مسلمو العصور الوسطى والكتابة الهيروغليفية المصرية

11.05.2016
لندن، المملكة المتحدة
محاضرات أنشطة أخرى
شارك:

ضمن سلسلة محاضرات مؤسسة الفرقان المختصة بالتراث الإسلامي، نظمت مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي محاضرة عامة بعنوان «مسلمو العصور الوسطى والكتابة الهيروغليفية المصرية»، من إلقاء خبير التراث المصري الفرعوني، الأستاذ الدكتور عكاشة الدالي، وذلك يوم الأربعاء 11 مايو 2016م، بمقر المؤسسة بـلندن. بعد كلمة ترحيبية من الأستاذ شرف يماني، عضو مجلس إدارة الفرقان، قامت الأستاذة كريمة بن عائشة، مسؤولة قسم المكتبة وقاعدة البيانات الرقمية بمؤسسة الفرقان بتقديم المحاضرة.

2528-005.jpg
جانب من المحاضرة


وتفاعل الجمهور، خلال المحاضرة، مع الأستاذ الدكتور الدالي في النقاش حول مجال غير مطروق ومهمل من تاريخ علم دراسات التراث الفرعوني، يتمثل في الطروحات والدراسات حول مصر القديمة في المصادر العربية التي تعود إلى القرون الوسطى. وقد برهن الأستاذ الدكتور الدالي على أن هذه المصادر العربية توفر لنا إمكانية سد الفجوة بين المصادر اليونانية واللاتينية القديمة والدراسات الأوروبية المتأخرة في الموضوع.

2528-004.jpg
الأستاذة كريمة بن عائشة قامت بتقديم المحاضرة

كما بيّن الأستاذ الدكتور الدالي بأن الاعتقاد السائد هو أن مجال دراسة التراث الفرعوني أصله أوروبي، وذلك بالرغم من وجود مصادرعربية في هذا الموضوع، تعود إلى القرون الوسطى. وكان العلماء الأوروبيون الأوائل على دراية بهذه المصادر، وقد تعلموا العربية حتى يتم لهم الاستفادة منها. والواقع أنه ما كان لهم أن يحققوا هذا الحجم من العطاء لولا هذه المصادر القيّمة؛ ومع ذلك فإنهم نادرا ما كانوا يشيرون إلى هذه المصادر العربية المؤسِسة لأبحاثهم.

2528-001.jpg
كلمة ترحيبية من الأستاذ شرف يماني عضو مجلس إدارة الفرقان

وكان لمسلمي العصور الوسطى دراية مباشرة بمصر الفرعونية، وقد أبدوا إعجابهم بالصروح المعمارية المنتشرة في عموم وادي النيل؛ وقد كان الكثير منها بحالة جيدة، وتحمل الكتابات الهيروغليفية بألوانها الأصلية. وقد تركت لنا هذه الكتابات العربية المستفيضة مادة كافية للقيام بعملية ترجمة لمصر الفرعونية من وجهة النظر العربية.

ونتيجة الدوافع القوية عند علماء المسلمين في القرون الوسطى لدراسة مصر الفرعونية وكتاباتها، فقد تمكنوا في فك كثير من رموز الكتابة الهيروغليفية، حيث فطن هؤلاء إلى أنها لغة لها رموز هجائية؛ وذلك من حوالي ألف سنة قبل أن يخلص شامبوليون إلى ذلك. وقد استعرض الأستاذ الدكتور عكاشة الدالي عدة نماذج من هذه المحاولات خلال محاضرته، من ضمنها كتاب «الإكليل من أنساب اليمن وأخبار حمير»، لمؤلفه أبو محمد الحسن الهمداني (المتوفي 334هـ/945م)، الذي يعتبر أول عمل في مجال علم الخطوط. وقد قام الهمداني بنسخ وترجمة عدة خطوط قديمة، منها الهيروغليفية الفرعونية.

2528-007.jpg
جانب من الحضور

وقد كان فهم المسلمين في القرون الوسطى للعلوم الفرعونية والمعمار والدين غاية في الرقي والعمق؛ فقد قاموا بتوصيف وترجمة شكل ووظيفة الأهرامات والمعابد، وبيان دور السحر، وطبيعة الديانات المتعلقة بتأليه الحاكم أو الحيوان، والأمكنة المقدسة عند الفراعنة.

وبالتالي، فإن تعلم اللغة الفرعونية القديمة وفك رموز الهيروغليفية كان ذا أهمية بالغة لدى العلماء المسلمين لسببين: أولهما فهم كيفية فك الرموز الهيروغليفية الذي وفّر نظام عملي لتشفير الرسائل السرية؛ وثانيهما أدى ذلك إلى اكتساب العلوم والفلسفات المكنونة في هذه الكتابات. فقد أشار الأستاذ الدكتور الدالي -على سبيل المثال - إلى فائدة الطب المصري القديم في عالم اليوم، والفائدة المرجوة من دراسة المصادر العربية في إخراج سبل التداوي المصرية القديمة إلى النور، والتي تم فك رموزها وتبنيها في الحقب اللاحقة، بفضل دراسات علماء المسلمين.وقد كان الكثير من علماء المسلمين في العصور الوسطى يعتقدون أن مصر هي أرض العلم بلا منازع، إذ أعجبوا بزخم الأمثلة العلمية اللامعة التي تعزى إلى علماء مصر ما قبل الفتح الإسلامي. ولذلك، فقد كانوا يكنّون أعظم تقدير للملكة كليوبترا الشهيرة، باعتبارها عالمة وفيلسوفة عظيمة؛ وهو طرح مغاير بشكل لافت عما هو عليه التصوير التاريخي لها من الجانب الغربي.

وقد اهتم علماء مسلمون آخرون بالمحتوى العلمي الفلسفي في الكتابات المصرية العتيقة. فمثلاً، ربط العالم الصوفي، ذو النون المصري، بين مصر القديمة والتصوف، من خلال دراسة الكتابات المصرية من حيث محتواها الفلسفي. ويعود إليه الفضل بالذات في الربط بين اللغة المصرية القديمة واللغة القبطية، حيث تبين وجود قواسم مشتركة كثيرة بينهما. وقد مهّد ذلك لتطور رئيسي في مجال تعبير وترجمة الكتابة الهيروغليفية.

ويعتبر الأستاذ الدكتور عكاشة الدالي هو أول عالم جذب الأنظار على المستوى الدولي إلى الحاجة لمزيد من البحث العلمي في هذا الجانب الغير مطروق في الدراسات الفرعونية، والاستقاء من المصادر العربية التي تعود إلى القرون الوسطى. وقد تعددت واختلفت بواعث المسلمين في القرون الوسطى عن نظرائهم الأوروبيين، وبالتالي توفرت زوايا جديدة ومختلفة في دراسة وتطوير علم الدراسات الفرعونية.الأستاذ الدكتور عكاشة الدالي

- خريج كلية الآثار، جامعة القاهرة.

- حاصل على الدكتوراة في تاريخ علم الآثار الفرعونية في الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى من مركز الآثار، يونفرستي كولدج، لندن.

- مدرّس الآثار الفرعونية في المملكة المتحدة ومصر.

- عمل بمتحف بتري (Petrie) للآثار الفرعونية، في برنامج تواصل إستهدف الجالية العربية، لنشر الاهتمام بالتراث العربي.

- عمل مدير المشروعات بمؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، بالمملكة المتحدة، وهي المنظمة الأم للمعرض الدولي التفاعلي الرائد "1001 اختراع" الذي يستعرض المستوى العلمي المتطور للحضارة الإسلامية.

- قام بتأليف وتحقيق وترجمة عدة أعمال في الآثار والتاريخ وعلم المتاحف، بالعربية والإنجليزية، ومنها عمله الرائد كتاب "علم دراسة التراث الفرعوني: الألفية المفقودة، مصر القديمة في الكتابات العربية من القرون الوسطى" (مطبوعات جامعة يونفرستي كولدج لندن، 2005م). وهذا الكتاب يقوم ببيان عمق وحجم المساهمات العربية والمسلمة من القرون الوسطى في دراسة وحفظ الثقافات القديمة وصروحها، وخاصة مصر القديمة، بغية الإستفادة من علومها؛ كما فعل العلماء اليونانيين والروم وغيرهم.

-لدى الأستاذ الدكتور عكاشة الدالي اهتمام بقضايا التراث الثقافي والمساهمات العلمية ضمن الثقافات المسلمة الأولى، وكذلك تفاعل عامة الناس مع التراث والعلوم، والتي ينبغي أن تكون لها قيمة في حياتنا.

- عمل مديراً للمشروعات في المشروع القطري - السوداني للآثار، التابع لمؤسسة متاحف قطر؛ وهو عضو ومقرر المجلس العلمي للمشروع القطري - السوداني للآثار، والذي قام بتمويل 40 مهمة دولية للآثار عملت بالسودان، وهو مشروع رائد، مخطط أن يستمر حتى 2022م، يميزانية قدرها 135 مليون دولار امريكي.يرأس حالياً المجموعة البحثية المتعددة الاختصاصات في تاريخ العلم في الحضارة الإسلامية، بمركز العلوم الإنسانية والاجتماعية، كلية الفنون والعلوم، جامعة قطر.

صوت وصورة:

Back to Top