من المقاصد التربوية في القرآن الكريم

شارك:

عبد النور بزا: باحث متخصص في مقاصد الشريعة، أكاديمية مكناس، المغرب.

محتويات المقال:
-1- ضبط الإشكال
-2 - مدخل البحث
-3- تحديد مصطلحات عنوان البحث
أ - مصطلح المقاصد
ب - مصطلح التربية
ج - مصطلح المقاصد التربوية
المطلب الأول: مقصد التعليم
الفرع الأول: صلب العلم أساس مقصد التعليم
الفرع الثاني: صلب العلم: عيني وكفائي
المطلب الثاني: مقصد الأخلاق
الفرع الأول: مفهوم الأخلاق: بيان وتصحيح
الفرع الثاني: الأخلاق أساس مقاصد القرآن
المطلب الثالث: مقصد التعبد
الفرع الأول: مقصد التعبد الخاص
الفرع الثاني: مقصد التعبد العام
خاتمة
لائحة المصادر والمراجع

يجدر بي أوله أن أشكر للإخوة الأفاضل في مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي دعوتهم لي للمشاركة في هذه الدورة العلمية القرآنية المقاصدية المباركة بهذه الورقة الموسومة بـ «من المقاصد التربوية في القرآن الكريم». وفيما يلي ما تيسر من النظر فيها.

من المعلوم أن المقاصد التربوية من أهم ما عني به الكتاب العزيز؛ وذلك بحكم أن تربية الإنسان هي أجل ما جاء من أجله سواء في خاصة نفسه أو عامة مجتمعه بالقصد الأول. وقد اقتصرت منها -لكثرتها- على ثلاثة مقاصد هي كلياتها؛ ممثلة في: «مقصد التعليم، ومقصد الأخلاق، ومقصد التعبد». لأن ما لا يدرك كله لا يترك جُلُّهُ؛ كما يقال. وقد بسطتها في مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة.

المقدمة: في ضبط إشكال البحث، وبيان المدخل المعتمد فيه، وتحديد مصطلحات عنوانه.

المطلب الأول: فيمقصد التعليم باعتباره رافعة التربية ومنطلقها الأول، وهو في فرعين:

الفرع الأول:صلب العلم أساس مقصد التعليم

الفرع الثاني:صلب العلم: عيني وكفائي

المطلب الثاني:في مقصد الأخلاق باعتباره جماع التربية وقاعدتها الأساس، وهو في فرعين:

الفرع الأول:ماهية الأخلاق: توصيف ومراجعة

الفرع الثاني:الأخلاق أساس مقاصد القرآن

المطلب الثالث:في مقصد التعبد باعتباره مقصد المقاصد كلها، وهو في فرعين:

الفرع الأول:مقصد التعبد الخاص

الفرع الثاني:مقصد التعبد العام

خاتمة: بأهم التوصيات الخادمة للمقاصد التربوية في القرآن الكريم وأهمية إعمالها في الحياة الخاصة والعامة. فهذا هو القصد مجملا من هذه الورقة. وفيما يلي فصل المقال فيه. بدءا بضبط الإشكال.

1 - ضبط الإشكال

قال القرافي: «معرفة الإشكال علم في نفسه، وفتح من الله تعالى»1. وعليه؛ فالإشكال الذي نروم الإجابة عنه في هذه الورقة هو «سؤال المقاصد التربوية» المستفادة من القرآن الكريم، وقد تم. ومنه نمضي إلى بيان المدخل المعتمد في مقاربته.

2- مدخل البحث

وأما المدخل المعتمد في هذه المقاربة؛ فهو المدخل المقاصدي؛ وذلك لما يلي من اعتبارات:

أولها ـ أن المدخل المقاصدي هو ما توسل به الشارع الحكيم في مخاطبة عباده ابتداء؛ كما قال الشاطبي: «إن الله تعالى خاطب الناس في ابتداء التكليف خطاب التعريف بما أنعم عليهم من الطيبات والمصالح التي بثها في الوجود لأجلهم، ولحصول منافعهم ومرافقهم، التي بها عيشهم، وتكمل بها تصرفاتهم»2.

وما اختاره الله تعالى فهو أولى بالاعتماد في تأسيس النظر إلى مختلف المعارف والقضايا المفعمة برعاية المصالح الإنسانـية في جميع أبعادها الضرورية والحاجية والتحسينية.

ثانيها ـ أن المدخل المقاصدي هو المدخل الفطري الملائم لطبيعة الإنسان؛ فــ «كل عاقل إنما يطلب مصلحة نفسه، وما يوافق هواه في دنـياه وأخراه»3. ولذلك «لم يشرع الله سبحانه حكما من أحكامه؛ إلا لمصلحة عاجلة أو آجلة، أو عاجلة وآجلة، تفضلا منه على عباده»4.

وهذا المنهج التربوي المقاصدي المصلحي هو الذي ترتاح له النفوس، وتقتنع به العقول، وتطمئن إليه القلوب، وتنقاد له عن طواعية؛ كما قال الإمام الغزالي: «إذا وقع الوقوف على وجه المصلحة اطمأنت النفوس وانقادت للقبول عن طوع، وترقت عن مرارة التقليد وقهر التحكم، ولذلك تأثير في استمالة القلوب للإذعان والاطمئنان. ومن أنكر رسوخ أحكام الشرع في النفوس، وتسميرها بضبات المحاسن، ومسامير المصالح، وإن كانت مظنونة؛ فقد أنكر ما يعلم على القطع بقضية من مطرد العادة»5. وهو ما يقتضي اعتماد منطق رعاية المصالح العامة في التواصل البشري العام. لأن «من فقه عن الله أمره ونهيه، وعلم لماذا أمر ونهى، تعاظمَ لذلك وكبر في صدره شأنُه، وكان أشدَّ تسارعًا لما أمر، وأشد هربًا مما نهى؛ فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها ... فالنفس إنما تنقاد إذا رأت نفعَ شيء أو ضره، والنفس والشيطان جندُهما الشهوات؛ فيحتاج الإنسان إلى أضدادهما من الجنود ليقهرهما، وهو الفقه»6. مما يدل على أهمية اعتماد الفقه المقاصدي في أبعاده المصلحية، ويؤكد قيمته التربوية في خاصة الأفراد وعامة المجتمع.

ثالثها ـ أن المدخل المقاصدي هو المعبر بحق عن القيم الإنسانية المشتركة العابرة لخصوصيات الأمم والأجناس والثقافات والحضارات والمدارس الفكرية المختلفة، وفي مقدمتها القيم الضرورية الكلية الخمس التي عبر عنها الشاطبي فيما نصه: «وقد علم من الشريعة أن أعظم المصالح جريانُ الأمور الضرورية الخمسة... وأن أعظم المفاسد ما يَكِرُّ بالإخلال عليها»7. و«هي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وقد قالوا: إنها مراعاة في كل ملة»8. وهي مما «أجمعت الأمم مع الأمة المحمدية عليها»9.

وهذه الكليات الأممية الملية المشتركة هي الإطار المرجعي الذي تندرج تحته كل القيم التربوية الكلية، وهي كثيرة؛ كالحرية والعدالة والكرامة وغيرها مما تنبني عليه علاقة التعاون بين الشعوب، ويتحقق به الخير الإنساني العام، وتتم المحافظة على مقاصد الشريعة في جميع أبعادها الضرورية والحاجية والتحسينية التي ما وضعها الشارع الحكيم إلا لفائدة الناس جميعا بغض النظر عن أي دين أو حضارة أو مرجعية أيا كان لونها.

رابعها ـ أن المدخل المقاصدي هو المدخل العلمي المؤسس على دليل الاستقراء التام لنصوص الشريعة وإجماع علمائها؛ كما قال الغزالي: «مقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب والسنة والإجماع ... فهي باطلة مطرحة»10.

وإذا كانت نصوص الشريعة هي المرجعية العليا لمقاصدها؛ فإن استقراءها11 هو أعظم طرائق الاستدلال على هذه المقاصد جملة وتفصيلا12. وذلك باعتبار أن العلم بأصول الشريعة ومقاصدها الكلية مستفاد من الاستقراء الناظم لأشتات أفرادها حتى تصير في العقل مجموعة في كليات مطردة عامة ثابتة، غير زائلة ولا متبدلة، وحاكمة غير محكوم عليها13. وإذا وضح الإشكال موضوع الورقة وتبين المدخل المعتمد في تناوله؛ فإلى رسم ماهية المقاصد التربوية.

3 - تحديد مصطلحات عنوان البحث

من المعلوم «أن العلم هو المصطلح»14. ولذلك فإن «من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به... معرفة اصطلاحات أهله»15. أي؛ أن روح العلم مصطلحاته، متى تجرد عنها؛ لم يبق منه شيء يستحق الذكر. وإذا سلمت هذه الجملة؛ فما المقاصد؟

أ - مصطلح المقاصد

أما «المقاصد» في معهود العرب؛ فهي: الأغراض والنتائج والغايات والمراشد والحكم والمصالح المرجوة، والمهمات المقصودة. والمقاصد؛ جمع مَقْصِد ومَقْصَد16.

وأما في اصطلاح هذا البحث؛ فـ«المقاصد هي المصالح التي قصدت الشريعة تربية الإنسان عليها وتوجيهه إلى تحصيلها بقدر الإمكان»، نظرا لارتباط أفعاله بما يترتب عليها من صلاح أو فساد. وهذا مما ينسجم تمام الانسجام ويتوافق مع المعهود العام من تعريف المقاصد عند القرافي بما نصه: «المقاصد هي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها»17 . وإذا وضحت ماهية المقاصد؛ فما التربية؟

ب - مصطلح التربية

وأما التربية؛ فلا تخرج في معناها اللغوي عن التدرج في تنمية الشيء مطلقا حتى يبلغ ما قدر له منها؛ وهذا المعنى هو مما اتفقت عليه أمهات قواميس العربية، وفيه يقول أبو البقاء الكفوي: «التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا»18. وهو ما ذهب إليه الإمام المناوي؛ إذ قال: «التربية إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام»19.

والتربية بهذا المفهوم ‒كما قال ابن سيده‒ «هي التنشئة»20، أي تنشئة الإنسان بِصغار العلم قبلَ كبارِه حتى يصل إلى ما تيسر له منها، وتلك هي مهمة المعلم الرَّبَّانِي؛ الرَّاسِخ في العِلم21.

وأما التربية في الاصطلاح؛ فلا تخرج عن تنمية قدرات الإنسان ومهاراته وما له من كفاءات واستعدادات مختلفة تؤهله للرقي بشكل مطرد في مدارج الكمال البشري؛ بحيث يصبح عنصرا نافعا لنفسه ولغيره؛ كما هو المستفاد من قول د. التومي الشيباني: «التربية في أبسط معانيها؛ لا تعدو أن تكون ذلك الجهد الذي يبذل في سبيل مساعدة الكائن البشري على كشف وتفتيح وتنمية استعداداته ومواهبه وميوله وقدراته، وتوجيهه، والأخذ بيده إلى ما فيه خيره وخير مجتمعه، وإحداث التغيرات المرغوبة اجتماعيا وروحيا في سلوكه، وإعداده للحياة الاجتماعية الناجحة»22.

وهنا لا بد أن أشير إلى أن كلمة «التربية» لئن لم ترد بلفظها في الكتاب العزيز؛ فقد وردت بما يفيد معناها وزيادة؛ وهو لفظ «التزكية » الذي جاء بصيغ فعلية في آيات متعددة منها؛ قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور 21] وقوله:﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى: 14] و﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9] و﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [الجمعة: 2] ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: 18] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الفعل التربوي المفعم بكل معاني التطهير والنماء، العقلي والقلبي والجسدي؛ بحيث يصبح الإنسان بموجب هذا الفعل متخليا في كليته عما يشينه من فساد، ومتحليا في مجموعه بما يزينه من صلاح، وهذا هو القصد الكلي العام من التربية والتزكية معا في محصلتهما الدلالية على ما بينهما من تفاوت في المعنى. وإذا وضح معنى التربية؛ فما المقاصد التربوية؟

ج - مصطلح المقاصد التربوية

وأما «المقاصد التربوية» فهي مركب وصفي يعني: «مجموع قيم الصلاح التي قصد القرآن تربية الإنسان عليها وتكليفه بتحصيلها والترقي في مدارجها حسب كل مرحلة عمرية حتى يبلغ ما قدر له منها بقدر الإمكان».وذلك باعتبار أن مناطأ فعال الإنسان هو ما يترتب عليها من صلاح أو فساد؛ لأن جوهر القرآن هو تربية الإنسان بكل ما تعنيه من تزكية لما به من صلاح، وتصفية لما به من فساد على جميع المستويات وفي كل المجالات الخاصة والعامة، وذلك بحكم أن «القرآن هو العلم الإلهي اللدني الجامع للحقائق كلها»23. والعمدة الأساس «لمن رام الاطلاع على كلياته، وطمع في إدراك مقاصده»24. وفيما يلي فصل المقال فيما تيسر اختياره منها؛ ولنبدأ برافعتها ومنطلقها الأول؛ وهو مقصد التعليم.

المطلب الأول: مقصد التعليم

قال الإمام المناوي: «التعليم تنبيه النفس لتصور المعاني»25. وعرفه السيوطي بما نصه: «التعليم: فعلٌ يترتب عليه العلم»26.

والتعليم بهذا المعنى هو التدريس، وهو مقابل التعلم؛ فيقال: علمته فتعلم. وذلك باعتبار أن العملية التعليمية عملية تكاملية يقوم فيها المعلم بوظيفة التعليم، بينما يقوم فيها المتعلم بفعل التعلم؛ كما جاء في صحيح البخاري: «إنما العلم بالتعلم»27.

وكلمة التعليم من أكثر الكلمات شيوعا في الخطاب الإلهي بجميع دلالاتها؛ وقد وردت بصيغ فعلية متعددة في آيات كثيرة؛ منها ما يفيد أن «فعل التعليم» من أظهر الأفعال الإلهية؛ كما في قوله تعالى:﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: 31] وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 1-4] ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: 65] ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ [الأنبياء: 80] ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء: 113].

ومنها ما يدل على أن التعليم من أهم المهام الرسالية؛ لقوله سبحانه: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: 129] وقوله: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 151].

ومنها ما يعني أن التعليم من أبرز الوظائف الإنسانية؛ لقوله عز وجل:﴿قال له موسى: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: 66] وقوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾28 [آل عمران: 79] .

وهذه الوظيفة لا تقتصر على عالم الإنس، بل تمتد إلى عالم الحيوان أيضا؛ كما هو المستفاد من قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ [المائدة: 4].

ولهذا؛ في البدء كان التعلـيم. ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة:31] وفي الختم كان التعليم؛ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5].

ومقصد التعليم هو ما عبر عنه الشاطبي بـ«قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام»29. والإفهام هو عين التعليم بكل ما في الكلمة من معنى؛ وهو ما يقطع بأن مقصد التعليم من أجل ما بعث به رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما هو المستفاد من قوله تعالى:﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].

فتلاوة الآيات على المخاطبين بها، وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة؛ كل ذلك من صميم العملية التعليمية بكل ما تحمله من دلالات وأبعاد تربوية عميقة، ولذلك ليس عبثا أن يحصر رسول الله ﷺ مهمته الرسالية في القيام بمهمة التعليم أساسا؛ كما قال: «إنما بعثت معلما»30. لعلمه ﷺ بأن التعليم هو منطلق التربية ورافعتها الأساس، وهو أداة التنوير المعرفي وعمدته في تقعيد المقاصد التربوية القرآنية بالقصد الأول؛ ولهذا؛ فلا تربية بدون تعليم. وذلك لسبب بسيط وهو: أن التعليم مناط كل ما سواه.

والتعليم بهذا المعنى ليس مجرد نقل لمعلومات ومعارف من المعلم إلى المتعلم بطريقة أو بأخرى؛ بل هو عملية تفاعل تربوي إيجابي بين المعلم وفئات المستهدفين من أجل مساعدتهم على تحصيل ما أمكنهم من المعارف والعلوم، واكتساب ما تيسر لهم من مهارات وخبرات تمكنهم من الاستقلال بذواتهم، والاعتماد على أنفسهم في تطوير قدراتهم، وتنمية كفاءاتهم بما يخدم مصالحهم ومصالح مجتمعهم.

وإذا تقرر أن مقصد التعليم هو فاتحة المقاصد التربوية في القرآن؛ فقد تعين تعليم الناس بالضرورة قبل تكليفهم بأي عمل مما لهم أو عليهم؛ كما هو مقصود الشارع ابتداء؛ ذلك «أن المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلفين تفهيم ما لهم وما عليهم، مما هو مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم ... إذ لا يعقل خطاب مقصود من غير تفهيم مقصود»31.

وعليه؛ فما هو التعليم المقصود الذي ينبغي أن تتلقاه الأجيال وتتربى عليه بالقصد الأول ؟ ذلك هو ما وسمه الإمام الشاطبي بـ «صلب العلم» فما المراد به؟

الفرع الأول:صلب العلم أساس مقصد التعليم

فما هو «صلب العلم ؟»

«صلب العلم» هو «ما كان قطعيا ‒من العلوم‒ أو راجعا إلى أصل قطعي»32. وقد حدده أبو إسحاق في العلم بالمصالح الإنسانية الشرعية الكلية الثلاث؛ وهي: «الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وما هو مكمل لها ومتمم لأطرافها، وهي أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعي على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها؛ فلا إشكال في أنها علم أصيل، راسخ الأساس ثابت الأركان»33.

وهذا يعني أن «صلب العلم» هو العلم الذي ينصب على دراسة ما يفيد في معرفة المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية، وإتقان كل ما يخدمها تعليما وتعلما وتطبيقا على جميع المستويات وفي مختلف المجالات؛ وذلك باعتبار أنه «هو الأصل والمعتمد، والذي عليه مَدَارُ الطَّلَب، وإليه تنتهي مقاصد الراسخين»34.

وهذا الاهتمام بتعليم «صلب العلم» وتربية الأجيال عليه هو الكفيل بتشكيل العقول وتقويم السلوكات وفق متين العلوم والمعارف. بدلا من انشغالها بـ «مُلَحِ العلم»35. ممثلا فيما يسمى بالمستملحات والحكايات المسلية، أو بـ «ما ليس من صلب العلم ولا من ملحه»36. وهو كل ما لا يمت إلى العلم بصلة من خرافات وشطحات وما شاكلها؛ مما يضيع الجهود والأوقات ولا يعود على العقول ولا على السلوكات بأي جدوى. وإذا وضح أساس مقصد التعليم الذي هو «صلب العلم » فإلى بيان أقسامه.

الفرع الثاني: صلب العلم: عيني وكفائي

فما هوصلب العلم العيني؟

«صلب العلم العيني»؛ هو ما يجب على كل مكلف بعينه؛ ذكرا كان أو أنثى؛ وذلك بحكم أن «الشريعة بحسب المكلفين كلية عامة؛ لا يحاشي من الدخول تحت أحكامها مكلف البتة»37. وهذا القسم يشمل كل ما يندرج في مسمى المعلوم من الدين بالضرورة؛ بدءا بما نص عليه الإمام ابن عاشر؛ إذ قال:

أول واجب على من كلفاممكنا من نظر أن يعرفا
الله والــرســل بـالـصفاتمما عليه نصتِ الآيات (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لعبد الواحد ابن عاشر، ص2-3، مكتبة القاهرة، مصر، د.ط. د.ت.)

وقس عليه كل ما لا نـيابة فيه من الفرائض اللازمة مما لا يعذر أحد بجهله، وهو قادر على تعلمه من مختلف العلوم العينـية؛ عبادية كانت أو عادية.

وإذا وضح معنى صلب العلم العيني؛ فما هو صلب العلم الكفائي؟

«صلب العلم الكفائي»؛ هو مجموع العلوم والمعارف الكفائية التي لا يمكن الاستغناء عنها في حفظ مقاصد الشارع ومصالح العباد؛ مما يجب أن يكون للأمة فيه ما يكفي حاجاتها الحضارية في مختلف المجالات وعلى جميع المستويات وفي كافة التخصصات؛ كالتربية، والتعليم، والفلاحة، والصناعة، والتجارة، والحكم، والقضاء، والإدارة، والطب، والهندسة، والرياضيات، والفيزياء والكيمياء، والمعلوميات، وغير ذلك من التخصصات والوظائف والولايات الكفائية الكفيلة بتوفير الاكتفاء الذاتي اللازم لضمان مختلف المصالح الخاصة والعامة، وهو ما لخصه الإمام ابن حجر الهيثمي فيما نصه: «والحاصل؛ إن التعليم وسيلة إلى العلم؛ فيجب في الواجب عينا في العين، وكفاية فيما هو على الكفاية»38.

وما قدمه الإمام الشاطبي في مجال صلب العلم الكفائي خير ما يعتمد في توفير مختلف الكفاءات العلمية العالية الكفيلة بتدبير الشأن العام وتسيير الولايات العمومية برمتها.

وخلاصته؛ إذا أردنا لمقصد التعليم أن يكون له تفعيل تربوي موافق لقصد الشارع وخادم لمصالح الإنسان؛ فلا بد أن تقوم المؤسسات المعنية بالتربية والتعليم بتهييء الفضاءات التربوية بكل ما يلزمها من موارد بشرية، وبنيات تحتية ووسائل بيداغوجية، لتعميم التعليم على الجميع، مع ضرورة التركيز على انتقاء نبغاء التلاميذ وأذكياءهم المميزين بالفطنة والذكاء، والعناية بهم، والسهر على تكوينهم وتربيتهم وتأهيلهم على يد كبار الأساتذة الخبراء، وتوجيه كل منهم إلى ما يرغب فيه من تخصصات علمية، وتقديم المساعدة لهم ماديا ومعنويا؛ حتى يتخرجوا فيما هم نابغون فيه من العلوم والمهام التي تحتاجها الأمة في نهضتها الحضارية؛ وإدارة مرافقها الخاصة والعامة في أفق ما يعود عليها وعلى العالمين بالنفع العام في مختلف المجالات الحيوية.

وللاطلاع على هذا الأنموذج يمكن مراجعته مؤصلا في الموافقات39. مع شرحه مفصلا في كتاب: فقه المقاصد والمصالح بين العز والشاطبي: دراسة مقارنة40. وهو اجتهاد جدير بالعناية والاهتمام أكثر من أي وقت مضى.

وبالجملة: ما أحوجنا اليوم لتفعيل هذه الخطة التربوية العلمية الإجرائية في تدبير العملية التعليمية التعلمية من أولها إلى آخرها، عملا بقاعدة: الجمع بين العلم والتربية سواء على المستوى العقلي المعرفي، أو على المستوى القلبي الوجداني، أو على المستوى العضوي الحركي. وبهذا يتحقق الإنسان بأعظم ما خلق له من المقاصد ابتداء وانتهاء؛ وهو مقصد الأخلاق بإطلاق، وفيما يلي مقاربته.

المطلب الثاني:مقصد الأخلاق

من المفاهيم الكبرى التي هي بحاجة إلى معاودة النظر فيها بالتوصيف والمراجعة مفهوم الأخلاق. وفيما يلي تقريب هذا المعنى.

الفرع الأول: مفهوم الأخلاق: بيان وتصحيح

 الخلق بضم اللام وسكونها في لسان العرب هو: الدين.41 قال ابن القيم: «وسمى الدين خلقا؛ لأن الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة، وإرادات زاكية، وأعمال ظاهرة وباطنة؛ موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق؛ تصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات؛ فتكتسب النفس بها أخلاقا هي أزكى الأخلاق».42 وهذا المعنى هو عين ما قال به ابن عباس ومجاهد في تفسير قوله تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [القلم: 4] «على خلق: على دين عظيم من الأديان. ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنه منه»43. وهذا بخلاف ما يتوهم البعض عن ماهية الأخلاق؛ فهي حينما تطلق لا تتجاوز عندهم جملة آداب فردية محدودة في إطار ما هو شخصي لا تتعداه.

الفرع الثاني: الأخلاق أساس مقاصد القرآن

إذا استقرينا القرآن الكريم وجدنا مقصد الأخلاق هو كليته الجامعة؛ كما قال الإمام الشاطبي: «والشريعة كلها؛ إنما هي تخلق بمكارم الأخلاق»44. ولهذا فكل «ما ذكر في القرآن من مكارم الأخلاق، كان خلق رسول الله ﷺ»45. وهو ما وصفته به السيدة عائشة J إذ قالت: «كان خلقه القرآن»46.

وهذا يعني أن الأخلاق هي المعبر الحقيقي عن مقاصد الشارع التي هي صلاح الإنسان ومصالحه في المحصلة النهائية. كما هو المستفاد من قول د. طه عبد الرحمن في كتابه سؤال المنهج: «علم المقاصد ينظر في مصالح الإنسان الدنيوية والأخروية ... فالمراد إذن هو أنه ينظر في المسالك التي بها يصلح الإنسان، تحقيقاً لصفة العبودية لله. ومعلوم أن الصلاح قيمة خلقية تربوية، بل هو القيمة التي تندرج تحتها جميع القيم الخلقية الأخرى، فيكون هو عين الموضوع الذي اختص علم الأخلاق بالبحث فيه»47.

وهذه النظرة المقاصدية لـ «الأخلاق» تعني أن الأخلاق تشمل كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال صالحة أو فاسدة؛ وذلك باعتبار «أن الدين والأخلاق شيء واحد، فلا دين بغير أخلاق، ولا أخلاق بغير دين»48؛ لأن أصل الأخلاق ومصدرها الأول هو الدين49. ولا دين غير الإسلام ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾، ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ [آل عمران: 19. 85].

وبالجملة؛ فالأخلاق تشمل «كل خصلة أمر بها ‒الشارع الحكيم‒ أو نهى عنها مطلقًا من غير تحديد ولا تقدير»50، وهي أول ما خاطب الله به الناس؛ كما قال الشاطبي: «وأما ما يرجع إلى الاتصاف بمكارم الأخلاق وما ينضاف إليها؛ فهو أول ما خوطبوا به، وأكثر ما تجد ذلك في السور المكية، من حيث كان آنس لهم، وأجرى على ما يتمدح به عندهم»51. وهو ما يقطع بأن الالتزام التربوي بمقصد الأخلاق هو قمة الالتزام بقيم القرآن في كليتها جملة وتفصيلا، وذلك هو عين ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ قال: «بعثت لأتمم حسن الأخلاق»52. و«إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»53. و«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»54. وهو ما يقطع بأن مقاصد البعثة النبوية لا تخرج عن إكمال حُسْن الأخلاق وصَالِحِها ومكارمها ابتداء.

فهذا مجمل القول في مقصد الأخلاق، وهو ما يفيد بأن الالتزام بهذا المقصد هو قمة الالتزام بقيم القرآن في كليتها جملة وتفصيلا. ومنه نسير إلى النظر في مقصد المقاصد التربوية؛ وهو مقصد التعبد.

المطلب الثالث: مقصد التعبد

هذا المقصد هو جماع المقاصد التربوية كلها، وهو منتهى ما طلبه الشارع الحكيم من عباده لكي يتحرروا بمقتضاه من مختلف أشكال الاستعباد. وهو ما عبر عنه الشاطبي: بـ «قصد الشارع في دخول المكلف تحت أحكام الشريعة»55. وهو نوعان: خاص وعام.

الفرع الأول: مقصد التعبد الخاص

فأما مقصد التعبد الخاص فـ «هو الذي قصد الشارع فيه الوقوف عند ما حدَّه لا يُتعدَّى»56. ويشمل جميع الشعائر التعبدية الخالصة، وما في معناها من المقدَّرات الشرعية التي لا تقبل الزيادة فيها ولا النقصان منها. وهذا هو التعبد المحض الذي لا يفهم منه مقصد الشارع على وجه التفصيل، «وذلك باعتبار» أن المقصود الشرعي الأول؛ التعبد لله بذلك المحدود، وأن غيره غير مقصود شرعًا».57

ومعنى هذا باختصار؛ أن يتربى الإنسان على أن يعبد الله ربه بما يريد على نحو ما يريد، لا بما يريد هو ولا كيفما يريد، وهذا هو مقصد التعبد بمعناه الخاصالراجع إلى مجرد ما حده الشارع58.

الفرع الثاني: مقصد التعبد العام

وأما مقصد التعبد العام؛ فهو تحقق الإنسان بمقام العبودية لله تعالى دون سواه في كل ما يصدر عنه من أفعال قلبية اعتقادية، أو عقلية فكرية، أو عضوية عملية؛ إذ لا زائد على هذه الأنواع الثلاثة من التصرفات؛ ما دامت كلها محكومة بقانون الشرع؛ كما قال الشاطبي: «كل تصرف للعبد تحت قانون الشرع فهو عبادة»59.

ومتى سار الإنسان على هذا النهج التربوي التعبدي في جميع ما يصدر عنه من معتقدات إيمانية، وشعائر تعبدية، وقيم أخلاقية، ومعارف فكرية، وموازين تربوية، ومعاملات اجتماعية، وأنشطة اقتصادية، وممارسات سياسية، وعلاقات إنسانية، وتصورات كلّية عن الكون والحياة والأحياء، وما فيها من نظام وروعة تناسق وجمال وغير ذلك، فقد تحقق بمقصد التعبد العام؛ فكان عبداً لله حقاً.

وهذا المقصد يشهد له الاستقراء التام؛ إذ جميع نصوص الشارع تفيد أن ما الله خلق الخلق إلا لعبادته؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وما أرسل جميع المرسلين إلا لتعبيد الناس لربهم الحق على امتداد الوجود التاريخي للبشرية؛ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، وما دعت الرسل أقوامها إلا لعبادة الله تعالى دون غيره؛ كما في قوله: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59]، إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بالعبادة على الإطلاق، وبتفاصيلها على العموم؛ فذلك كله يوجب الرجوع إلى الله في جميع الأحوال، والانقياد إلى أحكامه على كل حال، وهو معنى التعبد لله»60. بحيث يصبح الإنسان عبدا لله باختياره كما هو عبد لله بالاضطرار؛ كما قال الشاطبي: «المقصد الشرعي من وضع الشريعة؛ إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد لله اضطراراً»61.

وبهذا تصبح الحياة الإنسانية كلها عبادة؛ سواء «ما تعبد الله به عباده من العبادات المتقرب بها إليه بالأصالة، كالإيمان وتوابعه من قواعد الإسلام وسائر العبادات. أو من العادات الجارية بين العباد التي في التزامها نشر المصالح بإطلاق، وفي مخالفتها نشر المفاسد بإطلاق. وهذا هو المشروع لمصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، وهو القسم الدنـيوي المعقول المعنى. والأول هو حق الله على العباد في الدنـيا، والمشروع لمصالحهم في الآخرة ودرء المفاسد عنهم»62.

وهذا يعني أن أعمال العبادات والعادات في منطق الشريعة مزيج لا فرق بينها في قصد التعبد بها لله تعالى متى خلصت النيَّة فيها وبرئت من اتباع الهوى. فما كان من قبيل العبادات المحضة «كالصلاة والحج وغيرهما؛ فلا إشكال فيه. وأما العاديَّات فلا تكون تعبُّديات إلا بالنِّيات»63، بمعنى أن التربية بنية الامتثال هي التي تصيِّر الأعمال العادية عبادة، «كما إذا أقرض امتثالاً للأمر بالتوسعة على المسلم، أو أقرض بقصد دنيوي، وكذلك البيع والشراء، والأكل والشرب والنكاح والطلاق. ومن هنا كان السلف M يثابرون علىإحضار النيَّات في الأعمال، ويتوقَّفون عن جملة منها حتى تحضرهم»64.

ويزداد الأمر وضوحاً إذا عرفنا أنجميع الأعمال الدنيوية التي يباشرها العمال والموظفون والمهنيون وذوو المهن الحرة وغيرهم في مختلف التخصصات؛ متى قصدوا بها خدمة المصالح الضرورية الخاصة والعامة على وجه التقرب بها إلى الله؛ نالوا بذلك أرقى مقامات التعبُّد لله تعالى؛ ذلك «أن البناء على المقاصد الأصلية (المقاصد الضرورية) يُصَيِّرُ تصرفاتِ المكلَّف كلها عبادات، كانت من قبيل العبادات أو العادات»65. وذلك باعتبار«أن مصالح العباد إنما جاءت من طريق التعبُّد ... فإذا اعْتُبِرَ صار أمكن في التحقق بالعبودية، وأبعد عن أخذ العاديَّات للمكلَّف؛ فكم ممن فهم المصلحة فلم يلوِ على غيرها؛ فغاب عن أمر الآمر بها، وهي غفلة تُفِّوت خيرات كثيرة، بخلاف ما إذا لم يهمل التعبد»66.

وهذه المقاصد التعبدية التربوية لا تتنافى بتاتاً مع ما يناله الإنسان من حظوظ؛ كما قال الشاطبي: «فحظوظ النفوس المختصة بالإنسان لا يمنع اجتماعها مع العبادات، إلا ما كان بوضعه منافياً لها»67؛ كالرياء والعجب وما أشبه ذلك، وهو ما يجعل الإنسان المكلف يتصرف في شؤون دنياه وأخراه بما يقيم مصالحهما، على مقتضى ما حَدَّ له مولاه، لا على ما يوافق قبيح هواه، إذ من الواضح «أن قصد الشارع الخروج عن اتِّباع الهوى والدخول تحت التعبد للمولى»68.

وبالجملة؛ فـ «الشارع إنما قصد بوضع الشريعة إخراج المكلف عن اتباع هواه، حتى يكون عبدًا لله»69. دون ما اعتبار لما قد يتعلل به هذا الشخص أو ذاك من شعور بمشقة ترك الهوى؛ وذلك بحكم «أن مراسم الشريعة مضادة للهوى من كل وجه؛ وكثيرا ما تدخل المشقات وتتزايد من جهة مخالفة الهوى، واتباع الهوى ضد اتباع الشريعة؛ فالمتبع لهواه يشق عليه كل شيء، سواء أكان في نفسه شاقا أم لم يكن؛ لأنه يصده عن مراده، ويحول بينه وبين مقصوده، فإذا كان المكلف قد ألقى هواه ونهى نفسه عنه، وتوجه إلى العمل بما كلف به؛ خف عليه، ولا يزال بحكم الاعتياد يداخله حبه، ويحلو له مره، حتى يصير ضده ثقيلا عليه، بعدما كان الأمر بخلاف ذلك؛ فصارت المشقة وعدمها إضافية تابعة لغرض المكلف؛ فرب صعب يسهل لموافقة الغرض، وسهل يصعب لمخالفته»70.

وهذا المنهج التربوي التعبدي يقتضي أن تكون أهواء النفوس محكومة بشرع الله لا حاكمة عليه، وبهذا يكون التشريع هو الحاكم والمهيمن على هذه الأهواء حتى تنساق وتذعن لمقتضيات التكليف وموجباته ولأوامر الشارع ونواهيه. ولو جعلت أهواء النفوس حاكمة على التكليف؛ تستثني منه ما يثقل عليها وتترخص فيما تجد فيه تضييقاً على نزواتها، لانهدم التكليف كله ولضاعت مصالحه ومقاصده التي شرع من أجلها، ولانحلت الأوامر والنواهي وصارت عرضة للتبديل والتغيير والاستثناء والتخصيص على حسب أمزجة الناس وميولهم وأهوائهم، وهذا يعني انفراط عقد التشريع كله، والإتيان عليه بالنقض من أساسه، وهذا المعنى هو ما عبر عنه ابن القيم بقوله: «لو جاز لكل مشغول وكل مشقوق عليه الترخص؛ ضاع الواجب واضمحل بالكلية، وإن جوز للبعض دون البعض لم ينضبط؛ فإنه لا وصف يضبط ما تجوز معه الرخصة وما لا تجوز»71.

وطلب العلم خير مثال؛ فهو ليس بالأمر الهين؛ وما نيله بالتمني، ولكن يؤخذ غلابا؛ ببذل الجهد والصبر الجميل وطول النفس، وغير ذلك مما يتنافى مع رغبة النفس في الخلود إلى الراحة واللهو والاستمتاع بما لا كلفة فيه. ولذلك لا عبرة بما يجده الطلاب من مشقة وما يدعونه من عسر طبيعي فيه، وهو كله مما تزينه لهم أهواؤهم ومعلوم أن «اتباع الهوى ضد اتباع الشريعة؛ فالمتبع لهواه يشق عليه كل شيء سواء أكان في نفسه شاقا أم لم يكن لأنه يصده عن مراده ويحول بينه وبين مقصوده»72.

وقل مثل ذلك عن شارب الدخان ومتناول المخدرات؛ وغيرهما من المنحرفين؛ فلا عبرة بما قد يجدانه من توتر وقلق في حالة إقلاعهما عنهما لتسويغ مدوامتهما عليهما؛ لأن المشقة اللازمة هنا هي مشقة مخالفة الهوى، وهي مشقة لا رخصة فيها. إذ أن «وضع الشريعة على أن تكون أهواء النفوس تابعة لمقصود الشارع فيها، وقد وسع الله تعالى على العباد في شهواتهم وأحوالهم وتنعماتهم على وجه لا يفضي إلى مفسدة ولا يحصل بها المكلف على مشقة، ولا ينقطع بها عنده التمتع إذا أخذه على الوجه المحدود له ... وأحل له من متاع الدنيا أشياء كثيرة، فمتى جمحت نفسه إلى هوى قد جعل الشرع له منه مخرجا وإليه سبيلا؛ فلم يأته من بابه كان هذا هوى شيطانيا واجبا عليه الانكفاف عنه، كالمولع بمعصية من المعاصي فلا رخصة له البتة، لأن الرخصة هنا عين مخالفة الشرع بخلاف الرخص المتقدمة؛ فإن لها في الشرع موافقة إذا وزنت بميزانها»73.

وبهذا يظهر أن مقصد إخراج المكلف عن اتباع هواه هو قمة الاستقامة الشرعية والانضباط التربوي؛ أما اتباع الهوى فهو مجرد انقياد نفسي واندفاع غريزي غير موزون ولا محسوب العواقب،74 كما قال ابن الجوزي: «واعلم أن الهوى يسري بصاحبه في فنون، ويخرجه من دائرة العقل إلى دائرة الجنون»75. وهو ما يقطع بتعارض اتباع مذموم الهوى مع أي عمل تربوي يهدف إلى حمل النفوس على الاستقامة الفردية أو الجماعية؛ مما يفسد كل شيء ولا يصلح أي شيء. وهذا بخلاف ضبط النفوس ولجم الشهوات والتحكم في الأهواء، واستعمالها فيما يوافق قصد الشارع ويخدم مصالح العباد؛ فذلك هو سبيل الصلاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة. 

ولتحقيق هذا الغرض جاءت الشرائع الإلهية لتعلم الناس كيف يزكون أنفسهم ويترقون بها في مدارج السالكين، وكيف يجعلون أهواءهم تابعة لما دعا إليه الشارع الحكيم من قيم في مختلف مجالات حياتهم دون إفراط ولا تفريط، عملا بمبدإ التوازن بين قوة الشهوات وشدة ضغطها من جهة، وقوة الضبط التربوي والتشريعي الذي جاءت به الشرائع، وتشهد له العقول، من جهة. وهو التوازن بين مطالب الجسد ومطالب الروح؛ المشار إلى بعضها في قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 14-15]. فهذا أحد المقاصد الكبرى للشرائع المنزلة عامة، ولشريعة الإسلام خاصة. وبدون فهم هذا المقصد واستحضاره، لا يمكن فهم الحكمة والمغزى في كثير من الأحكام الشرعية.76

وفي هذا المعنى يقول ابن القيم: «وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه؛ إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل. وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد»77. وواقع الحال خير شاهد.

وهذا هو محصل مطالب الشارع من علوم الشريعة كلها؛ إذ «كل علم شرعي؛ فطلب الشارع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى لا من جهة أخرى؛ فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى؛ فبالتَّبع والقصد الثاني لا بالقصد الأول».78

وبالجملة؛ «كل ما يعقل معناه»79، وكل ما لا يعقل معناه، لا يخرج عن مقصد التعبد؛ كما قال الشاطبي: «فقد ثبت أن كل تكليف لا يخلو عن التعبد»80. وهو ما يقطع بأن «التعبد هو العمدة»81في جميع ما يعقل وما لا يعقل من الأحكام، وذلك باعتبار «أن الشرع إنما جاء بالتعبُّد، وهو المقصود من بعثة الأنبياء82 كما تقدم.

وبهذا ننتهي إلى القول مع د طه عبد الرحمن: «مقصد المقاصد الشرعية هو تحقيق العبودية لله؛ فهل يجوز أن تتحقق هذه العبودية من غير أن يشمل الدين كل شيء في الحياة، وأن تشمل الأخلاق كل فعل من الأفعال؟»83.

خاتمة

وإذا وضح ما سلف؛ فلنختمه بثلاث توصيات على وجه الإجمال وهي:

1- ضرورة اعتماد المنهج المقاصدي في مقاربة مختلف القضايا العلمية والعملية.

2- بناء العملية التعليمية وفق مقاصد صلب العلم في بعديه العيني والكفائي.

3- صياغة البرامج التربوية بما يوافق مقصدي الأخلاق والتعبد في أبعادهما الخاصة والعامة.

وهذا القدر كاف فيما قصدناه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

لائحة المصادر والمراجع

ــ القرآن الكريم برواية حفص،

ــ إدرار الشروق على أنواء الفروق لابن الشاط، منشور بهامش الفروق للقرافي، تحقيق خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، د، ط، 1418ھ/1998م.

ــ إعلام الموقعين لابن القيم، تحقيق، طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت: د، ط، 1973م.

ــ تاج العروس لمرتضى الزبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية، د. ط،
د. ت.

ــ التبيان في أقسام القرآن لابن القيم، بيروت، دار الفكر، ط1، 1996م.

ــ التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني، تحقيق، إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405ھ.

ــ التمهيد لابن عبد البر، تحقيق، مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، مؤسسة القرطبي، د. ط،  د. ت.

ــ التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق، محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط1، 1410ھ.

ــ جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420ھ/2000م.

ــ الجامع الصحيح المختصر لمحمد بن إسماعيل البخاري، باب العلم قبل القول والعمل، تحقيق، مصطفى ديب البغا،دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1407ھ/1987م.

ــ الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي، تحقيق هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، د. ط، 1423ھ/2003م.

ــ الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري لطه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، ط1، 2005م.

ــ ذم الهوى لابن الجوزي، تحقيق، مصطفى عبد الواحد، د. ط، د. ت.

ــ الزواجر عن اقتراف الكبائر، لأحمد بن حجر الهيثمي، د.ط، د. ت.

ــ السلسلة الصحيحة، للألباني، د. ط، د. ت.

ــ سنن ابن ماجه لابن ماجه، تحقيق، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د. ط، د. ت.

ــ سنن البيهقي الكبرى للبيهقي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414ھ/1994م.

ــ سؤال الأخلاق لطه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000م.

ــ سؤال المنهج في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد لطه عبد الرحمن، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، جمع وتقديم، رضوان مرحوم، بيروت، لبنان، ط1، 2015م.

ــ شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال لعز الدين بن عبد السلام، تحقيق، إياد خالد الطباع، دار الفكر المعاصر، ط2، 1421ھ/2000م.

ــ شفاء الغليل لمحمد بن محمد الغزالي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1420ھ/1999م.

ــ طرق الكشف عن مقاصد الشارع لنعمان جغيم،، دار النفائس، الأردن، ط1، 1422ھ/2002م.

ــ فتح الباري لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، د. ط، 1379ھ.

ــ الفروق للقرافي، تحقيق، خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت: د. ط، 1418ھ/1998م.

ــ فقه المقاصد والمصالح بين العز والشاطبي: دراسة مقارنة لعبد النور بزا، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ط1، 1435ھ/2014م.

ــ فلسفة التربية الإسلامية لمحمد التومي الشيباني، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، ط5، 1985م.

ــ فيض القدير للمناوي، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، ط1، 1415ھ/ 1994م.

ــ قاعدة: المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف من داعية هواه،
لأحمد الريسوني، معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية.

ــ كتاب الكليات لأبي البقاء الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، د، ط، 1419ھ/1998م.

ــ لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، د. ط، د. ت.

ــ مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق، محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون بيروت، د. ط، 1415ھ/1995م.

ــ المخصص لابن سيده، (أبو الحسن علي بن إسماعيل)، تحقيق خليل إبراهم جفال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1417ھ/1996م.

ــ المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لعبد الواحد بن عاشر، مكتبة القاهرة، مصر، د. ط، د. ت.

ــ المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي، تحقيق فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م.

ــ المستصفى لأبي حامد الغزالي، تحقيق، محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413ھ.

ــ المسند لأحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1420ھ/1999م.

ــ مشروع تجديد علمي لمبحث مقاصد الشريعة لطه عبد الرحمن، مجلة المسلم المعاصر، العدد 103، 2002م.

ــ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للمقري الفيومي (أحمد بن محمد بن علي)، المكتبة العلمية، بيروت: د. ط، د. ت.

ــ المصطلح الأصولي عند الشاطبي لفريد الأنصاري، معهد الدراسات المصطلحية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1424ھ/2004م.

ــ مقاصد الشريعة الإسلامية لمحمد الطاهر ابن عاشور، تحقيق ودراسة، محمد الطاهر الميساوي، دار الفجر، ط1، 1420ھ/1999م.

ــ منهج الاستقراء بين القطع والظن عند الإمام الشاطبي لشهيد، الحسان، رسالة شهادة الدراسات العليا المعمقة، دار الحديث الحسنـية، الرباط، المغرب، 1413ھ/2002م.

ــ الموافقات للشاطبي، تحقيق، أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1417ھ/1997م.

ــ الموطأ، لمالك بن أنس،تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان، ط1، 1425ھ/2004م.

([1]) الفروق للقرافي 1/122، تحقيق خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ط، 1418ھ/1998م.

([2]) الموافقات للشاطبي، 2/124، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1417ھ/1997م.

([3]) المصدر نفسه، 2/131.

([4]) شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال، لعز الدين بن عبد السلام، ص451، تحقيق، إياد خالد الطباع، دار الفكر المعاصر، ط2، 1421ھ/2000م.

([5]) شفاء الغليل، لمحمد بن محمد الغزالي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1420ھ/1999م، ص254.

([6]) فيض القدير، للمناوي، 2/647-648، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1415ھ/1994م.

([7]) الموافقات 2/511.

([8]) المصدر نفسه، 2/17- 24.

([9]) إدرار الشروق على أنواء الفروق، لابن الشاط 4/81، منشور بهامش الفروق للقرافي، تحقيق خليل المنصور دار الكتب العلمية، بيروت، د. ط، 1418ھ/1998م.

([10]) المستصفى، لأبي حامد الغزالي، 1/179، تحقيق، محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413ھ.

([11]) الاستقراء: «هو عبارة عن تصفح أمور جزئية لنحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات». المستصفى 1/41.

       و«حكمه قد يكون قطعيا أو ظنـيا. وهو أمر مسلم عند أهل العلوم العقلية والنقلية. فإذا تم الاستقراء حكم به في كل فرد يقدر». الموافقات 3/221.

       وللتوسع في معرفة معنى هذا الدليل. يمكن الرجوع إلى: طرق الكشف عن مقاصد الشارع لنعمان جغيم، ص217-345، دار النفائس، الأردن، ط1، 1422ھ/2002م.

و«منهج الاستقراء بين القطع والظن عند الإمام الشاطبي»، لشهيد، الحسان، ص37-227. رسالة شهادة الدراسات العليا المعمقة، دار الحديث الحسنـية، الرباط، المغرب، 1413ھ/2002م.

([12]) مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور، ص137، تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي، دار الفجر، ط1، 1420ھ/1999م.

([13]) الموافقات 1/108.

([14]) المصطلح الأصولي عند الشاطبي لفريد الأنصاري، ص11، معهد الدراسات المصطلحية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1424ھ/2004م.

([15]) الموافقات 1/139و147.

([16]) لسان العرب لابن منظور، 2/141، و8/53، دار صادر، بيروت، د. ط، د.ت.

       ـ تاج العروس لمرتضى الزبيدي، 1/1250-5167، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية، د. ط، د. ت.

ـ مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، 1/560، تحقيق، محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، د. ط، 1415ھ/1995م.

       ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للمقري الفيومي (أحمد بن محمد بن علي)، 2/504- 505، المكتبة العلمية، بيروت: د. ط، د.ت.

([17]) الفروق 2/59.

([18]) كتاب الكليات لأبي البقاء الكفوي، ص484، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، د. ط، 1419ھ/1998م.

([19]) التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوي، ص169، تحقيق محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط1، 1410ھ.

([20]) المخصص لابن سيده، (أبو الحسن علي بن إسماعيل)، 5/227، تحقيق خليل إبراهم جفال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1417ھ/1996م.

([21]) لسان العرب 1/403.

([22]) فلسفة التربية الإسلامية لمحمد التومي الشيباني، ص71، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، ط5، 1985م.

([23]) التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني، ص223، تحقيق إبراهيم الأبياري دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405ھ.

([24]) الموافقات 4/144.

([25]) التوقيف على مهمات التعاريف 1/188.

([26]) المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي 1/20، تحقيق فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م.

([27]) الجامع الصحيح المختصر، لمحمد بن إسماعيل البخاري، 1/37، باب العلم قبل القول والعمل، تحقيق مصطفى ديب البغا،دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1407ھ/1987م.

([28]) قال الإمام الطبري: «الربّاني» هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ. وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يَرُبّ أمورَ الناس، بتعليمه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم. وكان كذلك الحكيمُ التقيُّ لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وَليه المقسطون من المصْلحين أمورَ الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاحُ عاجلهم وآجلهم، وعائدةُ النفع عليهم في دينهم، ودنياهم. كانوا جميعًا يستحقون أن [يكونوا] ممن دَخل في قوله عز وجل:﴿ولكن كونوا ربانيين﴾.

فـ «الربانيون» إذًا، هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد: «وهم فوق الأحبار»، لأن «الأحبارَ» هم العلماء، و«الرباني» الجامعُ إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دُنياهم ودينهم». جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمد بن جرير أبي جعفر الطبري، 6/544، تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420ھ/2000م.

([29]) الموافقات 2/101.

([30]) الحديث بتمامه هو: «عن عبد الله بن عمرو قال: خرج رسول الله ﷺ ذات يوم من بعض حجره؛ فدخل المسجد؛ فإذا هو بحلقتين؛ إحداهما يقرأون القرآن ويدعون الله، والأخرى يتعلمون ويعلمون. فقال النبي ﷺ: كل على خير. هؤلاء يقرأون القرآن ويدعون الله؛ فإن شاء أعطاهم، وإن شاء منعهم. وهؤلاء يتعلمون ويعلمون. وإنما بعثت معلما؛ فجلس معهم». سنن ابن ماجه، 1/83، باب فضل العلماء، والحث على طلب العلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د. ط، د.ت. [هكذا عزاه المؤلف الفاضل، وهو في طبعة الرسالة بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وفريقه برقم 229، وقال المحققون: إسناده ضعيف جدا، وفي طبعة دار الجيل بتحقيق صديقنا الكبير بشار عواد معروف،1/218 بالرقم نفسه، وضعفه جدا لأن في إسناده كذابا وضعيفين. ومثل هذا لا يحتج به]. (المحرر)

([31]) الموافقات 4/140.

([32]) الموافقات 1/107.

([33]) المصدر نفسه، 1/107-108.

([34]) المصدر نفسه، 1/107.

([35]) المصدر نفسه، 1/108-110.

([36]) المصدر نفسه، 1/120.

([37]) الموافقات 2/407.

([38]) المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لعبد الواحد ابن عاشر، ص2-3، مكتبة القاهرة، مصر، د.ط. د.ت.

([39]) الزواجر عن اقتراف الكبائر، لأحمد بن حجر الهيثمي، ص107، د. ط. د. ت.

([40]) الموافقات 1/184-286.

([41]) فقه المقاصد والمصالح بين العز والشاطبي:دراسة مقارنة لعبد النور بزا. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ط1. 1435ھ/2014م.

([42]) لسان العرب 10/86.

([43]) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم، 1/135، بيروت، دار الفكر، ط1، 1996م.

([44]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 18/227، تحقيق هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، د. ط، 1423ھ/2003م.

([45]) الموافقات 2/58-59، و4/77-78.

([46]) المصدر نفسه، 4/182.

([47]) فتح الباري،لابن حجر العسقلاني، 6/575.

([48]) سؤال المنهج في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد،طه عبد الرحمن، ص73، 74، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، جمع وتقديم، رضوان مرحوم، بيروت، لبنان، ط1، 2015م.

ـ مشروع تجديد علمي لمبحث مقاصد الشريعة، طه عبد الرحمن، مجلة المسلم المعاصر،العدد 103، 2002م.

([49]) سؤال الأخلاق، ص52.

([50]) الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، ص66.

([51]) الموافقات 3/392.

([52]) المصدر نفسه، 2/122.

([53]) الموطأ 5/1330.

([54]) مسند أحمد بن حنبل 14/512.

([55]) سنن البيهقي الكبرى 10/191. التمهيد 16/254.

([56]) الموافقات 2/539.

([57]) المصدر نفسه، 2/539.

([58]) المصدر نفسه، 2/514.

([59]) المصدر نفسه، 2/519.

([60]) الموافقات 1/310-311.

([61]) المصدر نفسه، 2/290.

([62]) المصدر نفسه، 2/289، 290، 293، 328.

([63]) الموافقات 2/357.

([64]) المصدر نفسه، 3/18.

([65]) المصدر نفسه، 2/537. 538.

([66]) الموافقات 2/337.

([67]) المصدر نفسه، 3/98.

([68]) المصدر نفسه، 2/372.

([69]) المصدر نفسه، 2/291.

([70]) المصدر نفسه، 2/264.

([71]) الموافقات 1/510.

([72]) إعلام الموقعين لابن القيم، 2/130. تحقيق طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت:
د. ط، 1973م.

([73]) الموافقات 1/510.

([74]) المصدر نفسه، 1/516.

([75]) قاعدة: المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف من داعية هواه، لأحمد الريسوني. 3/403. معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية.

([76]) ذم الهوى لابن الجوزي، ص16، تحقيق مصطفى عبد الواحد، د. ط، د. ت.

([77]) قاعدة: المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف من داعية هواه، لأحمد الريسوني، معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية،3/404.

([78]) إعلام الموقعين 1/68.

([79]) الموافقات 1/73.

([80]) المصدر نفسه، 1/453.

([81]) المصدر نفسه، 2/536.

([82]) المصدر نفسه، 2/540.

([83]) المصدر نفسه، 1/74.

([84]) مشروع تجديد علمي لمبحث مقاصد الشريعة لطه عبد الرحمن، مجلة المسلم المعاصر، العدد 103، 2002م.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
مقاصد القرآن الكريم (3): مجموعة بحوث، 2018، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 389 - 420.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

صوت وصورة

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

مقصد إصلاح التفكير الإنساني في القرآن الكريم

محمد عوام: باحث بمركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط مقدمةالمبحث الأول: إصلاح التفكير الإنساني بالعلم والقراءةالمبحث الثاني: إصلاح التفكير الإنساني بالبرهنة والاستدلال- المسألة الأولى: كونه عز وجل صاحب الحجة البالغة- ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

التواصل والصلة: أخلاقيات وآليات في التأليف والنصوص العربية الإسلامية

كمال عرفات نبهان محتويات المقال:تمهيدالمبحث الأول: موضوع البحث: الذيول والصلات وتواصل النصوصالمبحث الثاني: تسميات كتب الذيول والصلاتالمبحث الثالث: أنواع التذييل ووظائفهلمبحث الرابع: أبعاد التذييلالمبحث الخامس: جهود المؤل...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إصلاح التفكير الإنساني بالعلم والقراءة

محمّد عوّام نبدأ بأول ما نزل من القرآن الكريم، إذ يظهر من إنعام النظر فيه، أنه أول إصلاح للتفكير الإنساني يؤكده القرآن المجيد، ففي ذلك حكم ومقاصد في غاية الأهمية، وله دلالات قوية، وإشارات بليغة، فأول ما نزل من كتاب الله ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المقاصد التربوية للقصص القرآني: قصة لقمان الحكيم أنمودجاً

أحمد نصري: أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الثاني بالمحمدية من مقاصد التربية الكبرى إعداد الفرد إعدادا صالحا ليعيش حياة اجتماعية سوية والارتقاء به إلى ما هو أحسن وفق معايير محددة سلفا، وق...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المقاصد الفكرية للقرآن الكريم

أحمد كافي: أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، الدار البيضاء، المغرب. محتويات المقال:المحور الأول: المقاصد الفكرية: جهود سابقة في المفهوم والمضمونالمبحث الأول: جهود في المصطلح وجذورهالمبحث الثاني: المقاصد الفكرية...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

العلوم العربية بين نظرية المعرفة والتاريخ

رشدي راشد 1 الحديث عن تاريخ العلوم عادة ما يطولُ ويتَشعبُ ليقفَ بنا أمامَ سؤالٍ ما انفك يُلحُّ على المؤرخين: أين ومتى بدأ هذا البحثُ الذي ما فتئ يهمُ المؤرخين للحضارة ويستلهِمُه فلاسفة العلوم؟ وردي على هذا السؤال هو أن ت...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top