تأصيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور مقاصد الشريعة الإسلامية

شارك:

دراسة تأصيلية مقاصدية

جابر عبد الهادي سالم الشافعي؛ أستاذ الشريعة الإسلامية المساعد- كلية الحقوق- جامعة الإسكندرية.

محتويات المقال:
أسباب اختيار هذا الموضوع وأهميته
منهج البحث
التمهيد: عالمية شريعة الإسلام وإنسانيتها
النقطة الأولى: ماهية حقوق الإنسان وأقسامها ومصادرها
النقطة الثانية: ماهية مقاصد الشريعة الإسلامية، وتقسيماتها، وعلاقتها بالأدلة الشرعية
النقطة الثالثة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية
النقطة الرابعة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمقاصد الحاجيَّة في الشريعة الإسلامية
النقطة الخامسة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمقاصد العامة الأخرى في الشريعة الإسلامية
الخاتمة: وتتضمن عدة نتائج

الناظر في كتاب الله تبارك وتعالى، وفي سنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفي آثار الصحابة رضوان الله عليهم، وفي آراء الفقهاء المسلمين، يتضح له بجلاء نزعة الإسلام الإنسانية، وهذه النزعة متمثّلة في مجموعة من المبادئ والقواعد والأحكام التي تحمي الإنسان وغيره، سواء في أوقات السلم أو في أوقات الحروب، ولقد أكد الإسلام على ضرورة الالتزام بها، وأن التزام المسلمين بها يُعد التزامًا دينيًّا بحيث يترتب على مخالفتها الجزاء الدنيوي والأخروي.

ولقد طبق المسلمون هذه المبادئ والأحكام على مر التاريخ. وكذلك فإن الإسلام لم يعلق تطبيق هذه المبادئ والقواعد على ارتباط الطرف الآخر بمعاهدة دولية تحددها؛ لأنّ الهدف من تشريع هذه المبادئ والأحكام هو هدف إنساني، يستهدف الإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى وفضَّله على كثير ممن خلق أيًّا كان.

وإذا كانت حقوق الإنسان قد توصل إليها المجتمع الدولي منذ عدة سنوات، فإن ما توصل إليه المجتمع الدولي يمثل في الحقيقة بعض ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، إذ إن الإسلام قد جاء بأنظمة وبضوابط لحقوق الإنسان تميزت بالسبق وبالريادة، فالأمر الثابت هو أن المبادئ التي أتى بها المجتمع الدولي بعد معاناة طويلة لا تختلف في مضمونها عن المبادئ التي جاء بها الإسلام في هذا المجال.

أسباب اختيار هذا الموضوع وأهميته

- يعد موضوع حقوق الإنسان من الأمور الجديرة بالاعتبار والاهتمام في هذه الآونة، نظرًا لما يتعرض له الإنسان في هذه الآونة من انتهاكات لحقوقهن سواء في أوقات السلم أو في أوقات الحرب.

- عندما يأتي الحديث عن موقف الإسلام بالنسبة لهذا الموضوع، فإن الباحث يقف أمام ما يقرره الإسلام من أحكام ومبادئ وقواعد ناصعة ومحكمة وغنية في هذا المجال؛ لأنها اهتمت بالإنسان وغيره، وكرمته في أوقات السلم والحرب والمعاهدة على السواء، ليؤكد أنه لا يمكن أن يوصف الذين آمنوا بها إلا بالرحمة والفضيلة والعدالة والإنسانية.

- إظهار الارتباط الواضح بين ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص والمواثيق الدولية، للتأكيد على أنّ ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص والمواثيق الدولية، للتأكيد على أنّ ما جاء به الإسلام من حقوق ومبادئ وقيم إنسانية وحضارية، قد تعارفت عليه الشعوب باختلاف ألوانها وأجناسها ولغاتها ودينها وقبائلها، بالتوقيع والتصديق على المواثيق والاتفاقيات الولية التي احتوت على بعض هذه الحقوق، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13]، وللتأكيد على أن هذه الأحكام صالحة للتطبيق في هذا الزمان.

- يرجى من فقهاء القانون الدولي المسلمين أن يُظهروا في المحافل الدولية ما جاء به الإسلام من حقوق للإنسان، بدفع سَيْل التُّهَم التي تلصق بالإسلام والمسلمين ممن لا يعرفون هذا الدين، ولإثراء النظام الدولي لحقوق الإنسان بالمبادئ الإسلامية الرائدة في هذا المجال، لأنه نظام يعنينا في هذا الوقت الذي تنتهك فيه كثير من حقوق الإنسان، وخاصة حقوق العرب والمسلمين، فهذا الواقع الأليم يفرض جهودًا منظَّمة ومتواصلة من الجميع، وخاصة فقهاء القانون الدولي العام، لإثراء النظام الدولي لحقوق الإنسان بالمبادئ الإسلامية، وخاصة في مجال التطبيق.

منهج البحث

في الواقع سوف أتبع في هذا البحث منهجًا يقتضي أن نرد نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى عدة حقوق، ثم نقوم بتأصيل هذه الحقوق من المنظور الإسلامي، وذلك من خلال مصادره ومقاصده، كل ذلك بالشكل الذي يُظهر سبق الإسلام إلى هذه الحقوق، وتأكيده عليها، والالتزام بها.

التمهيد: عالمية شريعة الإسلام وإنسانيتها

أولًا: عالمية شريعة الإسلام- إثبات وتأكيد:

من مزايا شريعة الإسلام أنها عالمية جاءت للناس جميعًا على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأماكنهم وأزمنتهم، فهي لم تأت لجنس دون آخر أو لمكان دون مكان أو لزمان دون آخر، وهذا هو ما أكده الواقع، فقد اعتنق هذا الدين أناس من مختلف الأجناس والألوان، ومن مختلف الأماكن والأزمان، ولم يجدوا ما يحول بينهم وبين هذا الدين من أمر غريب، فبالرغم من هذا الاختلاف يصلُّون ويصومون ويزكُّون ويحجُّون.

هذا بالإضافة إلى أن شريعة الإسلام ليس فيها ما يخالف الحقائق العلمية، بل- على العكس- فيها تقرير وإشارات لبعض تلك الحقائق قبل أن يتمكن الإنسان من اكتشافها بوسائله البشرية.

فالشريعة الإسلامية هي الشريعة الخالدة والصالحة لكل زمان ومكان، وهي شريعة أرسلت للناس أجمعين على اختلاف أصنافهم وأجناسهم وألوانهم، لأنها تقوم على أسس ومبادئ يراعى فيها حاجات البشر في جميع العصور وتجعلها صالحة للناس عامة في كل زمان ومكان.

فالإسلام عالمي في دعوته، وفي خطابه، وفي أمته، وفي قيمه، وفي نظامه الاجتماعي، هذه المقومات وغيرها سيبقى معها الإسلام عالميًا.

ولقد بين الإسلام دعوته وطبيعته حيث أكد أنها عالمية، نافيًا كونها دعوة موجهة إلى جنس معين أو أمة معينة أو مكان معين أو زمان معين، فالإسلام ليس دعوة عربية وليس دعوة عِرْقية ولا دعوة إقليمية، بل هو دعوة للناس كافة وللبشرية جمعاء وللعالمين أجمعين، قال الله تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الحج: 49]، وقال تعالى: ﴿ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1]، وقال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [ص: 87]، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن الإسلام أرسل للناس كافة وإلى العالمين أجمعين وتؤكد على ذلك.

كما جاءت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) تدل وتؤكد على عالمية الإسلام أيضًا، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة»[1].

فعالمية شريعة الإسلام متمثّلة في مبادئها، وفي قيمها المنسجمة مع الفِطر السليمة، فهي مبادئ وقيم ليست خاصة بأمة دون أخرى، وليست قاصرة على مكان معين دون آخر، ولا على جيل من البشر دون جيل، وهي مبادئ وقيم قائمة على الرحمة والمودة والعدالة والمساواة والوفاء بالعهود والتعاون والتسامح وغير ذلك، فلما فتح الله تبارك وتعالى على رسوله (صلى الله عليه وسلم) مكّة ومكَّنه من أهلها، وبالرغم مما لحقه هو وأصحابه منهم من القسوة والعذاب والطرد، قال لهم: «ما تظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. فقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»[2].

هذا ولقد أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مجموعة من الرسائل إلى الكثير من الملوك والشعوب يدعوهم فيها إلى الإسلام، وهذا يؤكد عالمية الإسلام ويؤيدها، فقد أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رسلًا من أصحابه، وكتب معهم كتبًا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى قيصر ملك الروم، وإلى كسرى ملك فارس، وإلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام،  وإلى جيفر وعباد ابني الجلندي الأزديين ملكي عُمان، وإلى ثمامة بن أثال، وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وإلى الحارث بن عبد كلال الحميري ونعيم بن عبد كلال الحميري باليمن[3].

كل ذلك وغيره يؤكد على عالمية شريعة الإسلام، فعالمية الإسلام من الثوابت اليقينية التي لا نزاع فيها[4].

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن عالمية الإسلام لا تنفي الاعتراف بأي دين آخر، فالإسلام يعترف بالأديان السماوية، ويبين كيفية التعامل مع أتباع هذه الأديان، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77].

ثانيًا: إنسانية شريعة الإسلام- إثبات وتأكيد:

الإنسانية هي نظرة خُلقية تُعْلي من شأن الإنسان وقدره، وتمنع كل ما يؤدي إلى امتهانه أو إذلاله، أو إخافته، أو الانتقاص من حريته، أو انتهاك حرمته أو عقيدته[5]، وهذا هو ما بينته وما جاءت به شريعة الإسلام، والمتتبع لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة وأفعالهم، وآراء الفقهاء- يجد مدى عناية الإسلام بالإنسان.

وقد كرم الله تبارك وتعالى الإنسان، فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر ملائكته بالسجود له، وجعله خليفته في الأرض، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: 29، ص: 72]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30].

كما سخر الله تبارك وتعالى للإنسان كل ما في السماوات وما في الأرض، وزوَّده بالقوى والمواهب، ليسود الأرض، وليصل إلى أقصى ما قدر له من كمال مادي وارتقاء روحي، قال الله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: 12]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحج: 65]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: 20]،وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 12، 13].

ولكي يحقق الإنسان أهدافه ويبلغ غاياته، جاءت شريعة الإسلام بالأحكام التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق هذه الأهداف وهذه الغايات، فمن السمات الرئيسية التي تميز شريعة الإسلام، أنها شريعة إنسانية، ويعني ذلك أنها شريعة شرعت من أجل الإنسان لكي تحافظ عليه وتنميه وترقى به[6]، فهي شريعة جاءت لتكريم الإنسان وللحفاظ على هذا التكريم، شرعت الأحكام التي تحمي الإنسان وتحافظ عليه قبل أن يولد وبعد ولادته إلى أن يموت وحتى بعد أن يموت، لهذا جاءت شريعة الإسلام بالمحافظة على الإنسان وهو جنين في بطن أمه فحرمت الإجهاض، وجاءت بالمحافظة على الإنسان في أثناء حياته فحرمت قتله وعدم الاعتداء عليه بأي نوع من أنواع الاعتداء، وجاءت بالمحافظة عليه حتى بعد وفاته فأمرت بتكريم جسده وعدم الاعتداء عليه بأي نوع من أنواع الاعتداء.

ولا يرضى الله- جل شأنه- إهانة الإنسان وإهدار كرامته، إذ كان قد كرمه وخلقه بيده سبحانه، ولذلك كان فرعون من المفسدين، فقال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 4].

كما اهتم الإسلام بالجانب الروحي للإنسان فجاء بالعبادات؛ من صلاة وصيام وحج، وغير ذلك، لإشباع الجانب الروحي عند الإنسان، كما لم تغفل شريعة الإسلام الجانب المادي في الإنسان، فشرعت الأحكام التي فيها المحافظة على المال، كما شرعت له الاستمتاع بالطيبات من الرزق، وأباحت له الزواج وغير ذلك، ولم يكتفِ الإسلام بذلك، بل أشرك المجتمع والدولة في رعاية الحاجات الإنسانية للإنسان بحيث لا يعيش محرومًا منها، فإذا لم يكن للإنسان دخل يكفيه لإشباع حاجاته المشروعة، وجب على المجتمع والدولة مساعدته على إشباعها عن طريق الزكاة وموارد الدولة.

كما اعتنت شريعة الإسلام بعقل الإنسان، فقد وهب الله تبارك وتعالى الإنسان نعمة العقل وميّزه بها، وشرع الأحكام التي تؤدي إلى المحافظة عليه والعناية به، ففرضت عليه العلم وأعانت عليه بكل الوسائل، وحرمت الاعتداء على العقل بأي شيء يغيبه.

فمحور اهتمام شريعة الإسلام هو الإنسان، ولهذا شرعت كل الأحكام من أجله وللمحافظة عليه خَلْقًا وخُلْقًا ودينًا وعرضًا ومالاً دون تمييز، وفي هذا يقول البعض: «ومقصود الشرع من الخلق- كلمة الخلق عامة وشاملة- خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة»[7].

ويقول البعض أيضًا: «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد- كلمة العباد عامة وشاملة أيضًا- في العاجل والآجل معًا... والمعتمد إنما هو أنّا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد... وتكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق- كلمة الخلق عامة وشاملة...»[8]. ويقول البعض: «أينما توجد المصلحة فثَمَّ شرع الله»[9].

فالناظر في شريعة الإسلام يجد أن الهدف منها تحقيق مصالح الإنسان التي عليها قوام حياته وبها تكون سعادته في الدنيا والآخرة، ومصالح الإنسان تتحقق بحفظ ضرورياته وحاجياته وكمالياته، فمصالح الإنسان التي حرص التشريع الإسلامي عليها ثلاثة:

الأولى: المصالح الضرورية وهي التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا، وهي خمسة: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل. وجاء التشريع الإسلامي لكل منها بأحكام تكفل لها وسائل المحافظة والحماية والبقاء والاستمرار، فجاء بعقوبات للرِّدة والجهر بالكفر لحماية الدين، والقصاص والدِّيات والكفارات لحماية النفس، والرجم والجَلْد لحماية النسل والعِرْض، والقطع والتعزير لحماية المال، والجَلْد والتعزير لحماية العقل. وجاء التشريع الإسلامي أيضًا بالبيوع والتجارة والزكاة، ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل وحرم الربا والميسر والخداع في المعاملات لحماية المال، وجاء بالزواج وأحكام الأسرة والنهي عن الزنا وقذف المحصَنات لحماية النسل والعِرْض، وجاء بضرورة العلم وطلبه وتكليف الإنسان بالبحث والمعرفة لتنوير العقل واستمراره دوره الفعال في الحياة، وحرم شرب الخمر حماية للعقل.

الثانية: المصالح الحاجية وهي المصالح التي تكمل حفظ المصالح الضرورية بإزالة الحرج ورفع المشقة، فبدون هذه المصالح الحاجية تشق الحياة ويعم الحرج، فجاء التشريع الإسلامي بهذه المصالح الحاجية كالمضاربة والسلم والحكم بالقسامة والدِّيَة على العاقلة وتضمين الصُّناع[10].

الثالثة: المصالح الكمالية وهي تتعلق بعادات الناس وأخلاقهم، فالتشريع الإسلامي جاء بأحكام يقصد بها حفظ المروءات بين الناس والسير بهم في طريق الكمال، ومن أمثلة المصالح الكمالية الطهارة وأخذ الزينة في الصلاة، والتقرب إلى الله بالنوافل، وآداب الأكل والشرب، وعدم قتل نساء وصبيان الأعداء والرهبان في الحروب[11]، ومنع التمثيل بالقتلى في الحروب، واختيار الأطيب والأجود في أداء الزكاة، والتورع في الكسب، وترك الإسراف في الطعام والشراب واللباس.

وأيضًا من أهم مقاصد التشريع الإسلامي إقامة العدل والمساواة بين الناس في المجتمع، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]،فالناس أمام التكاليف الشرعية سواء، والعدل بين الناس يكون في كل شيء، وهو مطلوب من كل شخص وُكِل إليه أمر من أمور العباد، فالعدل مطلوب في القضاء وفصل الخصومات، وفي تولية المناصب ومراقبة الولاة، وفي فرض الضرائب، والصرف في وجه المنافع للناس عامة من غير إيثار بعضهم على بعض، ويستوي في ميزان العدل والمساواة بين الناس الغني والفقير، والحاكم والمحكوم.

فلا فرق بين الناس بسبب النسب والحسب واللون والجنس والنوع، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «يا أيها الناس، ألا إن ربَّكم واحِد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلاَّ بالتقوى»[12].

فالناس في الإنسانية سواء، وإنما المفاضلة بينهم تكون في أمور أخرى منها التقوى. كما روي أن أبا ذر عيَّر بلالًا بأمه فقال: يا ابن السوداء، وأن بلالًا أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبره، فغضب، فجاء أبو ذر ولم يشعر، فأعرض عنه النبيُّ (صلى الله عليه وسلم)، فقال: ما أعرضك عني إلا شيء بلغك يا رسول الله، قال: «أنت الذي تُعيِّر بلالًا بأمِّه؟» قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «والذي أنزل الكتاب على محمد- أو ما شاء الله أن يحلف- ما لأحد على أحد فضل إلا بعمل، إن أنتم إلا كطف الصاع»[13].

كما أنه لا فرق بين دين ودين لتكريم الإنسان حيًّا أو ميتًا، فقد روي أن جنازة يهودي مرت فوقف لها الرسول (صلى الله عليه وسلم) تكريمًا له، فقال له بعض أصحابه: إنه يهودي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «أليست نفسًا»[14].

وكل هذا وغيره يدل على أن شريعة الإسلام شريعة إنسانية، محور اهتمامها هو الإنسان، أي إنها شرعت للإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو طبقته أو وطنه أو دينه أو مركزه الاجتماعي، وسواء أكان الإنسان في حالة السِّلْم أو الحرب أو المعاهدة.

ومن الثابت شمولية حقوق الإنسان في الإسلام، فقد جاء بتقرير كل أنواع حقوق الإنسان؛ فجاء بالحقوق الدينية والسياسية والمالية والاجتماعية والفكرية وغيرها. وسواء أكانت هذه الحقوق جماعية أم فردية، فلقد جاء الإسلام باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وضمانها ضمانًا شاملًا لكل بني آدم، أو لكل إنسان بوصفه إنسانًا، إذ إن خطاب التكليف بها وبحمايتها موجه للآدمي كونه إنسانًا، فهي ليست خاصة بشخص دون شخص أو بمجتمع دون مجتمع، وإنما هي ثابتة للأشخاص وللمجتمعات كافة، وأيضًا نجد أنّ حقوق الإنسان ثابتة للإنسان في كل زمان ومكان وليست خاصة بزمان دون زمان أو مكان دون مكان، حيث جاء الخطاب الذي يحمي هذه الحقوق دالًّا على ذلك كما سنرى.

النقطة الأولى: ماهية حقوق الإنسان وأقسامها ومصادرها

أولًا: مفهوم حقوق الإنسان وأقسامها:

يغطي مصطلح «حقوق الإنسان» الذي شاع استعماله بعد الحرب العالمية الثانية، بفضل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جميع المفاهيم التي كانت تدل عليها مصطلحات متداولة قبل ذلك، مثل مصطلح «الحريات الخاصة»، الذي يشمل الحريات المدنية، مثل: حرية التملك، وحرية التعاقد، وحرية العمل، وغيرها، ومصطلح «الحريات العامة» الذي يشمل الحريات السياسية، مثل حرية التجمع، وحرية تأسيس الجمعيات، وحرية الصحافة، أي عن مصطلح «حقوق الإنسان» أوسع نطاقًا؛ إذ إنه يضم تلك المصطلحات المشار إليها.

في الواقع يعد مصطلح «حقوق الإنسان» من المصطلحات التي يصعب وضع تعريف محدد أو منضبط أو جامع مانع له، وذلك نظرًا لتعدد الحقوق التي تندرج تحته، وكثرتها، وتنوعها، وتشعبها وتشابكها، ومع ذلك فقد كثرت المحاولات لوضع تعريف يوضح المقصود بهذا المصطلح وتعددت، ولكن هذه المحاولات لم تصل إلى وضع تعريف محدد أو منضبط أو جامع مانع لمصطلح «حقوق الإنسان».

ولهذا فإنه يبدو لي أن بيان ماهية مصطلح «حقوق الإنسان» يكون من خلال استعراض تصنيف أنواع الحقوق التي تندرج تحته، وتعدادها؛ كأن يقال: إن من حقوق الإنسان الحقوق الجسدية، كالحقوق التي تحافظ على سلامة جسده، وكالحق في الحياة.

وإن من هذه الحقوق الحقوقُ المالية، كالحق في الملكية. وإن منها الحقوق الدينية، كالحق في عدم جواز الإكراه في الدين. وإن منها الحقوق الفكرية، كحرية التعليم. وإن منها الحقوق السياسية، كالحق في الانتخاب. وإن منها الحقوق الاجتماعية، كالحق في الزواج، وغير ذلك.

ومن الملاحظ أن الحق يتطور بتطور العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، ولهذا توجد تقسيمات متعددة ومختلفة ومتداخلة لأنواع حقوق الإنسان فنجد من يقسم هذه الحقوق إلى: حقوق طبيعية، وهي الحقوق الثابتة للإنسان بوصفه إنسانًا، وبصرف النظر عن البلاد التي ينتمي إليها أو يقيم فيها، مثل حق الحياة وحقوق مدنية، مثل حق التعاقد وحقوق سياسية وهي الحقوق التي تتمتع بها طائفة من الأفراد الذين يشاركون في الحياة السياسية، كالحق في الانتخاب، والحق في الترشح للمناصب السياسية. وحقوق اجتماعية، كالحق في الزواج وتكوين أسرة. وحقوق اقتصادية، وهي تلك الحقوق التي تتعلق بالأموال والملكية.

ومنهم من يقسمها إلى: حقوق خاصة، وحقوق عامة.

ولا تحول هذه التقسيمات الأكاديمية دون حقيقة تداخل حقوق الإنسان وتشابكها بعضها ببعض، واعتماد الواحد منها على الآخر، واتصاله بها.

ثانيًا: مصادر حقوق الإنسان:

1- مصادر حقوق الإنسان في شريعة الإسلام

يقصد بمصادر حقوق الإنسان في الإسلام الأدلة الشرعية التي تستند إليها هذه الحقوق، وهذه المصادر هي مصادر الفقه الإسلامي بصفة عامة، المتمثلة في الأدلة الشرعية؛ لأن طبيعة حقوق الإنسان في الإسلام هي عبارة عن أحكام شرعية، وبالتالي لا بد لها من دليل تستند إليه ويدل عليها، ومن المعروف أن هذه الأدلة متعددة ولكن سوف نشير إلى بعضها فيما يلي:

- القرآن الكريم: القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامين وهو كلام الله تبارك وتعالى المنزل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) باللفظ العربي، المنقول إلينا تواترًا والمتحدِّي بأقصر سورة منه، المتعبَّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس[15].

ومن المعروف أن الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم معظمها مجملة أو عامة أو مطلقة، ثم جاءت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) وعمل الصحابة وآراء الفقهاء مبيِّنة ومفصِّلة أو مخصِّصة أو مقيِّدة لما جاء في القرآن الكريم[16]، وما ذلك إلا لأن القرآن هو دستور المسلمين، ولذلك جاءت فيه الأحكام مجملة وعامة ومطلقة.

وفي هذا الإطار ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تثبت للإنسان حقوقًا كثيرة، منها قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، وتعد هذه الآية في الواقع بمثابة وثيقة كاملة لحقوق الإنسان في الإسلام فقد أثبتت تكريم الإنسان وتفضيله على سائر المخلوقات، وأكدت ذلك، وهذا يقتضي الإقرار بحقوق كثيرة له قبل ولادته وفي أثناء حياته وبعد مماته لكي تحقق له هذا التكريم.

ومن هذه الحقوق تكريمه بأن خلقه الله تبارك وتعالى بيده، ونفخ فيه من روحه وأحسن هيئته، وأمر ملائكته بالسجود له تحية وتعظيمًا، وجعله خليفته في الأرض، كما سخر الله تبارك وتعالى للإنسان كل ما في السماوات وما في الأرض، وزوده بالقوى والمواهب ليسود الأرض، وليصل إلى أقصى ما قدر الله من كمال مادي وارتقاء روحي، فشرعت الأحكام التي تحمي الإنسان وتحافظ عليه قبل أن يولد، وبعد ولادته إلى أن يموت، وحتى بعد أن يموت. فمحور اهتمام شريعة الإسلام هو «الإنسان»، ولهذا شرعت كل الأحكام من أجله وللمحافظة عليه خَلْقًا وخُلْقًا ودينًا وعرضًا ومالاً، وأيضًا من أهم الحقوق التي جاء بها الإسلام إقامة العدل، والمساواة بين الناس في المجتمع، وقد سبق أن ذكرنا الآيات التي تثبت هذه الحقوق وتدل عليها.

- السنة النبوية: هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، وهي كل ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير[17].

وقد أثبتت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) الكثير من حقوق الإنسان في أكثر من حديث نبوي شريف، وسنكتفي في هذا المقام بذكر ما يلي:

- ما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في خطبة الوداع يوم الحج الأكبر: «أيها الناس، اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا. أيها الناس، إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم اشهد.

من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع.

أيها الناس، إنَ لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حقًّا، فعليهن ألا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن بيوتكم أحدًا تكرهونه إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فقد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم كسوتهن ورزقهن بالمعروف، فإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا...

أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس.

أيها الناس، إنّ ربكم واحد، وإنّ أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

أيها الناس، إن الله قسم لكل وارثٍ نصيبه من الميراث، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فهو ملعون...» [18].

فواضح من هذه الخطبة أنها تعدّ أيضًا وثيقة لحقوق الإنسان، حيث أثبتت للإنسان أكثر من حق، كالحق في الحياة، وحق التملك، والحق في صيانة العرض والنسل، وحق المساواة، وحق الحرية، وحق حرمة البيوت، وحقوق الزوجة، وحقوق الزوج، وحق النَّسب، وحق الميراث، وحق الوصية.

- آثار الصحابة: المتتبِّع لآثار الصحابة (رضي الله عنهم) يجد أنهم حرصوا على تأكيد الكثير من حقوق الإنسان وترسيخها، في آثار كثيرة رويت عنهم، وسنكتفي في هذا المقام بالأثر الرائع الذي روي عن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بشأن قصة المصري القبطي مع ابن عمرو بن العاص، فقد روي أن رجلًا من أهل مصر أتى سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقل: يا أمير المؤمنين: سابقت ابن عمرو فسبقته، فجعل يضربني بالسَّوْطِ ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويَقْدَم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خُذِ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين، ثم قال عمر للمصري: ضع السَّوْطَ على صَلْعةِ عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين! إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدتُ منه، فقال عمر لعمرو: متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟[19].

- مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان في الإسلام:

من الجدير بالذكر في هذا المقام أن الفكر الإسلامي المعاصر قد قدم صياغات تحدد حقوق الإنسان بلغة معاصرة، حيث قدم صياغات مقنَّنة لحقوق الإنسان في صورة مواثيق أو إعلانات أو معاهدات: ومنها ما يلي:

1- إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام، وقد صدر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة سنة 1979.

2- البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان، وقد صدر عن المجلس الإسلامي الأوربي في لندن سنة 1980.

3- مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام، الذي صدر عن مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف سنة 1989.

4- مشروع حقوق الإنسان في الإسلام، الذي قدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان بطهران، في ديسمبر 1989.

5- إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام سنة 1990.

6- إعلان بشأن حقوق الطفل ورعايته في الإسلام، وقد صدر في المغرب سنة 1944.

والناظر في هذه الوثائق والإعلانات يجد أنها تقرر الكثير من حقوق الإنسان في الإسلام، كحق الحياة، وحق الحرية، وحق المساواة، وحق العدالة، وحق حماية العرض والنسل، وحق التفكير، وحق الاعتقاد، وحق عدم جواز الإكراه في الدين، وحق الملْكية، وحق العمل، وحق التعليم، وحق التنقُّل، وحق التقاضي، وحق التعبير عن الرأي، والحق في الخصوصية، وحق حرمة البيوت، وحق الزواج، وحقوق الزوجة، وحقوق الزوج، وحق النَّسب، وحق الحضانة، وحقوق الجنين، وحقوق الميت، إلى غير ذلك من الحقوق.

وقد أصدرت منظمات إسلامية حكومية وغير حكومية عدة وثائق تحمل عنوان «حقوق الإنسان في الإسلام»، كما ألّف كثير من الباحثين المتخصصين كتبًا ودراسات عن حقوق الإنسان في الإسلام، وجميعها تعتمد في مادتها على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وعلى أقوال الصحابة، وآراء الفقهاء.

ومن هذه الوثائق «وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام»، التي أصدرتها منظمة المؤتمر الإسلامي، و«البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام»، الذي صدر عن المجلس الإسلامي الأوروبي.

2- مصادر حقوق الإنسان في المواثيق الدولية (النظام الدولي لحقوق الإنسان- نصوص ومصادر):

مصادر حقوق الإنسان في المواثيق الدولية تتمثّل فيما يلي[20]:

- ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945م.

- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م (موضوع البحث).

- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ولهذا العهد بروتوكولان اختياريان:

الأول: خاص بالإقرار بحق اللجنة المعْنية بحقوق الإنسان في نظر شكاوى الأفراد.

الثاني: خاص بإلغاء عقوبة الإعدام.

- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضُروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة.

- اتفاقية حقوق الطفل.

- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

- اتفاقية منع الرِّق 1926م[21].

النقطة الثانية: ماهية مقاصد الشريعة الإسلامية، وتقسيماتها، وعلاقتها بالأدلة الشرعية

تمهيد: تهدف الشريعة الإسلامية من خلال أحكامها إلى تحقيق مجموعة من المقاصد التي تحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، ومن هذه الأحكام التي تحقق هذه المقاصد: نظام حقوق الإنسان الذي يُعد من أرقى النظم، فقد تناولته الشريعة الإسلامية تناولاً دقيقًا ومحكمًا صالحًا لكل زمان ومكان، رافعة بذلك أسباب النزاع والشِّقاق، ومحقِّقة لأسباب الهدوء والاستقرار.

وقد كثر في الآونة الأخيرة التوجه نحو دراسة مقاصد الشريعة الإسلامية، واهتمام العلماء والباحثين بها، وهو موضوع يحتاج إلى الكثير من الدراسات التي تظهر جوانبه المتعددة.

ويواجه المسلمون في هذه الآونة تحديات كثيرة تجعلهم في حاجة إلى بيان محاسن الشريعة الإسلامية، ويعد موضوع مقاصد الشريعة الإسلامية من الموضوعات المهمَّة المطروحة على ساحة البحث في هذه الآونة، لأنه يبين محاسن التشريع الإسلامي بتوضيح المقاصد التي راعتها الشريعة الإسلامية في تشريعاتها العامة والخاصة والجزئية.

كما أنه يدفع بعض الشبهات التي يثيرها البعض عن أحكام الإسلام، وخاصة في مجال حقوق الإنسان، وذلك بإظهار مقاصد الشريعة في هذا المجال وبيانها، حتى يتم الوقوف الحقيقي على الفهم الصحيح لهذه الحقوق ودفع الشبهات التي يثيرها البعض عن هذه الحقوق.

وسوف تشمل هذه النقطة على ما يلي:

1- مقاصد الشريعة الإسلامية مصطلحات وتعريفات:

- التعريف بمقاصد الشريعة الإسلامية:

بدايةً ننوه إلى أن الناظر فيما كُتب عن مقاصد الشريعة الإسلامية يجد عدة مصطلحات متداولة في هذا المجال، ومنها: المقاصد- العلل- الحِكم- المصالح- الغايات- الأسرار- المعاني- الأهداف، وغيرها.

كما أن الناظر في تعريفات[22] العلماء لمقاصد الشريعة الإسلامية يجد أنها كثيرة ومتنوعة، ويمكن رد هذه التعريفات إلى عدة اتجاهات:

الاتجاه الأول: يعبر عن المقاصد بالحِكم، فيعرف المقاصد العامة بأنها: «لمعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بأن تكون في نوع خاص من أحكام الشريعة»[23].

وعرفها البعض بأنها: «المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عمومًا وخصوصًا من أجل تحقيق مصالح العباد»[24].

وعرفها البعض بأنها: «الحِكَم المقصودة للشارع في جميع أحوال التشريع»[25].

الاتجاه الثاني: يعبر عن المقاصد بالمصالح، فيعرف المقاصد بأنها: «جلْب المصالح للناس ودرء المضار والمفاسد عنهم»[26]. ويعرفها البعض بأنها: «جلْب المصالح وأسبابها للخلق ودرء المفاسد وأسبابها عنهم في الدارين، أو الجمع بين الأمرين»[27]. وعرفها البعض بأنها: «المصالح التي قصد الشارع بتشريع الأحكام»[28].

الاتجاه الثالث: يعبر عن المقاصد بالغايات أو بالأسرار أو بالمعاني أو بالأهداف. فنجد البعض يعرف المقاصد بأنها الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد، سواء مصالح عامة أو خاصة أو جزئية[29].

والبعض يعرف مقاصد الشريعة بأنها: «الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها»[30].

ويعرفها البعض بأنها: «الغايات والأهداف والنتائج والمعاني التي أتت بها الشريعة وأثبتتها في الأحكام، وسعت إلى تحقيقها وإيجادها والوصول إليها في كل زمان ومكان»[31].

وعرفها البعض بأنها: «المعاني الغائبة التي اتجهت إرادة الشارع إلى تحقيقها عن طريق أحكامه»[32].

الاتجاه الرابع: وهو اتجاه يجمع في تعريفه للمقاصد المعاني الواردة في الاتجاهات الثلاثة السابقة ويزيد عليها معنى «العلة»، فيعرف مقاصد الشرع بأنها: «هي الغايات التي ترمي إليها الشريعة في كل ما شرعته من أحكام، وما وضحته من قوانين، وما قررته من توجيهات ومُثُلٍ عليا، وتسمى أيضًا حِكمًا وعِللًا وأهدافًا وأسرارًا ومعانيَ، ويُجْمل العلماء ما تقصده الشريعة في عبارة: «جلْب المصالح ودَرْءُ المفاسد»[33].

موقفنا من هذه الاتجاهات: بداية يجب التنويه إلى أنه لا يجوز التعبير عن المقاصد بالعلل؛ لأن التعبير عن المقاصد بالعلل أمر خطير وخطأ، وخطره وخطؤه لا يخفى على أحد، والتعبير عن المقاصد بالمصالح تعبير بالبعض وإرادة الكلِّ، فالمصالح هي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، بل هو أعلاها، والتعبير عن المقاصد بالحِكم (ويلحق بها الغايات والأسرار والمعاني والأهداف) أمر يحتاج إلى ضبط وتوضيح، وكلُّ هذا يتضح من خلال ما يلي.

الفرق بين العلة والحكمة والمقصد:

العلة والحكمة والمقصد، من المصطلحات التي قد يلتبس أحدها بالآخر، والبحث في الفرْق بين هذه المصطلحات من المسائل الشائكة.

فالعلة- وفقًا للراجح-: هي[34] الوصف الظاهر المنضبط المعرِّف للحكم. أو هي: الوصف الظاهر المنضبط الذي أناط به الشارع الحكم وجودًا أو عدمًا. أو هي: الأمر الظاهر المنضبط المعرف للحكم الذي بنى عليه الحكم وجودًا أو عدمًا.

ومن المعروف أن الحكم يدور مع العلة وجودًا أو عدمًا، فإذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، كجعل الشارع قطع يد السارق حدًّا من الحدود الشرعية. وإذا بحثنا عن علة هذا الحكم نجد أنها: السرقة، والسرقة من الأوصاف الظاهرة التي لا تخفى على أحد، كما أنها منضبطة لا تختلف من شخص لآخر أو من مكان لآخر. وإذا تحققنا من وجود السرقة فإنها تعرفنا على وجود الحكم الذي هو قطْع اليد إذا تمت شروطه.

أما الحكمة فهي[35]- وفقًا للراجح-: ما يترتب على مشروعية الحكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، ففي قطع يد السارق نجد أن علته هي السرقة، أما الحكمة من تشريع هذا الحد فهي حفظ أموال الناس وحمايتها وصيانتها.

وبهذا يتبين أن الحكمة هي الباعث على تشريع الحكم، والغاية المقصودة منه، وهي عبارة عن وصف قد يكون غير ظاهر، وقد يكون غير منضبط، وقد يختلف باختلاف الزمان أو المكان، أما علة الحكم فهي الأمر الظاهر المنضبط الذي بنى الشارع الحكم عليه، وربطه به وجودًا وعدمًان وهو أمر لا يختلف باختلاف الزمان أو المكان.

ومن شأن بناء الحكم على العلة وربطه بها، أن يحقق حكمة تشريع الحكم. ويترتب على هذا أن الحكمة مبنية على العلة، فإذا عرفنا العلة أمكننا معرفة الحكمة، أما إذا خفيت علينا العلة فإنه لا يمكننا التعرف على الحكمة.

والأحكام الشرعية، من حيث معرفة العلة والحكمة فيها، قسمان:

القسم الأول: أحكام معقولة المعنى، وهذه الأحكام يمكن معرفة عللها، مثل: تحريم الخمر، ومشروعية القصاص، وما إلى ذلك، وهذا القسم يمكن معرفة الحكمة من مشروعيته أيضًا، ويطلق العلماء على هذا النوع من الأحكام" «الأحكام الاجتهادية».

القسم الثاني: أحكام غير معقولة المعنى، وهي أحكام قد لا يمكننا معرفة العلة فيها، وهذا لا يدل على أن هذه الأحكام ليس لها علل، بل لها علل، لكن خفيت علينا، ويطلق العلماء على هذا النوع من الأحكام: «الأحكام التعبُّدية»، مثل عدد ركعات الصلاة، وتقبيل الحَجَرِ الأسود، وكرَمْي الجمرات، ونحو ذلك.

وهذا القسْم قد لا يمكننا معرفة الحِكمة من مشروعيته، لعدم التعرف على العلة، لكن يجب الإيمان به، واعتقاد أنه لم يُشرع لنا إلا لحِكمة خفيت علينا[36].

فمثلًا: جاء الشرع بمشروعية قصْر الصلاة في السَّفر، والعلة في هذا الحكم هي السفر، أما الحكمة فهي دفع المشقة ورفع الضيق عن الناس، وكذلك الإفطار في السفر، فإن علة هذا الحكم هي السفر، أما الحكمة فهي دفع المشقة ورفع الضيق عن الناس، وكذلك إباحة الفطر في نهار رمضان للمريض، العلة فيه هي المرض، والحكمة هي دفع المشقة عن المريض، وكذلك تحريم الخمر، العلة فيه هي الإسكار، أما الحكمة فهي: المحافظة على عقول الناس والبعد بها عمّا يفسدها. فالعلة في الأمثلة السابقة وصف ظاهر منضبط[37].

مدى تميز العلة عن الحكمة ومدى جواز التعليل بالحكمة:

بناء على ما سبق نجد أن بعض الأصوليين يفرقون بين العلة والحكمة، وذلك لما سبق ذكره، ولا يجوز عندهم بناء الحُكم على الحِكمة بل يبنى الحكم على العلة[38]، وهو ما نرجِّحه. في حين يرى البعض الآخر أنه لا فرق بين العلة والحكمة، ويجوز عندهم بناء الحكم على الحكمة.

فمن المعروف أن الأصوليين اختلفوا في التعليل بالحكمة إلى عدة آراء يمكن إجمالها في ثلاثة آراء[39]:

الرأي الأول: وإليه يذهب أكثر الأصوليين، حيث يرون أنه لا يجوز التعليل بالحكمة مطلقًا.

والرأي الثاني: وإليه يذهب بعض الأصوليين، حيث يرون أنه يجوز التعليل بالحكمة مطلقًا.

والرأي الثالث: وإليه يذهب بعض الأصوليين، حيث يرون أنه يجوز التعليل بالحكمة متى كانت ظاهرة ومنضبطة، ولا يجوز التعليل بها إذا كانت خفية ومضطربة.

ويبدو لي أن الرأي الذي يذهب إليه أكثر العلماء من عدم جواز التعليل بالحكمة مطلقًا- هو الراجح، وذلك لما سبق ذكره، فجميع الأحكام الشرعية تبنى على عللها لا على حكمها، ويوجد الحكم الشرعي حيث توجد علته حتى لو تخلفت الحكمة، وينتفي حيث تنتفي علته حتى لو تحققت الحكمة، وبذلك يستقيم التكليف وتطَّرد الأحكام.

تعريفنا لمقاصد الشريعة الإسلامية:

أما مقاصد الشريعة الإسلامية فيمكن تعريفها- من وجهة نظري- بأنها عبارة عن: «مجموعة من الأهداف العامة أو الخاصة أو الجزئية التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحقيقها من خلال أبوابها أو موضوعاتها أو أحكامها التشريعية».

وتوضيح هذا التعريف يتبين من خلال الإشارة إلى أقسام مقاصد الشريعة الإسلامية، وذلك في المبحث التالي.

2- تقسيمات مقاصد الشريعة الإسلامية:

من المعروف أن التقسيمات من صنع الفقهاء وهي لغة فقهية، لذلك تحدث العلماء عن تقسيمات المقاصد وسلكوا فيها عدة اتجاهات[40]: فمنهم من يقسم المقاصد إلى مقاصد الشارع، ومقاصد المكلف[41]. ومنهم من يقسمها إلى مقاصد ضرورية، ومقاصد حاجية، ومقاصد تحسينية. وبعضهم يقسمها إلى مقاصد قطعية، ومقاصد ظنية. وبعضهم يقسمها إلى مقاصد كلية، ومقاصد بعضية. وبعضهم يقسمها إلى مقاصد أصلية، ومقاصد تبعية. ومنهم من يقسم المقاصد إلى مقاصد عامة، ومقاصد خاصة، ومقاصد جزئية[42].

وبدون الخوض في تفاصيل هذه التقسيمات يمكن القول: إن تقسيم المقاصد إلى مقاصد عامة ومقاصد خاصة ومقاصد جزئية، يعد- من وجهة نظري- أكثر وضوحًا في تحديد مقاصد الشريعة الإسلامية وبيان ماهيتها وطبيعتها، وهو ما سنسير عليه في هذا البحث.

- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية:

عرف كثير من العلماء المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بتعريفات كثيرة ومتعددة، لعل أوضحها- من وجهة نظري- التعريف الذي يعرفها بأنها «المقاصد التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحقيقها في كل أبوابها التشريعية، أو في كثير منها»[43].

ومن خلال هذا التعريف يمكن لي تعريف المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بأنها: «مجموعة من الأهداف العامة التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية».

وهذه الأهداف كثيرة ومتعددة ومتنوعة ومنها- على سبيل المثال لا الحصر-: تحقيق مصالح الناس، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، والتيسير والتخفيف على المكلفين، والتدرج في التشريع، والأعمال بالنيات، والأخذ بالأحوط، والحرية، ومراعاة الفطرة الإنسانية السليمة، ومقصد مخالفة الكفار، وغير ذلك.

وكل هدف يندرج تحته عدة مقاصد، فمثلًا هدف «تحقيق مصالح الناس»، نجده يندرج تحته عدة مقاصد عامة، كالمقاصد الضرورية؛ من حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ العرض والنسل، وحفظ العقل، وكالمقاصد الحاجية، وكالمقاصد التحسينية.

- المقاصد الخاصة للشريعة الإسلامية:

يمكن تعريف المقاصد الخاصة للشريعة الإسلامية بأنها «مجموعة من الأهداف التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحقيقها، من خلال باب أو موضوع معين من أبوابها أو موضوعاتها التشريعية»[44]. كباب أو موضوع الزواج أو الطلاق أو الميراث أو الوصية، وغير ذلك. فهذه البواب والموضوعات لها مقاصدها الخاصة بها، إلى جانب تحقيقها للمقاصد العامة للشريعة الإسلامية.

- المقاصد الجزئية للشريعة الإسلامية:

يمكن تعريف المقاصد الجزئية للشريعة الإسلامية بأنها «مجموعة من الأهداف والحِكم التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحقيقها من خلال حكم معين من أحكامها»[45]، كاشتراط الشهادة في عقد الزواج، وكتحريم الزواج من أم الزوجة، وكتحريم الجمع بين المرأة وأختها وغير ذلك. فهذه الأحكام لها مقاصدها الجزئية الخاصة بها، وهذا لا يمنع من أن يكون لها مقصد من المقاصد العامة أو الخاصة، فالشهادة في عقد الزواج تهدف إلى مقصد عام يندرج تحت مقصد حفظ النسل والعرض.

مدى دخول الحكم الاجتهادي والحكم التعبدي في دائرة المقاصد:

في هذا القسم من المقاصد- أي المقاصد الجزئية- تثار مسألة مدى دخول الحكم الاجتهادي والحكم التعبدي في دائرة المقاصد، فبخصوص الحكم الاجتهادي نجد أنه يدخل في دائرة المقاصد الجزئية، ويتم البحث عنها من خلال هذا الحكم، وهنا يمكن أن تختلط الحِكمة بالمقصد، وتستعمل الحِكمة مرادفة للمقصد، وإن كان العلماء يستعملون لفظ «الحكمة» أكثر من لفظ «المقصِد»، جاء في «المعيار المعرب»: «والحكمة في اصطلاح المتشرعين هي المقصود من إثبات الحكم أو نفيه»[46].

أما الحكم التعبدي فهو وإن كان لا يدخل- بحسب الأصل- في دائرة المقاصد الجزئية أو الحِكم- مع أنه يمكن أن يدخل في دائرة المقاصد العامة أو الخاصة- إلا أنه ليس هناك ما يمنع من البحث عن مقصده أو حكمته الجزئية، عندئذ يمكن للعقل عدم إدراك مقصده أو حكمته، ويمكن للعقل إدراك مقصده أو حكمته، وإدراك العقل لمقصده أو حكمته لا يُخرج الحكم عن كونه تعبديًّا، لأنه قد يدرك العقل المقصد أو الحكمة من الحكم التعبدي في وقت من الأوقات، ثم تزول في وقت آخر، وعندئذ لا يعني ذلك زوال الحكم التعبدي، بل يظل قائمًا ومعمولًا به، وردُّ أمره إلى الله تعالى تعبدًا وإيمانًا وتصديقًا، ويجب على العبد أن يوقن بأن هذا الحكم التعبّدي شرع لمصلحته.

فمثلًا نجد أن الشارع أوجب على المرأة المطلّقة العدّة، وهذا حكم تعبدي، ومع ذلك اجتهد العلماء وقالوا: إن المقصد الأساسي أو الحكمة الأساسية من وجوب العدة على المرأة المطلقة هي معرفة براءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب، وإدراك العقل لهذا المقصد أو لهذه الحكمة لا يُخرج هذا الحكم عن كونه تعبديًّا، وأيضًا لو أتى شخص في هذا الزمان وقال: إن تطور العلم والطب في هذا العصر يستطيع أن يؤكد لنا عن طريق الأشعة (المقطعية- الرنين المغناطيسي- التليفزيونية وغيرها) براءة رحم المرأة التي طلّقها زوجها بعد الطلاق مباشرة، وبذلك ينتفي المقصد الأساسي أو الحكمة الأساسية من العدة، فهل معنى ذلك أن المرأة المطلّقة لا عدة عليها ويمكن لها أن تتزوج دون عدة؟ بالتأكيد لا؛ لأن وجوب العدة على المرأة المطلّقة يظل حكمًا تعبديًّا ويظل قائمًا ومعمولًا به وردُّ أمره إلى الله تعالى تعبدًا وإيمانًا وتصديقًا.

وبناء على ما سبق يمكن القول: إن التعبير عن المقاصد بالعلل أمر خطير وخطأ- من وجهة نظري- فهناك فرق بين العلة والمقصد يتلخص في أن العلة هي وصف ظاهر منضبط يرتبط به الحكم وجودًا وعدمًا، وهي تتعلق بالأحكام الجزئية. في حين أن المقصد قد يكون عامًّا في كل أبواب الشريعة أو معظمها، وقد يكون خاصًّا بباب أو موضوع معين، وقد يكون خاصًّا بحكم جزئي معين.

والتعبير عن المقاصد بالمصالح تعبير بالبعض وإرادة الكل، فالمصالح هي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، بل هو أعلاها.

الربط بين الحكمة والمقصد

التعبير عن المقاصد بالحِكم (ويلحق بها الأهداف والغايات والأسرار والمعاني)، أمر يحتاج إلى ضبط وتوضيح، كما سبق أن أوضحنا من أنه لا يوجد فرق بين مصطلحي «الحكمة» و«المقصِد»، فالحكمة مرادفة للمقصِد[47]، وإن كان العلماء يستعملون لفظ «الحكمة» أكثر من لفظ «المقصِد»، جاء في «المعيار المعرب»: «والحكمة في اصطلاح المتشرِّعين هي المقصود من إثبات الحكم أو نفيه»[48].

أما ما ذكر من أن هناك فروقًا بين الحكمة والمقصد، تتمثل في أن الحكمة تتعلق بأفراد الأحكام، بينما المقاصد غالبًا ما تتعلق بكليات الأحكام، وأن المقاصد أمور منضبطة، بينما الحِكَم قد لا تكون كذلك، وأن المقاصد حاصلة بالأحكام الشرعية قطْعًا، بخلاف الحِكَم فإنها قد تتخلف عن الأحكام الشرعية.

فإنه يمكن الرد عليه بأن الحكمة كما تكون جزئية تتعلق بحكم جزئي، فإنها أيضًا يمكن أن تكون خاصة بباب أو موضوع معين كالزواج مثلًا، فيقال: الحكمة من الزواج هي كذا، وتكون أيضًا عامة تتعلق بكليات الأحكام، كالقول بأن من حِكْمة الشريعة الإسلامية تحقيق مصالح الناس؛ من حفظ للنفس وللمال وللعقل وللنسب وللعرض، وبالتالي فكما أن المقاصد تكون جزئية متعلقة بحكم جزئي، وتكون خاصة متعلقة بباب معين، وتكون عامة متعلقة بكل أبواب الشريعة أو معظمها، فكذلك الحِكم أيضًا.

وكذلك القول بأن المقاصد أمور منضبطة، بينما الحِكَم قد لا تكون كذلك. يُردُّ عليه بأن الحِكَم قد تكون منضبطة أيضًا.

وكذلك القول بان المقاصد حاصلة بالأحكام الشرعية قطْعًا، بخلاف الحِكَم فإنها قد تتخلف عن الأحكام الشرعية. يُردُّ عليه بأن «الحِكَم» لا تتخلف عن الأحكام الشرعية قطعًا، فكل حكم شرعي له حكمته ولكن قد يدركها العقل وقد لا يدركها، وذلك على النحو السابق بيانه عند الحديث عن الحكم الاجتهادي والحكم التعبدي[49].

من خلال ما سبق، يتضح أن هناك رابطًا بين الحكمة والمقصِد في التعبير والاستعمالات، ولذلك عرَّف البعضُ الحكمة بالقول: «الحكمة هي المقصود من شرع الحكم»[50]. وعرَّفها البعضُ بأنها: «ما يترتب على التشريع من جلْب مصلحة أو تكميلها، أو دفع مفسدة وتقليلها»[51]. كما عرَّفها البعضُ بأنها: «غاية الحكم المطلوبة بشرعه، كحفظ النفس والأموال بشرع القَوَدِ والقَطْعِ»[52].

3- الأدلة الشرعية وعلاقتها بمقاصد الشريعة الإسلامية:

يحاول البعض في هذه الآونة جعْل مقاصد الشريعة علمًا مستقلًّا بذاته- وهذا فيما يبدو لي- يفرغ المقاصد من مضمونها ويبعدها عن أصلها، فصِلة المقاصد بعلم أصول الفقه هي صلة الفرع بأصله، وصلة الجزء بكله، هي صلة تبعية وتفرع، لا صلة استقلال وتفرد[53]. فالمقاصد متفرعة وتابعة وملتصقة بمباحث علم أصول الفقه.

وأما بخصوص الأدلة الشرعية الإسلامية، فيمكن القول: إن الأدلة الشرعية ليست مقاصد في ذاتها، وإنما هي نصوص الشريعة؛ من قرآن وسنة، وما بني عليهما ورجع إليهما من إجماع وقياس، وغير ذلك. وهذه الأدلة بنيت عليها الأحكام، وهذه الأحكام تؤدي إلى المقاصد وإلى تحقيقها، فالأدلة والأحكام والمقاصد بينها ارتباط لا يقبل الانفكاك[54].

ويبدو لي أن الأدلة يستنبط منها الأحكام والعلل والحِكم أو المقاصد، وأن علاقة المقاصد بالأدلة هي علاقة الشيء بمصدره.

جاء في كتاب «إعلام الموقّعين»: «والقرآن وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مملوآن من تعليل الأحكام بالحِكَم والمصالح، وتعليل الخلق بهما، والتنبه على وجود الحِكَم التي لأجلها شُرِع تلك الأحكام ولأجلها خُلق تلك الأعيان، ولو كان هذا القرآن والسنة نحو مئة موضع أو مئتين لَسُقْناها، ولكنّه يزيد على ألف موضع بطريقة متنوعة»[55].

وفيما يلي لمحة عن الأدلة الشرعية وعلاقتها بمقاصد الشريعة الإسلامية.

أولًا- القرآن الكريم: القرآن الكريم بوصفه المصدر الأول للتشريع الإسلامي، يحتوي على كثير من مقاصد الشريعة الإسلامية، وفيما يلي بعض هذه الآيات:

- قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب: 37].

- وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

- وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32].

- وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

- وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].

- وقال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78].

- وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 286].

- وقال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7].

- وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179].

- وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 282].

- وقال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103].

- وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 90، 91].

واضح من هذه الآيات وغيرها أنها تحقق الكثير من مقاصد الشريعة الإسلامية وتدل عليها، وتهدف إليها، سواء أكانت مقاصد عامة، كمقصد التيسير والتخفيف ورفع الحرَج، وكمقصد حفظ العرض والنسل، وكمقصد حفظ النفس، أم كانت مقاصد خاصة، كمقصد تحقيق السكن والمودة والرحمة الخاص بالزواج، وكمقصد طهارة المال وتزكية النفس الخاص بالزكاة، أم كانت مقاصد جزئية كالمقصد من كتابة الدَّيْن أو الشهادة عليه، وكالمقصد من تحريم الخمر والميسر؛ لكونهما يؤديان إلى العداوة والبغضاء والخصومات والتنازع.

ثانيًا- السنة النبوية: السنة النبوية، بوصفها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، تحتوي على الكثير من مقاصد الشريعة الإسلامية، وفيما يلي بعض هذه الأحاديث:

- عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»[56].

- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله»[57].

- عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»[58].

- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم»[59].

- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»[60].

- نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أن تُزوَّج المرأةُ على العمَّةِ والخالةِ، وقال: «إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم»[61].

واضح من هذه الأحاديث وغيرها أنها تحقق الكثير من مقاصد الشريعة الإسلامية وتدل عليها وتهدف إليها، سواء أكانت مقاصد عامة، كمقصد التيسير والتخفيف ورفع الحرج، وكمقصد حفظ العرض والنسل، وكمقصد حفظ النفس، أم كانت مقاصد خاصة بالزواج، أم كانت مقاصد جزئية كما هو الحال في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.

ثالثًا: الإجماع: والإجماع بوصفه مصدرًا للفقه الإسلامي، يأتي بعد الكتاب والسنة، يمكن القول: إنه يحقق الكثير من المقاصد لعل أهمها التيسير والتخفيف ودفْع الحرج.

رابعًا: القياس: القياس بوصفه مصدرًا للفقه الإسلامي، يأتي بعد الكتاب والسنة والإجماع، فهو يعد موطنًا لكثير من المقاصد، بالإضافة إلى أنه موطن دراسة العلة والحكمة.

خامسًا: الاستحسان: الاستحسان يعد من طرق الاجتهاد بالرأي، ولا نقصد بذلك الرأي المحض، لأن العقل بمفرده لا عمل له في مجال الحل والحرمة، وهو من أهم مصادر الاجتهادية وأخطرها وأعظمها أثرًا في تطور الفقه الإسلامي، إن أحسن استعماله كان وسيلة لنمو الفقه الإسلامي ومرونته وتوسعه وتجنب ما تؤدي إليه بعض الأحكام بجزئياتها وفروعها وغلو قياسها من ضيق ومشقة، وإن أسيء استعماله كان تعطيلًا للنصوص وإهمالًا للأصول العامة وللقواعد الكلية.

أما تعريف الاستحسان في الاصطلاح: فقد عرفه العلماء بتعريفات كثيرة، منها: «العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر، لوجهة أقوى وأرجح، يقتضي هذا العدول»[62].

والاستحسان كدليل يؤدي في تطبيقاته إلى تحقيق مقاصد للشريعة، منها جلب المصلحة ودفع المفسدة، ورفع الحرج، والتيسير على الناس، ويتضح ذلك من خلال بيان أنواع الاستحسان وأمثلة كل نوع، وذلك على النحو التالي:

أنواع الاستحسان: يؤدي بيان أنواع الاستحسان إلى زيادته وضوحًا، حيث يتم من خلالها عرض عدة أمثلة له، وفي الواقع إن العلماء لم يسلكوا مسلكًا واحدًا في بيان أنواع الاستحسان؛ فبعضهم يقسم الاستحسان إلى قسمين رئيسيين يندرج تحت كل قسم عدة أنواع. في حين نجد البعض يعدد أنواعًا للاستحسان[63].

والناظر في هذا المسلك أو ذاك يلاحظ أن بعض هذه الأنواع مثّل له بأمثلة يعد حكمها ثابتًا بالاستحسان كمصدر مستقل تثبت به الأحكام. في حين نجد البعض الآخر من هذه الأمثلة مصدر الحكم فيها النص أو الإجماع وليس الاستحسان كمصدر مستقل، وعندئذ يمكن القول: إن هذه أنواع للاستحسان بحسب صلتها بالمصادر الأخرى.

وأنوع الاستحسان كما ذكرها بعض العلماء هي[64]:

1- الاستحسان بالنص: وهو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر، لوجهة أقوى وأرجح، ثبت بالقرآن أو السنة، يقتضي هذا العدول.

ومن أمثلة الاستحسان الثابت بالقرآن: جواز الوصية، إذ إنها تصرفٌ مضافٌ إلى ما بعد الموت عن طريق التبرع، والقواعد العامة تقتضي أنها لا تصح، لأن الموصي يُتصرف في ملكه بعد وفاته، أي بعد زوال مِلْكية المالك، لأن الموت مزيل للمِلك، فكأنه يتصرف في ملك ورثته- أي في ملك غيره- لانقطاع صلته بأمواله بمجرد موته، فتقع الإضافة إلى وقت زوال المِلْك، فلا يتصور وقوع التمليك وصحته، ولكن النص القرآني ورد بجواز الوصية استحسانًا في قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا﴾ [النساء: 12]، لحاجة الناس لها، ورفْع الحرج المترتب على منعها.

ومن أمثلة الاستحسان الثابت بالسنة: جواز السلم، إذ هو بيع آجل بثمن عاجل، يعني بيع ما ليس عند الإنسان وقت التعاقد بثمن حالٍّ في مجلس العقد، والأصل العام يقتضي بعدم جواز بيع المعدوم وقت التعاقد، لما روي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال لحكيم بن حزام: «لا تَبِعْ ما ليس عندك»[65].

فهذا الدليل يقضي بأن يكون المبيع موجودًا عند البائع وقت إنشاء العقد، وبالتالي فلا يجوز بيع ما ليس عند الإنسان، فكان مقتضى هذا الأصل العام أن بيع السَّلَمِ لا يجوز؛ لأنه يعني بيع ما ليس عند الإنسان وقت التعاقد، ولكن ورد النص في سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم بثمن معلوم، إلى أجل معلوم»[66].

وذلك لحاجة الناس إلى مثل هذا النوع من التعامل ورفع الحرج المترتب على منعه، فقد لا يجد المزارع مالًا ينفقه على زراعته فيحتاج إلى من يقرضه، وقد لا يجد هذا المقرض، فيحتاج إلى أن يبيع كمية معينة من زرعه الذي سيخرج من الأرض، أي إنه ليس موجودًا وقت إنشاء العقد، وذلك بثمن أقل ليوافق المشتري، على أن يتأخر في استلام الكمية المباعة[67].

2- الاستحسان بالإجماع: وهو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر، لوجهة أقوى وأرجح، ثبت بالإجماع، يقتضي هذا العدول. ومن أمثلة الاستحسان الثابت بالإجماع: جواز عقد الاستصناع، وهو أن يتعاقد شخص مع صانع على أن يصنع له شيئًا نظير مبلغ معين بشروط مخصوصة، والأصل العام يقضي بعدم جوازه؛ لأنه عقد على معدوم وقت التعاقد الممنوع بحديث: «لا تبع ما ليس عندك»[68]. إلا أن الفقهاء أجازوه واستثنوه من يتناوله حكم نظائره استحسانًا؛ لجريان التعامل به بين الناس في كل عصر من غير أن ينكره أحد من العلماء، وذلك لحاجة الناس إليه ورفع الحرج المترتب على منعه[69].

3- الاستحسان بالقياس: وهو العدول بالمسألة التي لم يرد بحكمها نص أو إجماع، عن حكم نظائرها الثابت بأصل معين لها شبه ظاهر به، يتبادر إلى الذهن إلحاقها به، إلى حكم آخر ثابت بأصل آخر لها شبه خفي به لا يتبادر إلى الذهن إلحاقها به، يتعارض مع الحكم الأول، فيعدل المجتهد عن الظاهر إلى الخفي، لوجهة أقوى وأرجح، تقتضي هذا العدول.

ومن أمثلة الاستحسان بالقياس: مسألة الدائن الذي يسرق مَدِينَه قبل حلول أجَل الدَّيْن، حيث نجد أن لها شبهًا بأصلين أي قياسين، أحدهما ظاهر يقضي بقطع يد السارق والآخر خفي يقضي بعدم قطع يد من سرق مَدِينَه إذا كان الدَّيْن حالًّا، فمن المقرر في الفقه أن من له على آخر دين حالٌّ فسرق منه مثله، يعد استيلاؤه هذا استيفاء لدَيْنه ولا تقطع يده، فإلحاق هذه المسألة بالخفي أقوى وأرجح من إلحاقها بالظاهر، ولذلك كان الاستحسان ألا تقطع يد الدائن الذي يسرق مثل دينه من مدينه قبل حلول الأجل؛ لأن ثبوت الحق وإن كان مؤجلًا يصير شبهة دارئة للحد.

4- الاستحسان بالعرف: وهو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر، لوجهة أقوى وأرجح، ثبت بالعرف، يقتضي هذا العدول. ومن أمثلة الاستحسان الثابت بالعرف: جواز وقف المنقول استقلالًا عند بعض فقهاء المذهب الحنفي إذا جرى به العرف، مع أن الأصل في الوقف يكون مؤبَّدًا، وبالتالي فلا يجوز الوقف إلا في العقار؛ لأنه هو الذي يقبل التأبيد والدوام، ويلحق بالعقار في ذلك المنقولُ التابعُ للعقار، ومقتضى ذلك الأصل أن المنقول الغير التابع للعقار لا يجوز وقفه استقلالًا، لأنه عرضة للتلف والهلاك، إلا أن بعض فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك وقف المنقول الذي جرى به العرف، كالكتب والمكاتب التي توضع فيها الكتب وأدوات الإضاءة وأدوات التنظيف، والسجاد اللازم لفرش المسجد، ونحو ذلك، فقد أجاز الحنفية وقف مثل هذه المنقولات استحسانًا؛ لجريان العرف بذلك.

ومن أمثلة الاستحسان الثابت بالمصلحة: تضمين الأجير المشترك ما يهلك عنده من أمتعة الناس، إلا إذا كان الهلاك بقوة قاهرة لا يمكن دفعها أو التحرز منها، كالحائك- خياط الثوب- والصباغ إذا فقد الثوب أو هلك تحت يده بدون سبب ظاهر، وتضمين الأجير المشترك ثبت استحسانًا، على خلاف الأصل الذي يقتضي بأن الأمين غير ضامن إلا إذا تعدى أو قصَّر، والمال في يد الأجير المشترك أمانة كالوديعة في يد المودع، فكان مقتضى الأصل أن الأجير المشترك وهو أمين، لا يضمن الفقد أو الهلاك إلا إذا تعدى أو قصر، ولكن الفقهاء ذهبوا إلى خلاف ذلك وقالوا بتضمين الأجير المشترك إذا فقد الثوب أو هلك تحت يده بدون سبب ظاهر استحسانًا، على خلاف الأصل، رعاية لمصلحة الناس بالمحافظة على أموالهم، وللخشية من ضياعها بدون سبب ظاهر، نظرًا لخراب الذمم وضعف الوازع الديني، ولحمل الأجير المشترك على الحرص والاهتمام بأموال الناس التي تحت يده.

ومن أمثلة الاستحسان بالمصلحة أيضًا: صحة وقف المحجوز عليه للسَّفَه على نفسه مدة حياته، خلافًا للقاعدة التي تقضي بعدم صحة تبرعات المحجوز عليه للسَّفه، ولكن الفقهاء استثنوا من هذه القاعدة صحة وقف المحجوز عليه للسفه على نفسه مدة حياته استحسانًا، لأن وقفه على نفسه فيه مصلحة له، حيث يؤدي هذا الوقف إلى المحافظة على أمواله من الضياع، للزوم الوقف وعدم قبوله للبيع والشراء، فيتحقق الغرض الذي حجر عليه من أجله وهو المحافظة على أمواله.

كما استثنى الفقهاء من هذه القاعدة أيضًا، صحة وصية المحجوز عليه للسفه في وجوه الخير استحسانًا، لأن فيها مصلحة له، حيث يثاب عليها في الآخرة، ولأنها تؤدي إلى المحافظة على أمواله من الضياع، فالوصية لا تتنافى مع حفظ المال، ولأنها لا تفيد الملك إلا بعد الوفاة، فيتحقق الغرض الذي حجر عليه من أجله وهو المحافظة على أمواله.

6- الاستحسان بالضرورة: وهو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر، لضرورة أقوى وأرجح تقتضي هذا العدول.

ومن أمثلة الاستحسان بالضرورة: قبول الشهادة بالتسامع في النسب والموت والنكاح استحسانًان على خلاف الأصل الذي يقضي بعدم قبول الشهادة عن طريق التسامع، فلا يجوز لشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه؛ لأن الشهادة مشتقة من «المشاهدة»، وذلك بالعلم والمعاينة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع»[70]. ولكن الفقهاء ذهبوا إلى جواز الشهادة بالتسامع في النسب والموت والنكاح استحسانًا، تيسيرًا على الناس ورفعًا للحرج عنهم.

فهذه الأمور يختص بمعاينة أسبابها خواصُّ من الناس، وتتعلق بها أحكام تبقى لقرون، فلو لم تقبل فيها الشهادة بالتسامع أدى ذلك إلى الحرج وتعطيل الأحكام، لهذه الضرورة أجاز الفقهاء الشهادة بالتسامع في النَّسب والموت والنكاح استحسانًا.

ومن أمثلة الاستحسان بالضرورة أيضًا: جواز نظر الطبيب إلى ما عدا الوجه والكفين من المرأة الأجنبية، أي جواز نظر الطبيب إلى موقع المرض لغرض المعالجة استحسانًا، خلافًا للأصل الذي يقضي بعدم جواز النظر إلى المرأة الأجنبية ما عدا الوجه والكفين.

وبناء على ما تقدم يلاحظ أن الاستحسان كدليل يؤدي في تطبيقاته إلى تحقيق مقاصد للشريعة، منها جلب المصلحة ودفع المفسدة، ورفع الحرج والتيسير على الناس.

سادسًا: المصالح المرسلة: إن تشريع الأحكام ما قصد به إلا تحقيق مصالح الناس، أي جلب النفع لهم ودفع الضرر، ورفع الحرج عنهم، وهذا من الأسس العامة للشريعة الإسلامية، جاء في كتاب «الموافقات»: «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا... والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد... وتكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق»[71]. ومقصود الشارع في خلقه هو أن يحفظ عليهم دينهم ونفوسهم ومالهم ونسلهم وعقولهم، فكل ما يضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل مفوِّت لها فهو مفسَدة ودفعه مصلحة[72].

ويقول البعض: أينما توجد المصلحة فثم شرع الله[73].

ومن المعروف أن الوقائع لا تنحصر جزئياتها ولا تتناهى أفرادها، وإنما تتجدد بتجدد أحوال الناس، وتتطور باختلاف البيئات، فإن دلّ النص على اعتبار هذه الوقائع أو إلغائها، عمل به، وإن لم يكن هناك دليل على الاعتبار أو الإلغاء، وكانت هذه الوقائع فيها مصلحة مؤكدة ولا تصطدم مع النصوص ولا يترتب عليها مفسدة، يكون المجتهد في حاجة إلى وجود مصدر يضبط هذه المصالح ويبني عليه الأحكام في كل زمان ومكان، لذلك تحدث العلماء عن دليل اجتهادي سمي بالمصالح المرسلة، والمصلحة المرسلة كدليل يؤدي في تطبيقاته إلى تحقيق مقصد رئيسي للشريعة هو جلب المصلحة ودفع المفسدة.

ومن أمثلة ذلك- كما رآها بعض العلماء-: تأسيس سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للدواوين التي تعنى بأمور الدولة ومصالحها، وتعيينه الولاة لمراقبة شؤون البلاد المالية والحربية، ومنها أيضًا توسعة المساجد لاستيعاب أكبر عدد من المصلين، وتوسعة الطرقات لتيسير المرور، وشق الترع لتوفير المياه للأراضي، وفرض الخراج، وتمصير الأمصار، وإقامة السجون، وفرض العطاء لكل مولود في الإسلام، ومشاطرة الولاة أموالهم إذا تاجروا في أثناء ولايتهم ووضعها في بيت المال، وعدم تغيب الرجل المتزوج في الجيش أكثر من أربعة أشهر عن زوجته[74].

وجعل سيدنا عمر الشورى في ستة من كبار الصحابة الذين توفي الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو راضٍ عنهم، وهم باقي العشرة المبشرين بالجنة[75]، الذين كانوا على قيد الحياة في ذلك الوقت، وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص.

ومن أمثلة الرأي المبني على المصلحة المرسلة: إقامة سيدنا عمر ربن عبد العزيز الخانات- الفنادق- لكي يلجأ إليها الغرباء، فبعد اتساع الدولة الإسلامية وكثرة المسافرين والغرباء، أمر بهذا تحقيقًا للمصلحة[76].

ومن أمثلة الرأي المبني على المصلحة المرسلة: جواز بعض الفقهاء فرض الضرائب على القادرين إذا اقتضى ذلك الدفاع عن الدولة ولم يكن في بيت المال ما يكفي[77]. وقبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الحوادث التي لا يحضرها غيرهم[78].وقتل المبتدع الداعي إلى بدعته، إذا غلب على الظن ضرره وصار ذلك الضرر كليًّا.

ومن أمثلة الرأي المبني على المصلحة المرسلة: وضع قواعد خاصة بالمرور في الطرقات العامة، واتخاذ البريد، وضرب النقود المعدنية والورقية، وتعريب الدواوين.

ومن هذه الأمثلة أيضًا توثيق عقود الزواج في ورقة رسمية لكي تقبل دعوى الزوجية أمام القضاء عند الإنكار. وتسجيل عقد البيع الوارد على عقار لكي تنتقل الملكية، واشتراط الحصول على رخصة قيادة من إدارة المرور لمن يقود سيارة، واشتراط الترخيص من الجهات المختصة لمن يزاول مهنة الطب أو الهندسة أو المحاماة، واشتراط التراخيص بالبناء من البلديات لمن يريد البناء إلى غير ذلك من الأمثلة التي بني الحكم فيها على المصلحة المرسلة[79].

وبناء على ما تقدم يلاحظ أن المصلحة المرسلة كدليل يؤدي في تطبيقاته إلى تحقيق مقصد رئيسي للشريعة هو جلب المصلحة ودفع المفسدة.

سابعًا: سد الذرائع: أمَّا بخصوص سد الذرائع فقد جاء في كتاب «الموافقات»: «فقد ظهر أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة، وإنما الخلاف في أمر آخر»[80]. وسد الذرائع كدليل يؤدي في تطبيقاته إلى تحقيق مقصد رئيسي للشريعة هو جلب المصلحة ودفع المفسدة.

ثامنًا: العرف: العرف كدليل يؤدي في تطبيقاته إلى تحقيق كثير من المقاصد الشرعية، كالتيسير ورفع الحرج.

وأخيرًا يمكن القول: إن الأدلة الشرعية ليست مقاصد في ذاتها، وإنما هي نصوص الشريعة من قرآن وسنة وما بني عليهما ورجع إليهما من إجماع وقياس وغير ذلك، وهذه الأدلة بنيت عليها الأحكام، وهذه الأحكام تؤدي إلى المقاصد وإلى تحقيقها، فالأحكام وسائل لتحقيق المقاصد، فالأدلة والأحكام والمقاصد بينها ارتباط لا يقبل الانفكاك.

ويبدو لي أن الأدلة يستنبط منها الأحكام والعلل والحِكم أو المقاصد، وأن علاقة المقاصد بالأدلة هي علاقة الشيء بمصدره.

4- مقاصد الشريعة هي مقاصد في جميع المذاهب الإسلامية:

في الواقع إن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية هي مجموعة مقاصد في المذاهب الإسلامية، فمقصد تحقيق المصالح بأنواعها كافة؛ من ضرورية، وحاجية، وتحسينية. ومقصد التيسير والتخفيف، ومقصد العدل والمساواة، إلى غير ذلك من المقاصد العامة، هي مقاصد عند جميع المذاهب، ولا يخلو منها مذهب، بل ولا ملة من الملل.

وهذا هو ما أكده أكثر من عالم من العلماء بخصوص المصالح أو الضروريات، فمراعاة المقاصد الضرورية في جميع المذاهب الإسلامية بل في جميع الشرائع والقوانين. يقول البعض[81]: «وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل أن لا  يشتمل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق، ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر والقتل والزنى والسرقة وشرب المسكرات».

ويقول البعض[82]: «وهذه الأشياء مناسبتها ظاهرة وهي المعروفة بالكليات الخمس، التي لم تُبَحْ في ملة من الملل».

ويقول البعض[83]: «وهي ضرورية لم تُهدَرْ في ملة».

ويقول البعض[84]: «فالضروري ما تضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمسة التي اتفقت الملل على حفظها».

ويقول البعض[85]: «فإن كان أصلًا فهو الراجع إلى المقاصد الخمسة التي لم تَخْلُ من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع».

وكذلك المقاصد الخاصة، فهي مجموعة مقاصد عند كل المذاهب الإسلامية، فمثلًا مقاصد الزواج أو مقاصد الميراث أو مقاصد الحضانة- هي مقاصد عند جميع المذاهب، ولا يخلو منها مذهب فمثلًا من مقاصد الزواج الخاصة: السكن والمودة والرحمة، وهو مقصد عند الجميع.

أما المقاصد الجزئية فهنا يمكن القول: إنها تضيق أو تتسع من مذهب إلى آخر، ويمكن القول أيضًا: إن المقاصد فيها تختلف بحسب اختلاف الحكم الشرعي نفسه، فمن قال بالجواز كان له مقصده، ومن قال بعدم الجواز كان له مقصده أيضًا.

النقطة الثالثة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية

تمهيد:

منذ أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م، والدول الغربية تعده نتاجًا من تراثها القانوني والحضاري وعنوانًا لتقدمها، وطلبت الجمعية العامة من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص هذا الإعلان وأن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى، دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم.

ويتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من ديباجة وثلاثين مادة. وقد جاء في الديباجة أن «الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم».

وتؤكد الديباجة على أنه: «ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة.

ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.

ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرق الاجتماعي قدمًا، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.

ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطِّراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها.

ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد- فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة، حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع- واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم- إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، عن طريق التعليم والتربية، واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها».

والناظر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجد مجموعة  من الحقوق الضرورية، وهي حقوق سعت الشريعة الإسلامية إلى تحقيقها من خلال المقاصد الضرورية، فقد سبق أن أشرنا إلى أن للشريعة الإسلامية مقاصد عامة كثيرة ومتعددة ومتنوعة، منها: مقصد تحقيق مصالح الناس، وهذا المقصد يندرج تحته عدة مقاصد عامة أخرى، كالمقاصد الضرورية، وهي المقاصد التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا، وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ العرض والنسل والنسب، وحفظ العقل.

وسنذكر فيما يلي هذه الحقوق وتأصيلها من منظور هذه المقاصد، وذلك على النحو التالي:

1- حق الإنسان في الحياة:

من أوائل الحقوق التي وردت في «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»: حق الإنسان في الحياة، حيث أكد على أن لكل فرد الحق في الحياة، فقد نصت المادة الثالثة على أنه: «لكل فرد الحق في الحياة...»[86].

حق الإنسان في الحياة ومقصد حفظ النفس في الإسلام:

حق الإنسان في الحياة يتحقق من خلال مقصد حفظ النفس، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحقيقها من خلال أبوابها التشريعية، وهو أيضًا يعد من المقاصد الضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

ففي الإسلام حق الإنسان في الحياة هو أول الحقوق، وهو حق لازم لقيام الحقوق الأخرى، فالإنسان لا يستطيع القيام بأي حق دون أن يتمتع بالحياة، لذا فهو حق مقدس، فقد جعل الله النفس الإنسانية مخلوقًا مكرمًا عنده، فقد خلق الله الإنسان بيده وأمر ملائكته الكرام بالسجود له، وفضله على كثير مما خلق، وهو الذي وهب الحياة للإنسان، وليس من حق أي إنسان الإضرار بها وتهديد سلامتها، ولذلك شرع الله من التشريعات ما يحافظ على حق النفس الإنسانية في الحياة، وجعل الله العدوان على هذا الحق بالقتل جريمة كبرى، ويعد الاعتداء على هذا الحق اعتداء على الناس جميعًا، وجعل توفير متطلبات إحياء الإنسان إحياء للناس جميعًا.

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ [المائدة: 32]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 151]، وقال جل شأنه أيضًا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].

وتأكيدًا لحق الإنسان في الحياة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»[87].

وقد روي أنه قتل قتيل على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يعلم من قتله، فصعد النبي (صلى الله عليه وسلم) المنبر فقال: «يا أيها الناس... يقتل قتيل وأنا فيكم ولا يعلم من قتله، لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله، إلا أن يفعل ما يشاء»[88].

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله»[89].

وإذا كان الإسلام قد حرم اعتداء الآخرين على حق الإنسان في الحياة، فقد حرم كذلك اعتداء الإنسان نفسه على هذا الحق، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدا ومن تحسى سمًّا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبد»[90]. وقال (صلى الله عليه وسلم): «من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة»[91]، وروي عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح، فجزع، فأخذ سكينًا فنحر بها يده فما رقأ عنه الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة»[92].

وواضح من النصوص السابقة أنه لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه أو أن يعتدي عليها بأي نوع من الاعتداء؛ لأن نفس الإنسان ليست ملكًا له وإنما هي ملك لله تعالى.

وجعل الإسلام حرمة العدوان على النفس واحدة، فالمرأة كالرجل والطفل كالشيخ، والغني كالفقير، وجعل سبحانه وتعالى القصاص عقوبة للعدوان على النفس بالقتل ردعًا لهذه الجريمة وآلية لحمية هذا الحق، فقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179].

وفي الإسلام حق الإنسان في الحياة مقرر للمسلم وغيره، فبالإضافة إلى الآيات والأحاديث السابقة التي لا تفرق بين المسلم وغيره في حماية هذا الحق والتأكيد عليه، قال (صلى الله عليه وسلم): «من قتل معاهدًا لم يَرَح رائحة الجنة»[93]، وقال (صلى الله عليه وسلم):«من قتل قتيلًا من أهل الذمّة حرّم الله عليه الجنّة»، وقال (صلى الله عليه وسلم): «من قتل معاهدًا له ذمّة الله وذمّة رسوله، فقد أخفر بذمّة الله، فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا»[94].

وواضح مما سبق أنّ حق الإنسان في الحياة المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومحمي في الإسلام، وهو حق يهدف إلى تحقيق مقصد حفظ النفس، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية.

2- حق الإنسان في سلامة شخصه:

من الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الإنسان في سلامة شخصه، حيث أكد على أن لكل فرد الحق في سلامة شخصه، وذكر مظاهر عدة لهذا الحق؛ فقد نصت المادة الثالثة منه على أنه: «لكل فرد الحق في... سلامة شخصه»[95].

كما نصت المادة الخامسة على أنه: «لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطَّة بالكرامة».

كما نصت المادة التاسعة على أنه: «لا يجوز القبض على أي إنسان أو حَجْزه أو نفيه تعسفًا».

حق الإنسان في سلامة شخصه ومقصد حفظ النفس في الإسلام:

يعد حق الإنسان في سلامة شخصه من الحقوق المكملة والتابعة لحق الإنسان في الحياة، وهذا الحق يتحقق أيضًا من خلال مقصد حفظ النفس، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، والضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

فحق الإنسان في سلامة شخصه مقرر في الإسلام، حيث حرم الإسلام كل عمل ينتقص من هذا الحق، سواء أكان هذا العمل تخويفًا أو إهانة أو ضربًا أو اعتقالًا، أو ما شابه ذلك، أو بمعنى آخر: حرم الإسلام كل عمل ينتقص من هذا الحق، سواء أكان هذا العمل ماديًّا أم معنويًّا.

فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «ظهر المسلم حمى إلا بحقه»[96].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «من جرد ظهر مسلم بغير حق لقى الله وهو عليه غضبان»[97].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما»[98].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا تروعوا المسلم؛ فإنَّ روعة المسلم ظلم عظيم»[99].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنّه لا يدري لعل الشيطان بنزع في يده، فيقع في حفرة من النار»[100].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يقفن أحدكم موقفًا يضرب فيه رجل ظلما، فإنّ اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه»[101].

وحق الشخص في سلامة شخصه في الإسلام حق ليس مقررًا للمسلم فقط، بل هو مقرر لغير المسلمين أيضًا، فقد روي عن هشام بن حكيم بن حزام أنه مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس وصُبَّ على رؤوسهم الزيتُ فقال: ما هذا؟ قيل: يُعذَّبون في الخرَاج. فقال هشام: أما إني سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إنّ الله يعذّب الذين يعذّبون في الدنيا»[102]، وزاد في حديث جرير: قال- هشام-: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه فحدثه فأمر بهم فخلُّوا.

وقد روي أن زيد بن سعنة- وهو من أحبار اليهود- أقرض النبي (صلى الله عليه وسلم) قرضًا كان قد احتاج إليه يسد به خللًا في شؤون نفر من المؤلَّفة قلوبهم، ثم رأى أن يذهب قبل ميعاد الوفاء المحدد للمطالبة بدينه، وقال: أتيته- يعني النبي (صلى الله عليه وسلم)- فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم- بني عبد المطلب- إلا مُطلًا، ولقد كان لي بمخالطتكم علم! فنظر إليَّ عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله! تقول لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده، لولا ما أحذر فوته لضرب سيفي رأسك. ورسول الله ينظر إليَّ في سكون وتؤدة، فقال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرَني بحسن الأداء وتأمرَه بحسن اتباعه. اذهب به يا عمر فأعطه وزده عشرين صاعًا من تمر مكان ما رُعْتَه»[103].

قال زيد: فذهب بي عمر، فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن أزيدك مكان ما رعتك. فاليهودي آذى النبي (صلى الله عليه وسلم) بلسانه ويده، ولم يأذن النبي (صلى الله عليه وسلم) بإيذائه، وأمر أن يعوَّض عن فعل سيدنا عمر (رضي الله عنه) وقوله.

وقال (صلى الله عليه وسلم): «من آذى ذميًّا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة»[104]. وقال (صلى الله عليه وسلم): «من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة»[105].

وواضح مما سبق أن حق الإنسان في سلامة شخصه المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومحمي في الإسلام، ويهدف إلى تحقيق مقصد حفظ النفس، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية.

3- حق الإنسان في التملك وفي حماية ملكه:

من الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: حق الإنسان في التملك وحماية ملكه، فلكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا[106].

ويتصل بهذا الحق، حق الإنسان في حماية ملكيته الفكرية، فلكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني[107].

حق الإنسان في التملك وحماية ملكه ومقصد حفظ المال في الإسلام:

حق الإنسان في التملك وحماية ملكه، يتحقق من خلال مقصد حفظ المال، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، فحق الإنسان في التملك وحماية ملكه، حق مقرر ومؤكد في الإسلام، سعى الإسلام إلى تحققه من خلال أبوابه التشريعية، وهو أيضًا يعد من المقاصد الضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

فمن الغرائز التي فطر الله الإنسان عليها: غريزة التملك وحب المال، وهي التي تدفع الإنسان إلى الكسب والتعمير وحب البقاء، وهناك علاقة بين الملك والمال من جهة أن الملك في غالب صوره يرد على المال[108]. فالمال عصب الحياة، والإنسان مجبول بطبعه على حب المال، قال تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 20]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: 8]، أي المال.

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب»[109]، وقال (صلى الله عليه وسلم): «يهرم ابن آدم وتشب معه اثنتان، الحرص على المال، والحرص على العمر»[110].

ولقد أثبت الإسلام للإنسان حق التملك وحماية ملكه، وألحق الأموال إلى الناس ونسبها إليهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

كما حمى كَسْب الإنسان وقرَّر الملكية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لعرق ظالم حق»[111].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يحل لأحد أن يأخذ من مال أخيه لاعبًا ولا جادًا، فإن أخذه فليرده عليه»[112].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يحل مال امرئ مسلمٍ إلا بطيب نفسٍ منه»[113].

واحترام الإسلام للملكية واضح في احترامه للمال الذي هو محل هذه الملكية، ولقد نهى الإسلام عن الاعتداء على هذا المال بأي نوع من الاعتداء، فحرم السرقة وجعل لها عقوبة رادعة، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38].

كما جعل حد الحرابة عقوبة رادعة لقاطع الطريق الذي يخيف الناس ويرهبهم ويأخذ أموالهم ويقتلهم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»[114].

وللإنسان الحق في حماية ماله والدفاع عنه، فقد روي أن رجلًا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطيه مالك»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «فقاتله». قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيدٌ». قال: فإن قتلته؟ قال: «هو في النار»[115]. وقال (صلى الله عليه وسلم): «ومن قُتل دون ماله فهو شهيد»[116].

وفي الوقت الذي حمى الإسلام الملكية الفردية فإنه يقر نظام الملكية الجماعية ويحميه، فقال (صلى الله عليه وسلم): «الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار»[117].

وواضح مما سبق أن حق الإنسان في التملك وحماية ملكه المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومحمي في الإسلام، وهو حق يهدف إلى تحقيق مقصد حفظ المال، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية.

4- حق الإنسان في حرية التفكير والرأي والتعبير:

حق الإنسان في التفكير حق كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلكل شخص الحق في حرية التفكير[118]. ومن الحقوق التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أيضًا، حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، حيث نصت المادة التاسعة عشر على أنه «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».

حق الإنسان في حرية التفكير والرأي والتعبير ومقصد حفظ العقل في الإسلام:

حق الإنسان في التفكير، حق مقرر ومؤكد في الإسلام، وهو حق يتحقق من خلال مقصد حفظ العقل، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، وهو أيضًا يعد من المقاصد الضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

فلقد فضل الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل وميزه به عن سائر الحيوانات، وأعطى الإسلام للعقل أهمية كبيرة، وجعله مناط التكليف، وبه يتحقق العلم والتقدم، لذا فإن حفظه ضرورة لا غنى عنها ولا تستقيم حياة الناس بدون حفظه، لذلك حرمت الشريعة الإسلامية كل ما يفسد هذا العقل ويغيبه أو يدخل الخلل عليه، ونهت عنه، فحرمت كل أنواع المسكرات والمخدرات حفاظًا على العقل.

ويعبر البعض[119] عن ذلك بقوله: «إن العقل أمر واجب وحق من حقوق الضروريات الداعية إلى الاهتمام بالمحافظة عليه، مما يؤدي إلى استقرار الدين والنفس على حد سواء؛ لأن العقل هو قوام كل فعل تتعلق به مصلحة، فاختلاف له يفضي إلى مفاسد عظيمة».

والعقل أداة التفكير والإبداع، والإسلام قد أقرّ حق الإنسان في أن يفكر فيما يكتنفه من شؤون، ثم يعبر عنه بمختلف وسائل التعبير، فلكل إنسان أن يفكر ويعبر عن فكره دون تدخل أو مصادَرة من أحد ما دام ملتزمًا بالحدود التي أقرها الإسلام في هذا الشأن.

وهناك آيات كثيرة تدل على حرية التفكير وإعمال العقل، منها قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبأ: 46].

وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: 219].

وقال تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: 266].

وقال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾
[الأنعام: 50].

وقال تعالى: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 11].

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[الرعد: 3].

وقال تعالى: ﴿ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 69].

وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13].

وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر: 42].

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [المؤمنون: 80].

وفيما يخص حرية التعبير عن الرأي، قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46].

وقد وي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يحقرن أحدكم نفسه». قالوا: يا رسول الله، وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: «يرى أن عليه مقالًا ثم لا يقول فيه، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: كنت أحق أن تخشى»[120].

ومن آثار الصحابة على حرية الرأي ما روي أنه لما قال سيدنا عمر (رضي الله عنه) في إحدى خطبه: أيها الناس من رأى في اعوجاجًا فليقوِّمه. فرد عليه رجل بقوله: والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناك بسيوفنا. فيجيبه عمر بمقالة كلها رضا: الحمد لله الذي جعل في المسلمين من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه. وقال عمر: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها[121].

فإذا كان الإسلام قد أعطى لكل إنسان الحق في أن يفكر ويعبر عن فكره وعن رأيه دون تدخل أو مصادَرة من أحد، فإنه قيّد هذا الحق بالحدود التي أقرّها في هذا الشأن، فمثلًا لا يجوز أن يكون هذا الحق فيه إشاعة للفاحشة أو أن يذيع أو ينشر معلومات غير صحيحة تخالف الحقيقة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].

وواضح مما سبق أن حق الإنسان في حرية التفكير والرأي والتعبير، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومحمي في الإسلام، وهو حق يهدف إلى تحقيق مقصد حفظ العقل، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية.

5- حق الإنسان في التعلم:

من الحقوق التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكدها، وبين ملامحها ومظاهرها ومراحلها: حق الإنسان في التعليم[122]، حيث أوجب لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعلم في مراحله الأولى والأساسية- على الأقل- بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميًّا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع، وعلى أساس الكفاءة، ويجب أن تهدف التربية على إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملًا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام. وللآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم[123].

حق الإنسان في التعلم ومقصد حفظ العقل في الإسلام:

حق الإنسان في التعلم هو حق مكمل لحق الإنسان في حرية التفكير والرأي والتعبير، وهذه الحقوق تصب في مقصد حفظ العقل الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة، وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، وهو أيضًا يعد من المقاصد الضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

وليس التعلم في الإسلام حقًّا للإنسان له أن يمارسه فيتعلم وله أن يبقى جاهلًا، وإنما هو واجب أو فرض، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم»[124]. ويحظى التعلم بمكانة سامية في الإسلام، فقد قرنت أول سورة نزلت في القرآن الكريم بين خلق الإنسان وتعليمه، وكأنها تشير إلى أن عدم التعلم ينتقص من إنسانية الإنسان، فقال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]. وقال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4].

وإذا كان الإسلام قد فرض التعلم واجبًا على كل مسلم ومسلمة، فإنه جعل توفير التعليم لجميع الناس واجبًا على ولاة الأمر، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «من سلك طريقًا التمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»[125].

وواضح مما سبق أن حق الإنسان في التعلم المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومحمي في الإسلام، وهو حق يهدف إلى تحقيق مقصد حفظ العقل، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية.

6- حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة:

ضَمِن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة ورسخه، فوضّح وأكّد على أن للرجل والمرأة متى وصلا إلى سن الزواج، حق التزوج دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج، وفي أثناء قيامه، وعند انحلاله، ولا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضا كاملًا لا إكراه فيه، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وفي أثناء قيامه وعند انحلاله، ولهما الحق في تأسيس أسرة، والأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة[126].

حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة، ومقصد حفظ العرض والنسل والنسب في الإسلام:

حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة، يتحقق من خلال مقصد حفظ العرض والنسل والنسب، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، وهو أيضًا يعد من المقاصد الضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

فحق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة، مق مقرر ومؤكد في الإسلام، بل هو حق مقدس، فالأسرة في الإسلام تعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع، والزواج هو الطريقة الشرعية الوحيدة لتكوين الأسرة وإنجاب الذرية، فهو حق لكل إنسان عندما يبلغ، ولهذا فقد أفاض الإسلام في أحكام الزواج، فبين حكمته أو مقاصده، وأركانه وشروطه، وحقوق كل من الزوجين وواجباته، ووسائل المحافظة عليه، وكيفية انتهائه بين الزوجين بالطرق الشرعية، عندما تقتضي الحاجة أو عندما تكون مصلحة الزوجين أو أحدهما في ذلك.

كما بين الإسلام أن لا يجبر الرجل أو المرأة على الزواج ممن لا يرغب فيه، وإنما لا بد أن يرضى كل منهما بالزواج من الآخر، وجعل ذلك ركنًا من أركان عقد الزواج، فقد روي أنه: جاءت جارية إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي (صلى الله عليه وسلم).

ومن مقاصد الزواج وتكوين أسرة، حفظ العرض وحفظ النسل وحفظ النسب، أي إعفاف النفس والمحافظة على الجنس البشري واستمرارية الحياة، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: 72]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1].

فحماية الأعراض والأنساب والنسل، من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية تحرِّم انتهاك عِرض الإنسان أو شرفه أو سمعته، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»[127].

وأيضًا يوفر حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة مقاصد خاصة كثيرة، منها: المودة والرحمة والسكينة بين الزوجين، فهذا الحق يوفر الطمأنينة اللازمة للإنسان لتحقيق ذاته، لفضل تكافل أفراد الأسرة عاطفيًّا وماديًّا واجتماعيًّا، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: 189][128].

ويلاحظ في الآيات السابقة التأكيد على وحدة أصل الزوج والزوجة اللذين خُلقا من نفس واحدة، وهو ما يؤكد مبدأ التساوي بين الزوجين، وييسر التوافق والتفاهم بينهما، كما أُشير إلى الرجل والمرأة بكلمة (زوج)، وهي التي تدل بالعربية الفصحى على المذكر والمؤنث، وهو ما يؤكد مبدأ التساوي بينهما، ولهذا فقد جعلت الشريعة الإسلامية لكل من الزوجين حقوقًا وواجبات متكافئة، قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228].

ومن ق الزوجة والأولاد قيامُ الرجل بالإنفاق عليهم ورعايتهم حسب قدرته، قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7]. وإذا كان على الأبوين أن يحسنا تربية الأولاد وتأديبهم وتعليمهم، فعلى الأولاد احترام الوالدين وطاعتهما بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24].

كما يجب على الابن تولي رعاية الوالدين وكفالتهما عندما يتقدم بهما السنُّ، فقال (صلى الله عليه وسلم): «أنت ومالك لوالدك»[129]، وسأل أحد الصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك». قال السائل: ثم من؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «أبوك»[130].

وهكذا يتعلم الأولاد في ظل الأسرة مشاعر المحبة والرحمة والتكافل والمساواة ما يساعدهم على بناء مجتمع متسامح متضامن.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن الزواج في الإسلام له أحكامه المعروفة في الفقه الإسلامي من أركان وشروط وموانع وآثار، وطرق إنهائه، فيجب مراعاتها، فإن اتفق ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع هذه الأحكام فبها ونعمت، كما هو الحال في عدم إبرام عقد الزواج إلا برضا الطرفين رضًا كاملًا لا إكراه فيه، لأما إذا اختلف ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع أحكام الإسلام، فيجب استبعاده، ويطبق ما جاء به الإسلام من أحكام، فقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه يحق للرجل أن يتزوج من أي امرأة دون أي قيد بسبب الدين، وأنه يحق للمرأة أن تتزوج من أي رجل دون أي قيد بسبب الدين، وهذا في الإسلام مرتبط بضوابط وأحكام معروفة[131].

وواضح مما سبق أن حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومقدس ومحمي في الإسلام، وهو حق يهدف إلى تحقيق مقصد حفظ العرض والنسل والنسب، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية، مع ضرورة مراعاة ما جاء في الإسلام من أحكام خاصة بالزواج.

7- حق الإنسان في حرية المعتقَد:

أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على حق الإنسان في حرية المعتقد، فنص على أن لكل شخص الحق في حرية الدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرًّا أم مع الجماعة[132].

حق الإنسان في حرية المعتقد ومقصد حفظ الدين في الإسلام:

حق الإنسان في حرية المعتقد، حق مقرر ومؤكد ومقدس في الإسلام، وهو حق يتحقق من خلال مقصد حفظ الدين، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية. وهو أيضًا يعد من المقاصد الضرورية التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا.

فقد أقر الإسلام للإنسان حرية الاعتقاد، فحرية الاعتقاد الديني مكفولة في الإسلام، ولا يُكْرَهُ الإنسان على اعتناق الإسلام، قال الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256]، وقال تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 6]، ففي عصر الرسالة كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) مكلفًا من قبل الله تبارك وتعالى بإبلاغ رسالة الإسلام إلى الناس وترك الاختيار لهم، قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 21 - 22]، وقال تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق:45]، وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29].

ولقد أكد النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الحق في وثيقة المدينة، حيث أقر (صلى الله عليه وسلم) فيها غير المسلمين على دينهم؛ فقد جاء في هذه الوثيقة: «.... لليهود دينهم وللمسلمين دينهم....»[133].

وعلى الجميع أن يحترموا حرية المعتقد وحرية العبادة، فالفقهاء يقولون: اتركوهم وما يَدينون، لهم ما لنا وعليهم ما علينا[134].

هذا ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن حرية المعتقَد والعبادة في الإسلام بالنسبة للشخص المسلم مقيدة بأحكام الردة المعروفة في الفقه الإسلامي، فلا يحق للمسلم أن يرتد عن دينه، فالمرتد هو الراجع عن الدين الإسلامي بمحض إرادته واختياره حتى لو رجع إلى دين آخر، والمرتد لا يُقَرُّ على رِدَّته ولا على دينه الذي انتقل إليه أيًّا كان.

وحكم المرتد أن يستتاب، فإن عاد إلى الإسلام أصبح مسلمًا، وإن أصر على رِدَّته قتل إن كان رجلًا، أما المرأة المرتدة فتحبس حتى تتوب أو تموت. والتفرقة بين الرجل والمرأة في الحكم بالقتل والحبس هو مذهب الحنفية والشيعة الإمامية.

فواضح مما سبق أن حق الإنسان في المعتقد وحرية العبادة المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقرر ومؤكد ومحمي في الإسلام وهو حق يهدف إلى تحقيق مقصد حفظ الدين، الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والضرورية، مع ضرورة مراعاة أحكام الرِّدَّة في الإسلام.

هذا ومن الملاحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أقر وأكد على حق الإنسان في التقاضي عن الاعتداء على حقوقه الأساسية[135]. ويبدو لي أن هذا الحق يهدف إلى تحقيق كل المقاصد الضرورية تبعًا لطبيعة الدعوى محل التقاضي. وهذا الحق مقرر ومؤكد في الإسلام، ويزخر الفقه الإسلامي بالكثير عن الحق في التقاضي لا يسع المقام هنا لذكره.

حقوق الإنسان ومقاصدها السابقة تقرها جميع الشرائع والقوانين والفطرة السليمة:

وحقوق الإنسان السابقة، هي حقوق ومقاصد تقرها جميع الشرائع والقوانين والفطرة والعقول السليمة[136]. يقول البعض[137]: «وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل أن لا يشتمل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق، ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر والقتل والزنَى والسرقة وشرب المسكرات».

ويقول البعض[138]: «وهذه الأشياء مناسبتها ظاهرة وهي المعروفة بالكليات الخمس التي لم تبح في ملة من الملل».

ويقول البعض[139]: «وهي ضرورية لم تُهْدَر في ملة».

ويقول البعض[140]: «فالضروري ما تضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمسة التي اتفقت الملل على حفظها».

ويقول البعض[141]: «فإن كان أصلًا فهو الراجع إلى المقاصد الخمسة التي لم تَخْلُ من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع».

النقطة الرابعة

النقطة الرابعة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمقاصد الحاجيَّة في الشريعة الإسلامية

الناظر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجد مجموعة من الحقوق، وهي حقوق سعت الشريعة الإسلامية إلى تحققها من خلال المقاصد الحاجية، فقد سبق أن أشرنا إلى أن للشريعة الإسلامية مقاصد عامة كثيرة ومتعددة ومتنوعة، منها، مقصد «تحقيق مصالح الناس»، وهذا المقصد يندرج تحته عدة مقاصد عامة أخرى، كالمقاصد الحاجية وهي المصالح التي تكمل حفظ المصالح الضرورية بإزالة الحرج ورفع المشقة، فبدون هذه المصالح الحاجية تشق الحياة ويعم الحرج.

وسنقوم فيما يلي بذكر هذه الحقوق وتأصيلها من منظور هذه المقاصد، وذلك على النحو التالي:

1- حق الإنسان في حرية التنقل وفي اللجوء إلى بلد آخر:

من الحقوق التي أكدها  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حق الإنسان في حرية التنقل، فقرر أن لكل فرد الحق في حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، وقرر أيضًا أنه يحق لكل فرد أن يغادر أي بلد، بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه[142].

كما أكد الإعلان العالمي أيضًا على حق الإنسان في اللجوء إلى بلد آخر، فقرر أن لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هربًا من الاضطهاد، ولا ينتفع بهذا الحق مَن قُدِّم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها[143].

حقّ الإنسان في حرية التنقل وفي اللجوء إلى بلد آخر، ومقصد المصلحة الحاجية في الإسلام

حق الإنسان في حرية التنقل وفي اللجوء إلى بلد آخر، يتحققان من خلال مقصد المصلحة الحاجية في الإسلام، وهما من الحقوق المقررة في الإسلام، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]، ولا يحد الإسلام من حرية الفرد في الانتقال من مكان إلى مكان، إلا لأمر تقتضيه مصلحة الفرد نفسه أو المصلحة العامة، كما في حالة تفشِّي وباء في بلدة ما مثلًا، إذ يُخشَى أن يؤدي انتقال الفرد إلى مدينة أخرى دون التأكد من سلامته، إلى انتقال العدوى إلى أهالي تلك المدينة، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «أذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها»[144].

أما هجرة الإنسان إلى بلاد أخرى هربًا من الاضطهاد أو الظلم أو الأذى، فإن الإسلام يحث عليها ويكاد يجعلها واجبًا عليه، حفظًا لمصالحه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: 97].

ويحث الإسلام الناس على استقبال المهاجرين والإحسان إليهم ومساعدتهم وتوفير الأمان لهم، بل يجعل ذلك واجبًا على المسلمين، حتى لو كان من هاجر إليهم من المشركين، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6].

2- حقّ الإنسان في العمل وفي مستوى معيشي لائق بالكرامة البشرية، وفي الضمان الاجتماعي:

من الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حقّ الإنسان في العمل وفي مستوى معيشي لائق بالكرامة البشرية، فلكل إنسان الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مُرْضِية، كما أن له حق الحماية من البطالة. ولكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساوٍ للعمل، ولكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مُرْضٍ يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية. ولكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات؛ حمايةً لمصلحته. ولكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر[145].

ولكل إنسان، بوصفه عضوًا في المجتمع، الحق في الضمان الاجتماعي[146]. ولكل إنسان الحق في مستوى من المعيشة كافٍ له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن، والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمُّل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته[147].

حق الإنسان في العمل وفي مستوى معيشي لائق بالكرامة البشرية، وفي الضمان الاجتماعي، ومقصد المصلحة الحاجية في الإسلام:

حق الإنسان في العمل وفي مستوى معيشي لائق بالكرامة البشرية وفي الضمان الاجتماعي، كلها حقوق تتحقق من خلال مقصد المصلحة الحاجية في الإسلام.

لقد جاء الإسلام لتغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة، حيث كان الغني يستعبد الفقير، والقوي يظلم الضعيف، فسعت الشريعة الإسلامية إلى إرساء قواعد مجتمع متكافل يسود أفراده التضامن، وتتكفل الدولة بتوفير العيش الكريم لجميع الناس، بصرف النظر عن جنسهم ولونهم ومعتقدهم؛ لأن الناس جميعًا تربطهم رابطة الأخوة البشرية وينبغي أن تسود بينهم المودة والمحبة.

ويقوم النظام الاجتماعي في الإسلام على العمل والتكافل، فيجب توفير العمل لكل إنسان قادر عليه، ويجب أن يتقاضى أجرًا مكافئًا على عمله، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه»[148]. كما يجب عليه أن يتقن عمله، قال (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»[149].

وبخصوص حماية حق العامل في الحصول على أجره، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»[150].

وبخصوص حق العامل في الراحة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن لبدنك عليك حقًّا»[151].

أما غير القادرين على العمل، إما بسبب المرض أو العجز أو الكبر والشيخوخة، وليس لهم من مُعيلٍ مقتدر، فإن من واجب الدولة أن تحقق لهم حد الكفاية، ويتطلب هذا الحد أن يخرج الإنسان من وضعية الفقر والفاقة إلى وضعية الغنى والاكتفاء، أي تحقيق مستوى معيشي لائق بكرامته الإنسانية، وهذا هو المقصود من التكافل في الشريعة الإسلامية، وتقوم الدولة بتوفير العيش الكريم لهؤلاء الناس بما تأخذه من الأغنياء من زكاة وهبات، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24، 25]، وقال تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: 19]. وفي هذا يقول سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عَرُوا وجمدوا فبِمَنْع الأغنياء[152].

ويشمل التكافل الاجتماعي في الإسلام جميع وحدات المجتمع، فالجار مثلًا يشمله هذا التكافل الاجتماعي، مسلمًا كان أو مشركًا، فقال (صلى الله عليه وسلم): «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع»[153]، وقال أيضًا: «أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعًا، فقد برئت منهم ذمة الله تعالى»[154].

ويتوخى الإسلام توزيع الثروة توزيعًا عادلًا، ولهذا فإنه يحرم احتكار الثروات في أيدي طبقة معينة من الناس، قال تعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7].

فحق الإنسان في العمل وفي مستوى معيشي لائق بالكرامة البشرية، وفي الضمان الاجتماعي- كلها حقوق تهدف إلى تحقيق مقصد المصلحة الحاجية في الإسلام.

3- حقّ الإنسان في المشاركة في الحياة العامة وتولِّي الوظائف العامة:

قرر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارًا حرًّا. كما قرر لكل شخص الحق نفسه الذي لغيره في تقلُّد الوظائف العامة في البلاد. وقرر أيضًا أن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت[155].

حق الإنسان في المشاركة في الحياة العامة وتولِّي الوظائف العامة، ومقصد المصالح الحاجية في الإسلام:

فحق الإنسان في المشاركة في الحياة العامة وتولي الوظائف العامة يهدف إلى تحقيق مقصد المصلحة الحاجية في الإسلام.

فحق المشاركة في الحياة العامة أو صنع القرارات السياسية والاجتماعية، هو حق مقرر في الإسلام، فجميع أشخاص المجتمع تشارك في المسئولية العامة، قال (صلى الله عليه وسلم): «كلُّكم راع وكلُّكم مسئول عن رعيته»[156]. وطريقة وضع هذا الحق موضع التطبيق هي «الشورى»، وقد قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38]، والشورى في الإسلام عند أكثر العلماء ليست اختيارية، لأولي الأمر أن يأخذوا بها أو يتركوها، وإنما هي فرض عليهم، قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159].

هذا مع ملاحظة أن سلطة الحكم في الإسلام يحكمها الشرع.

4- حق الإنسان في حرمة الحياة الخاصة:

من الحقوق التي أكدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حق الإنسان في حرمة حياته الخاصة، فنص في المادة الثانية عشرة على أنه: «لا يُعرَّض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته، أو مسكنه، أو مراسلاته، أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات».

حق الإنسان في حرمة الحياة الخاصة ومقصد المصلحة الحاجية في الإسلام:

بخصوص هذا الحق في الإسلام نجد أنه يهدف إلى تحقيق مقصد المصلحة الحاجية للإنسان، وهو حق مقرر في الإسلام، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [النور: 27، 28]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾[الحجرات: 12].

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»[157].

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن هناك مجموعة من الحقوق نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتحقق من خلال مقصد المصلحة الحاجية في الشريعة الإسلامية، منها: حق الإنسان في التمتع بجنسية دولة ما[158]، وحق الإنسان في أن يُعتَرف بشخصيته القانونية[159].

النقطة الخامسة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمقاصد العامة الأخرى في الشريعة الإسلامية

قرر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعض الحقوق الأخرى التي يمكن ردُّها إلى المقاصد العامة غير الضرورية في الشريعة الإسلامية، نذكرها فيما يلي.

1- حق الإنسان في الحرية:

للحرية أنواع متعددة، منها الحرية الطبيعية، والحرية المدنية، والحرية السياسية، والحرية الفكرية، والحرية الدينية، وقد ذكرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كلها، وجعلها حقًّا مفروضًا للإنسان، والحرية المقصودة هنا هي الحرية الطبيعية التي تحرر الإنسان من عبودية الإنسان، وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أكثر من مادة[160]؛ فقد نصت المادة الأولى منه على أنه: «يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق...»[161]. وأكدت المادة الثالثة من هذا الإعلان على أن: «لكل فرد الحق في ... الحرية...»[162]. ونصت المادة الرابعة منه على أنه: «لا يجوز استرقاق أو استبعاد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما»[163].

ويلاحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد قرن الحقوق الثلاثة (الحق في الحياة، والحق في سلامة شخصه، والحق في الحرية) في المادة الثالثة منه[164]. ويمكن أن يفهم من ذلك الاقتران أن حياة الإنسان لا تحظى بقيمتها الحقيقية، ما لم يتمتع الإنسان بحريته، وتُضمن له سلامة شخصه.

- حق الإنسان في الحرية ومقصد الحرية في الإسلام:

حق الإنسان في الحرية يتحقق من خلال مقصد الحرية، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية.

فحق الإنسان في الحرية حق مقرر ومؤكد في الإسلام، بل هو حق مقدس، سعى الإسلام إلى تحققه من خلال أبوابه التشريعية، كحق الحياة تمامًا. وحق الإنسان في الحرية في الإسلام، هو الصفة الطبيعية الأولى التي يولد بها الإنسان، فقال (صلى الله عليه وسلم): «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة»[165]، فالإنسان في الإسلام يولد حرًّا من عبودية أخيه الإنسان، وحرًّا من عبودية شهواته، وهذا النوع من الحرية لصيق بكرامة الإنسان وضرورة من ضرورياتها، ويظل مسْتَصْحَبًا ومستمرًّا مع الإنسان، ولهذا منع الإسلام أي شخص من الاعتداء على حرية الإنسان وكرامته، فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، مقررًا لهذا الحق ومؤكِّدًا عليه ومقدِّسًا له: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟»[166]، فعبودية الإنسان لخالقه وحده، وهي تحرره من عبودية أي مخلوق كائنًا من كان.

وهذا النوع من الحرية ضد العبودية أو الاسترقاق الذي يفقد فيه الإنسان أهليته ولا يملك زمام نفسه بل يصير مملوكًا لغيره، ونظرًا لأن البعض قد يختلط عليه الأمر في موقف الإسلام من الرق، لذلك سنحاول تصحيح المفاهيم حول موقف الإسلام من الرِّق ومدى ملاءمة ذلك للاتفاقيات الدولية، وذلك من خلال النقطة التالية.

تصحيح المفاهيم حول موقف الإسلام من الرِّق ومدى ملاءمة ذلك للاتفاقيات الدولية:

بداية لا نريد التوسع في هذا الموضوع ولا الدخول في تفاصيله، لأن الحديث عن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة، وإنما سنكتفي هنا بالإشارة فقط إلى هذا الموضوع بالقدر الذي يتناسب مع المقام الذي نحن بصدده.

ومن المعروف للجميع أن الإسلام لم يأت بنظام الرِّق، وإنما الرِّق كان موجودًا وبكثرة، وكان محل تجارة كبيرة وواسعة قبل ظهور الإسلام، فالاسترقاق كان معمولًا به قبل ظهور الإسلام عند أمم الرض جميعًا، وكانت له مصادره الكثيرة التي كان من بينها الحروب، والاختطاف، وعقوبة عن بعض الجرائم، والإعسار في سداد الديون، بالإضافة إلى مصادر أخرى، وكان الرقيق يعامَلون بكل قسوة وبطريقة يخجل الإنسان من وصفها.

وقد جاء الإسلام وحال الرقيق على هذا الوصف، فبدأ الإسلام يدعو إلى معاملة الرقيق بأفضل المعاملة، ويحث أتباعه على ذلكن وبدأ في إبطال بعض مصادر الرِّق فأبطل اختطاف الأحرار من بلادهم واسترقاقهم، وأبطل الاسترقاق كعقوبة، وأبطل الاسترقاق في حالة الإعسار في سداد الديون، فضلًا عن أنه شجع على إعتاق الرقيق بطرق كثيرة، بل إن بعض المسلمين- ونظرًا للمعاملة القاسية التي كان يلقاها العبد من سيده غير المسلم- كان يشتري العبد من سيده ويحسن إليه ويعتقه، كما جاء الإسلام بصور كثيرة للتخلص من الرِّق[167]، منها: نظام المكاتَبة[168] والمدبَّر[169] ونظام أمِّ الولد. وإذا كان البعض يظن أن إباحة التمتع الجنسي للرجل بما عنده من إماء فيه معاملة غير حسنة للأمة، فهذا ظن خاطئ، لأن ذلك راجع إلى التشجيع على عتق هذه الإماء، فالرجل عندما يتمتع بأمته فإذا أنجب منها ولدًا تصير به حرة بعد موت سيدها، قال (صلى الله عليه وسلم): «أعتقها ولدها»[170].

وأيضًا جعل الإسلام عتق الرَّقبة في الكفارات بأنواعها كافة، سواء أكانت كفارة يمين[171]، أم كفارة ظِهار[172]، أم كفارة قتل[173]، أم كفارة الإفطار عمدًا في نهار رمضان.

فالثابت أن الإسلام حث على معاملة الرقيق بأفضل المعاملة، وأن المسلمين عاملوا الرقيق بصورة حسنة لم يسبق لها مثيل، وأن الإسلام عمل على إنهاء الرِّق بطرق كثيرة، وبذلك يكون الإسلام أول دين يدعو إلى إعتاق الرقيق ولم يسبقه في ذلك أي دين أو أي نظام، وأن الإسلام قد قرر القاعدة التي تقضي أن المسلم المولود من أبوين حرين لا يجوز استرقاقه بأي حال من الأحوال، فالتاريخ الإسلامي حافل بهذه الأمور.

والأدلة على ذلك كثيرة منها: قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33]. فقد حث الله في هذه الآية على المكاتبة، وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، فقد جعل الله العتق من أصول البِر، وقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء:36]. فهذه أوجبتِ المعاملة الحسنة للرقيق.

كما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»[174].

كما روي عنه قوله: «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار»[175].

كما روي عنه قوله: «إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم»[176].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «من قذف مملوكًا بريئًا مما قال له، أقيم عليه الحد يوم القيامة، إلَّا أن يكون كما قال»[177].

قال (صلى الله عليه وسلم): «من ضرب مملوكًا ظلمًا أقيد منه يوم القيامة»[178].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «من لطم مملوكًا له أو ضربه فكفارته عتقه»[179].

وظل المسلمون على هذا الحال في التعامل مع الرقيق، وبعد خمسةَ عشرَ عامًا تقريبًا من بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم)، كانت أول معركة في الإسلام وهي غزوة بدر الكبرى، وانتهت بانتصار المسلمين وهزيمة المشركين، وقد أسر المسلمون سبعين رجلًا تقريبًا منهم، وكان المعروف والشائع في ظل النظم السائدة في هذا الحين وما قبله، هو أن أسير الحرب يكون رقيقًا، فقد كانت الحروب أكبر مصدر للرقيق، ومع ذلك لم يُرِقَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) أحدًا من أسرى بدر، ورغم أن هذه المعركة جاءت بعد خمسة عشر عامًا من اضطهاد هؤلاء للرسول والمسلمين وإيذائهم له، إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) عندما مكَّنه الله منهم لم يُرقَّهم، بل عاملهم أفضل معاملة وأطلق سراحهم بالمنِّ أو الفداء، فهذا إن دلَّ فإنما يدل على أن الإسلام لا يريد إلا الحرية للإنسان.

ولكن، لمَّا بدأ غير المسلمين يسترِقُّون أسرى المسلمين من الأحرار، وكان الرِّقُّ أشقُّ وأصعب أمر يمكن أن يلحق بالإنسان، ولما كانت القاعدة التي قررها الإسلام هي أن المسلم المولود من أبوين حرَّيْن لا يجوز استرقاقه بأي حال، ولما كان من أكبر المفاسد وأعظم الضرر أن يسترِقُّوا أسرانا ونطلق أسراهم- إن كان الموقف لحماية هؤلاء بإباحة الاسترقاق، من مبدأ المعاملة بالمثل، وبناء على ذلك يمكن القول: إن الإسلام بإباحته للاسترقاق كان يهدف إلى حماية الإنسان من الرق، فكان إذا استرقَّ غير المسلمين الأسرى من المسلمين كان المسلمون يسترِقُّون أسراهم، وإن توقفوا عن هذا الاسترقاق يحق لولي الأمر أن يتوقف عنه، وكأن الاسترقاق أبيح حتى لا يسترقَّ غير المسلمين أسرى المسلمين، وبالتالي لا يسترقُّ المسلمون أسرى غير المسلمين.

ولهذا كان موقف الإسلام من الاسترقاق، فقد أباحه عندما كان فيه مصلحة للمسلمين، فلم يجعله واجبًا ولم يجعله مندوبًا، وإنما أباحه لكي يكون سلطة في يد ولي الأمر يستخدمه فقط عندما يكون في استخدامه مصلحة للمسلمين[180]، كأن يقوم غير المسلم باسترقاق المسلم فيقوم ولي الأمر انطلاقًا من مبدأ المعاملة بالمثل باسترقاق غير المسلم، لأنه لو استرق الأعداء أسرى المسلمين دون مقابلتهم بالمثل، لاستمرَّ العدو بفعله، ويكون بذلك سببًا في زيادة عدد الرقيق، وبناء على ذلك يمكن القول: إن الإسلام أباح الرق لكي يكافحهن ويعمل على التقليل من زيادته وانتشاره.

كما أبطل الإسلام كل مصادر الرق وأسبابه؛ من بغي واختطاف وتَغلُّب القوي على الضعيف، وفاقة واحتياج، وغيرها من المصادر والأسباب التي كانت معروفة عند جميع الأمم السابقة، ما عدا مصدر أو سبب واحد، وهو الأسر في حرب مشروعة، ومع ذلك كان السبب يُجوِّز لولي الأمر أن يعمل به ويُجوِّز له أن لا يعمل به، ولهذا خُيِّر ولي الأمر في الأسرى بأكثر من خيار يختار أحدها وفقًا لمصلحة الأمة، كما أشرنا سابقًا.

وبناء على ذلك يمكن القول: إن إذا كانت الاتفاقيات الدولية في هذه الآونة قد حظرت الاسترقاق والتعامل به[181]، فهنا يجوز لولي الأمر في البلاد الإسلامية أن يوقف العمل بالاسترقاق.

ومن صلاحية أحكام الإسلام لكل زمان ومكان: أنه لم يحرم الاسترقاق بل أباحه عندما يكون فيه مصلحة للمسلمين، لأنه لو حرمه ثم عاد التعامل به مرة أخرى، وبدأ غير المسلمين بالتعامل به وخاصة ضد المسلمين، كان لا يجوز لولي الأمر إذ ذاك أن يعيد التعامل به عندما يحظره الغير، وأن يعيد العمل به إذا عاد الغير للعمل به، فإنْ عُدتم عُدْنا.

وهناك بوادر بالفعل في هذه الآونة لعودة الرق من جديد، ولكن بصورة مخيفة، وبالأرقام التي نسمع عنها أو نقرأها مرعبة، وهو يلحق بصفة خاصة النساء والأطفال، وقد أصبح تجارة لها صور متعددة، منها الاستغلال الجنسي والإتجار في البشر والأعضاء البشرية، وغير ذلك[182]. ورغم وجود الاتفاقيات الدولية التي تحظر التعامل بالرقيق، استشعرت منظمة الأمم المتحدة- رغم ذلك- مدى خطورة هذا الأمر، فأصدر قرارها باعتبار عام 2004 عامًا دوليًّا لمكافحة الرق، فها هو الخطر أصبح قائمًا بالفعل، فلو حاول البعض استعماله تجاه المسلمين- لا قدَّر الله- جاز لولي الأمر أن يستخدمه معاملةً بالمثل لكي يحمي المسلم من هذا الخطر، أما لو كان الإسلام قد حرّمه ما جاز لولي الأمر أن يستخدمه مرة أخرى.

2- حق الإنسان في المساواة:

نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على حق الإنسان في المساواة، وأكده في كل نصوصه، فكل نصوصه قائمة على مبدأِ المساواة، وذكر مظاهر كثيرة لهذا الحق منها ما يلي.

أ- إلغاء التمييز بجميع أنواعه:

نصت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن: «لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريَّات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة ناو الدين، أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعين أو الثروة، أو الميلاد، أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء، وفضلًا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد، سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلًّا، أو تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتي، أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود».

ب- المساواة بين الجنسين:

إضافة إلى الدعوة إلى إلغاء التمييز بجميع أنواعه، الواردة في المادة الثانية من الإعلان العالمي السابق ذكره، فإن المادة السادسةَ عشْرةَ منه نصت على أن: للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وفي أثناء قيامه وعند انحلاله، ولا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضًا كاملًا لا إكراه فيه[183]، هذا فضلًا عما أكده الإعلان العالمي في الديباجة فقد جاء فيها: «ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزَمت أمْرَها على أن تدفع بالرقيِّ الاجتماعي قدمًا، وأن ترفع مستوى الحياة في جوٍّ من الحرية أفسح».

ج- المساواة أمام القانون:

ومن مظاهر المساواة في الإعلان العالمي، المساواة في القانون، فقد نصت المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن «كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعًا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا». بالإضافة إلى المساواة في الشخصية القانونية، فقد نصت المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن: «لكل إنسان، أينما وُجد، الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية».

د- المساواة في الحرية والكرامة:

من مظاهر المساواة في الإعلان العالمي: المساواة في الحرية والكرامة، فقد نصت المادة الأولى منه على أنه: «يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلًا وضميرًا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء». هذا فضلًا عما أكده الإعلان العالمي في الديباجة، فقد جاء فيها: «لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم».

حق الإنسان في المساواة ومقصد المساواة في الإسلام

حق الإنسان في المساواة يتحقق من خلال مقصد المساواة، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، فحق الإنسان في المساواة حق مقرر ومؤكد في الإسلام، بل هو حق مقدس، سعى الإسلام إلى تحققه من خلال أبوابه التشريعية.

وحق المساواة بين الناس في الإسلام أمر واقع ومفروض، فالله سبحانه وتعالى قد خلقهم جميعًا من نفس واحدة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، فالناس كافة متساوون في القيمة الإنسانية المشتركة، وهي الجوهر، وإذا كان هناك اختلاف في المظهر كالجنس واللون والمعتقَد والأصل والقبيلة، فهذا الاختلاف مَدْعاةٌ للتعارف والتآلف لا للجفاء والتَّناحُر، وإذا كان هناك تفاضل بين الناس فهو في أمر خارج عن الصفة الإنسانية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، ومن الآيات القرآنية التي تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة قول الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195].

وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم):«أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب»[184].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحمر على أسود ولا لعربي على عجمي»[185].

وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»[186].

فالناس في الإنسانية سواء وإنما المفاضلة بينهم تكون في أمور أخرى منها التقوى.

كما روي أن أبا ذر عيّر بلالًا بأمه فقال: يا ابن السوداء، فأتى بلال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبره فغضب، فجاء أبو ذر ولم يشعر، فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: ما أعرضك عني إلا شيء بلغك يا رسول الله، فقال: «أنت الذي تعي بلالًا بأمه؟» قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «والذي أنزل الكتاب على محمد- أو ما شاء الله أن يحلف- ما لأحد على أحد فضل إلا بعمل، إن أنتم إلا كطف الصاع»[187].

وقد حدث في عصر سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أن يهوديًّا شكا إليه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فلما مَثُلَ كلاهما بين يدي الخليفة، خاطب سيدنا عمر اليهودي باسمه، بينما وجه الخطاب لسيدنا علي بكنيته فقال له: قِفْ بجوار خَصْمك يا أبا الحسَن. فغضب سيدنا علي من ذلك، فقال سيدنا عمر لسيدنا علي: أكرهتَ أن يكون خَصْمك يهوديًّا، وأن تَمْثُلَ معه أمام القضاء على السواء؟ فقال له سيدنا علي: لا، ولكني غضبت لأنك لم تُسَوِّ بيني وبينه، بل فضلتني عليه؛ إذ خاطبته باسمه، بينما خاطبتني بكنيتي[188].

وواضح مما سبق أنه لا يترتب أي تمايز بين الناس بسبب الجنس الذي ينتمون إليه، فلا فرق بين جنس وآخر من أجناس البشر، كما لا يترتب أي تمايز بين الناس بسبب اختلاف ألوانهم ولغاتهم.

وانطلاقًا من هذه المساواة المطلقة بين الناس كافة في القيمة الإنسانية المشتركة، يجعل الإسلام المساواة بين الناس في جميع الحقوق الأخرى، كالحقوق العامة والحقوق المدنية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية- أمرًا مفروضًا. ولا تمايز بين الناس مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم ودياناتهم.

3- حق الإنسان في العدالة:

من الحقوق التي اهتم بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأكدها في كل نصوصه: حق الإنسان في العدالة، فكل نصوصه قائمة على مبدأ العدالة، بالإضافة إلى أن مبدأ العدالة ومبدأ المساواة متلازمان، ومظاهرهما كثيرة ومتعددة ومتداخلة ومتلازمة أيضًا، فإلى جانب المظاهر التي ذكرناها سابقًا لحق الإنسان في المساواة، ذكر الإعلان العالمي مظاهر كثيرة لحق الإنسان في العدالة، ومنها[189]حق الإنسان في محاكمة عادلة، فقد نصت المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: «لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة، نظرًا عادلًا علنيًّا، في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجَّه إليه».

كما نصت المادة الحادية عشرة في الفقرة الأولى منها على أن: «كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئًا إلى أن تثبت إدانته قانونًا، بمحاكمة علنية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه».

حق الإنسان في العدل ومقصد العدل في الإسلام

حق الإنسان في العدل يتحقق من خلال مقصد العدل، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحققها من خلال أبوابها التشريعية، فحق الإنسان في العدل حق مقرر ومؤكد في الإسلام، بل هو حق مقدس، سعى الإسلام إلى تحققه من خلال أبوابه التشريعية.

وحق العدل بين الناس في الإسلام أمر واقع ومفروض، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف: 29]. ويقول أيضًا جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 135]. ويقول تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: 42]. ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]. ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]. ويقول تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى: 15]. ويقول تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9].

ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»[190].

وكما فرض الله العدل بين المؤمنين بعضهم مع بعض، فرضه فيما بينهم وبين غيرهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة:8].

وقد روي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مر بسوق الكوفة يومًا، فإذا به يمر أمام يهودي يعرض دِرْعًا للبيع، فلما رآها أمير المؤمنين عرف أنها درعه التي فقدها منذ سنين طويلة، وعلامتها المميزة عليها، فقال لليهودي: إن هذه الدرع درعي، فقال اليهودي: بل هي درعي، وأمامك القضاء، ووقف أمير المؤمنين بجانب اليهودي أمام القاضي شريح، فقال شريح: البيِّنةُ على من ادَّعَى. فقال أمير المؤمنين: إن الدرع درعي وعلامتها كَيْتَ وكَيْتَ، وهذا هو الحسن بن علي شاهدي على ذلك. فقال شريح: يا أمير المؤمنين، إني أعلم أنك صادق، ولكن ليس عندك بيِّنة، وشهادة الحَسَن لا تنفعك؛ لأنه ابنك، وقد حكمنا بالدرع لليهودي، فهز هذا الموقف اليهودي فقال: والله إن هذا الدين الذي تحتكمون إليه لهو الناموس الذي أنزل على موسى وإنه لدين حق، إلا أن الدرع درع أمير المؤمنين، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله[191].

وإقامة العدل في الإسلام لا تقتصر على ولاة الأمر وكل من يُزاول الحكم أن يحكم فقط، بل تمتد إلى الجميع فمثلًا يجب على الوالدين العدل بين أولادهم، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «اعدلوا بين أولادكم»[192].

فالإسلام يتوخى العدل في كل شيء، ويحمي الإنسان من الظلم، فالظلم محرّم في الإسلام، ففي الحديث القدسي «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»[193].

ويقول ابن تيمية: إن الله لَيقيم الدولةَ العادلةَ وإن كانت كافرةً، ويَذْهب بالدولة الجائرة وإن كانت مسلمةً.

فمن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية: إقامة العدل، وتحقيق المساواة بين الناس في المجتمع، فهم أمام التكاليف الشرعية سواء، فالعدل بين الناس يكون في كل شيء، وهو مطلوب من كل شخص وكل إليه أمر من أمور العباد، فالعدل مطلوب في القضاء وفصل الخصومات، وفي تولية المناصب ومراقبة الولاة، وفي فرض الضرائب، والصرف في وجوه المنافع للناس عامة من غير إيثار بعضهم على بعض.

ويستوي في ميزان العدل والمساواة بين الناس الغني والفقير، والحاكم والمحكوم فلا فرق بين الناس بسبب النسب والحسب واللون والجنس والنوع، وها هو الرسول (صلى الله عليه وسلم) يضرب المثل الأعلى في ذلك عندما أراد أسامة بن زيد أن يشفع عنده في المرأة المخزومية التي سرقت، فقال (صلى الله عليه وسلم): «إنما هلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وغذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدن وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»[194].

الخاتمة: وتتضمن عدة نتائج

في خاتمة هذا البحث يمكن استخلاص ما يلي:

- شريعة الإسلام شريعة عالمية وإنسانية، فهي تعد نظامًا دوليًّا لحقوق الإنسان.

- سبْق الإسلام في تقريره لحقوق الإنسان الإعلانَ العالميَّ لحقوق الإنسان.

- حقوق الإنسان في الإسلام تنبع من الكرامة التي أسبغها الله تعالى على الإنسان وتفضيله له على جميع مخلوقاته الأخرى، فقد خلقه في أحسن تقويم، وجعله خليفته في الأرض لتعميرها من أجل ترقية حياته.

- مصادر حقوق الإنسان في الإسلام تختلف عن مصادر حقوق الإنسان في الإعلان العالمي.

- للشريعة الإسلامية مقاصد تضمن حقوق الإنسان المتنوعة والمتعددة وتحميها وتصونها.

- حقوق الإنسان في الإسلام أوسع نطاقًا من حقوق الإنسان في النظام الدولي، حيث تعطي الشريعة للإنسان حقوقًا قبل ميلاده وبعد وفاته، في حين يقتصر النظام العالمي على حقوق الإنسان في أثناء حياته أي منذ ولادته حتى وفاته.

- حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تستوعبها مقاصد الشريعة الإسلامية العامة مع بعض التحفظات التي أشرنا إليها في حينه.

وبخصوص هذه التحفظات نشير إلى أنه طبقًا لنظرية مصادر القانون الدولي، فإنه يشترط في المبادئ العامة للقانون المعترف بها من الأمم المتمدينة أن يكون المبدأ العام معترفًا به من الأنظمة القانونية الرئيسة في العالم، ومنها الشريعة الإسلامية، وبالتالي إذا لم يكن المبدأ العام معترفًا به من قبلها فلا يمكن أن يكون مصدرًا من مصادر القانون الدولي العام.

- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جاء ببعض الحقوق التي تهدف إلى تحقيق بعض المقاصد العامة في الشريعة الإسلامية، وهذا يتفق مع طبيعة الإعلان العالمي، حيث الشريعة العامة لحقوق الإنسان في النظام الدولي.

- ركز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحقوق التي تهدف إلى تحقيق المقاصد الضرورية، والمقاصد الحاجية، ومع ذلك يمكن أن نلمح فيه حقوقًا تهدف إلى تحقيق مقاصد تحسينية أو كمالية، كحق الإنسان في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية[195].

- الالتزام بتطبيق حقوق الإنسان في الإسلام، يرجع إلى عدة أسباب منها: أن المسلمين يطبقون هذه الأحكام على أساس أنها ملْزِمة لهم ديانةً، فهم يؤمنون بها وملتزمون بها بوصفها أحكامًا ملزمة، فهي مقدسة لأنها ذات مصدر إلهي، وهي تنزيل من عند الله تعالى، وهي من سنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهي من آثار الصحابة رضوان الله عليهم، وهي تمثل أيضًا آراء الفقهاء والعلماء المسلمين في جميع العصور، ولهذا تظل- ويجب أن تظل- هذه الأحكام محل التزام، ولا يجوز مخالفتها؛ خشيةً وخوفًا من الله تعالى ومن الحساب في الآخرة، وأيضًا للخشية من مسائلة ولي الأمر في الدنيا وعقابه.

أما المجتمع الدولي فيأتي التزامه بالحقوق المدونة في الإعلان العالمي كتوصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأصدرته، ولكن، باعتراف الكثير من الدول والأفراد، لا يوجد ما يكفل تطبيق هذه الحقوق التي أتت في الإعلان العالمي، وأكبر دليل على ذلك هو ما نشاهده في هذه الآونة من انتهاك بعض الدول لهذه الحقوق، وخاصة الدول الكبرى التي تدّعي أنها تعمل على تطبيق هذه الحقوق.

والملاحظ في هذا الإعلان أنه وضع قواعد عامة، وألزم الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير اللازمة على الصعيد الوطني حتى تكفل احترامها، سواء من خلال التشريعات أو الإجراءات أو السياسات أو غيرها، وبدون ذلك يخلو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مضامينهن وتضيع الغايات التي من أجلها وُضع.


[1] البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص86، مسلم، صحيح مسلم، ج2، ص63.

[2] محمّد عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج5، ص218.

[3] يراجع في ذلك: ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 258، وما بعدها، الشيخ عبد الوهاب هبد السلام طويلة والدكتور محمد أمين شاكر حلواني، عالمية الإسلام ورسائل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك والأمراء، ص 41 وما بعدها.

[4] يراجع في ذلك: د. يوسف القرضاوي، مجلة الأهرام العربي، السنة السابعة، العدد 337، بتاريخ 6 سبتمبر سنة 2003م، ص 50، 51.

[5] يوسف القرضاوي، مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، ص 134.

[6] يوسف القرضاوي، مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، ص 132.

[7] الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ص 174.

[8] الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج 2، ص 6 وما بعدها.

[9] ابن القيم، إعلام الموقعين، ج 4، ص 373.

[10] الشاطبي، الموافقات، ج 2، ص 11.

[11] المرجع السابق، ج 2، ص 12.

[12] العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 6، ص 382، ابن حنبل، مسند الإمام أحمد، ج 5، ص 411، الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 3، ص 266، الشوكاني، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، ج 5، ص 163، ص 164.

[13] المتقي الهندي، كنز العمال، ج 16، ص 225، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 10، ص 464.

[14] البخاري، صحيح البخاري، ج 2، ص87، مسلم، صحيح مسلم، ج 3، ص 58.

[15] في هذا المعنى يراجع: السرخسي، أصول السرخسي، ج 1، ص 278 وما بعدها، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير في شرح كتاب التحرير، ج 2، ص 283 وما بعدها، الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج 1ن ص 159 وما بعدها، ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، ج 1، ص 62 وما بعدها، الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ج 1ن ص 63.

[16] وهبة الزحيلي، الوسيط في أصول الفقه الإسلامي، ص 228 وما بعدها.

[17] السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ج 2، ص 263 وما بعدها، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج 2، ص 297، وما بعدها.

[18] جاءت هذه الخطبة بروايات مختلفة وبألفاظ مختلفة يراجع في ذلك على سبيل المثال: الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 3، ص 266 وما بعدها.

[19] ابن أعثم، الفتوح 2/82، ابن الجوزي، مناقب عمر بن الخطاب 99، المتقي الهندي، كنز العمال، ج 21، ص 660، 661.

[20] هذا بالإضافة إلى:

- الأعراف الدولية التي تكون منها القانون الدولي العام.

- قرارات المنظمات الدولية.

- المبادئ والأفكار التي نادى بها العلماء والمفكرون.

- المبادئ العامة للقانون: وهي المبادئ التي تسود في القانون الداخلي، وبالذات في الأنظمة القانونية الرئيسة في العالم، وهي: النظام الإسلامي، والنظام الأنجلوسكسوني، والنظام اللاتيني.

[21] هذا وتتنوع مصادر حقوق الإنسان ما بين مصادر ذات أبعاد عامة، وهي المصادر الدولية لحقوق الإنسان- المشار إليها- ذات الطابع الدولي التي يصدرها شخص أو أشخاص دوليون.

وما بين مصادر ذات أبعاد خصوصية، والتي منها ما يتصل بخصوصية عقائدية، ومنها ما يتصل بخصوصية إقليمية.

ومن الحقوق التي لها مصادر ذات أبعاد خصوصية عقائدية، ما قررته الشريعة الإسلامية من حقوق، حيث يعد القرآن والسنة النبوية وآراء الفقهاء- المصادر المقررة لحقوق الإنسان، فلا يمكن أن يدعي إنسان بأن له حقًّا في شيء لم يعترف له الإسلام أساسًا بهذا الحق.

أما أبرز المصادر الإقليمية لحقوق الإنسان، فهي مصادر ووثائق ترتبط بكل كيان على حدة.

ففي أوربا هناك الميثاق العام الذي وقعته دول مجلس أوربا لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، في الرابع من نوفمبر 1950م، ودخل حيز النفاذ في الرابع من سبتمبر 1953م، كما أنشأت دول أوربا الغربية الجماعة الأوربية لـ معاهدة باريس عام 1951م، ومعاهدة روما عام 1957م، والميثاق الاجتماعي الأوروبي الذي أبرم بإيطاليا عام 1961م، والاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة غير الإنسانية أو المهينة، التي أبرمت عام 1987م.

أما حقوق الإنسان في أمريكا فإن مصدرها يتمثل في ميثاق بوجوتا في العام 1984م. والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969م، والتي دخلت حيّز التنفيذ عام 1978م.

أما إفريقيا فقد أبرمت قانونًا دوليًّا لحقوق الإنسان، وذلك في مؤتمر القمة الإفريقي الثامن عشر المنعقد في نيروبي عام 1981م، حيث دخل هذا الميثاق حيّز التنفيذ في نهاية العام 1986م.

يراجع في ذلك: محمد الطاهر، حقوق الإنسان والقانون الجنائي، ص 96، د. جعفر عبد السلام علي، القانون الدولي لحقوق الإنسان، دراسات في القانون الدولي والشريعة الإسلامية، ص 80 وما بعدها.

[22] المقاصد في اللغة: جمع مقصد- بكسر الصاد- وله معانٍ متعددة منها: الغاية التي توضع لها الوسائل لتحقيقها، ومنها طلب الشيء وإتيانه والاتجاه إليه، ومنها حصول الغرض الصحيح وقيام الباعث المشروع. يراجع في ذلك: الجوهري، الصحاح، ج 2، ص 524، ابن منظور، لسان العرب، ج 3، ص 353، طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 98، وهذه المعاني هي التي لها علاقة بتعريف المقاصد الاصطلاحي أو الشرعي.

[23] محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 55.

[24] د. محمد بن سعيد بن أحمد بن سعود بن اليوبي، مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، ص 38.

[25] د. حماد العبيدي، الشاطبي ومقاصد الشريعة، ص 119.

[26] د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، ج 1، ص 31.

[27] حسام إبراهيم حسين، مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبد السلام، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، الأردن، سنة 2002م، ص 5.

[28] د. مصطفى بن كرامة الله مخدوم، قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، ص 34.

[29] د. أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص 7.

[30] علال الفاسي، مقاصد الشريعة ومكارمها، ص 7.

[31] د. محمد الزحيلي، مقاصد الشريعة أساس حقوق الإنسان، ص 70.

[32] د. عبد الرحمن الكيلاني، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي- عرضًا ودراسة وتحليلًا، ص 47.

[33] الحسن السافري، رعاية المقاصد في المذهب الحنفي، ص 5، ص 61.

[34] يراجع في هذا: د. محمد مصطفى شلبي، تعليل الأحكام، ص 13 وما بعدها، د. وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، ص 646 وما بعدها، نور الدين الخادمي، علم المقاصد الشرعية، ص 19 وما بعدها.

[35] يراجع في هذا: محمد مصطفى شلبي، تعليل الأحكام، ص 136 وما بعدها، الإمام محمد أبو زهرة، أصول الفقه، ص 229، د. وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، ص 646 وما بعدها، نور الدين الخادمي، علم المقاصد الشرعية، ص 20 وما بعدها.

[36] يضيف الغزالي قسمًا آخر يكون الحكم فيه الأمرين معًا: التعبدي والمعقولية، ومثّل له بالزكاة. الغزالي، إحياء علوم الدين، ويراجع في ذلك: العز بن عبد السلام ، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج 2، ص 5.

[37] الشيخ عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، ص 64 وما بعدها، د. رمضان الشرنباصي، أصول الفقه الإسلامي، ص 75.

[38] الكرخي، رسالة الإمام أبي الحسن الكرخي في الأصول، بنهاية كتاب أبي زيد الدبوسي، تأسيس النظر، ص 172.

[39] لمزيد من التفاصيل يراجع في هذه الآراء: الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 202 وما بعدها، الرازي، المحصول في علم الأصول، ج 5، ص 287 وما بعدها، القرافي، الذخيرة، ج 1، ص 131 وما بعدها، الشاطبي، الموافقات، ج 1، ص 176 وما بعدها، الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ج 2، ص 797 وما بعدها.

[40] يراجع في ذلك: د. نور الدين مختار الخادمي، أبحاث في مقاصد الشريعة، ص 16 وما بعدها، د. أحسن لحساسنة، الفقه المقاصدي عند الإمام الشاطبي وأثره على مباحث أصول التشريع الإسلامي، ص 15 وما بعدها، إسماعيل محمد السعيدات، مقاصد الشريعة الإسلامية عند الإمام الغزالي، ص 62 وما بعدها، د. محمد بكر إسماعيل حبيب، مقاصد الشريعة الإسلامية تأصيلًا وتفعيلًا، ص 198 وما بعدها.

[41] الشاطبي، الموافقات، ج 2، ص 2 وما بعدها.

[42] الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 55 وما بعدها، د. أحمد الريسوني، مدخل إلى مقاصد الشريعة، ص 11 وما بعدها.

[43] د. محمد عبد العاطي محمد علي، المقاصد الشرعية وأثرها في الفقه الإسلامي، ص 14، د. أحمد الريسوني، مدخل إلى مقاصد الشريعة، ص 11.

[44] في هذا المعنى يراجع: محمد عبد العاطي محمد علي، المقاصد الشرعية وأثرها في الفقه الإسلامي، ص 15.

[45] هذا وقد عرف البعض المقاصد الجزئية بأنها: «ما يقصده الشارع من كل حكم شرعي من إيجاب أو ندب أو تحريم أو كراهة أو إباحة أو شرط أو سبب أو مانع». يراجع في ذلك: محمد عبد العاطي محمد علي، المقاصد الشرعية، ص 15.

[46] الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب، ج 1، ص 349.

[47] نور الدين الخادمي، علم المقاصد الشرعية، ص 21.

[48] الونشريسي، المعيار المعرب، ج 1، ص 349.

[49] يراجع ما سبق من هذا البحث.

[50] الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 203 وما بعدها.

[51] البناني، حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع، ج 2، ص 236.

[52] الطوفي، مختصر شرح الروضة، ج 3، ص 386.

[53] نور الدين الخادمي، علم المقاصد الشرعية، ص 41 وما بعدها.

[54] للمزيد من التفاصيل يراجع: محمد بكر إسماعيل حبيب، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 33 وما بعدها.

[55] ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 3، ص 11.

[56] البخاري، صحيح البخاري، ج 1، ص 23.

[57] البخاري، صحيح البخاري، ج 6، ص 2539.

[58] الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، ج 3، ص 397.

[59] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 9، ص 111.

[60] مسلم، صحيح مسلم، ج 2، ص 1018، ص 1019.

[61] الشوكاني، نيل الأوطار من حديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، ج 6، ص 285، ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 9، ص 111، ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج 9، ص 426.

[62] الآمدي، الإحكام، ج 4، ص 157 وما بعدها، الرازي، المحصول، ج 6، ص 125، عبد العزيز البخاري، كشف الأسرار على أصول البزدوي، ج 4، ص 1123.

لتوضيح ذلك يمكن القول: إنه قد يوجد دليل عام أو قاعدة عامة يقضي أو تقضي بحكم معين لمجموعة من المسائل في موضوع واحد، ثم تعرض مسألة من نظائر هذه المسائل على المجتهد، فيعدل بها عن حكم نظائرها إلى حكم آخر، أي يستثنيها ويخرجها من الحكم العام الثابت لنظائرها، لوجود دليل آخر من نص أو إجماع أو ضرورة أو عرف، أو غير ذلك يعطي لها حكْمًا آخر، فعدول المجتهد عن الحكم الكلي الثابت لأمثال هذه المسألة إلى حكم آخر بمقتضى الدليل الخاص يسمى «حكمًا مستحسنًا»، أي ثابتًا على خلاف الأصل أو على خلاف القاعدة العامة، فالاستحسان بهذا المعنى يرد استثناء.

وكذلك بعض المسائل التي لم يرد نص بحكمها وبالتأمل فيها يلاحظ أنه قد يتجاذب الحكم فيها قياسان مختلفان، الأول ظاهر- أي علته ظاهرة- يثبت حكمًا معينًا، والآخر خفي- أي علته خفية- يثبت حكمًا آخر، وثبت للمجتهد دليل رجح الخفي فعدل المجتهد عن القياس الظاهر بالقياس الخفي، وهذا هو ما يسمى «استحسانًا على خلاف القياس».

يراجع في ذلك: الآمدي، الإحكام، ج 4، ص 157، وما بعدها، السرخسي، أصول السرخسي، ج 2، ص 200، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه، ج 4، ص 235 وما بعدها، الجصاص، الفصول في الأصول، ج 4، ص 234.

فمسائل الاستحسان واحدة من اثنتين: إما مسألة يتجاذب الحكم فيها دليلان أحدهما عام يندرج تحته مجموعة من المسائل، مناظرة لهذه المسألة، والآخر خاص، وكان مقتضى العام أن تأخذ هذه المسألة حكم نظائرها، ولكن بعد النظر وجد أن الخاص أقوى وأرجح، فتستثنى هذه المسألة من حكم نظائرها إلى الحكم الآخر الذي يقتضيه الدليل الخاص.

فالاستحسان هنا يجعل حكم هذه المسألة أقرب إلى مقاصد الشريعة وإلى روحها من الاستمساك بالعام.

وأما المسائل التي يتجاذب الحكم فيها قياسان مختلفان، الأول ظاهر والآخر خفي، وكان مقتضى الظاهر أن تأخذ هذه المسألة الحكم الثابت به، ولكن بعد التأمل وجد أن الخفي أقوى وأرجح، فيعدل بهذه المسألة عن الحكم الثابت بالظاهر إلى الحكم الآخر الثابت بالخفي.

فالاستحسان هنا أيضًا يجعل الحكم الثابت لهذه المسألة أقرب إلى مقاصد الشريعة وإلى روحها من الاستمساك بالظاهر.

[63] الآمدي، الإحكام، ج 4، ص 157 وما بعدها، السرخسي، أصول السرخسي، ج 2، ص 200، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج 4، ص 235 وما بعدها، الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج 4، ص 207 وما بعدها، الجصاص، الفصول في الأصول، ج 4، ص 243 وما بعدها.

[64] الآمدي، الإحكام، ج 4، ص 157، وما بعدها، السرخسي، أصول السرخسي، ج 2، ص 200، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج 4، ص 235، وما بعدها، الشاطبي، الموافقات، ج 4، ص 307 وما بعدها.

[65] أخرجه الترمذي (عارضه الأحوذي 5/241)، ابن ماجه 2/737، وانظر ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 4، ص 237.

[66] البخاري، صحيح البخاري، ج 3، ص 43، ص 44.

[67] يراجع في ذلك السمرقندي، تحفة الفقهاء، ج 2، ص 7 وما بعدها.

[68] تقدم تخريجه.

[69] الكاساني، بدائع الصنائع، ج 5، ص 2.

[70] العجلوني، كشف الخفا ومزيل الإلباس، ج 2، ص 71.

[71] الشاطبي، الموافقات، ج 2، ص 2 وما بعدها.

[72] الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ص 174.

[73] ابن القيم، إعلام الموقعين، ج 4، ص 373.

[74] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 12 وما بعدها، البلاذري، فتوح البلدان، ج 3، ص 555 وما بعدها، الطبري، تاريخ الطبري، ج 3، ص 108، وما بعدها، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 153 وما بعدها، أبو يوسف، الخراج، ص 25 وما بعدها.

[75] العشرة المبشرون بالجنة هم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح. يراجع: الزركلي، الأعلام، ج 3، ص 94 وما بعدها.

[76] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 345، البلاذري، فتوح البلدان، ج 3، ص 424.

[77] يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، ج 2، ص 986، ص 987.

[78] الإمام مالك، المدونة الكبرى، ج 5، ص 163، ص 164.

[79] يوسف القرضاوي، السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، ص 95.

[80] الشاطبي، الموافقات، ج 4، ص 114.

[81] الغزالي، المستصفى، ج 1، ص 288.

[82] الإسنوي، نهاية السول شرح منهاج الوصول، ج 2، ص 54.

[83] ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج 3، ص 143.

[84] السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ج 3، ص 60.

[85] الآمدي، الإحكام، ج 3، ص 252.

[86] المادة 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

[87] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 7/260، 261 من حديث ابن عباس وأبي هريرة (رضي الله عنهما).

[88] أخرجه البيهقي في الكبرى 8/41 من حديث أبي هريرة.

[89] النسائي، سنن النسائي، ج 7، ص 82.

[90] أخرجه البخاري 7/139 (5778) من حديث أبي هريرة.

[91] أخرجه البخاري 8/15، 26، 33 (6047، 6105، 6652)، ومسلم 1/104 (110)، كلاهما من حديث ثابت بن الضحاك، وأخرجه البخاري 9/27 (6974) من حديث أسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاس (رضي الله عنهما).

[92] أخرجه البخاري 4/170 (3463) من حديث جندب بن عبد الله.

[93] أخرجه النسائي في سننه 8/25 (4750)، وفي الكبرى 6/336 (6926)، 8/78 (8689) من حديث عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) بلفظ «لم يجد ريح الجنة».

[94] أخرجه الترمذي في 4/20 (1403) من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه).

[95] المادة 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

[96] أخرجه الطبراني في الكبير 17/180.

[97] أخرجه الطبراني في الأوسط 3/20 (2339)، وفي الكبير 8/116، وفي الشاميين 2/9 (825) من حديث أبي أمامة.

[98] أخرجه أبو داود 4/301 (5004).

[99] أخرجه البزار في مسنده (البحر الزخار) 9/271 (3816) من حديث عامر بن ربيعة.

[100] أخرجه البخاري 9/48 (7072)، ومسلم 4/2020 (2617)، كلاهما من حديث أبي هريرة.

[101] أخرجه الطبراني في الكبير 11/260، والبيهقي في شعب الإيمان، 10/66 (7173)، كلاهما من حديث ابن عباس (رضي الله عنهما).

[102] أخرجه مسلم 4/2017، 2018 (2613- 117، 118).

[103] أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/110 (2082)، وابن حبان في صحيحه 1/523 (288)، والطبراني في الكبير 13/150، ثلاثتهم من حديث عبد الله بن سلام.

[104] أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 9/342 (2845)، وقال: حديث منكر، وانظر العجلوني: كشف الخفا 2/218.

[105] أخرجه أبو داود 3/170 (3052) عن عدّة من الصحابة.

[106] المادة: 17: (1) لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.

[107] المادة 27: (1) لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكًا حرًّا في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون، والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.

[108] حسن سمرة، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 253.

[109] أخرجه البخاري 8/92 (6436، 6437) عن ابن عباس، 8/93 (6438، 6439) عن ابن الزبير، ومسلم 2/725 (1048) عن أنس.

[110] أخرجه مسلم 2/724 (1047) من حديث أنس.

[111] أخرجه أبو داود 3/78 (3073)، والترمذي 3/654 (1378)، كلاهما من حديث سعيد بن زيد.

[112] أخرجه أبو داود 4/201 (5003) من حديث عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده.

[113] أخرجه أحمد 34/299 (2069) عن أبي حُرة الرقاشي عن عمه، 34/560 (21082) عن عمرو بن يثربي.

[114] تقدّم تخريجه.

[115] أخرجه مسلم 1/124 (225) من حديث أبي هريرة.

[116] أخرجه البخاري 3/136 (2480)، ومسلم 1/124 (226)، كلاهما من حديث ابن عمر (رضي الله عنهما).

[117] أخرجه بهذا اللفظ الحارث بن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث عن زوائد الحارث) 1/508 (449)، 2/653 (631) عن خداش. وهو عند ابن ماجه 2/826 (2472) عن ابن عباس بلفظ: «المسلمون شركاء في ثلاث».

[118] المادة 18: لكل شخص حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة، وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرًّا أم مع الجماعة.

[119] الشوكاني، إرشاد الفحول، ج 1/ص 366.

[120] أخرجه ابن ماجه 2/1328 (4008) عن أبي سعيد الخدري.

[121] ابن المبرد الحنبلي: محص الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 2/601.

[122] المادة 26: (1) لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميًّا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع، وعلى أساس الكفاءة.

[123] يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملًا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

[124] أخرجه ابن ماجه 1/81 (224) من حديث أنس.

[125] أخرجه مسلم 4/2074 (2699) من حديث أبي هريرة.

[126] المادة 16: (1) للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وفي أثناء قيامه وعند انحلاله.

لا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضًا كاملًا لا إكراه فيه.

الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

[127] تقدم تخريجه.

[128] ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن نذكر أن للزواج مقاصد أخرى في الإسلام منها: أنه تحقيق غايات دنيوية وأخروية، فقد فطر الله تعالى الإنسان على طلب الولد حبًّا للبقاء حيث يخلفه الولد في الحياة، والتماسًا للعون وليعز ويقوى به في الدنيا، كما أنه من خلال الزواج تتحقق غايات أخروية فالرسول (صلى الله عليه وسلم) سوف يباهي بالمسلمين الأمم يوم القيامة حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): «تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم».[مصنف عبد الرازق 6/173]، وأيضًا يحقق الزواج للإنسان غايات أخروية بدعاء الولد لأبيه بعد موته، فقد روي أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، صحيح مسلم 4/2065 (2682)، وأخرجه البخاري 7/18 (5138)، 9/25 (6969) عن خنساء بنت خِذام.

كما أن الزواج هو الطريق لتكوين الأسرة التي هي أولى لبنات المجتمع، كما أنه بالزواج تتكون الصفات الإنسانية الراقية كالإيثار وحب الغير كالزوجة والولد ومعرفة ما للإنسان من حقوق وما عليه من واجبات، كما أنه بالزواج يتم إشباع الرغبة الجنسية لكل من الرجل والمرأة بطريق منظم يحفظ الإنسان ويصون الأعراض ويرفع الشحناء والبغضاء بين الناس.

كما أن الزواج يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي والحضاري في المجتمع، فكلما وجد الإنسان نفسه مسؤولًا عن أبنائه وبناته وغيرهن ممن يرتبط به ارتباطًا أسريًّا، هان عليه كل ما يجده من عناء العمل، وانطلق لا يدخر جهدًا.

[129] أخرجه أبو داود 3/289 (3530) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

[130] أخرجه البخاري 8/2 (5971)، ومسلم 4/1974 (2548)، كلاهما من حديث أبي هريرة.

[131] من المعروف في الإسلام أن هناك المحرمات من النساء تحريمًا مؤبدًا، والمحرمات تحريمًا مؤقتًا، ومن المحرمات تحريمًا مؤقتًا: المرأة التي ليس لها دين سماوي: وهي المرأة التي لا تدين بأي دين سماوي ولا تؤمن بنبي ولا بكتاب إلهي ولا تعترف لوجود الله تعالى، فهي منكرة للأديان، وهذه المرأة تسمى بالمرأة المشركة أو الكافرة كالمجوسية، وهي التي تعبد النار، وكالوثنية وهي التي تعبد الأصنام، وكالبوذية وهي التي تعبد بوذا، وكالملحدة وهي التي ليس لها معبود، ويدخل في الإشراك كل من يعتنق مذهبًا يؤدي به إلى الكفر.

ولقد حرم الفقه الإسلامي على الرجل المسلم أن يتزوج بامرأة كافرة أو مشركة حتى تؤمن، كما حرم على المرأة المسلمة أن تتزوج برجل كافر أو مشرك حتى يؤمن. ومثل هذا الزواج يعد باطلًا، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ﴾ [البقرة: 221].

ولقد عُدت المرأة التي لا تدين بدين سماوي من المحرمات على سبيل التأقيت، لأن إنكارها للأديان السماوية ليس صفة لازمة، فقد تقتنع بأحد الأديان السماوية فتعتنقه في أي وقت فتحل بذلك للمسلم أن يتزوجها لزوال سبب التحريم.

حكم زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية: المرأة الكتابية هي المرأة التي تدين بأحد الأديان السماوية وتؤمن بنبي من الأنبياء وبكتاب من الكتب السماوية، كالمسيحية التي تؤمن بالنبي عيسى (عليه السلام) وبالإنجيل، وكاليهودية التي تؤمن بالنبي موسى (عليه السلام) وبالتوراة.

ولقد ذهب جمهور الفقهاء كالحنفية والمالكية والشافعية وغيرهم، إلى أنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالمرأة الكتابية كالمسيحية واليهودية، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: 5].

أما بالنسبة لموقف فقهاء الشيعة الجعفرية، فقد ذهب بعضهم في رأي، إلى أنه لا يجوز للمسلم الزواج بالمرأة الكتابية، واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: 221].

ولكن الرأي الراجح في المذهب الجعفري يرى أنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية كالمسيحية واليهودية، كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء.

والرأي الراجح والمعمول به في كل من مصر ولبنان هو أنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية كالمسيحية واليهودية.

ومع أن الفقهاء قد أباحوا للمسلم أن يتزوج بالكتابية ، إلا أنهم يرون أنه من الأولى أن يتزوج المسلم من المسلمة ولا يتزوج بالكتابية إلا إذا كانت هناك حاجة أو مصلحة تستدعي الزواج منها، كما أنه يجوز لولي الأمر أن يمنع زواج المسلم من الكتابيات إذا اقتضت المصلحة ذلك أو كان في ذلك دفع لخطر عن المسلمين، فقد كتب سيدنا عمر بن الخطاب إلى حذيفة بن اليمان أن يخلي سبيل المرأة الكتابية اليهودية التي تزوجها، فكتب إليه حذيفة: أحرام هذا الزواج يا أمير المؤمنين أم حلال؟ فكتب إليه سيدنا عمر بأن هذا الزواج حلال، ولكني لأخشى عليكم منه.

حكم زواج المرأة المسلمة من الرجل الكتابي: قرر فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة وغيرهم، أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج من الرجل الكتابي، مسيحيًّا كان أو يهوديًّا، فقد روي أن رجلًا في عصر سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أسلمت زوجته وأبى هو أن يسلم، ففرق عمر بينهما، كما روي عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها، فهي أملك لنفسها، وقد اشتهرت مثل هذه الآثار عن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ لذلك انعقد إجماعهم على ذلك. والحكمة من أنه يجوز للرجل المسلم أن يتزوج من المرأة الكتابية، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج من رجل كتابي- هي أن القوامة في الحياة الزوجية تكون للرجل، والرجل المسلم يؤمن بكل الكتب السماوية وبكل الرسل والأنبياء بمن في ذلك سيدنا موسى وسيدنا عيسى (عليهما السلام)، قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه﴾ [البقرة: 285]. وبالتالي تأمن المرأة الكتابية على دينها معه، بالإضافة إلى أنه مأمور بعدم التعرض لها عندما تمارس شعائرها الدينية، فقد أمرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن نتركهم وما يدينون. كما لا يجوز لزوجها المسلم إكراهها على الإسلام، فقال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، فالمرأة الكتابية مع الزوج المسلم أعطيت الضمانة، وبذلك فإنها لا تخشى على عقيدتها ولا على دينها ولا على شعائرها إذا ما تزوجت بالرجل المسلم.

أما الرجل الكتابي فإن كان يهوديًّا فهو لا يؤمن إلا بسيدنا موسى (عليه السلام) وبالتوراة فقط، ولا يؤمن بسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا بالكتاب الذي أنزل عليه، وكذلك الأمر بالنسبة للكتابي إن كان مسيحيًّا؛ فهو لا يؤمن إلا بسيدنا عيسى (عليه السلام) وبالإنجيل فقط، ولا يؤمن بسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا بالكتاب الذي أنزل عليه، وبالتالي فإن المرأة المسلمة لن تجد الضمانة التي تأمن معها على عقيدتها ودينها وشعائرها وعلى أولادها إذا ما تزوجت بالرجل الكتابي، لأن الرجل في العلاقة الزوجية تكون له القوامة ويستطيع التأثير على زوجته بوجه أو بآخر، وبذلك تخشى على عقيدتها وعلى دينها وعلى شعائرها وعلى أولادها في حالة الزواج منه.

وبذلك تكون المرأة المسلمة قد فقدت الضمانة التي تتوافر للمرأة الكتابية إذا ما تزوجت من رجل مسلم، كما سبق أن أشرنا، فيجب أن يختلف الحكم بالنسبة لكل منهما، بالإضافة إلى أن المسلمة أتم دينًا من الكتابي فهي تؤمن بكل الأديان السماوية وبكل الرسل والأنبياء، وبالتالي لا يكون كفؤًا لها، ولا يجوز أن يكون قَيِّمًا عليها.

وبناء على ما تقدم يحرم على المرأة المسلمة أن تتزوج من غير المسلم، سواء كان كتابيًّا أم غير كتابي، وإن تزوجت كان الزواج باطلًا.

حكم الزواج من المرتد أو المرتدة: المرتد هو الراجع عن الدين الإسلامي بمحض إرادته واختياره، حتى لو رجع إلى دين آخر، والمرتد لا يُقَرُّ على رِدَّته ولا على دينه الذي انتقل إليه أيًّا كان.

وحكم المرتد أن يستتاب؛ فإن عاد إلى الإسلام أصبح مسلمًا، وإن أصر على ردته قتل إن كان رجلًا، أما المرأة المرتدة فتحبس حتى تتوب أو تموت، والتفرقة بين الرجل والمرأة في الحكم بالقتل والحبس هو مذهب الحنفية والشيعة الإمامية.

والمسلم إذا ارتد عن دينه وأبى الرجوع إليه فإن كان متزوجًا بانت منه زوجته، مسلمة كانت أم كتابية، ولا يجوز له أن يتزوج بمسلمة ولا بكتابية ولا بكافرة ولا بمرتدة مثله، وكذلك إذا كان المرتد غير متزوج فلا يجوز له يتزوج بمسلمة ولا بكتابية ولا بكافرة ولا بمرتدة مثله، لأنه مستحق للقتل عقوبة له على ردته، طالما لم يَتُبْ ولم يرجع إلى الإسلام، ولأن المرتد عن الإسلام لا يعد ذا دين حتى لو انتقل إلى دين سماوي.

والمسلمة إذا ارتدت عن دينها وأَبَتِ الرجوع إليه، فإن كانت متزوجة بانت من زوجها، ولا يجوز للمسلم ولا للكتابي ولا للكافر أو المشرك ولا للمرتد أن يتزوجها، وكذلك إذا كانت المرتدة غير متزوجة، فلا يجوز للمسلم ولا للكتابي ولا للكافر أو المشرك ولا للمرتد أن يتزوجها، لأن المرتدة عن الإسلام لا يكون لها دين تُقَرُّ عليه حتى لو انتقلت إلى دين سماوي، ولأنها تحبس حتى تتوب وتعود إلى الإسلام أو تموت.

[132] المادة 18: لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرًّا أم مع الجماعة.

[133] ابن هشام، السيرة النبوية 1/503.

[134] الكاساني، بدائع الصنائع، ج 7/ص 100.

[135] المادة 8: لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون.

[136] د. حسين سمرة، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 3.

[137] الغزالي، المستصفى، ج 1، ص 288.

[138] الإسنوي، نهاية السول شرح منهاج الوصول، ج 2، ص 54.

[139] ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج 3، ص 143.

[140] السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ج 3، ص 60.

[141] الآمدي، الإحكام، ج 3، ص 252.

[142] المادة 13: (1) لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة. يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد، بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه.

[143] المادة 14: (1) لكل فرد الحق في أن يلجأ على بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هربًا من الاضطهاد. لا ينتفع بهذا الحق من قدِّم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

[144] أخرجه البخاري 7/130 (5728) عن أسامة بن زيد.

[145] المادة 23: (1) لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مُرْضِية، كما أن له حق الحماية من البطالة. لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساوٍ للعمل. لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مُرْضٍ، يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية. لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات؛ حماية لمصلحته.

[146] المادة 22: لكل شخص، بصفته عضوًا في المجتمع، الحق في الضمانة الاجتماعية، وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته.

المادة 25: (1) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن، والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.

[147] للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية، سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية.

[148] أخرجه ابن ماجه 2/817 (2443) من حديث عبد الله بن عمر.

[149] أخرجه أبو يعلى في مسنده 7/349 (4386)، والطبراني في الأوسط 1/275 (897)، والبيهقي في شعب الإيمان 7/232، 233 (4929، 4930، 4931)، كلهم من حديث أم المؤمنين عائشة.

[150] أخرجه البخاري 3/82، 90 (2227، 2270).

[151] وأورده بهذا اللفظ الهيثمي في مجمع الزوائد، 7/239 وأصله في البخاري 3/39 (7975)، 8/31 (6134)، ومسلم 2/813 (1159) من حديث عبد الله بن عمرو.

[152] أخرجه سعيد بن منصور في سنته- التفسير 5/107، 109، والبيهقي في الكبرى 7/36، 37.

[153] أخرجه أبو يعلى في مسنده 5/92 (2699)، والبيهقي في الكبرى 10/5، كلاهما من حديث ابن عباس.

[154] أخرجه أحمد 8/482 (4880) من حديث ابن عمر.

[155] المادة 21: (1) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده، إما مباشرة، أو بواسطة ممثلين يختارون اختيارًا حرًّا. لكل شخص الحق نفسه الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري، وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

[156] أخرجه البخاري 2/5 (892)، 3/120 (2409)، مسلم 3/1459 (1829)، كلاهما من حديث ابن عمر.

[157] أخرجه الترمذي 4/378 (2032) من حديث ابن عمر.

[158] المادة 15: (1) لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفًا، أو إنكار حقه في تغييرها.

[159] المادة 6: لكل إنسان، أينما وجد، الحق في أن يُعترف بشخصيته القانونية.

[160] د. علي القاسمي، حقوق الإنسان بين مقاصد الشريعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[161] المادة 1: يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلًا وضميرًا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء.

[162] المادة 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

[163] المادة ع: لا يجوز استرقاق أو استعباد أس شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

[164] المادة 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

[165] أخرجه البخاري 2/94 (1357) من حديث ابن عباس، و2/95، ومسلم 4/2047 (2658) من حديث أبي هريرة.

[166] ابن الجوزي: مناقب عمر بن الخطاب 98، 99، ابن المبرد الحنبلي، محض الصواب 2/472.

[167] يراجع في هذا الموضوع: الكاساني، بدائع الصنائع، ج 4، ص 45 وما بعدها، الآبي الأزهري، الثمر الداني، ص 536 وما بعدها، الفناني، فتح المعين، ج 4، ص 368 وما بعدها، البهوتي، كشاف القناع، ج 4، ص 610، ابن حزم، المحلي، ج 5، ص 183 وما بعدها، المرتضى، شرح الأزهار، ج 3، ص 559 وما بعدها، الطوسي، النهاية، ص 538 وما بعدها.

[168] المكاتبة عبارة عن عقد بمقتضاه يكاتِب السيد عبدَه على مال معلوم إذا أداه له صار حرًّا، وبمقتضى هذه الكتابة يسمح للعبد ببعض التصرفات التي تساعده على تحصيل بدل الكتابة، كما أن بدل الكتابة هذا يمكن أن يدفع للعبد من أموال الصدقات، حيث جعل الإسلام للعتق وللإعانة على شراء المملوك نفسه سهمًا من مصارف الصدقات، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60]، يراجع:الفناني، فتح المعين، ج 2، ص 215 وما بعدها.

[169] المدبَّرُ: عبد قال له سيده: أنت حر بعد موتي. فيثبت له حق الحرية مآلًا عند موت سيده، ولثبوت هذا الحق يمتنع بيعه وهبته وتمليكه للغير بسبب من أسباب المِلْك.

[170] ابن ماجه، سنن ابن ماجه، ج 2، ص 841، الحاكم، المستدرك، ج 2، ص 19. كما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال: أيما وليدة ولدت من سيدها، فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها، وهو يستمتع بها. فإذا مات فهي حرة. يراجع: الإمام مالك، الموطأ، ج 2، ص 776، البيهقي، السنن الكبرى، ج 10، ص 342.

[171] قال تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 89].

[172] قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 3].

[173] قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92].

[174] البخاري، صحيح البخاري، ج 3، ص 41.

[175] البخاري، صحيح البخاري، ج 7، ص 237، مسلم، صحيح مسلم، ج 4، ص 217.

[176] البخاري، صحيح البخاري، ج 3، ص 123.

[177] أخرجه البخاري 8/175 (6858)، ومسلم 3/1282 (1660)، كلاهما من حديث أبي هريرة.

[178] الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 4، ص 238.

[179] أخرجه مسلم، 3/1278 (1657) من حديث ابن عمر.

[180] يبيح بعض الفقهاء للحاكم عدة خيارات في أسرى الحرب، من هذه الخيارات: أن يسترق الأسرى. يراجع في ذلك: القرافي، الفروق، ج 3، ص 17. وقد جاء فيه: «وأما التخيير بين الخصال الخمس في حق الأسارى عند مالك، رحمه الله، ومن وافقه وهي: القتل والاسترقاق والمن والفداء والجزية، فهذه الخصال الخمس ليس له فعل أحدها بهواه ولا لأنها أخف عليه، وإنما يجب عليه بذل الجهد فيما هو أصلح للمسلمين، فإذا فكر واستوعب فكره في وجوه المصالح ووجد بعد ذلك مصلحة هي أرجح للمسلمين، وجب عليه فعلها وتحتمت عليه، ويأثم بتركها».

يراجع في ذلك أيضًا: السمرقندي، تحفة الفقهاء، ج 3، ص 302، ابن رشد، بداية المجتهد، ج 1، ص 306 وما بعدها، الشربيني الخطيب، مغني المحتاج، ج 4، ص 227 وما بعدها، البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 58، المحقق الحِلَيِّ، شرائع الإسلام، ج 1، ص 242.

[181] يراجع في ذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذا الشأن، وبالخصوص: الاتفاقية الخاصة بالرق، جنيف 25 أيلول/سبتمبر 1926م. وقد عدلت هذه الاتفاقية بالبروتوكول المحرر في 7 كانون الأول/ديسمبر 1953م، واتفاقية قمع الإتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير 1949م، والاتفاقية التكميلية لإلغاء الرق وتجارة الرق والنظم والعادات المشابهة للرق 1956م، وغيرها من الاتفاقيات، بالإضافة إلى المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أنه: «لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما».

[182] لمزيد من التفاصيل حول الإتجار في البشر والأرقام والإحصائيات بهذه التجارة، يراجع د. سوزي عدلي ناشد، الإتجار في البشر بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، ص 12 وما بعدها.

[183] المادة 16: (1) للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وفي أثناء قيامه وعند انحلاله.

لا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضًا كاملًا لا إكراه فيه.

الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

[184] من خطبة الوداع للرسول (صلى الله عليه وسلم) وجاءت هذه الخطبة بروايات مختلفة، وبألفاظ مختلفة، انظر حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم 2/886 (1218)، الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 3، ص 266 وما بعدها.

[185] الطبراني، المعجم الكبير، ج 18، ص 11.

[186] العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 6، ص 382، ابن حنبل، مسند الإمام أحمد، ج 5، ص 411، الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 3، ص 266، الشوكاني، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، ج 5، ص 163، ص 164.

[187] المتقي الهندي، كنز العمال، مؤسسة الرسالة- بيروت، ج 16، ص 225، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر سنة 1415ه، ج 10، ص 464.

[188] ابن العديم، بغية الطلب، 4/1710.

[189] يراجع المواد من 2- 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[190] أخرجه مسلم 3/1458 (1827).

[191] العبشمي، ترتيب الأمالي الخميسية 2/326.

[192] أخرجه أبو داود 3/293 (3544)، والترمذي 6/262 (3687)، كلاهما من حديث النعمان بن بشير.

[193] أخرجه مسلم 4/1994، 1995 (2577) من حديث أبي ذر.

[194] أخرجه البخاري 8/98، ومسلم 3/1312، 1313.

[195] المادة 20: (1) لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.

                (2) لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما.


ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
مقاصد الشريعة والإتفاقيات الدولية (مجموعة بحوث)، 2013 مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن. ص 31-142.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

الحقوق والحريات في الإسلام

أحمد فرَّاج محتويات المقال:الأمر الأول: إزالة ما علق بالإسلام من تشويهالأمر الثاني: الذي أرى أننا مـدعوون إليه هوالتطوّرالتقويمالحريات في الإسلامالقيود حماية الحق عندما نتحدّث عن حقوق الإنسان وحرياته في الإسلام، نتحدّث ع...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة ومؤتمرات السّكان: تحليل موقف الإسلام من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة - 1979

أحمد أبو الوفا: أستاذ القانون الدولي العام- كلية الحقوق- جامعة القاهرة محتويات المقال:أولًا: مقدمة عامةثانيًا: الأصل في الإسلام هو عدم الارتباط بأي ميثاق دولي يتعارض مع القواعد الإسلامية العليا _القواعد الدولية الآمرة في...

مقالات عن مقاصد الشريعة الإسلامية
إقرأ المزيد

مقصد الحرية عند الطاهر بن عاشور

محمد سليم العوا بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإننا لو تحدثنا عن مقصد الحرية عند الطاهر بن عاشور منذ شهرين لكان حديثاً مكروراً مُعاداً لا يجد الإنسان له صدى في واقع حياته اليومية...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد العدل في القرآن الكريم

محمد سليم العوَّا: مفكر إسلامي وخبير قانوني وهو عضر مجمع اللغة العربية بمصر، والأكاديمية الملكية الأردنية، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي – منظمة لمؤتمر الإسلامي – جدة محتويات المقال:أولا: بين الشاب والشيخثانيًا: ما هو العد...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

تقارير حقوق الإنسان في ميزان نظريّة المقاصد (حالات مختارة)

جمال الدين دراويل: أستاذ الحضارة الحديثة وتاريخ الأفكار بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – القيروان، رئيس منتدى الثقافة والحوار، رئيس تحرير مجلة الحياة الثقافية. محتويات المقال 1- أصول الحقوق الفردية في الإعلان العالمي لحق...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

موقف المنظمات الدولية من جرائم الدول ضد الإنسانية مع رؤية من منظور إسلامي

محمد شكري الدقّاق موقف المنـظمات الدوليةالمسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي الجنائيأ– القــانون الـدولي الجنـائيب– القـــانون الدولي الجنـائيالتفرقة بين المسؤولية الجنائية للدولة ومسؤوليتها عن العمل غير ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي

فهمي هويدي محتويات المقال:هل الإيمان بالإسلام شرط للمواطنة في المجتمع الإسلامي؟ما هي حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي؟ النظر إلى حقوق غير المسلمين في مجتمع المسلمين لا يتحقّق إلا إذا استوعبنا أمـوراً عدة في البداية ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

تنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان

محاولة للتأصيل من منظور إسلامي محمد سليم العوّا 1- لا يخطيء من يقول إن «حقوق الإنسان» هي شعار الـربع الأخيرمن القرن العشــرين الميلادي. فـقـد نشطت حـركة الـدفاع عن حقوق الإنسان منذ أواسط السبعينيات من هذا القرن نشاطا فاق...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة الإسلامية الكلية ومكافحة الإتجار بالبشر

فايز حسن إن أخطر مشكلة بين مجتمعي الشرق والغرب تتمثل في اختلاف الرؤية الأوروبية الغربية لحقوق الإنسان عن الرؤية الإسلامية، وهو المعيار الذي يتم به تصنيف الدول والعلاقات الدولية، ومن أهم هذه الجوانب جانب جريمة قديمة، ولكن...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة الإسلاميّة والمحكمة الجنائية الدولية

عوض محمد عوض: أستاذ بكلية الحقوق- جامعة الإسكندرية محتويات المقال:فكرة المحكمة الجنائية الدولية: نشأتها وتطورهاالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدوليةالمحكمة الجنائية الدولية في ميزان الشريعة الإسلاميةأولًا:...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد شريعة الإسلام واتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية

إبراهيم أحمد خليفة : أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام- كلية الحقوق- جامعة الإسكندرية محتويات المقال:مكانة شريعة الإسلام في النظام القانوني الدوليمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومقصد حفظ النفس والمال مكانة شريعة ال...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن الكريم وأثرها في بناء المشترك الإنساني

عبد الرحمن الكيلاني: أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة، الجامعة الأردنية محتويات المقال:مقصد إعمار الأرضمقصد بناء القيم الأخلاقيةالمقاصد الضرورية والحاجية والتحسينيةمقصد التعارف الإنسانيالخاتمة والتوصياتقائمة المراجع الحم...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

التأسيس المقاصدي للمشترك الإنساني

وائل الحارثي: محاضر بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة، وباحث دكتوراة بكلية الشريعة بفاس/جامعة القرويين. محتويات المقال:(1) في مفهوم المشترك الإنساني(2) المشترك الإنساني والمصطلحات أو المفاهيم المقاربة (3) أصول المشترك ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مَقْصِدُ حِفْظِ اْلَأمْنِ في الْقُرْآنِ الكَرِيمِ

عبد الكريم بن محمد الطاهر حامدي: أستاذ الفقه وأصوله، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، الجزائر محتويات المقال:المبحث الأول: مفهوم حفظ الأمن والأدلة على كونه مقصدا قرآنياالمطلب الأول: مفهوم حفظ الأمنالمطلب الثاني: الأدل...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد العدل وصداه في التشريع الجنائي الإسلامي

عوض محمد عوض محتويات المقال:المقاصد الشرعيةأولا: مبدأ الشرعيةثانيا: مناط المسؤوليةثالثا: العلم شرط لاستحقاق العقابرابعا: شخصية المسؤوليةخامسا: المساواةسادسا: التناسب بين الجرم والعقاب  (1) الأصل في الشرائع كلها أنها...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد الرحمة في السنة النبوية: رحمة الرسول ﷺ بأهل الكتاب أنموذجا

أحمد عزيوي: أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتعليم فاس/ مكناس، المملكة المغربية. محتويات المقال:مقدمةإشكالية البحثأهداف البحثمنهج البحثخطة البحثالمبحث الأول: مفهوما الرحمة وأهل الكتابالمطلب الأول: مفهو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد الرّحمة وتطبيقاته في السنّة النبوية

عبد المنعم الفقير التمسماني: أستـاذ الحديث والفقه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان. محتويات المقال:مقدمةمدخلأولا: مفهوم المقاصدثانيا: تعريف «الرحمة»ثالثا: مقصدية الرحمةالمبحث الأول: تأصيل مق...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة الإسلاميّة وتحفظات الدول الإسلامية على الاتفاقيات الدولية

أحمد عوض هندي: أستاذ قانون المرافعات- كلية الحقوق- جامعة الإسكندرية محتويات المقال:1- مقاصد الشريعة الإسلامية:2- العلاقة بين مقاصد الشريعة وأحكام القانون:3- مفهوم الاتفاقيات الدولية وأثرها:4- ظهور المعاهدات ذات الطابع ال...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الحرية في الفقه الإسلامي المعاصر حق التنظيم الحزبي والانتخابات نموذجًا

راشد الغنوشي: مفكر وسياسي إسلامي، زعيم حزب النهضة التونسي محتويات المقال:الحريّة مقصدٌ شرعيٌّحرية الاعتقاد والضميرحق التنظيم الحزبي والانتخاباتحق التنظيم الحزبيأ- مفهوم الحزب لغةب - مفهوم الحزب اصطلاحًاخلفيات النظرة السل...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة في قوانين العمل وحقوق الإنسان

أحمد جاب الله: مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية – باريس محتويات المقال:تعريف العملالمقاصد الشرعية للعمل1- مقصد التعبد2- عمارة الأرض وتنمية الثروة3- تحقيق الاكتفاء الذاتي4- التعبير عن القدرات الذاتية في العمل والإنتا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

العدل في النص القرآني

محمد سليم العوَّا عرض الدكتور محمد حسن جبل لمعاني تعبير (العدل) ومشتقاته في القرآن الكريم وانتهى بعد استقراء مواضع الاستعمال القرآني لهذه الكلمة إلى أنها ترد في مواضعها كلها بمعنى العدل الذي هو ضد الظلم، اللهم إلا في أرب...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top