مقاصد شريعة الإسلام واتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية

شارك:

إبراهيم أحمد خليفة : أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام- كلية الحقوق- جامعة الإسكندرية

محتويات المقال:
مكانة شريعة الإسلام في النظام القانوني الدولي
معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومقصد حفظ النفس والمال

مكانة شريعة الإسلام في النظام القانوني الدولي

جاءت الأحكام الشرعية لتحقيق مصالح الناس، وأن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم. فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة.. وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة. فالغرض من تشريع الأحكام هو الحفاظ على الضروريات الخمس.

ولم تقتصر الأحكام الشرعية على تنظيم أمور العباد وحمايتها في وقت السِّلْم فقط، بل كذلك في وقت الحرب، ويكفينا مثالًا على ذلك، ما حققته الشريعة الإسلامية من سبق وتميز وتفرد في مجالين من أهم المجالات التي تتعلق بأمن الإنسان وحمايته وسلامته، وهما مجال حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، فالمقصود من كل ما جاءت به شريعة الإسلام في هذين المجالين هو توفير أكبر قدر من الحماية غير المسبوقة للإنسان في دينه ونفسه وعقله ونسله وماله.

ففي مجال حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية1، وانطلاقًا من طبيعة الدعوة الإسلامية بوصفها دعوة عامة وعالمية موجهة للناس كافة، دون أي تمييز، وجوهرها الرحمة والعدل، وهذا ما تشهد به آيات الذكر الحكيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الحج: 49]، وقال تعالى: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 36]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1]، وقال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [ص: 87].

ولحماية الإنسان لا يمكن أن تقوم لمصالح الدين والدنيا قائمة دون حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وذلك بوصفها من المصالح الضرورية، ولذا فلحماية الدين جاء التشريع الإسلامي بعقوبات للرِدَّة والجهر بالكفر، ولحماية النفس جاء بالقصاص والدِّيَات والكفارات، ولحماية النسل والعِرْض جاء بالرجْم والجَلْد، وللحفاظ على المال جاء بحدِّ السرقة والتعزير، وأخيرًا للحفاظ على العقل وحمايته قرر الجلْد والتعزير.

وفي وقت الحرب جاءت شريعة الإسلام بأحكام غير مسبوقة هدفها الحفاظ على المقاصد الخمسة والضرورية سالفة الذكر.

ففي الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلام وجهل وحروب دائمة وشرسة، سواء في داخل أوروبا، بهدف تحديد هوية الأمراء الأوربيين، أو خارجها، بهدف تحقيق الأطماع الاستعمارية، فإن الشريعة الإسلامية كان لها السبق الأول في مجال القانون الدولي الإنساني، وذلك قبل وصول المجتمع الدولي إلى قانون متكامل في هذا المجال بنحو أربعة عشر قرنًا من الزمان.

ولا يمكن لأحد أن يشكك في وجود القانون الدولي الإنساني الإسلامي أو إلْزامته أو تطبيقه. هذا على عكس القانون الدولي الإنساني الوضعي الذي إن كان تأكد وجوده وإلزاميته منذ نصف قرن من الزمان، شأن بقية فروع القانون الدولي العام بصفة عامة، فإنه لا يمكن لأحد أن يدعي تطبيقه تطبيقًا كاملًا.

وفيما يتعلق بأحكام القانون الدولي الإنساني الإسلامي، فإن الشريعة الإسلامية كانت حريصة على بيانها وتحديدها وتطبيقها، ومراقبة هذا التطبيق، وتقرير الجزاء على من يخالفها.

ويهمُّنا أن نشير في هذا الشأن إلى أهم الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية في مجال القانون الدولي الإنساني2، ومن هذه الأحكام ما رواه مسلم في «صحيحه» بسنده عن بُرَيْدَةَ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أمَّر على جيش أو سَرِيَّة أوصى القائد في خاصَّته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا. ثم قال: «انطلقوا باسم الله، وعلى بركة الله ورسوله، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأةً، ولا تغلوا، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»3.

وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن قتل غير المحاربين من أفراد وذرية العدو فقال: «لا تقتلوا  ذُرَّةً ولا عسيفًا»4.

وطبقًا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد أصدر الخليفة الأول لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، سيدنا أبو بكر الصديق أهم قواعد القانون الدولي الإنساني في الإسلام. فقد روي عن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: بعث أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يزيد بن أبي سفيان على جيش، فخرج معه يمشي وهو يوصيه. فقال: يا خليفة رسول الله، أنا الراكب وأنت الماشي، فإما أن تركب وإمَّا أن أنزل. فقال أبو بكر (رضي الله عنه): ما أنا بالذي أركب ولا أنت بالذي تنزل، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله. ثم قال: إني موصيك بعشر فاحفظهن:

(1) إنك ستلقى أقوامًا زعموا أنهم قد فرَّغوا أنفسهم لله في الصَّوامع، فذرهم وما فرَّغوا له أنفسهم.
(2) قال: وستلقى أقوامًا قد حلقوا أوساط رؤوسهم، فافلقوها بالسيف.
(3) قال: ولا تقتلن مولودًا.
(4) قال: ولا امرأة.
(5) قال: ولا شيخًا كبيرًا.
(6-8) قال: ولا تَعْقِرُنَّ شجرًا بَدا ثمره، ولا تحرقن نخلًا ولا تقطعن كَرْمًا.
(9-10) قال: ولا تذبحن بقرة ولا شاة، ولا ما سوى ذلك من المواشي إلا لأكْلٍ5.

إضافةً إلى هذه الوصايا التي تمثل، بحق، العمود الفقري للقانون الدولي الإنساني في الإسلام، فإن شريعتنا الغراء قد أمرت بالرفق بالأسرى. وقد أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالرفق بالأسرى فقال: «استوصوا بالأسرى خيرًا»6، وهذا تصديق لقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8].

من خلال هذا العرض الوجيز لأهم مبادئ القانون الدولي الإنساني في الإسلام يتضح مدى ما جاءت به الشريعة الإسلامية من تقدم وتطور في وقت كانت تسوده الفوضى، وخاصة أن هذه المبادئ لم يكتب لها أن تكون نظرية فحسب، بل كتب لها التطبيق الفعلي والعملي.

فأحكام القانون الدولي الإنساني الإسلامي قد طبقت تطبيقًا كاملًا منذ بداية الفتوحات الإسلامية، وذلك نظرًا لوجود الجزء الفعّال والمناسب عند تخلف الالتزام بها. فالجزاء في الشريعة الإسلامية يتميز بالفعالية التي تكفل الاحترام الكامل للقاعدة القانونية.

والواقع أن هذا يرجع إلى أن الشريعة الإسلامية لا تقتصر فحسب على الجزاءات الدنيوية، بل تقرر أيضًا جزاءات أخروية. فالجزاءات الدنيوية يوقعها الحاكم المسلم على من يخالف القواعد القانونية الإسلامية، في حين أن الجزاءات الأخروية ينتظرها المسلم يوم القيامة.

وقد قامت الدولة الإسلامية- وخاصة في بداية نشأتها- بتطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني الإسلامي، ومراقبة تطبيقها، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، من أهمها حرص الخلفاء الراشدين على التطبيق الكامل لأحكام الشرع الحنيف، وحرصهم كذلك على تطبيق الجزاءات، بموضوعية، على من يخل بهذه الأحكام.

أضف إلى ذلك، أن الجزاء الأخروي، بجانب الجزاء الدنيوي، يدفع المسلم إلى الالتزام الكامل بأحكام الشريعة الإسلامية، لأنه إذا أفلت من المسؤولية والعقوبة الدنيوية، فلن يفلت- بيقين- من المسؤولية والعقوبة الأخروية7. وهذا ما كان له آثار إيجابية غير منكورة، على تطبيق القاعدة القانونية تجاه المسلم أو غير المسلم.

وقد انعكس ذلك- بالطبع- على تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني الإسلامي، فقد التزم القادة وأمراء الجيوش الإسلامية بهذه الأحكام كافة. في الوقت الذي كانت تجهل فيه أوروبا أي حكم من هذه الأحكام.

وبعد تكوين المجتمع الدولي المعاصر، وذلك بنشأة الدولة بالمفهوم القانوني الدقيق، وبعد أن تطور القانون الدولي بتخلِّيه عن طابعه التقليدي واكتسابه الطابع المعاصر، خاصة بعد إرساء مبدأ «حظر استعمال القوة» أو «التهديد باستخدامها»، الذي يعد من المبادئ الآمرة التي تعمل على تحقيق السلم والأمن الدوليين وحفظهما، بوصفهما من أهم مقاصد الأمم المتحدة.

ويعد هذا الهدف أو المقصد، دون شك، من أهم أهداف الأمم المتحدة ومقاصدها. والواقع أنه لو أدركت الأمم المتحدة هذا الهدف بنجاح، لكان دليلًا كافيًا على نجاحها، وعلى تحقيقها لبقية أهدافها. ولكي تحقق الأمم المتحدة هذا الهدف يجب عليها أن تعمل جاهدة على إلغاء كل وسائل تهديد السِّلْم والأمن الدوليين.

ويلاحظ أن الميثاق على حقٍّ في ربطه بين السلم والأمن الدوليين، فلا بد من تحقيقهما معًا، فلا يجوز إدراك أحدهما دون الآخر. وفي سبيل إدراك هذا الهدف المزدوج، يجب على منظمة الأمم المتحدة أن تتخذ التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السِّلْم، وإزالتها، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقًا لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي تؤدي إلى الإخلال بالسِّلْم أو لتسويتها8.

ويجب أن يمتنع أعضاء المنظمة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصدها9. وتطبق هذه الوسائل قبل وقوع الإخلال بالسِّلْم والأمن الدوليين، وهو ما يطلق عليه «الجانب الوقائي لحفظ السلم والأمن الدوليين». أما إذا وقع هذا الإخلال بالفعل، فإنه يجب على منظمة الأمم المتحدة أن تتخذ التدابير كافة لقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم10 من خلال ما يقوم به مجلس الأمن من اختصاصات.

وبعد استقرار مبدأ «حظْر استخدام القوة» أو «مجرد التهديد باستخدامها»، انطلق المجتمع الدولي ليستكمل تطوره، سواء في جانبه التنظيمي- وذلك بنشأة العديد من المنظمات والهيئات والمحاكم الدولية- أم في جانبه التشريعي، وذلك بإصدار العديد من القرارات وإبرام العديد من الاتفاقيات والمعاهدات في المجالات الاقتصادية والإنسانية والثقافية وغيرها كافة. ونذكر منها- على سبيل المثال لا الحصر- ما يتعلق بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان11، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما يتعلق كذلك بالمجالات الإنسانية والحدِّ من التسلُّح12، وحق تقرير المصير13، ومنع التمييز وحماية الأقليات14، وحقوق المرأة15، إلى غير ذلك من المجالات16 التي لم تتركها الجماعة الدولية دون تنظيم، والتي ساهمت في إرساء العديد من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام الدولي والتي لا يجوز مخالفتها، هدفها الأساسي والجوهري هو حماية الإنسان، سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب.

ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف إلا بتحقق فكرة الأمن الجماعي بوصفه مقصدًا عامًا، وذلك بالتزام أشخاص القانون الدولي بالمعاهدات وعدم انتهاكها.

ويعد نظام الأمن الجماعي نظامًا ملزمًا لجميع أشخاص القانون الدولي بما فيها مجموعة الدول الإسلامية، والتي لا يستهان بعددها، وبما يمكن أن تقوم به من دور وتأثير في العلاقات الدولية، سواء على المستوى الرسمي أو العملي. فشريعة الإسلام تعد من بين الأنظمة القانونية الأربعة، بجانب النظام الاشتراكي واللاتيني والأنجلوسكسوني، في العالم، والتي يُرْجَع إليها لاستنباط المبادئ العامة للقانون التي تعترف بها الأمم المتمدينة مصدرًا أصليًّا للقانون الدولي، إضافة للاتفاقية الدولية والعرف الدولي.

وبهذا يتضح ما يمكن أن تقوم به مبادئ الشريعة الإسلامية من دور في إرساء القواعد الدولية بما يحقق مقاصدها. إضافة إلى ذلك ما يمكن أن تمارسه الدول الإسلامية من دور في إبرام الاتفاقيات الدولية والعرف الدولي بما يحقق هذه المقاصد، ويحفظها. من الناحية العملية ما يمكن أن تمارسه هذه الدول من تأثير على العلاقات الدولية، خاصة في اتخاذ المواقف والتدابير العملية لتفادي أيّ تأثير على مقاصد الشريعة الإسلامية.

معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومقصد حفظ النفس والمال

تعد اتفاقيات الحد من الاستخدام النووي أبرز المعاهدات التي جاءت لتفعيل الأمن الجماعي وتحقيقه، وأهمها، وهذا ما يوجب على أشخاص القانون الدولي الالتزام بهذه المعاهدات؛ لما تقوم به من دور في إذاعة السلم والأمن الدوليين17.

وتأتي في مقدمة هذه الاتفاقيات «معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية»18، وتشكل المعاهدة أساسًا جوهريًّا يهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجياتها، وتعزيز التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والاتجاه نحو نزع شامل للسلاح النووي. كما تضع المعاهدة التزامًا على عاتق الدول الحائزة للأسلحة النووية، مقتضاه الحد من انتشار السلاح النووي.

ويعد النظام القانوني الخاص بالسلاح النووي أحد الجوانب الجوهرية للأمن الجماعي في هذا الشأن، والذي يساعد على حفظ حياة الإنسان في نفسه وماله ونسله وعقله، ولا يمكن لعاقل أن يجادل في هذا بما يمثله السلاح النووي من خطورة ودمار شامل لكل ما يوجد على الكرة الأرضيّة. ويكفينا شاهدًا على ذلك ما حدث في ناجازاكي وهيروشيما (باليابان) في الحرب العالمية الثانية، في وقت لم يكن هذا السلاح قد تطور تكنولوجيًّا كتطوره في الوقت الحالي لدى الدول الحائزة لترسانات نووية مدمرة، ويأتي في مقدمتها الكيان الصهيوني (إسرائيل).

وقد أدركت الجماعة الدولية خطورة انتشار السلاح النووي وما يمكن أن يترتب عليه من دمار للإنسان وماله نسله، وهذا يتضح أولًا من ديباجة المعاهدة بقولها: «إن الدول... أطراف المعاهدة» إذ تدرك الدمار الذي تنزله الحرب النووية بالبشرية قاطبة، وضرورة القيام، بالتالي، ببذل جميع الجهود الممكنة لتفادي خطر مثل تلك الحروب، وباتخاذ التدابير اللازمة لحفظ أمن الشعوب، وإذ تعتقد أن انتشار الأسلحة النووية يزيد كثيرًا من خطر الحرب النووية، ومراعاة منها لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تدعو إلى عقد اتفاق بشأن منع زيادة انتشار الأسلحة النووية، وإذ تتعهد بالتعاون في تسهيل تطبيق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على النشاطات الدولية السلمية، وإذ تبدي تأييدها للجهود البحثية والاستحداثية وغيرها من الجهود الرامية إلى تعزيز التطبيق اللازم، في إطار نظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمبدأ الضمان الفعال لتدفق الخامات والمواد الانشطارية الخاصة باستعمال الأدوات والوسائل التقنية الأخرى في بعض المناطق الاستراتيجية، وإذ تؤكد المبدأ القاضي- بأن تتاح- للأغراض السلمية، لجميع الدول الأطراف في المعاهدة، سواء منها الدول الحائزة للأسلحة النووية- أو الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، فوائد التطبيقات السلمية النووية، بما في ذلك أية منتجات فرعية قد تحصل عليها الدول الحائزة للأسلحة النووية من استحداث الأجهزة المتفجِّرة النووية، واقتناعًا منها بأنه يحق لجميع الدول الأطراف في المعاهدة، تطبيقًا لهذا المبدأ، أنْ تشترك في أتم تبادل ممكن للمعلومات العلمية لتعزيز إنماء تطبيقات الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وأن تسهم في ذلك التعزيز استقلالًا، أو بالاشتراك مع الدول الأخرى، وإذ تعلن انتوائها تحقيق وقف سباق التسلح في أقرب وقت ممكن، واتخاذ التدابير الفعالة اللازمة في سبيل نزع السلاح النووي، وإذ تحث جميع الدول الأعضاء على التعاون لبلوغ هذا الهدف، وإذ تذكر أن الدول الأطراف في معاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء، الموقعة في عام 1963، أبدت، في ديباجة المعاهدة، عزمها على تحقيق الوقف الأبدي لجميع التفجيرات التجريبية للأسلحة النووية، وعلى مواصلة المفاوضات لهذه الغاية، وإذ تودّ زيادة تخفيف التوتر الدولي وزيادة توطيد الثقة بين الدول، تسهيلًا لوقف صنع الأسلحة النووية، ولتصفية جميع مخزوناتها الموجودة، ولإزالة الأسلحة النووية ووسائل إيصالها... تنفيذًا لمعاهدة بشأن نزع السلاح العام الكامل في ظل مراقبة دولية شديدة فعّالة، وإذ تذكر أن الدول ملْزَمة، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، بالامتناع، في علاقاتها الدولية، عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية لأية دولة أو ضد استقلالها السياسي، أو على وجه الخصوص منافٍ لمقاصد الأمم المتحدة، وإن تعزيز إقامة وصيانة السلم والأمن الدوليين ينبغي أن يجري بأقلِّ تحويلٍ لموارد العالم البشرية والاقتصادية إلى الأسلحة، قد اتفقت على وضع التزام محدد ومتواضع على عاتق الدول الحائزة للأسلحة النووية، وذلك طبقًا للمادة الأولى التي تنص على أنه «تتعهد كل دولة من الدول الحائزة للأسلحة النووية تكون طرفًا في هذه المعاهدة، بعدم نقلها إلى أي مكان، لا مباشرة، ولا بصورة غير مباشرة، أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى، أو أية سيطرة على مثل تلك الأسلحة أو الأجهزة؛ وبعدم القيام إطلاقًا بمساعدة أو تشجيع أو حفز أية دولة من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، على صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى، أو اقتنائها، أو اكتساب السيطرة عليها بأية طريقة أخرى».

وتأتي المادة الثانية لتقرر ما تلتزم به الدول غير الحائزة للأسلحة النووية المغلوبة على أمرها، ومقتضاه أنْ «تتعهد كل دولة من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية تكون طرفًا في هذه المعاهدة، بعدم قبولها نت أي ناقل كان، لا مباشرة ولا بصورة غير مباشرة، أيّ نقل لأية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى، أو لأية سيطرة على مثل تلك الأسلحة والأجهزة؛ وبعدم صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة أخرى، أو اقتنائها بأية طريقة أخرى؛ وبعدم التماس أو تلقي أي مساعدة في صنع أية أسلحة نووية، أو أجهزة متفجرة أخرى»19.

ويمكن القول: إن مجمل ما جاءت به «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» من التزامات- تعد متواضعة في مضمونها، وأنها غير معالة في مواجهة مسألة على قدر المسألة النووية وما تمثله من خطورة ولا تكفي لحماية الشعوب في أنفسهم ومالهم وعقلهم ونسلهم.

فالمعاهدة لم تتعرض لبحث مسألة حيازة بعض الدول فقط الأسلحة النووية، بل إنها- على العكس- قد أقرت بالوضع القائم موجهة خطابها في مادتها الأولى إلى «الدول الحائزة للأسلحة النووية»، وإلى «الدول غير الحائزة للأسلحة النووية» في مادتها الثانية، وذلك بحظر التسلح النووي عليها حظْرًا مطلقًا.

واهتمت المعاهدة بمسألة الأغراض السلمية للأنشطة النووية، وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحرص على استفادة «الدول غير الحائزة للأسلحة النووية» مما تصل إليه «الدول الحائزة للأسلحة النووية» من مزايا في هذا المجال.

ومن بين ما نصت عليه المعاهدة كذلك: السماح للدول بممارسة حق الانسحاب، وهذا ما قامت به كوريا الشمالية في عام 2003.

ويمكن القول: إنه بالنظر لوضع الدول الكبرى، خاصة «الدول الحائزة للأسلحة النووية» الأطراف والدول الأخرى أمثال الهند وباكستان وكوريا الشمالية، يمكن القول: إن هذه الدول لا يمكن أن تتخلى بأية حال عن السباق النووي.

وبالنظر لضعف النظام القانوني المتعلق بهذه المسألة، خاصة الموقف غير الحازم وغير الواضح لمحكمة العدل الدولية في فتواها الخاصة بمشروعية التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها، والصادرة في 8/7/1996، لا يمكن القول: إن الجماعة الدولية قد استقرت على مبدأٍ آمِرٍ في هذا الشأن، يساعد في استقرار نظام الأمن الجماعي لحماية حياة الشعوب، وهذا ما لا يمكن أن يتفق مع مقاصد شريعة الإسلام.

وبالنظر لأن الدول الإسلامية تدخل في تكوين الجماعة الدولية، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية تعد من بين المبادئ العامة للقانون التي تعترف بها الأمم المتمدينة مصدرًا أصليًّا للقانون الدولي- فإن هذا يوجب عليها التعاون الكامل لمواجهة ظاهرة انتشار الأسلحة النووية، خاصة مع الوضع غير المتوازن مع «الدول الحائزة للأسلحة النووية»، ومنها الكيان الصهيوني، وذلك بما يمكن أن تقوم به من دور في هذا الشأن، خاصة في الأمم المتحدة وما يمكن أن تتخذه من تدابير فعالة، خاصة في المجال الاقتصادي ضد الدول التي تتعاون مع الكيان الصهيوني أو تساعده.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
مقاصد الشريعة والإتفاقيات الدولية (مجموعة بحوث)،2013، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 253-274.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة الإسلاميّة والمحكمة الجنائية الدولية

عوض محمد عوض: أستاذ بكلية الحقوق- جامعة الإسكندرية محتويات المقال:فكرة المحكمة الجنائية الدولية: نشأتها وتطورهاالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدوليةالمحكمة الجنائية الدولية في ميزان الشريعة الإسلاميةأولًا:...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن الكريم وأثرها في بناء المشترك الإنساني

عبد الرحمن الكيلاني: أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة، الجامعة الأردنية محتويات المقال:مقصد إعمار الأرضمقصد بناء القيم الأخلاقيةالمقاصد الضرورية والحاجية والتحسينيةمقصد التعارف الإنسانيالخاتمة والتوصياتقائمة المراجع الحم...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

التأسيس المقاصدي للمشترك الإنساني

وائل الحارثي: محاضر بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة، وباحث دكتوراة بكلية الشريعة بفاس/جامعة القرويين. محتويات المقال:(1) في مفهوم المشترك الإنساني(2) المشترك الإنساني والمصطلحات أو المفاهيم المقاربة (3) أصول المشترك ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد العدل في القرآن الكريم

محمد سليم العوَّا: مفكر إسلامي وخبير قانوني وهو عضر مجمع اللغة العربية بمصر، والأكاديمية الملكية الأردنية، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي – منظمة لمؤتمر الإسلامي – جدة محتويات المقال:أولا: بين الشاب والشيخثانيًا: ما هو العد...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مَقْصِدُ حِفْظِ اْلَأمْنِ في الْقُرْآنِ الكَرِيمِ

عبد الكريم بن محمد الطاهر حامدي: أستاذ الفقه وأصوله، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، الجزائر محتويات المقال:المبحث الأول: مفهوم حفظ الأمن والأدلة على كونه مقصدا قرآنياالمطلب الأول: مفهوم حفظ الأمنالمطلب الثاني: الأدل...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد العدل وصداه في التشريع الجنائي الإسلامي

عوض محمد عوض محتويات المقال:المقاصد الشرعيةأولا: مبدأ الشرعيةثانيا: مناط المسؤوليةثالثا: العلم شرط لاستحقاق العقابرابعا: شخصية المسؤوليةخامسا: المساواةسادسا: التناسب بين الجرم والعقاب  (1) الأصل في الشرائع كلها أنها...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد الرحمة في السنة النبوية: رحمة الرسول ﷺ بأهل الكتاب أنموذجا

أحمد عزيوي: أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتعليم فاس/ مكناس، المملكة المغربية. محتويات المقال:مقدمةإشكالية البحثأهداف البحثمنهج البحثخطة البحثالمبحث الأول: مفهوما الرحمة وأهل الكتابالمطلب الأول: مفهو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد الرّحمة وتطبيقاته في السنّة النبوية

عبد المنعم الفقير التمسماني: أستـاذ الحديث والفقه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان. محتويات المقال:مقدمةمدخلأولا: مفهوم المقاصدثانيا: تعريف «الرحمة»ثالثا: مقصدية الرحمةالمبحث الأول: تأصيل مق...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top