أكمل الدين إحسان أوغلي
يمكن اعتبار هذا البحث خلاصة لدراسة استطلاعية قام بها الكاتب في كتاب أ. إحسان أغوغلي و ر. ششن وآخرون وعنوانه: تاريخ الأدبيات الجغرافية في العهد العثماني،(مجلدان،تحرير أ. إحسان أوغلي، إستانبول 2000). ورغبة في عدم استخدام قوائم طويلة من الهوامش في هذه الدراسة، فقد رؤي ذكر المراجع التي استقر الرأي على كونها ضرورية. ومن أجل الاطلاع على دراسة مجملة للعلوم العثمانية، انظر أ. إحسان أوغلي: تاريخ الدولة العثمانية ومجتمعها وحضارتها History of the Ottoman State, Society and Civilization، مجلد 2، نشر IRCICA، إستانبول 2002، وعن المؤسسات العلمية انظر ص 515-537، وعن الأدبيات العلمية أنظر ص 517-603. وانظر الطبعة العربية لهذا الكتاب (الدولة العثمانية تاريخ وحضارة) من ترجمة صالح سعداوي، طبعة1999 إستانبول. |
تعكس الأدبيات الجغرافية العثمانية الخصائص الرئيسية للعلم العثماني، وهي بذلك تتصف بجوانب مشتركة مع فروع المعرفة الأخرى لنفس الحقبة. وعن هذه الملامح المشتركة، فإن بالإمكان القول إن الأدبيات الجغرافية العثمانية أخذت تتطور مرتكزة على التراث العلمي والثقافي الذي سبق العثمانيين، وإن أدبيات جديدة ازدهرت من خلال إسهامات الأواسط العلمية في المراكز الثقافية الجديدة داخل حدود الإمارة العثمانية الآخذة في التوسع، والتي نمت لتتحول إلى إمبراطورية مترامية الأطراف. وعلى العكس من الفروع العلمية الأخرى التي تطورت خلال الفترة ذاتها، فإن الأدبيات الجغرافية العثمانية تدل على أنها أقامت مع الجغرافيا الحديثة الآخذة في التطور في أوربا، اتصالات مبكرة أكثر وثاقة على الصعيدين العلمي والنظري.
وكما حاولنا تبيانه في الدراسات السابقة، فإن الموروث التقليدي أو الكلاسيكي والموروث الحديث وُجدا جنباً إلى جنب في فروع المعرفة المتعلقة بعلم الفلك والرياضيات والطب العثمانية، التي اتخذت منهجاً مشابهاً في تطويرها. بيد أن المنهج الحديث في مجال الجغرافيا أصبح أكثر بروزاً من المنهج التقليدي أو الكلاسيكي، وذلك منذ وقت مبكر يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي. وإن أسباب هذا التطور على الأرجح نجمت عن الحقيقة التي مؤداها أن الحاجة إلى المعلومات الحديثة في الجغرافيا ورسم الخرائط قد كانت قد بدأت منذ وقت أبكر وأما فيما يتعلق بالخلفية المؤسسية، وعلى النقيض منّ فروع المعرفة الأخرى، فإنه لم يكن يتم تعليم الجغرافيا في المعاهد العلمية العثمانية التي تعرف باسم المدارس، وعلى الرغم من أن العلماء الذين تلقوا تعليمهم في المدارس كتبوا مؤلفات تدخل في نطاق تراث الجغرافيا التقليدية، ومع أن أغلب ضروب النشاطات الفكرية والعلمية الأخرى كانت تجري في المدارس، فإن الجغرافيا لم تكن جزءاً من منهاج تلك المدارس. ولعل هذا يفسر غياب الآلية التي يمكن بها استمرار الأدبيات القديمة وإعادة إنتاجها.
وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين أنشأ العثمانيون أثناء توسع الإمبراطورية العثمانية،قوة بحرية عظيمة في البحر الأبيض المتوسط. وانتشروا في البحر الأسود والبحر الأحمر والخليج الفارسي والمحيط الهندي، وحاربوا الأساطيل الأوربية، وتمكنوا من اكتساب معلومات وطرائق جديدة، من منافسيهم الأوربيين حول الملاحة، في أوائل عهد إمبراطوريتهم.
ومن الصعب التمييز بوضوح بين النهجين الكلاسيكي التقليدي والحديث في الأمثلة الأولى من الأدبيات الجغرافية العثمانية. ومثلما هو الحال في المظاهر الأخرى للثقافة العثمانية، فإن هناك تواجداً للشرق و الغرب والقديم والجديد، قد وجد جنباً إلى جنب دائماً بطريقة دقيقة في تعقيدها، وأن الانفصال كان يحدث بين الفينة والفينة في مُدَدٍ طويلة. وفي حالة الجغرافيا، فإن سيطرة الجغرافيا الأوربية حدثت قبل ذلك، وأصبحت الأدبيات الجغرافية الأوربية الحديثة أكثر تأثيراً ابتداءً من القرن السابع عشر الميلادي فصاعداً.
وقد ساد في الحقبة الكلاسيكية أو التقليدية نوعان من الأدبيات الجغرافية: النوع الأول هو الأدبيات التي كانت جزءاً من التراث الجغرافي الإسلامي الذي تطور ضمن البيئية الثقافية للمدرسة التقليدية. والنوع الثاني هو الأدبيات التي أنتجها الملاحون والعلماء الذين لم يكونوا مرتبطين بالمدرسة المباشرة، وارتكز في أغلبه على الجغرافيا ورسم الخرائط الأوربية.
ويمكن دراسة الأدب الذي تطور في أوساط المدرسة ضمن فئتين رئيستين: تحتوي الأولى على أعمال حول الجغرافيا العلمية الإسلامية،بينما تتألف الثانية من الأعمال تمحورت حول ما يمكن تسميته بالجغرافيا الشعبية.
التراث الهليني الإسلامي:
ورث العثمانيون تراثاً جغرافياً علمياً إسلامياً، خضع بدوره لتأثير من الموروث العلمي الهليني. ويُطْهر الأمر الذي وجهه السلطان محمد الثاني(الفاتح) إلى أميرتُزَس الطرابيزوني (ت.880هـ/1475م) وولده محمد بترجمة كتاب بطلميوس في الجغرافيا إلى العربية اهتمام ذلك السلطان العثماني بالجغرافيا. وهناك نسختان من هذا المؤلف في مكتبة أياصوفيا تحملان رقمي 2596 و2611، ويرد اسم السلطان محمد الثاني في مقدمة النسخة الأولى، غير أن خرائطها مفقودة. أما النسخة الثانية فتحتوي على الخرائط، إلا أن اسم السلطان غير موجود2. وكان كتاب بطلميوس في الجغرافيا قد تُرجمة في عدد من المناسبات في بدايات العصر العباسي على وجه التقريب. لكن نسخ هذه الترجمات ضاعت ولا توجد الآن سوى النسخ التي أمر محمد الفاتح بترجمتها3.
وعلاوة على ترجمة كتاب بطلمويوس، قام علماء عثمانيون كتب تنحو نحو موروث الجغرافيين المسلمين التقليديين، مثل (( أوضح المسالك)) الذي وضعه سباهي زاده (ت 997هـ/1589م)4، و((مناظر العوالم)) الذي ألفه عاشق محمد ابن عمر (كان حياً عام 1022هـ/1613م)5. وقد استدرك المؤلفون الذين صنّفوا هذا النوع من الأعمال على معارفهم بالمادة التي أخذوها من كبت جغرافيين آخرين تقليديين. ولهذه الكتب أهمية فيما يتعلق بالجغرافيا العثمانية. ولا بد من أن نلاحظ أيضاً أن العلماء العثمانيين أفادوا من المصادر العربية التقليدية. ولم تكن ثمة حاجة ماسّة لترجمة هذه الكتب إلى التركيبة لأنهم جميعاً كانوا يتقنون العربية إتقاناً تاماً. ولذا فإنهم لم يترجموا أياً من الكتب المؤلفة ضمن هذا النهج ترجمة كاملة. غير أن لدينا بعض المصادر التي تدل على أنه قد جرت ترجمة كتاب الاصطخري.
وإضافة إلى ذلك، فإن المؤلفين الذين تعلموا في المدارس التقليدية، وصنعوا كتباً في جغرافية أماكن مثل مكة والمدينة ودمشق ومصر والنيل والقدس وفصائلها. أما الملاحظات الجغرافية التي أضافها هؤلاء العلماء الذين نشأوا في دوائر العلم الكلاسيكية في المدارس فقد زاد من أهمية تلك المؤلفات. وتحتوي هذه الكتب معلومات عن بعض الأماكن والمدن الواقعة ضمن الحدود الجغرافية للإمبراطورية العثمانية.
وتشكل كتب المنازل (منازل نامه) لوناً هاماَ من ألوان الأدبيات الجغرافية العثمانية، ويمكن للمرء دراسة هذه المؤلفات في مجموعتين رئيسيتين، حيث نرى في المجموعة الأولى كتباً يطلق عليها ((منازل الحج)). ويعثر المرء على عدد كبير من هذه المؤلفات في الأدبيات الجغرافية العثمانية. وتذكر هذه المؤلفات مسافات الطرق من الوصلة من إستانبول والقاهرة ودمشق إلى مكة المكرمة، بناءً على حساب الأميال أو الساعات. كما أنها تصف خصائص الأماكن المسكونة الوقعة بجوار تلك الطرق. وقد كُتِب بعضُ تلك المؤلفات نثراً، بينما وُضع بعضها الآخر نظماً. ومن أهمها: كتاب منازل الحرمين (ت)6 بقلم شمس الدين محمد ( القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي)7 وهو أقدم مؤلف أمكن العثور عليه حول هذا الموضوع. وبعد هذا الكتاب مباشرة يأتي كتاب(( منازل الحج)) (ت) بقلم قيت الداوودي (كان حياً عام 1193هـ/1779م)8. وتجئ أهمية هذا المؤلف من أنه-على النقيض من عديد المؤلفات الأخرى-يورد المسافات بين المحطات أو المنازل على أساس الأميال بدلاً من الساعات. وثمة كتاب آخر لا مندوحة عن ذكره، وعنوانه (( بهجة المنازل)) (ت). لمؤلفه محمد أديب بن محمد درويش (كان حياً عام 1194هـ/1779م)9. وهذا الكتاب الذي نشر في إستانبول عام 1232هـ/1817م جدير بالتنويه من حيث أسلوبه الأدبي. وقد قام المستشرق م. بيانكي Bianchi بترجمته إلى الفرنسية تحت عنوان ((الرحلة من القسطنطينية إلى مكة: كتاب منسك الحج itinéraire de constantinople à la Mécque, traduction de l’Ouvrage Turc : kitab Menadik el-Haj ونشر عام 1826م في باريس.
ومن الأمثلة المهمة على كتب النازل التي وضعت نظماً كتابٌ عنوانه (( وصف المنازل من مصر إلى مكة، ومن الشام إلى مكة، ومن دمشق إلى مكة ومن القدس)) (ت) الذي نظمه فتحي أفندي (القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي)10. وأبرز خصائص هذه الأعمال أنها جاءت جرياً على نهج الجغرافيا التقليدية، وأهم من هذه وذاك أنها احتوت على معلومات تتعلق بوصف منطقة بعينها.
أما المؤلفات من المجموعة الثانية، فتتألف من (( كتب منازل)) جرى تأليفها لأغراض عسكرية، والمؤلف الأكثر قيمة من بينها، هو Beyan-i- Menazil sefr Sfer-i Irakeyn مطرقجي نصوح (ت 971هـ/1564م)11. وهو يحتوي بالإضافة إلى الشروح الضافية، على صور منفصلة [منمنمات] لعديد من المدن والقلاع. وقد نشر حسين يورد ايدين هذا المؤلف الذي يتميز أيضاً بقيمة فنية رفيعة في عام 1976م، في أنقرة؛ وظهر بالفاكسميلي بين منشورات الجمعية التاريخية التركية.
عجائب المخلوقات:
ثمة لون آخر من ألوان الأدبيات الجغرافية العثمانية جدير بالملاحظة، يحتوي على ترجمات وتصانيف اقتفت اثر كاتب (( عجائب المخلوقات))، أو سلكت مسلك كتب من هذا النوع مؤلفة باللغة التركية. وأغلب مصنفي هذه الكتب ممن حصلوا على تعليمهم في المدارس التقليدية. وقد بدأت هذه المجموعة من المؤلفات بترجمات حرة ذات طابع أدبي. وتشمل هذه الكتب التي دونت بأسلوب مسلّ شبه خرافي، مزيجاً من المواضيع، مثل علم الكوزمغرافيا، والجغرافيا والنبات والحيوان. وكانت تقوم في صيغتها التركية على ترجمات حرّة لكتاب زكريا القزويني (ت681هـ/1283م) الموسوم بـ ((عجائب المخلوقات))12، وكتاب ابن الوردي الذي عنوانه(( خريدة العجائب)) ويلاحظ أن مصنفي الكتب التركية أضافوا عبارات ونصوصاً من مؤلفات شتىّ في الجغرافيا وغيرها من المعلومات التي توفرت لهم. وهناك اثنتا عشرة ترجمة تركية لهدا النوع من المؤلفات؛ يأتي في طليعتها كتب حملت عنوان ترجمة ((عجائب المخلوقات)) بقلم علي ابن عبد الرحمن (كان حياً عام 857 ه /1398م )13. وأحمد بيجان (كان حياً عام 857ه /1453م )14. كذلك صدرت مصنفات عديدة من هذا القبيل في القرون التالية، ويعود آخر مثال على هذه المؤلفات إلى أواسط القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي. وهي 14(( تكميل ترجمة عجائب المخلوقات)) بقلم رودوسي زاده (ت1113هـ/1701م)15، و(( مرآة عجائب المخلوقات)) لحسين بن محمد (كان حياً عام 1115هـ/1703م)16. ومن بين هذه الترجمات التركية الاثنتَيْ عَشرة لعجائب المخلوقات، تأتي ترجمات حظيت بشهرة كبيرة هي ترجمات لأحمد بيجان وسروري (ت969هـ/1562م)17، وحمود بن أحمد الخطيب الرومي (كان حياً عام 970هـ/1563م)18. وبإمكاننا إضافة الكتب التالية ضمن موروث (( عجائب المخلوقات))، وأهمها(( الدر المكنون)) لأحمد بيجان، و(( تذكرة العجائب وترجمة الغرائب)) لأيوب أبن خليل (كان حياً عام 977هـ/1569م)19. وترجمة كتاب ابن زُنْبُل (( قانون الدنيا)) لعبد الرحمان عَبْدي أفندي (كان حيا في عام 983هـ/1575م)20، و((عجائب المخلوقات)) أو (( مرآة الكلمات)) لحُسام الدين البورصوي (ت1042هـ/1623م)21، وترجمة مشعل الازدهار في عجائب الأقطار (( لرضوان باشازاده)) (القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي)22.
بواكير الأدبيات الحديثة:
ألف الملاحون والعلماء الذين لم تكن لهم صلة قوية بالدوائر الأكاديمية في المدارس كتباً جغرافية تحت تأثير المدرسة الجغرافية الأوربية قبل الحديثة، وعنيت عناية خاصة برسم الخرائط. وقد قدم قدماء الجغرافيا من بين هذه المجموعة أقدم النماذج على المؤلفات التي وصلة إلينا، مثل إبراهيم الكاتبي التونسي (كان حياً عام 816هـ/1413م)23، وإبراهيم المرسي (كان حياً عام 865هـ/1461م)24. وقد جاء هذان العالمان من تونس والأندلس على التوالي، ووضع كل منهما خرائط بحرية للبحر المتوسط وغرب أوربا. ومن المرجح جداً أن العثمانيين استخدموا هذه الخرائط، بيد أنه لا تتوفر لدينا في الوقت الحاضر معلومات كافية لنسهب في الحديث عن مدى علاقة المسؤولين العثمانيين بهذين الخرائطيين الذين ينتميان إلى شمال إفريقيا والأندلس، واحتل أمير البحر الملاح بيري رئيس Piri Reis (أعدم في القاهرة سنة 960هـ/1554م) موقع الطليعة بين العثمانيين في استخدام جغرافيا أوروبية الطراز25. وكتابه الموسوم بـ ((كتاب البحرية)) الذي شجع فيه بقوة استخدام الخرائط والبوصلة وكذلك الخريطتين الهامتين اللتين رسمهما للعالم، يمكن أن يعدّ بين المؤلفات الموثقة التي تحتوي على معلومات صحيحة، إذا ما أخدنا في الحسبان الحقبة التي تنتمي إليها. وقد وصلت- حتى الوقت الحاضر-نسخ عديدة من(( كتاب البحرية)) وبعض أجزاء من خريطته اللتين رسمهما للعالم. وإلى حد بعيد فإن كلاً من خريطتي العالم والخرائط الموجودة في (( كتاب البحرية)) دقيقة وتجتذب إعجاب العلماء المعاصرين. ويصف ((كتاب البحرية)) بلغة تركية متقنة وعرض مفصّل، سواحل البحر المتوسط والمناطق القريبة، والبحر الأحمر والخليج الفارسي، والمحيط الهندي، والجزر والطرق البحرية والشواطئ، إلى جانب المدن والقلاع الواقعة حولها. وقد وُضع هذا الكتاب ليكون دليلاً للملاحين العثمانيين.
وقد استفاد بيري رئيس في تأليف كتابه من المؤلفات الجغرافية للملاحين البنادقة والجنويين والإسبان والبرتغاليين والعثمانيين. وظهرت ثلاث طبعات لهذا الكتاب في تركيا، كما قام العلماء الأتراك والغربيون بنشر العديد من المقالات حوله.
ومن الأمثلة الناجحة على هذه المدرسة في الجغرافيا، المؤلفات التي يعود تاريخها إلى الحقبة ذاتها، والتي حطتها أقلام الحاج أحمد التونسي (كان حياً عام 967هـ/1559م)26، وسيدي علي رئيس (ت 970 هـ/1563م)27، وذلك إضافة إلى الأطلس الذي وضعه علي مجار رئيس (كان حياً عام 975هـ/1567م)28. وحسب بعض الروايات التاريخية فقد كان في استانبول اهتمام كبير برسم الخرائط التي هيّأت بيئة مناسبة لتطوير علم وفن رسم الخرائط الحديث. بل إن المصادر تأتي على ذكر فرع من مهرة المحترفين كان منصرفاً للقيام بهذا العمل وفي القرن السابع عشر كان هناك خمسة عشر محترفاً من هؤلاء يعملون في ثمانية دكاكين في استانبول، يرسمون الخرائط للملاحين وغيرهم من المهتمين الآخرين. وكانوا يعرفون اللغة اللاتينية، واستطاعوا الإفادة من أعمال مثل (( الأطلس الصغير)) 29Atlas Minor، وخريطة العالمّ Mappemonde. فقد انتجوا خرائطهم وفقاً للمعلومات التي تحتويها هذه الأعمال30.
وفي الحقبة الكلاسيكية أو التقليدية من التاريخ العثماني، يمكننا الاستشهاد بكتب تشمل على معرفة بالجغرافيا الإسلامية والجغرافيا الأوروبية في وقت واحد. ومن هذه الأمثلة الكتاب المرسوم ب (( تاريخ جزر الهند الغربية والعالم الجديد)) المنسوب إلى محمد السعودي (ت 999هـ/1591م)31، ويحوي هذا الكتاب معلومات حول الكشوف الجغرافية في القرن السادس عشر والعالم الجديد. ووضع هذا المؤلف استناداً إلى المصادر الجغرافية الإسبانية والإيطالية، وهو عمل مهمّ؛ إذ يميط اللثام عن مدى متابعة العثمانيين الحثيثة للكشوف الجغرافية في العالم الجديد. ويتألف من ثلاثة أقسام، غير أن الوزن الحقيقي للعمل المؤلف من ثلثي الكتاب، يمكن في القسم الثالث الذي يتحدث عن رحلات كولمبس (Columbus) وبالبو (Balboa) وماجلان (Magellan) وكرتيز (Cortes) وبيزارو(Pizarro) على مدى ستين سنة، ابتداءً من اكتشاف كولمبس لأمريكا عام 1492م وحتى عام 1552م. والقسمان الأول والثاني من الكتاب معنيّان بالعالم القديم والمحيط الهندي. وأما المصادر التي اعتمد عليها هذا الجزء من الكتاب فقد أخذها صاحبه من المؤلفات الجغرافية والخرائط الإسلامية. وكثيراً ما يذكر المؤلف هذه الكتب الجغرافية، وأكثر ما يفعله هو الاستشهاد بما يقوله السعودي. ومن المؤلفين الآخرين الذين يرد ذكرهم علماء من أمثال ابن الوردي والطوسي والسيوطي والإمام الرازي. غير أن المؤلف في القسم الثالث الذي يتناول العلم الجديد، لا يذكر عناوين الكتب وأسماء مؤلفي الكتب الجغرافيا الأوربية التي رجع إليها، أما تناول الكتاب للكشوف الجغرافية عام 1552م فيعطينا-إلى درجة ما- فكرة عن مدى قدرة العثمانيين آنذاك على متابعة التطورات في الغرب.
وقد استطاع الجغرافيون العثمانيون الحصول على معلومات عن الغرب والشرق في وقت لم تكن تتوفر فيه بأوربا خرائط للشرق مرسومة بدقة. ويدل ذلك على أن العثمانيين كانوا أكثر تقدماً في هذا المضمار مما اعتقده الناس. ويمكن تقسيم الخرائط التي وضعها الجغرافيون العثمانيون إلى ثلاث مجموعات. وقد احتوت المجموعة الأولى على خرائط اندمجت فيها المعلومات الأقدم بالمعلومات الأحدث عهداً. أما المجموعة الثانية فقد تكوّنت كلها من نَسخٍ للخرائط الأوربية التي لم تعد أصولها موجودة. بينما تكونت المجموعة الثالثة من مؤلفات أصيلة للجغرافيين العثمانيين، ومن الأمثلة على هذه المجموعة خرائط بيري رئيس للبحر المتوسط، ومثلها بعض خرائط أعدها علي مجار رئيس لأطلسه المبني على ملاحظاته الخاصة به. وقد عُثِر على ثلاث نسخ من الأطلس الإمبراطوري (الأطلس الهمايوني) الذي يبدوا أنه كان معداً لتقديمه أو عرضه على السلطان. وتظهر هذه النسخ تحت الاسم نفسه بسبب تشابهها. وأُعدّت هذه الخرائط التي هي من نوع بورتْلَنْد(Portland) من خلال المقارنة بين المعلومات القديمة والحديثة المتوفرة. وقد أفادت هذه الأطالس التي يبدو أنها أُثنْتِجَتْ بيت الأعوام 957-975هـ/1550-1567م إفادةً واسعة النطاق من الخرائط الإيطالية؛ وفي الوقت ذاته يستطيع المرء أيضاً أن يجد الخرائط الأصلية لمدن استانبول، سلانيك، وغاليبولي.
الأدبيات الحديثة:
في هذه المدة أبدى كتاب جلبي (ت1067/1657م) العالم الموسوعي الشهير الذي ظهر في القرن السابع عشر الميلادي اهتماماً بالجغرافيا32. ويخبرنا أن الاهتمام بالجغرافيا تزايد بدرجة مثيرة ولا سيما خلال الحقبة 1645-1669م عندما وقعت المعارك بين العثمانيين والدول الأوربية الكبرى واستولى العثمانيون على جزيرة كريت33. وقد تبيّن لكتاب جبلي أن الأعمال التي ألّفها الجغرافيون المسلمون كانت تعاني من مآخذ عديدة، وتحتوي على معلومات غير دقيقة عن الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا الحضرية (جغرافيا المدن). ويقول في هذا الصدد: (( ولهذا السبب قمت بترجمة الصيغة المختصر (( لكتاب الأطلس)) الذي يعيد من أحدث الكتب التي ألفت باللغة اللاتينية. كما ألحقت بهذه الترجمة المعلومات التي تحويها المؤلفات الإسلامية الأخرى))34. ونتيجة لمقارنة الأعمال التي صنفت في الشرق والغرب حول هذا الموضوع، اتضح له أن الدراسات الجغرافية التي أجريت في العالم الإسلامي لم تلبّ حاجات العصر. وتوصل إلى نتيجة، مفادها أن الأوربيين بسطوا هيمنتهم على بحار العالم بسبب المعلومات الجغرافية التي حصلوا عليها. وفي مجال الجغرافيا ترجم كتاب جبلي إلى التركية المؤلف الذي كُتِب باللاتينية، وعنوانه ((الأطلس الصغير))، وقد ألّفه مركاتور Mercator (1594م) بمساعدة فرنسي اعتنق الدين الإسلامي، اسمه محمد إخلاصي. وجعل كاتب جبلي عنوان كتابه ((لوامع النور))35.كما ألف كاتب جبلي كتابه الموسوم بـ ((جهاننما Cihannuma معتمداً في ذلك على مصادر شرقية وغربية، وعرض قائمة بالمصادر في مقدمة الكتاب36 .
وتطور لدى العثمانيين قدر من الاهتمام بالمصادر الجغرافية الأوربية في القرن السابع عشر، أكبر مما كان عليه الحال في الحقبة السابقة ( من القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين فصاعداً). ويمكن إيراد سببين اثنين لاهتمام العثمانيين بالمؤلفات الجغرافية الأوربية؛ أولاً: أن العثمانيين والمسلمين عامة حاولوا التعويض عمّا تعانيه معلوماتهم من نقص حول المناطق التي بقيت خارج نطاق عالمهم، وذلك بدراسة المؤلفات الجغرافية التي وضعها الأوربيون وثانياً: أن بإمكاننا ذكر وجهة النظر العثمانية القائمة إنه كان للجغرافيا ورسم الخرائط دور كبير في التوسع الأوربي وكذلك في التقدم ونموّ القوة العسكرية والسياسة للأوربيين، وبناءً على ذلك رغب العثمانيون في الإطلاع على الجغرافيا المعاصرة للوقوف في وجه أوربا (( الغازية)). نظراً لهذين السببين وبخاصة ابتداءً من القرن السابع عشر فصاعداً، تيسّر للعثمانيين الاطلاع على جديدة عن الشرق الأقصى، وأوروبا وأمريكا، من خلال ترجمة الكتب الجغرافية التي صُنّفت باللغات الأوربية، مثل اللاتينية والفرنسية، والتي تحتوي على معلومات دقيقة منظمة مرتبة، وكما يلاحظ في مثال مؤلّف كاتب جلبي جهاننما الذي سبقت الإشارة إليه، من خلال عملية الحصول على معلومات جديدة، جادت قرائح الجغرافيين العثمانيين وأقلامهم بأدبيات جغرافية ذات شأن، وقد وضعوا خرائطهم وفقاً للمعلومات الواردة في هذه الأعمال. وعلى الرغم من أن كاتب جلبي استعان في معظم الحالات بالدراسات السابقة أثناء تأليفه لأعماله سالفة الذكر، فإن تأليف كتابه(( جهاننم)) يجب أن يعد علامة بارزة في مسيرة الأدبيات الجغرافية عند المسلمين.
وهذا الكتاب هو الأهم في مجال الجغرافيا بعد كتاب بيري رئيس، وفي المُدَد اللاحقة أخد الجغرافيون العثمانيون في الإفادة من المصادر الأوربية على وتيرة أخذت تتزايد بصورة تدريجية. كذالك استعان كاتب جلبي بالمؤلف المعروف باختصار بالأطلس الكبير (Atlas Major) (1663-1667،14 مجلداً) الذي وضعه فيلهالم بلايو (Wilhelm Blaeu) وابنه جوان (Joan) ولفت نظر كبار الساسة إلى هذا العمل، وتُرجم(( الأطلس الكبير)) وهو أحد أعظم المؤلفات في عصره إلى التركية، على يد أبي بكر ابن بهرام الدمشقي (ت 1102هـ/1691م)37 بتشجيع من السلطان محمد الرابع (ت1693م)، بعد وقت قصير من نشره. واكتملت ترجمته التي عنوانها (( نصرة الإسلام والسرور، في تحرير أطلس مايور)) في عام 1685م38. ويحتوي هذا العمل الذي يقدم معلومات إضافية عن تاريخ أوربا وأمريكا وجغرافيتهما، على خرائط عديدة أيضاً. ويُقسم الكتاب إلى أقسام حول بلدان مختلفة، كما يحوي كل قسم معلومات منفصلة عن الجغرافيا الطبيعية والحضرية والزراعية والغابات والبشر والعادات والمعالم التاريخية والمدن الإدارة السياسية والمؤسسات التعليمية والدينية. وقام الدمشقي بترجمة حرّة لهذا المؤلف في تسع مجلدات كُرّست للمواضيع التالية:
المجلد الأول للجغرافيا العامة، وعلم وصف الكون، والمجلدات من الثاني إلى الخامس لأوربا، والمجلد السادس لإفريقيا، والسابع لإيطاليا والثامن للصين، والتاسع لأمريكا والجُزر.
وألف الدمشقي كتابين آخرين بناءً على هذه الترجمة، يمثل أحدهما الصيغة المختصرة لترجمة (( الأطلس الكبير)) وعنوانه (( مختصر نصرة الإسلام والسرور))39. كما يشمل ملحقاً عن الجغرافيا العثمانية، أما الآخر فعنوانه (( رسالة في الجغرافيا))40، وهو رسالة قصيرة بالغة العربية، تتناول مواضيع في الجغرافيا الطبيعية (مثل شكل الأرض، والمناطق الجغرافية)، والجغرافيا البشرية، والجغرافيا الفلكية، وذلك إلى جانب معلومات فنية حول البوصلة.
وجاء بعده جغرافيون آخرون، أمثال بوتروس بارونيان (Petros Baronian) (كان حياً عام 1151هـ/1738م)41، وإبراهيم متفرقة (توفي حوالي عام 1160هـ/1737م)42، وبارطينلي ابراهيم حمدي (كان حياً عام 1200هـ/1786م)43، وعثمان بن عبد المنّان (توفي حوالي عام 1200هـ/ 1786م)44.
وكان بعضهم من المسلمين الذين اعتنقوا الدين الإسلامي. وقد أنجز هؤلاء أعمالاً عن طريق الترجمة من اللاتينية واللغات الأوربية الأخرى.
ومن بين الجغرافيين الذين سلف ذكرهم قام بيتروس بارونيان بترجمة كتاب جاك روب (Jacques Robbs) الذي عنوانه منهج تعلم الجغرافيا (La Méthode pour apprendre facilement la géographie) إلى التركية تحت عنوان (cem-numà fi Fan al- Cografya) جَمْنُمَا في فن الجغرافيا.
فقد كان الاهتمام الذي أثاره كتاب (( جهاننم)) لكاتب جلبي في الأوساط العلمية طبعه من جانب إبراهيم المتفرقة، قد دفع بارونيان (Baronian) إلى ترجمة المؤلف الذي يحتوي على معلومات عن الرياضيات الأوربية (الجديد)، والجغرافيا الطبيعية، وعلم الفلك البحري، وهو الأمر الذي لم يُطرح بالغة التركية حتى ذلك الحين45، وذلك علاوة على وصف لخريطة الكرة الأرضية ورسمها،كما أضاف خريطة للبحر المتوسط، وطرح مقاييس الرسم الخاصة بالخرائط حسب الأميال الإسلامية والفرنسية والإيطالية.
أما إبراهيم متفرقة (ت1747م) المعروف بمؤسس أول دار طباعة إسلامية في العالم العثماني، فكان في الوقت ذاته دبلوماسياً وعالماً موسوعياً. وقد قام بوضع كتاب (( جهاننما)) عام 1732م مع خرائط وملحقات متنوعة قام بإضافتها. وأورد متفرقة في هذه الملحقات معلومات جديدة عن الأناضول وبلاد العرب، أخذها من ترجمة (( تذييل الطابع)) حول علم الفلك الجديد، حيث يتحدث باستفاضة عن مواضيع من قبيل (( نوذج الكون)) حسب أنظمة بطلميوس(Ptolemy) وكوبرنيكو (Copernic) وتيخو براهة(Tycho Brahe) على نظرية الدّوامة (Wirlpool) لديكارت (Descartes). كما يذكر إبراهيم متفرقة أيضاً مساهمات أرسطو (Aristoteles) وغاليليو (Glileo). وقام متفرقة الذي كان يعد نفسه جغرافياً سنة 1730م بطبع كتاب الجغرافيا الموسوم بـ (( تاريخ الهند الغربي)). الذي سبقت الإشارة إليه.
وألف بارطينلي إبراهيم حمدي كتاباً عنوانه (( أطلس جهان)). واستفاد أثناء تأليفه من الكتابين الذين عنوان أحدهما (( الأطلس السماوي والجغرافي الجديد)) وأطلس بلاد الفلمنك الجديد، كما أدرج فيه ترجمة لبعض الأقسام من كتاب المهندس كاريو (Karyo) عن تاريخ الحرب، وكتاب غاسبار سكوت (Gqspqr Scott) عن الرياضيات والمعمار الحربيّ، وكتاب ريموند غراف فون مونت كوكولي (Raymond Graf von Montecucculi) (ت1680م) الذي عنوانه (( تعليقات عسكرية)) (Commenterii Bellici)46.
أما عثمان بن عبد المنان (توفي حوالي 1200هـ/1786م) فقد ترجم من الألمانية إلى التركية المؤلف الذي عنوانه (( الجغرافيا العامة التي تفسر الآثار العامة على الأرض)) Geographia Generalis in Qua Affectionnes Generalles Tllurie Explicantur وضعه برنارد فارينيوس bernhard Varenius (1600-1676) وهذا الكتاب الذي وضع أساساً باللغة اللاتينية طبع لأول مرة سنة 1650م في أمستردام، وللمرة الثانية في كمبريدج سنة 1681م بمعرفة نيوتن قد ترجم للفرنسية وكذلك للألمانية، وهو من أهم المؤلفات الجغرافية الأوربية في القرن السابع عشرة. وقام عثمان بن عبد المنان بترجمة حرة لهذا المؤلف مبرزاً مواضيع الفلك والجغرافيا الطبيعية، ومستبعدا بعض أجزاء منه ذات علاقة بالرياضيات والفيزياء. وأدخل هذا المترجم إضافات على مقدمة هذا المؤلف وخاتمته وأعطاه شكلاً جديداً. ويشرح في المقدمة موقع الأرض في الفضاء. كما أضاف المترجم معلومات جديدة تتعلق بالجغرافيا العثمانية، وسرد المعلومات التاريخية سرداً زمنياً حسب التواريخ الهجرية. وقد وضعت هذه الكتب المقتبسة من الأدبيات الأوربية أساس الفلك والجغرافيا الحديثتين في الأوساط العلمية العثمانية،بما في ذلك بعض المعلومات المتصلة بنظرية كوبرنيكوس47.
تقارير السفراء وكتب الرحلات:
لقد ألفت وترجمت في الأدبيات الجغرافية العثمانية كتب عديدة وثيقة الصلة بالجغرافيا الوصفية. وهذه الكتب تأتي على هيئة كتب الرحالين وتقارير السفراء، ويصادف المرء هذا النوع في كل من المرحلتين التقليدية والحديثة. ويأتي في طليعة هذه الأدبيات كتاب (( خطاي نامه)) بقلم أكبر خطاي (كان حياً عام 922هـ/1516م)48. وقد قام المؤلف نفسه بترجمة هذا العمل الذي دوّن أصلا بالغة الفارسية إلى التركية. وهو يصف فيه انطباعاته في بلاد الصين. كما أن الكتاب الموسوم بـ ((عجائب نامهء هندستان )) بقلم أحمد بن ابراهيم التوقادي (القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي) يقدم لنا مثالاً طريفاً آخر49.
وابتداءً من القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي فصاعداً، يشاهد المرء زيادة كبيرة في عدد تقارير السفراء، (سفارت نامه) تصف غالبيتُها بلداناً أوربية.
وقد قمنا في كتاب (( تاريخ الأدبيات الجغرافية في العهد العثماني )) بإدخال تقارير السفراء، تلك التي تتعلق بالجغرافيا، إضافة إلى تلك التي تحتوي على معلومات عن الجغرافيا السياسية والطبيعية والبشرية للبلدان التي زارها هؤلاء السفراء. وهذا يعني أن مثل هذه الأعمال لا تقتصر على تقديم معلومات وروايات عن الأمور السياسية دون غيرها.
ولا بد لنا من الحديث-من بين الأعمال سالفة الذكر- عن تقارير السفراء التي كتبها السياسيون ممن كانوا أدباء أيضاً، مثل يكرمي سكز محمد جلبي50، وأحمد رسمي أفندي51. وأحمد واصف أفندي52، وهي أعمال ذات أهمية من حيث أنها تحتوي على قدر كبير من المعلومات عن الجغرافيا البشرية والثقافة والحضارة للبلدان التي زارها هؤلاء السفراء وقد أتيح بفضل هذه الأعمال لرجال الإدارة والفكر العثمانيين التواصل إلى فهم أفضل للبلدان الأوربية. ومن الطبيعي أن تكون آراء هؤلاء السفراء حول ما وصفوه وما أوْلوه جلَّ اهتمامهم، والأشياء التي عثروا عليها، قد أسهمت بصورة خاصة في تطوّر نظرة المثقفين العثمانيين للعالم.
وإضافة إلى تقارير السفراء التي تصف انطباعات الوفود التي أُرْسلت إلى البلدان الأوربية، كانت هناك تقارير سفراء أعدت في ظل تأثير الحقبة التقليدية، وأبرزها كتاب بوزوقلي عثمان شاكر (1232هـ/1817م) (( سفارتنامهء ايران))53. ولا يشمل هذا الكتاب نوع المعلومات التي تحتوي عليها تقارير أحمد رسمي ويكرمي سكز محمد جلبي، غير أنه- وعلى غرار مؤلَّف مطرقجي نصوح –يحتوي منمنمات للعديد من مناطق الأناضول التي رسمت بدرجة عالية من الدقة. ويتبن من نظرة مقارنة للموضوع كيفية استفادة العثمانيين من الموروثين التقليدي والغربي.
وعلاوة على الأعمال التي سلف التطرق إليها، لا مندوحة لنا عن ذكر كتاب (( سياحت نامه )) لأوليا جلبي (ت 1093هـ/ 1682م). وهو أوسع ما ألف من كتب الرحلات حول العالم العثماني. وهو في الوقت ذاته أحد أكثر الأمثلة شمولاً من نوعه في الأدبيات العالمية. كما أنه عمل أدبي وتاريخي رفيع القيمة54. ففي هذا السفر الشهير ذي المجلدات العشرة، يقدم أوليا جلبي وصفاً ورواية حية لتاريخ المناطق التي ساح فيها، وثقافتها ومأثورها الشعبي؛ ويقدم معلومات جغرافية حول الولايات والمدن التي كانت واقعة في الأجزاء الأوربية والآسيوية والإفريقية للإمبراطورية، مثل سوريا والعراق وبلاد اليونان وترانسلفانيا وغيرها من ولايات البلقان. وأود في الوقت ذاته وصفاً مفصلاً لملاحظاته عن بعض الأصقاع المجاورة، مثل المجر والنمسا وأذربيجان وجورجيا واستراخان وبعض المناطق القوقازية الأخرى التي جال فيها أثناء مشاركته في الحملات العسكرية. وبالإضافة إلى كتب الرحلات الهامة هذه التي جرى تدوينها في الحقبة التقليدية، خطَّت أقلام أهل الفكر العثمانيين كتباً أخرى مماثلة في حقبة التحديث، وسنأتي على ذكرها في ما يلي.
لقد اكتسبت حركة التجديد العسكري التي كانت قد بدأت فعلاً في أوائل القرن الثامن عشر، بعداً جديداً على أثر تحطيم الروس للقوات البحرية العثمانية في موقعة جشمه عام 1770م. وكان من أبرز مظاهر هذه الحركة إنشاء مدرسة الهندسة العسكرية التي هدفت إلى الإفادة من التجربة الأوربية على الصعيد المؤسسي وذلك عام 1775. وقد عرفت هذه المدرسة عموماً باسم (( الهندسخانة)). وأدخلت الجغرافيا ورسم الخرائط في مناهجها، وبذلك بدأ النشاط يدب في الأدبيات الجغرافية العثمانية، والمعروف أن الطلبة الذين درسوا في الهندسخانة التي افتتُحت في الترسانة البحرية عام 1775م، قاموا بعملية مسح أرضية تطبيقية، ولم يصل إلينا حتى اليوم مناهج الدراسة في هذه المؤسسة التي أطلق عليها اسم المهندسخانة عام 1781م. ولذلك فإننا لا نعرف ما إذا كان يحوي دوساً جغرافية أم لا. وكان عام 1797م هو العام الذي أنشئت فيه أقسام لدراسة بناء السفن والملاحة في مدرسة الهندسخانة في (( الترسانة البحرية)). وتقررت دروس في علم رسم الخرائط في هذه الأقسام، ثم اتخذت (( المدرسة)) ((اسم)) (( الهندسة البحرية الهمايونية، أو السلطانية)) [المهندسخانه ] بعد وضع قانون مدارس الهندسة موضع التنفيذ في عام 1806م. وبموجب هذا القانون أدخلت دروس الجغرافيا في مناهج الصفين الثاني والثالث في (( مدرسة الهندسة[المهندسخانه] الجديدة)) التي أنشأها السلطان سليم الثالث عام 1793م، واتخذت اسم (( مدرسة الهندسة البحرية السلطانية)) (مهندسخانهء بئ همايون)55.
وقد وضع المعلم الأول لهذه المدرسة حسين رفقي طماني (ت1816م) كتاباً عنوانه(( المدخل في الجغرافيا)) نشره تلميذه إسحاق أفندي عام 1830م56. وقد أدخلت أيضاً دروس الجغرافيا التي كان يجري تدريسها في المهندسخانة في مناهج المدرسة الحربية التي تأسست في عام 1834م. كما كانت تدرس الجغرافيا وعلم وصف الكون (الكوزموغرافيا) في الصفين الثاني والثالث الإعداديين في هذه المدرس على التوالي57. وفي أثناء عهد التنظيمات [بدأت عام 1839م]، أدخلت دروس الجغرافيا ضمن مناهج المدارس المتوسطة الحديثة العامة المعروفة باسم المدارس الرشدية والإعدادية. وتم تأليف العديد من الكتب الدراسية في الجغرافيا عهد التنظيمات. ونشر سليم ثابت أفندي (ت 1910م)58 كتاباً في الجغرافيا عنوانه مرشد المعلمين (رهنماى معلمين) rehnÜmã-yi Muallimîn عام 1874م. وذكر في مقدمته لهذا الكتاب أن الطلاب يستعملون في حصص الجغرافيا القارات الخمس ويتعلمون رسم الخرائط59.
وإبتداءً من مطلع القرن التاسع عشر للميلاد تخلى العثمانيون تماماً عن الجغرافيا القديمة، واقتفوا بدقة أثر التطورات الجغرافية في أوربا. لذلك لا نرى شيئاً من المخطوطات في الجغرافيا. والواقع، فإن إنتاج المخطوطات الفلكية والرياضية بل حتى الطبية حسب المفهوم العلمي الكلاسيكي في هذا القرن اعتمد على ما إذا كانت هذه العلوم لا تزال تدرس في المؤسسات التقليدية أم لا. ولما كانت الجغرافيا غير مدرجة ضمن مناهج المدارس، فقد انتهى أمر هذا الموروث في وقت مبكر.
ومع انتهاء الدور المهم للمدارس (التقليدية القديمة) في النظام التعليمي العثماني، وازدهار المؤسسات التعليمية والمدارس الحديثة التي وفرت تعليماً عالياً عسكرياً أو مدنياً على درجة عالية من الاحتراف، فقد أنتج بعض خريجي مدارس الهندسة والأكاديمية العسكرية الذين تلقوا تعليمهم في أوربا مؤلفات أصيلة في رسم الخرائط والجغرافيا، بل إن بعض خريجي المدارس (القديمة) أخذوا في التعامل مع الجغرافيا الحديثة. وأُعدت في هذه المدة كتب عديدة طبقاً للمناهج المدرسية. ونتيجة لذلك، فقد حدثت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر زيادة كبيرة في عدد كتب الجغرافيا وأنواعها، كما حدث الأمر نفسه في بعض الميادين الأخرى. وحقق عدد المؤلفات الأصلية زيادة لافتة،لاسيما في المواضيع المتصلة بالإمبراطورية العثمانية أو بولاياتها. وأصبح الجغرافيون العثمانيون يوجهون اهتمامهم إلى إفريقيا وآسيا وبخاصة اليابان. واجتذبت التطورات في اليابان اهتمام المثقفين من العثمانيين الذين صنفوا العديد من المؤلفات عن ذلك البلد.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وكجزء من سياساته الداخلية والخارجية النشطة، جرى إرسال العديد من البعثات إلى الولايات الآسيوية والأوربية والإفريقية التي تتشكل منها الدولة العثمانية، وكذلك أقطار أجنبية متعددة. وطلب إلى هذه البعثات إعداد تقارير بقي جزء هام منها على شكل مخطوطات، بينما تم نشر بعضها فيما بعد على هيئة كتب.
وإلى جانب هذه البعثات المكلفة بمهام معينة، فقد قام بعض المثقفين العثمانيين بترجمات من اللغات الأجنبية لكثير من كتب الرحلات والأسفار إلى إفريقيا واستراليا والقطبين، أو عمدوا إلى تدوين الرحلات التي قاموا بها شخصياً. وهناك من هذه المؤلفات ما هو متصل بالجغرافيا ويُقدم معلومات عن الجغرافيا السياسية والطبيعية أو على الأقل البشرية للبلدان أو المناطق التي سافر إليها هؤلاء، وقد تمت الإشارة إليها والتعريف بها في كتابنا الموسع حول أدبيات الجغرافيا العثمانية.
وقد ألف العديد من الكتب ضمن النهج الجديد في القرنين التاسع عشر والعشرين إلى جانب الترجمات من الجغرافيا الغربية. وحدث التطور ذاته في ترجمة الخرائط ورسومها أيضاً. وقد أعدت خرائط للولايات العثمانية، حيث أسدى علي أشرف باشا (ت1907)60 ومحمد شوقي باشا (ت 1927)61 خدمةً جليلة لتطوير الدراسات في مجالات المسح ورسم الخرائط.
وبالإضافة إلى المعلومات الرسمية الصادرة عن الجيش، فإن بإمكاننا ذكر الأعمال التالية من بين الأعمال الخرائطية البارزة في ذلك العصر. مثل: خرائط مناطق البصرة -بغداد، وبغداد- الموصل التي رسمها المعلم علي بك (ت 1266هـ/1839م)62، وخرائط شبه الجزيرة العربية واستانبول، التي وضعها حسيني بك (كان حياً عام 1278هـ/1861م)63، وخريطة لسوريا -حلب -أضنة -الزور، التي رسمها اسماعيل زهدي بك (كان حياً عام 1303هـ/1886م)64، وخريطة بلاد العرب -عجمستان -تركستان،التي رسمها الحاج محمود بك (كان حياً حوالي عام 1308هـ/1890م)65، والمؤلف الذي عنوانه (( ممالك محروسهء عثمانيه خريطهء عموميه سى نك اصول تسطيحى وترسيماتي حقنده تدقيقات فنيه)) [تدقيقات فنية حول أصول تسطيح وترسيم الخريطة العمومية للممالك العثمانية المحروسة] التي رسمها منمنلى زاده عمر كامل (كان حياً حوالي عام 1310هـ/1892م)66، وكتاب (( الأطلس الجغرافي العثماني)) الذي وضعه محمد نصر الله (كان حياً عام 1909م)67، وخريطة الأناضول الأوسط التي رسمها إسماعيل رمزي (كان حياً عام 1907)68، وخريطة شرق الأناضول - القوقاز -سوريا -مصر -البحر الأسود -إيران التي وضعها الخطاط عزمي من مدينة ديار بكر (كان حياً عام 1912م)69.
ومن المؤلفات في مجال الجغرافيا العمومية العثمانية، يمكننا ذكر الأعمال التالية: (( جغرافية الممالك الشاهانية المحروسة)) بقلم مصطفى راسم (كان حياً عام 1305هـ/1888م)70 ، و(( الجغرافية المنفصلة لممالك الدولة العثمانية)) تأليف علي صائب (كان حياً عام 1308هـ/ 1890م)71 ، و(( جغرافية الممالك الشاهانية المحروسة))، (( مفصل الممالك العثمانية)) تأليف علي توفيق (كان حياً عام 1911)72، لكن ينبغي أن نلاحظ هنا أن بعض المؤلفات في الجغرافيا العامة العثمانية لم تكد تتجاوز مجموعات من المعلومات الموجودة في الحوليات (السالنامات) الرسمية التي كانت تصدرها الدولة ونرى في بعض الأعمال التي ألفها العثمانيون حول الجغرافيا العامة أو حول منطقة بعينها تنتمي إلى الجغرافيا العثمانية، أن أصحابها اعتمدوا على التحليل الشخصي.
وفي نفس المدة تم إنتاج العديد من المؤلفات في مجالات الجغرافيا الاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية للدولة العثمانية، إلى جانب (( ضبط مساحة الأراضي)) والطوبوغرافيا. ويعتبر كتاب محمد خسرو (كان حياً حوالي عام 1303هـ/ 1885م)73 الموسوم بـ(( الجغرافيا التجارية للمالك العثمانية)) أول كتاب حول الجغرافية التجارية. والجدير بالذكر أيضاً أن كتاب حسين رحمي(كان حياً حوالي عام 1307هـ/ 1890م)74 وعنوانه (( الجغرافيا الزراعية والصناعية والتجارية))، وكتاب حسين باشا (كان حياً حوالي عام 1902م)75 الموسوم بـ (( الجغرافيا الزراعية للممالك العثمانية)) من الكتب الجديرة بالتنويه في الجغرافيا الزراعية والصناعية والتجارية. ويخبرنا حسين باشا أنه اعتمد في تدوينه لكتابه على العديد من المؤلفات العثمانية والأجنبية. أما كتاب (( الجغرافيا العسكرية الخاصة بالممالك العثمانية)) لأحمد جمال (كان حياً عام 1310هـ/1892م)76 فهو أول كتاب في الجغرافيا العسكرية. وفي الوقت ذاته فقد نشر حسين حسني (كان حياً حوالي عام 1310هـ/1892م)77 كتاباً عن الجغرافيا والطوبوغرافيا العسكرية. ونعود إلى القول إن كتاب محمد توفيق (كان حياً عام 1909م)78 ((الجغرافيا العسكرية والإستراتيجية )) واحد من الكتب المهم. فقد أفاد المؤلف عند إعداده لهذا الكتاب من عدد كبير من المراجع التي لم يسبق استعمالها من جانب العثمانيين. وبإمكاننا إلى جانب ذلك، أن نذكر مؤلفات كثيرة لسيد اسماعيل حقي (كان حياً عام 1912م)79، ومصطفى شوقي باشا (ت1912م)80 وأحمد شكري باشا (ت1915م)81 حول الاستراتيجية وتقسيم الأراضي والطوبوغرافيا.
وابتداءً من أواخر القرن الثامن عشرة تقريباً بدأ ظهور معاجم في أوربا حول التاريخ والجغرافية العامة تحت اسم (( المعجم العام للتاريخ والجغرافيا))، ويمكن مشاهدة كتب منهذا القبيل في الأدبيات الجغرافية الإسلامية التقليدية، لكن لم يبدأ العثمانيون في وضع الجغرافية بالأسلوب الحديث إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشرة. وأول مثال على هذه الأعمال هو كتاب (( المعجم التاريخي والجغرافي )) الذي أعده ياغلقجي زاده رفعت (ت 1312هـ/1894م)82. وتلا هذا العمل مؤلفٌ وضعه شمس الدين سامي83 (ت1904م) وهو (( قاموس الأعلام ))، ومعجم علي جواد84(1914م) المعروف باسم (( معجم تاريخ وجغرافيا الممالك العثمانية)).
وكتاب شمس الدين سامي عمل ضخم شامل، وكان حتى نشرت دائرة المعارف الإسلامية ترجمة تركية موسعة للموسوعة الإسلامية في ليدن، أكثر الكتب شيوعاً في ميدانه من حيث الاستعمال، وما زال يستخدمه المثقفون في تركيا والعديد من المتخصصين في الدراسات العثمانية حتى الآن.
وقد نشرت كتب مدرسية عديدة في هذه الحقبة، وفي هذا المجال فإن أعمال سليمان شوكت باشا (كان حياً عام 1310/1892)85 وعبد الرحمن شرف (ت1925م)86 كانت تستخدم باعتبارها كتباً مدرسية لسنوات طويلة. كما نشر كلٌ من فائق صبري دروان (ت1934م)87 وعثمان صفوت جاغليانكل (ت1945)88 عدة كتب مدرسية. وقد أعد كل من فائق صبري وعثمان صفوت جاغليانكل كتبهما بطريقة تراعي أصول التعليم الحديث وأساليبه،وهما متشابهان في هذه الناحية. وكان يتم تدريس كتبهما في المدارس أثناء العهد الجمهوري أيضاً.
وتحتل كتب الرحلات (سياحت نامه) في العهد الحديث مكاناً خصاً في الأدبيات الجغرافية العثمانية. ومن بين الأعمال التي سبق ذكرها يستطيع المرء أن يذكر تلك التي دوّنت كتقارير حول الولايات العثمانية أثناء حكم السلطان عبد الحميد الثاني والحقبة التي أعقبت الدستور الثاني (1908م وما تلاه)، إضافة إلى أمثلة جديرة بالاهتمام في الأسفار الشخصية التي قام بها المثقفون العثمانيون، وما زالت غالبية هذه الأعمال مخطوطة.
وعلى امتداد التاريخ العثماني أخذ نطاق الأدبيات الجغرافية في التوسع باطراد كما هو الحال في فروع العلم الأخرى. إذ تزايدت أعداد المؤلفات الجغرافية، فقفزت قفزات كبيرة، وهي تختلف في هذه الناحية عن كتب الفلك والرياضيات89. وحدثت هذه القفزات ثلاث مرات في القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر والقرن العشرين على التوالي. وبينما بلغ مجموع المؤلفات الجغرافية التي أنتجت في القرن الخمس عشرة أربعة مؤلفات، ارتفع العدد والمحيط الهندي والخليج الفارسي. أما القفزة الثانية التي حدثت في القرن التاسع عشرة فقد نجمت إلى حد بعيد عن تزايد الحاجة إلى كتب عن الجغرافيا الحديثة، والتي نشأت جراء إنشاء مدارس جديدة ومؤسسات تعليمية حديثة في جميع أنحاء الامبراطورية، حتى ازداد عدد المؤلفات عن الجغرافيا خلال الربع الأول من القرن العشرين بحوالي أربعة أضعاف بالنظر إلى عددها في القرن الذي سبقه.
كما أن التغيرات الكبيرة في معدل المؤلفات التي تشكل الأدبيات الجغرافية، تتوقف على ما إذا كانت الكتب مطبوعة أم لا تزال مخطوطة. فعلى سبيل المثال تم تأليف 47 كتاباً جغرافياً خلال الحقبة التي امتدت بين طباعة كتاب (( تاريخ النهد الغربية)) وكتاب (( جهاننما)) الذين كانا من بين أول الكتب في الجغرافيا التي طبعت في دار متفرقة للطباعة عام 1729م، وحتى القرن التاسع عشر. ومن هذه الكتب السبعة والأربعين طبعت سبعة كتب فقط، وكانت الأربعون الباقية لا تزال مخطوطة. ولكن في القرن التاسع عشر كان هناك 68 كتاباً مخطوطاً من بين 244 كتاباً حيث ارتفع عدد الأعمال المطبوعة إلى 176. وفي الربع الأول من القرن العشرين زاد هذا المعدل على العموم بين المؤلفات المخطوطة والمطبوعة لصالح الكتب المطبوعة. فقد كان هناك أربعة كتب مخطوطة فقط من بين 335 كتاباً يعود تاريخها إلى هذه المدة، بينما كان هناك 331 كتاباً مطبوعاً.
وكما يفهم من نماذج الأنواع المختلفة من الأدبيات الجغرافية العثمانية وخصائصها التي سبق أن أشرنا إليها باختصار فإن هذه الأدبيات تشكل ميداناً شاسعاً وثرياً جداً للدراسة والبحث. ويظهر من تفحص متأنٍ للعديد من المؤلفات التي يشملها كتاب (( تاريخ الأدبيات الجغرافية في العهد العثماني)) أن المؤلفات التي ظهرت في الفترة الكلاسيكية التي تنتمي إلى التراث الإسلامي كانت تصدر كلها في شكل مخطوطات، بينما تميزت الأدبيات الجغرافية الحديثة بالانتماء إلى عهد الطباعة.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: علوم الأرض في المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الخامس لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي– 24-25 نوفمبر 1999 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 107-160. |