كمال عرفات نبهان
تمهيد:
- لا يخرج عن رحاب المنهج العلمي أن نستشف بعض الخصائص والقيم الحضارية والأخلاقية التي تصاحب مجتمعًا أو أمة أو فردًا في بعض مراحل التاريخ. ويعد ذلك المقصد علمي المنهج صحيح النتائج إذا صحّت مقدماته، وأخلص الباحث في تناول المعطيات والظواهر موضع الدراسة. وفي يقيني أن موضوع هذا البحث الذي يدور حول ظاهرة من ظواهر التأليف العربي الأصيلة، يصب في مجال التواصل والصلة بين العلماء والمؤلفين العرب والمسلمين، كما يجود في موقف التواصل مع عطاء الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد، الذي أقدِّم هذا البحث تحية له على تواضعها، وهو العالم الذي يعد إنتاجه العلمي شموسًا مشرقة في الفكر العربي والإنساني. وما أحوجنا إلى قيم الشكر والوفاء في عالم عربي يعاني من مرحلة عصيبة عارضة، من فقدان الذاكرة وندرة الوفاء، والانقطاع عن مقاوماته الحضارية العريقة، وضياع معالم المدرسة الأصيلة في التأليف، ونرجو أن تكون هذه الباقة من التكريم لبعض صناع الحضارة، ينبوعًا من المحبة التي أودع الله فيها أسرار الإبداع الإنساني والتواصل الخلاق، ينبع من مؤسسة الفرقان في لندن، وهي واحدة من أهم مظاهر الوفاء للتراث العربي الإسلامي في عصرنا.
- ويستند هذا البحث إلى شواهد أدبية (Literary Warrants) فعليّة في التأليف العربي، أي أن كل نتائجه مستمدة من مؤلفات ظهرت في التراث العربي الإسلامي، وأكّدته المشاهدة الفعلية أو الأسانيد الببليوجرافية، ولذلك فإن هذه المؤلفات، إما أن تكون منشورة بالفعل، أو مخطوطة، أو مذكورة في المصادر الببليوجرافية.
المبحث الأول:
موضوع البحث: الذيول والصلات وتواصل النصوص:
يدور هذا البحث حول ما يسمى في تقاليد التأليف العربي بالذيول والصلات، وهو نوع من التأليف كان يقصد به متابعة نصوص لنصوص ظهرت قبلها، لتواصل تغطية الموضوع مع تراكم المعرفة ومرور الزمن. ولكي نُعرّف هذه الظاهرة في إطارها الكامل، فمن المهم الإشارة إلى التأليف العربي منذ القرن الثاني الهجري، عرف أنواعًا كثيرة من التأليف يرتبط فيها كتاب أو نص بكتاب أو نص سابق عليه، وذلك لكي يشرحه أو يلخصه أو يهذبه أو يستدرك عليه ويصلح من نواقصه أو يذيل عليه... إلخ. ولقد وفقني الله تعالى أن أحصي أربعة وخمسين نوعًا من هذه العلاقات بين النصوص، ظهرت خلال قرون الحضارة العربية الإسلامية.
ومن بين هذه الأنواع، أعرض في هذا البحث للتذييل والصلات، لما يتضمنه من قيم التواصل العلمي والإنساني عبر الانتقال المستمر لمسؤولية التأليف بين أجيال من المؤلفين تباعدت بينهم الأماكن والأزمنة في أغلب الأحوال، وتقاربت عندهم دوافع الإنجاز مع المحافظة على تقاليد رائعة في التواضع والتواصل والاستمرارية عبر القرون، حتى لتصل في بعض الأحيان إلى ثمانية قرون من تتابع النصوص وتماملها في تغطية موضوع من الموضوعات.
- تعريف التذييل وأصول الصنعة:
ويمثل التذييل ظاهرة معلوماتية هامة في التأليف العربي، يمكن أن نطلق عليها ظاهرة «اتّصال النصوص»، وهي في نفس الوقت اتصال المعلومات، واستمرار تراكم المعرفة في مجال معين، وهذا النوع من تكامل النصوص وآليات التأليف وتواصلها عبر القرون والبلدان، ليس له نظير في الحضارات الأخرى في رسوخه وكثافته وتقاليده. ويتميز التذييل بخصائص فارقة تميزه عن غيره من أنشطة التأليف التكميلي، ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
أ- يكون الذيل أو الصلة تاليًا لعمل سابق عليه.
ب- ومستقلًا عنه كعمل علمي.
جـ- ويكمله من الخارج، بمعنى أنه لا يتداخل أو يمتزج بمحتويات النص السابق.
د- يحقق وظيفة تكامل النصوص وتتابع التغطية بعد مؤلفات سابقة عليه.
ه- رغم تسميته بالذيل أو الصلة أو التكملة… إلخ، فإنه كتاب جديد كان من الممكن أن يطلق عليه عنوان جديد، وهذا ما حدث لبعض الذيول التي حملت أسماء جديدة تمامًا، ولكنها اعتبرت تذييلًا لكتب قبلها.
و- يلتزم الذيل بمتابعة النص السابق في:
- تغطية الموضوع ووضوح نقاط الإغلاق والافتتاح في التغطية.
- نموذج التأليف وأسلوب عرض المادة غالبًا.
- الحدود الفاصلة بين انقطاع النص السابق، ومواصلة الذيل اللاحق، وذلك في أغلب الأحوال، وخصوصًا في مجالات التراجم والتاريخ، فإذا بدأ النص الأصلي تغطية الموضوع من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، فإن الذيل يتابع من النقطة (ب) إلى النقطة (جـ)..
وهذه الخصائص تتوافر- نظريًّا- في التذييل الذي تتحقق فيه الصورة المثالية للذيل، وقد لا تتوافر كلها في بعض الذيول، ولكن أهم خاصية لها هي وظيفة التكملة بعد النص الأصلي بشكل من الأشكال، وفيما يلي شكل يوضح نقاط الإغلاق والافتتاح:
فالذيل يبدأ من النقطة التي توقف عندها النص الأصلي، أي ما بعد النص، فإذا كان النص المذيَّل عليه في مجال التراجم مثلًا، تتوقف تغطيته عند تاريخ معين، يمثل تاريخ «الإغلاق»، وهو ما سبق تسميته بالنقطة (ب)، فإن العمل التالي وهو «الذيل» يواصل تغطية التراجم بادئًا من تاريخ الإغلاق السابق، أي أنه يتحرك من النقطة (ب)، إلى نطاق جديد من التراجم وينتهي عند النقطة الجديدة (جـ)، وكل هذه النقاط نسبية يحددها المؤلفون حسب الظروف، وعندما يأتي ذيل للذيل، يكمل من (جـ) إلى نقطة جديدة هي (د)... إلخ.
مصطلحات الإغلاق1 والتواصل في التذييل:
استخدم المؤلفون الذين عملوا في مجال التذييل كلمات أصبحت مصطلحات للدلالة على توقف نؤلف عن الاستمرار في تغطية الأحداث، لأن أي كتاب في التراجم مثلًا هو مشروع مفتوح قابل للزيادة تاريخيًّا أو جغرافيًّا، ولكن المؤلف يتوقف عند لحظة معينة سواء برغبته أثناء حياته أو بوفاته. ومن المصطلحات التي استخدمت للدلالة على تاريخ التوقف أو الإغلاق في النص الأصلي، كلمة (قطع، وانقطع). أما بداية التكملة في الذيول، فقد استخدم لها كلمة (ذيَّل)، وكذلك (ذيَّل بما يتصل به) أي بالكتاب الأصلي السابق عليه، ومن أمثلة ذلك:
مثال (1): زيادات الزيادات، للشيباني (189).
يقول حاجي خليفة عن هذا الكتاب: «لما فرغ الشيباني من كتاب «الجامع الكبير» تذكر فروعًا لم يذكرها في الكبير، فصنف كتاب «الزيادات»، ثم تذكر فروعًا أخرى، فصنف «زيادات الزيادات»… فقطع عن ذلك، ولم يتمم2.
مثال (2): مرآة الزمان في تاريخ الأعيان/ لابن الجوزي (654).
- جاء بعد قطب الدين موسى بن محمد البعلبكي (726)، ليؤلف ذيلًا على مرآة الزمان بعنوان:
ذيل مرآة الزمان، (نشر في حيدر آباد الدكن- دائرة المعارف العثمانية) ض954، في مجلدين.
ويقول البعلبكي في الذيل: «إن ابن الجوزي مؤلف مرآة الزمان (الكتاب الأصلي)، قد انقطع إلى سنة 654 وهي سنة وفاته، فآثرت أن أذيله بما يتصل به إلى حيث يقدره اله تعالى»3.
مثال (3): كما أن ابن حجر العسقلاني عندما يتحدث عن كتاب تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر للعيني (855) يقول: «منذ انقطع ابن كثير (أي توقف تاريخه) صارت عمدة العيني (أي اعتماده) على تاريخ ابن دقماق»4، الذي يواصل التغطية بعد توقف تاريخ ابن كثير.
معيار القطع والوصل في التذييل:
ولعل وفاة المؤلف هي الحد الأكثر وضوحًا عند المؤرخين والببليوجرافيين لتحديد تاريخ الإغلاق، ولكن هناك مؤلفين توقفوا عن تغطية الأحداث والوفيات قبل وفاتهم بمدة من الزمن، وقد اجتهد مؤلفو الذيول في البدء من تاريخ إغلاق النص الأصلي، سواء حدث أثناء حياة مؤلفه أو عند وفاته، وقد ذكر بعض مؤلفي الذيول تاريخ «الوصل» أي ابتداء التغطية والتذييل بعد الأصل، ولكن بعض الذيول لا تتضح تواريخ الوصل بها.
ومن النماذج الحاسمة في تاريخ الانقطاع بوفاة المؤلف، كتاب تاريخ البرزالي (739)، ويحتوي على وفيات المحدِّثين… وقد ذيل عليه ابن رافع (774)، من تاريخ وفاته أي 739، وهكذا يذكر حاجي خليفة بوضوح5. ولكن أقوال اجي خليفة تختلف في الجزء الثاني من كشف الظنون، فيذكر أن تذييل ابن رافع على البرزالي بدأ من سنة 737، وهو ما يسبق تاريخ البرزالي بعامين6ولعل ذلك يرجع إلى أحد الأمور التالية:
أ- اختلاف تقدير سنة وفاة البرزالي نفسه.
ب- القول بأن التذييل بدأ من تاريخ وفاته على سبيل التقريب.
جـ- أن البرزالي قد ضعف أو توقف تأليفه في العامين الأخيرين من عمره لمرض أو شيخوخة، فحرص المذيِّل على التغطية من عام 737.
تداخل التغطية بين الأصل والذيل:
والمفروض نظريًّا أن الذيل لا يتداخل مع النص السابق في تغطيته، ولا يكرر معالجة جزء من الفترة الزمنية أو المسائل التي عالجها النص السابق، وهذا ما يمكن أن يكون الصورة المثلى لما نسميه «اتصال النصوص» حيث يعتبر الذيل امتدادًا للتأليف بعد النص السابق. وإن كانت هذه الصورة المثلى نادرة الحدوث، فغالبًا ما تشمل الذيول شيئًا من استدراك نواقص النص الأصلي.
تداخل الذيل مع مختصر النص الأصلي:
وهناك فكرة طريفة وهي اختصار العمل الأصلي ثم إلحاق الذيل أو الإضافة إليه في عمل واحد، ليتحقق للقارئ نص واحد جديد، كما في المثال التالي:
- المفتاح في فروع الشافعية للطبري (335).
- التهذيب في الفروع للزّجاجي (350).
(وهو مختصر للمفتاح، ويشمل أيضًا على فروع زائدة على الأصل، ولهذا يلقب بزوائد المفتاح7.
مدى أصالة كتب الذيول:
لا يصح اعتبار الذيول بشكل عام توابع هزيلة أو ملاحق للنصوص التي تُكمِّل من بعدها، وإذا كان ذلك صحيحًا في أحيان قليلة بالنسبة لذيول صغيرة تغطي سنوات قليلة من التراجم أو عددًا قليلًا من عناوين الكتب في مجال الببليوجرافيا مثلًا، فإن الذيول والصلات في أحيان كثيرة تمثل نصوصًا أولية غير مسبوقة في تغطيتها وإبداعها، ولها أهميتها واستقلالها، وقد يتفوق بعض الذيول على النص الأصلي دقة وتغطية وإتقانًا، ولكنه يرتبط بهدف معين، وهو متابعة التجميع أو التغطية أو البحث والتعمق في موضوع أو مسألة عالجها نص سابق، ولذلك فمن الأفضل أن نعتبر الذيول في الغالب مؤلفات كاملة مستقلة، ولكنها في نفس الوقت مرتبطة- منهجيًّا- بنصوص أصلية سابقة، ولذلك فهي تتابع نفس رسالتها ووظيفتها وهدفها، مع اختلاف الزمان والمكان أو تراكم الجهد والاجتهاد، لكييتحقق اتصال النصوص في التأليف العربي.
ومن أهم تقاليد التذييل كما عرفنا، أن يرتز الذيل على نص سابق في الموضوع، ثم يبدأ من نقطة معينة يقدّرها المؤلف المذيّل، ويعتبرها نقطة القطع أو الانقطاع أو الإغلاق للنص السابق الذي يكمل من بعده، ونقطة الوصل أو الافتتاح للذيل الجديد، وقد تكون هذه النقطة واضحة في النصوص التاريخية والتراجمية التي يتم التذييل عليها، لأن لها مسارًا زمنيًّا محددًا، ولكن تقدير هذه النقطة يحتاج أحيانًا إلى اجتهاد وإحاطة، عند التذييل على نص في موضوع واسع مثل اللغة أو الفقه أو الأدب… إلخ، وقد لا يكون الذيل بادئًا من نقطة إغلاق محددة للنص السابق، وإنما يتوسع في موضوعات عولجت فيه، أو يعالجها بمنهج مختلف ورؤية جديدة.
المبحث الثاني:
تسميات كتب الذيول والصلات:
حظيت الغالبية من كتب الذيول بتسميات تدل على وظيفتها مثل الذيل، الصلة، التتمة، التكملة.. إلخ. وقد تعددت الألفاظ المستخدمة للدلالة على وظيفة التذييل، لخصوبة المترادفات في اللغة العربية، وكذلك لاتساع الرقعة الجغرافية للحضارة العربية والإسلامية، وتعددت البيئات من مشرق ومغرب، إلى جانب اتساع المدى الزمني لهذه الحضارة، على مدى أربعة عشر قرنًا هجريًا، بالإضافة إلى عنصر إنساني شديد الأهمية، وهو تعدد الأذواق والأمزجة البلاغية لدى مؤلفي الذيول، وإن أجمعوا جميعًا على خدمة النصوص الأصلية بالمتابعة والاستمرار في التغطية والتأليف ووصل النصوص، في ظاهرة علمية تأليفية أخلاقية بالغة الروعة والإبداع.
وفيما يلي جدول يحتوي على ما استطعت حصره من هذه التسميات الدالة على التذييل، وكلها تستند إلى دليل أدبي من المؤلفات العربية، كما وردت في ثنايا هذا البحث.
(جدول تسميات ومصطلحات التذييل)
م | المصطلح المستخدم للتذييل وأشكال استخدامه | نماذج لاستخدامه في التأليف العربي كما ورد في ثنايا هذا البحث |
1 | - ذيل (كذا) | - ذيل تاريخ بغداد، تذييل ابن النجار، (643) |
- الذيل على (كذا) | - الذيل على صلة ابن بشكوال لابد عباد | |
- عنوان + في الذيل على كذا | - بغية العلماء والرواة في الذيل على رفع الإصر عن قضاة مصر | |
- الذيل والتكملة | - الذيل والتكملة لكتابَيْ الموصول والصلة | |
- ... بذيل ... | - لحظ الألحاظ بذيل (كذا) | |
- الذيل والصلة لـ (كذا) | ||
- ذيل الصلة | ||
- [كالذيل على] | ||
- ذيل على الذيل | ||
- ذيل ذيل [كذا] | ذيل ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم للأكفاني (524)، الرياض، دار العاصمة، د.ت | |
- التذييل والتذنيب | التذييل والتذنيب على نهاية الغريب للسيوطي (911) | |
2 | صلـة: لصلة صلة الصلة صلة التكملة | |
االصلة في ذيل (كذا) | ||
3 | تتمـة (كذا): التتمة تتمة وتكملة كذا كذا... المتمم (لكذا) تتمة التتمة | |
4 | تكملة كذا | |
تكملة التكملة | ||
التكملة (لكذا) | التكملة لكتاب الصلة. | |
التكملة والذيل والصلة | (جملة كلمات مترادفة في عنوان كتاب واحد) | |
تكملة إكمال (كذا) | تكملة إكمال الكماللابن الصابوني (680) | |
إكمال (كذا)... | نشره مصطفى جواد، بغداد، المجمع العلمي العراقي، 1957. | |
الإكمال في (كذا) | ||
الإكمال بـ (كذا) | ||
ذيل الإكمال | ذيل الإكمال لابن نقطة الحنبلي (629) | |
5 | تطريز | نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي (946) |
6 | التذنيب | التذييل والتذنيب على (كذا) |
7 | زوائد كذا.. | |
زيادة كذا | ||
زيادة الزيادات | ||
الزيادة على... | الزيادة على زيادة الزيادات للشيباني (189) | |
الزيادات | ||
زيادات الزيادات | ||
8 | فوات كذا | فوات الوفيات |
9 | الوافي بكذا | الوافي بالوفيات |
10 | المقتفي لكذا | المقتفي لتاريخ أبي شامة للبرزالي (739) وهو معروف أيضًا بعنوانين هما: تاريخ البرزالي، ووفيات البرزالي (كشف الظنون 1/ 277، 2/ 2019) |
11 | فائت كذا | فائت العين للمطرز (345) |
12 | ما أغفله فلان | ما أغفله الخليل في كتاب العين للكرماني (329) |
13 | الاستدراك لما.. | الاستدراك لما أغفله الخليل للهمذاني المراغي (371) |
14 | وشاح | وشاح الدمية للبيهقي، (وهو كالذيل على دمية القصر للباخرزي) |
توشيح | توشيح الديباج وحلية الابتهاج للقرافي (1008) | |
15 | مدُّ (كذا) | مد القاموس (وهو تذييل إدوارد لين على القاموس المحيط) |
16 | الثَّبت | لحنين بن إسحق (وهو ذيل لببليوجرافية مؤلفات جالينوس بالسريانية ثم العربية). |
17 | وظيفة الكتاب ومحتواه يدلان على التذييل على أصل سابق، حسب معرفة الببليوجرافيين، وبدون ورود كلمات التذييل في عنوان الكتاب. | أمثلة: - وشاح الدمية (وهو كالذيل على دمية القصر وعصرة أهل العصر). - الجامع (وهو ذيل لكتاب التيسير، والأصل والذيل لابن زهر الطبيب الأندلسي، (557) - الدُّرة المضيَّة فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية تذييل للجويني (478). وتكملة واستدراك لموضوعات ومسائل كتابين له هما: العمد، والأساليب. - معجم دوزي- 1883م (وهو ذيل وتكملة للمعاجم العربية) |
ملاحظات على تسميات كتب الذيول
من الجدول السابق، يمكن أن نخرج بالملاحظات التالية:
أ- غالبًا ما تحمل كتب الذيول في عناوينها كلمات تحدد وظيفتها التذييلية المكملة والمتابعة لنص سابق.
ب- وهناك كتب تحمل عنوانًا عاديًّا ثم يتم إكمال العنوان بكلمات تدل على التذييل.
جـ- وهناك ذيول أخرى تحمل عناوين عادية لا تفصح مباشرة عن وظيفة التذييل، وإنما تعرف من محتوياتها، ويدلنا عليها تعليق الببليوجرافيين وخصوصًا تعليق حاجي خليفة في كشف الظنون، مصدر ثمين لمعرفة علاقات النصوص في التأليف العربي، سواء لما هو موجود من المخطوطات العربية والإسلامية، أو لما هو مفقود.
د- ونلاحظ أن كلمة الذيل أكثر قدمًا ورسوخًا في الاستخدام للدلالة على التذييل، وقد استمر استخدامها حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري.
ه- كما يلاحظ غلبة التسمية بالصلة على مؤلفات الأندلسيين بالذات، وكذلك صلة الصلة، وأعتقد أن هذه التسمية قد انتقلت وانتشرت في المشرق العربي والإسلامي تأثرًا بالأندلس.
و- وما لبثت كلمتا الذيل والصلة أن امتزجتا في بعض تسميات الكتب، أصبح هناك ذيل الصلة، والصلة في ذيل (كذا)، وكذلك صلة الذيل، وكلها تعني «ذيلًا على الذيل».
ز- كما نلاحظ تعدد الكلمات الدالة على التذييل بخلاف «الذيل»و«الصلة»، كما هو واضح في الجدول السابق.
ح- ومن الملفت للنظر أن تسمية الذيل قد صمدت قرونًا طويلة عبر الحضارة العربية والإسلامية، حتى لنجدها مستخدمة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، كما في المثال التالي:
القاسمي، محمد بن سعيد (1317/ 1900) قاموس الصناعات: بدائع الغرف في الصناعات والحرف نشره ظافر القاسمي، دمشق، 1960، 186 ص. (وهو الجزء الأول)
ذيل قاموس الصناعات، وضعه القاسمي مؤلف الجزء الأول، بالاشتراك مع خليل العظم، نشره ظافر القاسمي، دمشق، 1960، 535 ص، (وهو الجزء الثاني والذيل في نفس الوقت).
تسميات الذيول باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوربية:
ومن المهم أن أشير إلى الكلمات والمصطلحات التي تستخدم في اللغة الإنجليزية وفي لغات أوربية أخرى للدلالة على الذيول والصلات والتكملات... إلخ، خصوصًا وأن هذه التسميات قد استخدمها المستشرقون عند ترجمة عناوين الكتب العربية إلى هذه اللغات الأوربية. وفيما يلي أهم هذه التسميات والمصطلحات:
أ-Appendix: وهو الذيل أو التتمة التي ليست من صلب النص وإن كانت مكملة له وهامة لفهمه، وتطبع بعده مباشرة، وتسبق عادة الكشاف. والفرق بين الذيل والإضافات أن الأول جزء من خطة التأليف، أما الإضافات فقد مثلت في ذهن المؤلف أثناء الطبع.
ب- Excursus: وهو الذيل، أو البحث الذي يضاف إلى مؤلَّف لشرح نقطة عولجت بإيجاز من قبل في نفس المؤلَّف.
جـ- Supplement: وهو الملحق، أو جزء من كتاب به إضافات إلى الكتاب الأصلي، وينشر عادة في مجلد مستقل. انظر: (Msgdi Wahba, A Dictionary of Literary TermsP. 28, 154, 549.)
د- ورغم أهمية التعريفات السابقة، فإنها ترتبط بعصر الطباعة، ولا تحيط بوظائف وخصائص التذييل التي عرفها التأليف العربي في عصر المخطوط.
ه- ويلاحظ أن كلمة Supplement هي الأكثر استخدامًا في المراجع بالإنجليزية وغيرها للإشارة إلى الذيول في المؤلفات العربية القديمة: انظر كمثال إطلاق هذه التسمية على كتاب السيوطي التذييل والتذنيب على نهاية الغريب.
Catalogue of the Mingana collection of manuscripts. V. 4: Islamic-Arabic Manuscripts, by H. L. Gotteschalk & others. Zug. Switzerland, 1985, p. 264.
* * *
المبحث الثالث:
أنواع التذييل ووظائفه
إن تكامل النصوص وتتابعها الزمني والموضوعي والمكاني لتغطية تراكم المعلومات، هو أمر ضروري وحيوي في أي مجتمع معرفي معلوماتي، أو عصر حضاري معين، وذلك بمقاييس الصحة والفاعلية لهذا المجتمع أو ذلك العصر، وسواء قام المؤلفون بواجبهم نحو تحقيق هذا التكامل والتتابع للنصوص عن وعي وارتباط بمدرسة التذييل والصلة والتكملة في التأليف، او قاموا بذلك بشكل عفوي منفصل في بعض الأحيان، فإن الدراسة الدقيقة المنهجية تستطيع أن تتعرف على هذه الجهود العلمية التأليفية، وتصنيف خصائصها وعلاقاتها، وكذلك الفروق بينها، وهذا ما أقوم به في هذا البحث، ويوضحه ذلك المبحث حول أنواع التذييل ووظائفه.
وسوف نلاحظ فيما يلي أن التذييل سواء سمي بالتذييل من جانب المؤلف أو سمي بخلاف ذلك، كان في أحواله المتعددة يدور في إطار العلاقات التالية:
أ- التطابق التام مع شروط وخصائص التذييل المثالية.
ب- التداخل مع بعض وظائف التأليف الأخرى إلى جانب كونه تذييلًا في الأساس.
جـ- التخفي غير المقصود وراء تسميات أخرى في التأليف، وهو في نفس الوقت يدخل في إطار وظيفة اتصال النصوص وتتابع التغطية والوصل والتكملة، أي التذييل بوظيفته الحيوية وضرورته في النظام المعلوماتي للمجتمع والحضارة، وهذا ما حدث بالفعل في التأليف العربي، ونرصده في هذا المبحث.
وفيما يلي ما أمكنني التعرف عليه من أنواع التذييل ووظائفه:
أولًا: التذييل المباشر كامل الصفات
ويتحقق ذلك بالفعل في كثير من الذيول والصلات والتكملات... إلخ، التي يتناولها هذا البحث في أمثلته ونماذجه الكثيرة، ومن ذلك المثال التالي:
المقتفي لتاريخ أبي شامة تأليف البرزالي الأشبيلي ثم الدمشقي (739). وقد جعله صلة لتاريخ أبي شامة المسمى الروضتين جمع فيه البرزالي منذ عام مولده والذي توفي فيه أبو شامة وهو عام8665.
فقد تحقق فيه ما يلي:
أ- التسمية الواضحة الدالة على التذييل، بعد عمل سابق عليه.
ب- وظيفة التذييل وهي: تكامل النصوص واتصالها.
جـ- التّماسُّ بين نقطة إغلاق النص ونقطة الافتتاح في التذييل.
د- متابعة التغطية في نفس موضوع النص الأصلي السابق.
ه- الاستقلال التام كعمل وكتاب له ذاتيته وحدوده.
ثانيًا التذييل المتداخل مع الاستدراك:
الاستدراك في التأليف العربي نوع من الكتب كان يسعى إلى تحقيق مزيد من الضبط والإتقان لنص سابق، وذلك بإضافة ما ينقص النص وكان ينبغي أن يغطيه، أو بنقد وإصلاح وتصحيح ما يعيبه، وكانت كتب الحديث واللغة هي أكثر النصوص التي ظهرت عليها المستدركات، ربما لأن هذه المجالات هي الأكثر خضوعًا لمعايير الخطأ والصواب، والأشد احتياجًا لتعقب النقصان أو الزيادة غير المطلوبة، وكان يشمل توثيق بعض النصوص أو تخريجها بذكر المصادر التي وردت بها.
وفي بعض الذيول، يختلط الاستدراك بالتذييل، أو يتداخل معه في عمل واحد، حيث يستدرك الذيل أو الصلة على النص الأصلي، ثم يتابع التغطية بعد نقطة الإغلاق التي توقف عندها، وهذا النوع نسميه التذييل المتداخل مع حدود ومجال النص الأصلي، وهو الأكثر شيوعًا في حالات التذييل التي جاءت بها عينة الكتب بالبحث، فقد لوحظ أن من الصعب الحكم على كتاب ما بأنه تذييل خالص أو استدراك خالص، ومثال ذلك كتاب السخاوي (902)، الذي ألفه ذيلًا على كتاب أستاذه ابن حجر العسقلاني، وهو بغية العلماء والرواة في الذيل على رفع الأصر عن قضاة مصر9، وذكر فيه ما فات ابن حجرمن تراجم، فهو تذييل واستدراك كبير يصل في حجمه إلى 588 صفحة. ولعل ذلك التداخل هو الذي أدى إلى استخدام كلمتي الذيل والمستدرك أحيانًا وكأنهما مترادفان، حيث يوصف بعض الكتب في عنوانه بأنه ذيل، وفي المقدمة بأنه استدراك على النص الأصلي.
ويشير المراكشي إلى هذا المزج بين التذييل والاستدراك بوضوح في مقدمة كتابه الذيل والتكملة على كتابَيْ الموصول والصلة، بقوله: «قصدت في هذا الكتاب إلى تذييل صلة الراوية أبي القاسم ابن بشكوال، تاريخَ الحافظ أبي الوليد ابن الفرضي رحمهما الله، في علماء الأندلس والطارئين عليها من غيرهم، بذكر من أتى بعده (أي بعد ابن بشكوال) وتكميلها بمن كان من حقه أن يذكراه فأغفلاه» وكذلك يشير المراكشي إلى ما فعله ابن الزبير عندما ذيل على كتاب الصلة لابن بشكوال، فيقول «إن ابن الزبير أصلح كتاب الصلة وأكمله»10.
فالإصلاح من أعمال الاستدراك، والتكملة من أعمال التذييل.
ثالثًا: التذييل التراكمي:
مثل التذييل على كتاب المختارات في الأدب والطرائف، ورغم اختيار المؤلف لعنوان يدل على أن الكتاب تذييل أو تكملة، فليس للنص الأول تاريخ أو نقطة إغلاقمحددة، وليس للذيل نقطة بداية محددة، ولا يحكم التغطية إطار زمني محدد، بل يكون التذييل مزيدًا من الاختيارات في نفس الموضوع، تخضع لتقدير المذيل، ويمكن أن تختلف من شخص لآخر، بخلاف التذييل على عمل تاريخي توقف عنده تاريخ محدد.
رابعًا: أشباه الذيول:
توصف بعض الكتب بأنها «كالذيل» على نص معين، ويبدو أن مؤلفها لم يوضح صراحة مقصده من التذييل، ونجد مثالًا لذلك في الحديث عن كتاب دمية القصر وعصرة أهل العصر للباخرزي. فقد ذكر ابن خلكان أن «البيهقي وضع عليه كتابًا سماه: وشاح الدمية، وهو كالذيل عليه».11
خامسًا: الحلقات:
هناك كثير من المؤلفات يكمِّل بعضها بعضًا بشكل أو بآخر، وقد يكون التلامس بين حدودها واضحًا أحيانًا، رغم أن مؤلفيها لم يلتزموا في الأصل بأن يذيلوا على نصوص سابقة. وتحقق هذه المؤلفات بعض وظائف الذيل، ولكنها لا تعتبر ذيولًا، إذا اعتبرنا أن التذييل على نص معين يكون منذ البداية في وعي المؤلف (المذيِّل) وتخطيطه، بحيث يراعى عند التذييل ما يلي:
أ- وضوح الارتباط بنص سابق.
ب- التكامل أو الوصل المقصود، ومتابعة التغطية بعد نقطة الإغلاق في النص السابق.
جـ- الاتساق في المنهج المتبع في النص السابق، سواء باتباعه أو بتطويره، ويشمل ذلك معايير الاختيار أو الترتيب، أو الأسس الزمنية أو الموضوعية أو المكانية للتغطية.
أما الأعمال التي تتابع التغطية في مجال معين وتحقق قدرًا من تكامل النصوص، ولو بغير تخطيط للوصل أو التذييل بين عمل سابق وعمل لاحق يكمل من بعده، فمن المفيد أن يهتم الببليوجرافي بإظهار علاقتها بالنصوص التي تتكامل معها، ويمكن تسمية هذه المؤلفات «بالحلقات». وفيما يلي نستعرض نماذج لبعض هذه الحلقات:
1- حلقات التراجم العربية الإسلامية:
وهي منظومة متتابعة من التراجم تسمى «تراجم القرون»، وأفضِّل أن أعتبرها «حلقات»، طالما أن مؤلفيها لم يطلقوا عليها صفة أو تسمية الذيول والصلات، رغم أن بعضهم كان من مؤلفي الذيول والعارفين بها، وهي في الواقع تحقق فلسفة وروح تواصل النصوص التي تحققها الذيول. فهذه الحلقات التراجمية والتاريخية، تتتابع بشكل رائع علميًّا وإنسانيًّا، لتغطية تسعة قرون هجرية من السادس حتى الرابع عشر في إطار فكرة تراجم القرن الواحد (متجاوزة الحدود الجغرافية غالبًا)، ورغم التزام معظمها بالقرن الواحد، فقد كان بعضها يغطي أحيانًا أكثر من ذلك.
ويوضح الجدول التالي، أن أقدم من بلور فكرة تراجم القرن الواحد، هو ابن سعيد المغربي المتوفى عام 685، في كتابه الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة، ولكنه كان في مجال موضوعي واحد هو الشعراء، وبذلك فقد ثبَّت المغربي متغيرين هما: القرن الهجري (السابع)، والموضوع (تراجم الشعراء). ولكن فكرة تراجم القرون قد أصبحت راسخة ذات تقاليد محددة ترتبط بالقرن الهجري ولا ترتبط بالمكان أو بالموضوع على يد ابن حجر العسقلاني (852)، في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، وقد أصبح عمله نموذجًا لمن بعده حتى القرن الرابع عشر الهجري، ونحن الآن في الخامس عشر الهجري، ولا ندري هل سيثمر هذا القرن تراجم لأهله أم ستضيع ضمن ما يضيع من هذه الأمة في محنتها وضياعها وتدهور قيمها وثوابتها وتقاليدها العلمية الراسخة، التي نتحدث عن لمحة منها في هذا البحث عن الذيول فقط.
وقد سميت تراجم القرون بالتراجم الدائرية، إشارة إلى اكتمال رقم المائة سنة. (وهو من الأرقام الدائرية في الحساب)، في تغطية كل منها للتراجم. وتعد حلقات تراجم القرون من أروع الظواهر في التأليف العربي، ولها نفس أهمية ووظيفة الذيول بالنسبة لتواصل النصوص العربية في مجال التراجم والتاريخ أساسًا، إلى جانب دوائر وإشعاعات لا حصر لها من الفوائد العلمية، في مجالات مثل الاجتماع والتربية والأخلاق والسياسة والأنثروﭘولوجيا... إلخ.
وفيما يلي جدول يوضح هذه الحلقات المتتابعة من تراجم القرون، والتي أمكن حصر عشرين منها:
حلقات تراجم القرون من القرن السادس إلى الرابع عشر الهجري
مسلسل | القرن الهجري | [انظر: محمود محمد الطناحي: الموجز في مراجع التراجم… القاهرة، الخانجى، 1985، ص 73- 74.] عنوان كتاب التراجم | المؤلف/ والوفاة بالهجرية |
1 | 6- 7 | الذيل على الروضتين في أخبار الدولتين | أبو شامة (665) |
2 | 7 | الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة | ابن سعيد المغربي (685) |
3 | 7 | الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة [كشف الظنون 1/ 693.] | ابن الفوطي البغدادي (723) |
4 | 8+... | البدر الطالع بمحاسن مَنْ بَعْدَ القرن السابع | الشوكاني (1250) |
5 | 8 | الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة | ابن حجر العسقلاني (852) |
6 | 8 | الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة | ابن الخطيب (776) |
7 | 9 ؟ | دور العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة [وهو في 3 مج، ذكر فيه المقريزي من عاصره، السابق 1/ 747.] | المقريزي (845) |
8 | 9 | الضوء اللامع لأهل القرن التاسع | السخاوي (902) |
9 | 9 ؟ | نثر الهميان في وفيات الأعيان[ربما يشمل أعيان القرن التاسع، السابق 2/ 1928 (وقد ذكره المقريزي في فهرسه للتاريخ).] | السيوطي (911) |
10 | 10 | النور السافر عن أخبار القرن العاشر | العيدروس (1038) |
11 | 10 | الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة | الغزي (1061) |
12 | 11 | خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر | المحبي (1111) |
13 | 11- 12 | نشر المثاني لأعيان القرن الحادي عشر والثاني [عشر] | القادري (11879 |
14 | 12 | سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر | المرادي (1206) |
15 | 12- 13 | الدر المنتثر في أعيان القرن الثاني عشر والثالث عشر | علي الآلوسي (1340) |
16 | 13 | حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر | البيطار (1335) |
17 | 13 | المسك الأذفر في تراجم علماء القرن الثالث عشر | محمود الآلوسي (1342) |
18 | 13 | أعيان القرن الثالث عشر[تأليف: مردم بك خليل بن أحمد، علق حواشيه عدنان مردم، نشر في بيروت، لجنة التراث العربي، 1971، 0- 228ص.] | مردم بك (1379) |
19 | 13- 14 | تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر | أحمد تيمور (1348) |
20 | 14 | الأعلام الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية | زكي مجاهد (1399) |
ونلاحظ من هذا الجدول ما يلي:
أ- استمرار ظاهرة تراجم القرون في التغطية المتتابعة لمدة تسعة قرون كاملة، من السادس إلى الرابع عشر الهجري.
ب- وصل عددها إلى عشرين عنوانًا حسب ما أمكن حصره.
جـ- التداخل والمشاركة في التغطية الزمنية بين بعض هذه الأعمال، مثل القرون التالي:
جـ/1- القرن السادس: كتاب واحد يتداخل فيه القرنان السادس والسابع.
جـ/2- القرن السابع: ثلاث كتب.
جـ/3- القرن الثامن: ثلاثة كتب.
جـ/4- القرن التاسع: ثلاثة كتب.
جـ/5- القرن العاشر: كتابان.
جـ/6- القرن الحادي عشر: كتابان.
جـ/7- القرن الثاني عشر: ثلاثة كتب.
جـ/8- القرن الثالث عشر: خمسة كتب.
جـ/9- القرن الرابع عشر: كتابان.
د- أن بعض هذه التراجم قد وصلنا كمخطوط، ونشر بعضها، كما أن بعضها لم يعثر عليه كمخطوط حتى الآن.
2- حلقات الببليوجرافيات العربية الإسلامية:
وهناك منظومة أخرى من كتب الحلقات ولكن في مجال الببليوجرافيا، تتمثل في العلاقة التي نلاحظها «عمليًّا»، بين كل من الفهرست لابن النديم (438) ومفتاح السعادة لطاش كبرى زادة (968)، وكشف الظنون لحاجي خليفة (1067). فقد جاء مفتاح السعادة في القرن العاشر الهجري في ترتيب مصنف صممه بشكل خاص، ولم يذكر علاقته بالفهرست لابن النديم صراحة أو تضمينًا، ولم يرسخ منهج ابن النديم أو يصل نفسه بتغطيته الزمنية أو غير ذلك. وكذلك جاء كشف الظنون في القرن الحادي عشر الهجري، مستقلًا عملاقًا متفردًا في تغطيته ومنهجه وطريقة ترتيبه (الهجائية بالعنوان)، وليس في نيته التذييل أو الصلة مع مفتاح السعادة، ووجه الشبه الوحيد والرائع، هو تتبع النصوص المتعلقة بالكتاب من شروح وذيول وغيرها، والتي توسع فيها حاجي خليفة بمقدرة علمية وببليوجرافية ليس لها نظير في التأليف العربي على الإطلاق، رغم بعض النواقص في التغطية خصوصًا للأندلس والمغرب.
ولكننا عمليًا، نستطيع أن نقول إن هذه الأعمال الثلاثة، هي «حلقات» متتالية في الببليوجرافيات العربية الإسلامية التراثية في عصر المخطوط.
أما التذييل الواضح والمباشر فقد كان من بواكيره في مجال الببليوجرافيا ما ألّفه الرازي كذيل للببليوجرافية الخاصة بمؤلفات جالينوس12، وقد استكمل بعض نواقصها أيضًا حنين بن إسحق عندما ترجم هذه الببليوجرافية إلى السريانية ثم العربية، وبعد ذلك حظي كشف الظنون بكثير من الذيول أحدها13 منشور ومعظمها مخطوط حتى الآن. ولكن ما يحتاج إلى إجابة هو السؤال: لماذا لم يحظ كل من الفهرست ومصباح السعادة بمثل هذا الاهتمام في التذييل14، مع خصوبة مجال الببليوجرافيا في التذييل مثل التراجم تمامًا؟
وتعتبر الجهود المتفرقة لحصر ما نشر باللغة العربية في أوربا منذ 1505م حتى 1910م، حلقات في نفس المجال، جمع بينها هدف عام، وحدث في تغطياتها تلامس للدوائر أحيانًا (بمعنى عدم التداخل في التغطية الزمانية أو المكانية)15. وتتداخل في التغطية أحيانًا أخرى.
وبالرغم من أن تسمية الذيل، والصلة لا تستخدم في عصرنا، إلا أن الوظيفة والعلاقة نفسها موجودة في بعض الأعمال الببليوجرافية العربية الحديثة، التي تقوم بنفس الدور، مثل:
1- الكتب العربية التي نشرت في مصر في القرن التاسع عشر، إعداد عايدة نصير، القاهرة، الجامعة الأمريكية، 1990.
2- الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي 1900- 1925، إعداد عايدة نصير، القاهرة، الجامعة الأمريكية، 1983.
3- الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي 1926- 1940، إعداد عايدة نصير، القاهرة، الجامعة الأمريكية، 1969.
4- دليل المطبوعات المصرية، 1940- 1956، إعداد أحمد منصور وآخرين، القاهرة، الجامعة الأمريكية، 1975.
ونلاحظ في هذه الأعمال الأربعة، دقة ووضوح التلامس بين تواريخ الإغلاق والافتتاح في كل منها، واشتراكها في الإطار المكاني وهو مصر، واستمرار تغطيتها الببليوجرافية من بداية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، مما يعد إحياء لمدرسة التذييل العربية العريقة.
سادسًا: الكتاب المتمم:
هناك نوع من المؤلفات لا يعد من الذيول ولا من الحلقات، ولكنه وثيق الصلة بالنص، بسبب المشاركة في تغطية مجال معين، ومن أمثلة ذلك كتاب أسماء الكتب، (تجميع) رياضي زادة.
فهو يمثل «محاولة» للتجميع الببليوجرافي للإنتاج الفكري العربي الإسلامي، وهو يتداخل في الغرض والمجال مع كشف الظنون، وقد فرغ منه مؤلفه سنة 1054، بينما فرغ حاجي خليفة من كتابه في تاريخ متأخر عن ذلك، وقد توفي حاجي خليفة عام 1067. وقد يكون هذا الكتاب من ينابيع كشف الظنون، ولكنه ليس في مستواه ولا شموله ولا منهجه، ويحتوي على بعض المؤلفات التي فاتت كشف الظنون. بينما ينقصه الكثير مما ذكره كشف الظنون، وخير وصف للعلاقة بينهما هو أنه متمم كشف الظنونكما وصفه محققه16. وأهم ما نلاحظه في العلاقة بينهما أنهما يشتركان في فترة زمنية معينة، وليس بينهما فواصل زمنية واسعة.
ويمكن أيضًا اعتبار كتب التراجم التي تشترك في تغطية فترة معينة، كتبًا متممة لبعضها البعض، مثلما نلاحظ في الجدول السابق لتراجم القرون، حيث يلاحظ التداخل والمشاركة بشكل أو بآخر، عند تغطية تراجم القرون الهجرية.
سابعًا: إكمال التأليف:
هناك تأليف يقصد به إكمال «نص» توفي مؤلفه قبل إكماله، ولا نعتبر ذلك تذييلًا بل هو إكمال قد يدمج في النص الأصلي، وينسب إلى مؤلفه الذي لم يكملتأليفه، وقد يظهر مستقلًا يحمل اسم المؤلف الجديد الذي قام بالتكملة، ولعل من أمثلة ذلك، ما قيل عن وفاة المِزِّي (742)، قبل إنهاء كتابه تهذيب الكمال في التراجم، وعن قيام مُغْلُطاي (762)، بمواصلة تأليفه في كتابه، إكمال تهذيب الكمال17.
* * *
المبحث الرابع
أبعاد التذييل
يمكن تحديد الأبعاد التالية، التي يتحرك فيها التأليف التذييلي:
أولًا: البعد الزمني:
يلاحظ أن البعد الزمني من أهم الأسس التي قام عليها التذييل، حيث يغطي الذيل مجالًا معينًا عالجه نص سابق (كالتراجم مثلًا)، ويتحرك الذيل في إطار زمني يتلو تاريخ الإغلاق في النص السابق. وغالًا ما يكون المذيل من عصر قريب لظهور النص السابق الذي يذيل عليه. وفيما يلي مثال لذلك، تتوافر فيه سعة الزمان الذي تكت تغطية تراجمه، وهي في مجال تراجم نقلة الحديث النبوي، وكل هذه التراجم مرتبة حسب الوفيات بالسنين الهجرية ثم الشهور.
ونلاحظ من المثال التالي ما يلي:
1- قوة الامتداد الزمني وتواصل النصوص الذي حققته هذه الذيول والصلات في قطار الزمان الذي امتد لتغطية وفيات النقلة إلى ثمانية قرون، من أول الهجرة وحتى نهاية القرن الثامن الهجري تقريبًا.
2- أن كل هذه التراجم مرتب على حسب الوفيات بالسنين والشهور.
3- أن النص الأول والأصلي غطى وحده نحو أربعة قرون من هذه التراجم، ثم حظي بعد ذلك بسبعة ذيول وصلاتٍ أوصلت التغطية إلى ثمانية قرون.
4- تعدد الأصول الجغرافية لمؤلفي الذيول، بين المشرق والمغرب.
الأصل والذيول[أ- المرجع الرئيسي: كشف الظنون 2/ 2019- 2020. ب- كلمة ذيل الموضوعة بين قوسين ذكرت وحدها بكشف الظنون، وقد تكون جزءًا من العنوان الأصلي، وقد يكون للكتاب عنوان آخر لم يذكر. ج- التواريخ بين قوسين افتراضية من الباحث، باعتبارها تالية لتاريخ الإغلاق السابق.] | المؤلف | حدود التغطية الزمنية | حدود التغطية الزمنية |
من ... ه | إلى... ه | ||
وفيات النقلة (النص الأول) | ابن عبد الحافظ (379) | أول الهجرة | 338 |
(ذيل).................. | الكتاني (366) | 339 | (366) افتراضي |
(ذيل) يغطي نحو عشرين سنة | الأكفاني (485) | 466؟[(466 هـ) تاريخ افتراضي أوجده الباحث حسابيًّا بطرح عشرين سنة من تاريخ الإغلاق الذي ذكره كشف الظنون وهو (485 هـ).] | 485 |
(ذيل).................. | المقدسي (611) | 486 | 581 |
التكملة لوفيات النقلة | المنذري (656) | 582 | 642[أ- وهو تذييل واستدراك لما أهمل من التراجم في الكتب السابقة، ب- / نشر بتحقيق بشار عواد معروف، بيروت، مؤسسة الرسالة 1981، ووصل إلى الجزء الرابع في حدود علمي، جـ- (582) و(642) ذكرهما بشار معروف بالمرجع السابق، د- اختصره الذهبي. انظر (بشار معروف، المرجع السابق، ص 238).] |
صلة التكملة[العنوان: صلة التكملة، موجود بمخطوط بمكتبة كوبر يللي- استانبول.] | الحسيني (695) | 643 | 695[هذا التاريخ نقله كشف الظنون عن المنهل الصافي، كما يذكر تاريخًا محتملًا آخر للإغلاق هو 674 (كشف الظنون 2/ 2020)] |
(ذيل).................. | ابن أيبك الدمياطي (749) | 796[تاريخ افتراضي من الباحث، وترتبط صحته بتاريخ الإغلاق السابق (انظر الحاشية السابقة).] | 749 |
(ذيل).................. | زين الدين العراقي (805) | 750 | إلى زمانه 805؟[هكذا ذكر في كشف الظنون 2/ 2020 وأقصى حد ممكن للتغطية هو تاريخ وفاته سنة 805.] |
أزمنة وعصور مؤلفي الذيول:
كان صانع الذيل يأتي أحيانًا في عصر بعيد عن عصر الكتاب الأصلي، وقد وجد نموذج لذلك، حيث نجد الأصل ينتمي إلى القرن السابع الهجري، بينما جاء الذيل في القرن الحادي عشر، كما في المثال التالي:
وفيات الأعيان لابن خلكان (681)
ذيل وفيات الأعيان المسمَّى درة الحجال في أسماء الرجال لابن القاضي المكناسي 1025/ 181616
ثانيًا: البعد المكاني:
شملت بعض الذيول والحلقات تغطية ترتبط بمكان معين لتكملة نص أو نصوص سابقة، ومن أمثلة ذلك:
بشائر أهل ال]مان بفتوحات آل عثمان، ترجمه واقتبسه حسين خوجة، (1732م)، من كتاب المولى مصلح الدين لاري أفندي، (النص الأصلي).
ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، تأليف حسين خوجة19. وهذا التذييل هو إكمال للكتاب السابق، وهو مخصص لتونس، مسقط رأس المؤلف. وكان هذا الذيل قبل نشره مستقلًا، يمثل الباب 24 من الكتاب الأصلي20.
مثال (2)
- النقط لمعجم ما أشكل من الخطط تأليف محمد بن إسماعيل الجواني (588)، (مؤرخ ونسابة مصري)، وقد نبه فيه على ما حدث من المعالم بعد تأليف السابقين له، وما اندثر من الآثار التي وصفوها21.
ثالثًا: البعد الموضوعي:
وفي مجال البعد الموضوعي في التذييل، يمكن أن نسوق الملاحظات التالية:
1- من البديهي أن يكون التذييل على كتاب سابق في نفس مجاله الموضوعي.
2- ويلاحظ من عينة الكتب في البحث أن الذيول قد ألفت في مجالات موضوعية كثيرة منها: التراجم، والتاريخ، والببليوجرافيا وعلوم الحديث والفقه واللغة والطب والأدب وغيرها.
3- كما يلاحظ أن كثيرًا من الذيول تلتزم بالتغطية حسب نظام محكم، تتحدد فيه نقطة الإغلاق في النص الأصلي، والتَّماس بينها وبين نقطة الافتتاح في الذيل أو الصلة، ويحدث ذلك بوضوح في كتب التراجم والتاريخ، لأن من طبيعتها التتابع الزمني الواضح والحتمي للأحداث والسِّير.
4- ولكن هناك بعض الذيول التي تواصل التغطية في موضوع الكتاب الأصلين ولكن بدون تحديد زماني أو مكاني لهذه التغطية، ومن أمثلة ذلك:
مثال (أ) (في الفقه)22:
الإبانة في الفقه الشافعي: | للفوراني المروزي (411). |
تتمة الإبانة للمتولي: | النيسابوري (478)(تلميذ المروزي). |
تتمة التتمة | للعجلي الآصفهاني (600) |
مثال (ب) (في اللغة)23:
تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري (393)
التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية للصاغاني (650).
مثال (جـ) (في الطرائف المنوعة)24
ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي (837)، (وهو طرائف مختارة في الأدب والتاريخ).
الذيل على ثمرات الأوراق لنفس المؤلف (في نفس الموضوع وبنفس المنهج).
مثال (د) (في الحديث النبوي)25
النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزري (606)
التذييل والتذنيب على نهاية الغريب للسيوطي (911)
مثال (ه) (في الطب)26
التيسير في المداواة والتدبير لابن زهر (الطبيب الأندلسي) (557)
الجامع لابن زهر (وهو ذيل لنفس المؤلف على كتاب التيسير)
5- وهناك موضوعات وكتب لا تحتمل التذييل ولا تحتاج إليه، ورغم أن هذه الموضوعات والكتب قد حظيت بكثير من المؤلفات التابعة لها، والتي قامت بشرحها أو اختصارها أو التحشية عليها أو معارضتها أو محاكمتها... إلخ. فإنها- بطبيعتها- لا يمكن التذييل عليها ولا تحتاج إلى ذلك، لأنها لا تتصف بالتسلسل الزمني أو التتابع في الموضوع أو المسائل والفروع، لسبب واحد وهو أنها من الإبداع المتفرِّد لصاحبها، الذي ينتسب إليه العمل كله، وينتهي أسلوب معالجته بنهاية العمل الأصلي، ولا يدخل في نطاق ظاهرة اتصال النصوص وتركيم المعلومات الذي يمثل الفلسفة والوظيفة الرئيسية للذيول والصلات والتكملات، ومن أمثلة ذلك:
أ- قصيدة البردة، الموسومة بالكواكب الدّرية في مدح خير البريّة للبوصيري (694)، وقد حظيت هذه القصيدة بشروح كثيرة، شملت المعاني اللغوية واللطائف والإشارات والمعاني الصوفية، كما حظيت بشروح بالتركية والفارسية، وقام مؤلفون بنمذجة القصيدة، أي بالتأليف على منوالهاونهجها، وكتبت عليها تخميسات وتسبيعات تستخدم مقاطع من أبياتها في قصائد جديدة، وكذلك كتبت عليها معارضات ونظائر كثيرة. ولكنها لم تقبل بطبيعتها الأدبية الإبداعية تأليف الذيول أو الصلات عليها، كما يتضح من الحصر الببليوجرافي الطويل لهذه القصيدة وتوابعها من المؤلفات، في كشف الظنون27.
ب- الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري (538)، وهو كتاب في التفسير، أثار حركة فكرية صاخبة وهائلة، وألفت عليه نصوص تابعة كثيرة، منها اعتراضات وردود ونقد وتحقيق لمذهب الاعتزال عند الزمخشري، وظهرت محاكمات بينالكشافوالردود عليه، وحواش توضح وتنقح وتستشكل وتجيب، وتخريج للأحاديث يعزو ويسند ويصحح وينتقد، واختصار وتلخيص وإيجاز، وشروح وتهذيبات، واستدراك وحذف لأقوال الاعتزال وتحرير للنص. ورغم هذا الثراء والتعدد في التأليف التابع لتفسير الزمخشري، فإنه بطبيعته المتفردة بوجهة نظر المؤلف واجتهاده الشخصي لم تستلزم التذييل أو التكملة، فيما عدا حالة هينة ذكر فيها حاجي خليفة أنَّه ظهر للكشاف تلخيص مع زيادة يسيرة، لعبد الله بن يوسف بن هشام (762)، بعد قرنين من وفاة الزمخشري28. ونلاحظ أن هذا الكتاب حظي بالاستدراك عليه، وهو نوع من التأليف يصلح أخطاء النص السابق ويسد نواقصه، وهو شقيق التذييل ولكنه لا يدخل في مجال تراكم النصوص والمعلومات واتصالها بعد النص الأصلي، كما نعرف في مجال التذييل.
* * *
المبحث الخامس
جهود المؤلفين في صناعة الذيول والصلات:
استرعى انتباهي عند تحديد معالم هذا البحث، تلك الجهود الإنسانية الرائعة التي قام بها المؤلفون، سواء مؤلفو الأصول أو مؤلفو الصلات والذيول، والتتمات والتكملات، وامتلأ خيالي ووجداني التاريخي والببليوجرافي بمئات الوجوه والملامح من مختلف البلدان والأجناس والعصور، وهم يعكفون على خدمة الحضارة العربية والإسلامية، بهذا الحب والإخلاص، وبهذا الانتماء الأصيلإلى مدرسة في التأليف، أستطيع أن أؤكد أنها كانت تدرَّس للطالب لكي يكون ملمًّا بأصول الصنعة، كما أؤكد أن ما نعرفه اليوم تحت مسمى علم الببليوجرافيا، كان معروفًا لديهم بمضمونه وأصوله، وإن لم يشيروا إلى تسمية له محددة، ولكن الالتزام بمدرسة التأليف العربي بأنواعه المتعددة وأصوله وشروطه، واستمرار تلك المدرسة عَبْر مئات السنين وفي عالم عربي إسلامي يتسع بين المشرق والمغرب حتى يصل ما بين حدود الصين والأندلس، وبلاد الشيشان ومناطق آسيا وإفريقيا، هذا الالتزام بين «المرسل» و«المتلقي»، أو بين المؤلف والقارئ، والعالِم والمتعلم، وجد من يعبّر بلغته وأصوله الخفية بين السطور، المطلة من خلال التعبير والفهم سواء في ببليوجرافية حنين بن إسحق المبكرة عن مؤلفات جالينوس، أو الفهرست لابن النديم، أو مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة، أو لدى العبقري المتميز حاجي خليفة مبدع كشف الظنون، وغيرهم كثيرون.
ولشد ما يهزني ذلك الجانب الإنساني الذي يتجلى في إبداعات الحضارة العربية الإسلامية، ويستمر في الحضارة الغربية، ويتدهور في عشوائية وضبابية وغيبوبة المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة، حتى نال ذلك من الحياة العلمية والفكرية فأصبحت مهددة، لانعدام التقاليد العلمية وأصول الصنعة وتقاليد التأليف والإبداع. وتحقيقًا لدوافعي نحو هذا الجانب الإنساني، سوف أتحدث في هذا المبحث عن جهود المؤلفين المتعددة في تأليف الذيول والصلات في العصور الزاهية للتأليف العربي. وفي مجال الحديث عن جهود المؤلفين في صناعة الذيول والصلات بوجه خاص، وفي مجال التأليف بوجه عام، يمكن أن نرصد أربعة عناصر أساسية هي:
أ- الإنسان.
ب- العلم.
جـ- الزمن.
د- المدرسة الفكرية في التأليف.
ويمكن أن يكون كل واحد من هذه العناصر موضوعًا للدراسة المستفيضة، تدخل في مجال سوسيولوجية التأليف، أو علم اجتماع التأليف، وعلم اجتماع العلم، وهي مجالات لا تزال بعيدة نسبيًّا عن الباحث في مجال الحضارة العربية الإسلامية، رغم أنها تحتفظ بأسرار بالغة الأهمية لفهم نشوء وتطور وازدهار هذه الحضارة بجوانبها العلمية والتعليمية والتأليفية، وكذلك تدهور كثير من عناصر التفوق والإبداع في التأليف العربي والفكر العربي في مراحله المتأخرة.
- وفيما يلي أعرض لبعض الجوانب التي أمكن رصدها من عينة البحث في مجال جهود المؤلفين في صناعة الذيول والصلاة في التأليف العربي:
أولًا: تذييل المؤلف على بعض كتبه:
قام بعض المؤلفين بتأليف ذيول على بعض كتبهم عندما وجدوا أنفسهم أمام تراكم في المعلومات والاجتهادات والمعرفة، وأسعفتهم آليات التذييل لمواصلة النصوص التي سبق لهم تأليفها، ونلاحظ أن التواصل هنا يحدث بين المؤلف ونفسه، في منظومة متصلة خلال حياته العلمية، وذلك منذ القرن الثاني الهجري.
وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
مثال (1): الشيباني (189) وقد صنف ما يلي:
- الجامع الكبير
- الزيادات (على الجامع الكبير)
- زيادات الزيادات
توضيح: لما فرغ من كتاب الجامع الكبير، تذكر الشيباني فروعًا لم يذكرها فيه، فصنف الزيادات، تفريعًا على التفريعات في الجامع، ثم تذكر فروعًا أخرى فصنف زيادات الزيادات، فقطع عن ذلك ولم يتمم...29
مثال (2): العبادي (458)30، وقد صنّف ما يلي:
- الزيادات (في فروع الشافعية)
- زيادة الزيادات (تكملة)
- الزيادة على زيادة الزيادات (تكملة التكملة)، لاحظ هنا وصول المؤلف للمستوى الثالث من التفارع في التذييل.
مثال (3): ابن زهر (الطبيب الأندلسي) (557)31
- التيسير في المداواة والتدبير (في الطب)
- الجامع (وهو ذيل التيسير).
مثال (4): أبو شامة (665) وقد صنّف:
- أزهار الروضتين في أخبار الدولتين
- الذيل على الروضتين32.
مثال (5) ابن حجر العسقلاني (852) وله:
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
- ذيل الدرر الكامنة...33
مثال (6): المُحبِّي، محمد أمين (1111) وقد صنف:
- نفحة الريحانة
- ذيل نفحة الريحانة
ويلاحظ هنا أن المؤلف للأصل والذيل واحد، وكذلك المحقق لكليهما واحد، وهو عبد الفتاح الحلو34.
ثانيًا: تذييل المؤلف على أكثر من كتاب من كتبه في ذيل واحد جامع
مثال: الجويني (478)
- العمد (وهو كتاب للجويني)
- الأساليب (وهو كتاب آخر للجويني)
- الدرة المضيّة فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية.
(وهو تكملة واستدراك لموضوعات ومسائل العمد، والأساليب)35.
ثالثًا: تذييل الأبناء على الآباء، والأحفاد على الأجداد:
ومن ظواهر التواصل العلمي والعائلي في نفس الوقت، ما يجود به تاريخ التأليف العربي الإسلامي، من تذييل الأبناء والأحفاد، على مؤلفات الآباء والأجداد.
ومن أمثلة ذلك ما حدث للكتاب التالي:
العبر في خبر من غَبَر للذهبي (748)
(جمع فيه أحداث التاريخ والوفيات من الهجرة إلى آخر (741))
ذيل قام بتذييله حفيد الذهبي، واسمه شمس الدين بن موسى (791؟)، ووصل في تغطيته للحوادث والوفيات إلى آخر سنة 785.
ذيل [وهناك] ذيل على العبر، ألفه العراقي (806).
ذيل على التذييل، ألفه ولد العراقي واسمه ولي الدين أحمد العراقي (820)، ليكون ذيلًا على الذيل الذي الفه والده.
ونلاحظ هنا أن هذه الأصول والذيول وذيول الذيول تغطي أكثر من ثمانية قرون، من أول سنوات الهجرة وحتى عصر الابن المتوفى (820).
رابعًا: تذييل العائلة (أو التأليف بالموارثة):
وقد شهد التأليف العربي ظاهرة طريفة ونادرة، فقد اشترك ستة مؤلفين من أدباء الأندلس، منهم خمسة من أسرة واحدة وعلى مدى 115 سنة (تمتد من القرن السادس إلى القرن السابع الهجري)، في تأليف كتاب بالموارثة جيلًا بعد جيل، وهم:
1- أبو محمد الحجاري (584)
2- عبد الله بن سعيد
3- أحمد بن عبد الملك
4- محمد بن عبد الملك
5- موسى بن محمد بن عبد الملك
6- علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك (673)
والكتاب هو: المُغرب في حُلي المغرب، وقد تداولوه بالتنقيح والتكميل واحدًا بعد واحد، وتلب العنوان في عدة صور حتى استقر على العنوان المذكور سابقًا، وقد امتزج جهدهم في التأليف في عمل واحد لا تنفصل فيه ذيول عن أصول36.
خامسًا: تذييل مؤلف على مؤلف.
وهذا هو الأكثر شيوعًا في التذييل، ويتحقق في كثير من نماذج التذييل والصلة والتكميل... بهذا البحث.
سادسًا: تذييل مؤلف عربي على مؤلف أجنبي.
عندما أقبلت الحضارة العربية الوليدة في القرن الثالث الهجري على ترجمة علوم اليونان، لقي الطبيب الفيلسوف اليوناني جالينوس (ت 200م)، اهتمامًا بالغًا بترجمة مؤلفاته إلى العربية.
وكان جالينوس قد ألف بنفسه قائمة ببليوجرافية لحصر مؤلفاته في الطب والفلسفة وعنوانها باليونانية «ﭘينَكْس»، وبعد جالينوس بسبعة قرون، جاء عالم سرياني وعربي في نفس الوقت، هو حنين بن إسحق (ت 260/ 873)، ليترجم أعمال جاينوسإلى كل من اللغة السريانية والعربية في ظل رعاية الخلفاء العباسيين وخصوصًا في عصر المتوكل. وقد حظيت ببليوجرافية جالينوس على يد حنين بن إسحق بالجهود التالية:
1- ترجمها إلى السريانية تحت عنوان كتاب فينكس لجالينوس، أي فهرس كتب جالينوس. (ويلاحظ أن العرب استخدموا حرف الفاء بدلًا من الباء الثقيلة ("p")
2- ألف حنين بالسريانية «ذيلًا» لقائمة جالينوس، في شكل رسالة (مقالة) سماها ثبت الكتب التي لم يذكرها جالينوس في فهرست كتبه، وألحق هذا الذيل بالترجمة السريانية للببليوجرافية.
3- ترجم حنين ببليوجرافية جالينوس إلى العربية تحت عنوان رسالة حنين بن إسحق إلى علي بن يحيى في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس وما لم يترجم.
4- أضاف حنين في نهاية الترجمة العربية «ذيلًا» صغيرًا من حوالي خمس صفحات تشبه الثبت السابق بالسريانية، يشمل ذكر كتب لم يذكرها جالينوس في ببليوجرافيته قبل سبعة قرون.
5- ترجم حنين من اليونانية إلى العربية كتابًا عنوانه: الذيول لجالينوس37
ونلاحظ من أعمال حنين بن إسحق ما يلي:
أ- قِدَمُ مدرسة التذييل منذ أيام اليونان، مثل الذيول على جالينوس.
ب- استمرار تقليد التذييل في اللغة السريانية ثم اللغة العربية على يد حنين بن إسحق في سعيه لتكملة قائمة جالينوس إلى جانب ترجمتها، ولو كان التذييل بصفحات قليلة ملحقة بالترجمة.
جـ- ولكن التأليف العربي عرف التذييل منذ القرن الثاني على الأقل، كما فعل الشيباني (189) عندما ذيل على كتاب من تأليفه38.
وبعد تذييل حنين على جالينوس بنصف قرن تقريبًا جاء أبو بكر الرازي (3119 وألف ذيلًا أيضًا لاستكمال ما ينقص ببليوجرافية جالينوس وما ينقص تذييل حنين، وعنوانه كتاب في استدراك ما بقي من كتب جالينوس مما لم يذكره حنين ولا جالينوس في فهرست39 .
سابعًا: تذييل مؤلف أجنبي على مؤلف عربي:
حيث قام المستشرق أدوارد لين Edward Lane بالتذييل على القاموس المحيط للفيروز آبادي، فوضع قاموسه المسمى: مدّ القاموس Arabic English Lexicon، ويتضمن المدَّ مفردات لغوية استخرجها إدوارد لين من أمهات كتب الأدب مما لم يرد في القاموس المحيط40.
ثامنًا: تكملة مؤلف عربي على مؤلف أجنبي:
ومثال ذلك: التاريخ العربي القديم تأليف نيلسن وآخرين. فقد ترجمه إلى العربية واستكمله فؤاد حسنين علي41.
تاسعًا: تذييل مؤلف على عدة كتب لعدة مؤلفين في ذيل واحد:
كما نشهد في الأمثلة التالية:
1- الذيل والصلة لكتابَيْ الموصول والصلة للمراكشي.
وقد ذيل فيه المراكشي على كتابين في التاريخ هما:
أ- الموصول تأليف ابن الفرضي (403).
ب-الصلة تأليف ابن بَشكُوال (578)42.
2- ذيل تواريخ الحافظ والذهبي والبرزالي وابن كثير تأليف ابنقاضي شهبة (851).
تتضح ضخامة هذا الجهد العلمي عندما نوضح بالتفصيل المخطط (الببليوجرام) الكامل لهذا العمل فيما يلي:
الأصول:
أ- العبر في خبر من غبر للذهبي (748)43
(رتبه على السنوات للحوادث والوفيات من أول سنة للهجرة حتى آخر 741).
ب- تاريخ البرزالي للبرزالي (738)
(جمع فيه وفيات المحدِّثين حتى تاريخ وفاته).
جـ- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير (774).
(في وقائع ألوف السنين السالفة، ثم رتب ما بعد الهجرة على السنوات، وقد لخص فيه من تاريخ البرزالي كما جمع بين الحوادث التاريخية والوفيات إلى عام 772، أيقبل وفاته بعامين).
الذيل لهذه الأصول الثلاثة لابن قاضي شهبة، كما سبق ذكره، وقد عرف له عنوان آخر وهو: تاريخ قاضي شهبة، أو تاريخ ابن شهبة، ونشر جزء منه44. وقد بدأ ابن قاضي شهبة التذييل على هذه الأصول الثلاثة من عام 45741
عاشرًا: تذييل مؤلف أجنبي على عدة مؤلفين عرب، مثل:
- معجم دوزي (1300/ 1883)، (وهو ذيل وتكملة للمعاجم العربية، يغطي ما لم تدركه من ألفاظ اللغة العربية46.
* * *
المبحث السادس
مخطط علاقات الذيول أو (ببليوجرام الذيول):
من أهم خصائص التأليف أن كثيرًا من الكتب لها علاقات مع كتب أخرى، تشبه علاقات القرابة والنسب في المجتمع الإنساني. ولكي نستطيع تمثيل هذه العلاقات وتصويرها بشكل دقيق، فقد قمت بوضع الأسس النظرية والبيانية لتوضيح هذه العلاقات، وأطلقت عليه بالعربية: «مخطط علاقات النصوص»، وبالإنجليزية الببليوجرام Bibliogram 47وكلمة ببليوجرام مشتقة لأول مرة في الإنجليزية، ولم تعرفها هذه اللغة من قبل، وهي مكونة من (Biblio+gram)، بمعنى وصف العلاقات الببليوجرافية، وقد سبق في علم الاجتماع تركيب كلمة بنفس الطريقة هي Sociogram لوصف العلاقات الاجتماعية، وقد تأثرت بها عندما قمت بصياغة كلمة الببليوجرام.
وفي هذا المجال، نستخدم كلمة التفارع للدلالة على العلاقة بين نص سابق ونص لاحق عليه، حيث يبدو النمو نوعًا من التفارع يشبه نمو الشجرة وتفرعها، وهناك رتب لهذا التفارع، فعندما يظهر ذيل على كتاب سابق، فإن الذيل يعتبر هو التفارع الأول، وعندما يظهر ذيل للذيل، يعتبر ذلك التفارع الثاني، وهكذا تتسلسل رتب التفارع في نظام الببليوجرام أو مخطط علاقات النصوص. وفيما يلي عرض لما توصلت إليه من «ببليوجرام الذيول».
أولًا: تعدد الذيول على نص أصلي واحد
من الملاحظات الهامة في دراسة ظاهرة التذييل، أن بعض النصوص الهامة قد حظيت بالتذييل عليها من أكثر من مؤلف وفي عصور مختلفة ومتباعدة أحيانًا، وأفَسِّر ذلك بخصوبة مجال النص الأصلي وغزارة المعلومات في موضوعه، وشعور المؤلفين من بعده بضرورة متابعته بالذيول والصلات والتكملات، بل وقد حدث أن المؤلف نفسه كان يذيل على كتابه أحيانًا، غلى جانب تذييل بعض أفراد أسرة المؤلف، وذلك بالإضافة إلى مؤلفين آخرين من أماكن بعيدة عن بلد المؤلف الأصلي، فقد يكون مؤلف الأصل من بغداد، والمذيل من مصر أو المغرب.. إلخ. ولكي أوضح ظاهرة تعدد الذيول على الأصل، فإنني ألخص ذلك فيما يلي:
1- هناك ذيول تتكرر على نص أصلي في مستوى أفقي، وتكون متساوية الرتبة في التفارع، من المستوى الأول.
2- وهناك ذيول تكمل على ذيول، وتنمو بشكل رأسي في تفارع متتابع ومتزايد في الرتب، يبدأ من الثاني ويستمر إلى الثالث والرابع أحيانًا.
ويتضح ذلك من الأمثلة 1- 5.
ونلاحظ في المثال (2) أن التذييل قد وصل إلى رتب بالغة العمق من التفارع كما يلي:
3 ذيول (تفارع أول على الكتاب الأصلي)
5 ذيول للذيول (تفارع ثانٍ على ذيول سابقة)
كتابان كل منهما: ذيل على ذيل الذيل (تفارع ثالث على ذيل للذيل)
ثانيًا: تفارع الذيول على الذيول
وقد شاهدنا في المثال رقم (2) السابق، كيف وصل تفارع الذيول إلى المستوى الثالث، أي إلى مستوى ذيول الذيول. وفي مثال (4)، سوف نجد أن النص الأصلي قد حظي بذيل عنوانه الصلة، أما الذيل نفسه فقد حظي بسبعة ذيول، امتدت في تغطيتها لتشمل جهود سبعة مؤلفين أندلسيين.
مثال (1) النمو الأفقي والنمو الرأسي لتفارع الذيول على الأصل
مثال (2) كتاب أصلي له ذيلان متساويان في المرتبة
مثال (3) كتاب أصلي له ذيول، وذيول للذيول، وذيول لذيول الذيول
مثال (4):ببليوجرام تفارع متجانس للذيول حتى الدرجة الثانية
(ويلاحظ تكرار الذيول في الرتبة الثانية)
ويلاحظ أن الذيل الأخير على كل من الكتاب الأصلي: الموصول، وأول ذيل له وهو الصلة لابن بشكوال، أي انه تفارع أول وتفارع ثانٍ في وقت واحد.
مثال (5): ببليوجرام الذيول وأشباه الذيول حتى التفارع الرابع (وتكرار الذيول عند تفارع الدرجة الثانية والثالثة مع مؤلفات تابعة على الذيول (مثل المختصرات (والشروح...)
ثالثًا: خدمة الذيول بأنواع أخرى من التأليف
وقد أشرت فيما قبل إلى أن الذيول كتب لها قيمتها العلمية التي لا تقل عن الأصول التي تذيل عليها، وقد تتفوق عليها وتزيد، وأن اختيار المؤلف لكلمة الذيل أو الصلة لعنونة كتابه الجديد هو جزء من تواضع العلماء والتقاليد الراسخة في تواصل التأليف وتواصل النصوص. ولذلك حظيت بعض كتب الذيول بجهود أخرى من التأليف، مثل اختصار الذيول، والانتقاء من الذيول وإدماج الذيول مع الأصول ومَعْجَمتها (أي تحويلها إلى شكل معجم هجائي)، كما يتضح من الأمثلة التالية:
1- اختصار الذيول:
تعرضت بعض الذيول للاختصار، كما نجد في الأمثلة التالية:
مثال (1): (الذيل:)- التكملة لكتاب الصلة لابن بَشْكُوَل [تكملة] ابن الأبّار (658).
(مختصر الذيل:)- مختصر التكملة لكتاب الصلة [اختصره] الذهبي48.
مثال (2):
(الذيل:) المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي (للصفدي) لابن تغرى بردى (874)49. (اختيار من الوافي، وإضافة تراجم قرن من الزمان إلى تراجمه).
(مختصر الذيل) الدليل الشافي على المنهل الصافي لابن تغرى بردى (أيضًا).
(وقد قام ابن تغرى بردى باختصار المنهل الصافي، وجعل المختصر كالديباجة للمنهل، يتبع نفس الترتيب، ويقوم بدور الكشاف Index للمنهل)50.
2- شرح الذيول:
حظيت بعض الذيول بالشرح ومن أمثلة ذلك:
- دمية القصر وعصرة أهل العصر للباخرزي (467) (ذيل ليتيمة الدهر للثعالبي).
- شرح الدمية لعبد الوهاب المالكي.
3- الانتقاء من الذيول:
وجدت مؤلفات منتقاة من الذيول، ومن أمثلتها:
ذيل تاريخ بغداد (للخطيب البغدادي) تذييل ابن النجار (643).
- المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (لابن النجار) [انتقاء] ابن أيبك الدمياطي (749). (وهو انتقاء لتراجم رجال الحديث)51.
4- إدماج الذيول مع الأصول ومَعْجمتُها:
شهد التأليف العربي ظاهرة إدماج النصوص في نص جديد واحد يوفر عناء البحث في نصوص متعددة. كما شهد ظاهرة إعادة ترتيب النصوص السابقة في صورة منظمة مثل المعاجم والموسوعات. وفي المثال التالي، نتعرف على عمل معلوماتي متطور لخدمة عدة نصوص في وقت واحد، بإدماجها في عمل واحد من جهة، ومَعْجمتها (أي ترتيبها على حروف المعجم) من جهة أخرى، وقد شمل ذلك النص الأصلي للذهبي مع ذيلين مكملين له52.
أ طبقات الحفاظ للذهبي (748)
ب ذيل طبقات الحفاظ تذييل الحسيني (765)
حـ لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ تذييل محمد
ابن فهد (الجد) (871)
د إدماج الأصل مع الذيلين وترتيبهم في سياق واحد على حروف المعجم لعمر بن فهد (الأب) (885)53
* * *
المبحث السابع:
الوجه الأخلاقي والعلمي لظاهرة الذيول والصِّلات
نستطيع أن نقول إن ظاهرة التذييل والوصل والتكملة إلى آخر هذه التسميات المترادفة معنى والمتنوعة لحنًا.. تمثل واحدة من أهم ظواهر النمو والاستمرارية والحيوية في بنية التأليف العربي. ومما يثير الانتباه والإعجاب حقًان تواضع هؤلاء العلماء الأفذاذ، الذين سموا مؤلفاتهم بالذيول أو الصلات، أو اعتبروها تقوم بهذه الوظيفة حتى ولو أخذت عناوين مختلفة، وهو تواضع يفسر لنا عظمة هذه الحضارة التي قامت على أكتاف العلماء المخلصين للعلم وقيمه الرفيعة.
ولقد أوضحت هذه الدراسة ما وجده كثير من العلماء العرب والمسلمين من شرف واعتزاز وسعادة، في تكملة عمل سابق، بمتابعة التغطية في مجاله، ووصل تأليفهم بهذا العمل أو ذاك، حتى ليشبه التذييل تعلية في البناء تزداد علوًا وشموخًا، أو قطارًا تتابع عرباته في مجرى الزمان والمكان والموضوع والمنهج. ومما يستحق التنويه، أن الصاغاني (650)، جعل كتابة المكون من 6 مجلدات، بمثابة «التكملة والذيل والصلة» لمعجم الصحاح، وكان بإمكانه أن يجعله معجمًا جديدًا متجردًا من صفة التذييل، خاصة إذا علمنا أنه جمع مادته التي استدرك وذيّل بها على الصحاح، من ألف مصدر. كما نجد السخاوي (902) مع علو قدره بين المؤرخين والتراجميين، يذيل على كتاب دول الإسلام (في التاريخ) لشمس الدين الذهبي (748)، وقد ذيله السخاوي من سنة 741 إلى 901، ذيلًا مختصرًا كأصله، وسماه: الذيل التام لدول الإسلام54.
وإلى جانب تسمية الذيول بتواضعها الرفيع، نقف أمام تسمية «الصِّلة»، بخصائصها الجمالية والمعلوماتية، وهي أشبه في نسيج التأليف بصلة الرحم في نسيج القرابة والوفاء والمحبة. ويمكن أن نلخّص ما تنطوي عليه ظاهرة التذييل في التأليف العربي، من جوانب أخلاقية وعلمية فيما يلي:
1- التواضع النبيل لدى كثير من العلماء الأفذاذ.
2- قوة احترام النص الأصلي الذي يحمل فكرة البداية في مجاله، وهو احترام شديد الصلة باحترام الأستاذ العالم المعلم، حتى ولو كان من بلد بعيد وعصر بعيد، مما يجعل لهذا النص الأصلي قوة الجذب والتأثير التي تجعل مؤلفين مبدعين يستمرون في التذييل عليه، ثم الاستمرار في التذييل على الذيول في سياق رائع من التكامل.
3- وضوح تقاليد التواصل العلمي والفهم العميق للطبيعة التراكمية والتكاملية للعلم والمعرفة.
4- الاستمرارية والتطورية في تغطية جانب أو موضوع معين من المعرفة، وهو ما أسميه «اتصال النصوص»، وهي ظاهرة خصبة بما تنطوي عليه من انتماء وتواصل وتكامل في التأليف العربي القديم، وامتداد في الزمان والمكان والموضوع والمنهج والجهد الإنساني، ولعل ما يبرز وعي المؤلفين العرب بفلسفة التذييل، ذلك التعبير البليغ للحميدي إذ يقول: «وقد اتصلت الذيول على كتاب كذا...»55.
5- القدوة والمثال أو «المدرسة» في التأليف العربي، فكثير من الذيول يقوم على نمذجة الأصل أو النص الرائد، والتأليف على نهجه ومثاله، وكانت الذيول في الغالب تلتزم في ترتيب محتوياتها بطريقة النص الأول النموذج، سواء كان ذلك بترتيب التراجم على حروف الهجاء، او على تتابع السنين، في كتب التراجم والتاريخ. ومن أمثلة ذلك أنه عندما ألّف السخاوي (902)، ذيلًا على كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر لابن حجر العسقلاني، أشار إليه باعتباره «الأصل»، وقال عن الذيل: «ورتّبته كأصله: الترتيب المألوف على الحروف»56.
6- حيوية النظام العلمي العربي في ظل سيادة الفكر العربي الإسلامي، وقبل أن تتحطم هوية الفكر العربي في المواجهات الشرسة مع حضارة الغرب في القرون الأخيرة، مما يجعلنا ندرك مدى أهمية نظام الاتصال العلمي وسوسيولوجية العلم والتأليف في هذه الحضارة، سواء في جناحها الشرقي أو الغربي أو الأندلسي، ولا أوافق بعض من يذهبون إلى أن هذه الأنواع من التأليف مثل الذيول والاستدراكات والشروح والحواشي وغيرها، هي شكل من أشكال الجمود والتكرار في التأليف العربي، بل هي من دلائل الحيوية ويقظة الاستجابة ورد الفعل البنّاء، والانتباه والمتابعة والعطاء والمعاناة، إذا تصورنا ما يبذل في مجال واحد من التأليف وهو التراجم على سبيل المثال.
7- ولم يقتصر التذييل على الكتب المؤلّفة بالعربية فحسبن بل ظهرت ذيول في اللغة الفارسية على نص أصلي باللغة الفارسية، مثل كتاب تاريخ تيمور الذي ذكر حاجي خليفة تذييلًا له57.
خاتمة:
بعد هذا العرض لآليات التذييل والصلة، يتضح لنا وعي المؤلفين العرب بأهمية تواصل النصوص وتكاملها، في أداء رائع تحدى القرون رغم ما عانته هذه الحضارة العربية الإسلامية من أخطار كانت محدقة بها من الشرق والغرب، وما شهدته من كوارث وصراعات في مجال السياسة والحكم، ولكن تاريخ هذه الأمة صنعة العلماء بصبرهم والتزامهم وقوة تمسكهم بتقاليد وأخلاقيات صححت مسارهم دائمًا، وخلقت التراكم الحضاري جيلًا بعد جيل، وحتى العصور التي اتهمها البعض بأنها عصور انحطاط، لم تكن كذلك في مجال التأليف، بل شهدت عظماء مثل ابن منظور والذهبي والسيوطي وابن حجر العسقلاني والسخاوي وغيرهم كثير.
ولعل القارئ يتفق معي في أن الصلات في التأليف والعلم، كانت تشبه صلة الرحم في الحياة الإنسانية، وهكذا يكون العطاء بقدر الوفاء، كما يكون البلاء بقدر الجفاء، وحال أمتنا في أزمتها الراهنة خير مثال لذلك.
المراجع
- الباباني، إسماعيل بن محمد أمين البغدادي (1339) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، استانبول، وكالة المعارف، 1945- 1947، 2 مج.
- أحمد بن محمد عبد الله الدبيان، حنين بن اسحق: دراسة تاريخية ولغوية، الرياض، مكتبة الملك فهد، 1993- 2 مج.
- بشار عواد معروف: الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام، القاهرة، عيسى البابي الحلبي، 1976، 540 ص (رسالة دكتوراه من جامعة بغداد).
- حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله كاتب ﭼلبي (1067)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، استانبول، وكالة المعارف، 1941، 2 مج.
- ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي (852)، إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت.
- الزركلي، خير الدين، الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط 4، بيروت، دار العلم للملايين، 10 مج.
- السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (902) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ تحقيق فرانز روزنتال، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت، 460 ص.
- السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (902) الذيل على رفع الإصر، أو بغية العلماء والرواة تحقيق جودة هلال ومحمد محمود صبح، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، د. ت، 589 ص.
- شوقي ضيف: «مقدمته» في المُغرب في حُلَى المغرب تأليف الحجازي وآخرين، ط 2، القاهرة، دار المعارف، 1964، ص 1- 30.
- الطاهر الزاوي: «مقدمته» في بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان تأليف حسين خوجة، تونس، الدار العربية للكتاب، د. ت، ص 96.
- عبد الجبار عبد الرحمن: ذخائر التراث العربي الإسلامي، بغداد، جامعة البصرة، 1981، ج 1.
- عبد الستار الحلوجي، «مقدمته» في دليل المطبوعات المصرية 1940- 1956، إعداد أحمد منصور وآخرين، القاهرة، الجامعة الأمريكية، 1975، ص: ز- ر.
- عبد الستار الحلوجي، «نشأة علم الببليوجرافيا عند المسلمين»، الدارة، الرياض، السنة 2، العدد 3- 4 (أكتوبر 1976)، ص 176- 183.
- عبد العظيم الديب، «مقدمته» في الدرة المضيَّة فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية، الدوحة (قطر)، إدارة إحياء التراث الإسلامي، 1976، القسم الأول، ص 13م- 124م.
- فهرس المخطوطات المصورة، ج 2: التاريخ: القسم الأول وضعه لطفي عبد البديع، القاهرة، معهد المخطوطات العربية، د. ت.
- فهيم محمد شلتوت، «مقدمته» في الدليل الشافي على المنهل الصافي لابن تغري بردي، مكة، جامعة أم القرى، 1979، ج 1، ص 6- 8.
- قيصر أبو فرح، «مقدمته» في تاريخ بغداد، أو مدينة السلام تأليف الخطيب البغدادي، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت، مج 1، ص: ب- ح.
- كمال عرفات نبهان، الببليوجرام، أو مخطط علاقات النصوص في التأليف العربي الإسلامي، طبعة خاصة، 1995، 44 ص.
- محمد التونجي، «مقدمته» في أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون رياضي زادة، القاهرة، مكتبة الخانجى، 1978، ص 3- 11.
- محمد أبو الفضل إبراهيم، «مقدمته» في ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي، القاهرة، الخانجى، ص: ج- و.
- محمد الحبيب بن الخوجة، «مقدمته» في بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان تأليف حسن خوجة، تونس، الدار العربية للكتاب، د. ت، ص 6.
- المراكشي، محمد بن محمد بن عبد الملك (703)، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلةتحقيق إحسان عباس، بيروت، درار الثقافة، 1973، 6 مج.
- ابن النديم، أبو الفرج محمد بن إسحق (438)، الفهرست تحقيق جوستاف فلوجل، ليبزج، 2 مج.
- Gotteschalk, H.L.& others; Catalogue of the Mingana collection of manuscripts, vol. 4: Islamic-Arabic manuscripts.-Zug (swizerland), Inter Documentation Company, 1985.-248p.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: مقالات ودراسات مهداة إلى الدكتور صلاح الدين المنجد ، 2002، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 139-192. |