛ وأن الإصلاح ليس فقط على النطاق البيئي، بل يتعداه الى المستوى الأخلاقي، والإجتماعي، والإقتصادي، والسياسي، على كافة الأصعدة؛ وأخيراً، فلابد من المزيد من العمل بين أهل الديانات والتعاون المجتمعي في ذلك. وقد ختم بقوله أن البشرية كافة تواجه هذا التهديد الوجودي، وعليها أن تجتمع على وجه طارئ لحل المشكلة؛ وقد ذكّر الدكتور بدوي الحضور بأن هناك الكثير من العمل يحتاج إلى أن ينجز.

مع انتهاء تقديم محاضرتيهما، دُعي المتحدثان إلى المنصة للإستماع إلى التعليقات والإجابة على الأسئلة المتعلقة بالموضوع.

الأستاذ صالح شهسواري والأستاذ محمد ادريوش مع السيد أحمد بول كيلير والدكتور جمال بدوي

المحاضرة على قناة اليوتيوب

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Back to Top