عبد المنعم الفقير التمسماني: أستـاذ الحديث والفقه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان.
مقدمة
غير خاف ما لمعرفة مقاصد شريعتنا الغراء والإلمام بها من أهمية قصوى، وما يترتب على حسن استيعابها وتوظيفها من فوائد عظيمة جليلة، إذ بها يدرك الإطار العام للشريعة، وتتكون النظرة الكلية الإجمالية لأحكامها وفروعها. ومن أبرز وأهم مقاصد الشريعة الضرورية والكلية والعامة: «مقصد الرحمة»، فهو مقصد ضروري، لابد منه في قيام مصالح الدارين، وملحوظ للشارع وموجود في جميع أحوال التشريع، ومنتظم للوجود كله. بل إن «الرحمة» هي أساس رسالة الإسلام الخاتمة ومحورها، وروح الشريعة المحمدية السمحة وعمدتها، ولحمتها وسداها، فمن أراد أن يُعَرِّف الإسلام تعريفا خلقيا فليقل: إنه «دين الرحمة»، ومن أراد أن يصف نبي الإسلام محمدا ﷺ بما يعبر أصدق تعبير عن استجماعه لصفات الكمال فليقل: إنه «نبي الرحمة».
من هنا ندرك أهمية الحديث عن هذا المقصد الجليل العظيم (مقصد الرحمة)، وضرورة تأصيله وتفعيله. فموضوع البحث، على هذا الأساس، موضوع جليل القدر، عظيم الشأن، جدير بالدراسات العلمية الأصيلة والرصينة. ومما يؤكد الحاجة الماسة إلى الإلمام بطبيعة وخصائص ومعالم الرحمة في الإسلام، وضرورة تفعيلها على أرض الواقع ما يلي:
أ - أن ما تعاني منه أمتنا وغيرها من الأمم من صراع وعنف وتطرف وعدوان، وما إلى ذلك من مظاهر الشذوذ في الحياة والسلوك، والتي تعكس أزمة قيم كبرى، ضاربة في عمق الحياة العامة، إن هو إلا نتيجة وحصاد طبيعي لغياب أو انحسار قيمة الرحمة في حياة المجتمعات والأمم.
ب - أن المستقري لما يروجه الحاقدون على الإسلام وعلى نبي الإسلام ﷺ، وخاصة في الآونة الأخيرة، من مزاعم وأراجيف، يلحظ أن جلها ينحصر في الادعاء الزائف بأن الإسلام دين تطرف وإرهاب، وبأن نبي الرحمة المبعوث به ﷺ كان رجل عنف وحرب وإرهاب !!
ويمكن إجمال أهداف البحث فيما يلي:
أ- إثبات مقصدية الرحمة.
ب - تأصيل مقصد الرحمة في السنة النبوية.
ج - إيراد نماذج تطبيقية مختارة لمقصد الرحمة من السنة الفعلية الصحيحة.
دـ - تثبيت وتأكيد رحمانية الإسلام، ودحض وتفنيد مزاعم أعدائه المشار إليها.
هـ - الدعوة إلى تفعيل مقصد الرحمة في واقعنا المعاصر، الذي ذاعت فيه القيم السلبية المناقضة لمضامين هذا المقصد العظيم.
و - بيان وتأكيد أن تفعيل الرحمة في واقع الحياة، يعود بالخير العميم على الآحاد والجماعات، حيث يسهم في التأسيس لعلاقات إنسانية كريمة سليمة، قائمة على أسس التعارف والتعايش والتعاون على الخير، مما يؤدي إلى تحقيق الأمن ونشر السلام العالمي.
أما بخصوص الدراسات السابقة ذات الصلة بالموضوع، فلم أقف على دراسة علمية، عُنِيت -أساسا- باستخلاص مقصد الرحمة من السنة المطهرة، وإنما وقفت على بحوث عامة حول موضوع الرحمة، حاول أصحابها استجلاء بعض مظاهر الرحمة في سلوك النبي ﷺ، لكنهم لم يستوعبوها، إضافة إلى اشتمال بعضها على جملة من العيوب المنهجية التي تقلل من قيمتها العلمية، كانعدام توثيق النصوص الشرعية، والمصادر والمراجع، أو وجود بعض صور الخلل في التوثيق، كالاستدلال بالأحاديث الواهية، أو ما إلى ذلك، كما هو ملاحظ في بحث الأستاذ العُدَيْني المعنون بـــــــ «مظاهر العظمة والرحمة في حياة رسول الله ﷺ»، وكذا في بحث
الدكتور موفق الجوادي، والدكتور عبد الستار الحياني، المسمى: «محمد نبي الرحمة :مظاهر الرحمة في سلوك النبي ﷺ».
الأمر الذي يؤكد أن هذا الموضوع المهم ما يزال في حاجة ماسّة إلى جهود علمية بحثية أصيلة ورصينة ومستوعبة، تُتَدَارك فيها جوانب النقص والخلل الموجودة في بعض الدراسات الأخرى المتعلقة به.
ومما يميز هذا البحث المتواضع، الذي أتشرف بالمشاركة به في دورة المقاصد الثانية، ما يلي:
أ - تناوله قيمة الرحمة باعتبارها من أهم مقاصد الشريعة الضرورية، والكلية، والعامة.
ب - اقتصاره على بيان عناية السنة النبوية بمقصد الرحمة، تماشيا مع عنوان الدورة.
جـ - إيلاؤه العناية اللازمة للجانب التطبيقي للموضوع، من خلال إيراد نماذج تطبيقية رائعة لمقصد الرحمة من السنة الفعلية الثابتة.
أما خطة البحث فتتكون من مقدمة، ومدخل، ومبحثين، وخاتمة، مع تذييل البحث بفهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
بينت في المقدمة أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهدافه، والدراسات السابقة ذات الصلة به، والفرق بينها وبين موضوع البحث، كما رسمت فيها خطة البحث، وشرحت المنهج المتبع فيه.
وخصصت المدخل للتعريف بمصطلحي: «المقاصد» و «الرحمة»، ولبيان مقصدية الرحمة.
أما المبحث الأول، فيتعلق بتأصيل مقصد الرحمة في السنة النبوية. وجعلته في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أوردت فيه بعض النصوص الحديثية العامة التي يستخلص منها مقصد الرحمة.
المطلب الثاني: خصصته لأهم التشريعات الاجتماعية التي يستنبط منها مقصد الرحمة.
المطلب الثالث: ضمنته أهم التشريعات المالية التي يستخلص منها مقصد الرحمة.
وأما المبحث الثاني، فخصصته للجانب التطبيقي للموضوع، حيث أوردت فيه نماذج منتقاة من التطبيقات العملية لمقصد الرحمة في السنة الفعلية الثابتة، من خلال مطلبين:
المطلب الأول: أوردت فيه نماذج تطبيقية لمقصد الرحمة في سلوك النبي ﷺ.
المطلب الثاني: عرضت فيه نموذجين من النماذج التطبيقية لمقصد الرحمة في سلوك الصحابة الكرام.
وأتبعت هذا المبحث بالتأكيد على ضرورة تفعيل الرحمة في واقع الحياة، مع الإلماع إلى بعض الوسائل الـمـُسْهِمة في تحقيق ذلك. وضمنت الخاتمة أهم النتائج المتوصل إليها في البحث، مع الإشارة إلى أهم التوصيات.
أما منهج البحث، فسلكت فيه الخطوات الآتية:
أوردت نماذج منتقاة من الأحاديث المتعلقة بمقصد الرحمة: تأصيلا وتفعيلا. وهي بمجموعها تمثل النزر اليسير مما جمعته. وقد اكتفيت بها، خشية تجاوز المساحة المحددة للبحث سلفا.
علقت على ما أوردته من النصوص الحديثية، مبينا دلالاتها في ارتباطها بمقصد الرحمة.
حاولت الاقتصار على الأحاديث الصحاح والحسان، وضربت صفحا عن كثير من الأحاديث الضعيفة المتعلقة بالموضوع...
عزوت الآيات القرآنية، بذكر سورها، وأرقامها في متن البحث.
خرجت الأحاديث النبوية من دواوين السنة المعتمدة، واقتصرت في الغالب على أحاديث الصحيحين، ذاكرا في العزو إليهما، وإلى غيرهما من الصحاح والسنن، اسم الكتاب، والباب، ورقم الحديث، ومكتفيا بذكر الجزء، والصفحة، ورقم الحديث، في الغالب، عند العزو إلى المصادر الحديثية الأخرى. وعنيت ببيان درجة الأحاديث المخرجة في غير الصحيحين...
شرحت غريب الحديث، بالرجوع إلى أهم مظانه.
مدخل
- أولا: مفهوم المقاصد:
على الرغم من كثرة مراعاة علماء الشريعة الأقدمين للمقاصد في تعاملهم مع نصوص الشريعة: فهما وتوجيها واستنباطا، ولَهَجِهم بذكرها بعبارات قريبة منها في مصنفاتهم، إلا أن أحدا منهم لم يكلف نفسه عناء تعريفها، بما فيهم شيخ المقاصد على الإطلاق أبو إسحاق الشاطبي، ولعل زهده في تعريفها مرده إلى وضوحها عنده وعدم وجود الحاجة وقيام الداعي لتحديد مدلولها، إضافة إلى أنه كتب كتابه الموافقات للعلماء الراسخين في العلم، كما صرح بذلك فيه1، وكما نبه عليه مُكْتشِفُ نظريته والـمُبرِز لمعالمها الدكتور أحمد الريسوني2.
أما الـمُحْدَثون من الأصوليين وفقهاء الشريعة، فقد عُنِي ثلة منهم بتعريف مقاصد الشريعة، وعلى رأسهم العلامة التونسي محمد الطاهر بن عاشور، والعالمان المغربيان: الأستاذ علال الفاسي، والدكتور أحمد الريسوني. والمتأمل في تعريفاتهم للمقاصد يلحظ أنها متقاربة، غير أن تعريف الدكتور الريسوني أنسب وأكثر تعبيرا عن مدلولها؛ لأنه عبّر عنها بـ(الغايات) بدل (المعاني) و (الحكم) كما في تعبير ابن عاشور3، أو الجمع بين (الغاية) و (الأسرار) كما في تعبير علال الفاسي4، فقال: «إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد»5.
وأرى أنه، حفظه الله، لو حذف كلمة (لأجل) لكان أدق، ولو أضاف في نهاية التعريف كلمة (في الدارين) لكان أشمل. وعليه، فإنني أميل إلى التعريف الذي اختاره، مع إضافة تعديل طفيف عليه، فأقول: «مقاصد الشريعة: هي الغايات التي أنزلت الشريعة لتحقيقها لمصلحة العباد في الدارين».
- ثانيا: تعريف «الرحمة»:
- الرحمة لغة: مشتقة من فعل (رَحِمَ) -بفتح الراء وكسر الحاء-، وتدور مادة هذا الفعل على معنى (الرّقة) و(الرّأفة) و(التّعطف)، فهذه هي الدلالة اللغوية الأصلية لكلمة (الرحمة). قال ابن فارس: «(رَحِمَ) الرّاء والحاء والميم أصل واحد يدلّ على الرّقّة6، والعطف، والرّأفة7. يقال من ذلك: رَحِمَه يَرْحُمُه، إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرُّحْمُ والمَرْحَمة والرّحمة بمعنى. والرّحِم: علاقة القرابة، ثم سُمّيت رَحِمُ الأنثى رَحِماً من هذا؛ لأن منها يكون ما يُرحم ويُرقّ له من ولد»8.
- أما الرحمة في الاصطلاح، فهي -بالنسبة للمخلوقين-: عبارة عن حالة وجدانية تعرض غالبا لمن بِه رقّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفساني الباعث على الإحسان إلى الغير، بجلب الخير له، ودفع الضرر عنه. وقد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرّقّة9. وإذا وصف بها الباري سبحانه، فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد عن الرقة، فتكون منه جل وعلا إنعاما وإفضالا...
وعرفها الأستاذ عبد الرحمان حبنكة الميداني بأنها «رقة في القلب، يلامسها الألم حينما تدرك الحواس أو يتصور الفكر وجود الألم عند شخص آخر، أو يلامسها السرور حينما تدرك الحواس أو يتصور الفكر وجود المسرة عند شخص آخر. فهي مشاركة الكائن الحي لغيره في مثل آلامه ومسراته...»10.
وأفاد العلامة ابن القيم أن مقتضى الرحمة الحقيقية هو إيصال الخير إلى الغير،حتى وإن كان هذا الخير مكروهاً إليه، مبغضاً مِنْ قِبَله. يقول رحمه الله مقررا هذا المعنى: «إن الرحمة صفة تقتضى إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم الناس بك من شق عليك فى إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك. فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل... ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويُرفّهُه ويريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل...»11.
فأساس الرحمة، إذن، وُدٌّ وحبّ للمرحوم، يدفع الراحم إلى إرادة الخير له والسعي في إيصاله إليه، وجزعٌ وخوفٌ عليه، من أن يقع في مكروه أو يصيبه أذى. قال الجاحظ -موضحا هذا المعنى-: «الرّحــمة خلق مركّب من الودّ والجــزع ! والرّحــمة لا تكون إلّا لمن تظهــر منه
لراحمه خلّة مكروهة... فالرّحمة هي محبّة للمرحوم، مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم...»12.
- ثالثا: مقصدية الرحمة:
ثبت بالنص والاستقراء أن جلب الرحمة، وتحقيقها، ونشرها، والتعامل بمقتضاها مع كل الخلائق، هو المقصود الأول والأسمى من إرسال الرسل، عليهم السلام، عامة، ومن بعثة خاتمهم محمد ﷺ خاصة. فـالرحمة هي أساس الرسالة المحمدية الخاتمة، وعمدتها، ولحمتها وسداها، وهي من أهم وأبرز مقاصدها الضرورية والكلية والعامة، وتوضيح ذلك فيما يلي:
1 - الرحمة مقصد شرعي ضروري، أي أنه لابد منه لعمارة الأرض، وإقامة الحياة الكريمة الآمنة فيها، واستقرارها واستمرارها ودوامها. فلا تتصور حياة كريمة آمنة مستقرة من غير رحمة، فبالرحمة تراعى وتحفظ كرامة الإنسان، ويسود العدل بين الناس، ويستتب الأمن في ربوع المجتمع، وتنمو الروابط الأخوية والإنسانية بين مكوناته، مما يؤدي إلى تقوية النسيج الاجتماعي، ويثمر المعاني الخيرة من مواساة، وتكافل، وتآزر، وتعاون، وغير ذلك من المكارم المتفرعة عن الرحمة، باعتبارها معدن الفضائل ومنبعها. وهكذا يتأكد لنا أن الرحمة مقصد ضروري، وأنه لا بد منها ولا غنى عنها أبدا بحال للأمة بمجموعها وآحادها، وأن فقدانها دليل على تلوث الفطر وانتكاسها وارتكاسها، وأمارة على قسوة القلوب ويبسها وغلظها، وعلى جفاف الأرواح والطباع وجفائها، وعلامة على اختلال الأمزجة، وانحراف السلوك، ومؤشر على ضعف الأمة وخورها، وانهيار منظومتها التشريعية والأخلاقية... لذلك،كان من اللازم مراعاة مقصد الرحمة من جانب الوجود والعدم.
2 - الرحمة مقصد كلي، ووجه اعتبارها كذلك: أنها ملحوظة ومبثوثة في كل مجالات الشريعة وأبوابها، وأن مظاهرها متجلية في كل أنحائها وجوانبها، فلا يتصور خلو تشريع من تشريعاتها الخالدة الهادية من مظاهر الرحمة، بل إن المتأمل في نصوص الوحي: قرآنا وسنة، يلحظ، بل ويعجب من شيوع الرحمة فيها بألفاظها ومرادفاتها ومشتقاتها ومعانيها ودلالاتها شيوع الروح في الجسد.
وعليه، فيمكن اعتبار الشريعة كلها رحمة، وهذا ما قرّره وأكده وجلاّه العلامة ابن القيم رحمه الله حيث أفاد أن الشريعة رحمة كلها، وأن كل مسألة خرجت عن الرحمة إلى ضدها، فليست من الشريعة13....
3 - الرحمة مقصد عام، ووجه اعتبارها كذلك أنها تسع كل ذي حياة مما خلق الله وبرأ في هذا الكون الفسيح، ولا تختص بفئة أو فئات معينة،بل تغمر كل من يستحقها من الأحياء.
ومن هذا العموم تأخذ الرحمة مصداقيتها، إذ لو كانت حكرا على فئة معينة من الخلق، لتحولت بالنسبة لمن شملتهم إلى امتياز، وبالنسبة لمن حرموا منها إلى ما يضادها من نقمة وشقاء، وحاشا للخالق الذي وسعت رحمته كل شيئ أن يجعلها مقصورة على بعض خلقه، وما كان لنبيه المبعوث رحمة للعالمين أن يخص بالرحمة فئة من الخلق دون غيرها.
وعليه، فلا امتياز ولا احتكار في الرحمة الإلهية المطلقة، والرحمة النبوية الشاملة المثالية.
المبحث الأول: تأصيل مقصد الرحمة في السنة النبوية
تحفل السنة المطهرة بالنصوص الحديثية المقرِّرة والمؤصّلة لمقصد الرحمة، والمؤكّدة على مراعاته في مختلف مجالات التشريع، إذ الشريعة كلها إنما أنزلت لتحقيق مقاصد العباد، وفي مقدمتها وغُرّتها: مقصد الرحمة. ونظرا لكون هذا البحث المتواضع قد حددت مساحته سلفا من طرف الجهة المنظمة، فقد ارتأيت أن أقتصر في هذا المبحث النظري منه على مجالين مهمين من مجالات التشريع، وهما: المجال الاجتماعي، والمجال الاقتصادي والمالي عموما، محاولا استخلاص مقصد الرحمة من أهم التشريعات المرتبطة بهما، وذلك بعد إيراد بعض الأحاديث المؤصلة لهذا المقصد العظيم بصفة عامة.
- المطلب الأول: نماذج من النصوص الحديثية العامة، التي يستخلص منها مقصد الرحمة:
- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى»14.
فقد شبه النبي ﷺ في هذا الحديث مبلغ التراحم والتعاطف، الذي ينبغي أن يكون بين أفراد المجتمع المسلم، بالجسد الواحد، المترابط الأعضاء، بحيث لا يستغني أي عضو فيه عن الآخر. الأمر الذي يدل على مقصودية التراحم، ومطلوبية التحقق به في تعامل المسلمين بعضهم مع بعض.
ومما يؤكد ذلك أن الإمام النووي ترجم للباب الذي روى فيه الإمام مسلم هذا الحديث، وغيره مما في معناه، بقوله (باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم)، ثم قال -معلقا على مجموع تلكم الأحاديث-: «هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثّهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم ولا مكروه»15.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: «.. والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا» قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم. قال: «إنه ليس برحمة أحدكم، ولكن رحمةُ العامّة، رحمة العامّة»16. ودلالة هذا الحديث على مقصودية التراحم بين كل الناس واضحة جلية.
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء17...»18.
ومفهوم هذا الحديث وغيره مما في معناه: أن من لا يرحم خلق الله لا يرحمه الله؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وذلك ما دلت عليه ظواهر نصوص حديثية أخرى، منها: قوله ﷺ: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس»19. وورد في رواية أخرى بصيغة أعم: «من لا يرحم لا يرحم»20.
قال ابن بطال: «فيه الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم، كافرهم ومؤمنهم، ولجميع البهائم والرفق بها... فينبغى لكل مؤمن عاقل أن يرغب فى الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها في أبناء جنسه وفى كل حيوان»21. وهذا يدل بوضوح على مقصودية الرحمة، وضرورة التعامل بمقتضاها مع كل الأحياء.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي»22. ففي الحديث بيان أن فراغ قلب العبد من الرحمة، وامتلاءه بما يضادّها من القسوة والغلظة، أمارة على جفاف روحه، وجمود عاطفته، وشقوته... قال الطيبي: «لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، والرقة في القلب علامة الإيمان، فمن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا يرزق الرقة شقي»23. وعليه، فتكون الرحمة بمقتضى هذا الحديث مقصودة ومطلوبة.
- المطلب الثاني: أهم التشريعات الاجتماعية الدالة على مقصد الرحمة في ضوء السنة النبوية:
أولا: تشريع الزكاة: لقد شرعت الزكاة وتقررت فرضيتها بنصوص قرآنية جمة، ثم جاءت السنة النبوية لتؤكد فرضيتها من خلال نصوص حديثية كثيرة، نقتصر منها على حديث ابن عباس في الصحيحين أن النبي ﷺ لما بعث معاذ بن جبل إلى أهل الكتاب باليمن، أمره أن يُعْلِمَهم - بعد أن يقروا بالشهادتين، وبفرضية الصلاة - «أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم...»24.
وما أكثر المقاصد المتوخاة من تشريع الزكاة، نذكر منها، مما له علاقة بموضوعنا، ما يلي:
أ - تطهيرُ المزكي من أرجاس الذنوب عامة، ومن رجس الشح والبخل على وجه الخصوص، وتزكيتُه بخُلُق البذل والجود، وتدريبُه وترويضه عليه، حتى يصير خلقا عريقا من أخلاقه، وصفة من صفاته الأصيلة، إذ النفس مجبولة على الضّنّ بالمال، فإذا تزكت بالإنفاق، اعتادت البذل بسخاء، وارتاضت لأداء الواجبات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها.
ب - مؤازرةُ آخذ الزكاة عمليا في معركته الدائرة مع أحداث الحياة وتقلبات الزمن، وإشعارُه بأنه إنسان محترم مكرم في مجتمع إنساني كريم، يرعاه ويأخذ بيده، ويعطيه حقه المعلوم ونصيبه المقسوم، فيأخذه وهو عزيز النفس موفور الكرامة... وكذا تطهيره من داء الحسد والكراهية، الذي عادة ما يتأصل في نفسية المحروم تجاه الأغنياء من أفراد مجتمعه، الذين يهملونه، ويتركونه لمخالب الفقر وأنيابه، مما يؤدي إلى تقطيع أواصر الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، وإيقاد نيران الحقد والكراهية والبغضاء في صدور المحرومين تجاه الأغنياء الواجدين25، وبالتالي يهدد كيان المجتمع برمته. لذلك، كان من أهداف تشريع الزكاة علاج النفوس من هذه الأوصاب والأدواء الفتاكة.
ومن المعلوم أن النفوس إذا زكُيّت وطُهّرت من مختلف الآفات الباطنية المهلكة، ترتب عن ذلك قيام علائق بين الناس، على أساس من المودة والمحبة، وتحركت عواطف الرحمة والشفقة، التي تدفعهم إلى الإحسان الواجب، والتطوعي أيضا. وعليه، فيكون من أسمى مقاصد تشريع الزكاة: تحقيق التراحم، الجالب للتآزر، والتعاون، والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم.
كما يتجلى مقصد الرحمة من خلال قصر وجوب الزكاة في الأصناف الزكوية الأربعة: الذهب والفضة، أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية المختلفة، وبهيمة الأنعام، وعروض التجارة، والخارج من الأرض، وعدم إيجابها في كل ما يملكه الإنسان، وكذا من خلال اشتراط بلوغ النصاب في الأصناف التي تجب فيها، وتحديد مقدار ما يخرج من كل صنف منها، وهو قليل إذا ما قورن برأس المال المملوك.
ثانيا: تشريع الوقف26: إن العمل الخيري عموما يعد من مقاصد السنة المطهرة، بدليل اطّراد ورود الأمر به، والحض عليه، والثناء على القائمين به في نصوص حديثية كثيرة جدا. ويعتبر الوقف من أهم وأجلّ الأعمال الخيرية المطلوبة شرعا، وأعظمها في المواساة قدرا، وأكثرها أثرا، وأدومها نفعا.
ومن النصوص الحديثية الدالة على مشروعيته:
أ - ما صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أباه عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي ﷺ يستأمره -أي يستشيره- فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر، لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به ؟ قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها». قال: فتصدق بها عمر... في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف27.
ب - ما ثبت عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عملُه إلا من ثلاثة:... صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له»28. وقد حمل العلماء الصدقة الجارية في هذا الحديث على الوقف29.
وإنما شرع الوقف لتحقيق جملة من المقاصد، بعضها يشترك فيها مع بقية أنواع الصدقات والتبرعات، ومن ذلك: تزكية النفس، وتطهيرها من داء الشح، والبخل، والضّنّ بالمال، وتدريبها على البذل والعطاء، وبعضها يختص بها، ولا تكاد تتحقق إلا فيه، وفي مقدمتها: توفير وتأمين الاحتياجات الضرورية لِذَوي الفاقة والعوز، ولمختلف الفئات المحتاجة، بشكل مضمون، ومنظم، ومستمر...30، فمنفعة الوقف تتسم بالثبات والديمومة، وهو بذلك يسد ثغرات تقصر بقية وسائل التكافل الاجتماعي عن سدها.
كما أنه يسهم في معالجة العديد من المشكلات الاجتماعية، وفي مقدمتها مشكلة البطالة، فهو من أهم وسائل التقليل منها، والحد من آثارها، حيث إنه يؤمّن وظائف للعديد من الأفراد، ويلبي من خلال ذلك حاجيات الكثير من الأسر.
ولا يخفى ما يترتب على ما ذكر من فوائد الوقف وغيرها من تقوية لرابطة الأخوة، وتعزيز لشبكة العلاقات الاجتماعية، وتوفير السلم الاجتماعي، وإشاعة قيم التراحم، والتعاطف، والتآزر بين أفراد المجتمع. وهكذا يضح ويستبين لنا أن من أهم مقاصد تشريع الوقف مقصد الرحمة.
- المطلب الثالث: أهم التشريعات المتعلقة بالمعاملات المالية الدالة على مقصد الرحمة:
- أولا: تشريع السماحة والتيسير في المعاملات: وهذا من أهم المقاصد الكلية للشريعة، الثابتة بالاستقراء التام للنصوص الشرعية المطردة في هذا الباب. قال ﷺ: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة»31. وقال ﷺ: «إن الدّين يسر، ولن يُشَادَّ الدّينَ أحد إلا غلبه...إلا غلبه...»32. وقال ﷺ لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا»33. وقال صلوات الله وسلامه عليه: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى-أي طالب بالحق-»34.
قال ابن بطال -تعليقا على هذا الحديث-: «فيه: الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة، والرقة فى البيع... فقد دعا عليه السلام بالرحمة لمن فعل ذلك، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبي عليه السلام، فليقتد بهذا الحديث ويعمل به. وفى قوله ﷺ: «إذا اقتضى» حض على ترك التضييق على الناس عند طلب الحقوق، وأخذ العفو منهم»35. قلت: إن ما تضمنته الأحاديث المذكورة من الدعوة إلى التيسير، والسماحة، وترك المشاحة... إنما يقصد به: الرحمة بالعباد، والرفق بهم، والشفقة عليهم.
- ومن صور السماحة المطلوبة في المعاملات:
1 - إنظار المدين المعسر، والتجاوز عنه: فقد صح عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا، قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه»36. وفي رواية عن أبي مسعود مرفوعا: «حُوسِب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر». قال: «قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه»37.
والقصد من الحض على إنظار المدين المعسر مراعاة أحواله وظروفه القاسية، والتخفيف عنه، ومؤازرته، بإعطائه فرصة كافية لترتيب أموره، والتمكن من سداد ديونه، فضلا عن التجاوز عنه بإبراء ذمته، تقربا إلى الله تعالى، وطمعا في الأجر والمثوبة. وكل ذلك من مظاهر وتجليات الرحمة به، والشفقة عليه... مما يدل على كون الرحمة من أهم مقاصد هذا العمل الإنساني النبيل.
2 - تشريع الإقالة وصورتها: أن يتم إبرام عقد صحيح لازم بين طرفين، فيندم أحدهما على إبرامه، لظهور غبن فيه، أو لزوال حاجته إليه38، أو لغير ذلك من الأسباب التي لا تعلّق لها بالعقد، ويسأل الآخر إقالته، فيراعي ظروفه، ويقيله بموافقته على نقض العقد...
فهذا يعد من مكارم الأخلاق، الدالة على كرم النفس والسماحة، لذلك وردت أحاديث ترغب فيه، وترتب الجزاء الأوفى عليه، منها: ما صح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «من أقال مسلماً أقاله الله عَثْرتَه»39. وفي رواية: «من أقال نادما بيعته، أقال الله عثرته يوم القيامة»40.
وإنما شرعت الإقالة، رحمةً بالمحتاج إليها من المتعاقدين، ورأفةً به، وتيسيراً عليه، وتنفيساً لكربه، وتفريجاً لهمّه وغمّه، وتوطيداً لأواصر الأخوة بين المتعاقدين، وإبقاء للألفة والمودة بينهم... مما يؤكد مقصودية الرحمة من هذا العمل الإنساني الإحساني الجليل.
3 - تشريع الوكالة: ثمة من الناس من لا يتيسر لهم قضاء جميع مصالحهم وحاجاتهم بأنفسهم، ويوجد من الناس أيضا من ليسوا مؤهلين للقيام بأنفسهم بما يريدون من أعمال.
وقد راعت الشريعة الإسلامية السمحة هؤلاء جميعا، فشرعت لهم توكيل غيرهم ممن يثقون بهم، للقيام ببعض شؤونهم، وقضاء بعض مصالحهم. ومما يؤصل لمشروعية الوكالة من السنة المطهرة ما صحّ عن عروة البارقي أن النبي ﷺ «أعطاه دينارا يشتري به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه»41.
والمقصد من تشريع الوكالة: الرحمة بالعباد، والتيسير عليهم، بدفع المشقة والحرج عنهم، وتمكينهم من الاستعانة بغيرهم، لقضاء بعض حاجاتهم ومآربهم...
- ثانيا: تحريم المعاملات الضارة بالعباد، ونقتصر منها على ما يلي:
1 - تحريم الربا: فقد ثبت أن النبي ﷺ «لعن آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه»، وقال: «هم سواء»42، أي في الإثم، وإن تفاوتت مرتبة كل منهم فيه. كما ثبت أنه ﷺ عدّ الربا من «السبع الموبقات»43، أي: المهلكات، مما يدلّ على شدة قبحه وشناعته وخطورته.
وإنما شدد الشارع الحكيم في تحريمه؛ لما يترتب عليه من مخاطر وأضرار على مختلف المستويات، وخاصة على المستوى الاجتماعي، ومن ذلك: أنه يفضي إلى ظلم وقهر الفئات الضعيفة الفقيرة، واستغلال ظروفها، واعتصارها لمصلحة الأغنياء، وإلى إهدار الجانب الإنساني عموما في سبيل الكسب المادي، مما يؤدي إلى زرع الضغائن والأحقاد في النفوس، وتوريث العداوة والبغضاء بين المالِكِين والمحرومين، وتفكيك وتقطيع أواصر الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم. لذلك، كان من أسمى مقاصد تحريم الربا: الرحمة بالضعفاء المتضررين من شيوعه في المقام الأول، ثم الرحمة بالمجتمع المسلم كله، ليسود بين أفراده الود، والوئام، والتراحم، والتعاطف، والتعاون، والتكافل...
2 - تحريم الاحتكار44: فقد صح عن معمر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «من احتكر فهو خاطئ»45 أي عاص آثم. وفي رواية عن معمر مرفوعا: «لا يحتكر إلا خاطئ»46. فظاهر الحديث يفيد تحريم الاحتكار مطلقا، سواء كان ما جرى فيه طعاما، أو غيره مما يحتاج إليه الناس، إلا أنّ ما تشتدّ حاجتهم إليه، كالقوت الضروري، يكون احتكاره أكبر إثما، وأعظم وزرا47.
وعلة النهي عن الاحتكار هي: الإضرار بعموم الناس48، بسبب حبس السلع التي يحتاجون إليها، فكان المقصد من تحريمه، بناء على هذه العلة الموصلة إليه، هو: الرحمة بعامة الناس، برفع الضرر الذي يلحقهم من جراء الحيلولة بينهم وبين اقتناء ما يحتاجون إليه من السلع الضرورية...
3 - تحريم بيع الغرر49: فقد صح من حديث أبي هريرة: «أن النبي ﷺ نهى عن بيع الغرر»50. وعلة النهي عن هذا النوع من البيع: أن فيه إضرارا بالناس، حيث إنه يؤدي إلى أكل أموالهم بالباطل، ويزرع الضغائن والأحقاد في نفوسهم، ويوقع العداوة والبغضاء بينهم51.
لذلك حرمه الشارع الحكيم، رحمة بالعباد، ودرءا لما يلحقهم بسببه من المفاسد والأضرار.
4 - النهي عن بيع المسلم على بيع أخيه، أو سومه على سوم أخيه:
وصورة الأول: أن يتبايع شخصان، فيأتي شخص آخر إلى المشتري في مدة الخيار، فيقترح عليه أن يبيعه مثل السلعة التي اشتراها بأقل من ثمنها، أو أجود منها بثمنها أو بأقل منه، فيقبل المشتري، ويفسخ البيع الأول، ويتعاقد مع هذا الشخص الذي أغراه وأفسد البيع على البائع الأول. فهذا قد ورد النهي الصريح عنه في حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض»52.
أما سوم المسلم على سوم أخيه، فقد ثبت النهي عنه في حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «لا يَسُم المسلم على سَوْم أخيه»53. وتحريم السّوم مقيّد بما إذا صرح البائع بالرضا بالبيع54.
وعلة النهي عن هذين النوعين من البيع: ما يترتب عليهما من مفاسد وأضرار، ومن ذلك: إثارة الضغائن بين المسلمين، وغرس روح العداوة بينهم... لذلك قصد الشارع الحكيم من النهي عنهما الرحمة بالمسلمين، بدفع الضرر عنهم، ودرء الإفساد عليهم، والمنع من إيذائهم في معاملاتهم.
5 - النهي عن بيع الحاضر للبادي: وصورته -كما قال العلماء-: أن يقدم غريب من البادية بمتاع تعم الحاجة إليه، يريد بيعه بسعر يومه، فيأتيه ابن المدينة، فيطلب منه ترك المتاع عنده، ليبيعه له بثمن أعلى55، ولو باعه البدوي بنفسه لأرخص، ونفع أهل المدينة، وانتفع هو.
وقد ورد النهي الصريح عن هذا النوع من البيع في أحاديث كثيرة، منها: ما صح عن أنس قال: «نهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه أو أباه»56. وعلة النهي عن هذا النوع من البيع: ما فيه من غبن للبادي، وما يؤدي إليه من الإضرار بأهل المدينة، والتضييق عليهم، من خلال حرمانهم من الشراء بثمن رخيص.
وقد أشار النبي ﷺ إلى هذه العلة في رواية أخرى للحديث عن جابر مرفوعا: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم بعضا»57. قال الطيبي: «والعلة فيه: تفويت الربح، وتضييق الرزق على الناس»58. وقال النووي: «المنع من بيع الحاضر للبادي، سببه: الرفق بأهل البلد»59.
وهكذا يتبين لنا أن المقصد من النهي عن هذا البيع -بناء على علته المشار إليها في الحديث- هو: الرحمة بأهل المدينة، والرفق بهم، والتوسعة عليهم، ورفع الضرر عنهم...
6 - النهي عن تلقي الركبان: وصورته: أن يأتي تجار ببضائع إلى البلد، لبيعها، فيتلقاهم شخص أو أشخاص، قبل وصولهم إليها، ومعرفتهم بالسعر الحقيقي الذي تباع به فيها، فيخبرونهم بكسادها، وقلة الرغبة فيها، كذبا، ليشتروها منهم بالوكس، وأقل من ثمن المثل60.
وقد ورد النهي الصريح عن هذا التصرف المشين في نصوص حديثية كثيرة، منها: ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ، قال: «لا تلقوا الركبان...»61. وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله ﷺ نهى أن تُتَلقّى السلع حتى تبلغ الأسواق»62.
واختلف في علة النهي عن تلقي الركبان، فقيل: مراعاة نفعهم، وإزالة الضرر عنهم، وصيانتهم ممن يخدعهم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وقيل: مراعاة نفع أهل السوق، وهو مذهب المالكية63.
ويرى الشوكاني أنه لا مانع من أن تكون العلة في النهي مراعاة نفعهما معا64.
قلت: وهو وجيه؛ لأن الضرر يلحق الركبان من طرف المتلقين، حيث يستغلون عدم معرفتهم بالسعر في السوق، فيغبنونهم، ويخدعونهم، كما يلحق الضرر أهل السوق.
وعليه، فيكون المقصد من النهي عن تلقي السلع: الرحمة بالركبان الجالبين لها، برفع الضرر عنهم، والحيلولة دون خداعهم، وغبنهم...، وكذا الرحمة بأهل السوق، بدرء الضرر عنهم، ونفعهم.
7 - النهي عن (النّجْشِ): وهو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها، ليخدع غيره ممن يسمعه، ويغرّه، فيزيد بزيادته65، وكثيرا ما يكون بمواطأة البائع. فهذا محرم بنصوص حديثية كثيرة، منها: ما صح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تناجشوا...»66، وما ثبت عن ابن عمر «أن رسول الله ﷺ نهى عن النَّجْشِ»67.
والمقصد من تحريم هذه الفعل القبيح هو الرحمة بالمشترين، برفع الضرر عنهم، ومنع التغرير بهم، وخداعهم، وإيذائهم...
المبحث الثاني: نماذج من تطبيقات مقصد الرحمة في السنة الفعلية الثابتة:
لما كان نبي الإسلام محمد ﷺ أكرم الخلق على ربه، فإنه سبحانه وتعالى قد أولاه من كريم عطائه وجزيل آلائه ما يستعصي على العد والإحصاء، ومن ذلك: أنه جل وعلا منحه من الرحمة الموزعة على الخلق جميعهم أوفر نصيب، فبلغ فيها ذروة الكمال، وحاز منها رتبة لا ترام، ومدى لا يدرك، وأمدا لا يبلغ، وبزَّ فيها العالمين... ولقد تجسدت الرحمة في السلوك المحمدي -على وجه التمام الكمال- مع الأقارب، والأتباع، والمخالفين، بل وحتى مع الحيوانات العجماوات.
وأقتصر في هذه العجالة على سوق نماذج تطبيقية لمقصد الرحمة في سلوك النبي ﷺ، وسلوك أصحابه الكرام، على النحو الآتي:
- المطلب الأول: نماذج من تطبيقات مقصد الرحمة في السلوك المحمدي المثالي:
أولا: نماذج تطبيقية لمقصد الرحمة في تعامله ﷺ مع نسائه:
إن الناظر المتأمل في الحياة الخاصة لخير البرية محمد ﷺ يلحظ أنه ﷺ قد بلغ ذروة الكمال البشري في تعامله مع أزواجه، فكان معهن دمث الخلق، سمح السجية، ليِّن العطفة، دائم البشر... يعاشرهن بالمعروف الكامل، واللطف المتناهي، وكان لهن بذلك ينبوعا متدفقا من الحب، والحنان، والأنس، وشفوف المشاعر، والرفق، والشفقة، والرحمة. وهذه شذرات من معاملاته ﷺ مع نسائه، المؤسَّسَة على الرحمة، والدالة على مقصوديتها:
- عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع النبي ﷺ في سفر، قالت: فسابقته فسبقتُه على رجليّ، فلما حملتُ اللحم سابقتُه فسبقني، فقال: «هذه بتلك السبْقَة»68. وعنها أيضا قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء -بيني وبينه- واحدٍ، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي. قالت: وهما جنبان»69. وعنها أيضا قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناولُه النبي ﷺ، فيضع فَاهُ على موضع فِيَّ، فيشرب، وَأَتَعَرَّقُ العَرْق70، وأنا حائض، ثم أناوله النبي ﷺ، فيضع فَاهُ على موضع فِيَّ». وعن جابر رضي الله عنه قال: «وكان رسول الله ﷺ رجلا سهلا، إذا هَوِيَتْ -أي زوجه عائشة- الشيءَ تابعها عليه...»71.
قلت: إن ما تضمنته هذه الأحاديث من ملاعبة النبي ﷺ زوجه عائشة، ومداعبتها وممازحتها، وتعبيره عن حبه لها، وشفوف عاطفته تجاهها، ومسايرتها فيما تهواه مما ليس بمحذور. كل ذلك منشؤه ومنبعه مؤانستها والرحمة بها. مما يدل على مقصودية الرحمة من هذا السلوك الإنساني المحمدي الرفيع.
- وعن الأسود، قال: سألت عائشة ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»72. وعن عروة قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، أيّ شيء كان يصنع رسول الله ﷺ إذا كان عندك؟ قالت: «ما يفعل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويرفع دلوه»73. وفي رواية قالت: «كان يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه»74.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، صنعت لرسول الله ﷺ طعاما، فبعثَتْ به، «فأخذني أَفْكَلٌ»75، فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله: ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام»76.
- وعن عائشة أيضا قالت: «ما ضرب رسول الله ﷺ شيئا قط بيده، ولا امرأة ً... وما نيل منه شيءٌ قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتَهَك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل»77.
قلت: إن ما انطوت عليه هذه الأحاديث من مساعدة النبي ﷺ نساءه في أعباء المنزل، ومن صبره على تغايرهن، وتغاضيه عن بعض أخطائهن، وعدم تعنيفهن بالقول أو الفعل، يعكس بجلاء رحمته بهن، وشفقته عليهن، وحرصه أيضا على تحقيق مقصد هام من مقاصد الأسرة: وهو حصول السكن النفسي، والميل الروحي، المثمر للمودة، والرحمة بين الزوجين... مما يدل على مقصودية الرحمة من هذا التعامل النبوي السامي.
ثانيا: نماذج تطبيقية لمقصد الرحمة في تعامله ﷺ مع الأطفال:
- عن جابر بن سمرة قال: «صليت مع رسول الله ﷺ صلاة الأُولَى، ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله وِلْدان، فجعل يمسح خدَّيْ أَحَدِهم واحدا واحدا، قال: وأمّا أنا فمسح
خدي، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جُؤْنَةِ عطَّار -أي: السقط الذي يكون فيه متاعه-»78.
- وعن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما قال: كان رسول الله ﷺ يأخذني، فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما»79.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل رسول الله ﷺ الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا !!، فنظر إليه رسول الله ﷺ، ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم»80.
قال ابن بطال: «وفى فعله عليه السلام ذلك أعظم أسوة لنا، فينبغي الاقتداء به في رحمته صغار الولد وكبارهم، والرفق بهم»81.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله ﷺ، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنّا والله ما نقبّل!!، فقال رسول الله ﷺ: «وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة»82.
- وعن أنس بن مالك قال: «ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ»، قال: «كان إبراهيم مُسْتَرْضِعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت، وإنه لَيُدَّخَنُ، وكان ظِئْرُهُ قَيْنا، فيأخذه فيُقَبّله، ثم يرجع»83.
قال النووي: «فيه بيان كريم خلقه ﷺ، ورحمته للعيال والضعفاء... وفيه فضيلة رحمة العيال والأطفال وتقبيلهم»84.
- قلت: إن دلالة هذه الأحاديث على مقصودية الرحمة واضحة جلية، ومما يؤكد ذلك: تعليلُ النبي ﷺ ضمَّه للأطفال وتقبيلَهم في بعضها بالرحمة بهم، واعتباره تعالي الأعراب عن تقبيل أولادهم أمارة على جفاء قلوبهم، وخلوها من الرحمة. وقد استنبط الإمام البخاري رحمه الله هذا المقصد من الأحاديث المذكورة المخرجة عنده، فترجم لها بقوله: (باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته)، وفقه البخاري يؤخذ من تراجمه، كما هو معلوم. وهو ما فهمه أيضا الإمام النووي من الأحاديث المذكورة المخرجة عند مسلم، لذلك ترجم لها بقوله: (باب رحمته ﷺ الصبيان، والعيال... ).
ثالثا: نماذج تطبيقية لمقصد الرحمة في تعامله ﷺ مع أعدائه:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، فقال: «إني لم أُبْعَثْ لَعَّانا، وإنما بعثت رحمة»85. وعنه أيضا قال: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، على النبي ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، إن دوسا عصت، وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، فقال ﷺ: «اللهم اهد دوسا وائْت بهم»86.
- وعن عروة، أن عائش رضي الله عنها، حدثته أنها قالت للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟، قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة... فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: «إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم»، فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: «يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئتَ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين»، فقال النبي ﷺ: «بل أرجو أن يخرج اللهمن أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا»87.
- وثبت أنه ﷺ عفا عن جماعة ممن كانوا ألدّ أعدائه، والذين بلغ بهم الحنق والحقد عليه لدرجة أنهم همّوا بقتله، ودبّروا لاغتياله، وحاولوا الفتك به، منهم: ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، وفَضَالة بن عمير الليثي، وعُمَير بن وهب بتنسيق مع صفوان بن أمية. وقد أسلموا أربعتهم، نتيجة تعامل النبي ﷺ معهم بمنتهى اللطف، والشفقة...88.
- كما ثبت أنه ﷺ أعلن العفو العام عن جل أهل مكة، عقب فتحها89.
قلت: إن ما تضمنته هذه الأحاديث من امتناع النبي عن الدعاء على المشركين، وعلى (دوس)، ومن عفوه على أعدائه، بمن فيهم من خططوا لاغتياله، وهموا بقتله... إن هو إلا مظهر من مظاهر رحمته العامة الشاملة المثالية. وقد علّل ﷺ بنفسه امتناعه عن الدعاء على قريش بقوله: «إنما بعثت رحمة»، مما يؤكد مقصودية الرحمة من هذا التعامل النبوي، المقرون بمنتهى اللطف والشفقة على الأعداء.
رابعا: نماذج تطبيقية لمقصد الرحمة في تعامله ﷺ مع الحيوانات العجماوات:
ما أكثر الأحاديث المتعلقة بتعامله ﷺ مع الحيوان عموما، والتي يستخلص منها مقصد الرحمة، نقتصر منها على ما يلي:
- عبد الله بن جعفر: أن النبي ﷺ دخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا به جمل، فلما رآى الجمل النبي ﷺ، حن وذرفت عيناه، فمسح ﷺ ذِفْرَاه -مؤخر رأسه-، وسَراته -ظهره-، فسكن الجمل، فقال: «من رَبُّ هذا الجمل؟»، فجاء شاب من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: «ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي مَلَّكَك الله إياها ؟! فإنه شكا إلي أنك تُجيعه وتُدْئِبُه»90 أي: تتعبه بكثرة العمل عليه، وتحمله فوق طاقته.
- وعن عبد الله بن مسعود قال: «كنا مع رسول الله في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة، 91معها فَرْخَان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرَة، فجعلت تفرش -وفي رواية تعرش92-، فجاء النبي ﷺ، فقال: «من فجع هذه بولدها ؟! ردوا ولدها إليها»»93.
- وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفه ماء، ثُمَّ أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له». قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا، فقال: «نعم في كل ذات كبد رطبة أجر»94.
- وعن أبي هريرة أيضا عن النبي ﷺ: «أن امرأة بَغِيًّا رأت كلبا في يوم حارّ (يُطيف ببئر)، قد (أَدْلَع لسانه)»95 من العطش، (فَنَزَعَت له بِمُوقِها)96 فغُفِر لها»97.
قلت: إن هذه الأحاديث تدل على أن الرحمة المحمدية لم تقف عند حدود البشر، بل امتدت ظلالها لتشمل حتى الحيوانات في أوكارها، والطيور في أعشاشها... وإنها لتعكس قمة الرفق بالحيوان، والشفقة عليه... ومن ثم، فإن دلالتها على مقصدية الرحمة واضحة جلية.
- المطلب الثاني: نماذج من تطبيقات مقصد الرحمة في سلوك الصحب الكرام:
أولا: التآخي بين المهاجرين والأنصار:
حينما هاجر نبي الرحمة محمد ﷺ من مكة إلى المدينة، كان من جلائل الأعمال التي قام بها، بعد بناء المسجد، مؤاخاته بين المهاجرين، الذين اضطروا إلى الخروج من ديارهم وترك أموالهم، وبين الأنصار من أهل المدينة، على التناصر، والمواساة، والتراحم... حتى كان المهاجريُّ يرث الأنصاريَّ دون قراباته وذوي رحمه، إلى أن نسخ ذلك98. وكان المتآخون تسعين رجلا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار99. ولم تكن الأخوة بينهم مجرد شعار لا أثر له، وإنما كانت واقعا عمليا، حيث امتزجت فيها عواطف الحب الصادق، الذي أثمر مواساة، وتكافلا، وإيثارا... فقد أحسن الأنصار وفادة إخوانهم المهاجرين، ورحبوا بهم أيما ترحيب، واستقبلوهم بالود، والكرم، والبذل، والسخاء... وكانوا يتسابقون إلى إيوائهم، ومواساتهم، ومؤانستهم، وإيثارهم بمحاب النفس من الأموال وغيرها، مع حاجتهم إليها. ومن ذلك: أنهم عرضوا على النبي ﷺ أن يتولى قسمة أموالهم معهم، وكانت أموالهم هي النخيل، لكنه ﷺ كره أن يخرج عن الأنصار شيئا من أملاكهم؛ لأنه يعلم أن المهاجرين لم يكونوا محتاجين لغير الإيواء والكفاف، وأن الله عز وجل سيفتح عليهم البلاد، ويغنيهم جميعا، لذلك أمر الأنصار بمواساتهم، مع الإبقاء على ملكيتهم لأموالهم، رفقا بهم، وأشرك المهاجرين معهم في الثمرة، على أن يكفوهم العمل في النخيل، بسقيها وإصلاحها... روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قالت الأنصار للنبي ﷺ: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: «لا»، فقالوا: - أي للمهاجرين - تكفونا المئونة، ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا»100. وقد استكثر المهاجرون ما منّ به عليهم إخوانهم الأنصار، فشكروا لهم حسن ودّهم، وكريم إخائهم، وجميل رعايتهم، وجاؤوا إلى النبي ﷺ، فقالوا: «يا رسول الله: ما رأينا قوما أَبْذَلَ من كثير، ولا أَحْسَنَ مواساةً من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المـُؤْنة، وأشركونا في المَهْنَإِ101...»102.
ومن النماذج الحية الفريدة، والصور الوضيئة المشرقة، التي تعكس بجلاء معاني المواساة، والبذل، والإيثار، وقمة التآخي المنقطع النظير بين المهاجرين والأنصار: ما تم بين (سعد بن الربيع الأنصاري) وأخيه (عبد الرحمن بن عوف المهاجري)، بعد مؤاخاة النبي ﷺ بينهما، حيث اقترح (سعد) على أخيه (عبد الرحمن) مشاطرته ماله، وأن يتنازل له عن إحدى زوجتيه، التي يرغب هو في الزواج بها، فيطلقها من أجله، ليتزوجها، برضاها، لكن عبد الرحمن بن عوف -رغم حاجته إلى المال، والزواج- لم يوافق على هذا العرض المغري، بل قابله بعزة النفس، والرغبة في الاكتساب بجهد يده، والاستغناء من خلال كسبه، وقد كان صاحب خبرة في التجارة، لذلك طلب من سعد أن يدلّه على السوق، فقصده، فباع واشترى، وبارك الله في تجارته...
وهذه القصة الواقعية، التي تعكس التجسيد العملي لمقصد الرحمة، بصورة لا مثيل لها في غير تاريخ الإسلام، قد رواها البخاري103 عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: «لما قدمنا المدينة آخى رسول الله ﷺ بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أَيَّ زوجتَيَّ هَوِيتَ- أي: أحببت- نزلت لك عنها، فإذا حلت، تزوجتها104. قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن105. قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صُفرة -أي أثر الطيب الذي استعمله عند الزفاف-، فقال رسول الله ﷺ: «تزوجت؟»، قال: نعم، قال: «ومن؟»، قال: امرأة من الأنصار، قال: «كم سقت؟»، قال: زنة نواة من ذهب... فقال له النبي ﷺ:«أولم ولو بشاة»». إنه إيثار عز له نظير، يقابله تعفف كريم نبيل!
قلت: إن هذا التعامل الإنساني الراقي الكريم، الذي عامل به الأنصار إخوتهم المهاجرين عموما، إنما هو من لوازم الأخوة الصادقة، ومن تجلياتها الواضحة، وثمارها اليانعة، إذ لا معنى ولا قيمة لأخوة بدون تعاطف وتراحم، مما يدل دلالة واضحة على مقصودية الرحمة من هذه المؤاخاة الفريدة، المنقطعة النظير!
ثانياً: قصة تكافل الأشعريين106:
لقد طبق الأشعريون مبدأ التكافل الاجتماعي تطبيقا عمليا، وجسدوه على أرض الواقع، فقدموا لنا أمثلة رائعة في التآزر، والمواساة، والإيثار... ومن ذلك: أنهم كانوا إذا قل طعامهم بالمدينة، يجمعون ما عندهم من زاد، ويضعونه في ثوب واحد، ثم يقتسمونه بينهم بالتساوي. وقد يكون منهم من بقي عنده اليسير من الطعام، و من لم يبق معه منه شيء، و من لا يملك شيئا أصلا، وقد أثنى النبي ﷺ عليهم، ومدحهم بهذه الخصلة الحميدة.
ففي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا107 في الغزو، أو قَلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، «فهم مني وأنا منهم»108» »109.
قال النووي: «وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار والمواساة»110. وقال أبو العباس القرطبي: «هذا الحديث يدل على أن الغالب على الأشعريين الإيثار، والمواساة عند الحاجة... فثبت لهم بشهادة رسول الله ﷺ أنَّهم... كرماء مؤثرون، ثم إنه ﷺ شرّفهم بإضافتهم إليه، ثم زاد في التشريف بأن أضاف نفسه إليهم»111.
قلت: ما تميز به الأشعريون من تكافل، وتآزر، وتعاون. إنما منشؤه «الرحمة»، التي مُلئت بها قلوبهم، وزُكيت بها أفئدتهم، إذ لا يتصور تكافل، ومواساة، وإيثار، بدون تراحم، فـالرحمة هي سبب الإحسان إلى الغير، وإيصال الخير إليه، والتعاون معه. مما يدل على مقصوديتها من قصة الأشعريين، الحَرِيّة بالاقتداء والاحتداء والتأسي.
حاجتنا إلى تفعيل قيمة الرحمة في حياتنا الخاصة والعامة
إن المقصود الأول من عناية الإسلام بمقصد الرحمة: تأصيلا وتطبيقا، هو أن نتخذ الرحمة شعارا لنا، وميثاقا خلقيا يحكم علاقاتنا الفردية والجماعية، وتصرفاتنا إزاء كل المخلوقات. فهذه هي الفائدة المسلكية من كل ما سبق إيراده من الأحاديث المؤصلة لمقصد الرحمة، ومن التطبيقات النبوية الرائعة لهذا المقصد الأسمى، والتي تعكس كمال رحمة نبي الإسلام ﷺ بالعالمين.
لكننا، للأسف الشديد، نلحظ غياب أو انحسار هذا المقصد الأسنى وهذا الخلق الرفيع «الرحمة» في واقع حياتنا الخاصة والعامة، وشيوع ما يناقضه من القيم الفاسدة الكاسدة المدمرة، من عنف بكل صوره وألونه، وتقاطع، وتدابر، وتناحر، وتقاتل، وما إلى ذلك... وهذا أمر ليس بمستغرب؛ لأنه في غياب الرحمة، يتحول الإنسان إلى حيوان كاسر، يتجاسر على انتهاك الحرمات، ودوس الكرامات، دون مراعاة لدين أو خلق، فيفسد على الناس أسباب الحياة الكريمة الآمنة!
وما نراه اليوم في مجتمعاتنا، بل وفي كل المجتمعات الإنسانية، من ارتفاع وتزايد ملحوظ لحالات العنف، والتطرف، والإجرام، والإرهاب، وما إلى ذلك من مظاهر الشذوذ في الحياة والسلوك... إن هو إلا نتيجة لغياب أو انحسار قيمة الرحمة في حياة المجتمعات والأمم، بسبب النأي والإعراض عن هدي الله الرحمن الرحيم، وعن سيرة النبي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين.
لذلك، فإننا اليوم أحوج ما نكون إلى تفعيل مقصد الرحمة في حياتنا الخاصة والعامة، لنقدم الصورة الصحيحة المشرقة لديننا، دين الرحمة، الذي بعث به نبي الرحمة ﷺ، وبذلك نبرهن على صدق انتمائنا لرسالة الإسلام السمحة، والتزامنا بأحكامها وقيمها السامية الخالدة.
فالمطلوب اليوم أن نحول الرحمة من معرفة إلى ثقافة، ولا يتحقق ذلك فقط، عن طريق الخطب المنبرية، والدروس الوعظية، والمحاضرات العلمية. بل لا بد من التوسل بوسائل أخرى قد تكون أكثر فعالية وتأثيرا، وأقدر على ترسيخ الرحمة في النفوس وفي واقع الحياة، كالآداب، والفنون الراقية الرفيعة الهادفة.
ولا أبالغ إن قلت: إن إنجازا فنيا واحدا راقيا، يتناول قيمة الرحمة بكل أبعادها، تناولا فنيا جميلا مثيرا مشوقا... قد يكون من حيث تأثيره أفضل من عشرات الخطب الرنانة، والدروس والمحاضرات الطويلة حول الرحمة. ولا بد أيضا أن تكون مؤسساتنا الأسرية، ومناهجنا التعليمية داعمة لقيمة الرحمة، ومُسْهِمة بفعالية في ترسيخها في نفوس الناشئة في مختلف مراحل العمر، من المرحلة الأولية إلى المستويات الجامعية، وما بعدها.
وأعتقد أننا لو أحسنا استثمار وتوظيف كل الوسائل المذكورة وغيرها، في تفعيل قيمة الرحمة، لاستطعنا تحويل الرحمة من معرفة مجردة إلى ثقافة وسلوك عملي، ولأسسنا لبناء علاقات إنسانية سليمة، ومجتمعات متماسكة متضامنة، ومتعاونة.
الخاتمة
بعد هذه الجولة القصيرة السريعة والممتعة مع مقصد الرحمة في السنة المطهرة، أخلص إلى تقرير وإجمال أهم النتائج المتوصل إليها في هذا البحث المتواضع، متبوعة بأهم التوصيات:
1 - الرحمة عبارة عن حالة وجدانية تعرض غالبا لمن به رقّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفساني، الباعث على الإحسان إلى الغير. وقد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرّقّة.
2 - الرحمة أساس رسالة الإسلام الخاتمة، وروح الشريعة المحمدية السمحة وعمدتها ولحمتها وسداها.
3 - الرحمة في ديننا مقصد شرعي ضروري، كلي، عام.
4 - الرحمة معدن المكارم، ومنبع الفضائل، ومجمع المحاسن، ومبعث الخيرات.
5 - تحفل السنة المطهرة بالنصوص الحديثية المؤصّلة لمقصد الرحمة، والمؤكّدة على مراعاته في مختلف مجالات التشريع الإسلامي، وخاصة في: المجالين الاجتماعي، والمالي.
6 - من أهم التشريعات الاجتماعية التي يستخلص منها مقصد الرحمة: الزكاة، والوقف.
7 - من أهم التشريعات المتعلقة بالمعاملات المالية، والتي يستنبط منها مقصد الرحمة: تشريع السماحة والتيسير في البيوع وغيرها، وتحريم مختلف المعاملات الضارة بالعباد.
8 - لقد تجسدت الرحمة في السلوك المحمدي على وجه التمام والكمال مع كل خلق الله.
9 - من أهم النماذج التطبيقية لمقصد الرحمة في سلوك الصحب الكرام رضوان الله عليهم: التآخي بين المهاجرين والأنصار، وتكافل الأشعريين.
10 - إن تفعيل قيمة الرحمة وتجسيدها عمليا على أرض الواقع، من شأنه أن يؤسس لعلاقات اجتماعية وإنسانية كريمة سليمة، وبنّاءة، ومثمرة لكل معاني الخير وفضائل المكرمات.
- أهم المقترحات العملية لتفعيل الرحمة في واقع الحياة:
أ - الإكثار من التحسيس بأهمية «الرحمة» ومكانتها في ديننا الحنيف، وبيان موقعها من شريعتنا الغراء، باعتبارها أساسها ومحورها وروحها، ومقصدا من أهم مقاصدها الضرورية، والكلية، والعامة.
ب - ضرورة العناية بالكشف عن مقاصد التشريع الإسلامي عموما، وعن مقصد الرحمة على وجه الخصوص.
ج - ضرورة العناية بتجلية وإبراز مقصد الرحمة في مختلف مجالات التشريع الإسلامي.
د - بيان الفائدة المسلكية للرحمة، وما يترتب عليها من خير عميم، ونفع عظيم على الآحاد والجماعات.
ه - العمل على تحويل الرحمة من معرفة مجردة إلى ثقافة وسلوك عملي، باعتماد الوسائل المختلفة، مع التركيز على ما كان منها أكثر فعالية وتأثيرا وجدوى، وأقدر على ترسيخ الرحمة في النفوس وفي واقع الحياة.
و - انتقاء أحسن البحوث العلمية المتعلقة بمقصد الرحمة في الإسلام، وترجمتها إلى أشهر اللغات الحية، ونشرها.
ز - ضرورة إسهام المؤسسات الأسرية، والمناهج التعليمية في التعريف بقيمة الرحمة، وترسيخها في نفوس الناشئة في مختلف مراحل العمر، من المرحلة الأولية إلى المستويات الجامعية، وما بعدها.
ح - ضرورة إسهام وسائل إعلامنا المختلفة في إبراز قيمة الرحمة، وتبصير الناس بأهميتها، وما يترتب على تمثلها والتحلي بها وإذاعتها من خير عميم على الأفراد والجماعات والدول.
ط - حسن استثمار كل الوسائط الإعلامية، للتعريف بمقصد الرحمة في ديننا الحنيف.
والله الموفق للصواب والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله أولا وأخيرا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
فهرس المصادر والمراجع
المصحف الشريف، برواية حفص عن عاصم، طبع بدار الندوة الإسلامية - بيروت.
الأخلاق الإسلامية وأسسها، لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، الطبعة الخامسة: 1420هـ- 1999م، نشر: دار القلم - دمشق.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت751هـ)، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، الطبعة الأولى:1411هـ - 1991م،نشر:دار الكتب العلمية-بيروت.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لشمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت751هـ)، تحقيق: محمد حامد الفقي، نشر: مكتبة المعارف- الرياض.
تهذيب الأخلاق، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تعليق: أبو حذيفة إبراهيم بن محمد، الطبعة الأولى: 1410هـ - 1989م، نشر: دار الصحابة للتراث- طنطا.
زاد المعاد في هدي خير العباد، لشمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت751هـ)، الطبعة السابعة والعشرون: 1415هـ - 1994م، نشر: مؤسسة الرسالة-بيروت، و مكتبة المنار الإسلامية- الكويت.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لمحمد ناصر الدين الألباني (ت 420هـ)، نشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع- الرياض.
سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - محمد كامل قره بللي، الطبعة الأولى: 1430هـ - 2009م، نشر: دار الرسالة العالمية -بيروت.
سنن الترمذي، أو (جامع الترمذي)، لأبي عيسى، محمد بن عيسى الترمذي (ت 279هـ)، تحقيق: بشار عواد معروف، الطبعة الأولى:1420هـ، نشر: دار الغرب الإسلامي-بيروت.
السيرة النبوية، لأبي محمد، جمال الدين، عبد الملك بن هشام، (ت 213هـ)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الطبعة الثانية: 1375هـ - 1955م، نشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
شرح صحيح البخاري، لابن بطال، أبي الحسن علي بن خلف (ت 449هـ)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الثانية: 1423هـ- 2003م، نشر: مكتبة الرشد - الرياض.
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، لشرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت743هـ)، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، نشر: مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة - الرياض).
شرح النووي على شرح صحيح مسلم، لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)، الطبعة الثانية: 1392هـ، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
صحيح البخاري، لأبي عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 256هـ)، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى: 1422هـ، نشر: دار طوق النجاة - بيروت.
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لأبي حاتم محمد بن حبان، البُستي (ت 354هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثانية: 1414هـ - 1993م، نشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.
صحيح وضعيف سنن الترمذي، لمحمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ)، مصدر الكتاب: برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية، عن (المكتبة الشاملة، الإصدار 3،51).
صحيح مسلم، لأبي الحسن، القشيري النيسابوري (ت 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
عقيدة السلف وأصحاب الحديث، لأبي عثمان إسماعيل الصابوني (ت449هـ)، دراسة وتحقيق: ناصر بن عبد الرحمن الجديع، الطبعة الثانية: 1419هـ - 1998م، نشر دار العاصمة، الرياض.
عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي عبد الرحمن، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، العظيم آبادي (ت 1329هـ)، الطبعة الثانية: 1415هـ، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي الفضل، أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، تعليق: عبد العزيز بن باز، إشراف: محب الدين الخطيب، طبعة 1379هـ، نشر: دار المعرفة - بيروت.
الفروق اللغوية، لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت نحو 395هـ)، تحقيق وتعليق: محمد إبراهيم سليم، نشر: دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع- القاهرة.
فقه الزكاة: دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة، ليوسف القرضاوي، الطبعة العشرون: 1412هـ - 1991م، نشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.
لسان العرب، لأبي الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم بن منظور (ت 711هـ)، الطبعة الثالثة: 1414هـ، نشر: دار صادر - بيروت.
مجموع الفتاوى، لأبي العباس، تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت 728هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، طبعة 1416هـ - 1995م، نشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف لشريف - المدينة النبوية.
المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله، الحاكم، النيسابوري (ت 405هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى: 1411هـ - 1990م، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
مسند أحمد، لأبي عبد الله، أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى: 1416هـ - 1995م، نشر: دار الحديث - القاهرة.
معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، طبعة 1399هـ - 1979م، نشر: دار الفكر - بيروت.
المغني، لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، (ت 620هـ)، طبعة 1388هـ-1968م، نشر: مكتبة القاهرة .
المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت 502هـ) تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الطبعة الأولى: 1412هـ، نشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق، بيروت.
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق وتعليق: محيي الدين مستو، وأحمد السيد، ويوسف بديوي، ومحمود بزال، الطبعة الأولى: 1417هـ - 1996م، نشر: دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب- دمشق، بيروت.
مقاصد الشريعة، لمحمد الطاهر بن عاشور (ت 1393هـ) تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، طبعة 1425هـ - 2004م، نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- قطر.
مقاصد الشريعة ومكارمها، لعلال الفاسي، الطبعة الخامسة: 1993، نشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت.
الموافقات، لإبراهيم بن موسى، الشهير بالشاطبي (ت 790هـ)، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الطبعة الأولى: 1417هـ - 1997م، نشر: دار ابن عفان - السعودية.
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، لأبي الفضل، أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، تحقيق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، الطبعة الأولى: 1422هـ، نشر: مطبعة سفير - الرياض.
نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، لأحمد الريسوني، الطبعة الأولى: 1411هـ - 1990م، نشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة مختارات من الرسائل الجامعية (1).
النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات، مجد الدين المبارك بن محمد، المعروف بـ (ابن الأثير) (ت606هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، طبعة: 1399هـ - 1979م، نشر: المكتبة العلمية - بيروت.
نيل الأوطار، لمحمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ)، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، الطبعة الأولى: 1413هـ - 1993م، نشر: دار الحديث- مصر.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: مقاصد الشريعة الإسلامية في ضوء السنة النبوية الشريفة (2) (منهجية الكشف عن مقاصد الشريعة من السنة النبوية، وتنزيلها)، 2019، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 483-538. يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |