تحقيق ونشر سلسلة التُّراث الطِبّي في علم الكَحَالة الواجِب والعقبات (موجز)

شارك:

محمد ظافر الوفائي

An Arabic manuscript, dated 1200CE, titled Anatomy of the Eye, authored by al-Mutadibih
مخطوطة عن تشريح العين من كتاب "المسائل في العين" لحُنَين بن إسحق، وهي محفوظة في المكتبة الوطنية في القاهرة، ومؤرخة منذ عام 1200م تقريباً.

لقد طُلِبَ إليّ أن أعرض عليكم خبرتي المتواضعة في تَحْقيق نُصوص المخطوطات العلميّة، بعد مسيرة مع صديقي الدكتور محمد رَوّاس قَلْعجي، نَشرنا فيها سلسلةَ الطبّ الإسلامي في علم الكَحَالة.

لقد ظهر في العالم الإسلامي بعض المحاولات لدراسة ونشر المخطوطات العلميّة، فبدات الجامعة العثمانيّة في حيدرآبـاد وفي لكناو، وكلاهما في الهند، ومطبعةُ بولاق في مصر الّتي نشرَتْ قانونَ ابن سينا1، ومؤسسة همـدرد في كراتشي، غضافة إلى بعض الجهود الفرديّة.

ولقد بدأتُ مع د. قلعجي منذ إقامتي في بوسطن في نشر تراث الكَحالة، وأنجزنا حتى الآن نَشْر الأعمال التالية:

1. صلاح الدين الكَحّال الحموي، (-696هـ/ 1296م): نور العيون وجامع الفنون، نشره مركز الملك فَيْصل للبحوث والدراسات الإسلاميّة- الرياض 1407هـ/ 1987م.

2. عليذ بن أبي الحَزْم القَرْشي، ابن النَّفِيس (-687هـ/ 1288م: المهذّب في الكُحْل المجرّب، نشرته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثّقافة (الإيسيسكو).

3. خَليفة بن أبي المحاسن الحلَبي (-656هـ/ 1256م): الكافي في الكُحْل، نشرته الإسيسكو- الرباط 1410هـ/ 1990م.

4. محمد بن أسْلم بن قَسّوم الغافِقي الأندلسي (-595هـ/ 1197م): الـمُرْشد في طِبّ العَيْن، نشرته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتَّقْنية- الرياض 1410هـ/ 1990م.

5. ثابِت بن قُرَّة الحـَرَّاني (-288هـ/ 901م): البَصَرُ والبَصيرة)، مكتبة العبيكان- الرياض 1411هـ/ 1991م.

6. عمّار بن علي الـمَوْصلي (-400هـ/ 1010م): الـمُنْتَخَب في علم العين وعلاجاتها، مكتبة العبيكان- الرياض 1411هـ/ 1991م.

7. علي بن إبراهيم بن بـَخْـتَيْـشـوع الكَفْرطابي (-460هـ/ 1070م): تَشْريح العَيْن وأشكالُها ومداواةُ أَعْلاها، مكتبة العبيكان- الرياض 1411هـ/ 1991م.

8. محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري السِّنْجاري، ابن الأكفاني (-747هـم 1348م): كَشْف الرَّين في أحوال العَيْن، نشـره مركز الملك فيصل- الرياض 1413هـ/ 1993م.

9. الحسين بن علي بن سينا (-428هـ/ 1037م): أمراض العَيْن وعلاجاتها، دار النفائس- بيروت 1995م.

10. علي بن عَبّاس الـمَجُوسي الأَهْوازي (- نحو 384هـ/ -974م): أمراض العين وعلاجاتها، فصل من كتابه: كامل الصناعة الطبيّة، وزارة الثقافة- الجمهورية العربية السورية.

11. أحمد بن عثمان القَيءسي (- بعد 647هـ/ -1249م): أَمْراض العَيْـن وعلاجاتُـها، من كتاب أحمد بن محمد الطَّبَريّ (-366هـ/ 976م): المعالجات البقراطية؛ وما كتبه عليّ بن سَهْل بن رَبَن الطَبريّ (-236هـ/ -850م) في كتابه: فردَوْسُ الـحِكْمة.

وأحاول في هذه العُجالة أن ألخّص بعض العقبات التي تعترض سبيل الباحث، وهي:

أ  • البحث عن المخطوطة

ب • الحصول على صورتها

ج • قراءة النصّ

د • مقابلة النصوص المختلفة

هـ • تحديث المعلومات

و • البحث عن الناشر

ز • توزيع الكتاب

أ  • البحث عن المخطوطة:

نفتقر إلى مرجع شامل لمخطوطات الطب في كلّ المكتبات الخاصّة والعالميّة، وقد مضى على تاريخ بروكلمان للأدب العربي وقت طويل ظهر فيه بعده عدد من الفهارس، واكتشفت فيه مخطوطات مهمّة كثيرة، عَدّلَتْ نسبة بعض النصوص إلى أصحابها الحقيقيّين بعد تصنيفها منسوبة خطأ إلى آخرين؛ ثم جاء كتاب فؤاد سزكَين الّذي استدرك الفوات وأصبحت معلوماته أكثر مجاراةً لواقع الموجود في عالم التّراث؛ ويُعتبر جهد مركز الملك فيصل بالرّياض جهدًا رائدًا وذلك بتصنيف وإيداع محتوى الفهارس الكثيرة التي جَمَعَها وما صَوَّرَهُ من مخطوطات في كل أطراف العالم في حاسوب المركز، وهو عمل يسّر مهمّة الباحثين عن النسخ المختلفة للكتاب المخطوط وتحديد مواقعها وأرقامها في المكتبات

ب  • الحصول على الصورة:

عندما تتحدَّد للباحث مراكز وجود المخطوط فإنّ أمره لا يخرج عن حالتين:

إمّا أن يتعامل مع المكتبات ذات التقاليد العلميّة في العناية بالتّراث وتيسير التعامل معه، وأكثر ما يكون هذا مع مكتبات أوروبا خاصة، فإنّه لا يجد صعوبة في تَلقِّي الردّ وفي الحصول على نسخة ميكروفلم ممّا يحتاج إليه.

وإمّا أن يتجه إلى مكتبات منغلقة على نفسها مقصّرة في خدماتها، قد لا تجيب أصلاً، أو تضع للطالب صعوبات مُعَجِّزة، كأن تطالبه بالمبادلة بصورة لمخطوط لا تمتلكه المكتبة. وأكثر ما يكون هذا مع مكتبات البلدان العربيّة، والمكتبات التركيّة خاصّة.

ج  • قراءة النصّ:

يواجه المبتدئين في أعمال التحقيق مشكلُ الخط الّذي كُتب به المخطوط، ولعلّ من أقسى الصعوبات عليهم هي أن يكون المخطوط مكتوبًا بخط مغربي (!) لم يعتد عليه المشارقة، لمغايرته لأسلوب الخط المشرقي في جملة خصائص.

د  • مقابلة النّصوص:

يرمز المحقق لكل نسخة يستعملها برمـز إذا كان بين يديه أَكْثرُ من نسخة، ويبدأ المقابلة، بعد اعتماد الأصل الّذي يتخذه أصلاً ويـُحِيل عليه، ويسجّل في الحواشي كلّ الفروق من كلمات أو حروف أو جُمَل أو فَقرات بأكملها ناقصة كانت أو زائدة.

هـ  • تحديث المعلومات:

يقصد بذلك، تحديث وتفسير المعلومات، وترجمة الإصلاحات الفنية، وتوضيح ما أسيء فهمه وحُرِّفَ عن معناه، فمن أمثلة التحديث أن تربط المصطلح القديم بمرادفه المعاصر المتعارف عليه من أهل الاختصاص، حتّى لا يبقى مفهوم النصّ غامضًا ومنغلقًا، من ذلك:

الغشاء القرني = القرنية
تفرق الاتصال = التمزّق
المــاء = السادّ
الأشياف = المراهم
الأكحال = الذرور
القرنيـة = القزحيّة

ويثير انعدام الإجماع العربي على مصطلح موحد مشكلاً كبيرًا للمحقق، فلا يدري أيّ اختيار يعتمد، وقد أُنهِيَ هذا الأمر بأن التجأنا إلى المعجم الطبيّ الموحد الّذي أصدرته منظمة الصحّة العالميّة WHO ووافق عليه مجلس وزارة الصحّة واتحاد الأطباء العرب، ونعتمد في ترجمة المصطلح إلى الإنكليزية المصطلح العلمي الأكثر شيوعًا، وهذا لا يثير متاعب تذكر عندما يتعلق الأمر بترجمة مصطلح الأسماء التشريحية وأسماء الأمراضن ولكن الصعوبة تبدأ عندما يتصل الأمر بالأدوية المفردة والمركَّبة في أسمائها التاريخيّة، التي استعملت من عشرة قرون، وقد ساعدني على ذلك ما التجأْت إليه من مصادر، مثل كتاب الصَّيْدَنة للبيروني، وكتاب المعتمد في الأدوية المفردة للملك يوسف بن عمر بن رسول الغَسَّاني، وغيرها من المراجع. وقد أتاحت لي القراءة المتأنّيـة ان أفهم تاثير تلك المفردات للدواء (الفارماكولوجي)، وأن أكتب من خلال ما توصّلت غليه من ذلك الحاشيةَ المناسبةَ، ثم أستخرج الترجمة الدّقيقة الإنكليزية إلى جانب المصطلح العربي وأرتبها هجائًا لتكـون مَسْردًا في آخر النصّ غلى جانب المصادر والمراجع التي استعملتُها في البحث.

وفي هذا المجال أباشر تصحيح ما حرّف عن معناه وأسيء فهمه، مثل مصطلح: "التَّشبّح"، أي الرُّؤْيـة، قثد صُحِّفَتْ وقُرِئـتْ: "تشَنّج".

و  • البحث عن الناشر:

بعد جهد المحقق في البحث عن ناشر لعمله، يخضع لشروط النشر وبفقد السلطان على كتابه، ولا يجد مقابلاً لما تـحمّله من التزامات ماديّة فضلاً على جهده العلمي.

ز  • توزيـع الكتـاب:

يرسل الكتاب من البدء هديّة إلى أصحاب الجاه وذوي المسؤوليات الذين لا يجدون متسعًا من الوقت لمعرفة ما وصلهم وتصفّحه، وبذلك يعتَبرُ الكتاب في حالة مواتن على حين ان مؤسّسات المعرفة من جامعات وغيرها تأتي في رتبة تالية، وبذلك لا يدخل النصّ في مسالك الإفادة إلاّ ببطء شديد.

هذا ولم يوجد بعد في التقاليد أن يُـمَــوَّلَ تحقيق كتاب، وتحويله من مشروع مُـتصَوَّر إلى غنجاز فعلي، ولذلك فإنّه ليس أمام المحقق غير حلّيْن: إمّا أن يُعْرض عن مواصلة العَمل، أو أن يَلْجَأَ إلى مـُدّخراته بعد أن أثقلها بالنَّفقات التي هَيـَّـأَ بـها الكتابَ.

ونحن بحاجة إلى تحفيز هِمَم الناشئة من طلبة الدراسات العليا وتشجيعهم على العمل في مجالات التراث المخطوط، بتأمين وسائل الطّباعة بالحاسوب، ويمكن لذوي اليسار لأن يُـمـوّلوا مسالكَ البحث هذه، ويُـحْـيُـوا تقاليدَ الخير في رعاية العلم والعلماء، والأمل دائمًا لا ينقطع.


ملاحظة:

نشر هذا النص في الكتاب التالي:
تحقيق مخطوطات العلوم في التراث الإسلامي: أبحاث المؤتمر الرابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 29- 30 نوفمبر 1997م. _ النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 327-334.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.
Back to Top