المقاصد التربوية للقصص القرآني: قصة لقمان الحكيم أنمودجاً

شارك:

أحمد نصري: أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الثاني بالمحمدية

من مقاصد التربية الكبرى إعداد الفرد إعدادا صالحا ليعيش حياة اجتماعية سوية والارتقاء به إلى ما هو أحسن وفق معايير محددة سلفا، وقد نهج القرآن الكريم عدة أساليب لتوجيه السلوك البشري وتهذيبه، منها:

التربية بالقدوة:

وهي أسلوب في التربية يحث المرء على أن يحذو حذو قدوة معينة تمثل واقعا مطبقا تلمسه حواسه وجوارحه، وليس نظريات مجردة تحتمل الفشل أو النجاح.

التربية بالموعظة:

تترك صداها في النفس خصوصا إذا «كانت هذه الموعظة مؤثرة فإنها تفتح طريقها إلى النفس مباشرة عن طريق الوجدان وتهزه هزا»1.

و«العظة نوعان: عظة بالمسموع، وعظة بالمشهود، فالعظة بالمسموع: الانتفاع بما يسمعه من الهدى والرشد، والنصائح التي جاءت على لسان الرسل وما أوحي إليهم. وكذلك الانتفاع بالعظة من كل ناصح ومرشد في مصالح الدين والدنيا.

والعظة بالمشهود: الانتفاع بما يراه ويشهده في العالم من مواقع العبر، وأحكام القدر، ومجاريه. وما يشاهده من آيات الله الدالة على صدق رسله»2.

 والقرآن الكريم جله مواعظ تنفع المرء في دنياه وآخرته.

التربية بالعقوبة: حين لا يجدي الأسلوبان السابقان نفعا يسلك هذا الأسلوب، فالناس ليسوا سواء في التربية، فقد ينفع مع هذا ما لا ينفع مع ذاك، «من هنا كان لابد من شيء من الحزم في تربية الأطفال والكبار لصالحهم هم أنفسهم قبل صالح الآخرين، ومن الحزم استخدام العقوبة أو التهديد بها في بعض الأحيان»3.

 وصور هذا الأسلوب حاضرة بكثرة في القرآن الكريم، فمن التهديد بالعذاب في الآخرة قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا4[الفرقان:68]، ومن ممارسة العقوبة قوله سبحانه: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[النور:2].

التربية بالقصة: تلعب القصة عموما دورا مهما في التربية، حيث «تؤثر في النفس إذا وضعت في قالب عاطفي مؤثر أو كانت ذات مغزى أخلاقي مثير يخالج أعماق النفس فتتحرك الدوافع الخيرة»5.

 ولقد حفل القرآن الكريم بالعديد من قصص الأنبياء والأمم السابقة بغية الاعتبار والاتعاظ، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[يوسف:111].

 وحين نتأمل بإنعام نظر شديد في موعظة لقمان لابنه نجدها تجمع بين أسلوبين للتربية:

- الأسلوب الأول: التربية بالقدوة الصالحة المتمثلة هنا في شخص الواعظ «لقمان»6 الذي أتاه الله عز وجل الحكمة حيث صارت له صفة مميزة وعلامة بارزة يشرف بها. يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «سمعت رسول الله ﷺ، يقول: لم يكن لقمان نبيئا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين، أحب الله تعالى فأحبه، فمن عليه بالحكمة»7. والآية الكريمة تؤيد ذلك: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾[لقمان:12].

والحكمة هي الصواب في المعتقدات والفقه والدين والقول8وقيل: هي الفهم والعلم والتعبير9، وقيل هي العقل والفقه والإصابة في القول في غير نبوة10، وقيل: هي عبارة عن توفيق العمل بالعلم، فكل من أوتي توفيق العمل بالعلم فقد أوتي الحكمة11، وقيل: هي متابعة الطريق من حيث توفيق الحق لا من حيث همة النفس12، وقيل: هي وضع الأشياء مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام13، وقيل: هي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي14

وبهذه الصفة التي تحتمل كل هذه المعاني، يكون لقمان مؤهلا دون شرط لأن يكون قدوة صالحة للاتباع والاقتداء. الأسلوب الثاني: أسلوب الموعظة لما حكاه القرآن الكريم على لسان لقمان من عظات لابنه. يقول تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾ [لقمان:13]، والوعظ هنا للتعليم لا للتبليغ، لأن لقمان ليس نبيا حتى يكلف بالتبليغ، فجاء وعظه تذكيرا بالخير كله بأسلوب رقيق جمع فيه بين فضائل الدين والآخرة، ومكارم الأخلاق في الدنيا، حيث اشتمل على ثمانية أوامر وأربعة نواه وسبع علل وأسباب، وهي «طريقة الخطابة التي تثير رغبة ورهبة لمن يقنع بالخطابة»15.

 أما الأوامر فهي:

  1. الأمر ببر الوالدين
  2. مصاحبة الوالدين في الدنيا بالمعروف
  3. اتباع سبيل الأنبياء والصالحين
  4. إقامة الصلاة
  5. الأمر بالمعروف
  6. الاعتدال في المشي
  7. خفض الصوت

وأما النواهي فهي:

  1. النهي عن الشرك
  2. النهي عن المنكر
  3. النهي عن تصعير الخد
  4. النهي عن المشي مرحا

وأما «التعليلات» أو «الأسباب» فهي:

وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾. [لقمان:12]

إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: من الآية13]

إِلَيَّ الْمَصِير﴾ [لقمان: من الآية14]. ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان:15]

إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: من الآية16]

إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: من الآية17]

إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: من الآية18]

إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: من الآية19]»16

 هذا نموذج فريد في التربية، ومنهج كامل وشامل لتهذيب سلوك الفرد والبحث عن عناصر الخير الكامنة فيه قصد القيام بدوره الكامل في الحياة بعمارة الأرض وأداء الأمانة التي ائتمنه الله سبحانه عليها، ودعاه إلى رعايتها وحفظها على الوجه المقبول.

المقاصد التربوية لموعظة لقمان لابنه

 لقد بدأ لقمان الحكيم مواعظه لابنه بأعظم شيء في وظيفة الرسل والأنبياء وأخطره، وهي الدعوة إلى توحيد الربوبية والعبودية لله الواحد الأحد الفرد الصمد، قال ابن القيم: «كمال التوحيد هو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا، بل يبقى العبد مواليا لربه في كل شيء، يحب من أحب وما أحب، ويبغض من أبغض وما أبغض، ويوالي من يوالي، ويعادي من يعادي، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما ينهى عنه»17.

لذلك نهى لقمان ابنه عن الشرك حتى تنكشف أمامه أنوار الهداية، وبين السبب: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: من الآية13]. ولماذا الشرك ظلم عظيم؟ لأنه –كما يقول الفخر الرازي– «وضع للنفس الشريف المكرم بقوله تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ في عبادة الخسيس؛ أو لأنه وضع العبادة في غير موضعها وهي غير وجه الله وسبيله»18. ولأنه حجر على العقول، وشلل للتفكير، وفساد للفطرة، فلهذا ثار القرآن ثورة عنيفة ضد الشرك والكهانة والوساطة، وقضى على جميع مظاهر العبودية لغير الله، وحرر العقول وطالبها بالنظر والتدبر، وجعل الصلة بين العبد وخالقه مباشرة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [البقرة:86]»، وجعل المساجد لله حتى لا تكون فيها مظنة كهانة أو وساطة أو قرابين: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [غافر:60].

فالنهي عن الشرك بالله والدعوة إلى توحيده هي السبيل الوحيد إلى تحرير العقول، والأساس المتين في استقامة أي بناء أو عمل، يقول محمد الطاهر بن عاشور: «إصلاح العقيدة أصل لإصلاح العمل»19. فالإيمان شرط لصحة الفعل.

 فعلا، إن غرس العقيدة الصحيحة في الولد منذ نشأته هو الطريق الأمثل، حتى يفتح عينيه على أوامر الله، «فيروض على امتثالها، وعلى اجتناب نواهيه، فيدرب على الابتعاد عنها، وحين يتفهم الولد منذ نشأته أحكام الحلال والحرام، ويرتبط منذ صغره بأحكام الشريعة، فإنه لا يعرف سوى الإسلام تشريعا ومنهاجا»20. وعلى هذا تربى السلف الصالح منذ نعومة أظافرهم.

فهذه دعوة لجميع الآباء أن يهتموا في تربية أولادهم منذ الصغر بأصول التربية الإيمانية استجابة لأمر الله تعالى القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾[التحريم:6] أي: «أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها»21.

ولا ننسى أن للعبادة أهدافا ومقاصد تتلخص إجمالا في هدفين رئيسين، هدف أصلي وهو الذي شرعت من أجله العبادة، وعليه خلقَ الله الخلق وعمر الكون وأوجد الموجودات، وهذا لا تراعى فيه حظوظ النفس، وهدف ثانوي يأتي بعد الهدف الأول في الأهمية، وهذا تعود على النفس منه فوائد وحظوظ. وفيما يلي بيان لهذين الهدفين:

 الهدف الأول يتمثل في معنيين:

1 – عبادة الله لأنه أهل للعبادة.

2 – العبادة شكر للنعمة.

المعنى الأول: عبادة الله لأنه أهل للعبادة والمستحق لها دون سواه، ولأنهـا حقه على عباده أخذه على أنفسهم وأشهدهم عليه يوم أن خلقهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾[الأعراف:172].

 وفي حديث مسلم رحمه الله تعالى قال: قال رسول الله ﷺ: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟» قال: الله ورسوله أعلم. قال: «أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا. قال: «أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟» فقال: الله ورسوله أعلم. قال: «أن لا يعذبهم»22 .

 ولأنها الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق وعمر الكون، قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، وقال عز وجل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5].

 فالقصد الأصلي من إقامة العبادات بجميع أنواعها من صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر الله وتلاوة القرآن وغيرها كثير... هو العبادة من أجل العبادة، واستحضار معنى العبودية لله في جميع الأحوال، قال الله تعالى مشيـرا إلى المقصد الأول من الصلاة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[طه:14].

 وهكذا سائر العبادات مبعثها الأول هو ذكر الله، وليس ما فيها من حظوظ النفس وتحصيل المنافع، فليس المقصد الأصلي للصلاة ما فيها من الرياضة الروحية والبدنية، ولا ما في الزكاة من طهارة النفس من الشح وسد خلة المحتاج، وما في الصيام من تربية خلق الصبر والانتصار على الشهوات، فإن هذه المعاني وأمثالها مقاصد ثانوية، حتى إنه لو تجردت العبادة لتحصيل هذه الأغراض دون الالتفات إلى حق الله فيها والقيام بواجب العبودية لفقدت معناها ولصارت مجرد عادات تؤدي لتمجيد النفس وتحصيل منافع الذات، وقد قالوا: إن العامل لحظ نفسه مسقط لجانب التعبد.

المعنى الثاني: العبادة لشكر النعمة

من الأهداف الأصلية للعبادة أنها شرعت شكرا لله على نعمائه وتعظيما له على آلائه، لأنه ممتن بأعظم وجوه الإنعام، ومتفضل بجميعها على خلقه، ونعم الله تعالى لا تحصى ابتداء من الوجود بعد العدم، ولعِظَمِه وقع الامتنان به كثيرا على الخلائق، قال تعالى:

﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾[البقرة:27]،

 وقال سبحانه: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾[مريم:8].

 وقد ورد النص الدال على كون العبادة شكرا في الحديث الصحيح من أن النبي ﷺ صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: «أتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا»23.

الهدف الثاني: المقاصد الثانوية: ومعظمها يرجع إلى وجوه وردت الإشارة إليها في القرآن والسنة، وفيما يلي الإشارة إلى بعضها:

1) بالعبادة يحصل انشراح الصدر وتفريج الكرب والتوطين على الصبر، والالتجاء إليها عند المهمات التجاء إلى ركن شديد لأن الله تعالى وصفها لنبيه ﷺ دواء بعدما أخبر عما يعانيه من ضيـق الصدر، فقال: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾[الحجر:97]، والمخرج من ذلك ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[سورة الحجر:99].

 ومن هنا كان ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة»24.

 2) ما تورثه العبادة من التقوى والاستقامة وصلاح النفس والسعادة في الدنيا والآخرة بنيل أعلى الدرجات، قال عز من قائل: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾[يونس:64].

 وآيات القرآن كثيرا ما تنص عقب التكليف بالعبادات على أن ثمرة هذا العمل هو إصلاح النفس والتقوى والفوز بأعلى الدرجات، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:21]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]، وقال عز وجل: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[الإسراء:79]، إلى غير ذلك من الآيات التي تعرض في ختامها ثمرات الأعمال.

 3) إن العبادة سبب تنال به محبة الله والقرب، ومحبة الله هي علامة توفيق العبد في كل ما يفعل، قال رسول الله ﷺ في الحديث القدسي: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجلـه التـي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»25.

 وهنا لابد من الإشارة إلى شيء مهم شدد على تأكيده كثير من العلماء، هو أن الله لا يعبد بجهل، لذا أوجبوا على كل مؤمن أن يعرف الله بالبرهان أي بالعلم، يقول عمر عبد العزيز رحمه الله: «من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح»26.

 وتأتي بعد هذه الموعظة الوصية بالإحسان إلى الوالدين ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[لقمان:14]، والوصية بالوالدين تأتي في القرآن الكريم غالبا بعد الأمر بعبادة الله وعدم الشرك به كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[الإسراء، الآيتان 23-24]. فهاتان الآيتان الكريمتان تصرحان بطاعة الوالدين والإحسان إليهما وعدم الإساءة لهما ولو بكلمة «أف» فإن دخول ما هو أعظم من التأفيف من أنواع الأذى يكون بطريق أولى، ومن تمام إكرامهما أن قرن الله تعالى طاعته بطاعتهما كما في هاتين الآيتين وغيرهما، وشـكـرَه بشكرهما كما في موعظة لقمان لابنه: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[لقمان:14]، لأن لهما على الولد الفضل بعد الله سبحانه في الولادة، والتربية والرعاية، يقول الفخر الرازي: «لما كان الله تعالى بفضله جعل من الوالدين صورة ما من الله، فإن الوجود في الحقيقة من الله وفي الصورة يظهر من الوالدين جعل الشكر بينهما فقال ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾، ثم بين الفرق وقال: ﴿إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾، يعني نعمتهما مختصة بالدنيا ونعمتي في الدنيا والآخرة»27. وعن سفيان بن عيينة قال: «من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكرهما»28.

وفي ثنايا الوصية بالوالدين نجده تعالى يخص الأم بالذكر دون الأب في إشارة إلى ما ينتابها أثناء الحمل به من ضعف على ضعفها الخلقي، وسهر ومعاناة بعد الولادة، وتعب عند الفطام عن الرضاعة، يقول تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾[لقمان:14]، حيث خص الأم بثلاث مراتب وللأب واحدة فجعل له الربع في المبرة29، وإن كان الفخر الرازي يرى أن «في الأب ما وجد في الأم فإن الأب حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ»30.

وأعطى الله عز وجل الوالدين حق الإحسان إليهما، والبر بهما، بل جعل أعظم أوجه الإنفاق ما كان عليهما، كما في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[البقرة:215].

وجعل دخول الجنة مشروطا بالبر بهما وطاعتهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه»، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة»31.

 فإنه في الآية الموالية ينهى عن طاعتهما إن كان فيها شرك بالله وضلال، لأنه لا طاعة مطلقة إلا لله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾، وبنفس الصيغة تقريبا جاء التوجيه الإلهي في سورة العنكبوت: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[العنكبوت:8]. فهذا أعدل موقف يأخذه الإنسان هنا، حيث يحتفظ بحق الله الذي هو الطاعة والعبادة الخالصة له ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، وهو أولى وألزم، ولا يجحد بعض ما لأبويه من حقوق كاللطف والرفق والإنفاق عليهما إن كانا فقيرين وإلانة القول والدعاء لهما. وتحضرنا هنا قصة ذلك الصحابي الجليل سعد بن مالك رضي الله عنه حين وجد نفسه بين خيارين صعبين: حق الله، وحق والدته التي تدعوه إلى الكفر بالله فآثر حق الله بإيمان راسخ لا يتزعزع رغم المناورة في محاولة للتأثير عليه حتى يختار جوار أمه، يقول هذا الصحابي: «أنزلت في هذه الآية ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾... الآية، قال: كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال: يا قاتل أمه. فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يوما وليلة لم تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت»32.

وتبين لنا قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه نموذجا آخر من التعامل مع الوالدين في حالة شركهما أو أحدهما بمخاطبتهما بود ولطف وأدب جم رغم شدة الجفاوة وقسوتها، ورغم ذلك يقبل إبراهيم S على والده بخطاب كله حب وإشفاق ورحمة وخوف من أن يصيب أباه عـذاب أليم إن هو ظل على ما هو عليه من عبادة الأصنام، فيقول: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾[مريم، 42-45]. فيجيبه والده بفظاظة وخشونة ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم:46].

وما زاد إبراهيم عليه السلام رغم الطرد والتوعد بالرجم إلا أن ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾[مريم، الآيتان 47-48]، وفي آية أخرى قال: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾[ الشعراء:86].

وقد من الله على إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن أكرمه بولد قمة في طاعة والده بحيث لم يخذله في أحرج موقف ابتلي به إبراهيم أمام أمر إلهي لازم التنفيذ لاختبار صدق إيمانه، وهو أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بعدما بلغ السعي، فأجابه الإبن المؤمن بالله إيمانا «لا يرى لنفسه حقا إلى جانب ما لله فيه من حق.. إنه كله ملك لله، وللمالك أن يتصرف كما يشاء فيما ملك...»33، يقول الحق سبحانه حاكيا على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ َفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾[الصافات، 100 – 111].

 ثم يأتي الخطاب الإلهي في سياق مواعظ لقمان لابنه بأمره بالتزام جماعة المسلمين القائمين على الحق وعدم مفارقتهم لقوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[النساء:115].

 فالله سبحانه في قوله ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[لقمان:14] يأمر بالرجوع إلى المؤمنين التائبين المقلعين عن الشرك وعن المنهيات التي منها عقوق الآباء، والذين يدعون إلى التوحيد34 والراجعين إلى الله في كل ما يصدر عنه، يقول الخطيب الشربيني: «﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ أي احبسها وثبتها ﴿مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ أمره سبحانه وتعالى لرسوله الكريم بمجالستهم والمصابرة معهم، وفي قوله تعالى ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ وجده:

1) أنهم مواظبون على هذا العمل في كل الأوقات.

2) المراد صلاة الفجر والعصر.

3) أن المراد الغداة وهو الوقت الذي ينتقل فيه الإنسان من النوم إلى اليقظة والعشي الذي ينتقل الإنسان فيه من الحياة إلى الموت ومن اليقظة إلى النوم»35، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه يتجلى لهم أمور صادقة»36، يزكي هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[الكهف:28]، وخلاف هذا مذموم وعاقبته وخيمة لقـوله عز وجل: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف:67].

ثم ينتقل لقمان بابنه في موعظة أخرى نقلة بعيدة، بحيث يلفت نظره إلى شيء لا محالة أنه كائن وهو يوم الحساب الذي ستعرض فيه أعمال الناس جميعا ﴿وإِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:15]. فالآية تؤشر لأمرين هامين:

 الأمر الأول: قدرة الله الخارقة النافذة إلى أعماق الكائنات كلها، لا تخفى عليه خافية، والرقابة الدقيقة لكل أعماق الناس الصغيرة والكبيرة، وتسجيلها عنده في كتاب معلوم، يقول تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[الزلزلة: 7-8].

الأمر الثاني: عدم استصغار الذنوب والاستهانة بالمعاصي، فمعظم النار من مستصغر الشرر، فالمعصية تبدأ صغيرة ثم ما تلبث أن تصير كبيرة وتنتهي بصاحبها إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.

كما أن الحسنة ولو كانت صغيرة لا يجب الاستهانة بها، فهي تثقل ميزان المؤمن وترقى به من حال إلى حال أحسن، والعكس صحيح. يقول سلمان التيمي: «إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته، وقال غيره: إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله، ثم يجيء إلى إخوانه، فيرون أثر ذلك عليه، وهذا من أعظم الأدلة على وجود الإله الحق المجازي بذرات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة، ولا يضيع عنده عمل عامل، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار، فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامد الناس بسخط الله، عاد حامده من الناس له ذاما»37.

فهذه الموعظة تغرس في النفوس خشية الله وهيبته، وتقوي فيها عزيمة مراقبته سبحانه، لأنه متمكن من كل شيء، ويعلم كل شيء علما كاشفا. فما على الإنسان إلا أن يعرف نفسه على حقيقتها، وذلك بـ :

1– محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.

وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور هي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.

فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟

2– أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرا له من فعله.

3– أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد، لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدنيا وعاجلها، فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به38.

ولما نهى لقمان ابنه عن الشرك وبين له قدرة الله الخارقة، أمره بإقامة الصلاة ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾[لقمان:16] لأنها توثق الصلة بالله عز وجل وتعزز مبدأ التوحيد الذي يقوم عليه الدين. وصيغة الأمر هنا لا تعني أداء الصلاة في أوقاتها المعروفة فقط، بل تعني المحافظة عليها39 وعدم تضييعها لفوائدها التي لا تحصى، منها:

 أولا: أنها مطهرة للبدن، وفي ذلك راحة نفسية تزيد النفس صفاء وإشراقا.

 ثانيا: أنها تنشط الدورة الدموية من خلال الحركات التي يقوم بها المصلي.

 ثالثا: أنها تطهر القلب من البغض والكراهية والحسد.

 رابعا: أنها تشرح الصدر عند الإصابة بالكدر أو الحزن، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾[الحجر:97-98].

خامسا: أنها تعين على الابتعاد عن الفواحش الظاهرة والباطنة، كما تساعد على كبح شهوات النفس، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45]. يقول ابن عاشور: «إنما كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر لأنها ذكر الله وذكر الله أمر كبير، فاسم التفضيل مسلوب المفاضلة مقصود به قوة الوصف كما قلنا: الله أكبر لا تريد أنه أكبر من كبير آخر»40، ويقول البيضاوي: «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ وللصلاة أكبر من سائر الطاعات، وإنما عبر عنها به للتعليل بأن اشتمالها على ذكره هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات»41.

 سادسا: أنها تمد الإنسان بالصبر في مواجهة المصائب، والقوة على تحمل مشاق الحياة، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:153].

 سابعا: أنها فرصة لمحو الذنوب للحديث الوارد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»42.

وإن من الثمار الكبرى التي يجنيها المصلي من صلاته، الصلاح والتقوى، فيصير على أثرهما «داعيا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، إن لم يكن بلسانه فبعمله، وبما يجد الناس فيه من الأسوة الطيبة والقدوة الصالحة»43، ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواردين في موعظة لقمان لابنه، هما من خصائص هذه الأمة، فهي مأمورة بذلك: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران:104].

والمقصود بالمعروف ما عرف الشرع خيره وطلبه على سبيل الندب أو الوجوب، والمقصود بالمنكر ما أنكره الشرع ونهى عن فعله على سبيل الكراهة أو التحريم، وقد مدح الله هذه الأمة بأنها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران:110]، كما لعن الذين كفروا من بني إسرائيل لأنهم ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة:79].

وكل فرد من أفراد المسلمين مطالب بأن يأمر بالمعـروف وينهى عن المنكر في حدود علمه وقدرته، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»44، والناس يتفاوتون في قدراتهم ومراكزهم وسلطانهم فيتفاوتون تبعا لذلك في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فرب الأسرة قادر على أن يغير بعض المنكرات في حدود أسرته، أما الغريب عنهم فلا يمكنه إلا أن ينصح بلسانه أو ينكر بقلبه، والحاكم يستطيع أن يغير بعض المنكرات بما له من سلطان وهكذا.

وإذا كان من واجب المسلم أن يذكر غيره ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فواجبه نحو نفسه أشد، فعليه أن يقي نفسه من عذاب الله بالابتعاد عن محارمه، فإن لكـل ملـك حمى، وحمى الله محارمه، واجتناب المناهي في استطاعة كل فرد، أما المأمورات فقد يستطيع بعضها ولا يستطيع البعض الآخر، لذلك يقول عليه السلام:«ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا»45.

والأصل في تغيير المنكر هو الرفق واللين والتلطف، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[النحل:125]، والدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله، ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك.

والموعظة الحسنة تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلا ونقلا، لغة وعرفا، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف»46.

وكان ذلك فعله ﷺ في مواطن عديدة، فمنها ما وقع في حكاية الأعرابي، إذ جاءه فقام ليبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله ﷺ: مه مه، فأجابهم ﷺ بقوله لهم: «دعوه». فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله ﷺ دعاه فقال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن»، ثم أمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فصبه عليه47.

وروى أبو أمامة الباهلي رضية الله عنه أن غلاما شابا أتى النبي ﷺ فقال: أتأذن لي في الزنا ؟ فصاح الناس به. فقال ﷺ: «أقروه أقروه أدن مني»، فدنا منه. فقال ﷺ: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، جعلني الله فداك، قال: «كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم»، فقال ﷺ: «أتحبه لابنتك؟» قال: لا. قال: «كذلك الناس لا يحبنوه لبناتهم».

ثم ذكر له الأخت والعمة والخالة، ويقول: و«كذلك الناس لا يحبونه»، ثم وضع يده على صدره، وقال: «اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه»، فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض إليه من الزنا.48

 ولقد توهم قوم من المسلمين أن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[المائدة:105] رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاكتفاء بمجاهدة النفس فقط، وهذا التوهم نشأ مبكرا في زمن الخلافة الراشدة، حتى انتفض أبو بكر الصديق I خطيبا في الناس وقال: «يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، ولا تدرون ما هي، وإني سمعت رسول الله ﷺ، يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، عمهم الله بعقاب، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ولا تغتروا بقول الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ فيقول أحدكم علي نفسي، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم»49، فبين لهم كيفية التعامل مع كلام الله بفهم مراميه دون تأويل أو تعطيل.

إن ميزة الشريعة الإسلامية على غيرها من الشرائع هي توزيع المسؤوليات على جميع الأفـراد وتعاونهم على تنفيذ الأحكام وإقامة مجتمع فاضل يسوده الخير والسـلام. وقد طلبت الشـريعـة الإسلامية أمورا على سبيل الندب أو الإيجاب، ونهت عن أمور أخرى على سبيل التحريم أو الكراهة، وشرعت حدودا لمن يرتكب بعض هذه المنهيات، وتوعدت من يرتكب البعض الآخر بعذاب يوم القيامة. وزيادة في إقامة الحجة على الناس ندبت فريقا منهم ليذكر بأوامر الله ونواهيه فيحث على الخير وينهى عن الـشر. إذ لا خلاف بين الفقهاء في أن المسلم مطالب بأن يقوم بواجب النصيحة، فيكون آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وأنه لا يسعه أن يسكت عن إنكار المنكر إلا إذا خاف على نفسه أذى شديدا. علما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له تبعات جسام، وتكاليف شاقة، تحتاج إلى صبر وجلد شديدين50، لذا نجد لقمان يعظ ابنه بل يـأمـره بالصبر بقوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[لقمان:17]، حتى يستطيع التغلب على مشاق الدعوة إلى الله تعالى، كما صبر الأنبياء والرسل فهم جاءوا بدعوة التوحيد لكنهم قوبلوا بالرفض والصد حتى من ذويهم وأقاربهم.

فهذا نبينا محمد ﷺ يأمره ربه بالصبر على الأذى الـذي يلقاه من المشركين والكفار في كثير من الآيات، منها قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[هود: 115]، وقوله سبحانه: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾[يونس:109]، وقوله عز وجل: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾[طه:130]. هذه الأوامر وغيرها توجه للرسول ﷺ وهو من هو في الصبر وتحمل الأذى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قسم النبي ﷺ قسمة -كبعض ما كان يقسم- فقال رجل من الأنصار: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله. قلت: أما لأقولن للنبي ﷺ، فأتيته –وهو في أصحابه- فساورته، فشق ذلك على النبي ﷺ وتغير وجهه وغضب، حتى وددت أني لم أكن أخبرته. ثم قال: قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر»51.

فطريق الدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كله أذى وابتلاءات واعتداءات تستوجب الصبر والثبات والعزيمة القوية والإرادة الصلبة، ومع أن الصبر مطلوب في هذه الحالة، فإن الحاجة تكون له أشد وأقوى في حالات أخرى مثل:

الصبر على طاعة الله تعالى في ما يأمر به وما ينهى عنه خصوصا ما يتعلق بأداء العبادات، يقول تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾[مريم:65].

الصبر على المعاصي وبالضبط مقاومة شهوات النفس.

الصبر على المصائب والابتلاءات، يقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:154].

ويأتي بعد الصبر التواضع، حيث حذر لقمان ابنه من التكبر والتعالي على الناس، وقال: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[لقمان:18].

لقد اختار لقمان الحكيم هذا الوصف: «الصعر»، وهو داء يعتري البعير فيلوى عنقه52 حتى ينفر ابنه من هذه الخصلة القبيحة، وهي إمالة الخد عن الناس والإعراض عنهم، لما فيها من كبر وازدراء، وفي الحديث «كل صعار ملعون»53. والكبر عاقبته سيئة والوعيد فيه شديد، يقول الرسول الكريم ﷺ: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار يعني من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان قال: فقال له رجل: إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس»54.

ومن مشاعر التعالي والعجب أيضا التبختر في المشي، مما يعزل الإنسان عن الناس ويعزل الناس عنه، ولا يكون من هذا إلا الجفاء، ثم العداوة والبغضاء55، إضافة إلى غضب الله وسخطه، فعن أبي هريرة I قال هناد: قال رسول الله ﷺ: «قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار»56.

والمعنى في وعظ لقمان لابنه أن يقبل على الناس تواضعا وحلما وتسامحا في غير ذلة ومهانة، يقول الرسول ﷺ في استحباب هذه الصفة أي التواضع: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»57.

وقد ذكر الله في كتابه العزيز صفات عباده فكان منها: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾[الفرقان:63].

على هذا الأساس أمر لقمان ابنه أن يجعل لمشيه هدفا يبغي الوصول إليه وتحقيقه في سكينة ووقار، فلا يدب دبيب المتماوتين ولا يثب وثيب الشطار58.

لأن المشية القاصدة إلى هدف، لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر، وإنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق59.

وقد تعم هذه الموعظة جميع الأشياء التي تصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال، بمعنى يجب أن تكون جميع أفعال الإنسان موافقة لقصد الشارع، ولا يكفي أن يكون ظاهر الفعل مشروعا حتى تضفى عليه المشروعية، بل لابد أن يقصد المكلف من فعله أمرا مشروعا، فإذا عري الفعل من القصد انتفى أثره وحكم عليه بالبطلان.

وبعدما بين لقمان لابنه المشية المعتدلة التي تكسبه احترام الناس ومحبتهم في حضوره ويحفظونه في غيبته، دعاه إلى خفض الصوت وعدم الجهر بالقول فقال: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾[لقمان:24].

جاء التحذير من رفع الصوت لما في خفضه من الأدب الجميل والثقة في النفس والاطمئنان إلى صدق ما يقول، فلا تجد أحدا يرفع صوته إلا شاكا في كلامه وقيمة أفكاره وقدرته على إقناع الطرف الآخر، أما المتيقن من قيمة أفكاره، الواثق من كلامه، المطمئن النفس فلا تجده يرفع صوته مع أي كان.

 ونظرا للأذى الذي يسببه رفع الصوت نعت الله صاحبه بغير العاقل، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾[الحجرات:4].

ومن حكمة لقمان أنه جاء عقب ذمه لرفع الصوت بصورة غاية في البشاعة والقبح والنفور حين شبه رفع الصوت بنهيق الحمير، يقول قتادة: «أقبح الأصوات صوت الحمير، أوله زفير، (أي: صوت قوي) وآخره شهيق (أي: صوت ضعيف)، وهما صوتا أهل النار»60. ويقول سفيان الثوري: «صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمار»61.

يقول النسفي: «في تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهيق تنبيه على أن رفع الصوت في غاية الكراهة، يؤيده ما روي أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت»62.

وجاء عن الفخر الرازي «أن كل حيوان قد يفهم من صوته أنه يصيح من ثقل أو تعب كالبعير أو غير ذلك. والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح، وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق، فصوته منكور»63.

وقد عُدّ في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة، ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا وإن بلغت منه الرجلة، فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق ثم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه وإخراجه مخرج الاستعارة وإن جعلوا حميرا وصوتهم نهاقا مبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان64، جاء في الحديث النبوي الشريف: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا»65.

الخاتمة

لقد كان لقمان حكيما في مواعظه، بعيد النظر في تربيته، عميق الفكر في نصحه وإرشاده، وضع كل شيء في نصابه، فأنار لابنه الطريق حتى لا يتيه في زحمة دروب الضلال والغواية، فكان بذلك نعم الأب المربي الواعظ المرشد، وكان الإبن نعم السامع المطيع المؤدب، قال بعض السلف: «إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنهي: فإذا أمرت بشيء فكن أول الفاعلين له، المؤتمرين به، وإذا نهيت عن شيء فكن أول المنتهين عنه»66.

 إن مواعظ لقمان لابنه كانت تربية متكاملة اعتنت بالعقيدة والعبادة والأخلاق حتى ينشأ الولد صحيح الدين قوي العزيمة صلب الإرادة، فكانت بحق «تربية الشعور الحقيقي بالمسؤولية الجدية، وتحقيق الأخلاق الفاضلة المطلقة سلوكا فعليا ثابتا مستمرا غير متقلب، وتثبيط الدوافع والغرائز، والصبر على الشدائد، وإيثار الآخرة على الدنيا، وتربية العقل على الفطرة السليمة، وتربية العزم، والقضاء على التردد، وإحلال التفاؤل والرضا محل التشاؤم والضجر، وتربية المؤمن على التعقل وعدم تعليل الأمور حسب الهوى والمصلحة الذاتية»67.

لقد تميزت مواعظ لقمان الحكيم بالاعتدال، فلا إفراط يقود إلى السآمة والملل، ولا تفريط يؤدي إلى النسيان والغفلة، يقول سعيد حوى: «إذا تأملنا في الوصايا التي أوصى بها لقمان عليه السلام ابنه فإنها –زيادة على كونها نموذجا على الحكمة- أوامر ونواه تعلم الإحسان، وإدخال الوصية بالوالدين، والأمر باتباع سبل المؤمنين بين هذه الأوامر والنواهي يؤكد هذا المعنى. فالآيات تعلمنا أن للإحسان دخلا في العبادة، وفي العشرة مع الوالدين، وفي التعامل مع أهل الإيمان، وفي المراقبة، وفي الصلاة، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الصبر والتواضع، وفي ترك تصعير الخد، وترك المشي المرح، وأن من الإحسان القصد في المشي، وغض الصـوت فـي الكلام، وكلها آداب، وهي مظاهر من الإحسان والهداية68».

 يفهم من هذا كله، أن تربية الأبناء تربية إسلامية سليمة هي من مسؤولية الآباء بالدرجة الأولى، وأنهم مسؤولون عن ذلك أمام الله عز وجل، يقول الشاعر:

وينشـأ نـاشئ الفتيان منـا على مـا كـان عوده أبـوه

ما دان الفتى بحـجى ولكن  يـعـــوده الـتديــن أقــربــوه

 ويقول الإمام الغزالي: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه ونشأ عليه سعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم مؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له، وقد قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، ومهما كان الأب يصونه من نار الدنيا فأن يصونه من نار الآخرة أولى، فصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره»69.

 وبناء على ذلك كله، نرى «أن الجميع أفقر ما يكونون إلى تربية إيمانية صادقة، تغسل قلوبهم من حب الدنيا، ومن حب أنفسهم، وتأخذ بأيديهم إلى الله تبارك وتعالى، وتحررهم من العبودية للأشياء والأهواء، وللأوهام، ليعتصموا بالعبودية لله وحده، وبذلك يطهرون عقولهم من الشرك، وقلوبهم من النفاق، وألسنتهم من الكذب، وأعينهم من الخيانة، وأقوالهم من اللغو، وعبادتهم من الرياء، ومعاملاتهم من الغش، وحياتهم من التناقض»70.

لائحة المصادر والمراجع

ــ القرآن الكريم برواية حفص.

ــ أحكام القرآن لأبي بكر أحمد الرازي الجصاص، د.ت، دار الفكر، بيروت، لبنان.

ــ أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف ابن العربي المعافري الأندلسي، تحقيق: علي محمد البجاوي، 1407ھ/1987م، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

ــ إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، د.ت، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، مصر.

ــ الأساس في التفسير لسعيد حوى، ط1، 1405ھ/1985م، دار السلام للطباع والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر.

ــ أصول التربية الإسلامية وأساليبها لعبدالرحمن النحلاوي، 1979م، دار الفكر، دمشق، سوريا.

ــ أصول السرخسي، لـمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، ط1/1997م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

ــ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد حامد الفقي، د.ت، دار الفكر.

ــ أنوار التنزيل وأسرار التأويل لناصر الدين أبو سعيد عبد الله البيضاوي، 1968، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر.

ــ البحر المحيط في التفسير، لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي 1412هـ/1992م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

ــ التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور، 1997م، الناشر دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، الجمهورية التونسية.

ــ تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله علوان، ط2، 1398ھ/1978م، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ــ تفسير الجلالين للإمامين جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، أشرف على إعداده ومراجعته: الشيخ محمد فهمي أبو عبيه والأستاذ مروان سوار والأستاذ عبد المنعم العاني، 1407ھ/1987 م، دار الريان للتراث، مصر.

ــ تفسير القرآن للإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: الدكتور مصطفى مسلم محمد، ط1، 1410ھ/1989م، مكتب الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.

ــ تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط1/ 1980م، دار الفكر.

ــ التفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم الخطيب، د.ت، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر.

ــ التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج للدكتور وهبة الزحيلي، ط2، 1424ھ/2003م، دار الفكر، دمشق، سوريا.

ــ تفسير النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، 1950م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

ــ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، تحقيق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ط1، 1420ھ/2000م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

ــ جامع البيان في تأويل آي القرآن لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري المحقق: أحمد محمد شاكر، ط1، 1420ھ/2000م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

ــ الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد بن سورة الترمذي، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، ط. جديدة مرقمة أبوابها على تحفة الأشراف للمزي، د.ت، دار الحديث، القاهرة، مصر.

ــ الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، د.ت، دار الشعب، القاهرة، مصر.

ــ جامع العلوم والحكم لعبد الرحمن بن رجب الحنبلي، ط1/ 1408ھ، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

ــ الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه لمحمد بن إسماعيل البخاري، ط1/1419ھ/1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ــ الحياة الربانية والعلم ليوسفالقرضاوي، ط1، 1416ھ/1995م، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر.

ــ الدر المنثور لجلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن السيوطي، ط 1983م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

ــ الرعاية لحقوق الله للحارث بن أسد المحاسبي، د.ت، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر.

ــ سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، مراجعة وضبط وتعليق: محمد محي الدين عبد الحميد، د.ت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

ــ السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط1، 1414ھ/1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ــ سنن ابن ماجه القزويني بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي المعروف بالسندي، بدون تاريخ، دار الجيل، بيروت، لبنان.

ــ سنن النسائي لأحمدبن علي بن شعيب النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي، ط1، 1348ھ/1930م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

ــ صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، وقف على طبعه، وتحقيق نصوصه، وتصحيحه وترقيمه، وعد كتبه وأبوابه وأحاديثه، وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، ط1، 1403ھ/1983م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ــ عون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، ط2، 1415ھ، ط1، 1410ھ.

ــ فتح البيان في مقاصد القرآن لأبي الطيب صديق بن حسن بن علي الحسين القنوجي، عنى بطبعه وقدم له وراجعه : عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، ط2، 1415ھ/1995م، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان .

ــ في ظلال القرآن لسيد قطب، ط9، 1400ھ/1980م، دار الشروق، القاهرة، مصر.

ــ قواعد الأحكام الكبرى في مصالح الأنام لأبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، دراسة وتحقيق:محمود بن التلاميد الشنقيطي، دار المعارف، بيروت، لبنان.

ــ القواعد الحسان في تفسير القرآن لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، 1408ھ/1987م، المملكة العربية السعودية.

ــ القواعد الصغرى لعبد العزيز بن عبد السلام السلمي، تحقيق: إياد خالد الطباع، ط1، 1416ھ، دار الفكر المعاصر، دمشق، سوريا.

ــ كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي لعلاء الدين عبدالعزيز بن أحمد البخاري، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، ط3، 1417ھ/1997م، دار الفكر العربي، بيروت، لبنان .

ــ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل للعلامة جار الله أبو القاسم محمود ابن عمر الزمخشرى، 1407ھ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

ــ لطائف الإشارات للإمام القشيري، قدم له وحققه وعلق عليه: الدكتور إبراهيم بسيوني، ط2/ 1981م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ــ المبسوط لشمس الدين السرخسي، تصنيف: خليل الميس، 1406ھ/1986م، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

ــ مجموع الفتاوى لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن محمد قاسم، د.ت، مكتبة ابن تيمية.

ــ محاسن التأويل لمحمد جمال الدين القاسمي، ط2، 1398ھ/1978م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

ــ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية، تحقيق: المجلس العلمي بفاس، المجلس العلمي بمكناس، 1975ھ/1991م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط.

ــ مدارج السالكين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن قيم الجوزية، صححه وعلق عليه: محمد رشيد رضا، د.ت، مطبعة المنار، القاهرة، مصر.

ــ المسند لأحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، تحقيق: أحمد محمد شاكر، 1414ھ/1994م، دار الجيل.

ــ مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، المكتبة العتيقة ودار التراث.

ــ المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حققه وخرج أحاديثه: حمدي عبد الحميد السلفي، ط2، 1405ھ/1985م، مطبعة الزهراء الحديثة.

ــ مفاتيح الغيب المشتهر بالت0.1.فسير الكبير لمحمد الرازي فخر الدين الرازي، قدم له: الشيخ خليل محي الدين الميس، 1415ھ/1995م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

ــ منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلي بن حسام الدين بن عبد الملك الشهير بالمتقي الهندي، ط1، 1410ھ/1990م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

ــ المنتقى شرح موطأ مالك، 1332ھ/1914م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

ــ منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب، 1412ھ/1992م، دار الشروق، بيروت، لبنان.

ــ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار لمحمد بن علي الشوكاني، تعليق: عصام الدين الصبابطي، ط1، 1413ھ/1993م، دار الحديث، القاهرة، مصر.

ــ نحو توحيد الفكر التربوي لمحمد فاضل الجمالي، د.ت، الدار التونسية للنشر.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
مقاصد القرآن الكريم (2): مجموعة بحوث، 2016، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن،ص 361-410.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

صوت وصورة

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

المقاصد الفكرية للقرآن الكريم

أحمد كافي: أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، الدار البيضاء، المغرب. محتويات المقال:المحور الأول: المقاصد الفكرية: جهود سابقة في المفهوم والمضمونالمبحث الأول: جهود في المصطلح وجذورهالمبحث الثاني: المقاصد الفكرية...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

من المقاصد التربوية في القرآن الكريم

عبد النور بزا: باحث متخصص في مقاصد الشريعة، أكاديمية مكناس، المغرب. محتويات المقال:-1- ضبط الإشكال-2 - مدخل البحث-3- تحديد مصطلحات عنوان البحثأ - مصطلح المقاصدب - مصطلح التربيةج - مصطلح المقاصد التربويةالمطلب الأول: مقصد...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد إصلاح التفكير الإنساني في القرآن الكريم

محمد عوام: باحث بمركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط مقدمةالمبحث الأول: إصلاح التفكير الإنساني بالعلم والقراءةالمبحث الثاني: إصلاح التفكير الإنساني بالبرهنة والاستدلال- المسألة الأولى: كونه عز وجل صاحب الحجة البالغة- ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إصلاح التفكير الإنساني بالعلم والقراءة

محمّد عوّام نبدأ بأول ما نزل من القرآن الكريم، إذ يظهر من إنعام النظر فيه، أنه أول إصلاح للتفكير الإنساني يؤكده القرآن المجيد، ففي ذلك حكم ومقاصد في غاية الأهمية، وله دلالات قوية، وإشارات بليغة، فأول ما نزل من كتاب الله ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

التواصل والصلة: أخلاقيات وآليات في التأليف والنصوص العربية الإسلامية

كمال عرفات نبهان محتويات المقال:تمهيدالمبحث الأول: موضوع البحث: الذيول والصلات وتواصل النصوصالمبحث الثاني: تسميات كتب الذيول والصلاتالمبحث الثالث: أنواع التذييل ووظائفهلمبحث الرابع: أبعاد التذييلالمبحث الخامس: جهود المؤل...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

العلوم العربية بين نظرية المعرفة والتاريخ

رشدي راشد 1 الحديث عن تاريخ العلوم عادة ما يطولُ ويتَشعبُ ليقفَ بنا أمامَ سؤالٍ ما انفك يُلحُّ على المؤرخين: أين ومتى بدأ هذا البحثُ الذي ما فتئ يهمُ المؤرخين للحضارة ويستلهِمُه فلاسفة العلوم؟ وردي على هذا السؤال هو أن ت...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top